مشاهدة النسخة كاملة : سؤال عن الدي مقر اطية
بوفيصيل
07-01-2012, 12:47 PM
لا شك ان الديمقراطية كانت ايام الاغريق في فترة حكم المدينتين اثينا واسبرطه منذ الاف السنين الذي يجعل منها دول في هذا الزمان تتبناها وتدافع عن فكرتها بابشع انواع الحروب والدمار ومع هذا التقدم (الانحطاط)الفكري لم يحاول بني البشر ان يصلوا الي فكر راقي يحل مشاكلهم الحياتية فمن هذا السلطان الذي يجعل من بني البشر ان يتبنوا هذا الفكر العفن الذي مر عليه قرون عده ويجعله يقاتل من اجل هذه الافكار الرجعية الحقيقية ولم يساعد الانسان لان يرقى الي الفكر الذي بعثه الله تبارك وتعالي الا ان يكون في حقيقة الامر عدوا فعليا لبني البشر قال تعالى في محكم تنزيله (ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فما هذه القوة التي تمتع بها ابليس لان يجئ بقوانين عفا عليها الزمن ويقنع بني البشر في تبنيها !!!!!
muslem
07-01-2012, 10:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن من سورة الإسراء، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً (56)﴾
الله سبحانه وتعالى يملك كشف الضر عن البشر وتحويله، لكن الذين يدعون من دونه لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلَهُ ! إذاً ينبغي أن يكون الإله قادراً على أن يزيل الضر، ينبغي أن يكون الإله سميعاً بصيراً، بيده كل شيء، هذا هو مقام الألوهية، فإذا اتخذ الإنسان من دون الله أناساً عقد عليه آمالهم، وجعلهم قبلته، وأخلص لهم، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، يكون قد غامر، وقامر بسعادته في الدنيا والآخرة !
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلاً (56)﴾
ربنا عز وجل قال متحدثاً على لسان سيدنا إبراهيم:
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)﴾
( سورة الشعراء )
هل من جهة على وجه الأرض تستطيع أن توقف نمو الخلايا العشوائي ؟ هل من جهة على وجه الأرض تستطيع أن تصل إلى القلب فتصلح الخلل ؟ الله على كل شيء قدير ! لذلك حينما يتجه الإنسان إلى غير الله يكون قد قامر بسعادته في الدنيا والآخرة، لأن هذا الذي يتجه إليه الإنسان ليس أهلاً أن تطيعه وتعصي الله، إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله !
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (57)﴾
هذه الآية دقيقة:
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾
بقي هؤلاء الذين يُدعَون من دون الله، هؤلاء الذين يُعبدون من دون الله، هؤلاء الذين اتخذوا آلهة من دون الله، كسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وكسيدنا عزير:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾
( سورة التوبة )
وكالملائكة التي تُعبد من دون الله، هؤلاء جميعاً الذين يُعبدون من دون الله أولئك الذين يدعون هم أنفسهم، سيدنا المسيح وعزير والملائكة هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة ! هم يعبدون الله، إن كنتم تعبدونهم على أنهم آلهة هم يعبدون الله، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه،
﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾
كلما اشتد قرب الإنسان من الله اشتد إقباله عليه، ابتغى إليه الوسيلة، أيهم أقرب من هؤلاء يبتغون إلى ربهم الوسيلة.
كلما اقترب الإنسان من الله ذاق من طعم القرب فزاد شوقه إلى الله عز وجل ! وابتغى إليه الوسيلة.
الوسيلة لها معانٍ واسعة، الوسيلة قد يتوسل الإنسان إلى الله بطاعته، فطاعة الله وسيلة، وقد يتوسل الإنسان إلى الله بالعمل الصالح، والعمل الصالح وسيلة، وقد يتوسل الإنسان إلى الله بحضور مجالس العلم، واتباع أهل الحق، فأهل الحق وسيلة، الوسيلة الشيء الذي يقربك من الهدف، فهؤلاء الذين يُدعَون من دون الله هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ربنا عز وجل قال:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
( سورة الكهف: 110)
muslem
07-01-2012, 10:27 PM
العمل الصالح ثمن اللقاء، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الإِسْلامِ قَوْلا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، بَعْدَكَ، قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ))
( مسند الإمام أحمد )
فالاستقامة طريق إلى الله عز وجل، خدمة الخلق طريق إلى الله عز وجل، الدعوة إلى الحق طريق إلى الله عز وجل، لزوم مجالس العلم طريق إلى الله عز وجل، برّ الوالدين طريق إلى الله عز وجل، الاستقامة في البيع والشراء طريق إلى الله عز وجل، الوقوف عند حدود الله طريق إلى الله عز وجل، نُصحُ المسلمين طريق إلى الله عز وجل، ما أكثر الطرق إلى الله عز وجل، ما أكثرها إنها أمامك مفتحة أبوابها، لذلك فالإنسان لا يعدم وسيلة يصل بها إلى الله عز وجل، وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة ! وأن تميط الأذى عن الطريق هو لك صدقة، وأن تلقى أخاك بوجه طلق هو لك صدقة، وأن تفرغ إناءك في دلو المستسقي هو لك صدقة، وأن تعين الأخرق (من لا يحسن الصنعة)هو لك صدقة، وأن ترشد الرجل الضّال إلى هدفه هو لك صدقة، وأن تقود كفيف البصر هو لك صدقة، وما أوسع أبواب الخير، وأبواب الخير كلها طرق إلى الله عز وجل، الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، فهؤلاء الذين تدعونهم من دون الله، هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله، هؤلاء الذين اتخذتموهم آلهة هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب، كلما اقترب الإنسان من الله عز وجل يبتغي إلى الله الوسيلة بإلحاح أشد وبصدق أكبر.
في معنى آخر،
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾
أيْ: يتخذ أشد الوسائل فعالية، وأشد الوسائل تقريباً إلى الله عز وجل، إما أنه إليهم أقرب، أو أنه بمعنى أيها أقرب، على كل هؤلاء الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم، لا يملكون لكم نفعاً ولا ضراً، إنهم يبتغون من الله الرحمة، إنهم يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾
أنت في دعاء الوتر تقول: نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، الرحمة الشيء المريح، أن تنعم بصحة وافرة رحمة، وأن يكون عقلك ناضجاً هذه رحمة، وأن تملك قوت يومك هذه رحمة، وأن تستمتع بحواسك كلها هذه رحمة، وأن يكون لك زوجة ترضيك هذه رحمة، وأن يكون في البيت أولاد هذه رحمة، وأن يحبك الناس هذه رحمة،
﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾
(سورة طه: 39)
والله لو اطَّلع الناس على سريرة الإنسان لأَبَوا أن يُسَلِّمُوا عليه ! ولكن الله عز وجل من كرمه يبرز الجميل، ويستر القبيح ! يطَّلع الناس على محاسنك، ويخفي عنهم مساوئك، لذلك هم يحبونك ! فلو كشف الله الستر ما سلّم عليك أحد !
والله لو علموا قبيح سريــرتي لأبى السلام علي من يلقانــي
ولأعرضوا عني وملَّوا صحبتي و لأعرضوا عني وملوا صحبتي
***
إذاً:
﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾
(سورة طه: 39)
هذه رحمة، يرجون رحمته، وهناك رحمة الإقبال، ورحمة التجلي، فلو أقبلت على الله عز وجل، وتجلى على قلبك فهذه رحمة من نوع آخر ! هذه الرحمة عبر عنها الله عز وجل بقوله:
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)﴾
( سورة الأعراف )
أحسن يرحمك الله عز وجل، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى ))
( ابن ماجة )
هذا العبد يتجلى الله عليه بالرحمة، رحم الله عبدًا عرف حدّه فوقف عنده، هذا الإنسان يتجلى الله عليه بالرحمة،
﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾
أي: عذاب الله عز وجل، فهو مُنَوَعٌ جداً ! عذاب الله عز وجل قريب، نقطة من الدم لا تزيد على رأس دبوس لو تجمدت في بعض شرايين المخ لأصيب الإنسان بالشلل ! هناك مكان آخر لو حصل ذلك لأصيب بالعمى ! هناك مكان ثالث لأصيب بالصمم ! ومكان رابع لفقد ذاكرته ! لو توقفت الكليتان عن العمل أصبح الموت أحلى من الحياة ! لو توقف الكبد عن العمل، لو انقطع العمود الفقري إثر حادث يصاب الإنسان بالشلل طوال حياته،
﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾
لو فَقَد الإنسان عقله نجد أقرب الناس إليه يسوقونه إلى المستشفى ! يتخلون عنه.
﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾
هذا الذي لا يخشى الله، لا يخاف الله ضعيف التفكير، محدود الأفق، غبي، أحمق ! لذلك رأس الحكمة: مخافة الله.
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)﴾
الله سبحانه وتعالى هكذا جاء في علمه أن القيامة لن تقوم إلا بعد أن تكون الأرض قد خلت من الحياة، فكل هذه القرى، كل هذه المدن التي ترونها، هذه المدن العظيمة التي فيها ناطحات السحاب، فيها الجسور، فيها الأنفاق، فيها أنفاق تحت الأرض، وفيها أنفاق تحت البحر، وفيها جسور معلقة، وفيها أبنية شاهقة، هذه المدن الضخمة، هذه المدن التي يعتز أصحابها بها.
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾
هذه (إن )تعني ما، حرف نفي، يعني ما من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة، أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا، فإن كانت هذه القرية تقيم شرع الله، وتقيم أمر الله، وهي محسنة فلا بد من أن تنتهي قبل يوم القيامة ! فكل من عليها فان، كل شيء هالك إلا وجهه، فالموت حق، لن تبقى قرية إلى الأبد، لا بد من أن تنتهي، فأما إن كان أهلها ظالمين، إن كانت فيها الفاحشة، إن ارتكبت فيها المعاصي فهذه المدينة سوف تعذب عذاباً شديداً ! إما أن تهلك، أو تدمر، وإما أن تعذب عذاباً شديداً.
muslem
07-01-2012, 10:27 PM
﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)﴾
وليست أخبار الزلازل والفيضانات والبراكين عنا ببعيد ! مدينة في أميركا الشمالية قتل خمسة وثلاثين ألفًا في ساعات ! بركان ثار وأذاب الثلوج، والثلوج سببت الفيضانات ! ما بقي منها أحد، تحت سمعنا وبصرنا.
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (57) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)﴾
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
( سورة البروج)
الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل..
﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾
( سورة هود: 102)
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾
( سورة الحج )
لذلك هذه الآية تطبيقها العملي أن تأخذ الحيطة، أن تتوب إلى الله عز وجل، لأنك إذا تبت إلى الله عز وجل سوف تنجو من أي عذاب.
﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾
( سورة الأنبياء )
هكذا دعا سيدنا يونس عليه السلام:
﴿سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾
حقٌّ على الله عز وجل أن ينجي المؤمن، الآية الكريمة تقول:
﴿نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾
هنالك آيات أخرى تؤكد هذا المعنى.
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)﴾
(سورة الإسراء )
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)﴾
( سورة الذاريات )
واضحة كل الوضوح، لذلك إذا قال الله تعالى:
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)﴾
( سورة الإسراء )
معنى ذلك أن تبادر إلى التوبة قبل فوات الأوان، من أجل أن تنجو من عذاب الله.
﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾
يعني أن كفار مكة اقترحوا على النبي عليه الصلاة والسلام أن يجعل جبل الصفا من الذهب، أو أن يزيح عنهم جبال مكة كي يزرعوا أرضها، طلبوا طلبات، فالله سبحانه وتعالى أجابهم:
﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ﴾
التي تقترحونها على نبيكم:
﴿إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾
وإليكم بعض الأمثلة:
﴿وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾
( سورة الإسراء:59 )
قوم ثمود طلبوا من نبيهم سيدنا صالح أن تخرج لهم ناقة من الجبل فاستجاب الله لهم، ولم يؤمنوا، وعقروا الناقة، فاستحقوا الهلاك.
لذلك إذا جاءت الآيات المصدقة، إذا جاءت المعجزات المصدقة لرسالة الأنبياء، ولم يؤمنوا بها فقد استحقوا الهلاك فوراً، فالله سبحانه وتعالى رحمةً بأمة سيدنا محمد رحمةً بها لم يرسل لها الآيات، لو أرسل لها الآيات، وكذب بها قوم النبي عليه الصلاة والسلام لاستحقوا الهلاك، هلاك استئصال لا هلاك تأديب.
﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾
آية واضحة كالشمس، آيةٌ كأنها هي التي تبصر، تُبَّصِر الناس بوحدانية الله عز وجل، والآيات التي تؤكد وحدانية الله عز وجل، ووحدانية الألوهية، ووحدانية الربوبية، ووحدانية الخلق لا تعد ولا تحصى.
﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾
ظلموا أنفسهم حينما لم يؤمنوا بها، وظلموا أنفسهم حينما عقروها !
﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)﴾
( سورة الشمس )
﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59)﴾
التخويف باللغة المألوفة تعني أن الإنسان قد يخوّف إنساناً، ولا يفعل ما يقول، لكن التخويف في القرآن الكريم يعني التخويف بالمعنى اللغوي الدقيق، يعنى أن الله سبحانه وتعالى حينما تُدَمَّر القرى، حينما تأتي الفيضانات، حينما تأتي البراكين فتحرق المدن، حينما تأتي الزلازل فتصبح المدينة أثراً بعد عين، هذه الآيات من أجل أن يخاف الآخرون، من أجل أن يتوبوا، من أجل أن يتعظوا.
هذا مثلٌ بين أيدينا: لو أن الناس جميعاً ولدوا مرة واحدة، وماتوا مرة واحدة ما اتعظوا ! ولكن هذا الموت التدريجي من أجل أن يتعظ الأحياء بالأموات، قبل يومين كان معك، ملء السمع والبصر، يتكلم ويناقش، ويذهب ويعود، له بيت وله أولاد، وله مكانة اجتماعية، بعد يومين صار على خشبة الغسل جثة هامدة، لا حراك بها، بعد ساعتين تحت التراب، بعد أسبوع أصبح خبراً، فلان له وجود، له شخصيته، له رأيه، له أمره، له نهيه، له مكانته، له إدارته لأعماله، بعضهم يخافه، بعضهم يخشاه، فإذا مات صار خبراً.
﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ ﴾
يا محمد عليه الصلاة والسلام.
﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾
أي اطمئن، فالخلق كلهم بيد الرحمن، كن فيكون، زُل فيزول، لا تخف،
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67)﴾
( سورة المائدة )
عصمة النبي عليه الصلاة والسلام أنواع عديدة، هناك عصمة التبليغ، وهناك عصمة الفعل، وهناك عصمة من أن يقتل، لا تخف فلن يصلوا إليك، هذه الآية على شاكلة:
﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
ثم قال عزوجل:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾
هم في قبضته، يمد لهم ليمتحنهم، يمد لهم ليكشف نياتهم، وهو يعرفها، يكشفها لهم، يكشفها للآخرين.
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾
( سورة العنكبوت )
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾
هؤلاء الله سبحانه وتعالى يمدهم، لكن لهم أجل لا ريب فيه، أي: لا تخف يا محمد، إن الله عز وجل ناصرك عليهم في الوقت المناسب.
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾
أي: حينما عُرِجَ به إلى السماء، حينما أُسريَ به إلى بيت المقدس، وحينما عُرِجَ به إلى السماء أراه الله ملكوت السماوات والأرض، وأطلعه على ما كان وما سيكون، لذلك حينما عاد النبي عليه الصلاة والسلام من المعراج والإسراء إلى مكة قصَّ على الناس ما رأى.
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾
( سورة النجم )
هذه الرؤيا التي رآها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في السماوات، رأى يوم القيامة، وكيف أن أهل الجنة بالجنة يتنعمون، وكيف أن أهل النار بالنار يُعذَّبون، رأى آكلي الربا ما مصيرهم، رأى الزُناة ما مصيرهم، رأى الذين يعقّون آبائهم ما مصيرهم، أطلعه الله على كل شيء، أطلعه على مرتبته، أطلعه على مكانته، أطلعه على الأنبياء، أطلعه على كل شيء، كان الإسراء والمعراج إكراماً للنبي عليه الصلاة والسلام بعد محن شديدة ألمت به !
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾
ليس معنى الرؤيا هنا المنام، الرؤيا من رأى.
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾
أي: أريناكها.
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾
بعض الناس ارتدوا على أدبارهم بعد أن سمعوا ما قصه النبي عليهم، واعتبروه هذياناً ومبالغة وتجاوزاً لحدود المعقول ! وبعض المؤمنين الصادقين فزادتهم هذه الرؤيا إيماناً وتصديقاً !
يا أبا بكر يزعم صاحبك أنه ذهب إلى بيت المقدس، وأنه عُرِجَ به إلى السماء، وأنه رأى كذا وكذا، فما زاد عن أن قال: إن قال هذا فقد صدق ! لذلك سميَّ الصديق رضي الله عنه، فهؤلاء الناس حيال هذه الرؤيا انقسموا فريقين: فريق ارتد على أدباره، وفريق زادته هذه الرؤيا إيماناً، لكن هذه المعجزة التي خصّ بها النبي الكريم لم تكن تحت سمعهم وبصرهم، لو كانت كذلك، ولم يؤمنوا لاستحقوا الهلاك ! ولكن الله عز وجل سمّاها فتنة، أي وصلت لهم خبراً، قوم موسى رأوا البحر بأعينهم قد أصبح طريقاً يبساً ! قوم صالح رأوا الجبل قد خرجت منه الناقة بأعينهم ! لكن قوم النبي عليه الصلاة والسلام لم يروه بأعينهم وقد عُرِجَ به إلى السماء ! لو رأوه وكذبوه لاستحقوا الهلاك رحمة بهم، لذلك هذه المعجزة نُقِلت لهم خبراً، ولم تكن لهم رؤية عين.
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾
افتتنوا بها، ومعنى افتتنوا بها أي: ظهروا على حقيقتهم.
أساساً هناك مواقف أخرى كغزوة الخندق، في الخندق قال بعض الدعاة: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ! وقال بعض المؤمنين المتمكنين في إيمانهم:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾
( سورة الأحزاب )
هذه فتنة، الفتنة الإنسان بها يكشف على حقيقته.
muslem
07-01-2012, 10:28 PM
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾
في الآية تقديم وتأخير، وما جعلنا الرؤيا التي أريناك، والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس.
والله سبحانه وتعالى حدّثهم عن شجرة الزقوم:
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)﴾
( سورة الصافات )
فقال أبو جهل: النار تأكل الحجر، فكيف تنبت فيها الشجر ؟ إن هذا كذب ! والزقوم هو الزبد والتمر، فدعا بزبد وتمر، ودعا أصحابه وقال: تزقموا، أي: كلوا ! هذا الذي قاله محمد لا أصل له، فهذه الشجرة التي تحدث الله عنها في القرآن أيضاً كانت فتنة للناس، بعضهم صدّق، وبعضهم كذّب.
﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً (60)﴾
هؤلاء المتشبثون بشهواتهم لا يزدادون على آيات الله إلا تشبثاً وعصياناً وبعداً وعدواناً.
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾
كان متكبراً، أبى أن يسجد للإنسان، لسيدنا آدم ! قال:
﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61)﴾
أنا من نار، وهذا من طين، أأسجد له ؟ استنكف أن يسجد له ! قال الله تعالى على لسان إبليس:
﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً (62)﴾
هذا الذي كرمته عليَّ، هذا الإنسان أنا سوف أحتويه، سوف أضلّه، وأغويه، سوف أجعله يعصيك، سوف أجعله يحب الدنيا، هذا الذي كرمت عليّ.
﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً (62)﴾
هذا الاستثناء للمؤمنين، هؤلاء لا أقوى عليهم، لا أستطيع أن أضلّهم، ليس بإمكاني أن أضل منهم إلا قليلا ! قال الله عز وجل:
﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً (63)﴾
اذهب ومن تبعك منهم، من تبعك هو مخير، هناك آية دقيقة جداً:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾
( سورة إبراهيم )
إذاً الإنسان مخير، وإبليس والشياطين ليس لهم عليه سلطان أبداً، كل ما يملك إبليس أن يوسوس، وأنت مخير، إلا من اتبعك باختياره، قال:
﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً (63)﴾
اذهب فمن تبعك فهو على شاكلتك، من أطاعك فهو على شاكلتك، اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءاً موفوراً ! الإنسان مخير، وأنت توسوس له، والمَلَكُ يُلْهِمُهُ، فإن اتبعك مختاراً فهو على شاكلتك، ويستحق النار، وإن أبى، وأطاعني يستحق الجنة، واستفزز من استطعت منهم، الاستفزاز التحريض والإثارة، لو استفزني أثارني،
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾
قال بعضهم: الصوت هنا الوسوسة، ولأنها وسوسة لا تعني شيئاً سميت صوتاً تحقيراً لها ! الإنسان يصّوت أي: يتكلم، أما إذا كان كلامًا لا معنى له فيقول: أوقفوا هذا الصوت، الصوت كلام مبهم، فتحقيراً لهذه الوسوسة قال الله عنها: إنها صوت.
هناك معنى آخر: هذا هو الغناء، الغناء ينبت النفاق،
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾
الأغاني التي تثير الشهوات، وتصف العورات، وتغري بالزنى، هذه كلها من مزامير الشياطين.
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾
جَنِّد كل جنودك، الراكبين والمشاة، جَنِّدْهُم ليُضِلُوا هذا الإنسان !
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ))
(مسلم)
كل الليل يقضونه في المشاكل والصراعات، وإذا جلس الإنسان إلى الطعام ولم يسمِّ قال الشيطان لإخوانه: أصبتم العشاء، سنأكل معهم، فإذا دخل ولم يُسَلِّم، وإذا جلس إلى الطعام ولم يسمِّ يقول الشيطان لإخوانه: أصبتم المبيت والعشاء !
﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ﴾
بعض المفسرين قال: هذه صورة من صور إيقاع الشيطان للإنسان، أنت إذا رأيت إنساناً متحصناً تصيح به إلى أن يخرج، فإذا خرج تحيط به من كل جانب، تحيط به بالفرسان والمشاة، من أجل أن تقضي عليه فكأنها معركة، الله عز وجل يصف لنا معركة، أولاً: يدعوهم، يوسوس لهم، ثم يوقعهم !
﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾
اجعل كسبهم حراماً، أو اجعلهم ينفقون هذه الأموال على المعاصي، واجعل أولادهم من أولاد الزنى، أو ليعلموا أولادهم على المعاصي، المعنيان كلاهما صحيح، وعدهم بالمال الوفير، الكافر يفكر بالدنيا، سأشتري هذا البيت، سأشتري هذه الدكان، سأشتري هذه المركبة، سأفعل كذا وكذا سأسافر.
﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً (64)﴾
إذاً الاستفزاز من قبل الشيطان بالصوت إما بالوسوسة، وإما بالغناء.
﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾
صورة تؤكد أو تبين كيف أن الإنسان يكون معتصماً في حصنه، فيأتي الشيطان فيناديه ويصيح به إلى أن يخرج، فإذا خرج حاصره، وقاتله، أو أن الشيطان يسخِّر كل ما يملك من طاقات وفتن ومن مصائب من أجل أن يوقع بهذا الإنسان، وإن إبليس طلاع رصاد وما هو من فخوخه بأوثق لصيده في الرجال من النساء، فالنساء حبائل الشيطان، وجُمِعَ الشرّ كلّه في بيت، ثم أرُتِج عليه فكان مفتاحه السكر، الخمر أُمّ الخبائث ! والمشاركة في الأموال كسبها من طريق حرام، وإنفاقها في طريق حرام، والمشاركة في الأولاد أن يأتي الولد من حرام، أو أن يّوجه إلى المعاصي في وقت مبكر ! حتى ينشأ على المعصية.
الشيطان يعد الإنسان وعوداً كثيرة من هذه الدعوة: يعده بأن ينجو من عذاب الله، بعد أيام هذا الذي يرتكب كل المعاصي والموبقات ويموت وهو عاصٍ يعده الشيطان أن ينجو من عذاب الله !
اليهود ظنوا أنهم لن يبقوا في النار إلا أياماً معدودة، هذا من وعد الشيطان، وقد يعدهم بالدنيا يعدهم بزينتها، يزخرفها، بمُتعها ومباهجها، يجعلها لهم كبيرة جداً في أعينهم فينساقون إليها على حساب كرامتهم ومبادئهم، على حساب قيمهم، وعلى حساب دينهم، وعلى حساب مروءتهم، يقبلون عليها، فيأتي الموت ويُصْعَقُونَ عِنْدَه.
﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)﴾
( سورة الزخرف )
﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
(سورة الطور)
والشيطان أيضاً يشمت بهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾
( سورة إبراهيم )
﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً (64)﴾
وعود كاذبة لا أساس لها من الصحة، استمعوا أيها الإخوة إلى هذا التعقيب:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾
إذا كنت من عباد الله لو اجتمعت الإنس كلها والجن على أن يحرفوك عن طريق الحق لا يستطيعون.
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)﴾
من اعتصم بالله عز وجل، واستعاذ به، وأقبل عليه، واستقام على أمره لن تستطيع الجن ولو اجتمعوا، بل لن يستطيع شياطين الجن كلهم أن يخرجوه عن استقامته، لذلك:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)﴾
كن عبداً لله حتى يحميك الله من الشيطان.
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)﴾
( سورة الفلق )
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾
( سورة الناس )
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾
( سورة فصلت )
هذا توجيه الله عز وجل.
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)﴾
الله سبحانه وتعالى يحميك، ويحفظك، ويقيك من وساوس الشيطان.
والحمد لله رب العالمين
http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2663&id=97&sid=101&ssid=275&sssid=276
muslem
07-01-2012, 10:30 PM
[ ص: 152 ] قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا
جواب من الله تعالى عن سؤال إبليس التأخير إلى يوم القيامة ، ولذلك فصلت جملة ( قال ) على طريقة المحاورات التي ذكرناها عند قوله تعالى قالوا أتجعل فيها .
والذهاب ليس مرادا به الانصراف ، بل هو مستعمل في الاستمرار على العمل ، أي امض لشأنك الذي نويته ، وصيغة الأمر مستعملة في التسوية ، وهو كقول النبهاني من شعراء الحماسة :
فإن كنت سيدنا سدتنا وإن كنت للخال فاذهب فخل
وقوله فمن تبعك منهم تفريع على التسوية والزجر كقوله تعالى قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس .
والجزاء : مصدر جزاه على عمل ، أي أعطاه عن عمله عوضا ، وهو هنا بمعنى اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق .
والموفور : اسم مفعول من وفره إذا كثره .
وأعيد ( جزاء ) للتأكيد ; اهتماما وفصاحة ، كقوله إنا أنزلناه قرآنا عربيا ، ولأنه أحسن في جريان وصف الموفور على موصوف متصل به دون فصل ، وأصل الكلام : فإن جهنم جزاؤكم موفورا ، فانتصاب ( جزاء ) على الحال الموطئة ، و ( موفورا ) صفة له ، وهو الحال في المعنى ، أي جزاء غير منقوص .
[ ص: 153 ] والاستفزاز : طلب الفز ، وهو الخفة والانزعاج ، وترك التثاقل .
والسين والتاء فيه للجعل الناشئ عن شدة الطلب ، والحث الذي هو أصل معنى السين والتاء ، أي استخفهم وأزعجهم .
والصوت : يطلق على الكلام كثيرا ; لأن الكلام صوت من الفم ، واستعير هنا لإلقاء الوسوسة في نفوس الناس ، ويجوز أن يكون مستعملا هنا تمثيلا لحالة إبليس بحال قائد الجيش ; فيكون متصلا بقوله وأجلب عليهم بخيلك كما سيأتي .
والإجلاب : جمع الجيش وسوقه ، مشتق من الجلبة بفتحتين ، وهي الصياح ; لأن قائد الجيش إذا أراد جمع الجيش نادى فيهم للنفير أو للغارة والهجوم .
والخيل : اسم جمع الفرس ، والمراد به عند ذكر ما يدل على الجيش الفرسان ، ومنه قول النبيء صلى الله عليه وسلم يا خيل الله اركبي ، وهو تمثيل لحال صرف قوته ومقدرته على الإضلال بحال قائد الجيش يجمع فرسانه ورجالته .
ولما كان قائد الجيش ينادي في الجيش عند الأمر بالغارة جاز أن يكون قوله واستفزز من استطعت منهم بصوتك من جملة هذا التمثيل .
والرجل : اسم جمع الرجال كصحب . وقد كانت جيوش العرب مؤلفة من رجالة يقاتلون بالسيوف ، ومن كتائب فرسان يقاتلون بنضح النبال ، فإذا التحموا اجتلدوا بالسيوف جميعا ، قال أنيف بن زبان النبهاني :
وتحت نحور الخيل حرشف رجلة تتاح لحبات القلوب نبالها
ثم قال :
فلما التقينا بين السيف بيننا لسائلة عنا حفي سؤالها
[ ص: 154 ] والمعنى : أجمع لمن اتبعك من ذرية آدم وسائل الفتنة والوسوسة لإضلالهم ، فجعلت وسائل الوسوسة بتزيين المفاسد وتفظيع المصالح كاختلاف أصناف الجيش ، فهذا تمثيل حال الشيطان وحال متبعيه من ذرية آدم بحال من يغزو قوما بجيش عظيم من فرسان ورجالة .
وقرأ حفص عن عاصم ورجلك بكسر الجيم ، وهو لغة في رجل مضموم الجيم ، وهو الواحد من الرجال ، والمراد الجنس ، والمعنى : بخيلك ورجالك ، أي الفرسان والمشاة .
والباء في بخيلك إما لتأكيد لصوق الفعل لمفعوله فهي لمجرد التأكيد ، ومجرورها مفعول في المعنى لفعل أجلب مثل وامسحوا برءوسكم ; وإما لتضمين فعل أجلب معنى اغزهم فيكون الفعل مضمنا معنى الفعل اللازم ، وتكون الباء للمصاحبة .
والمشاركة في الأموال : أن يكون للشيطان نصيب في أموالهم وهي أنعامهم وزروعهم إذ سول لهم أن يجعلوا نصيبا في النتاج والحرث للأصنام ، وهي من مصارف الشيطان ; لأن الشيطان هو المسول للناس باتخاذها ، قال تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا .
وأما مشاركة الأولاد فهي أن يكون للشيطان نصيب في أحوال أولادهم مثل تسويله لهم أن يئدوا أولادهم ، وأن يستولدوهم من الزنى ، وأن يسموهم بعبدة الأصنام ، كقولهم : عبد العزى ، وعبد اللات ، وزيد مناة ، ويكون انتسابه إلى ذلك الصنم .
ومعنى عدهم أعطهم المواعيد بحصول ما يرغبونه كما يسول لهم بأنهم إن جعلوا أولادهم للأصنام سلم الآباء من الثكل ، والأولاد من الأمراض ، ويسول لهم أن الأصنام تشفع لهم عند الله في الدنيا ، وتضمن لهم [ ص: 155 ] النصر على الأعداء ، كما قال أبو سفيان يوم أحد اعل هبل ، ومنه وعدهم بأنهم لا يخشون عذابا بعد الموت ; لإنكار البعث ، ووعد العصاة بحصول اللذات المطلوبة من المعاصي مثل الزنى والسرقة والخمر والمقامرة .
وحذف مفعول وعدهم للتعميم في الموعود به ، والمقام دال على أن المقصود أن يعدهم بما يرغبون ; لأن العدة هي التزام إعطاء المرغوب ، وسماه وعدا ; لأنه يوهمهم حصوله فيما يستقبل ، فلا يزالون ينتظرونه كشأن الكذاب أن يحتزر عن الإخبار بالعاجل ; لقرب افتضاحه فيجعل مواعيده كلها للمستقبل .
ولذلك اعترض بجملة وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، والغرور : إظهار الشيء المكروه في صورة المحبوب الحسن ، وتقدم عند قوله تعالى لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد في آل عمران ، وقوله زخرف القول غرورا في الأنعام ، والمعنى : أن ما سوله لهم الشيطان في حصول المرغوب إما باطل لا يقع ، مثل ما يسوله للناس من العقائد الفاسدة ، وكونه غرورا ; لأنه إظهار لما يقع في صورة الواقع فهو تلبيس ، وإما حاصل لكنه مكروه غير محمود بالعاقبة ، مثل ما يسوله للناس من قضاء دواعي الغضب والشهوة ومحبة العاجل دون تفكير في الآجل ، وكل ذلك لا يخلو عن مقارنة الأمر المكروه أو كونه آيلا إليه بالإضرار ، وقد بسط هذا الغزالي في كتاب الغرور من كتاب ( إحياء علوم الدين ) .
وإظهار اسم الشيطان في قوله وما يعدهم الشيطان دون أن يأتي بضميره المستتر ; لأن هذا الاعتراض جملة مستقلة فلو كان فيها ضمير عائد إلى ما في جملة أخرى لكان في النثر شبه عيب التضمين في الشعر ، ولأن هذه الجملة جارية مجرى المثل فلا يحسن اشتمالها على ضمير ليس من أجزائها .
التحرير والتنوير » سورة الإسراء » قوله تعالى قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم
http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=61&surano=17&ayano=64
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.