مشاهدة النسخة كاملة : أجهزة صناعة القرار الأمريكي
هذا ملف جمعته للإخوة ، مع تحفظي على بعض الأمور إلا انه جيد للإخوة الإطلاع عليه
أخوكم
أجهزة صناعة القرار الأمريكي
على مدى عقود من الزمن اتخذ المطبخ السياسي الأمريكي قرارات خطيرة كثيرا ما كانت تأثيراتها على الدول والشعوب عميقة وكارثية. ورغم ما تمثله هذه القرارات من خطورة، فإن عملية صناعتها تظل في الغالب مجهولة لدى الكثيرين.
يمر القرار الأمريكي عبر ثلاثة مراحل قبل أن يصبح ناضجا وجاهزا للتطبيق: وهي جمع مراكز الدراسات والبحوث المسماة "خزانات الفكر" ومثيلاتها في الجامعات الأمريكية، للمعلومات وإعدادها، ثم عقد لقاءات دورية لمناقشتها وتصنيفها من قبل خبراء مختصين يمثلون الهيئات الرسمية والشركات الكبرى الداعمة والمؤسسات واللجان الحكومية وغير الحكومية.
وحين تنتهي المناقشة ويتم تقييم الأبحاث المقدّمة تبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة صناعة القرار ومناقشته عبر مجموعة من المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذه المرحلة تهدف إلى تحقيق أمرين، الأول: التحقق من مدى صوابية القرار وملاءمته، والثاني: تحديد الوسائل والأدوات اللازمة لتنفيذ القرار ووضعه موضع التطبيق.
وحين تنتهي المناقشات ويتخذ القرار صيغته النهائية المقترحة تبدأ المرحلة الثالثة وهي مرحلة صناعة الرأي العام محليا ودوليا، لكسب تأييد القرار على الصعيد الرسمي والشعبي والدولي مثل ما حدث في العراق حول أسلحة الدمار الشامل، وما يحدث في أفغانستان، ومع حركة حماس.
ثم تبدأ المرحلة الرابعة وهي مرحلة صياغة القانون، المؤيد للقرار، وحين يصدر القانون يصبح القرار مبررا وجاهزا للتنفيذ من قبل الإدارة المكونة من رئيس الجمهورية، ومستشاريه ووزرائه والوكالات والمؤسسات والجيش ووكالة المخابرات المركزية، بعد أن تتحصل الحكومة ممثلة برئيسها على موافقة السلطة التشريعية "الكونغرس" على مشروع القرار.
الرئيس:
لرئيس الدولة الأمريكي دور بارز في صناعة القرار السياسي. وهو يستمد هذا الدور من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية.
وفي أمريكا مثلا ينص دستور الدولة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو القناة الرسمية الوحيدة للاتصال بالحكومات الأجنبية. وفي عام 1936، أكدت المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا ما نص عليه الدستور الأمريكي حيث قضت بأن للرئيس وحده سلطة تمثيل الحكومة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية. فلا الكونغرس الأمريكي ولا أي جماعة أو إدارة أخرى يمكنها التفاوض مع الحكومات الأخرى باسم الحكومة الأمريكية.
وأعطى الدستور الرئيس الذي ينتخب كل أربعة سنوات، ويجوز له الترشيح و إشغال المنصب لدورتين متتاليتين.. الحق في تمثيل البلاد خارجيا وقيادة القوات المسلحة وعقد الاتفاقيات الخارجية وتعيين السفراء وأعضاء محكمة العدل العليا وشن الحروب، شريطة موافقة الكونغرس بذلك.. أي رغم الصلاحيات الواسعة الا انه ربطها بموافقة الكونغرس .
وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة فإن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية يعطي الحكومة ممثلة برئيسها سلطة خاصة. فالمعروف إن إدارة الشؤون الخارجية في أي دولة تتطلب معلومات ومثل هذه المعلومات تتاح لعدد محدود من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الحكومة.
وعند ذكر دور الرئيس في صنع السياسة الخارجية، فلا يعني أنه يقوم بنفسه بإعداد مشروع القرار وبلورة الأفكار. بل أنه كثيرا ما يلجأ للاستنارة والترشيد إلى جهاز استشاري ضخم يضم مستشارين ذوي خبرة ومعرفة في الشؤون الدولية.
وفي أمريكا يقوم مستشاروا رئيس الحكومة في الشؤون الدولية بدور لا يقل عن دور وزير الخارجية إن لم يكن أكثر. فالمستشارون نظرا لاتصالهم شبه اليومي برئيس الحكومة وتوفر المعلومات لهم يكونوا الأقرب إلى معرفة النظرة العامة لرئيس الحكومة وما يفضله من خيارات. لذا تكون توصياتهم الأكثر قبولا لرئيس الحكومة وكثيرا ما يفضلها على اقتراحات وتوصيات رؤساء الإدارات الأخرى بمن فيهم وزير الخارجية.
وزير الخارجية:
ويلي رئيس الحكومة في الأهمية وزير الخارجية الذي يسمى في أمريكا بسكرتير الدولة. ويعتمد دور وزير الخارجية في صناعة السياسة الخارجية على علاقاته برئيس الحكومة وعلى اهتمام رئيس الحكومية بالسياسة الخارجية.
ويستمد وزير الخارجية أهميته من رئاسته لأهم جهاز ذي صلة بالشؤون الدولية وهو وزارة الخارجية. وتعتبر وزارة الخارجية من المصادر الرئيسية للمعلومات الخارجية ومن الأدوات الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية.
فمن حيث المعلومات تقوم السفارات بإرسال تقارير مفصلة ومستمرة عن أوضاع الدول المختلفة التي توجد بها. وبعد وصول هذه التقارير يتم تحليلها عن طريق خبراء مختصين موزعين على أقسام رئيسية في وزارة الخارجية. ويقدم ملخص لهذه التقارير بعد تحليلها إلى وزير الخارجية مع نصيحة حول ما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية.
وبالإضافة إلى كون وزارة الخارجية مصدرا أساسيا للمعلومات فهي إدارة هامة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية. وتقوم وزارة الخارجية بتنفيذ السياسة الخارجية عن طريق بعثاتها الدبلوماسية وتعتبر مهمة تنفيذ السياسة الخارجية من أبرز مهام السلك الدبلوماسي.
الاستخبارات:
الاستخبارات كأداة للسياسة الخارجية الأمريكية برزت بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية ولعبت دورا بارزا في توجيه السياسة الدولية في المجتمع الدولي والسياسات الخارجية للعديد من الدول. وهي بصفة عامة مثل وزارة الخارجية تقوم بجمع المعلومات وتحليلها وكذلك تعمل كأداة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية.
إلا أن ما يميزها عن وزارة الخارجية هو أنها تختص بجمع المعلومات السرية ذات الصلة بالأمن القومي وتعمل لتنفيذ سياسات الحكومة التي لا تتفق مع القواعد الدبلوماسية المألوفة. ومن أبرز أجهزة الاستخبارات في العالم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي تعرف بـ"سي. آي. أيه" التي تأسست سنة 1947، حيث وجدت لتؤدي ثلاث وظائف رئيسية كلها ذات صلة بالأمن القومي الأمريكي. وهذه الوظائف هي:
1- جمع المعلومات السرية عن الدول الأخرى وتقييمها.
2- التدخل السياسي السري وعمليات الحرب النفسية في المناطق الأجنبية.
3- عمليات الاستخبارات المضادة فيما وراء البحار.
مجلس الأمن القومي:
يأخذ هذا المجلس أحيانا صفة لجنة خاصة في الحكومة وهو يقوم بدور استشاري يتمثل بتقديم النصيحة لرئيس الدولة فيما يتعلق بتنسيق السياسات الرئيسية ذات الصلة بالأمن القومي وهي: الخارجية، والعسكرية، وبعض السياسات الداخلية ذات الصلة بالأمن القومي.
وفي أمريكا يتكون مجلس الأمن القومي من الرئيس والذي يعمل كرئيس للمجلس، نائب الرئيس، وسكرتير الدولة "وزير الخارجية"، وسكرتير الدفاع "وزير الدفاع". أما مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي فهو يعمل كمدير تنفيذي للمجلس.
وفي بعض الحالات يدعو رئيس المجلس "رئيس الحكومة" بعض الأشخاص لحضور المجلس مثل مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومدير الاستخبارات العام "سي. آي . أيه" وبعض موظفي البيت الأبيض.
وتبقى الوظيفة الرئيسية لمجلس الأمن القومي هي جمع المسؤولين الكبار في الحكومة وتزويدهم بمعلومات متكاملة وشاملة تؤهلهم لاستعراض تحليلي لسياسات الأمن القومي. وعادة ما تكون للمجلس مجموعة خاصة من الباحثين الذين يقومون بتقديم الدراسات ذات الصلة بوظيفة المجلس.
وباختصار يمكن القول إن مجلس الأمن القومي يقوم بدور المخطط والمنسق للسياسة الخارجية للدولة وبالذات السياسة الأمنية. فهو يحدد الإطار العام للقرار الخارجي ويساهم بذلك في صنع السياسة الخارجية.
الكونغرس:
يتكون الكونغرس ـ كسلطة تشريعية ـ من مجلسين: النواب و عددهم 435 وتعطى كل ولاية عددا يتناسب مع عدد سكانها فمنها الكثير مثل كالفورنيا ومنها القليل مثل ايوا. أما مجلس الشيوخ فتتساوى الولايات بالأعضاء حيث يكون لكل ولاية عضوان من أصل مائة عضو.
ويجري انتخاب نصف مجلس النواب كل سنتين، أي أن مدة الدورة الواحدة للعضو الواحد هي أربع سنوات، ويحق للعضو الترشيح لعدد غير محدود من المرات.
أما الشيوخ فينتخب منهم الثلث كل سنتين، أي أن الدورة الواحدة هي ست سنوات وليس أربع كما في مجلس النواب. ويشرف الكونغرس على وضع الميزانيات ومراقبة الصرف، من خلال لجانه، وتنظيم التجنيد، واستجواب المسؤولين، واقرار الاتفاقيات والسياسة الخارجية.
فالدستور الأمريكي يمنح الكونغرس خمس صلاحيات هامة هي:
1- موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين على المعاهدات الخارجية التي يقترحها الرئيس.
2- موافقة مجلس الشيوخ على تعيينات الرئيس من السفراء و المسؤولين في الشؤون الخارجية.
3- رغم أن الدستور يجعل الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة فإن الكونغرس هو الذي يملك حق إعلان الحرب.
4- للكونجرس صلاحية تأسيس الإدارات الحكومية، فهو الذي أنشأ وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي وجميع فروع القوات المسلحة، والوكالات الأخرى ذات الصلة بالسياسة الخارجية.
5- للكونجرس أيضا صلاحية الموافقة على الميزانية العامة المقترحة من الحكومة بما في ذلك ميزانية الدفاع والمساعدات الخارجية. هذه الصلاحيات أعطت الكونغرس دورا هاما ولكن غير مباشر في صنع السياسة الخارجية. فعن طريق هذه الصلاحيات يستطيع الكونغرس أن يمارس ضغوطا على الحكومة لتعديل سياستها المقترحة بما يتفق مع وجهة نظر غالبية أعضائه.
البنتاغون هو اسم مبنى مقر وزارة الدفاع الأمريكية ويقع في مدينة أرلنغتون في ولاية فيرجينيا، وباعتباره رمزا للجيش الأمريكي فإن مصطلح البنتاغون يستعمل عادة للإشارة لوزارة الدفاع نفسها عوضا عن المبنى ذاته.
سمي المبنى بالبنتاغون لشكله الخماسي الأضلاع وقد صمم المبنى المصمّم جورج إدوين وبني من قبل المقاول جون مكشاين، تم تدشين المبنى في 15 يناير 1943 ويعتبر واحدا من أضخم المباني المكتبية في العالم، ويتسع لحوالي 23 ألف موظفا بين عسكري ومدني وحوالي 3 آلاف موظف مساعد لا يعملون لوزارة الدفاع نفسها. للمبنى خمسة جوانب وطوابق فوق مستوى سطح الأرض وطابقين تسوية تحت الأرض وخمسة ممرات حلقية لكل طابق يبلغ طولها الإجمالي حوالي 28 كم. كما يوجد فيه مركز للتسوق ومطعم كبير ومواقف لسيارات الأجرة ومنصة لطائرات الهليكوبتر.
يضم البنتاغون مكاتب لإدارات الأسلحة الثلاث، الجيش والبحرية والقوات الجوية، ومكتب وزير الدفاع. ويعتبر البنتاغون، الشعبة التنفيذية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. ويقوم بتوجيه ومراقبة عمل القوات المسلحة ومعاونة رئيس الدولة في شؤون الأمن القومي.
وينقسم البنتاغون إلى أقسام فرعية رئيسية هي مكتب الوزير، وقيادة الأركان المشتركة، والإدارات العسكرية، والقيادات الموحدة والمحددة، ومجلس سياسة القوات المسلحة والوكالات. وأركان مكتب الوزير هم من المدنيين الذين يقدمون المشورة ويعاونون الوزير في الإدارة على أعلى مستوى.
اللوبي الصهيوني صناعة أمريكية
العرب أونلاين: تسمع باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ولا تراه.. ربما هذه هي النتيجة التي يمكن أن يتوصل إليها أي متابع دقيق للسياسة الأمريكية منذ أكثر من ستين عاما، وهذا المصطلح الذي يخيل إلى البعض أنه "مرجعية مقدسة" لا يتوجب على صناع القرار في واشنطن تجاوز خطوطها الحمراء، قد يكشف التاريخ يوما أنها أكذوبة حيكت، في ظروف ما، بكفاءة تخييلية عالية على طريقة الملاحم اليونانية لتغدو في الأذهان أشبه بالأسطورة التي لا تقهر.
وإذا سلمنا بأن كل الظواهر لها أسباب نشأة ودوافع وغايات، وهي على أي وجه تقلبت غير بريئة، فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لا يشذ عن هذه القاعدة، بل يكرسها بفعالية جبارة لينخرط في خدمة أهداف -لا نتفاجأ- إن قلنا إنها لمصلحة دولة الولايات المتحدة دون سواها، وهذه المفارقة تبدأ من قصة نشأة هذا اللوبي الذي غدا كالشيطان في جنة العم سام.
القصة بدأت من قلب الحرب العالمية الثانية عندما كانت الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت الذي تولى الحكم عام 1933 في أوج أزمة الكساد الكبير خلفا للرئيس الجمهوري هربرت هوفر، وقد جاء دخوله البيت الأبيض بالتزامن مع اعتلاء زعيم النازية الألماني أدولف هتلر السلطة في برلين وبداية عهد الرايخ الأعظم، حيث شهدت تلك الفترة صراع إرادات شرسا بين القوى العظمى، وبينما انكشفت القوى الأوروبية التقليدية في صراعها، أوهمت الولايات المتحدة العالم بأنها محايدة غربي المحيط، ولكنها لغاية في عبقرية روزفلت "الرئيس المقعد"، ظلت خارج الحلبة عند اندلاع الحرب العالمية الثانية لكنها كمنت تتأهب لاقتناص الفرصة الذهبية للظهور كقوة عظمى.
وفي ذروة الانتصارات النازية على الحلفاء كان هتلر يرفع شعارا ساحرا هو "أوروبا أولا ثم بقية العالم"، في حين كانت آلته الإعلامية تقدم ألمانيا على أنها الدولة الأجدر بقيادة المعمورة، وساعد في ترسيخ تلك الصورة ما أثبتته الوقائع على الأرض من خلال اكتساح أكثر من نصف أوروبا بفضل الآلة العسكرية الرهيبة، والتقدم الصناعي غير المسبوق. وبينما كاد الجميع أن يقتنع بأن ألمانيا بالفعل ذاهبة لاحتلال مكانتها كقوة أولى قاهرة، كان روزفلت على وجهة نظر أخرى، وبدأ في سرية تامة تبني نفس الشعار، ولكن بأسلوب مختلف يعتمد في جانب منه القوة الناعمة والدهاء الخارق.
لقد فكر روزفلت في عاملين أساسيين لتحقيق سيطرة الولايات المتحدة على العالم، الأول هو انشاء تنظيم دولي تدخل تحت سقفه جميع الدول، والثاني استقطاب ضحايا النازية وعلى رأسهم اليهود لتبدو أمريكا "دولة الخير والقيم النبيلة" مما يمكنها من احتلال القوة العظمى الساعية إلى رفع الاضطهاد عمن تراهم ينخرطون في خدمة مشروعها الريادي للاستحواذ على مقدرات البشرية.
لقد وجدت أطماع هتلر للسيطرة على العالم هوى في طموحات روزفلت، وتقول وثائق لا يقع تداولها كثيرا لأسباب استراتيجية إن الرئيس الأمريكي إبان الحرب الكبرى الثانية كان مؤمنا شديد الايمان بأن المستقبل للولايات المتحدة، فهي الدولة الوحيدة التي تتضمن أكبر موارد مالية وعلمية، فضلا عن أنها تحتكم إلى عقل جماعي خلاق، ولا تتردد في تقديم الحوافز المغرية لاستقدام العقول الأوروبية والألمانية بالذات سواء من المعارضين للنازية أو حتى أكبر العلماء النازيين في المجال العسكري، ممن كان يفترض أن يحاكموا كمجرمي حرب بعد انتهاء الحرب.
ولكن واشنطن أسقطت عنهم كل ما يشوه سجلاتهم، ووجدت في قدراتهم العلمية خير شفيع لهم طالما أن الجائزة أثمن من الرهان، وهي إفادة أمريكا بأسرار القوة الألمانية المذهلة.
على هذا الأساس عمل روزفلت ومؤسسات البحث المؤتمنة على مستقبل البلاد من أجل تحقيق هدف السيطرة بأسلوب مختلف عن نهج النازية، لقد فكر روزفلت في أن "عصبة الأمم" التي كان مقرها جنيف، لا بد أن تحل لأن صيغتها أنذاك لن تخدم مشروعه، فكان أن عمل على إنشاء "هيئة الأمم المتحدة" مشترطا أن يكون مقرها أمريكا لا أي مكان آخر في العالم، واستقر الأمر أن تكون نيويورك دُرّة مدن الغرب مقرا، بينما كانت سان فرانسيسكو هي مهد الفكرة، حيث استخدم روزفلت اسم "الأمم المتحدة" للمرة الأولى في 1 كانون الثاني/يناير 1942، عندما أخذ ممثلو 26 أمّة من حكوماتهم تعهدا بمواصلة القتال حلفا واحدا ضد قوات المحور.
بهذه الصورة جاء تشكيل الأمم المتحدة ملحما من ملامح صناعة اللوبي في الولايات المتحدة، ونحن إذا أردنا أن نستفيد من مسافة الزمن التي تفصلنا عن تاريخ نشأة هيئة الأمم، وجردنا كشفا للحساب نجد أن ما قدمته هذه الهيئة لفائدة قوة الولايات المتحدة أكثر مما استفاد منه العالم حتى تلك الدول دائمة العضوية الأخرى كروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، أما بقية دول العالم الأخرى فقد بقيت مجالا مفتوحا خاصا بالنفوذ الأمريكي، كما أن الأمم المتحدة بهذه الصورة، لا تعدو أن تكون نوعا من "اللوبي" على غرار اللوبي الصهيوني الذي مر تقريبا بنفس ظروف النشأة، ولكن بشكل أقل غموضا.
واللوبي بمعناه اللغوي هو "بهو الفندق .. أي الاجتماعات المحددة لأشخاص محددين بمكان محدد "، وبمعنى آخر هي الجماعة التي تمارس الضغط .. سواء كان على النطاق الحكومي أو الإعلامي أو العلمي وغيره.. لهدف مصالح شخصية ..محددة .. سواء بالترهيب أو الترغيب.
وتتعدد الروايات حول نشأة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتقول إحدى الروايات إنه تأسس في عام 1951 أي بعد نحو أربع سنوات من نشأة الكيان الصهيوني وست سنوات من قيام الأمم المتحدة، بينما تقول رواية أخرى إن هذا اللوبي تشكل وأصبح له وجود عقب موقف الرئيس أيزنهاور من إسرائيل عندما أمرهم بالانسحاب من سيناء بعد العدوان الثلاثي "البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي
وقد بادروا بتشكيل هذا اللوبي على الفور، وبدأ هذا اللوبي يمارس مهامه منذ ذلك الحين على قاعدة ألا يتكرر مثل ذلك الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل.
لكن الغائب عن هذه "الحقائق" أن الولايات المتحدة هي التي صنعت اللوبي الصهيوني، وقبل هذين التاريخين المذكورين بسنوات، فالكل يعلم تقريبا أن اليهود في أوروبا إبان أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات تمكنوا من السيطرة على نصيب كبير من رؤوس المال والصناعات الحساسة، خاصة في ألمانيا ولذلك السبب شن هتلر حملته على اليهود وقد ساهم الإعلام الأمريكي في تسليط الضوء على "الهولوكست" وابرازه لابتزاز العالم واليهود على السواء، فمن جهة استجلبت الولايات المتحدة معظم رؤوس الأموال المتنفذه في ألمانيا والنخبة العالمة في مجالات التسلح والصناعات الثقيلة والعسكرية.
كما أنها سوقت بموازاة ذلك للعالم "معاناة" هذا الشعب "اليهود" وحقه في تكوين دولة على تراب فلسطين، وهو ما تم الإفصاح عنه في أول قمة تجمع رئيسا أمريكيا هو روزفلت والملك السعودي عبد العزيز آل سعود على متن مدمرة أمريكية في البحر الأحمر في فبراير عام 1945، ومما يؤثر عن روزفلت قوله بعد لقائه الملك عبدالعزيز "خلال ساعة واحدة علمني الملك السعودي عن الشرق الأوسط أكثر مما علمني أصدقائي الصهيونيون طوال حياتي كلها".
ربما تختزل هذه المقولة أن جدار الثقة الكبير بين صناع القرار في واشنطن واللوبي الصهيوني هو شرط إجرائي لا غير لخدمة أهداف لا علاقة لها بمصالح اليهود.
وكان لروزفلت سابقة في هذا المجال إذ أنه أول رئيس أمريكي يستخدم بفعالية قوة اليهود في حملته الانتخابية لعام 1932 طامحا من وراء ذلك إلى وضع استراتيجية تنقذ البلاد من أعظم أزمة إقتصادية، ومنذ ذلك الوقت أخذت مؤسسات القرار الأمريكية تولي اليهود مكانة هامة، حتى تأسست عام 1951 لجنة العلاقات الامريكية – الإسرائيلية في واشنطن "الايباك"، والتي أصبحت فيما بعد تشكل قمة السلطة الصهيونية في الولايات المتحدة، أو هكذا يصور الإعلام الأمريكي خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.
لكن حقيقة الأمر أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا تخدم إلا المصالح الأمريكية فقط وليس المصالح الإسرائيلية، وما الحديث عن "اللوبي" إلا وسيلة متقدمة على مستوى الإنجاز والإخراج لتأكيد النفوذ الأمريكي.
وتذكر إحدى الدراسات الأمريكية التي استطاعت أن تفلت من قبضة التعتيم أن دوائر القرار الاستراتيجية طالبت قبل خمس سنوات "2004" وسائل الإعلام بتسليط المزيد من الضوء على صناعة اللوبي وتأثيرها على السياسة الأمريكية، خصوصا وأن هذه الصناعة تتطلب أموالا طائلة لكي تصبح قوة مؤثرة وفاعلة.
وقد طرحت الأزمة المالية المدمرة التي تجتاح الولايات المتحدة ومن خلفها العالم أسئلة حرجة حول هذه اللوبيات ووظائفها ومدى خدمتها للولايات المتحدة كدولة وشعب، خصوصا وأن وعيا جديدا بدأت أولى إرهاصاته تنجلي في أكثر من تصريح ودراسة، ومفاده أن إسرائيل واللوبي الصهيوني أصبحا معا عبئا ضخما على السياسة الأمريكية.
فالبعض من الأمريكيين الذي يعتقدون بأن الولايات المتحدة هي الضحية في لعبة المصالح الإسرائيلية يرون أن هذه "الدولة" لم تكن حليفا أمينا لواشنطن فهي تحرج المواقف الأمريكية بسبب سياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين، وتجسسها على أمريكا، وتسريبها معلومات أمنية هامة، وهي بذلك أصبحت عبئا إستراتيجيا على أمريكا ومستقبلها كقوة عظمى رائدة، لكنّ جانبا آخر على مستوى عال من النفوذ المالي والسياسي مازال يرى في إسرائيل ضرورة ملحة لخدمة أهداف الولايات المتحدة عبر العالم.
والاختلاف الحاد في وجهتي النظر لم يكن ترفا سياسيا، أو مساجلة ديمقراطية، بل كان نتيجة واقع جديد بدأت ملامحه تستبد بالوعي الأمريكي، وقد اتسع نطاق هذا الوعي منذ أن تلقى "لوبي المحافظين الجدد" ممثلا في الإدارة السابقة للرئيس جورج بوش ركلة تاريخية بعدما أدى تحالفه الأعمى مع اللوبي الصهيوني إلى جر الولايات المتحدة إلى كارثة إقتصادية أعظم من أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات.
فإذا كانت تلك الفترة شهدت انتعاش صناعة اللوبيات في الولايات المتحدة، فإن الأزمة الحالية ربما باتت فيها هذه الصناعة تواجه أسوأ مراحلها وربما ينتظرها كساد عظيم، يؤسس لعصر جديد إما أن يغير وجه أمريكا إلى الأبد أو يدفعها إلى صناعة لوبيات جديدة ذات توجهات لم يتطرق إليها العقل الاستراتيجي الأمريكي، وأغلب الظن ستكون أساسية في بنية القوة الأمريكية، إن لم تكن ضرورة تاريخية تفرضها عنوة تقلبات العالم المعاصر.
حلقة أساسية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية
العرب أونلاين: انخرطت الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية منذ بداية القرن العشرين، وتطور هذا الدور خاصة اثر الحرب العالمية الثانية، صاحبه منذ بداياته ظهور مراكز بحثية يطلق عليها اسم Think-Tanks وهي مؤسسات تقوم بأنشطة بحثية سياسية تحت مظلة تثقيف المجتمع المدني و تقديم النصيحة لصناع القرار.
وتصدر هذه المراكزدوريات وتقارير مثل مجلة فورن آفيرزForeign Affairs ودورية الشرق الاوسط Middle East Journal ومجلة السياسة الخارجية Foreign Policy.
اما مهماتها فمنها ما يعتني بدراسة كافة المستجدات الدولية لمعرفة أثرها على المصالح الأمريكية وإعداد السبل لتحقيق هذه المصالح، واختيار أفضل وسائل التطبيق ومنها ما يهتم بالسياسة الداخلية بما فيها القطاع الاقتصادي.
وتقوم هذه المراكز بإمداد الإدارة بالموظفين لتطبيق السياسة الخارجية، ويعد هذا من التأثير المباشر لها، فأفرادها والعاملون بها يقومون بالعمل التطبيقي للسياسة الخارجية في الإدارات المنتخبة.
لذلك نجد أن كثيرا من موظفي الإدارة في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، هم بالأساس باحثون كأمثال ريتشارد بيرل مساعد وزير الدفاع السابق ودينس روس مبعوث الإدارة الأمريكية السابق فى الشرق الأوسط.
واصبحت بذلك مراكز التفكير هذه كحلقة أساسية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية خاصة أن عملية صنع القرار في الولايات المتحدة معقدة جداً وتدخل فيها صراعات كثيرة بين مصالح جماعات الضغط والشركات الكبرى المسيطرة على الاقتصاد الأمريكي، وتمر العملية عبر حلقات متعددة منها الكونغرس ومجلس الشيوخ وجماعات الضغط "اللوبيات" والإدارة الأمريكية.
ومن أهم ما تقدمه هذه المراكز أيضاً تزويد الإدارات المتتابعة والأجهزة المختلفة بالخبراء وتقديم المشورة والنصح للمؤسسات وتدريب جيل جديد من الأمريكيين لتسلم المناصب العليا والتأثير في الرأي العام من خلال عقد الندوات والمؤتمرات ونشر الكتب والتقارير والبرامج التلفزيونية وإمداد وسائل الإعلام بالخبراء والمحللين القادرين على التنبؤات السياسية.
إلى جانب السياسيين التنفيذيين كان دوما للخبراء الناشطين ضمن مراكز الأبحاث"Think Tanks" دور بارز في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهي كذلك نافذة تشارك عبرها الدوائر الأكاديمية وأحيانا بعض الفرق الإيديولوجية والسياسية، لا في التنظير للسياسات فحسب، بل في صناعتها.
وتتزايد أهمية هذه المراكز بشكل خاص عندما تكون للرئيس الأمريكي رؤية إيديولوجية ثابتة وواضحة وهو ما حدث مع الرئيس بوش خلال السنوات الثماني الماضية، إذ كان لمركز مثل "معهد المؤسسة الأمريكية" دور بارز في مجمل الملفات بما في ذلك ملف الحرب على العراق منذ بدايته حتى في صياغة خطة "زيادة القوات" بأشكال تفوق أحيانا المؤسسات التنفيذية الحكومية.
الرئيس ريغان الذي جاء بسياسات محافظة جدا في بداية الثمانينيات كان يستعين في صناعة سياساته إلى حد كبير بمركز "هريتاج فاونديشن".
الرؤساء الديمقراطيون لم يتخلفوا عن هذا التقليد، فقد لعب "معهد بروكينكز" دورا بارزا خلال عهدتي الرئيس كلينتون في تقديم المشورة، وكان مصدرا للخبراء الذين تم تعيينهم في مواقع تنفيذية.
ينطبق ذلك على الإدارة المرتقبة للرئيس المنتخب باراكأوباما، لأنها في سياق رغبتها في إظهار الرئيس بمظهر الرئيس الموحد، فقد بدأت خلايا من الخبراء في التموقع ضمن هياكل صناعة السياسات، خاصة عبر "فرق مراجعة الوكالات" و"مجموعات العمل على السياسات" في الإدارة الانتقالية التي عملت في واشنطن.
وتتفاوت منظمات الثينك تانكس في قدرتها على التأثير على مسار السياسة الامريكية، وهذه القدرة تتوقف على عدة عوامل منها التمويل وقوة العلاقات الشخصية التي تربط المؤسسة والعاملين فيها بأهم صانعي القرارالامريكي.
ومن أهم مراكز البحث التي تتعامل مع إدارةأوباما كما تم الإعلان عنها عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للرئيس الجديد.
مركز الأمن الأمريكي الجديد Center for a New American Security وتظهر أهميتة من خلال حضور أسماء بارزة ضمن الفرق التي عينها الرئيسأوباما في إدارته الانتقالية بالنسبة لملفات الشؤون الخارجية، مثل ويندي شرمان، التي كلفت بمراجعة وضع وزارة الخارجية، وسوزان رايس أحد أبرز مستشاريأوباما في السياسة الخارجية وهي عاملة في الإدارة الانتقالية في ملف الأمن القومي وهما عضوان في مجلس إدارة المركز.
كذلك جيمس ستاينبرك المكلف مع رايس بالإشراف على ملف الأمن القومي في مجموعات العمل على السياسات في الإدارة الانتقالية لأواما.
بالإضافة إلى ذلك برزت أسماء أخرى من بين الذين قدموا مشورة للرئيس المنتخب مثل ريتشارد دانزيج.
هناك ايضا جون ناجل الذي بدا أحد أهم مستشاري أوباما في ملف أفغانستان، وخاصة موضوع حرب العصابات، إذ كان من بين أهم الخبراء الذين أعادوا صياغة الخطط العسكرية الأمريكية في هذا المجال، خاصة في العراق تحت إشراف الجنرال بترايوس.
ومن المتوقع أن يلعب دورا متقدما في خطط الإدارة الجديدة فيما يخص الحرب في أفغانستان.
ويلعب هذا المركز ذي العشرين خبيرا، بشكل واع دور الراعي للإدارة الجديدة في ملف الشؤون الخارجية كما يبدو من خلال مؤلف تم نشره مباشرة بعد الانتخابات بعنوان "عمليات الانتقال الصعبة: مخاطر السياسة الخارجية في بداية السلطة الرئاسية" من تأليف كورت كامبل وجيمس ستاينبرج.
ومن أهم النقاط التي تبرز بين مواقف واهتمامات هذه الأبحاث الدفاع عن أولوية الدبلوماسية باعتبارها عاملا أساسيا في تغيير قواعد اللعبة في العلاقة مع إيران.
ففي الملف العراقي يبرز مقال منشور من قبل أحد كبار باحثي المركز يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري يتحدث عن "الاتفاقية الأمنية" بوصفها إطارا زمنيا للانسحاب وهو موقف يختلف عن الجداول الزمنية التي أعلنهاأوباما سابقا بين 16 و18 شهرا.
المقال يتخوف بشكل خاص من رغبة عراقية في تغيير موعد الانسحاب ويعتبر أن لإيران مصلحة طبيعية في العراق وأن المشكل هو في حدود النفوذ الإيراني التي يمكن أن تسمح بها الولايات المتحدة.
المجلس من أجل عالم يمكن العيش فيه Council for a Livable World هو هيئة تركز على العمل السياسي لخفض الأسلحة النووية ودعم الأمن القومي.
والاسماء البارزة هنا هو سارة سوال التي شغلت سابقا منصب نائبة مساعد وزير الخارجية للدفاع والسلام في عهد الرئيس كلينتون والتي اشرفت على ملف الأمن القومي في الإدارة الانتقالية بالنسبة لفرق مراجعة الوكالات، وهي تنشط ضمن مجلس الإدارة الاستشاري، وتوم داشل أحد أهم مستشاريأوباما في الملفات الداخلية.
وتعكس أوراق بحث المجلس في الملف العراقي ضرورة عدم الاتكال على مآل الوضع الداخلي العراقي ومن ثمة الظروف الأمنية المتأثرة بذلك، وهو موقف يتعارض مع رؤى القيادات العسكرية الأمريكية التي بدأت تضغط علىأوباما في اتجاه ربط الانسحاب من العراق بالظروف في الميدان.
اما موقف أوراق بحث المجلس من إيران فهو مثير للاهتمام من جهة تركيزه على أولوية العلاقة الأمريكية الإيرانية وتحديدا أن "إيران لا تشكل خطرا مهددا بالنسبة للولايات المتحدة"، وهو موقف لا يربط "الخطر الإيراني" بتهديده للوجود الإسرائيلي كما يمكن أن يفعل آخرون.
لكن المجلس لا يبحث بشكل خاص ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما يشكل مؤشرا يضاف إلى مؤشرات أخرى على الأهمية المحدودة لهذا الملف في الفترة القادمة.
مركز الأبحاث الثالث الذي يبرز من بين المؤثرين في صناعة سياسات الإدارة الجديدة هو "المركز من أجل التقدم الأمريكي" "The Center for American Progress".
و الاسماء الفاعلة في سياسة أوباما جون بودستا رئيس المركز ويعد أحد الثلاثة البارزين الذين اشرفوا على الفريق الانتقالي للإدارة الجديدة.
هناك كذلك كريكوري كريغ الذي كان حتى فترة قريبة أحد أبرز مستشاريأوباما في السياسة الخارجية، وقد كان مكلفا بالتشكيك في مؤهلات هيلاري كلينتون في ملف السياسة الخارجية.
لكن صعود هذه الاخيرة على سدة وزارة الخارجية لا يبدو أنه يمنع كريغ من التدخل في السياسة الخارجية، إذ نشر عبر المركز بحوثه، وقام بتصريحات يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني تتعلق بالملف الكوري الشمالي وتحديدا ضرورة إرسال مبعوث خاص للكوريين لإبراز النوايا الجيدة للإدارة الجديدة.
وبالنسبة للملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية، فقد كان جوسف سرنسيونه المستشار الرئيسي لأوباما بالنسبة لملف الأسلحة النووية وكان أحد كبار الباحثين في المركز.
وكانت مواقف هذا الاخير مثيرة للانتباه خاصة أنها جلبت انتقادات كثيرة من المعلقين الإسرائيليين بسبب دعوته إلى وضع الترسانة النووية الإسرائيلية على طاولة المفاوضات في أي صفقة نووية في المنطقة بما في ذلك الحوار الأمريكي الإيراني المتوقع.
ومن اللافت مدى اهتمام المركز بملف الصراع العربي الإسرائيلي، بشكل خاص والتعويل على خبراء ناشطين في أروقة "قوى السلام".
بشكل عام يبدو تأثير مراكز البحث هذه متفاوتا على ادارة أوباما، كما أنه من الملاحظ أن هناك اختلافات بينها بالرغم من أن معظم المنتسبين إليها عملوا سابقا في إدارة الرئيس كلينتون و لكن لا تعني هذه بالضرورة استنساخا لنفس الرؤى.
من جهة أخرى تبدو أوراق البحث الخاصة بهذه المراكز مهتمة بصياغة رؤى إستراتيجية عامة، وبالتركيز على موضوعات مستقلة في نفس الوقت كإيران والعراق وأفغانستان من دون تقديم رؤية واضحة ومتناسقة في العلاقة مع المنطقة العربية.
ولا يوجد اهتمام بارز لدى هذه المراكز عموما بملف الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما لا يتفق مع تقارير إخبارية حول عزمأوباما دفع هذا الملف بقوة مع بداية عهدته الرئاسية من خلال التركيز على "مبادرة السلام" العربية.
ويجب النظر في هذا الإطار أيضا إلى غياب أي خبراء في شؤون الشرق الأوسط خاصة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي من بين خبراء الصفوف الأولى الذين تم تعيينهم في الإدارة الانتقالية.
رغم تداول اسمي دنيس روس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومارتن إنديك من مركز صبان التابع لمعهد بروكينجز فإنهما يغيبان عن الأسماء المعلنة الآن المكلفة بملفات السياسة الخارجية.
وحتى لو تم تعيين هذين الخبيرين فبالنظر إلى التجربة السابقة لهما في عهد الرئيس كلينتون فسيكون ذلك مؤشرا على رغبة الإدارة القادمة في وضع هذا الملف في الثلاجة والاقتصار فيه على جولات استكشافية.
وول ستريت.. بيضة القبان في القرار الأمريكي
العرب أونلاين: كشفت الازمة الاقتصادية أن البيت العالمي من ورق، حيث أصابت الصدمة المالية بالذهول أقوى اقتصادات العالم، وطوقت تداعياتها إيجابيات خطط الإنقاذ وخففت زخم مسار التعافي الاقتصادي لكثرة ما خبأته من مفاجآت، وأرست لغةَ تخاطب سياسي جديد.
لكن كارثة القروض الأمريكية وفوضوية الأسواق المالية العالمية أثبتت ايضا أن عمالقة الاقتصاد الذين يملكون الشركات المتعددة الجنسيات في العالم هم بيضة القبان في القرار الأمريكي.
فخلافا لما يعتقده البعض، من أن ساكن البيت الأبيض وفريقه محور الإستراتيجية الأمريكية وقراراتها، ولكن في حقيقة الأمر هم ليسوا إلا سلطة تنفيذية تملك هامشا بسيطا في القرار الأمريكي ويستدل المحللون في ذلك بأن حروب أمريكا السابقة أو القادمة بمثابة حصان طروادة لمصالح الشركات الكبرى.
وينظر من أسس الولايات المتحدة إلى مصلحته الشخصية ومصلحة الجماعة التي خرجت مضطهدة من أوروبا على أنها شيء مقدس، وبالتالي يجب أن تكون مصلحة هذه الجماعة وأمنها وأهدافها مأخوذة بعين الاعتبار لدى كل من يقودها.
وهنا تؤكد "مسيرة الراية" دور صناع المال في بلورة القرار الامريكي، من خلال الخطاب الذي ألقاه السيناتور ألبرت بفريدج عام 1898 يعد أحد المبادئ الأساسية التي يجب أن توضع بعين الاعتبار في السياسة الأمريكية ويتلخص خطاب "مسيرة الراية" الشهير بأن التوسع الاقتصادي هو استراتيجية أمريكية ، لذلك يجب فتح أسواق جديدة للتجارة الأمريكية في العالم، لتنشيط الاقتصاد الأمريكي، ولضمان هيمنة الاقتصاد الأمريكي على الجميع ويجب على القوة العسكرية أن تخدم هذا المبدأ.
وتمثل هذه الشركات أحد العوامل المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي فمنذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر شكلت نقطة تحول هامة في النشاط الاقتصادي الدولي الذي كان سائداً.
وبعد مرحلة الحرب العالمية الثانية تزايد عدد هذه الشركات، وازدادت فروعها في العالم وفي ظل عصر العولمة نحن أمام شركات عملاقة متعددة الجنسيات، تعمل على تكييف مختلف الأنظمة والسياسات الاقتصادية في العالم منذ التسعينيات مع مظاهر ومعطيات العالم الجديد الذي تعيد تشكيله.
واليوم يشاهد العالم ما تقوم به القوة العسكرية الأمريكية من هدم للبنية التحتية للبلاد التي تحتلها، وبعد الاحتلال تدخل الشركات الأمريكية لتبنيها، فتحقق أرباحا كبيرة تنعش من خلالها الاقتصاد الأمريكي ، وتجعل عجلته تدور ومن ثم تصبح هذه البلاد المحتلة سوقا جديدة لمنتجات الشركات الأمريكية وقد أكد على هذا المبدأ البراغماتي "جورج واشنطن" الأب الأكبر للاستراتيجية الأمريكية عندما قال : يجب أن نعتبر أي تحالف مع أية دولة مؤقتا إلا إذا كان هذا التحالف مفيدا لمصالحنا ، وإذا أصبح هذا التحالف عبءاعلينا فمن الواجب تركه وإحلال تحالف جديد مكانه، حتى ولو كان صاحبه عدو الأمس.
بيد أن الشركات الاقتصادية الكبرى وشركات السلاح ولوبي المال في وولستريت أثبتت - حسب المحللين والخبراء- قدرتها الفعلية على صناعة القرار الأمريكي مؤكدة أن فريق البيت الابيض هم مجرد مريونات في يدها تستغلها لتمرير القوانين والقرارات.
يذكر أن معظم الشخصيات السياسية البارزة في عهد بوش كانت تحتل مناصب حساسة في شركات النفط وشركات السيارات، وشركات السلاح. ويمثل قرار غزو العراق أحد القرارات الحاسمة الممررة من طرف اللوبي المالي بعد إدراكها أن سيطرة الشركات الأميركية على نفط العراق والخليج سيمنع حتى إمكانية التفكير في استخدام سلاح النفط سواء ضد أميركا أو إسرائيل، وستكون القوات الأميركية جاهزة في قلب الآبار النفطية للدفاع عنها.
وقد حققت هذه الطغمة الرأسمالية صفقة عقود نفطية في العراق، اكبر عملية سلب في التاريخ، حيث ستحظى بـ75% من قيمة العقود، بينما يبقى 25% فقط لشركائها في العراق.
وهو ما يؤكد ما ذهب إليه المراقبون من أن حروب أمريكا يقودها شيطان النهب، للحصول على حقول لتوظيف الرساميل ومصادر مواد أولية ومنافذ تصريف مميزة، وليست حروب من أجل " مثال" سياسي " مع الديموقراطية أو ضدها.. مع الاستبدادية أو ضدها".
ولاتستثني الشركات المتعددة الجنسيات حتى الكوارث الطبيعية من أجندة إستثماراتها فهي تقوم بتطبيق سياستهاالاقتصادية على حساب بؤس ملايين المواطنين، وتضرب "ناعومي كلاين" مثالا بارزا على ذلك بالإعصار الذي أطلق عليه في الولايات المتحدة الأميركية - كاترينا- والذي اجتاح منطقة نيواورليانز ودفع بسكانها وأغلبهم من الفقراء بالنزوح عنها.
فقد هجم عليها مستثمرون مغامرون وقرروا بدعم وتأييد إدارة الرئيس بوش تحويل المنطقة إلى منتجعات سياحية ومنع السكان الأصليين من العودة إليها "ويبدو أن هوس إقامة المنتجعات السياحية أصبح علامة مميزة على هذا النمط الجديد من الرأسمالية المتوحشة".
وساهم التشابك في العلاقات في ازدياد تأثير العنصر الاقتصادي والمالي على العامل السياسي في صناعة القرار، حسب المختصين، بعضها إيجابي كتهدئة نزاعات كانت مزمنة أو بدت مستعصية على الحل، مثل النزاعات الصينية الأمريكية، والهندية الصينية، والروسية الأوروبية.
مقابل شمولية المخاطر المترتبة على صناعة القرار المحلي، فمنها ما يكمن مثلا في الارتفاع الكارثي لحجم القروض على الدولة الأميركية، ومنها ما بات ظاهرا للعيان كآثار السياسة الفوضوية الأمريكية في الأسواق المالية العالمية، حتى أصبحت معاملاتها خارج نطاق الرقابة على الحدود السياسية وغير السياسية.
وقد أوجدت المصارف والمؤسسات المالية العابرة للقارات شبكة من العلاقات فيما بينها تتقلب فيها ألوف المليارات، وتخترق مختلف الحدود من قبل أن يتحقق شبيه ذلك عبر الشبكة العنكبوتية.
هذا علاوة على تضخم رؤوس الأموال وما يعنيه ذلك من تضخم قيمة القروض الذي كان حصيلة حلقة مفرغة شيطانية، أطلقت عنانها موجة تحرير المعاملات المالية والعولمة من مختلف القيود.
وفي الوقت نفسه ظهر قدر ضخم من رؤوس الأموال السائلة التي لا ترتبط بها أي قيمة نوعية في واقع الحياة الاقتصادية أو الاستهلاكية.
يعني ذلك في الحصيلة أن زهاء خمسين ألف شخص يتحكمون في حركة رؤوس الأموال، فهم يملون على العالم أجمع، بحكوماته وقطاعاته الاقتصادية ما ينبغي أن يصنع، حتى أصبحت كل شركة كبرى معرضة لسقوط مالي خطير ما لم يحقق مديرو الأعمال فيها أقصى درجة من الربح المادي لصالح أصحاب الثروات الذين يرفعون فوق رأسها سيف التهديد بما يتوافر لديهم من رؤوس أموال عائمة قادرة على ابتلاعها في أي لحظة.
وينشط صناع المال بشكل فاضح في تغطية تكلفة الانتخابات الرئاسية في تغطية تكاليف الانتخابات الامريكية وتلعب دورا مؤثرا فى دعم تلك الانتخابات وتحاول تلك الشركات انتهاز فرصة تلك الانتخابات للحصول على مكاسب جديدة والحفاظ على مكاسبها القديمة وتنفق تلك الشركات ملايين الدولارات للإطمئنان على سن عدة قوانين قد تخدم مصالحها المنتشرة والهامة فقد قامت شركات الأدوية على سبيل المثال بانفاق 110 مليون دولار لإقرار قانون التأمين الصحي الذي يتوقع أن يعود بمكاسب قد تقدر بـ 5 مليار دولار، وقد تبرعت كل من جامعة كاليفورنيا وجامعة هارفارد ومؤسسة وارنر الإعلامية وشركة ميكروسوفت وشركات سيتي كورب بما يقارب مليوني دولار لحملة كيري الانتخابية.
كما تبرعت كل من شركات ميريل لينش وبرايس واتر هاوس ومحطات يوبي إس ومورجان ستانلي وجولدمان ساكس بما يقارب مليونان ونصف المليون من الدولارات لتمويل حملة جورج بوش الانتخابية كما تدعم كل من سيتي بنك جروب ومورجان ستانلي وجولدمان ساكس ويوبى إس إى جي، كلا من المرشحين غير أن تبرعات تلك الشركات قد انتفع بها الجمهوريون بشكل أكبر وربما متضاعف لقدرتها على اتخاذ القرارات الفعلية والمنجزة.
وبلغت التكلفة الفعلية للانتخابات الرئاسية الامريكية عبر السنوات العشرين الأخيرة حوالي 1662 مليون دولار وهي في تصاعد مستمر.
ومن هنا يتضح بجلاء التأثير الفائق والمبثوث من طرف تلك الشركات للحصول على دعم لمصالحها من خلال تمرير مجموعة من القرارات وربما القوانين النافعة لها والتي ربما ترتدي رداء المصلحة للمواطن الأمريكي!
يذكرأن هذه الشركات موجودة بنشاطاتها وعملياتها واستثماراتها في كل أرجاء العالم - حسب قائمة فورشن 500 شركة- نجد أن 418 شركة منها تتخذ مقرها الرسمي في ثلاث مناطق اقتصادية رئيسية تتركز فيها ثروة تقدر بحوالي 20 تريليون دولاراً أي أكثر من 80% من إجمالي الانتاج القومي العالمي وتستأثر بحوالي 85% من إجمالي التجارة العالمية
هذه المناطق الثلاث هي : الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة الأميركية واليابان.
لابد هنا من الاشارة الى بعض ممارسات هذه الشركات التي تحاول فيها الحد من دور الدولة الاقتصادي والسياسي حيث تستعين هذه الشركات بموظفين دوليين تابعين لمنظمات دولية "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لكي يحلوا محل الحكومات الوطنية في كثير من القضايا وتقوم هذه الشركات بالاعتماد على نظم أمن خاصة وشركات بريد خاصة وتقوم بإصدار بطاقات تحل محل النقود وتقوم بالاستيلاءعلى المرافق العامة والخدمات عبر آليات التخصيص .
أيضاً هذه الشركات تحاول أن تكون بعيدة عن سطو القانون والضريبة لأنها تتقن التهرب منها فهي تقوم باتخاذ المال وطنا يستقر حيث يأمن وينمو بعيدا عن كل مسؤولية.
وفيما ينازع العالم جراء التسونامي المالي الذي تسبب فيه "وطن المال المتوحش" يتردد على الساحة الدولية حديثا عن مطالب عالمية بشأن ضبط الرقابة على حركة رؤوس الأموال والاستثمارات والمضاربات والقروض تحت عنوان إعادة النظر في القواعد الأساسية للنظام المالي العالمي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وهو ما لم يجد أكثر من تجاوب أميركي تعميمي، مشروط بالحفاظ على قاعدة الحرية الفردية أو الحرية الرأسمالية أو بالاحرى حرية صناع القرار الامريكي.
التسويق جزء من صناعة القرار
أظهرت تداعيات أحداث سبتمبر وما تلاها من الحرب على الإرهاب وتغيير النظام الحاكم في كل من العراق وأفغانستان، والاحتلال الحالي للعراق أن من يملك الإعلام يملك زمام الشعوب ويدفعها في الاتجاهات التي تهم من يمتلك هذه الوسيلة من وسائل التأثير على الرأي العام وتوجيهه. وكان لتكاتف الإعلام الأمريكي مع الآلة العسكرية والسياسية أثراً واضحاً في توجيه الرأي العام الأمريكي والعالمي في تلك الفترة.
وفي عالم تحول إلى قرية صغيرة تطورت فيه وسائل الإعلام والاتصالات، وغزت فيه الأفكار والقيم الواردة من كل أنحاء العالم القرى النائية في عالمنا العربي والإسلامي عن طريق الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية والشبكات الإليكترونية، أصبح من المهم بل من الضروري فهم آليات وطرق عمل الإعلام الأمريكي على توجيه وحسم دفة الصراعات والخلافات الفكرية بل وحتى صناعة القرار الأمريكي نفسه.
ويمكن ابراز الدور المؤثر للاعلام الأمريكي تحديدا من خلال العلاقة الديناميكية التي تجمعه بالمؤسسات السياسية والدوائر الحكومية وارتباطه الوثيق باللوبيات والشركات العملاقة اضافة الى الدور الحاسم للاعلام في ادارة الانتخابات وتحديد نتائجها سلفا.
الدعاية الحكومية
يرى ادوارد هيرمان ونعوم تشومسكي إن الوظيفة الاولى لوسائل الاعلام في الولايات المتحدة الامريكية، اصبحت تعبئة الجمهور لتأييد المصالح الخاصة التي تسيطر على الحكومة والقطاع الخاص.. وكانت تلك هي أهم نتائج سيطرة الشركات العملاقة على وسائل الإعلام.
والنتيجة أن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة أصبحت وسيلة للدعاية الحكومية، نتيجة التحالف بين الحكومة والشركات العملاقة التي تسيطر على وسائل الإعلام.
ولقد أصبح الخطاب المسيطر هو الخطاب الرسمي الحكومي نتيجة اعتماد وسائل الإعلام بشكل مكثف على المصادر الرسمية في تغطية الأحداث والحصول على المعلومات.
وإذا درسنا عملية تدفق الأخبار فسنكتشف أن البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية هي المراكز الأساسية لصناعة الأخبار، وأنها تتحكم في تدفق الأنباء للجماهير. كما أن وسائل الإعلام الأمريكية تميل بشكل دائم للاعتماد على الأجهزة الحكومية في الحصول على الأخبار المحلية.
إن هذا يعني أن وسائل الإعلام الأمريكية قد أصبحت الأداة التي تستخدمها الرأسمالية للمحافظة على الوضع الراهن، وعدم إتاحة أي فرصة لوصول آراء تدعو للتغيير أو أية معلومات يمكن أن تؤدي إلى تعبئة الشعب من أجل التغيير، وهذا هو أهم أهداف التحالف بين الإدارة الأمريكية بكل أجهزتها، والشركات العملاقة التي تسيطر على الاقتصاد الأمريكي ووسائل الإعلام.
وهو أمر وقف عليه الرئيس الجديد باراك أوباما خلال تمريره لخطة التحفيز الاقتصادي التي لاقت معرضة لافتة من منافسيه في الكونغرس.
وفي غياب الرقابة الخارجية والاعتماد بشكل رئيسي على الدولة، أصبحت وسائل الإعلام عرضة لارتكاب الأخطاء والتستر عليها، وقيام بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية باستخدامها كوسيلة ليس فقط للكشف عن الأسرار وتعرية الحقيقة، بل وأحيانا لإخفاء الحقيقة وتزويرها.
لقد اتفقت النخب الحاكمة في الولايات المتحدة، على استغفال الجمهور الأمريكي وتضليله في توريد المعلومات الخارجية، وجعلت من نفسها المورد الرئيسي للمعرفة له والاطلاع على أعمال الحكومة وفق ما تراه تلك النخب.
كما اكتشفت تلك النخب الأهمية القصوى للإعلام، وبالقدر الذي تكون علاقة أجهزة الإعلام مع أفراد تلك النخب جيدة، بالقدر الذي سيكتب له النجاح في الوصول الى أعلى المراتب..
فعلى سبيل المثال استطاع جاك كمب لاعب كرة القدم من تحويل شخصيته الرياضية الى شخصية سياسية أوصلته الى الكونجرس وشجعته لخوض انتخابات الرئاسة عام 1988.. كما استطاع رونالد ريغان استغلال شهرته كممثل و تحويلها لشهرة سياسية أوصلته لمنصب الرئيس لدورتين متتاليتين.
وهذا مما جعل السياسيين الأمريكان يطلقون على تلك الديمقراطية بـ"الديمقراطية الإعلامية". وغدا الأشخاص الراغبون في الوصول الى مقاعد البرلمان "الكونجرس".. أكثر ارتباطا بأجهزة الإعلام من ارتباطهم بأحزابهم.
وصار لهذا النشاط شركات عملاقة متخصصة في السيطرة على الرأي العام، من خلال ابتكار طرق كمقياس الرأي العام وتوجيهه بطرق مؤثرة، تجعله يقبل على انتخاب مرشح دون غيره. ويؤيد موقفا سياسيا دون غيره. وتلتزم تلك المؤسسات العملاقة بالتأثير على باقي الجمهور من خلال تحليل يتسم بالإيحاء للجمهور باتباع رأي والاصطفاف معه دون غيره.
كما لم تنس وسائل الإعلام التي ارتبطت مع النخب الحاكمة، ماليا وعقائديا، بالتأثير على شعوب الأرض وتوجيهها ضمن سيطرة شبه مطلقة على أجهزة الإعلام القارية والقطرية. وتصدير أنماط من القناعات وأساليب الحياة التي تبشر بما تريده تلك النخب.. مع تشددها المطلق في إخفاء الحقائق عما يحدث فعلا.
فالتكتم على خسائر الحروب التي تخوضها أمريكا. وتجاهلها لما يصنعه حلفاؤها في العالم من انتهاك فاضح لحقوق الإنسان "الكيان الصهيوني مثلا" وتجاهلها لردات الفعل عند شعوب الأرض، والتعتيم عليها، لتقديم نفسها كمخلص، لا كمجرم دولي عملاق، وتصفيتها لكل الأصوات الإعلامية التي تحاول فضح أكاذيبها.
كل ذلك جعل من الإعلام ذراعا إمبرياليا صهيونيا "بالتحالف والتمويل".. بذل من أجله الكثير من الأموال. فالدعم المالي الهائل لقنوات تلفزيونية بعينها، وجعلها تستفيد من مصدر تمويل وهو الدعايات والإعلانات التلفزيونية التي تحيلها عليها شركات متخصصة ومرتبطة بقادة رأس المال..
وبالمقابل حرمان القنوات التلفزيونية والإعلامية التي تناوئ هذا الخط، من هذا المصدر الضخم، يجعل إمكانيات التلفزيونات ووسائل الإعلام الوطنية غير قادرة على المنافسة لضعف إمكانياتها وتواضع كوادرها وبرامجها.
دور اللوبي الصهيوني
إن أهم هدفين رئيسين يسعى الإعلام الموجه من قبل اللوبي الصهيوني إلى تحقيقهما، هما إرباك الرأي العام الأمريكي تجاه الإسلام والعالم الإسلامي، وإيجاد حالة من الخوف والترقب من كل منهما. ولا شك أن تأثير اللوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي واضح وملموس، ويستمد قوته من عدد من العناصر الهامة، ومنها:
التغلغل الإعلامي: وصول عدد كبير من الموالين لهذا اللوبي إلى مراكز إعلامية هامة، وسيطرتهم على عدد كبير من غرف التحرير في الصحف والمجلات والقنوات التلفزيوينة.
القوة الإعلانية: إن للقوة المالية التي تتمتع بها الشركات المرتبطة بهذا اللوبي، قدرة على استخدام الميزانيات الإعلانية كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف فكرية وسياسية.
ونظراً لأن أغلب وسائل الإعلام الأمريكية هي مؤسسات ربحية بالدرجة الأولى، فإن الإعلان يعد أهم مصدر من مصادر التمويل والربح لهذه المؤسسات الإعلامية. وبالتالي فإن من يملك التصرف في الميزانيات الإعلانية يمكن أن يتحكم في المحتوى الفكري للرسالة الإعلامية ويمكن أن يؤثر أيضاً على المصداقية الصحفية لوسيلة الإعلام.
ملكية وسائل الإعلام: قام التيار الصهيوني منذ أكثر من قرن ميلادي بشراء العديد من الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى، وإخضاعها بصورة أو أخرى لأهداف التيار بشكل غير مباشر، مع استمالة الرأي العام عن طريق اللعب على الغرائز، والإسفاف الإعلامي، وغير ذلك من الوسائل التي اشتهر بها هذا التيار تاريخيا.
جهل الرأي العام: المجتمع الأمريكي بطبعه لا يهتم بقضايا العالم الخارجي، ولا يعنى بصراعات العالم طالما أنها لا تؤثر على حياته اليومية. ولذلك نجح اللوبي الصهيوني في استغلال هذا الجهل العام لإعادة صياغة رؤية الرأي العام الأمريكي تجاه أولويات اللوبي الصهيوني. لكن و في مقابل ما ذكر من تأثير اللوبي الصهيوني على الإعلام الأمريكي، فإن نفس هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تستخدم من قبل أي تيار آخر لتحقيق نتائج متشابهة. ويعني ذلك أن الهيمنة لم تنتج بسبب ميل طبيعي أو فطري للرأي العام الأمريكي لمناصرة اللوبي الصهيوني، وإنما نتجت من تخطيط جاد ومثابر، واستخدام كفء للموارد، واستغلال طبيعة المجتمع الأمريكي لتحقيق النتائج التي يهدف إليها اللوبي.
وجميع الوسائل السابقة يمكن أن يستخدمها لوبي آخر أو تيار معارض لتحقيق نتائج شبيهة أو مقاربة.
ولذلك فإن دعاوى السيطرة التامة للوبي الصهيوني على الأعلام الأمريكي، وإن كانت صحيحة إلى حد ما مرحلياً، إلا أنها ليست مطلقة. فمع تقدم وسائل نشر الأخبار، وتعدد مصادرها، والنقلة الهائلة في إمكانات الإعلام البديل التي وفرتها شبكة الإنترنت، ووسائل الاتصال الحديثة، فإن التحكم الكامل في الإعلام الأمريكي شبه مستحيل، وذلك لكثرة وسائل الإعلام، وتنوع الأفكار التي يمكن أن تطرح من خلال هذه الوسائل المختلفة، وتنوع الشخصيات الإعلامية تبعاً للمناطق الجغرافية المختلفة من القارة.
ولذلك فالمستقبل يحمل علامات استفهام كبرى أمام استمرار محاولات الهيمنة الإعلامية للتيار الصهيوني في القارة الأمريكية.
إدارة الانتخابات
تقوم الديمقراطية على أساس أن وسائل الإعلام تقوم بدور مهم هو تشكيل المواطن العارف الذي يستطيع أن يتخذ قرارات صحيحة، ويشارك بفعالية في إدارة المجتمع.
ولايمكن إدارة العملية الانتخابية بشكل صحيح، دون أن تتاح لكل مواطن الفرصة للحصول على كل المعلومات التي تمكنه من اتخاذ قرار صحيح.
لكن وسائل الاعلام الامريكية لم تعد قادرة في ظل خضوعها لسيطرة الاحتكارات الكبرى المتحالفة مع الحكومة على توفير المعلومات والآراء المتنوعة للجمهور بحيث يكون كل مواطن قادرا على ان يشارك بفعالية في إدارة المجتمع، والإدلاء بصوته في الانتخابات.
ان كل ما أصبحت وسائل الإعلام الأمريكية قادرة على تقديمه هو ما يشكل تسلية انتخابية تركز على المشاهد الدرامية للمنافسة الانتخابية، والجوانب الشخصية للمرشحين، لكنها لا تناقش القضايا الاساسية التي تهم المواطنين، وتجعلهم يتخذون قراراتهم بانتخاب من يستطيع أن يقدم حلولاً جادة للمشكلات التي يعاني منها الشعب.
لذلك تحولت وسائل الإعلام الأمريكية الانتخابات إلى دراما، يتم فيها إلهاء الناس عن القضايا والمشكلات الكبرى وتشغلهم بقضايا أقل أهمية يتعلق بعضها بجوانب عنصرية.
ان هذا يفسر إلى حد كبير تناقص معدل المشاركة في الانتخابات الأمريكية، فالذين شاركوا في الانتخابات الماضية لا تتجاوز نسبتهم 30 بالمائة، أما الاغلبية فقد وجدت انها خارج سياق هذه العملية، وأن القضايا المطروحة لا تهمهم وأن وسائل الإعلام والنخبة والإدارة والكونجرس تتجاهل قضاياهم الحقيقية.
وتركز وسائل الإعلام الأمريكية على الجوانب الشخصية للمرشحين، وليس على برامجهم وأعمالهم، وقد برز دور التليفزيون في التأثير على الجماهير بتسويق بعض المرشحين، وقام صناع الصور الذهنية بالعمل على انتزاع استجابات عاطفية سريعة من المواطنين، بتأييد مرشح معين خلال الانتخابات الرئاسية عن طريق استغلال عواطف الجمهور، والتركيز على جوانب معينة في شخصية المرشح تثير اعجاب الجماهير.
لذلك يقول نيل بوستمان ان المواطن الأمريكي قبل ان يصبح التليفزيون هو الوسيلة الرئيسية للمعرفة يحكم على الرؤساء الأمريكيين بما يقدمونه من أعمال أو بما يكتبونه، ويحكم على أعمالهم العامة وعلى معرفتهم كما تكشف عنها الكلمة المطبوعة، اما الآن فقد أصبح المواطنون الأمريكيون معزولون عن هذا النوع من الوعي والتفكير في أعمال الرؤساء الأمريكيين.. فما يأتي إلى عقل المواطن هو صورة الرئيس.. صورة الوجه على شاشة التليفزيون مع كلمات معظمها لا يدخل العقل، وهذا هو الفرق بين ثقافة التركيز على الكلمة وثقافة التركيز على الصورة.
لقد أدى التركيز على السمات الشخصية للمرشحين في الانتخابات وصورهم إلى تناقص القدرات التحليلية والتفسيرية عند المواطنين، وظهرت الآثار السلبية لذلك في العملية الانتخابية حيث أصبح الناس يختارون المرشحين، ويحكمون عليهم بناء على سماتهم الشخصية.
في ضوء ذلك يمكن ان نحلل الانتخابات الأمريكية، ونتوقع نتائجها، لكن أهم ما يمكن أن نتوصل إليه من قراءة تلك الانتخابات انها لا تعبر عن إرادة المواطنين، وانما أصبحت معبرة عن إرادة الشركات العملاقة التي تسيطر على وسائل الإعلام، وتتحكم في المعرفة التي تصل إلى الجماهير.
ان حرية العملية الانتخابية تحتاج إلى وسائل إعلامية حرة، تعطي الجماهير معرفة حقيقية، ولا تقدم لهم تسلية انتخابية.
سيطرة الدين وإملاءات الإيديولوجيا
العرب أونلاين: كل ما في الواقع الراهن للولايات الأمريكية المتحدة يوحي بكيان استثنائي، في القوة العسكرية والثراء المادي والرخاء الاقتصادي والقدرة على التأثير في مجريات الأحداث في العالم وتوجيه السياسات فيه.
وتقابل استثنائيةَ الراهن استثنائيةُ النشأة والتاريخ حيث تضافرت شبكة شديدة التعقيد من العوامل لصنع ملامح الكيان القوي، ولتنحت بالتوازي معالم شخصية إنسان يُجمع دارسون على تفرّده بخصائص وسمات يرون لها أبعد الأثر في القرار السياسي الأمريكي. كما يعتبر هؤلاء أن للإيديولوجيا دورها المؤثر في ذلك القرار.
ومن أبرز الدلائل على أن للشخصية الأمريكية فرادتها وتميزها حضورها كمادة للدراسة لدى العديد من البحاث والدارسين عربا وغربيين.
ومن الأبحاث العربية اللافتة في المجال دراسة للدكتور باسم خفاجي، مدير المركز العربي للأبحاث الإنسانية ضمّنها كتابا حمل عنوان "الشخصية الأمريكية" وحاول خلاله إيجادَ مُشْتَرَكٍ عامٍّ لتلك الشخصية يمكن على ضوئه تلمّس تأثير سماتها وخصائصها في القرار السياسي الأمريكي، وبالنتيجة في صنع السياسات الأمريكية التي يتعدى تأثيرها حدود الولايات الأمريكية المتحدة إلى العالم بأسره.
وقد عد الباحث أمريكا "مزيجا عجيبا من التناقض والتميز والفساد أيضا".. كما عذّ "معرفة الشخصية الأمريكية أمرا مهمّا.. لأن شخصية الناخب التي تعبر عن الشخصية الأمريكية تساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في القرارات السياسية في الحياة الأمريكية سواء كانت هذه القرارات متعلقة بالسياسات الداخلية أو السياسات الخارجية التي تؤثر بشكل مباشر في شعوب العالم"..
شخصية مستنفرة.. قرار متحفّز
يولي الباحث الذي ينطلق من نظرة ناقدة لما يسميه "المشروع الأمريكي" أهمية قصوى لعامل الهجرة في تكوين شخصية غالبية الأمريكيين. وهو يلخّص دوافع رواد هجرة الأوروبيين إلى أمريكا في عوامل سلبية بمجملها تتمثل بالتخلص من ملاحقة الدائنين، والفرار من العدالة والقانون، والفرار من الاضطهاد الديني والعرقي والطبقي، والبحث عن حياة جديدة خالية من الأعباء النفسية الأوروبية".
وإذا أخذنا في الاعتبار الصراعات الدامية التي خاضها المهاجرون الأُوّل مع السكان الأصليين للبلاد، وفي ما بينهم أيضا، والتي كانت الهزيمة فيها تعني الزوال من الوجود، نصل إلى أن السمة الأساسية للشخصية الأمريكية هي التحفز والاستنفار، ومن ثم إلى سمة "الاستباقية" في القرار السياسي الأمريكي.
وتنقل لنا السينما الأمريكية جانبا مهما من الحقيقة حين تصور ما يعرف بـ"منازلات الموت" بين رعاة البقر والتي يتقابل فيها شخصان مسلحان وجها لوجه ولا بد أن تنتهي بموت أحدهما في تطبيق حرفي لقاعدة "البقاء للأصلح".
وليست تلك المنازلات من وحي الخيال السينمائي بل هي صدى لأحداث جرت واقعا. وتوجد على التراب الأمريكي مقابر تحمل شواهد القبور فيها تواريخ وأسماء أشخاص قضوا في "منازلات الموت" تلك.
ويجد بعض الدارسين في سمات الاندفاعية والتحفز والاستنفار التي تطبع الشخصية الأمريكية تفسيرا للانخراط الدائم في الحروب والصراعات المسلحة الذي لازم الولايات المتحدة على مدار تاريخها.
وكما أن صانع القرار الأمريكي على تعدد اتجاهاته ومواقعه لا يتردد في إعلان الحروب والمشاركة في القائم منها، فإن الناخب الأمريكي يبدي ميلا واضحا للسياسي الصدامي الذي يرفع شعارات استعداء الشعوب والأمم ويلوّح باستخدام القوة
وفي هذا السياق يصنّف بعض المراقبين نجاح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في كسب أصوات الناخب الأمريكي عند ترشحه مرتين متتاليتين لرئاسة الولايات المتحدة، وهو الذي رفع لواء الحرب على الإرهاب ومقارعة ما سمّاه "محور الشر" ممثلا ببعض الدول المعادية للسياسات الأمريكية.
وتجعل الشخصية الأمريكية المستنفرة -في رأي بعض الدارسين- الولايات المتحدة كيانا "سيّئ الظن" بباقي الأمم والشعوب يعمل على إجهاض أي مسعى لامتلاك القوة من قبل أي من أمم العالم ولو في طور النوايا، ولا يفرّق في ذلك بين عدوّ وحليف حيث لم تتردد أمريكا في فرض شروط قاسية على الطرف المهزوم في الحرب العالمية الثانية تحدّ من قوّته وتحدّد قدراته التسليحية. وتغدو الولايات المتحدة بنتيجة ذلك كيانا غير قادر على العيش داخل حدوده، بل تغدو الصراعات مصدر حياة له واستمرار.
تقاسم النصر.. والتبرؤ من الهزيمة
منذ تأسيسها خاضت الولايات المتّحدة أكثر من مئة حرب في مناطق متباعدة من العالم، بينها خمس حروب فقط معلنة بصورة قانونية من قبل الكونغرس. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تدخلت الولايات المتحدة عسكريا في كوريا وفيتنام وهاييتي ولبنان ونيكاراغوا ومنطقة الخليج العربي وأفغانستان.
ولم تعدم تلك الحروب من يؤيدها بين الشعب الأمريكي، لكن الاعتراض والتذمر يطرآن غالبا حينما تثقل فاتورة الخسائر وتطول الحرب ويتأخر موعد تحقيق النصر الذي غالبا ما يعلن قبل خوض المعارك أصلا على غرار ما حدث في فيتنام والعراق.
ويردّ دارسون هذه الظاهرة بدورها إلى طبيعة الشخصية الأمريكية المحبة لـ"العنتريات" والمتوهّمة للبطولات على طريقة السينما، والمغرقة في النفعية حد الأنانية بحيث تريد تقاسم المغانم والانتصارات فيما تتبرّأ من الهزائم والانكسارات.
إلى ذلك لخّص صاحب كتاب "الشخصية الأمريكية" السمات العامة لتلك الشخصية في: الفردانية- الشعور بالاستثنائية- النفعية والبراجماتية- التناقض- الرغبة في التوسع- تقديس العمل والاعتماد على الذات- الميل نحو العنف- الإعجاب بالإصرار والضغط- سرعة الإيقاع- القسوة في التعامل مع الأعداء- تقديم القوة على المبادئ- الاعتقاد بإمكانية شراء كل شيء- نقص الاهتمامات السياسية- عدم الاهتمام بماضي الأشخاص- العمل المؤسسي والجماعي- النقد الذاتي والإصلاح المستمر- حب الاقتناء والاستهلاك..
ويستطيع الدارس أن يجد في الواقع الأمريكي وفي بعض أحداث تاريخ الولايات المتحدة من الوقائع والمعطيات ما يناسب فعلا تلك السمات التي حددها د.باسم خفاجي للشخصية الأمريكية؛ فسمة "الرغبة في التوسع" على سبيل المثال تجد مصداقها في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أماكن بعيدة جدا عن مجالها الجغرافي وفي حضور قواعدها العسكرية في الأنحاء الأربع من العالم.
وسمة القسوة في التعامل مع الأعداء تجد شاهدها في ضرب اليابان بالقنبلة النووية، والتنكيل بالشعب الفيتنامي ثم بالشعب العراقي على سبيل التمثيل لا الحصر، أما ما دأبت عليه الولايات المتحدة من رشوة الأنظمة واستمالتها بالإغراءات فيؤكد سمة "الاعتقاد بأن كل شيء يشترى".
ويعتبر بعض الدارسين شخصية "الكاوبوي" في السينما الأمريكية، بكل ما يطبعها من زهو واندفاعية وحب للمغامرة ورغبة في الاستيلاء دون وجه حق نموذجا عن الشخصية الأمريكية. وطالما صُوّر أصحاب قرار في الولايات المتحدة في الصحافة العالمية سواء بالنصوص أو بالرسوم على شكل "كاوبوي"، وخاصة الرئيسين رونالد ريجان وجورج ولكر بوش الشخصية التي ألهمت باندفاعيتها خيال رسامي الكاريكاتور ورسمه أحد هؤلاء على شكل "كاوبوي" يمتطي ثورا هائجا.
أثر العقيدة والإيديولوجيا
إضافة إلى سمات الشخصية الأمريكية ذات الخصائص المتفردة يلعب المعتقد والإيديولوجيا دورا هاما في صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة. ويتفاوت مستوى تأثير العقيدة في ذلك القرار بين الفترات والرؤساء، فمستوى "أدلجة" السياسة الأمريكية يتفاوت كثيرا على سبيل المثال بين فترتي حكم بيل كلينتون وجورج ولكر بوش.
وفي هذا المجال يلعب المعتقد الديني والتوجه الليبرالي الدور الأبرز في صناعة القرار الأمريكي. وليس للولايات المتحدة دين رسمي لكن الدين المسيحي هو دين الأغلبية حيث أنه يحتل الدرجة الأولى، ويوجد تمثيل للعديد من الديانات الأخرى مثل الإسلام واليهودية والبوذية والهندوسية والسيخية في المجتمع الأمريكي، لكن تأثيرها على السياسة الأمريكية -باستثناء اليهودية- يبقى هامشيا.
وعن الأثر السياسي المتصاعد للديانة المسيحية في أمريكا يرى د. عبدالله بن جمعان الغامدي أستاذ التنمية السياسية بالجامعة السعودية في بحث بعنوان "اليمين المسيحي وتأثيره على السياسة الأمريكية" أن ظاهرة "العودة إلى الدين التي سادت منذ أواخر السبعينات لم تقتصر على العالم الإسلامي فقط بل امتدت لتشمل الدول الصناعية
الرأسمالية عموما والولايات المتحدة على وجه الخصوص مما حدا بمجلة "نيوز ويك" إلى اعتبار سنة 1976 سنة الإنجيليين.
فمع أن عددا كبيرا من أفراد النخبة المثقفة الأمريكية كان يعتقد قبل ثلاثة عقود فقط بأن الأصولية المسيحية تحتضر وأنها في طريقها إلى الاختفاء فيما عدا بعض الجيوب المعزولة في الجنوب التي لم تصلها مؤثرات المدنية بشكل كبير مع محدودية تأثير المنظمات الدينية آنذاك على المجتمع الأمريكي لاهتمامها بالخلاص الفردي أكثر من اهتمامها بالتغيير الثقافي.
إلا أن الملاحظ أن حركة الانبعاث الديني البروتستانتي تبدو اليوم حية ومزدهرة وخاصة بعد تحالفها الوثيق مع الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري الذي كان سببا رئيسيا في فوز رونالد ريجان بانتخابات الرئاسة خلال الثمانينات.
ومنذ ذلك الحين استقطبت الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة اهتمام الكثير من المفكرين ووسائل الإعلام نظرا لأن كثيرا من أتباعها أصبحوا أكثر اهتماما بالتأثير على العملية السياسية من خلال إنشائهم لمنظمات اليمين المسيحي الذي اعتبر واحدا من اكثر الحركات السياسية والاجتماعية إثارة في القرن العشرين".
ويمضي د.الغامدي محللا: "على الرغم من تبني النظام السياسي الأمريكي لمبدإ الفصل بين الدين والدولة إلا أن الملاحظ أن الدين لعب وما زال يلعب دورا هاما في المجتمع الأمريكي حيث تظهر لدى الأمريكيين نزعة قوية للانتماء إلى عضوية الكنائس ويحرصون على حضور المناسبات الدينية كما انهم الأكثر احتمالا للاعتقاد في الإله والزعم بأن الدين يلعب دورا محوريا في حياتهم من شعوب الديمقراطيات الرأسمالية ما بعد الصناعية الأخرى".
ويقول في موضع آخر من كتابه "إن الموقف الأمريكي من إسرائيل هو نموذج واضح ومميز لاختلاط الدين بالسياسة . وقد أدى هذا الخلط إلى وجود نوع من الانفعالية الدينية الباطنة التي تدخل في صلب البيانات والتصريحات التي يلقيها القادة السياسيون والزعماء المدنيون، فقد درجوا على استخدام رموز خطابية تستقي من العهد القديم من التوراة، الذي يدور في غالبيته حول تاريخ إسرائيل ومستقبلها..
ومن هنا فإن التفسير المقنع لما يردده السياسيون الأمريكيون بوجه خاص حول "الالتزام الأدبي-الأخلاقي" بدعم إسرائيل والذي لا يستعمل لأية دولة صديقة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية سوى إسرائيل، إنما هو تأكيد على أن ديانة هذه البلاد هي في جذورها ديانة توراتيه، وضعت شروحها في قوالب عبرانية.
وبالتالي فإن استخدام الرموز الدينية الخطابية مثال أدبي، و أخلاقي، والتراث المسيحي اليهودي المشترك، وإسرائيل ، والأرض الموعودة.. عند السياسيين الأمريكيين وبعض العامة يهدف إلى القفز على الحائط الفاصل بين الدين والدولة، ويسد الفجوة بين المجالين الديني والسياسي في المجتمع الأمريكي".
ويرى الدارسون أنه لم يحدث طيلة نصف القرن الماضي أن كانت العقيدة مؤثرة في القرار السياسي الأمريكي، مثلما كانت عليه في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج ولكر بوش حتى بلغ به الأمر حد التوهم أن قراراته السياسية هي تنفيذ لتفويض إلهي كما أوحى بذلك خطابه السياسي وأيضا زلات لسانه الكثيرة.
"دين".. جديد
إضافة إلى المسيحية، كثيرا ما تحولت العقيدة الليبرالية وما يتعلق بها من رأسمالية وقيم الحرية وغيرها إلى ما يشبه العقيدة الدينية التي لا يشك في صدقها كاملة وفي عدم قبول أي نقض لها أو أي طريق سواها.
وتجلى ذلك خصوصا في مقارعة الشيوعية وشيطنتها بصفة مطلقة. وبلغ الأمر ذروته منذ الخمسينات حين تحول الأمر إلى سياسة دولة توضع لها المخططات وترصد لها الميزانيات، وذلك مع ظهور "المكّارثية" نسبة للسيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي من حزب الجمهوريين بولاية وسكنسن الذي وجّه العديد من الاتهامات بأن مسؤولين في صلب الدولة الأمريكية كانوا شيوعيين، ودشّن بذلك مرحلة بوليسيّة غير مسبوقة من التحري والتدقيق مع موظفي الدولة لم يَسْلم منها حتى أساتذة الجامعات والفنانون والصحفيون في مثال شديد الوضوح على عمق أثر الإيديولوجيا في القرار السياسي الأمريكي.
إنتهى
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.