مؤمن
18-03-2009, 10:46 AM
دولتان لشعبين".. حل غير ممكن من منظور إسرائيلي *
إسلامنا – تحاليل سياسية - أفرايم عنبار
مرت فكرة "دولتين لشعبين" منذ أن ظهرت بشكل رسمي في القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة (11 نوفمبر 1947)، والذي دعا إلى تقسيم "أرض إسرائيل الانتدابية" (فلسطين) إلى دولتين، يهودية وعربية، بالكثير من التطورات والمتغيرات التي كانت دائما ما ترتبط بمراحل الصراع وتطوراته.
وفي الوقت الراهن، بدأ بريق هذا الحل يخبو إلى حد كبير، لا سيما مع تجدد الصراع المسلح بين العرب وإسرائيل على إثر نشوب حرب لبنان الثانية في صيف 2006، والحرب على غزة في ديسمبر 2008، بعد أن كانت قد طرحت بشكل قوي خلال أكثر ما يزيد من عقد كامل هي فترة المباحثات السلمية في الشرق الأوسط التي انطلقت في أعقاب اتفاقي أوسلو ومدريد مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
ومع ذلك، فقد ظلت هذه الفكرة مثار جدل في إسرائيل وانقسمت الآراء حولها ما بين مؤيد، ومعارض، وداع لإيجاد بدائل لها، أو تطويعها بشكل يخدم أمن إسرائيل في هذه المرحلة، حتى أنها كانت أحد المحاور الأساسية في الدعايات الانتخابية للأحزاب المختلفة في انتخابات 2009.
تاريخ الفكرة
ويؤصل لبداية فكرة دولتين لشعبين، ببداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي نشب من مائة عام تقريبا، وظهرت خلاله الكثير من الأفكار لحل هذا الصراع "الإثني"، والتي تمحورت في معظمها بصورة أو بأخرى حول حل "دولتين لشعبين"، بمعنى تقسيم أرض فلسطين مثلما كانت عليه إبان الانتداب البريطاني 1917-1948 إلى دولة يهودية ودولة عربية، تعيشان في سلام إلى جانب بعضهما البعض.
وبعد ذلك مرت الفكرة بعدة مراحل:
المرحلة الأولى، تبدأ مع بدايات الصراع الذي أخذ سمة الصراع الإثني – الطائفي؛ فكل طائفة تمسكت بقطعة الأرض التي تعيش عليها وحاولت تطوير منظومتها وسيادتها عليها، وتوسيع المناطق التي تحت سيطرتها، ما أدى إلى تدهور الأوضاع في أرض فلسطين، بشكل دفع السلطات البريطانية في أغسطس 1936 إلى تشكيل لجنة رسمية برئاسة "ويليام روبرت بيل" لفحص الأوضاع على الأرض وتقديم توصيات بشأنها، حيث أوصت اللجنة في يوليو من العام 1937 بتقسيم البلاد إلى دولتين يهودية وعربية غير متساويتين في الحجم، إلا أن هذه التوصيات لم تنفذ نتيجة الصعوبات التي واجهتها على أرض الواقع من جانب، ونتيجة اعتراض العرب عليها من جانب آخر.
المرحلة الثانية، أخذ فيها الصراع طابع الصراع بين الدول الإقليمية المختلفة، وذلك بالإعلان عن إقامة دولة إسرائيل عام 1948، فقد سيطرت إسرائيل على 78% من مساحة البلاد، في حين سيطرت الجيوش العربية على ما تبقى منها، حيث سيطرت مصر على قطاع غزة الذي فضلت أن تقيم به نظاما عسكريا، أما الأردن فقد ضمت الضفة الغربية وأصبح جزء كبير من الفلسطينيين مواطنين أردنيين، في حين احتفظت سوريا بجزء صغير في الشمال.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1948 و1967 لم يتم طرح فكرة دولتين لشعبين، إذ أن الدور الفلسطيني الوطني بدأ يخبو بشكل كبير، في حين أن كلا من مصر والأردن، الدولتين العربيتين المحتفظتين بجزء كبير من فلسطين، لم تطرحا بأي شكل من الأشكال هذه الفكرة، إضافة إلى أن الصراع في هذه الفترة بدأت تسيطر عليه فكرة أنه صراع بين الدول العربية والدولة اليهودية غير الشرعية.
وفي أعقاب حرب عام 1967 وما نتج عنها من إصدار القرار 242 اختفت هذه الفكرة تماما، إذ إن القرار لم يتعرض بأي شكل من الأشكال للمشكلة الفلسطينية، التي أخذت الطابع الإنساني أكثر من الطابع القومي والإثني، وخلال هذه المرحلة وما بعدها تحولت القضية الفلسطينية إلى ورقة سياسية تستخدمها الأطراف العربية المختلفة وفق مصالحها المختلفة.
المرحلة الثالثة، وتمتد بين حرب عام 1967 واتفاق أوسلو عام 1993، إذ أضيف للصراع سمات سياسية وطائفية مختلفة، ففي هذه المرحلة وقعت عدة مصادمات عسكرية بين عدة دول، مثل حرب الاستنزاف فيما بين عامي 1969-1970 ثم حرب أكتوبر عام 1973، وأخيرا حرب لبنان الأولى عام 1982 والتي شاركت فيها مجموعات محدودة من الفلسطينيين، بشكل أكدت من خلاله على الطابع الإثني للصراع.
عقب هذه التطورات المختلفة، بدأت السمات الإثنية للصراع تأخذ مكانا أكثر أهمية عن أي وقت مضى، حيث عاش الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، ما أتاح لإسرائيل محاولة التحاور مع قيادات فلسطينية في الداخل لعقد صفقات سياسية كانت دائما ما تبوء بالفشل، وفي النهاية بدأت إسرائيل تبني ما عرف بـ" التوجه الأردني"، بمعنى طرح خطة تقسيم جديدة بالاتفاق مع المملكة الهاشمية، التي كان لها عدو مشترك مع إسرائيل، هو "الحركة الوطنية الفلسطينية"، لكن هذا التوجه أدى إلى تزايد الشكوك حول كون الأردن ممثلا أمينا للفلسطينيين.
هذه التطورات السابقة، أدت إلى ما يمكن تسميته بـ "فلسطنة" الصراع العربي- الإسرائيلي، حيث أصبح الفلسطينيون يمثلون تهديدا سياسيا متزايدا لإسرائيل، وتحولوا إلى مشكلة سياسية مطروحة على الساحة الجماهيرية بشكل قوي، ما أدى إلى ظهور فكرة "دوليتين لشعبين" مرة أخرى. ووقفت وراء هذا التغير الذي طرأ على الفكرة، عدة أسباب ومتغيرات، أولها: تبلور الهوية الفلسطينية المستقلة، التي حدثت تحت الحكم الإسرائيلي في غزة والضفة، حيث أدى التباين الإثني والديني إلى حدوث ذلك، ففي هذه الفترة حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على اعتراف دولي، وفي عام 1974 تحولت المنظمة في القمة العربية بالقاهرة إلى "الممثل الوحيد" للفلسطينيين.
ثانيها: حصول حركة التحرر الفلسطيني ضد إسرائيل على تأييد دولي آخر عقب نشوب الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987، والتي أكدت حقيقة أن الفلسطينيين خاضعون تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أكدت على أن الصراع ليس عسكريا وإنما صراع من أجل الاستقلال وتقرير المصير.
ثالثهما: تمخض الانتفاضة عن قيادات فلسطينية جديدة انضمت لجبهة الحركة الوطنية الفلسطينية، تلك القيادات التي حاربت الاحتلال الإسرائيلي من داخل الأراضي الفلسطينية، وتمكنت من الحصول على اعتراف عربي ودولي قوي بها.
المرحلة الرابعة، بدأت في سبتمبر 1993 مع التوقيع على اتفاق أوسلو، ومنذ هذا التاريخ وحتى العام 2000، مثل الاتفاق بالنسبة للإسرائيليين بداية الانفصال عن الفلسطينيين، أي "التقسيم"، وذلك مع حل مشكلة وجود "شريك" يمكن التفاوض معه، وقد رأى "رابين" أن تبادل الأراضي مقابل الأمن هو الحل، في حين طرحا (شمعون بيريز ويوسي بيلين) أفكارا تتعلق بالسلام الشامل في المنطقة كلها، ما أدى إلى ظهور فكرة دولتين لشعبين كـ"دواء ساحر" لمشاكل المنطقة، وبذلت الكثير من المحاولات لتنفيذها.
إسلامنا – تحاليل سياسية - أفرايم عنبار
مرت فكرة "دولتين لشعبين" منذ أن ظهرت بشكل رسمي في القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة (11 نوفمبر 1947)، والذي دعا إلى تقسيم "أرض إسرائيل الانتدابية" (فلسطين) إلى دولتين، يهودية وعربية، بالكثير من التطورات والمتغيرات التي كانت دائما ما ترتبط بمراحل الصراع وتطوراته.
وفي الوقت الراهن، بدأ بريق هذا الحل يخبو إلى حد كبير، لا سيما مع تجدد الصراع المسلح بين العرب وإسرائيل على إثر نشوب حرب لبنان الثانية في صيف 2006، والحرب على غزة في ديسمبر 2008، بعد أن كانت قد طرحت بشكل قوي خلال أكثر ما يزيد من عقد كامل هي فترة المباحثات السلمية في الشرق الأوسط التي انطلقت في أعقاب اتفاقي أوسلو ومدريد مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
ومع ذلك، فقد ظلت هذه الفكرة مثار جدل في إسرائيل وانقسمت الآراء حولها ما بين مؤيد، ومعارض، وداع لإيجاد بدائل لها، أو تطويعها بشكل يخدم أمن إسرائيل في هذه المرحلة، حتى أنها كانت أحد المحاور الأساسية في الدعايات الانتخابية للأحزاب المختلفة في انتخابات 2009.
تاريخ الفكرة
ويؤصل لبداية فكرة دولتين لشعبين، ببداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي نشب من مائة عام تقريبا، وظهرت خلاله الكثير من الأفكار لحل هذا الصراع "الإثني"، والتي تمحورت في معظمها بصورة أو بأخرى حول حل "دولتين لشعبين"، بمعنى تقسيم أرض فلسطين مثلما كانت عليه إبان الانتداب البريطاني 1917-1948 إلى دولة يهودية ودولة عربية، تعيشان في سلام إلى جانب بعضهما البعض.
وبعد ذلك مرت الفكرة بعدة مراحل:
المرحلة الأولى، تبدأ مع بدايات الصراع الذي أخذ سمة الصراع الإثني – الطائفي؛ فكل طائفة تمسكت بقطعة الأرض التي تعيش عليها وحاولت تطوير منظومتها وسيادتها عليها، وتوسيع المناطق التي تحت سيطرتها، ما أدى إلى تدهور الأوضاع في أرض فلسطين، بشكل دفع السلطات البريطانية في أغسطس 1936 إلى تشكيل لجنة رسمية برئاسة "ويليام روبرت بيل" لفحص الأوضاع على الأرض وتقديم توصيات بشأنها، حيث أوصت اللجنة في يوليو من العام 1937 بتقسيم البلاد إلى دولتين يهودية وعربية غير متساويتين في الحجم، إلا أن هذه التوصيات لم تنفذ نتيجة الصعوبات التي واجهتها على أرض الواقع من جانب، ونتيجة اعتراض العرب عليها من جانب آخر.
المرحلة الثانية، أخذ فيها الصراع طابع الصراع بين الدول الإقليمية المختلفة، وذلك بالإعلان عن إقامة دولة إسرائيل عام 1948، فقد سيطرت إسرائيل على 78% من مساحة البلاد، في حين سيطرت الجيوش العربية على ما تبقى منها، حيث سيطرت مصر على قطاع غزة الذي فضلت أن تقيم به نظاما عسكريا، أما الأردن فقد ضمت الضفة الغربية وأصبح جزء كبير من الفلسطينيين مواطنين أردنيين، في حين احتفظت سوريا بجزء صغير في الشمال.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 1948 و1967 لم يتم طرح فكرة دولتين لشعبين، إذ أن الدور الفلسطيني الوطني بدأ يخبو بشكل كبير، في حين أن كلا من مصر والأردن، الدولتين العربيتين المحتفظتين بجزء كبير من فلسطين، لم تطرحا بأي شكل من الأشكال هذه الفكرة، إضافة إلى أن الصراع في هذه الفترة بدأت تسيطر عليه فكرة أنه صراع بين الدول العربية والدولة اليهودية غير الشرعية.
وفي أعقاب حرب عام 1967 وما نتج عنها من إصدار القرار 242 اختفت هذه الفكرة تماما، إذ إن القرار لم يتعرض بأي شكل من الأشكال للمشكلة الفلسطينية، التي أخذت الطابع الإنساني أكثر من الطابع القومي والإثني، وخلال هذه المرحلة وما بعدها تحولت القضية الفلسطينية إلى ورقة سياسية تستخدمها الأطراف العربية المختلفة وفق مصالحها المختلفة.
المرحلة الثالثة، وتمتد بين حرب عام 1967 واتفاق أوسلو عام 1993، إذ أضيف للصراع سمات سياسية وطائفية مختلفة، ففي هذه المرحلة وقعت عدة مصادمات عسكرية بين عدة دول، مثل حرب الاستنزاف فيما بين عامي 1969-1970 ثم حرب أكتوبر عام 1973، وأخيرا حرب لبنان الأولى عام 1982 والتي شاركت فيها مجموعات محدودة من الفلسطينيين، بشكل أكدت من خلاله على الطابع الإثني للصراع.
عقب هذه التطورات المختلفة، بدأت السمات الإثنية للصراع تأخذ مكانا أكثر أهمية عن أي وقت مضى، حيث عاش الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، ما أتاح لإسرائيل محاولة التحاور مع قيادات فلسطينية في الداخل لعقد صفقات سياسية كانت دائما ما تبوء بالفشل، وفي النهاية بدأت إسرائيل تبني ما عرف بـ" التوجه الأردني"، بمعنى طرح خطة تقسيم جديدة بالاتفاق مع المملكة الهاشمية، التي كان لها عدو مشترك مع إسرائيل، هو "الحركة الوطنية الفلسطينية"، لكن هذا التوجه أدى إلى تزايد الشكوك حول كون الأردن ممثلا أمينا للفلسطينيين.
هذه التطورات السابقة، أدت إلى ما يمكن تسميته بـ "فلسطنة" الصراع العربي- الإسرائيلي، حيث أصبح الفلسطينيون يمثلون تهديدا سياسيا متزايدا لإسرائيل، وتحولوا إلى مشكلة سياسية مطروحة على الساحة الجماهيرية بشكل قوي، ما أدى إلى ظهور فكرة "دوليتين لشعبين" مرة أخرى. ووقفت وراء هذا التغير الذي طرأ على الفكرة، عدة أسباب ومتغيرات، أولها: تبلور الهوية الفلسطينية المستقلة، التي حدثت تحت الحكم الإسرائيلي في غزة والضفة، حيث أدى التباين الإثني والديني إلى حدوث ذلك، ففي هذه الفترة حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على اعتراف دولي، وفي عام 1974 تحولت المنظمة في القمة العربية بالقاهرة إلى "الممثل الوحيد" للفلسطينيين.
ثانيها: حصول حركة التحرر الفلسطيني ضد إسرائيل على تأييد دولي آخر عقب نشوب الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987، والتي أكدت حقيقة أن الفلسطينيين خاضعون تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أكدت على أن الصراع ليس عسكريا وإنما صراع من أجل الاستقلال وتقرير المصير.
ثالثهما: تمخض الانتفاضة عن قيادات فلسطينية جديدة انضمت لجبهة الحركة الوطنية الفلسطينية، تلك القيادات التي حاربت الاحتلال الإسرائيلي من داخل الأراضي الفلسطينية، وتمكنت من الحصول على اعتراف عربي ودولي قوي بها.
المرحلة الرابعة، بدأت في سبتمبر 1993 مع التوقيع على اتفاق أوسلو، ومنذ هذا التاريخ وحتى العام 2000، مثل الاتفاق بالنسبة للإسرائيليين بداية الانفصال عن الفلسطينيين، أي "التقسيم"، وذلك مع حل مشكلة وجود "شريك" يمكن التفاوض معه، وقد رأى "رابين" أن تبادل الأراضي مقابل الأمن هو الحل، في حين طرحا (شمعون بيريز ويوسي بيلين) أفكارا تتعلق بالسلام الشامل في المنطقة كلها، ما أدى إلى ظهور فكرة دولتين لشعبين كـ"دواء ساحر" لمشاكل المنطقة، وبذلت الكثير من المحاولات لتنفيذها.