ابو العبد
26-03-2012, 03:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة والسياسة الدولية
السياسة هي أفكار تتعلق برعاية الشؤون، سواء أكانت قواعد: عقائد أو أحكاماً، أو كانت أفعالاً تجري أو جرت أو ستجري، أو كانت اخباراً. فإذا كانت في أمر واقع كانت سياسة، سواء في أمور حالية أو أمور مستقبلية، وإن كانت قد مضى وقتها أي كانت واقعاً مرّ وفات سواء مرّ حديثاً أو قديماً، كانت تاريخاً. ولذلك فإن التاريخ كان سياسة فأصبح تاريخاً، سواء أكان حقائق لا تتغير بتغير الظروف، وهو ما يجب أن يُحرص على معرفته، أو كان حوادث في ظروف مرت ومرت ظروفه، وهو ما يجب أن يجب أن لا يؤخذ، وأن يكون قارئه في حالة وعي عند قراءته حتى لا يأخذه في ظروف غير ظروفه، فيقع في خطأ، فيقع الضرر مِن أخذه.
والإنسان من حيث هو إنسان، أو الفرد من حيث كونه يعيش في هذه الحياة، هو سياسي يحب السياسة ويعانيها، لأنه يرعى شؤون نفسه أو شؤون من هو مسؤول عنهم أو شؤون أمّته أو شؤون مبدئه أو أفكاره، لأن الأفراد أو الكتل أو الدول أو التكتلات الدولية الذين يتصدون لرعاية شؤون أمّتهم أو دولتهم أو منطقتهم ودولهم، فإنهم يكونون سياسيين طبعاً من حيث كونهم من بني الإنسان، وطبيعياً من حيث طبيعة عملهم وطبيعة عيشهم وسياستهم، ولذلك يكونون سياسيين بارزين، وهم الذين يُطلق عليهم لفظ السياسي، ولا يُطلق ذلك على الفرد العادي لأنه محدود التفكير في أمر رعاية الشؤون ومحدود العمل في الحياة. والبحث في السياسة إنّما يعني السياسيين هؤلاء ولا يعني جميع الأفراد.
وقد عرّف العلماء السياسة بأنها فن الممكنات، أو فن الممكن. وهذا التعريف صحيح، إلاّ أنه من حيث ما جرى عليه الناس من حصرها في الأشياء الآنيّة، وهو خطأ، لأنه يعني الواقعية بمعناها الخاطئ، وهو بحث الواقع والسير حسب هذا الواقع، ولو سلّم بهذا لما وُجد تاريخ ولَما وُجدت حياة سياسية، لأن التاريخ هو تغيير الواقع، والحياة السياسية هي تحويل الوقائع الجارية إلى وقائع أخرى. ولذلك كان تعريف السياسة بأنها فن الممكن تعريفاً خاطئاً حسب فهم الناس له أو حسب فهم السياسيين. ولكن من حيث أن كلمة ممكن تعني المعنى الحقيقي لها، وهي ما يقابل المستحيل والواجب، فإنها صحيحة، لأن السياسة ليست فن المستحيل بل هي فن الممكن فقط. فالأفكار التي لا تتعلق بالممكنات، أو على الأصح التي لا تتعلق بالوقائع الممكنة والواقع، فإنها ليست سياسية، وإنما هي فروض منطقية أو مجرد خيالات حالة أو تخيلات. فحتى تكون الأفكار أفكاراً سياسية، أي حتى تكون الأفكار سياسية، فلا بد أن تتعلق بالممكن، لذلك كانت السياسة فن الممكن لا فن المستحيل.
وحتى يكون المرء سياسياً لا بد أن تكون لديه تجربة سياسية، سواء عاش السياسة وباشرها، وهو السياسي الذي يستحق هذا اللقب أو هذا الاسم، أو لم يباشرها، وهو السياسي النظري. ولأجل أن تكون لدى المرء التجربة السياسية لا بد أن تتوفر لديه ثلاثة أمور هامة: إحداها المعلومات السياسية، والثاني الدوام على معرفة الأخبار السياسية الجارية، والثالثة حسن الاختيار للأخبار السياسية.
أمّا المعلومات السياسية فهي المعلومات التاريخية، ولا سيما حقائق التاريخ، ومعلومات عن الحوادث والتصرفات والأشخاص المتعلقة بهم من حيث الوجه السياسي، ومعلومات عن العلاقات السياسية سواء بين الأفراد أو بين الدول أو الأفكار. فهذه المعلومات هي التي تكشف معنى الفكر السياسي، سواء أكان خبراً أو عملاً أو قاعدة: عقيدة كانت أو حكماً، وبدون هذه المعلومات لا يستطيع المرء فهم الفكر السياسي مهما أوتي من ذكاء وعبقرية، لأن المسألة مسألة فهم لا مسألة عقل. وأمّا معرفة الأخبار الجارية، ولا سيما الأخبار السياسية، فلأنها معلومات ولأنها أخبار عن حوادث جارية، ولأنها هي محل الفهم ومحل البحث، لذلك لا بد من معرفتها. ولمّا كانت حوادث الحياة تتغير قطعاً وتتجدد وتختلف وتتناقض فلا بد من دوام تتبعها حتى يظل على علم بها، أي حتى يظل واقفاً على محطة القطار التي يمر منها القطار فعلاً، ولا يظل واقفاً في محطة لا يمر منها القطار الآن بل كان يمر منها قبل ساعة ثم تغيرت وصار يمر في محطة أخرى. لذلك لا بد من دوام تتبع الأخبار بشكل لازم ومتتابع بحيث لا يفوته خبر، سواء أكان مهماً أو تافهاً. بل يجب أن يتحمل عناء البحث في كومة تبن من أجل حبة قمح، وقد لا يجدها لأنه لا يعرف متى يأتي الخبر المهم ومتى لا يأتي. من أجل ذلك لا بد من أن يظل على تتبع للأخبار كلها، سواء التي تهمّه أو التي لا تهمّه، لأنها حلقات مرتبطة بعضها ببعض، فإذا ضاعت حلقة فُكّت السلسلة، وصعب عليه معرفة الأمر، بل قد يفهم الأمر خطأ ويربط الواقع بخبر أو بفكر انتهى وذهب ولم يعد قائماً. لهذا لا بد من تتبع الأخبار بشكل متتابع حتى يتسنى فهم السياسة.ذ
وأمّا اختيار الأخبار فإنّما يحصل بأخذها لا بمجرد سماعها. فهو لا يأخذ إلاّ الخبر الهام، فهو إذا سمع أن رئيس وزراء فرنسا سافر إلى لندن، فإنه يسمعه ويأخذه، ولكنه إذا سمع أن مستشار ألمانيا سافر إلى برلين أو ذهب إلى واشنطن أو اجتمع بالأمين العام لهيئة الأمم، فإنه يسمعه
يتبع
السياسة والسياسة الدولية
السياسة هي أفكار تتعلق برعاية الشؤون، سواء أكانت قواعد: عقائد أو أحكاماً، أو كانت أفعالاً تجري أو جرت أو ستجري، أو كانت اخباراً. فإذا كانت في أمر واقع كانت سياسة، سواء في أمور حالية أو أمور مستقبلية، وإن كانت قد مضى وقتها أي كانت واقعاً مرّ وفات سواء مرّ حديثاً أو قديماً، كانت تاريخاً. ولذلك فإن التاريخ كان سياسة فأصبح تاريخاً، سواء أكان حقائق لا تتغير بتغير الظروف، وهو ما يجب أن يُحرص على معرفته، أو كان حوادث في ظروف مرت ومرت ظروفه، وهو ما يجب أن يجب أن لا يؤخذ، وأن يكون قارئه في حالة وعي عند قراءته حتى لا يأخذه في ظروف غير ظروفه، فيقع في خطأ، فيقع الضرر مِن أخذه.
والإنسان من حيث هو إنسان، أو الفرد من حيث كونه يعيش في هذه الحياة، هو سياسي يحب السياسة ويعانيها، لأنه يرعى شؤون نفسه أو شؤون من هو مسؤول عنهم أو شؤون أمّته أو شؤون مبدئه أو أفكاره، لأن الأفراد أو الكتل أو الدول أو التكتلات الدولية الذين يتصدون لرعاية شؤون أمّتهم أو دولتهم أو منطقتهم ودولهم، فإنهم يكونون سياسيين طبعاً من حيث كونهم من بني الإنسان، وطبيعياً من حيث طبيعة عملهم وطبيعة عيشهم وسياستهم، ولذلك يكونون سياسيين بارزين، وهم الذين يُطلق عليهم لفظ السياسي، ولا يُطلق ذلك على الفرد العادي لأنه محدود التفكير في أمر رعاية الشؤون ومحدود العمل في الحياة. والبحث في السياسة إنّما يعني السياسيين هؤلاء ولا يعني جميع الأفراد.
وقد عرّف العلماء السياسة بأنها فن الممكنات، أو فن الممكن. وهذا التعريف صحيح، إلاّ أنه من حيث ما جرى عليه الناس من حصرها في الأشياء الآنيّة، وهو خطأ، لأنه يعني الواقعية بمعناها الخاطئ، وهو بحث الواقع والسير حسب هذا الواقع، ولو سلّم بهذا لما وُجد تاريخ ولَما وُجدت حياة سياسية، لأن التاريخ هو تغيير الواقع، والحياة السياسية هي تحويل الوقائع الجارية إلى وقائع أخرى. ولذلك كان تعريف السياسة بأنها فن الممكن تعريفاً خاطئاً حسب فهم الناس له أو حسب فهم السياسيين. ولكن من حيث أن كلمة ممكن تعني المعنى الحقيقي لها، وهي ما يقابل المستحيل والواجب، فإنها صحيحة، لأن السياسة ليست فن المستحيل بل هي فن الممكن فقط. فالأفكار التي لا تتعلق بالممكنات، أو على الأصح التي لا تتعلق بالوقائع الممكنة والواقع، فإنها ليست سياسية، وإنما هي فروض منطقية أو مجرد خيالات حالة أو تخيلات. فحتى تكون الأفكار أفكاراً سياسية، أي حتى تكون الأفكار سياسية، فلا بد أن تتعلق بالممكن، لذلك كانت السياسة فن الممكن لا فن المستحيل.
وحتى يكون المرء سياسياً لا بد أن تكون لديه تجربة سياسية، سواء عاش السياسة وباشرها، وهو السياسي الذي يستحق هذا اللقب أو هذا الاسم، أو لم يباشرها، وهو السياسي النظري. ولأجل أن تكون لدى المرء التجربة السياسية لا بد أن تتوفر لديه ثلاثة أمور هامة: إحداها المعلومات السياسية، والثاني الدوام على معرفة الأخبار السياسية الجارية، والثالثة حسن الاختيار للأخبار السياسية.
أمّا المعلومات السياسية فهي المعلومات التاريخية، ولا سيما حقائق التاريخ، ومعلومات عن الحوادث والتصرفات والأشخاص المتعلقة بهم من حيث الوجه السياسي، ومعلومات عن العلاقات السياسية سواء بين الأفراد أو بين الدول أو الأفكار. فهذه المعلومات هي التي تكشف معنى الفكر السياسي، سواء أكان خبراً أو عملاً أو قاعدة: عقيدة كانت أو حكماً، وبدون هذه المعلومات لا يستطيع المرء فهم الفكر السياسي مهما أوتي من ذكاء وعبقرية، لأن المسألة مسألة فهم لا مسألة عقل. وأمّا معرفة الأخبار الجارية، ولا سيما الأخبار السياسية، فلأنها معلومات ولأنها أخبار عن حوادث جارية، ولأنها هي محل الفهم ومحل البحث، لذلك لا بد من معرفتها. ولمّا كانت حوادث الحياة تتغير قطعاً وتتجدد وتختلف وتتناقض فلا بد من دوام تتبعها حتى يظل على علم بها، أي حتى يظل واقفاً على محطة القطار التي يمر منها القطار فعلاً، ولا يظل واقفاً في محطة لا يمر منها القطار الآن بل كان يمر منها قبل ساعة ثم تغيرت وصار يمر في محطة أخرى. لذلك لا بد من دوام تتبع الأخبار بشكل لازم ومتتابع بحيث لا يفوته خبر، سواء أكان مهماً أو تافهاً. بل يجب أن يتحمل عناء البحث في كومة تبن من أجل حبة قمح، وقد لا يجدها لأنه لا يعرف متى يأتي الخبر المهم ومتى لا يأتي. من أجل ذلك لا بد من أن يظل على تتبع للأخبار كلها، سواء التي تهمّه أو التي لا تهمّه، لأنها حلقات مرتبطة بعضها ببعض، فإذا ضاعت حلقة فُكّت السلسلة، وصعب عليه معرفة الأمر، بل قد يفهم الأمر خطأ ويربط الواقع بخبر أو بفكر انتهى وذهب ولم يعد قائماً. لهذا لا بد من تتبع الأخبار بشكل متتابع حتى يتسنى فهم السياسة.ذ
وأمّا اختيار الأخبار فإنّما يحصل بأخذها لا بمجرد سماعها. فهو لا يأخذ إلاّ الخبر الهام، فهو إذا سمع أن رئيس وزراء فرنسا سافر إلى لندن، فإنه يسمعه ويأخذه، ولكنه إذا سمع أن مستشار ألمانيا سافر إلى برلين أو ذهب إلى واشنطن أو اجتمع بالأمين العام لهيئة الأمم، فإنه يسمعه
يتبع