مشاهدة النسخة كاملة : القبول بأحكام الكفر ، سؤال .
سيفي دولتي
12-12-2011, 02:42 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
كيف قبل سيدنا يوسف عليه السلام القبول بحكم الملك العزيز الكافر ودخل في وزارته ؟؟
وهل يصح الاستدلال بحادثة سيدنا يوسف عليه السلام في وماننا هذا الذي نعيش ؟؟؟؟؟؟؟
ولكم جزيل الشكر والتقدير .
ابوعبدالرحمن حمزة
12-12-2011, 04:21 PM
إن القول بأن يوسف عليه السلام قد حكم بالكفر هو قول باطل مردود على صاحبة فهذا يعني ان يوسف عليه السلام كان لا يأتمر بأمر الله ونهيه لان احكام الكفر هي كل امر ونهي من غير الله سبحانه ، وهذا فيه طعن في الرسول و إساءة ادب معه صلى الله عليه وسلم ، فهل يرضى مسلم يخاف الله ويتقيه ان يوصف بانه يحكم بالكفر اي انه فاسق و ظالم !!!!!
إن يوسف عليه السلام كان نبيا يوحى اليه فكل ما فعله لا بد ان يكون بناءا على وحي من الله تماما كالرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم فما فعله هو قطعا شرع من الله اي انه سار بحسب اوامر الله ونواهيه ، اما بالنسبة لنا فإننا مخاطبون بالشرع الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم فكل الشرائع السابقة منسوخة بالإسلام فشرع من قبلنا ليس شرعا لنا ، والامر الاخر ان شرعنا قد حرم الإحتكام وتطبيق غير الإسلام بنصوص قطعية الثبوت والدلالة وجعل ذلك بين الكفر والظلم والفسق وهذه النصوص اشهر من ان اذكرها .
ابو ابراهيم
12-12-2011, 04:41 PM
حاشا لنبي الله يوسف ان يشارك في حكم كفر !
لم يقل بهذا الا ادعياء العلم في هذا الزمان ليتخذونها حجة لهم للمشاركة في حكم الكفر قاتلهم الله انا يؤفكون.
وصلت بهم الوقاحة والتعدي حتى على انبياء الله ليبرروا لأنفسهم المشاركة في احكام الكفر خدمة لامريكا واعداء الله .
كيف يتهم نبي الله وهو الذي يقول " ان الحكم الا لله " ويقول عنه رب العزة " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك "
وتفسير الايات الظنية التي تمسكوا بها ليس فيها اي معنى ان يوسف عليه السلام شارك في حكم الكفر ولكن قد يكون حاكما مطلقا اوموظفا اداريا يحكم بشرعة يعقوب عليه السلام
ثم لماذا البحث عن شرعة من قبلنا والله قالها في كتابه العزيز إن الدين عند الله الإسلام ، ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ، وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ، لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً .
واقتران الاسلام ب الدين تعني دين الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
وأيضاً قال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون)، فالله أخبرنا أنه لا يسألنا عما كان أولئك الأنبياء يعملون، وإذا كنا لا نُسأل عن أعمالهم فلا نُسأل عن شريعتهم لأن تبليغها والعمل بها من أعمالهم، وما لا نُسأل عنه غير مطالَبين به وغير لازم لنا.
سيفي دولتي
12-12-2011, 05:09 PM
بوركتم وبارك الله فيكم ...
هذا ما أعتقده تماما وأردت سماعه منكم .
الحاسر
12-12-2011, 09:04 PM
قال الله تعالى(و كذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء) اذا نبي يوسف عليه و على نبينا السلام متمكن من الحكم فما كان يحكم الا بحكم الله.
و بارك الله بكم
أبو أيوب
15-12-2011, 01:25 PM
سبحان الله العظيم .. هذا الموضوع بالذات كنت بالامس فقط بصدد نقاشه مع بعض الاخوة ، حتى اني نقلت النقاش على الفايس للتفاعل فيه اكثر مع الاحبة و ليصل الى اكبر قدر من الناس خاصة اولئك الملبس عليهم و اليوم اثناء تصفحي لهذا الموقع الطيب و المنتدى الرفيع وجدت الاخ الفاضل سيف دولتي قد سبقني جعله الله سباقا لكل خير فاسمحوا لي بهذه المداخلة لمزيد الايضاح :
بالنسبة إلى سيدنا يوسف عليه السلام فإنهم يقولون إن المجتمع الذي عاش فيه كان مجتمعاً جاهلياً، وكانت عقيدة الشرك هي المسيطرة . وقد انتشر فيه الفساد الخلقي وتعرض فيه سيدنا يوسف للغواية والظلم، لدرجة أنهم رأوا سجنه من بعد ما رأوا آيات براءته . وقد أخرجه الملك من السجن بعدما أعجب بحسب تأويله للرؤيا وتحقق من نزاهته . فاستخلصه لنفسه وقرّبه منه، فطلب منه سيدنا يوسف عليه السلام أن يجعله على خزائن الأرض، فأجابه الملك إلى طلبه . وبهذا صار يقوم بأعباء الوزارة في حكم جاهلي ونظام مخالف لما كان معروفاً من شريعة بني إسرائيل . وكان سيدنا يوسف من حيث التطبيق على ( دين الملك ) أي سلطانه وحكمه . حتى أنه لجأ إلى حيلة الاحتكام إلى شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده . وذلك عندما دبّر مكيدة لأخيه بأن اتهمه بالسرقة . وحسب شريعة يعقوب أن السارق يُسْتَرَقّ .
ويضيفون : ولا يقال إن هذا كان خاصاً بسيدنا يوسف، فالتخصيص يحتاج إلى دليل . لأن الأصل أن كل ما يذكر من سير الأنبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والاقتداء .
كذلك يضيفون: ولا يقال إن هذا كان من شرع من قبلنا، لأن موضوع الحكم ليس من فروع الشريعة التي يمكن أن تختلف فيها الشرائع بل هي من الأصول المتفق عليها . ولأن سيدنا يوسف أقر وهو مع إقراره ( انِ الحكم إلا لله ) فقد شارك في الحكم .
فما رأيكم ؟؟؟
ابو ابراهيم
15-12-2011, 03:36 PM
اخي الكريم انقل لك هذه المقالة:
سيدنا يوسف عليه السلام والحكم بنظام كفر
بقلم: أحمد المحمود / عن كتاب "الدعوة إلى الإسلام"
بالنسبة إلى سيدنا يوسف عليه السلام فإنهم يقولون إن المجتمع الذي عاش فيه كان مجتمعاً جاهلياً، وكانت عقيدة الشرك هي المسيطرة. وقد انتشر فيه الفساد الخلقي وتعرض فيه سيدنا يوسف للغواية والظلم، لدرجة أنهم رأوا سجنه من بعد ما رأوا آيات براءته. وقد أخرجه الملك من السجن بعدما أعجب بحسب تأويله للرؤيا وتحقق من نزاهته. فاستخلصه لنفسه وقرّبه منه، فطلب منه سيدنا يوسف عليه السلام أن يجعله على خزائن الأرض، فأجابه الملك إلى طلبه. وبهذا صار يقوم بأعباء الوزارة في حكم جاهلي ونظام مخالف لما كان معروفاً من شريعة بني إسرائيل. وكان سيدنا يوسف من حيث التطبيق على (دين الملك) أي سلطانه وحكمه. حتى أنه لجأ إلى حيلة الاحتكام إلى شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده. وذلك عندما دبّر مكيدة لأخيه بأن اتهمه بالسرقة. وحسب شريعة يعقوب أن السارق يُسْتَرَقّ.
ويضيفون : ولا يقال إن هذا كان خاصاً بسيدنا يوسف، فالتخصيص يحتاج إلى دليل. لأن الأصل أن كل ما يذكر من سير الأنبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والاقتداء.
كذلك يضيفون: ولا يقال إن هذا كان من شرع من قبلنا، لأن موضوع الحكم ليس من فروع الشريعة التي يمكن أن تختلف فيها الشرائع بل هي من الأصول المتفق عليها. ولأن سيدنا يوسف أقر ﴿إنِ الحكم إلا لله﴾ وهو مع إقراره هذا فقد شارك في الحكم.
إن الناظر في الآيات المتعلقة بموضوعنا من سورة يوسف يرى أن هذا الرأي، وهو جواز المشاركة في أنظمة الكفر، مبنيّ على آيتين وهما : ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك﴾، ﴿اجعلني على خزائن الأرض...﴾ ففسروهما تفسيراً يتفق مع ما ذهبوا إليه. متناسين كل الأصول المخالفة التي ينبني عليها الإسلام، ومتغافلين عن كل الآيات التي تعارض هذا الفهم، وضاربين عُرْضَ الحائط بموضوع عصمة الأنبياء. ومتى تهاوى فهمهم المتعلق بهاتين الآيتين تهاوى كل ما بنوه على موضوع سيدنا يوسف عليه السلام.
إن الأنبياء هم أصفياء الله في خلقه ومُجتبوه. يختارهم لنشر دينه، فهم الأسوة والقدوة لقومهم، وهم الآيات الصادقة في التعبد والالتزام حيث يقومون بأمره خير قيام. ويعصمهم الله من المعاصي ويحفظهم من الفتنة ويثبتهم على الحق، ويعينهم عليه. وسيدنا يوسف عليه السلام هو من هذه الثلة المصطفاة. وقد مدحه الله وأثنى عليه ثناء عطراً في غير آية، قال تعالى:﴿وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويُتِمُ نعمته عليك...﴾ وقال تعالى: ﴿ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين﴾ وقال تعالى: ﴿.. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلَصين﴾ وقال تعالى: ﴿وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، نصيب برحمتنا من نشاء، ولا نضيع أجر المحسنين﴾.
وقد كان داعياً إلى الله على أرفع طراز. فقد ذكر القرآن أنه قال لصاحبيه في السجن عندما سألاه عن تأويل رؤيا كلٍ منهما : ﴿أأرباب متفرقون خير أم اللهُ الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلاّ أسماءً سميتموها أنتم وآباؤُكُم ما أنزل الله بها من سلطان، إنِ الحكمُ إلاّ لله، أمر ألاّ تعبدوا إلاّ إياه، ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعملون﴾.
وقد كان عفّاً موصولاً بالله مستعصماً، فصرف الله عنه كيد النسوة وكيد امرأة العزيز التي ذكر القرآن قولها : ﴿ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَننَّ وليكوناً من الصاغرين. قال ربِّ السجنُ أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه، وإلاّ تصرفْ عني كيدهنَّ أَصْبُ إليهن وأكن من الجاهلين. فاستجاب له رَبُّهُ فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ﴾ وشهد له الناس بالعفة والإحسان والصدق فقد قال له صاحبا السجن: ﴿نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين﴾ وقال له أحدهما الذي نجا بعد أن رأى الملك رؤياه ﴿يوسف أيها الصديق أفتنا...﴾ وقالت النسوة بعد أن رفض أن يخرج من السجن إلاّ من بعد أن تظهر براءته: ﴿حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء. قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ﴾ وقال الملك بعد أن أعجب به ﴿ائتوني به استخلصه لنفسي﴾ وقال له إخوته بعد أن قرر أن يأخذ أخاه ﴿.. فخذ أحدنا مكانه، إنا نراك من المحسنين﴾ وقد قرر سيدنا يوسف عليه السلام أن ما منَّ الله به عليه فلتقواه وصبره على الطاعة وبعده عن المعصية حيث قال: ﴿قال أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ علينا، إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾.
أفيعقل بمن هذا هو حاله، وشهد له الله به، ولم يكن متهماً عند أحد ممن التقاهم، أن يكون متهماً عند بعض مسلمي اليوم، إنه لم ترد حتى ولا إشارة واحدة في القرآن، تدل على أنه كان يحكم بشريعة الملك. بل لم يرد سوى حكم واحد حكم به وهو حكم ﴿قالوا جَزَاؤُهُ من وجد في رحله فهو جزاؤه﴾ وهذا الحكم كان بحسب شريعة سيدنا يعقوب. ولم ترد أية إشارة من علم تدل على أنه حكم بغير ما أنزل الله. والشبهة عندهم أتت من قوله تعالى: ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك إلاّ أن يشاء الله...﴾ وهذه الآية متى فسرت تفسيراً صحيحاً أزيلت هذه الشبهة وسقطت هذه الدعوى.
الآية أشكلت على أصحاب هذا الطرح، ففسروها بما يناسب موقفهم، فتراهم يقولون :
بعد أن حلت سنوات المجاعة وصار الناس يأتون من كل حدب وصوب إلى يوسف ليعطيهم من الغلال التي وفرها بتدبيره، والتي فوَّض إليه الملك أمر توزيعها، جاء إخوته فعرفهم وهم له منكرون. فأخبر أخاه الصغير أنه أخوه حتى لا يبتئس، ودبر مكيدة لأخوته بأن جعل السقاية في رحل أخيه على غفلة من الجميع. ففقده وأذن مؤذن أن أصحاب العير سارقون، وجعلوا جائزة حمل بعير لمن جاء به. فرد إخوة يوسف عنهم الاتهام بكل تأكيد. فقال القائمون على أمر التوزيع من أعوان يوسف ﴿قالوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِين﴾ قال إخوة يوسف ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ من وجد في رحله فهو جزاؤه ﴾ أي أن السارق له يسترقّ، وكان هذا على شريعة يعقوب. فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، فكان جزاؤه الاسترقاق والاستعباد. ثم بعد كل ذلك جاءت الآية لتقول عن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك﴾ففسرها البعض على معنى شريعة ونظام الملك. أي أن الملك في مصر كانت له شريعة ونظام وكان سيدنا يوسف عليه السلام يحكم بشريعة هذا الملك ونظامه. أما في هذه المسألة فقد دبر حيلة يستطيع بها أن يبقي أخاه إلى جانبه. فلجأ وبكيد لطيف لأن يجعلهم ينطقون هم بالعقوبة ليحاسبوا على أساسها، فلم يقل لهم ان جزاء السارق بحسب شريعة الملك هي كذا وكذا، وإنما جعلهم ينطقون بالحكم بحسب شريعة يعقوب ليبقي أخاه عنده.
فتفسير هذه الآية على هذا النحو هو الذي جعلهم يخرجون بمثل هذا الفهم.
ولو عدنا إلى كلمة دين في اللغة العربية لوجدنا أنها من الألفاظ المشتركة التي تحمل أكثر من معنى: فقد جاء في لسان العرب: فالدين تعني القهر والطاعة. تقول: دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا. والدين تعني الجزاء والمكافأة. تقول: دنته بفعله ديناً أي جزيته. ويوم الدين يعني يوم الجزاء. والدين تعني الحساب ومنه قوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾. والدين تعني الشريعة والسلطان ومنه قوله تعالى: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فِتنةٌ ويكون الدين كله لله﴾ والدين تعني الذل والاستعباد. والمدين هو العبد. والمدينة هي الأمة المملوكة. ومنه قوله تعالى: ﴿أئنّا لمدينون﴾أي مملكون. ومنه كذلك قوله تعالى: ﴿فلولا إن كنتم غير مدينين. تَرْجِعونَها إن كنتم صادقين﴾ أي غير مملوكين.
وهناك معانٍ أخرى لها.
فأي معنى بالتحديد هو المعنى الذي يريده الله سبحانه في الآية ؟. وانتقاء معنى من هذه المعاني لا بد له من قرينة تجعلنا نأخذ هذا المعنى دون غيره. ومن هنا يتبيّن أن من يأخذ المعنى الذي يناسبه ويناسب توجهه إنما يحكّم هواه في الشرع. ومن يأخذ المعنى المنضبط والمقيد بقرائن شرعية تدل عليه يَكُنْ محكّماً لشرعه ملتزماً أمر ربه. فأي معنى هو المعنى المراد ؟.
فإن قلنا أن المعنى المراد من كلمة دين هو شريعة وجدنا أن القرائن الشرعية تمنع هذا الفهم إن كان سيؤدي إلى أن سيدنا يوسف قد شارك. فهذا حرام على الأنبياء والمؤمنين، ومخالف لطبيعة الرسالة التي تقوم على إفراد الله في العبودية والتشريع، يقول تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون﴾ فيوسف عليه السلام الذي يقول للناس : ﴿إنِ الحكم إلاّ لله، أمر ألا تبعدوا إلاّ إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ لا يمكن أن يخالفهم في ذلك ويقبل بحكم الأرباب المتفرقة. وفي مثل هذا يقول سيدنا شعيب لقومه الذين يدعوهم: ﴿… وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، ان أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت وإليه أنيب﴾ وتفسير ذلك عند القرطبي : " أي ليس أنهاكم عن شيء وأرتكبه، كما لا أترك ما أمرتكم به ".
وإن قلنا بأن المعنى المراد من كلمة دين هو استعباد، وصار أخوه مديناً أي عبداً مملوكاً فهذا المعنى ينسجم انسجاماً تاماً مع ما سبق الآية من قول إخوة يوسف إن السارق يسترقّ. فيكون معنى الآية: ما كان ليأخذ أخاه في استرقاق واستعباد الملك وجعله مديناً أي عبداً مملوكاً له إلاّ أن يشاء الله. وهذا هو المعنى الأقرب إلى الصواب. وليس من قرينة شرعية تمنعه. بل ينسجم انسجاماً تاماً مع ما قبله، وينسجم تماماً مع ما وصف الله به سيدنا يوسف من أنه من المحسنين والمخلصين وما شهد له الناس به.
وبهذا ينتفي مثل هذا التفسير الذي يتعارض مع عصمة الأنبياء، وعدم وقوعهم في المعصية، أو أن يقولوا ما لا يفعلون.
يتبع....
ابو ابراهيم
15-12-2011, 03:37 PM
أما تفسير قول سيدنا يوسف لملك مصر ﴿اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم﴾ بأنه طلب منه لوزارة الخزانة أو المالية، وأنه أثناء توليه لهذا المنصب لم يطبق في حكمه شريعة يعقوب وإنما نظام الملك غير القائم على أساس العدل هو تفسير فيه تعسف كبير، وحَيْدٌ واضح عن مذهب الحق. ولا بد من الوقوف على بعض النقاط لتجلية الموضوع.
إن واقع الحكم في تلك الفترة كان ملكياً، والنظام الملكي في التاريخ أخذ شكلين :
أحدهما : النظام الملكي المطلق حيث كان الملك هو الحاكم بأمره، المستبد برأيه، فما يراه يجب أن يسير عليه الناس، ولا يعقب أحد على حكمه. وكانت تتجمع في يده السلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية. وكان يعين أعوانه ويعزلهم متى شاء، وقد يختارهم لولائهم له أو تزلفهم له، أو لحصافة رأيهم وحسن تدبيرهم. وهؤلاء الأعوان يكفي أن يكونوا موالين له مطيعين، حتى تطلق أيديهم فيحكموا بأمرهم ويستبدوا برأيهم ويصبحوا صورة مصغرة عن الملك.
ثانيهما : النظام الملكي المقيَّد، وقد أضحى الملك في هذا النظام صورة أكثر منه حقيقية، حيث نزعت منه صلاحياته المطلقة. وصارت السيادة في هذا النظام للدستور والقانون وليس للملك. وقامت هيئات تشريعية تسن القوانين بدل الملك، وهيئات تنفيذية تنفذها بدل الملك، وأخرى قضائية تقضي في الخصومات وتفض المنازعات بين الناس بدل الملك. وهذا الشكل عرف بعد انتشار فكرة الديمقراطية مؤخراً. لذلك سمي النظام الملكي المقيّد. فأي شكل من هذين الشكلين أخذه نظام الملك في مصر زمن يوسف عليه السلام ؟.
إنه لا يتصور أن ملك مصر زمن يوسف عليه السلام كان مقيداً بدستور ونظام. وما ورد من كلمة ( دين الملك ) لم تكن على المعنى الذي أوردوه أي: شريعة الملك. وإن قياس نظام الملك زمن يوسف عليه السلام على أنظمة اليوم التي تحكم تصرفات الحكام هو قول فيه مجانبة للصواب، وفيه قياس خاطئ.
إن طلب سيدنا يوسف من الملك أن يجعله على خزائن الأرض واجابته إلى طلبه، لا يعني أن طلبه هذا متعلق بالحكم. والموضوع الذي ذكره القرآن كان محصوراً بموضوع الرؤيا، ولم يتعدّه إلى سواه. وهو متعلق بغلال القمح وسنوات الخصب وسنوات الجدب، وما يجب العمل فيها. فطلب سيدنا يوسف أن يسند إليه أمر تخزين القمح وتدبير التوزيع في سنوات الخصب بما يتناسب مع ما سيأتي من سنوات الجدب، من غير أن يفرط في مهمته ولا أن يخون. وهذه مهمة صعبة لا يستطيع أن يقوم بأعبائها إلاّ من كان مكيناً، أميناً، حفيظاً، عليماً، كيوسف عليه السلام، حتى إن ما حدث بين يوسف وإخوته كان متعلقاً تحديداً بهذا الموضوع. ونحن لا نستطيع أن نجعله يتجاوز هذا الإطار، وأن نوسع دائرة مهمة سيدنا يوسف من عندنا. ولا يحق لنا القول إن مهمته هذه كانت متعلقة بسنة قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته. وهذه لا بد أنها ستجري بحسب نظام الملك وليس شريعة يعقوب. فهذا التوسع يحتاج إلى دليل.
يلاحظ أن الملك عندما أعجب بحصافة رأي يوسف ورجحان عقله ونزاهته، قربه منه، وأعطاه صلاحية تدبير هذا الأمر الجلل الذي شغله منذ أن رأى رؤياه. ولا بد أن يكون قد أطلق يده في ذلك كي لا يتدخل فيه أحد.
ويلاحظ أن سيدنا يوسف لم يفسِّر رؤيا الملك فحسب، بل أعطاه العلاج والتدبير المناسب. مما دفع الملك إلى الاطمئنان إلى طلب يوسف عليه السلام أن يجعله على خزائن الأرض وإطلاق يده. ولم يقل له : عندي شريعة أو نظام يجب أن تسير عليه. بل رضي بتفسيره للرؤيا ووضعه للعلاج فقلده وظيفة التخزين والتوزيع على رأيه.
لا بد أنه بعد أن أتت سنوات الجدب، صار يوسف هو الملجأ الذي يلجأ إليه النساس لينقذوا أنفسهم من الجوع، ولا بد أنه قد صار حديث الركبان بعدله وتدبيره. وهذا من شأنه أن يعزز مركزه عند الملك ويجعله أكثر تقرباً منه. وقد يكون هذا هو الذي مكنه من الانتقال من كونه العزيز، كما خاطبه إخوته بقولهم: ﴿يا أيها العزيز...﴾، إلى إيتائه الملك بعد مجيء والديه إليه من البدو حيث دعا ربه فقال: ﴿رب قد آتيتني من الملك...﴾، ومن ثم قوله تعالى عنه: ﴿ورفع أبويه على العرش﴾ مما يعني أن الأمر قد انتقل إليه في النهاية.
إن الحكم الوحيد الذي ذكر القرآن أنّ سيدنا يوسف نفذه هو استرقاق أخيه بحسب شريعة يعقوب. فلماذا لم يؤخذ بمخالفته لنظام الملك إن كان للملك نظام ثابت خاص ؟.
إنه لا يتصور أن يصدر من سيدنا يوسف عليه السلام أية مخالفة شرعية، ذلك لأنه نبي معصوم، وصفه ربه بأنه كان محسناً ومخلصاً وتقياً. وهو الذي فضل السجن على الغواية. وهو الذي كان يدعو في السجن، وهو الذي رفض أن يخرج من السجن دون أن تظهر براءته، وهو الذي بعفته ونزاهته أعجب به كفار مجتمعه، من امرأة العزيز إلى نسوة المدينة إلى صاحبي السجن إلى الملك حتى إخوته قبل أن يكشفوا أمره.
وتجدر الملاحظة أن تفسير واقع ما كان عليه سيدنا يوسف أو حال الملك : هل اسلم أم بقي كافراً، أم أن المُلْك قد انتقل إلى يوسف بسبب موت الملك، أو تنحيه، أو أنه صار عزيزاً بعد عزل العزيز السابق أو موته … أو موته أو تفسير ﴿ما كان ليأخذ أخاه في دينِ الملك ﴾ أو تفسير ﴿اجعلني على خزائن الأرض...﴾ كل هذا سيكون تفسيراً ظنياً من أية جهة أتى. لأن القرآن لم يزودنا بالتفاصيل اللازمة، ولأن تفاصيله مما لا يلزم لنا كتشريع نسير عليه. ولا يعدو ما ذكرناه نحن أيضاً أن يكون ظنياً كغيره. ولكن يفترق عن غيره أنه ينسجم مع ما يليق بالأنبياء من التقوى والإيمان، ولا يتعارض مع عصمة الأنبياء المقررة في أصول الدين. وكم هو بعيد هذا الفهم عن الحق عندما يعارض كلاماً قطعياً أتى على لسان يوسف نفسه عندما أنكر على الآخرين عقيدة الشرك وترك التحاكم لله وحده، كما مر معنا. ونحن بسيرنا على هذا المنوال ببيان ما كان عليه سيدنا يوسف عليه السلام لا نريد أن نطلع برأي آخر يدعم رأينا بعدم جواز المشاركة في أنظمة الكفر، فرأينا هو حكم الشرع وليس حكماً شرعياً ظنياً، وهو قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
إذا قال قائل: إن يوسف عليه السلام كان يحكم بشريعة الملك بإذنٍ من الله، ولم يكن في ذلك مخالفاً لربه. فالجواب عن ذلك هو : إمّا أن يكون هذا الإذن لسيدنا يوسف هو إذناً خاصاً به، وإمّا أن يكون الإذن عامّاً للجميع، أي أن الحكم بشرائع الكفر كان مشروعاً حينئذ ٍ.
في الحالة الأولى، أي إذا كان الأمر مجرد إذنٍ خاصًّ لسيدنا يوسف عليه السلام فليس لغيره من البشر أن يعمل بموجب هذا الإذن، وليس لنا الآن أن نقتدي أو نحتج به.
وفي الحالة الثانية، أي إذا كان هذا الأمر مشروعاً في زمنهم فإنه يكون شرعاً لمن قَبْلَنا. وهل يكون شرع مَنْ قبلنا شرعاً لنا أيضاً ؟ فريق من علماء الفقه والأصول وضعوا قاعدة : " شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا " مستدلين بكثير من النصوص التي تفيد أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم نسخ الشرائع السابقة جملةً، ونسخ بعض أجزائها تفصيلاً من باب التأكيد. وإذا أخذنا برأي هذا الفريق من العلماء فلا يحلّ لنا أن نقتدي أو نحتج بما عليه يوسف أو غيره من الأنبياء السابقين. فريق آخر من علماء الفقه والأصول وضعوا قاعدة أخرى هي : شرع مَنْ قبلَنا شرعٌ لنا ما لم يُنْسَخْ ". وهؤلاء أيضاً لهم استدلالاتهم، إذ لو لم يكن للشرائع السابقة أية فائدة لنا لما ذكرها القرآن لنا. وهؤلاء لم يقولوا بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم نسخ ما قبله جملة واحدة. هؤلاء يقولون بأن ما ذكره القرآن ( والسنة ) لنا من شرائع الأنبياء السابقين يعتبر شرعاً لنا، إلا ما نسخه من أحكام وأعطانا بدلاً منه أحكاماً جديدة.
وإذا طبقنا هذه القاعدة على المسألة التي بين أيدينا فماذا نجد ؟ هل جاءت في شريعتنا نصوص تحرّم الحكم بغير ما أنزل الله ؟ هل جاء في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وشريعة القرآن ما يحذّر كل التحذير الحيد قيد انملة عن هذه الشريعة المحمدية ؟.
نعم إن الشريعة المحمدية قد منعت من التحاكم إلى غيرها، وحرّمت بشكل قطعي أخذ أي حكم من أحكام الكفر والجاهلية. فإذا قال قائل بأن هذا كان مشروعاً في زمن سيدنا يوسف نقول له : على فرض أنه كان مشروعاً فهو محرّم ( أي منسوخ ) في شريعة القرآن.
إن القول بأن الحكم بما أنزل الله هو من الأصول وليس من الفروع هو كلام في غير محله. ذلك أن العقائد محلها القلب والأحكام الشرعية محلها الجوارح. والعقائد تشكل الأساس للأحكام الشرعية، بينما الأحكام هي ثمرات العقيدة.
يتبع...
ابو ابراهيم
15-12-2011, 03:37 PM
والحكم الشرعي المتعلق بأفعال العباد يحمل جانبين :
أحدهما نظري اعتقادي يجب الإقرار به :
فهو من هذا الجانب متعلق بالعقيدة. وعدم الإقرار به قد يؤدي إلى الكفر أو المعصية بحسب واقعه إن كان قطعياً أو ظنياً.
وثانيهما عملي يتعلق بتنفيذه :
فالصلاة فرض ويجب الإقرار بها كفرض، وعدم الإقرار بها كفرض يؤدي إلى الكفر.
والصلاة فرض ويجب القيام بها كفرض وعدم القيام بها كفرض يؤدي إلى المعصية.
والخمرة محرمة ويجب الإقرار بتحريمها واستباحتها تؤدي إلى الكفر.
والخمرة محرمة ويحرم شربها. ويؤدي شربها إلى المعصية.
وكذلك الحكم بما أنزل الله هو فرض. والإقرار بذلك متعلق بالإيمان للنص القطعي الذي تناوله. أما تنفيذه فهو طاعة وعدم تنفيذه فهو معصية. فالذي لا يحكم بما أنزل الله يكفر ان كان غير مُقِرٍّ به أو جاحداً له، ويعصي من ( غير كفر ) إن كان مقراً به ولكنه غير مطبق له. لذلك فإن القول بأن الحكم بما أنزل الله هو من الأصول المتفق عليها فإنما يعني الجانب الأول. وهذا صحيح. أما الجانب الثاني أي الجانب العملي فإنه يتعلق بالشريعة وتطبيقها، أي بالفروع، وليس بالأصول، وهو من هذه الزاوية يدخل في موضوع : هل هو من شرع من قبلنا أو ليس من شرعهم.
ومن هذه الزاوية فقد أثبتنا أن سيدنا يوسف لم يشارك في الحكم ولا يجوز تفسير ذلك على هذا النحو. ولكن أمثال هؤلاء ممن يدعون العلم فإنّ مقالتهم هذه مردودة عليهم من نفس لغتهم. لأن شرع من قبلنا كان للعلماء فيه رأيان : رأي يقول بأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، وعلى هذا يكون فهمهم بجواز المشاركة في الأنظمة الجاهلية مردوداً عليهم بهذا الرأي. ورأي ثانٍ يقول بأن شرع من قبلنا هو شرع لنا ما لم ينسخ. وقد دلت الآيات الكثيرة، ودل واقع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخط الطريق لإقامة الحكم بما أنزل الله، ودلت العقيدة، وأصول الحكم كلها على عدم جواز المشاركة. بل ان الإسلام بكليته ليرفض مثل هذا الفهم. أي لو كانت المشاركة في الأنظمة الجاهلية مشروعة في شرع من قبلنا فهي مما نسخته شريعتنا لورود الأدلة الكثيرة التي تحرّمه.
وإن القول بأن كل ما يذكر من سير الأنبياء وهديهم إنما يراد به التأسي والاقتداء. فهذا القول يحتاج إلى تفصيل.
إن الأنبياء جميعهم يشتركون في أمر العقيدة. فقد دعوا جميعهم إلى الإيمان بالله الواحد الخالق المدبِّر والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. قال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون ﴾.
ويشتركون في أمر التبليغ وتحمل وعثائه ومشقاته، والصبر على أمر الله، والتضحية في سبيله. قال تعالى: ﴿ولقد كُذِّبتْ رسل من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ﴾ وقال تعالى: ﴿ ما يقال لك إلاّ ما قد قيل للرسل من قبلك﴾.
ويشتركون في دعوة قومهم إلى الالتزام والطاعة. قال تعالى:﴿وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله ﴾.
ويشتركون في تكذيب أقوامهم لهم واستهزائهم بدعوتهم. قال تعالى: ﴿يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون ﴾ وقال تعالى: ﴿ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودُنّ في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكنّ الظالمين. ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ﴾.
ويشتركون في أن الله جعل العاقبة والنصر لهم في نهاية الأمر، قال تعالى: ﴿حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ﴾.
وهكذا كانت الدعوات جميعها تشترك في أمور كثيرة ذكرنا بعضها. وقد كان للسابقين مواقف تذكر. وقد ذكرها الله سبحانه لنا من أجل أن نتعلم منها وأن نعتبر ونتعظ ونتذكر لما فيها من تثبيت للإيمان وتقوية للعزائم وإحسان للصبر، ولنتأكد أن سلسلة الدعوة واحدة في عقيدتها ودعوتها إلى الالتزام بمنهج العليم الخبير، وعاقبتها. وقد جاءت الآيات لتنير للمسلم درب الدعوة وتحدثه عن طبيعة الناس في المواجهة، وعن استحكام العداء بين الكفر والإيمان، وعن الصراع بينها الذي لن يتوقف، وعن الولاء لله والبراء من الشرك، وعن التدخل الرباني بعد اختبار الإيمان وتمحيص العزائم...
على أن سيرة الأنبياء يُقتدى بها في المواقف ولا يقتدى بها في التشريع. لأن الله سبحانه قد جعل لكل نبي نظاماً مختلفاً قال تعالى: ﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ﴾ ولأن كل نبي كان يبعث إلى قومه خاصة بينما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة. وكانت رسالته رسالةً خاتمةً، أَمَرَ اللهُ أصحابَ الأديان الأخرى باتباعها وأن يتركوا ما عندهم. قال تعالى: ﴿ إنَّ الدين عند الله الإسلام ﴾ وقال: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾. وقال تعالى: ﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق، مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ﴾.
ثم إن طبيعة الرسالة التي أنزلت على سيدنا محمد تختلف عن غيرها من حيث كونها خاتمة وشاملة، وتشكل الدولة الإسلامية فيها جانباً هو من أهم جوانبها، حيث تعتبر هي الطريقة الشرعية للمحافظة على الإسلام وتطبيقه ونشره. بينما نجد عند الأنبياء الآخرين الخصوصية في الدعوة , فقد جاءت لأقوام الأنبياء دون غيرهم من الأقوام. وهذا يعني اقتصارها على زمان ومكان معينين. على خلاف الإسلام الذي جاءت أحكامه الشرعية الثابتة صالحة لكل زمان ومكان. وهذا الاختلاف لا يسمح بالقياس بين الإسلام وغيره. ويجعل المسلمين يقتصرون على الأخذ منه دون غيره، لأن أحكامه مترابطة مع بعضها ترابطاً يتناسب مع طبيعته. ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر رسالة سيدنا عيسى فإنها تختلف اختلافاً واضحاً عن رسالة سيدنا محمد. من حيث أنها كانت خلقية روحية ليس فيها دعوة إلى إقامة دولة، وخاصة ببني إسرائيل. فكيف تتشابه الأحكام الشرعية بينهما ؟.
إننا نأسف أن يأخذ منا البحث في أمر بديهي من أمور الدين كل هذا الوقت، وأنه ليدل على المستوى الذي انحدر إليه دعاة اليوم وليس لنا أن نقول إلاّ ما قاله القرآن الكريم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني … ﴾.
سيفي دولتي
15-12-2011, 04:35 PM
بارك الله فيك أخانا أبا إبراهيم ...
khilafa
16-12-2011, 07:50 PM
المشاركة في تطبيق أنظمة الكفر
في دين الإسلام العلماء ليس لهم أن يحلّلوا أو يحرّموا، وليس في الإسلام بابوية تزعم أنها تملك سلطة التحليل والتحريم. في دين الإسلام هذه السلطة هي لله وحده، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل، وهو الذي بلّغنا الحلال والحرام، وحلال محمد صلى الله عليه وسلم حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة والعلماء مجرّد أدلاّء ونَقَلَة للعلم بأمانة.
وليس كل قول يقول به عالم أو مجتهد هو رأي شرعي. وحتى يكون الرأي شرعياً لا بدّ أن يكون له دليل شرعي قوي، أو دليل شرعي ضعيف، أو شبهة دليل شرعية، فإذا قال العالم قولاً ولم يستطع أن يأتي له بدليل قوي أو دليل ضعيف أو حتى شبهة دليل، فإن قوله لا يكون شرعياً ولا يكون رأياً إسلامياً (وإن زعم أو توهم هو ذلك)، ويكون رأي كفر، ولا ينطبق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد) لأنه يشترط عليه أن يحكم بالشرع ويجتهد ضمن الشرع.
هناك الآن بين المسلمين من يفتي بأن يحكموا بأنظمة الكفر المطبقة في البلاد الإسلامية، وهناك من يفتي بأنه يجوز للمسلم التقي أن يشارك في تطبيق هذه الأنظمة من أجل تأمين بعض المصالح للمسلمين. فهل مثل هذه الفتاوى تبرأ عند الله ذمة من يعطيها وذمة من يعمل بها، أي هل تعتبر فتوى شرعية، أي هل لها دليل شرعي أو شبهة دليل، أو هي جاءت بناءً على الأهواء وتزيين الشيطان:﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ﴾؟
وكيف يجرؤ عالم أن يفتي بجواز تطبيق أنظمة الكفر والمشاركة فيها وهي تحلّل الخمور والقمار والربا والزنا، وهي تدعو إلى العُرْي والإباحية والإرتداد عن الإسلام واتباع حضارة الغرب بإسم الحريات، وهي تعطل الحدود الإسلامية والشريعة الإسلامية وتحارب الدعوة الإسلامية واصفة إياها بالأصولية والإرهاب إرضاءً لأسيادها من دول الكفر؟ !
كيف يجرؤ عالم على الفتوى في الإنغماس في هذه الأنظمة ومعاونتها، دون أن يأتي بالدليل أو حتى بشبهة الدليل على ذلك؟ ! لا شك أن مثل هذه الفتاوى ليست من الإسلام في شيء، بل هي قول كفر لا يقول بها إلا جاهل آثم أو كافرٌ خبيث.
والأدلة القاطعة جاءت على عكس ذلك تماماً: جاءت تحرم الربا والخمور والقمار والزنا والفواحش، جاءت تحرم الإرتداد عن الإسلام، وتحرم تعطيل الحدود وتعطيل الشريعة، وتحرم أن يكون حكام المسلمين أذناباً وعملاء للكفار. وإذا استحل حاكم المسلمين ذلك وأظهر الكفر البواح فإن المسلمين مأمورون أن يخرجوا عليه بالسلاح. والمجلس النيابي هو جزء من نظام الكفر هذا، والترشيح لهذا المجلس هو إعلان عن الإنغماس في هذا النظام، إلا إذا بيّن المرشح بوضوح أنه لا يؤمن بهذا النظام، وأنه لن يمارس تشريعاً ولن ينتخب حاكماً ولن يمنح ثقة ولن يصادق على قانون أو مشروع من أعمال نظام الكفر هذا، وأنه ينوي أن يتخذ من المجلس منبراً لبيان فساد النظام وللعمل على هدمه وإقامة نظام إسلامي مكانه.
نشرته مجلة "الوعي" العدد 64-صفر 1413هـ الموافق لـ آب 1992م.
khilafa
16-12-2011, 07:52 PM
الإشتراك في الحكم لا يحقق تطبيق الشريعة الإسلامية
الأستاذ محمد قطب
عن صحيفة "اللواء" الأردنية الصادرة بتاريخ 05/10/1983م.
أنا لست من أنصار الإشتراك في الحكم ولا الإشتراك في المعارك الإنتخابية ولا في أي شيء من هذا، حقيقة أنه يتحقق شيء من النفع عن هذا الطريق لا شك فيه، ولكني أتمثل بقوله تعالى عن الخمر والميسر: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾.
إن الإشتراك في الحكم يأتي بمنافع جزئية لا شك فيه ويجادل المجادلون حين يكون منّا وزير معارف يضع مناهج تعليم إسلامية أليس هذا كسباً بدلاً أن نتفرج من بعيد ونترك الشيوعيين والملاحدة يضعون مناهج التعليم؟ أنا أقول وأجري على الله أنه رغم المكاسب الجزئية التي تتحقق بإشتراك الجماعات المسلمة في الحكم فإن الإثم أو الضرر الذي يتحقق أكبر، وأول ضرر هو أننا نقول ونعلن أن الحكم بغير ما أنزل الله حرام وباطل ثم نعود من صبيحة اليوم ونشارك فيه فكيف يتناسق هذا وذاك؟ ما حجتنا إذا كنا نميّع القضية بفعلنا؟
فكيف نطمع في أن تستقيم الجماهير على القضية التي ندعو إليها إذا كنا بفعلنا نميّع الموقف اليوم، ونقول إنه حرام وباطل وغداً صباحاً نشارك فيه. مهما كانت المكاسب الجزئية التي تتحقق فالضرر أكيد وهو تمييع قضية الحكم بغير ما أنزل الله. إذا كان باطلاً وحراماً كما نقول ونصر فكيف لنا أن نشارك فيه؟ هذه واحدة على المستوى الأعلى، أما على مستوى أقل ولكنها ليست بعيدة عنها هي أنه لا يوجد حكم في الأرض كلها يستوزر الوزراء، دون أن يقسموا يمين الولاء للنظام الحاكم. ما موقف الإخوان المسلمين حين يطلب منهم إعلان يمين الولاء للنظام الذي يحكم بغير ما أنزل الله؟ أيقسم أو لا يقسم؟ لا يقسم يتفضل بالخروج من الأول، يقسم يكون قد خان أمانته.
أنا أتكلم عن تجربة واقعية وليس من الضروري أن أذكر الأسماء، ولا البلد الذي وقعت فيه هذه التجربة.
أتى وزير معارف من الإخوان المسلمين ووضع مناهج تعليمية وبعد ذلك تغيرت الوزارة كما يحدث دائماً في تلك المجتمعات الجاهلية، وجاء الوزير التالي فمحا كل آثار الوزير الأول مع شيء من الزيادة، حيث كان يوجد أربع حصص دين فأبقى منهما اثنتين فقط والباقي وضع بدلاً منهما موسيقى ورقص !!! فماذا صنع الوزير المسلم في فترته البسيطة التي محيت بعده؟ تمييع القضية وزغللة الناس. يا ناس تقولون عن هؤلاء: مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، كيف تضعون أيديكم بأيديهم..؟ وتأويل مني لآية من آيات الله وأنا أتحمل مسؤولية التأويل:﴿إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾.
وأي كفر بآيات الله واستهزاء بها أكبر من رفض تحكيمها ليلاً ونهاراً ثم أخيراً نجلس معهم في مائدة واحدة ويؤخذ الرأي وصوتي كصوتهم ثم أخيراً يتصور بعض الإخوة من طيبة أنفسهم أنه يمكن عن طريق التسلل الديمقراطي البطيء أن يجيء يوم تكون لنا الأغلبية في البرلمان فنصل إلى الحكم عن طريق الأغلبية البرلمانية وهذه سذاجة سياسية شديدة جداً أن نتصور الأعداء يتركوننا نتسلل واحدة واحدة حتى نصل إلى الأغلبية البرلمانية وفي اليوم التالي نعلن حكماً إسلامياً. فهل يصعب عليهم أن يعتقلوا مجلس النواب الذي فيه أغلبية إسلامية؟
تشدق أحد الطغاة ذات يوم وقال: اعتقلت (22) ألف ليلة واحدة. أعضاء البرلمان كم؟ (300) يعتقلهم في ساعة بل في ربع ساعة، يعتقلهم وهم في المجلس. من السذاجة أن نتصور أن هذا هو الطريق، إننا نحن بهذا نطيل الأمد على الحكم الإسلامي بدلاً من أن نقربه. كيف؟ أليس هو أقصر الطرق؟ لا بل إنه أطول الطرق.
متى يصل المسلمون إلى الحكم ممكنين في الأرض؟
حين تعي الجماهير جيداً أن (لا إله إلا الله) معناها تحكيم شريعة الله وأنه ﴿مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ حين تعي الجماهير هذه الحقيقة وعياً جيداً متحركاً عندئذ سيصل المسلمون إلى الحكم ويمكّن لهم في الأرض. عندما نحن نهادن الحكام الذين لا يحكمون بشريعة الله ونجلس معهم على مائدة واحدة، هل هذا يؤدي إلى إنضاج وعي الجماهير أو تأخير وعي الجماهير؟ بل تأخير وعي الجماهير، نقول لهم القضية (ونزغللهم) عنها، نقول لهم كلاماً وفي السلوك العملي نعمل غيره، إذاً نحن الذين نضيّع الجماهير ونحن الذين نؤخر وعيها إلى الذي يوصل إلى الحكم بما أنزل الله.
ويظن بعض الناس أننا إذا لم نكُنْ في الحكم لا نعمل شيئاً.
لا يا أخي نعمل دائماً، نعمل مع أنفسنا من خلال الجماهير لردها إلى حقيقة (لا إله إلا الله).
هذا هو العمل المثمر وطريقه، لا أريد أن أزعجكم فأقول طريقه في المعتقلات والسجون لكن طريقه في الشارع وليس في منصة الحكم.
وقد أعادت نشرها مجلة "الوعي" اللبنانية العدد 38-ذو القعدة 1411هـ الموافق لـ حزيران 1990م.
khilafa
16-12-2011, 07:56 PM
مناصرة شريعة الله فى البرلمان : تجربة من الواقع
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
دكتوراة فى علم الإجتماع العسكري
عضو هيئة التدريس السابق بجامعات القاهرة، والأزهر، وأمدرمان الإسلامية، والملك عبد العزيز
" لم أكن أظن أن ما قضى الله به في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - يحتاج إلى موافقة عباد الله، ولكنني فوجئت أن قول الرب الأعلى يظل في المصحف - له قداسته في قلوبنا - إلى أن يوافق عباد الله في البرلمان على تصيير كلام الله قانوناً.
وإذا اختلف قرار عباد الله في البرلمان عن حكم الله في القرآن فإن قرار عباد الله يصير قانوناً معمولاً به في السلطة القضائية مكفولاً تنفيذه من قبل السلطة التنفيذية؛ ولو عارض القرآن والسنة. والدليل على ذلك أن الله حرم الخمر، وأباحها البرلمان. وأن الله أمر بإقامة الحدود، وأهدرها البرلمان.
والنتيجة على ضوء هذه الأمثلة أن ما قرره البرلمان صار قانوناً رغم مخالفته للإسلام ". هذه الكلمات هي خلاصة ما انتهى إليه أحد علماء الإسلام بعد أن قضى ثماني سنوات كنائب في البرلمان. وكان ذلك النائب العالِم قد أحس بضرورة الخطابة على المنابر، والكتابة في الصحف، بعد طول معايشته لتلك الأساليب، ازداد إيماناً بجدواها لكنه شعر أنها وحدها لا تحدث تغييراً في القوانين، ولا تأثيراً مستمراً في السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، فرشح نفسه لعضوية البرلمان بحثاً عن أسلوب جديد لإعلاء كلمة الله - تعالى -بتطبيق الشريعة الإسلامية، إنقاذاً للعباد من الضلالة وتخليصاً لهم من الأباطيل ودفعاً بهم إلى رحاب الإسلام.
فاز العالِمِ بعضوية البرلمان تحت شعار " أعطني صوتك لنصلح الدنيا بالدين " وأعطاه الناس أصواتهم ثقة فيه رغم كل وسائل التزييف والتزوير في الانتخابات. واستمر النائب في عضوية البرلمان دورتين متتاليتين ثم قال بعدها: " إنه عَزَّ على البيان الإسلامي أن يجد صداه المنطقي في هاتين الدورتين ". ذهب النائب العالِِِِِِمِِِ يوماً إلى واحدة من مديريات الأمن لقضاء مصالح مواطنيه ففوجئ في مكتب الآداب بحوالي ثلاثين امرأة يجلسن على البلاط فسأل قائلاً: ما ذنب هؤلاء؟ فقال له المسئول: إنهن الساقطات! فسأل وأين الساقطون؟ إنها جريمة لا تتم إلا بين زان وزانية. فأخبره المسئول بأن الزاني عندهم هو مجرد شاهد بأنه قد ارتكب الزنا مع هذه وأعطاها على ذلك أجراً فهي تحاكم ليس لأنها ارتكبت الزنا ولكن لأنها تقاضت الأجر. فتحول المّقُرُّ والمعترف بأنه زان إلى شاهد عليها ولا يلتفت القانون إلى إقراره واعترافه بالزنا. غضب النائب العالِِم غضبة لله، فقال له المسئول ببساطة: (نحن ننفذ قانوناً أنتم أقررتموه في البرلمان ).
أدرك النائب العالِِم أنه مهما كثرت الجماهير المنادية بتطبيق الشريعة، ومهما ساندها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن الآمال في تطبيق الشريعة لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق البرلمان الذين يسمونه (السلطة التشريعية)، ولأن السلطة القضائية لا تحكم إلا بالقوانين التي تصدر عن البرلمان، وأن السلطة التنفيذية لا تتحرك لحماية القرآن والسنة، ولا لحماية الإسلام إلا بمقدار ما أقره البرلمان من هذه الجوانب المقدسة، اعتقد النائب العالم بأن الوصول إلى هذه الغاية ممكن إذا علم نواب البرلمان أن هذا هو قول الله، وقول رسوله، وحكم الإسلام ليقروه.
انطلق النائب العالِِم فقدم مشروع قانون لإقامة الحدود الشرعية، ومشروع قانون لتحريم الربا مع اقتراح الحل البديل، مشروع قانون لتطويع وسائل الإعلام لأحكام الله، ومشروع قانون لرعاية حرمة شهر رمضان، وعدم الجهر بالفطر في نهاره، ومشروع قانون لتنقية الشواطئ من العربدة، والعديد من المشاريع الإسلامية الأخرى. ووقع معه على مشاريع هذه القوانين عدد كبير من أعضاء البرلمان.
وذهب النائب العالِِم لأداء العمرة، واصطحب معه بعض أعضاء البرلمان، وعند الحجر الأسود عاهدوا الله جميعاً على مناصرة شريعة الله في البرلمان، ثم ركبوا الطائرة إلى المدينة المنورة، ثم تعاهدوا في رحاب المسجد النبوي على رفع أصواتهم لنصرة شرع الله لا لنصرة انتماءاتهم الحزبية. حمّل النائب العالِِِِِِِِِِِِِِِِم السلطات الثلاث في الدولة مسؤولية إقرار المحرمات ومخالفة الشريعة، وتوعد وزير العدل آنذاك بأنه سيستجوبه بعد بضعة شهور إذا هو لم يقدم ما تم إنجازه من قوانين تطبيق الشريعة الإسلامية.
ولم يقدم الوزير ما طلبه منه النائب فوجه إليه النائب استجواباً - والاستجواب في عرف البرلمانات ملزم للمستجوب بالرد عليه ما لم تسقط عضوية الوزير أو يخرج الوزير المستجوب من الوزارة - وأصر النائب على استجواب الوزير ووقفت الحكومة خلف وزيرها، وأصرت على إسقاط الاستجواب، ولما اشتد إصرار النائب على الاستجواب أحدثت الحكومة تعديلاً وزارياً لم يخرج منه إلا وزير العدل، أي أن الوزير أخرج من الوزارة ليسقط الاستجواب، وتكرر هذا العمل حتى أصبح قاعدة من قواعد التعامل مع البرلمان.
لجأ النائب العالِم مرة ثانية إلى أعضاء البرلمان وقال لهم: إن مشاريع القوانين الإسلامية وضعت في أدراج اللجان، وقد عاهدتم الله في الحرمين على أن تكون أصواتكم لله ورسوله، وطالب بتوقيعهم على المطالبة بالتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية فاستجابوا، ووقعوا على ما طالبهم به ووضع النائب العالم هذه الوثيقة في أمانة البرلمان، وطالب باسم النواب جميعاً النظر في قوانين شرع الله.
فقام رئيس البرلمان وطالب باسم النواب جميعاً النظر في قوانين شرع الله. وقال للنواب: إن الحكومة لا تقل عنكم حماسة للإسلام، ولكننا نطلب منكم فرصة للمواء مات السياسية، فصفق له النواب الموقعون، المتعاهدون في الحرمين على العمل على تطبيق شريعة الله، ووافقوا على طلبه، فضاعت المطالبة بالتطبيق الفوري للشريعة وانتصرت الحكومة.
غلب اليأس النائب العالِم لعدم جدوى محاولاته في سبيل تطبيق الشريعة مع أعضاء يناديهم فيستجيبون ثم يعدلون، ثم فوجئ يوماً باقتراح من رئيس البرلمان للموافقة على تكوين لجنة عامة لقوننة الشريعة الإسلامية، وتبين حقيقة الأمر فوجد أن قرار الحكومة المفاجئ هذا لم يكن إلا تغطية لفضيحة كبرى مست كرامة البلاد. ولم تتخذ الحكومة قراراً لصالح الإسلام. ورحب النائب بالفكرة رغم فهمه لأبعادها، واجتمعت اللجنة لكن النائب العالم أحس عدم جدية الدولة في تطبيق شرع الله لأنها إذا أرادت إرضاء الله فهناك أمور لا تحتاج إلى إجراءات. فإغلاق مصانع الخمور يمكن أن يكون بجرة قلم. وإغلاق الحانات يمكن أن يتم بجرة قلم.
كانت هناك مظاهر تدل على ما في الأعماق حقيقة، تضافرت كلها لتترك في نفس النائب العالم انطباعاً - يشكل في حد ذاته قاعدة من قواعد التعامل مع البرلمانات - مؤداه: أن شرع الله لن يتحقق أبداً على أيدي هؤلاء.
فوجئ الناس وفوجئ النائب العالِم بحل البرلمان بعد أن كان هو رئيساً للجنة مرافعات تطبيق الشريعة الإسلامية، وظل يوالي مع اللجنة عملية الدراسة والتقنين عبر ثلاثين اجتماعاً. وفي غيبة البرلمان صدر قرار خطير في مسألة تمس حياة الناس الشخصية. فوقف النائب العالم ضد هذا القرار لأنه مخالف للإسلام والدستور، ولكن القاعدة تقول: أن البرلمان كله يمكن أن يحل بقرار إذا أرادت الدولة فرض أمر على الناس حتى ولو كان مخالفاً للإسلام.
أما أهم قاعدة يستند إليها البرلمان فقد لخصها النائب العالم بقوله: " إنه مهما أوتيت من حجج ومهما استند موقفي إلى الكتاب والسنة فإن من عيوب البرلمان ومسؤوليته الفادحة أن الديموقراطية تجعل القرار ملكاً للغالبية المطلقة بإطلاق وبلا قيد ولا شروط ولو خالف الإسلام ".
أحس النائب العالِم بأن زحفاً من التضييق عليه يشتد من جانب الحكومة، ومن رئيس البرلمان، ومن حزب الغالبية؛ افتعلت رئاسة البرلمان ثورات ضده، واتهمته بأنه يعطل أعمال اللجان. ولكنه استمر في بذل جهوده. فقدم العديد من الأسئلة التي لم تدرج في جداول الأعمال، وقام بالعديد من طلبات الإحالة فوجدها قد دفنت ولم تقم لها قائمة، ثم عاد إلى استخدام سلاح الاستجواب الذي لا يمكن رده. فاستجوب وزراء الحكومة عن ضرب الدولة للقضاء الشرعي والأوقاف، والمعاهد الدينية، ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم، وعن ضربها لمناهج التعليم في الجامعات الدينية بحجة تطويرها، وعن ضربها للمساجد بإصدارها قانوناً لا يسمح لأحد حتى ولو كان من (المشايخ) أن يدخل دور العبادة، وأن يقول ولو على سبيل النصيحة الدينية قولاً يعارض به قراراً إدارياً أو قانوناً مستقراً؛ ومن فعل ذلك حبس وغرم، فإن قاوم ضوعفت الغرامة وسجن. قدم النائب العالِم استجواباً إلى وزير السياحة لأن طلاباً في المدارس الفندقية أرغموا على تذوق الخمور فرفضوا ففصلوا، وقدم استجواباً آخر إلى وزير الإعلام بغية تطهير وسائل الإعلام من العربدة التي تعصف بالقيم والأخلاق ومقدسات البلاد، واستجواباً ثالثاً إلى وزير النقل والمواصلات عن صور القصور والتقصير بهذه المرافق، وشعر النائب العالم أنه يقدم الاستجواب تلو الاستجواب إلى بالوعات، فوقف في البرلمان يحاسب رئيسه ويتهمه بالخروج على لائحة البرلمان، فأمر رئيس البرلمان في لعبة مثيرة بإدراج الاستجوابات الثلاثة في جلسة واحدة مع أن كل استجواب يحتاج إلى أيام، ثم دعا الهيئة البرلمانية لحزب الأغلبية لتحبط هذه الاستجوابات، ونودي على وزير السياحة فتدخلت الحكومة التي اعترضت على إدراج هذا الاستجواب في جدول الأعمال لأن فيه كلمة نابية هي بالضبط (اتهام صاحب الاستجواب الوزير بأنه جافى الحقيقة أثناء رده على السؤال) ثم طرح الموقف على نواب البرلمان فقرروا إحباط الاستجواب وعطلوا ما يسمى بالحق الدستوري للنائب في محاسبة الدولة، ثم نودي على الاستجواب الثاني المقدم لوزير الإعلام، وكما انتصر النواب للخمر، انتصروا للرقص رغم أنهم عاهدوا الله على النصرة لشريعته، ثم نودي على وزير النقل لكن النواب رأوا أن محاسبة الوزير تتلاقى مع أهوائهم، فقام النائب العالم إلى المنصة وقال لنواب البرلمان: " يا حضرات النواب المحترمين لست عابد منصب ولست حريصاً على كرسي لذاته، ولقد كان شعاري مع أهل دائرتي " أعطني صوتك لنصلح الدنيا بالدين " وكنت أظن أنه يكفي لإدراك هذه الغاية أن تقدم مشروعات القوانين الإسلامية لكنه تراءى لي أن مجلسنا هذا لا يرى لله حكماً إلا من خلال الأهواء الحزبية، وهيهات أن تسمح بأن تكون كلمة الله هي العليا.. لقد وجدت طريقي بينكم إلى هذه الغاية مسدوداً، لذلك أعلن استقالتي من البرلمان غير آسف على عضويته " وانصرف النائب العالم إلى داره في أبريل 1981 ورفعت الجلسة.
رحل النائب العالِم ( الشيخ صلاح أبواسماعيل) عن البرلمان، ثم رحل عن هذه الدنيا كلها بعد ذلك بعدة سنوات، وبقي البرلمان يقضي ويشرع وينفذ بغير ما أنزل الله.
http://www.myportail.com/actualites-news-web-2-0.php?id=1194#lie
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.