المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب خفية وراء الحرب الجنوبية !



عبد الواحد جعفر
27-04-2012, 11:06 AM
أسباب خفية وراء الحرب الجنوبية !
خاص/سودان سفاري
ربما بدت الأهداف الجنوبية من وراء اعتداءاتها المتكررة على السودان والسعي لجرِّه الى حرب شاملة، ذات أبعاد سياسية فى ظاهرها، وتدور بصفة عامة حول محاولة خلخلة البنيان السياسي فى السودان، وتليين صلابة الإرادة السياسية وتحطيم النواة السياسية الرئيسية للسودان بصرف النظر عن نظام الحكم القائم، أو السلطة الحاكمة، وذلك – ببساطة شديدة – لأن الاعتداء على أرض دولة -أى دولة- ومحاولة فرض إرادة أجنبية عليها يستحيل على عاقل أن يتصور أنه عمل يستهدف نظام الحكم القائم.
أيضاً ربما لعب عنصر الهوية والثقافة دوراً بدرجة ما ولو فى الجانب الخفيّ غير الواضح من ذهن القادة الجنوبيين الذين اعتقدوا خطأً ومنذ أيام الحرب الأهلية الطويلة، أنَّ الاختلاف الثقافى والتبايُن فى الهوية والعرق سبب كافٍ لفصل إقليمهم، ومن غير المستبعد – فى قراءة جديدة – لهذه الرؤية الثقافية القديمة الجديدة – أن يكون شعور الدونية، أو انتشار الثقافة المخالفة وطغيانها ساهم بدرجة كبيرة فى لاشعور القادة الجنوبيين فى الحركة الشعبية ليدفعهم بإتجاه محاولة دفن هذه الهوية وطمرها فى التراب والعودة – من جديد – لمحاربتها ومحاولة الثأر منها قصاصاً من ماضٍ ما يزال يؤلمهم وإن مضي وانقضي.
ولعل خير دليل على فرضية العنصر الثقافي وعنصر الهوية هذا، سعي حكومة الجنوب لخلق وإنشاء حزام ثقافي مماثل لها بدعمها لمتمردي جنوب كردفان والنيل الازرق على إمتداد الحدود المشتركة مع السودان أملاً فى أن يصبح هذا الحزام- جداراً عازلاً- ما بين البلدين، فقد بدأ يتضح بجلاء الآن أن رغبة الانفصال العارمة لدي قادة الحركة كان مردّها الأساسي التخلص من السودان بمعطياته المعروفة كافة؛ للتخلص من هاجس ظل يؤرق العديد من قادة الحركة الذين يعانون عقدة ثقافية شديدة التبريح والألم.
لهذا يجدون مشقة شديدة فى التحاور مع السودان والتعامل معه، تعامل دولة لدولة، وليس أدلّ على ذلك من أن قادة الحركة الشعبية رفضوا – بإصرار غريب وغير مبرر البتة – سداد رسوم تصدير النفط الجنوبي بالقيمة التى عرضها السودان؛ ليس لأنَّ القيمة المطلوبة تلحق خسارة اقتصادية بموازنتهم العامة، ولا لأنّ القيمة المعروضة غير متعارف عليها دولياً أو بدعة اقتصادية ترهق كاهل الحكومة الجنوبية. السبب الرئيس الذى لم يفصح عنه القادة الجنوبيين أنهم يستكثرون القيمة لكونها تصب فى صالح الاقتصاد السوداني، كما أنهم فى حالة رضاؤهم بسدادها يشعرون وكأنّهم – فى قبضة الدولة الأم – التى يريدون منها فكاكاً.
لهذا – وفى هذه النقطة بالذات – دفعوا أثماناً باهظة لإنشاء خط مكلف ومرهق اقتصادياً وأمنياً وعديم الجدوي الاقتصادية ويمرّ بدول لها تقلبات سياسية وتعقيدات قبيلة وأمنية بالغة.
كما أهدروا مئات الملايين من الدولارات التى كان من الممكن أن تغنيهم عن كل ذلك لو دفعوها للسودان فى سبيل منع السودان منعاً باتاً من أن يظل الدولة الأم التى تنال فوائداً اقتصادية وتظل فى درجة متقدمة علي بلادهم.
الشعور السياسي هنا مختلط بدرجة كبيرة بالمشاعر الشخصية والدوافع الفردية الممعنة فى التواريخ الشخصية والسِيَر الذاتية والأهواء للقادة الجنوبيين. ولكي ندلل على ذلك يمكننا أن نلاحظ بوضوح كيف جاء قرار الهجوم على هجليج بصورة غير منسجمة مع الوقائع التي كانت حاضرة وقتها، وكيف أن النتائج والآثار الكارثية بدت غير محسوبة وغير مُكترثٌ بها، بدرجة أرعبت حلفائهم فى أوربا والغرب عموماً واستغربوا لها غاية الاستغراب، إذ ليست هنالك خطط إستراتيجية لاقتصاد الدولة الجنوبية ولا وجود لأولويات جديرة بالتقدير والاحترام، فالنوازع الخاصة والتصورات العابرة لعبت ولا تزال تلعب دوراً محورياً فى تحركات قادة الحركة الشعبية بحيث لم يهمَّهم البتة خسارة أكثر من مليار دولار فى حرب لا طائل من وراءها مصحوبة بإختلال حاد فى الموازنة العامة للدولة الوليدة، وصلت الى حد تضاعف أسعار الوقود والسلع الأساسية بصورة لم يسبق لها مثيل حتى فى أحلك أيام الحرب.
من المؤكد أنّ هذه الأسباب الخفية غير المعلنة والتي يصعب على المراقبين عموماً تصورها، هى العناصر الأساسية الكامنة وراء هذه التصرفات المتناقضة والموتورة.
http://www.sudansafari.net/main-analysis/5-mainanalyisis/18884-2012-04-16-08-00-52.html

عبد الواحد جعفر
27-04-2012, 11:08 AM
إحراق حقول هجليج.. دوافع ونتائج!

خاص/سودان سفاري

قالت وزارة النفط السودانية إنها تمكنت – مستعينة بدول صديقة – من إخماد النيران التى أشعلها الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان فى آبار ومنشآت النفط فى منطقة هجليج السودانية الحدودية، قبل أن يجبره الجيش السوداني على إخلائها مخلفاً وراءه قتلي وجرحي وآليات عسكرية ظهيرة الجمعة الماضية.
وقال وزير النفط السوداني الدكتور أحمد الجاز إنّ عمليات الحرق والتخريب شمِلت محطة المعالجة المركزية وخطوط الأنابيب الناقلة ومحطات الكهرباء ومحطات التجميع والمخازن الرئيسية ومحطات التشغيل إضافة الى المساكن والاتصالات، وأضاف الجاز عقب عودته من جولة تفقدية للمنشآت النفطية فى هجليج مؤخراً، إن عمليات إشعال الحريق والتخريب لم تتم بصورة عشوائية عادية وإنما تمت على يد خبراء أجانب.
ويثير هذا الوضع الغريب تساؤلات عدة حول طبيعة الأهداف التى رمت إليها عملية الهجوم علي هجليج واحتلالها، فقد بدا واضحاً أن تدمير منشآت النفط وإحراقها إحراقاً كاملاً كان جزءاً من أهداف العملية، وربما كان هدفاً رئيسياً الغرض منه القضاء علي النفط السوداني تماماً وإخراجه من موازنة الدولة السودانية – نهائياً – وهذه هى المؤشرات التى على أساسها وضحَ أن الحرب -فى جوهرها- اقتصادية بالدرجة الأولي ولعل أبلغ دليل على ذلك الاستعانة بخبراء أجانب متخصصين فى عمليات تخريب وإحراق آبار البترول لأن من المعروف فنياً أن حرق آبار النفط وتدمير منشآته يحتاج الي معرفة فنية لأن سائل النفط كما هو معروف عبارة عن عناصر كيميائية لا يمكن إلحاق الأضرار بها إلا عبر عمليات كيميائية معقدة لا تتوفر للأشخاص العاديين، خاصة وأنّ عمليات الحرق والتدمير كانت مربوطة بمدي زمني معيّن ؛ كما أنها كانت تتطلب منحها أطول وقت ممكن حتى يتسع نطاق التدمير بأقصي درجة ممكنة، كما أن أبلغ دليل إضافي على ذلك التسجيلات الصوتية التى عرضها جهاز الأمن والمخابرات السوداني – الخميس الماضي – والتي تضمنت توجيهات صريحة لقادة جنوبيين لقادة الجيش الشعبي فى هجليج بالعمل على إحراق المنشآت النفطية إذا ساءت الأمور، وتغلب عليهم الجيش السوداني وهو ما حدث بالفعل.
غير أن الغريب فى هذا المنحي أن عملية التدمير والإحراق إذا كانت الهدف الوحيد، كان من الممكن أن تتم دون الحاجة لإحتلال المنطقة وعبر عملية استخبارية، الأمر الذى يشير الى أن عملية الإحراق والتدمير لم تكن الهدف الوحيد، وإنما كانت هدفاً – ضمن أهداف أخري – للعملية ولهذا رأينا كيف غالطت الحركة الشعبية بشأن ملكية هجليج، وأدهشت العالم بأسره عبر هذه المغالطة، فقد كانت هذه المغالطة مجرد غطاء لعمليات أخري. ونشير هنا الى أن جزء من الأهداف الأخرى إشغال وإلهاء الحكومة السودانية حتى تتمكن عناصر الجبهة الثورية من شقّ طريقها فى عمق جنوب كردفان ولذلك رأينا المحاولات المستميتة من جانب المتمردين للإستيلاء على منطقة تلودي، و أم دافوق فى وقت واحد على اعتبار ان الجيش السوداني سوف يجد صعوبة بالغة فى صدّ أكثر من هجومَين متزامنين فى وقت مشترك واحد.
وعلى ذلك يمكن القول إن دخول هجليج فى الواقع كان فى تقدير الذين خططوا له، وهم بهذا الصدد ليسوا عناصر الحركة الشعبية فقط، أن يحقق عدداً من الأهداف تصب كلها فى إضعاف السلطة المركزية الحاكمة فى الخرطوم وتهيئة المناخ لسقوطها، وفى ذات الوقت إضعاف اقتصاد السوداني حتى تختلّ المعادلة بين البلدين ليتقدم الجنوب فى المرحلة المقبلة وتكون له الغلبة – الى الأبد – على السودان.
وبالطبع لن يفوتنا أن نشير هنا الى أن كل هذا لم يتحقق وكان من المستحيل أن يتحقق بسبب الوعي والحس الوطني السوداني، ولعل من مفارقات الظروف والأقدار أن كل ما فعلته الحركة الشعبية من تخريب للنفط السوداني يأتي خصماً على النفط الجنوبي الذى لا مجال مطلقاً للدولة الجنوبية للسيطرة عليه طالما أنها مَدِينة اقتصادياً للسودان!

عبد الواحد جعفر
27-04-2012, 11:11 AM
هل حقاً دعمت أمريكا إحتلال هجليج ؟
بابكر فيصل بابكر
( أمريكا وحلفائها اتخذوا من الجنوب منصة انطلاق لاسقاط النظام بالخرطوم حتى لو تمَّ ذلك عن طريق شراء الجنوبيين. أن معركة هجليج استغلت فيها حركات دارفور والحركات الشعبية والجنوبيين لاحتلال المدينة ومحاولات احتلال بقية المدن وصولاً للخرطوم ). إنتهى
الإقتباسُ أعلاهُ من حديث الدكتور نافع على نافع لدى مُخاطبته العمَّال في إطار دعم المجهود الحربي فيه إتهامٌ واضحٌ لأمريكا وحلفائها بدعم إسقاط النظام الحاكم في السودان إنطلاقاً من جوبا, وأنَّ إحتلال هجليج ليس إلا حلقة ضمن هذا المخطط .
لا شكَّ أنَّ القراءة الصحيحة للمواقف السياسية للدول من قبل صانع القرار أمرٌ في غاية الأهميِّة لأنه يُسهم في إتخاذ القرارات وفق منهج سليم يستند على المعلومات, خصوصاً في إطار التعامل مع دولة كبرى ومؤثرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
يُخطىء الدكتور نافع عندما يقول أنَّ هدف أمريكا هو "إسقاط" النظام في الخرطوم, ويُخطىء كذلك عندما يتهَّم أمريكا وحلفاءها بدعم "إحتلال" هجليج كخطوة في سبيل الوصول لذلك الهدف, لأنَّ كلا الأمرين لا يُحققان المصلحة الأمريكية, ويتعارضان مع الإستراتيجية والأولويات التي وضعتها إدارة الرئيس أوباما في التعامل مع السودان.
أولويات الإستراتيجية الأمريكية المعلنة في السودان تتمثل في ثلاثة أهداف رئيسية. أولها إنهاء الصراع في دارفور بصورة كاملة, و ثانيها, تطبيق إتفاق السلام الشامل بما يؤدي للوصول إلى سودان واحد أو إلى بلدين قابلين للحياة و يعيشان في سلام, و ثالثها, ضمان أنْ لا يشكل السودان ملاذاً آمناً "للإرهابيين" الدوليين.
في إطار سعيها لتحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية إستبعدت إدارة الرئيس أوباما خيار "تغيير النظام " وتبنت بدلاً عنه سياسة "الإرتباط" مع حكومة الخرطوم.
الشواهد على إستبعاد أمريكا لخيار تغيير النظام كثيرة, ومنها سعيها للإسراع في تنفيذ القضايا العالقة من إتفاق السلام الشامل, وذلك عبر جهودها الحثيثة في دعم الوساطة التي تقوم بها الآلية الإفريقية الرفيعة التي يرأسها الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثابو إمبيكي, وكذلك مساندتها الكبيرة للوساطة القطريِّة والتي أدَّت لتوقيع وثيقة الدوحة لسلام دارفور, فضلاً عن التعاون والتنسيق المُستمر مع الأجهزة الأمنيِّة السودانية في ملف الإرهاب الدولي.
كل هذه الشواهد تنفي مساندة أمريكا لإسقاط النظام, ودعمها لإحتلال هجليج الذي يصُبُّ في إتجاه تقويض هذه الأهداف الإستراتيجية سيِّما إذا إنتقل القتال بين دولتي السودان وجنوب السودان إلى مُربَّع الحرب الشاملة بما يعنيه من زعزعة الأمن و الإستقرار في المنطقة ككل ممِّا سيساعدُ على تواجد و نمو تنظيمات "الإرهاب" الدولي على غرار ما يحدث في الصومال ومالي وموريتانيا.
في هذا الإطار أيضاً جاءت تصريحات الدبلوماسي الأمريكي رفيع المستوى " داين سميث " مساعد المبعوث الأميركي الخاص في السودان في دارفور في مارس الماضي ناصحاً المتمردين بالتخلي عن أهدافهم الرامية إلى الإطاحة بالنظام عندما قال في إطار حديثه عن تحالف الجبهة الثوريِّة (كاودا ) : " وجهنا حديثنا إلى تحالف الجماعات المتمردة، بأننا لن نؤيد الإطاحة بالحكومة بالقوة ", وقال كذلك أنهم طالبوا التحالف وخصوصاً المتمردين في دارفور " أن يعملوا مع الحكومة في إتجاه المفاوضات على أساس اتفاق السلام الذي وقع في الدوحة يوليو من العام الماضي ".
الموقف الأمريكي شديد الحساسيَّة تجاه مساندة أى توَّجه يُمكن أن يُنظر إليه بإعتباره إستهدافاً للعرب والمسلمين في السودان, لأنَّ من شأن ذلك خلق مناخ سياسي وبيئة صالحة للجماعات المتطرفة و"الإرهابية", وهو ما عبَّر عنهُ سميث بوضوح عندما قال إنَّ تحالف كاودا يتكون من جماعات غير عربيَّة في المقام الأول ولذلك فإنه " يمكن أن يستقطب العرب الذين يهيمنون على الحكومة السودانية ضد الجميع، بحُجَّة أنَّ العرب يتعرضون لهجوم وكذلك الاسلام يتعرض لهجوم".
على العكس ممَّا قالهُ الدكتور نافع, فإنَّ إحتلال دولة الجنوب لهجليج أحدث تحولاً غير مسبوق في الموقف الأمريكي تجاه الحركة الشعبية والحكومة الجنوبيِّة , فللمرة الأولى ترفض أمريكا تصرفاً جنوبياً بهذا الحسم والوضوح, بل وتعطي الضوء الأخضر للأمم المتحدة و لمجلس الأمن ( الذي تترأسه في الشهر الحالي ) لإدانة التدخل الجنوبي في أراضي السودان والمطالبة بالإنسحاب الفوري وغير المشروط لقوات الجيش الشعبي من هجليج, والتلويح بفرض عقوبات على دولتي السودان.
المتابع للإحاطة الصحفية اليومية للخارجيِّة الأمريكية لاحظ بوضوح الحضور الطاغي لأحداث هجليج طوال أيام الإسبوع الذي تلى دخول القوات الجنوبية لهجليج, وهو أمر لا يحدث عادة إلا مع القضايا المُهمَّة و ذات الأولوية في الشأن الخارجي الأمريكي.
في الإحاطة اليومية التي قدمتها المتحدثة بإسم الخارجية الأمريكية "فيكتوريا نولاند" في 11.4.2012 قالت بخصوص دخول جيش الجنوب لمنطقة هجليج : ( لقد أصدرنا بياناً يدين بشدِّة الهجوم العسكري و دخول قوات الجيش الشعبي في ولاية جنوب كردفان بالسودان ). وعندما سألها احد الصحفيين قائلاً : إدانتكم الشديدة للجيش الشعبي هذه المرَّة غير مُعتادة ؟ أجابته بالقول : نعم.
وفي ذات الإحاطة ليوم 16.4.2012 ردَّ "مارك تونر" الناطق بإسم الخارجية الأمريكية بالإنابة على سؤال بخصوص أزمة هجليج قائلاً : ( كما قلنا نهاية الأسبوع الماضي, نحن ندين بشِّدة الهجوم والتدخل العسكري للجيش الشعبي وإحتلاله لمنطقة هجليج داخل السودان, ونود رؤية إنسحاب جنوب السودان فوراً وبدون شروط من هجليج ).
وفي نفس الإحاطة ليوم 17.4.2012 سأل أحد الصحفيين السيد مارك تونر : هل موقفكم ما يزال متمثلاً في ضرورة إنسحاب الجيش الشعبي من هجليج ؟ وكانت إجابته هى : نعم. وأردف الصحفي قائلاً : هل تطرَّق السفير ليمان لذلك مع الرئيس سلفاكير ؟ وأجاب تونر : أنا متأكد من انهُ تطرَّق لذلك.
و تكرَّر نفس الشىء في الإحاطة ليوم 18.4.2012 عندما عاد مارك تونر ليؤكد موقف أمريكا بالقول : ( رسالتنا الرئيسية هى نفسها التي قلناها بالأمس. نحن ننادي بوقف فوري وغير مشروط للعنف من قبل الطرفين, وهذا يعني أننا نرغب في رؤية إنسحاب فوري لقوات جنوب السودان من منطقة هجليج ).
ولم يتوقف تأكيد الموقف الأمريكي على وزارة الخارجية, بل إمتدَّ للبيت الأبيض حيث صرَّح الناطق بإسمه جاى كارتني في 18.4.2012 بأنَّ الولايات المتحدة ترغب في رؤية ( إنسحاب فوري لقوات جنوب السودان من هجليج ).
أمَّا المبعوث الأمريكي الخاص برينستون ليمان فقد قال إنَّ دخول هجليج كان خطوة "خطيرة للغاية ", وأنَّها تخطت حالة " الدفاع عن النفس", وأنه إذا لم تنسحب قوات جنوب السودان فإنَّ القتال سيذهب أبعد من هجليج, والأوضاع ستتدهور بصورة أكبر.
وقد وردت في كل هذه المواقف الأمريكية كذلك مُطالبة لحكومة السودان بالوقف الفوري وغير المشروط للقصف الجوي لأراضي جنوب السودان, وهو الأمر الذي كرَّرهُ الرئيس أوباما في خطابه المصوَّر والموَّجه لحكومتى الدولتين في الشمال والجنوب.
هذا الموقف الأمريكي قوبل برفض مكتوم من حكومة الجنوب, بإلقائها بعض اللوم على " المجتمع الدولي" لعدم مناصرته لإحتلالها لهجليج, مما حدا بالمثقف الجنوبي الدكتور لام أكول للإعتراف بأنَّ المجتمع الدولي كان حاضراً في التحكيم بين الشمال والجنوب, وكان مناصراً بصورة "عمياء" لمواقف الجنوب, ولكن حكومة الجنوب لم تقل في كل مراحل التحكيم أنَّ هجليج جنوبيَّة وبالتالي فإنهُ ليس من حقها لوم المجتمع الدولي لعدم مساندته لإحتلالها.
في رأي كاتب هذه السُّطور أنَّ قرار إحتلال هجليج كان قراراً جنوبياً صرفاً لم تستشر فيه الحكومة الأمريكية أو غيرها من الحكومات الغربية, وقد كانت وراءهُ أسباباً موضوعيَّة وأخرى ذاتية متعلقة بالحكومة الجنوبيَّة نفسها. الأسباب الموضوعيَّة مرتبطة أساساً بتركة نيفاشا الثقيلة من القضايا المؤجلة, وعلى رأسها وضع جنود الجيش الشعبي السابقين في جنوب كردفان والنيل الأزرق, وترسيم الحدود.
الأسباب الذاتيَّة متمثلة في الوضع الإقتصادي المتدهور ونذر الإنهيار الوشيك للإقتصاد بعد إتخاذ قرار إغلاق حقول النفط وهو ما قال به الرئيس سلفاكير مؤخراً. و الأهم من ذلك سببٌ هيكلي مرتبط بطبيعة العلاقة الشائكة التي تحكم الجيش الشعبي بالمؤسسة السياسية (الحكومة), وهذا هو – في رأيي - العامل الحاسم الذي أجهض المحاولات التي قادها فريق التفاوض الجنوبي عقب زيارته للخرطوم وتعهده بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
ربما يتكشف في مستقبل الأيام أنَّ الجيش الشعبي هو من فرض قرار إحتلال هجليج أو أنهُ رجَّح كفة أطراف داخل حكومة الجنوب تؤيد ذلك الإحتلال في مواجهة أطراف أخرى كانت تعارضهُ وتسعى لحل سياسي عبر التفاوض.
السبب أعلاه أشار إليه بوضوح الباحث و الخبير في الشئون السودانيَّة " أليكس دى وال " في محاضرته عبر الإنترنيت التي ألقاها في السابع عشر من الشهر الجاري, وأثناء إحتلال هجليج في "الجمعيَّة الإفريقية الملكيَّة " محللاً أسباب الأزمة بين الشمال والجنوب عندما قال: ( القيادة في كل من شمال وجنوب السودان غير قادرة في الوقت الراهن على السيطرة بما فيه الكفاية - لا سيما على قواتهما المسلحة - من أجل وضع أي استراتيجية متماسكة ).
الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى, والسياسة الخارجيَّة فيها تقوم على المصالح, ولا تنبني على العواطف, وإذا كان إحتلال هجليج يُحقق لها مصلحة حقيقية تتوافق مع أهداف إستراتيجيتها في السودان والمنطقة لما توانت لحظة في إعلان مساندته, وإذا كانت سياستها تجاه الحكومة السودانيِّة تهدف لتغيير النظام لكانت حرَّكت جيوشها لإزالته مثلما فعلت في أفغانستان والعراق, أو قامت بمساعدة دول أخرى علناً للإطاحة به مثلما فعلت مع بعض الدول العربية ودول حلف الناتو في ليبيا.
أمريكا لا تحتاج – ببساطة شديدة – أن تتخفى خلف ذلك السيناريو الذي رسمهُ الدكتور نافع, والذي أوردناه في صدر هذا المقال.