ابو العبد
26-12-2008, 04:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
دردشات
1_ انتهاء التهدئة وتطورات القضية الفلسطينية
بتاريخ 19/12/2008 انتهت التهدئة بين حماس و"إسرائيل" التي جرى إبرامها قبل ستة أشهر، وقد أعلن خالد مشعل أن التهدئة انتهت، ويتزامن هذا مع اقتراب موعد انتهاء ولاية محمود عباس في 9/1/2009، وقرب موعد الانتخابات "الإسرائيلية" بتاريخ 10/2/2009 وتسلم إدارة باراك أوبانا إدارة الحكم في أميركا من سلفه بوش بتاريخ 20/1/2009. وإذا دققنا النظر في هذا الملف الشائك والمعقد نرى أن هناك ثلاثة محاور ينبغي تسليط الضوء عليها إلا وهي: الجانب الأميركي، والجانب "الإسرائيلي"، والجانب الفلسطيني.
أما على الصعيد الأميركي فإننا نرى أن الإدارة الحالية بدأت بترحيل الملفات في السياسة الخارجية وبخاصة المهمة منها إلى الإدارة الجديدة، بل وجعلتها مفتوحة لبدء العمل بها مباشرة، ومن ضمن هذه الملفات الملف الفلسطيني. وما يفسر ذلك استصدار قرار في مجلس الأمن يؤيد (جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين) وأيضاً اجتماع الرباعية في نيويورك يومي 15-16/12 /2008 وإصدار بيان يدعم عملية انابوليس.
وكان من تصريحات رايس أمام الرباعية "أن للولايات المتحدة مصلحة قومية في التوصل إلى معاهدة نهائية بين الفلسطينيين وإسرائيل".
وقد علق وليام كوانت أستاذ علم السياسة في جامعة فرجينيا "يبدو أن الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني من شأنه أن يساعد في دفع عجلة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط الكبير حيث أصبحت الولايات المتحدة منخرطة الآن أكثر من أي وقت مضى".
ومن المرجح أن تقوم الإدارة الأميركية الجديدة بممارسة ضغوطات على "إسرائيل" في هذا الصدد، ولعل تصريح مارتن أنديك، وهو السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" والمقرب أيضاً من وزيرة الخارجية المقبلة هيلاري كلينتون، يشير إلى ذلك حيث قال "أن على دولة إسرائيل ألا تتوقع الحصول على شيكات على بياض من واشنطن بعد أن يتسلم الرئيس المنتخب باراك اوباما مهام منصبه في كانون الثاني".
أما على الصعيد "الإسرائيلي" حيث الانتخابات في 10/2 القادم، فقد سبق أن أشارت استطلاعات الرأي إلى فوز حزب الليكود، وهذا طبيعي؛ لأن الشارع "الإسرائيلي" يميل إلى اليمين ولهذا السبب فإن الضغوط وجهوداً مختلفة ما تزال مستمرة للعمل على ترويضه وتدجينه.
و في الآونة الأخيرة لوحظ بأن الإعلام "الإسرائيلي" يلعب دوراً كبيراً في عملية ترويض الشارع "الإسرائيلي" وتوجيهه نحو حزب كديما، وبخاصة بعد الانتخابات الداخلية للأحزاب إذ بدأ الإعلام يتحدث أن حزب الليكود حزب "المتمردين" وحزب "اليمين المتطرف"، حتى أن المحلل آمنون ابرموفتش من القناة الثانية علق على قائمة الليكود أنها قائمة يمينية متطرفة، وأن أعضاءها من المكان 19 فما فوق ما كنتم لتدخلوهم إلى بيوتكم، وكذلك مثلاً حديث حاييم رامون في القناة العاشرة حول ضرورة تقسيم القدس، ولذلك ليس غريباً أن تُظهر الاستطلاعات يوم الجمعة 19/12 أن الانتخابات لو حصلت الآن فإن النتيجة ستكون 30 مقعداً لحزب كديما، و30 مقعداً لحزب الليكود، و كان اللافت للنظر انكماش حركة شاس حيث أعطتهم الاستطلاعات 9 مقاعد فقط.
هذا من جانب، أما الجانب الأخر فهي الرسائل التي ترسلها أميركا للتأثير على الناخب "الإسرائيلي" فعلى سبيل المثال:
فقد صرحت رايس أمام الرباعية بتاريخ 16/12/2008 أن من مصلحة "إسرائيل" في المدى الطويل أن توفر مجتمعاً أكثر أملاً للفلسطينيين، وقالت أيضاً: "أن وقت إنشاء دولة فلسطين قد حان منذ وقت طويل، ويجب أن تكون هناك نهاية للاحتلال الذي بدأ عام 67". ولقد رحب باراك أوباما وهيلاري كلينتون بهذه التصريحات، وكذلك الساسة في "إسرائيل" مثل أولمرت حيث حذر في تصريح له من أن أية حكومة "إسرائيلية" لا تتحلى بالمرونة والمبادرة السياسية والاستعداد للقيام بتنازلات وتسويات مؤلمة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين والسوريين سوف تجد نفسها معزولة في زاوية، وتجلب على نفسها انتقادات دولية قد تلحق ضرراً اقتصادياً وسياسياً بـ"إسرائيل".
صحيح أن اولمرت متهم بقضايا فساد، ولكن حديثه له تأثير على الشارع حيث أنه جلس على كرسي رئاسة الوزراء وأدرك ما تريده أميركا والعالم من "إسرائيل"، فتصريحاته لها وقع على الشارع "الإسرائيلي"، والراجح أن الانتخابات "الإسرائيلية" والتي تمثل تجاه الرأي العام في "إسرائيل" هي التي ستحدد مصير التقدم فيما يسمى بالعملية السلمية، أو اللجوء إلى ضغوطات أقوى، اقتصادية أو عسكرية، قد تفوق ما حصل سنة 2006م.
أما بالنسبة للتهدئة فمن المستبعد أن تقوم "إسرائيل" بعملية برية واسعة النطاق في غزة، فالشخصيات المركزية الثلاثة المعنية في هذا الشأن غير متحمسين لعملية عسكرية برية واسعة النطاق، وهم وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس المخابرات؛ ولذلك صرح المستشار العسكري لوزير الدفاع عاموس جلعاد "سبق إن رأينا ما حصل عندما دخلنا إلى لبنان في العام 1982 لطرد م.ت.ف فخلقنا حزب الله، إن احتلال القطاع سيلزمنا بإطعام مليون ونصف نسمة، ومن شأنه أن يضرم النار في العالم الإسلامي".
ونقلت صحيفة نيوزويك بتاريخ 3/12/2008 على لسان مسؤول سابق في المخابرات "الإسرائيلية" (الموساد) يوس الفر "أن إسرائيل بدأت تدرك أنها غير مجهزة بشكل جيد لإلحاق الهزيمة بالأعداء غير المتماثلين".
وبالعكس سيكون وضع غزة والتهديد القادم منها عصا تلوح لليمين في "إسرائيل" والشارع "الإسرائيلي" بضرورة الحل مع الفلسطينيين، وتهيئة الأوضاع لقبول إدخال قوات حلف الناتو إلى مناطق الضفة الغربية وغزة ضمن اتفاق فلسطيني "إسرائيلي". ولقد عنونت مجلة نيوزويك مقالها بتاريخ 3/12/2008 (تجاه نحو قبول فلسطين وإسرائيل لوجود دولي في المنطقة في إطار اتفاقية سلام) وتقول المجلة لقد أكد المستشاران الأميركيان السابقان للشؤون الأمنية سكوكروفت وبريجنسكي دعمهما في الآونة الأخيرة لهذه الفكرة وأيدها القائد السابق لقوات الناتو جيمس جونز الذي عينه الرئيس المنتخب باراك أوبانا مستشاراً أمنياً في فريقه، ولذلك طالب قريع بحماية دولية للشعب الفلسطيني بسبب اعتداءات المستوطنين. أما بالنسبة للمستوطنات والقدس فتهيئة الأوضاع على الأرض تسير على قدم وساق، وما تفجيرات القدس المتلاحقة، والصداع الذي يحدثه مستوطنوا الخليل في الضفة وتحجر عقلية المستوطنين إلا شواهد على ذلك.
على الصعيد الفلسطيني فان شوكة حماس أصبحت أقوى وجرى ترسيخ فكرة أن حماس يجب أن تكون شريكاً في الحل، و هذا من ضمن إستراتيجية أميركا لمنطقة الشرق الأوسط (إشراك الإسلاميين في الحكم) لقد أخذت حماس دعماً عربياً و دولياً من خلال إرسال السفن لكسر حصار غزة، ويقترب هذا ليكون بمنزلة اعتراف في حكم حماس لغزة في هذه المرحلة، ويشبه ذلك التقارب الأردني الحمساوي، الذي تمثل بلقاء رئيس جهاز المخابرات الأردنية محمد الذهبي في شهر آب/أغسطس مع ممثل حماس في الأردن، ومن المرجح ان تفتح قناة مفاوضات رسمية مع الإدارة الأميركية الجديدة، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة من خلال سورية أو الأردن، ومن المرجح أن يجري تأجيل الانتخابات في الجانب الفلسطيني بالتوافق بين غزة والسلطة حتى عام 2010 .
2_ أميركا والقرصنة البحرية في الصومال
بدأت حركة القرصنة المائية قبالة سواحل الصومال تتفشى منذ عام 1991، ثم انتقلت هذه الأعمال شيئا فشيئا من المياه الساحلية إلى أعالي البحار وعمق المحيط. والملاحظ أن عمليات القرصنة تنطلق من/ وتعود إلى المنطقة المحاذية لساحل إقليم "أرض البنط-بوت لاند" (PuntLand) خاصة وليس في كل الصومال، وبالتحديد في ميناء إيل الواقع قرب منطقة جبلية نائية. لقد حرضت أثيوبيا ومن ورائها أميركا بعض الزعماء في هذا الإقليم الذي كان يتزعمه عبد الله يوسف (الرئيس الحالي للصومال) ودعمتهم بالمال والسلاح لتحقيق مشروع انفصال أرض البنط عن الصومال الموحد في عام 1998 بعدما نجحت في تحقيق إنفصال "أرض الصومال -صومالي لاند" عن بقية الصومال عام 1991. وإلى اليوم تقوم أثيوبيا بتقديم الأسلحة وتدريب المليشيات ودفع رواتب ضباط الأمن في أرض البنط لتثبيت وضع الانفصال بدعم من المخابرات المركزية الأميركية التي تتخفى تحت ذريعة مقاومة الإرهاب.
لم تكن حركة القرصنة موجودة بهذا الشكل وبهذا المستوى خلال الثلاثين عاما من عمر الدولة الصومالية، بل حتى عندما سيطرت حركة المحاكم الإسلامية على السلطة في الفترة بين يونيو إلى كانون أول/ ديسمبر 2006، استطاعت القضاء نهائيا على القرصنة بما في ذلك في ميناء هرارديري (شمال شرق الصومال داخل جمهورية البنط) الذي يعتبرمن أبرز قواعد القراصنة الذين يهاجمون السفن التي تعبر المحيط الهندي قبالة السواحل الصومالية. وهذا يبرهن على أن وجود دولة مركزية أو سلطة تحظى بالسند الشعبي خير ضمان لحماية الاستقرار في الداخل والأمن في المياه الإقليمية للصومال. أما بعد انهيار الدولة الصومالية عام 1990 وسقوط نظام سياد بري فقد أصبحت الشواطئ الصومالية، وهي الأطول في سواحل إفريقيا بطول يبلغ ثلاثة آلاف وسبعمائة كيلومتر، مرتعا للشركات الغربية وعصابات الجريمة الدولية في رمي النفايات النووية والكيميائية والصناعية المحرمة دوليا ونهب الموارد البحرية خاصة منها السمكية للصومال. ووجدت بعض الجماعات المسلحة في التعرض لسفن الصيد والمراكب السياحية والتحرش بها صيدا ثمينا، فكانت تتلقى منها مبالغ طائلة تعتبر زهيدة بالنسبة لشركات الصيد التي كانت تكسب الملايين جراء الصيد بحرية في المياه الإقليمية الصومالية. وهكذا تبادل الطرفان المصالح بتراض تام ودون صخب أو ضجيج، وبعلم ودعم من الدول التي تقف وراءهما.
وبمرور الزمن تطورت القرصنة عبر اكتساب مهارات فنية عالية واستعمال زوارق مطاردة سريعة تحمل محركات حديثة وأسلحة وأجهزة تقص واستكشاف ووسائل اتصال متطورة، وأصبح مجال تحركها يتجاوز الشاطئ الصومالي ليمتد إلى أكثر من 200 كيلومتر في عمق المحيط الهندي. وتخصصت أعداد كبيرة من الأفراد في هذه التجارة المربحة، وبمباركة ضمنية من السلطة المحلية في أرض البنط التي تنصلت من أي مسؤولية تجاه هذه المشكلة الأمنية بحجة أنها لا تملك القدرة على التصدي لها، إلى أن وصلت أعداد السفن التي تعرضت للسطو والقرصنة إلى أرقام قياسية وبعمليات نوعية، حيث تمكن القراصنة الصوماليون من مهاجمة ما يفوق الـ60 سفينة في خليج عدن والمحيط الهندي منذ بداية عام 2008 حسب الأرقام الغربية الصادرة عن المكتب الدولي للملاحة البحرية. إلا أن ما يثير الريبة والتساؤل هو تجييش الحلف الأطلسي بزعامة أميركا بل وحتى روسيا مثل هذه القوات العسكرية بأساطيلها الضخمة لملاحقة بعض الأفراد المسلحين تسليحا خفيفا مهما وقع تضخيمه إعلاميا. وقد جاءت هذه التحركات الغربية تنفيذا لقرارين من مجلس الأمن الدولي. القرار الأول صدر في 2 حزيران/جون الماضي تحت رقم 1816 والذي أجاز السفن الحربية الأميركية والتابعة لقوات الحلف الأطلسي سلطة ملاحقة القراصنة داخل المياه الإقليمية الصومالية، في إطار تحرك يهدف إلى مكافحة عمليات القرصنة التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا قبالة القرن الأفريقي. أما القرار الثاني والصادر في شهر تشرين أول/أكتوبر تحت رقم 1838 فقد دعا مختلف الدول إلى "استخدام الوسائل الضرورية في عرض البحر وفى المجال الجوى قبالة الصومال بما ينسجم مع القانون الدولي من أجل قمع أعمال القرصنة"، التي تزايدت على السفن في الفترة الأخيرة.
وبناء على قرار مجلس الأمن الثاني تحركت فرنسا رئيسة الإتحاد الأوروبي حاليا، وعقد وزراء الدفاع في دول الإتحاد في أواخر شهر تشرين أول/أكتوبر اجتماعاً غير رسمي في بلدة دوفيل الفرنسية واتفقوا على إرسال أسطول يتألف من ثلاث سفن حربية وسفينة إمداد وثلاث طائرات رصد إلى السواحل الصومالية للعمل هناك بشكل دائم على أن يكون مقر قيادة العملية التي سيقودها الأميرال البريطاني فيليب جونز في لندن. وأطلق على هذه العملية اسم "عملية أتلانتا" التي ستقوم بعملياتها بالتنسيق مع قوات الناتو والولايات المتحدة والسفينة الحربية الروسية "ني أوستراشيمي". وبالفعل بدأت منذ 8/12/2008 رسميا قوة أوروبية تعرف باسم "يوناففور" تمخر مياه الصومال وخليج عدن، وقوامها ست بوارج وثلاث طائرات استطلاع. أما "مهامها فهو الحراسة والردع والحماية" في مياه مساحتها مليون كيلومتر مربع، كما صرح بذلك منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا.
والسؤال الآن هو: ما هي الدوافع الحقيقية لهذا الحضور الكثيف للقوات الدولية في المنطقة؟ والجواب على ذلك يكون كالتالي:
1 ـ تستغل أميركا قضية القرصنة للسيطرة على البحر الأحمر عبر التواجد العسكري في باب المندب وخليج عدن. وأما تفصيل ذلك فهو كما يلي:
ذكر رئيس تحالف تحرير الصومال ـ جناح أسمرا ـ عمر إيمان أبو بكر في مقابلة مع الجزيرة ضمن برنامج (لقاء اليوم) بتاريخ 18/11/2008 أن هذه القرصنة هي صناعة أميركية. كما اعتبر أن الولايات المتحدة هي التي تقوم بتدريب القراصنة بهدف اتخاذ ذلك ذريعة للسيطرة على السواحل الصومالية، ومن ثم استحلال أراضي الصومال. وأضاف أبو بكر أن عمليات القرصنة كانت موجودة في السابق، مؤكدا أنها اختفت بالفترة التي سيطرت فيها المحاكم الإسلامية على الأمور بالصومال.
إن التواجد العسكري المكثف والمتعدد الجنسيات في جنوب البحر الأحمر بحجة محاربة القرصنة هو مقدمة وذريعة لتبرير مشروع تدويل البحر الأحمر. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن ظاهرة القرصنة تزايدت ونمَـت في ظِـلّ تواجد عسكري أميركي كثيف في المنطقة طيلة الفترة الماضية، دون أن يؤدّي ذلك بالولايات المتحدة الأميركية لاستنفار قواتها ضدّ مثل هذه الأعمال، فإن الأرجح أن يظَـل هذا التواجد الأميركي في البحر الأحمر ـ تحت غطاء الشرعية الدولية ـ تواجُـدا دائما، لأنه مرتبط بمكافحة القرصنة التي ستبقى ما بقِـيت الفوضى في الصومال وفي ظل غياب دولة مركزية قوية.
قد تجد السلطات اليمنية في عمليات القرصنة مبرراتها أمام المعارضة الداخلية لتلبية المطالب المتكررة الأميركية وحتى الفرنسية بضرورة إنشاء نقاط مراقبة رادار بحرية في الجزر اليمنية، بدعوى محاربة الإرهاب إلى جانب القرصنة، خاصة منذ تفجير المدمرة الأميركية "أس أس كول" عام 2000 والهجوم على ناقلة النفط الفرنسية "لمبرج" عام 2003. وإذا تمكنت أميركا من تحقيق هذه المطالب في اليمن فإنها تكون قد أحكمت سيطرتها القريبة على منابع النفط وطرق المواصلات وتكون قد استعدت لشن أي حرب استباقية ضد قيام دولة الإسلام.
2 ـ إن أميركا هي التي أوعزت إلى أثيوبيا بدعم عمليتي إنفصال "جمهورية أرض الصومال" في الشمال الغربي و"جمهورية أرض البنط" في الشمال الشرقي. ومع ذلك فإن أميركا لا تجرؤ على الإعتراف بهذين الإقليمين بشكل مستقل عن بقية الصومال، إلا أن قضية القرصنة التي قد تفتح الباب أمام هذا الإعتراف الذي سوف يأتي أولا من دول المنطقة تحت مظلّـة عقد اجتماعات لدول البحر الأحمر وشرق إفريقيا، مثل مصر واليمن والسعودية وكينيا. أما أهمية هذا الإعتراف في شكل فيدرالي أو كونفيدرالي فتنبع من رغبة أميركا في الحصول على تسهيلات عسكرية في موانئ الإقليمين وفي إجراء عقود اقتصادية إمتيازية معهما، وفوق ذلك أن تتمكن أميركا من وراء هذا الإعتراف من تثبيت وجودها العسكري برا وبحرا في هذه المنطقة لتقم بحماية الائتلاف الوطني الذي استدرجت المحاكم الإسلامية/جناح جيبوتي بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد لإنشائها بديلاً عن الحكومة الهزيلة المتهاوية، وبذلك تكون أميركا قد نجحت في اللعب بقيادات المحاكم وشق صفوفها بذريعة السلم الأهلي في الصومال واستقرار الأوضاع بعد إتفاق تقاسم السلطة الذي وقعته مع الحكومة الصومالية وبرعاية الأمم المتحدة في 26 تشرين أول/أكتوبر 2008. وما يدعم هذا الحضور العسكري الأميركي ويجعله أكيدا من وجهة نظر أميركا أن الإتفاق ينص على انسحاب تدريجي للقوات الإثيوبية بحلول 2009، كما أن حركة شباب المجاهدين وجناح أسمرا للمحاكم الإسلامية بقيادة حسن طاهر عويس وغيرهما قد رفضوا هذا الإتفاق وتوعدوا بمواصلة القتال حتى خروج المحتل وسقوط حكومته العميلة. مما سيستنزف قوى هذه الأطراف ويبرر حضوراً فاعلاً للمقاتلين من خارج الصومال بعد توجيه ضربات لهم في أفغانستان والباكستان وسيكون وجودهم مبرراً جديداً لتثبيت قواعد أميركية شرق قارة إفريقيا وبخاصة في منطقة القرن الإفريقي.
إن مباركة أميركا لإتفاق الحكومة الصومالية مع جناح شريف أحمد ينبع من رغبة صناع القرار السياسي الأميركي في تأمين إمدادات النفط عبر التواجد العسكري في المنطقة وفي نفس الوقت إدخال جزء من المحاكم الإسلامية في تركيبة الحكم الصومالي لإمتصاص الغضب الشعبي عبر إنسحاب مدروس للقوات الأثيوبية بعيدا عن مقديشو إلى بعض المواقع الإستراتيجية وعلى طول الحدود. وهكذا فبينما تتلهى المحاكم في لعبة الحكم وقتال معارضي الإتفاق من جناح أسمرا وحركة الشباب، تقوم أميركا بمعية القوات الدولية بتأمين عمليات نهب الموارد البحرية للصومال ودفن النفايات النووية وغيرها على طول السواحل الصومالية، وكذلك تأمين إمدادات النفط وطرق المواصلات حتى لا تضطر شركات النقل البحري إلى تغيير مسار سفنها من خليج عدن إلى رأس الرجاء الصالح لما في ذلك من زيادة تكاليف النقل وتأخير مدة تسليم الشحنات.
3_ أبعاد تفجيرات مومباى:
إن العملية التي وقعت في مومباى يوم الخميس 27 تشرين ثاني/نوفمبر هي عملية كبيرة جداً ومتقنة جدا سواء من حيث حجمها وما ترتب عليها من قتلى وجرحى أو من حيث منفذيها وما امتلكوه من خبرة لوجيستية ومعلومات إستخبارية. فهذه العملية ليست من عمل منظمة محلية أو إقليمية فضلا أن تكون منظمة مجهولة لم يسمع بها من قبل هي منظمة "مجاهدي الجنوب" التي ادعت في إعلانها عبر بريد إليكتروني أنها نفذت هذه الهجمات "دفاعا عن المسلمين أمام اضطهاد الهندوس لهم". وإذا أضفنا إلى هذا ما توارد من أنباء تحدثت عن "أن سفينة أنزلت هؤلاء الإرهابيين على شاطئ المدينة". يتضح لنا أن هذه العملية هي من صنع دول وليست من صنع أفراد أو منظمات.
والراجح أن الاستخبارات في أميركا والهند وباكستان هي التي تقف وراء هذه العملية التي وصفها الإعلام بأنها تشبه أو تفوق عمليات مدريد ولندن. أما الغرض من ذلك فهو وضع ملف قضية كشمير على الطاولة، ويؤيد ذلك تصريح أوباما بتاريخ 15/11/2008 في مقابلة أجرتها معه محطة MSNBC "أن إدارته سوف تعمل على حث الهند على حل نزاع كشمير مع الباكستان حتى تتمكن إسلام آباد من التفاوض مع الولايات المتحدة في أفغانستان" حيث يرى صناع القرار في أميركا أن بوابة العبور لحل قضايا جنوب آسيا تمر عبر حل قضية كشمير وستكون قضية كشمير ضمن القضايا التي ستحقق بها إدارة أوباما نجاحاً في قيادة العالم بدلاً من السيطرة عليه،ويرجح أنه سيتم التذرع بمكافحة ا"لإرهاب" لإنشاء قوة إقليمية في جنوب آسيا لتكون بديلا عن قوات الناتو المرفوضة في أفغانستان، وداعمة لحكومة وحدة وطنية تشارك فيها طالبان مما سيخرج المقاتلين غير الأفغان إلى الصومال واليمن أو أية مناطق أخرى تشعل أميركا فيها ناراً جديدةً. غير أن ذلك لا يعني أن أميركا ستخرج من أفغانستان نظراً لحاجتها لإبقاء قواعد لها قرب الحدود مع روسيا لحماية مصالحها التي جاءت من أجلها ابتداءً وبخاصة المصالح النفطية في حوض بحر قزوين، إضافة إلى تشكيل تهديد مستمر لاستقرار روسيا ضمن نطاقها الحيوي. ولتحقيق ذلك فقد تعهد أوباما في سباقه الرئاسي نحو البيت الأبيض أنه سوف يقوم بزيادة القوات العسكرية في أفغانستان، كما تعهد بضرورة حل النزاع بين الهند وباكستان. إلا أنه حتى تنجح أميركا في ذلك فلا بد لها من إقحام الهند بشكل علني ورسمي في حربها على الإسلام دون إثارة مشاعر المسلمين سواء داخل الهند أو في دول الجوار. فباكستان لا تستطيع أن تقوم بمهمة القضاء على الإسلام واستئصال شوكة المتعاطفين مع المقاتلين المسلمين في باكستان أو في أفغانستان بسبب ضعف الحكومة الباكستانية وتلوث سمعة الجيش وقوة الرأي العام الإسلامي فيها. ولذلك قامت أميركا ومعها الهند وباكستان بعملية مومباى لجلب التعاطف المحلي والإقليمي والدولي مع الهند ومن ثم إعطاء الهند المبررات لإعلان حربها على الإسلام والمسلمين بالتحالف مع باكستان وخلف أميركا.
ولذلك ليس غريبا أن يصرح الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري يوم السبت في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي ان ان-ايه بي ان" الهندية قائلا: "أيًا كان المسئولون عن هذا العمل البربري والوحشي بحق الشعب الهندي والهند فإنهم يسعون لإثارة رد فعل انتقامي". وأضاف: "علينا أن ننأى بأنفسنا عنهم ونتصرف معًا نحن وأنتم والمجتمع الدولي بحيث لا يكون هناك رد فعل مبالغ به". وفي الوقت نفسه حذر آصف زرداري من اعتبار هجمات مومباى مجرد مشكلة هندية باكستانية "سيأتي بنتيجة عكسية"، وقال: "هذا خطر عالمي ولذلك يترتب علينا مواجهته معُا".
أما التصعيد على الحدود بين الهند والباكستان فسيكون خادماً لكل ما سبق الحديث عنه.
25/ذي الحجة/1429هـ
23/12/2008م
نشرة دردشات سياسية من اصدار حزب التحرير
[/b]
دردشات
1_ انتهاء التهدئة وتطورات القضية الفلسطينية
بتاريخ 19/12/2008 انتهت التهدئة بين حماس و"إسرائيل" التي جرى إبرامها قبل ستة أشهر، وقد أعلن خالد مشعل أن التهدئة انتهت، ويتزامن هذا مع اقتراب موعد انتهاء ولاية محمود عباس في 9/1/2009، وقرب موعد الانتخابات "الإسرائيلية" بتاريخ 10/2/2009 وتسلم إدارة باراك أوبانا إدارة الحكم في أميركا من سلفه بوش بتاريخ 20/1/2009. وإذا دققنا النظر في هذا الملف الشائك والمعقد نرى أن هناك ثلاثة محاور ينبغي تسليط الضوء عليها إلا وهي: الجانب الأميركي، والجانب "الإسرائيلي"، والجانب الفلسطيني.
أما على الصعيد الأميركي فإننا نرى أن الإدارة الحالية بدأت بترحيل الملفات في السياسة الخارجية وبخاصة المهمة منها إلى الإدارة الجديدة، بل وجعلتها مفتوحة لبدء العمل بها مباشرة، ومن ضمن هذه الملفات الملف الفلسطيني. وما يفسر ذلك استصدار قرار في مجلس الأمن يؤيد (جهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين) وأيضاً اجتماع الرباعية في نيويورك يومي 15-16/12 /2008 وإصدار بيان يدعم عملية انابوليس.
وكان من تصريحات رايس أمام الرباعية "أن للولايات المتحدة مصلحة قومية في التوصل إلى معاهدة نهائية بين الفلسطينيين وإسرائيل".
وقد علق وليام كوانت أستاذ علم السياسة في جامعة فرجينيا "يبدو أن الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني من شأنه أن يساعد في دفع عجلة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط الكبير حيث أصبحت الولايات المتحدة منخرطة الآن أكثر من أي وقت مضى".
ومن المرجح أن تقوم الإدارة الأميركية الجديدة بممارسة ضغوطات على "إسرائيل" في هذا الصدد، ولعل تصريح مارتن أنديك، وهو السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" والمقرب أيضاً من وزيرة الخارجية المقبلة هيلاري كلينتون، يشير إلى ذلك حيث قال "أن على دولة إسرائيل ألا تتوقع الحصول على شيكات على بياض من واشنطن بعد أن يتسلم الرئيس المنتخب باراك اوباما مهام منصبه في كانون الثاني".
أما على الصعيد "الإسرائيلي" حيث الانتخابات في 10/2 القادم، فقد سبق أن أشارت استطلاعات الرأي إلى فوز حزب الليكود، وهذا طبيعي؛ لأن الشارع "الإسرائيلي" يميل إلى اليمين ولهذا السبب فإن الضغوط وجهوداً مختلفة ما تزال مستمرة للعمل على ترويضه وتدجينه.
و في الآونة الأخيرة لوحظ بأن الإعلام "الإسرائيلي" يلعب دوراً كبيراً في عملية ترويض الشارع "الإسرائيلي" وتوجيهه نحو حزب كديما، وبخاصة بعد الانتخابات الداخلية للأحزاب إذ بدأ الإعلام يتحدث أن حزب الليكود حزب "المتمردين" وحزب "اليمين المتطرف"، حتى أن المحلل آمنون ابرموفتش من القناة الثانية علق على قائمة الليكود أنها قائمة يمينية متطرفة، وأن أعضاءها من المكان 19 فما فوق ما كنتم لتدخلوهم إلى بيوتكم، وكذلك مثلاً حديث حاييم رامون في القناة العاشرة حول ضرورة تقسيم القدس، ولذلك ليس غريباً أن تُظهر الاستطلاعات يوم الجمعة 19/12 أن الانتخابات لو حصلت الآن فإن النتيجة ستكون 30 مقعداً لحزب كديما، و30 مقعداً لحزب الليكود، و كان اللافت للنظر انكماش حركة شاس حيث أعطتهم الاستطلاعات 9 مقاعد فقط.
هذا من جانب، أما الجانب الأخر فهي الرسائل التي ترسلها أميركا للتأثير على الناخب "الإسرائيلي" فعلى سبيل المثال:
فقد صرحت رايس أمام الرباعية بتاريخ 16/12/2008 أن من مصلحة "إسرائيل" في المدى الطويل أن توفر مجتمعاً أكثر أملاً للفلسطينيين، وقالت أيضاً: "أن وقت إنشاء دولة فلسطين قد حان منذ وقت طويل، ويجب أن تكون هناك نهاية للاحتلال الذي بدأ عام 67". ولقد رحب باراك أوباما وهيلاري كلينتون بهذه التصريحات، وكذلك الساسة في "إسرائيل" مثل أولمرت حيث حذر في تصريح له من أن أية حكومة "إسرائيلية" لا تتحلى بالمرونة والمبادرة السياسية والاستعداد للقيام بتنازلات وتسويات مؤلمة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين والسوريين سوف تجد نفسها معزولة في زاوية، وتجلب على نفسها انتقادات دولية قد تلحق ضرراً اقتصادياً وسياسياً بـ"إسرائيل".
صحيح أن اولمرت متهم بقضايا فساد، ولكن حديثه له تأثير على الشارع حيث أنه جلس على كرسي رئاسة الوزراء وأدرك ما تريده أميركا والعالم من "إسرائيل"، فتصريحاته لها وقع على الشارع "الإسرائيلي"، والراجح أن الانتخابات "الإسرائيلية" والتي تمثل تجاه الرأي العام في "إسرائيل" هي التي ستحدد مصير التقدم فيما يسمى بالعملية السلمية، أو اللجوء إلى ضغوطات أقوى، اقتصادية أو عسكرية، قد تفوق ما حصل سنة 2006م.
أما بالنسبة للتهدئة فمن المستبعد أن تقوم "إسرائيل" بعملية برية واسعة النطاق في غزة، فالشخصيات المركزية الثلاثة المعنية في هذا الشأن غير متحمسين لعملية عسكرية برية واسعة النطاق، وهم وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس المخابرات؛ ولذلك صرح المستشار العسكري لوزير الدفاع عاموس جلعاد "سبق إن رأينا ما حصل عندما دخلنا إلى لبنان في العام 1982 لطرد م.ت.ف فخلقنا حزب الله، إن احتلال القطاع سيلزمنا بإطعام مليون ونصف نسمة، ومن شأنه أن يضرم النار في العالم الإسلامي".
ونقلت صحيفة نيوزويك بتاريخ 3/12/2008 على لسان مسؤول سابق في المخابرات "الإسرائيلية" (الموساد) يوس الفر "أن إسرائيل بدأت تدرك أنها غير مجهزة بشكل جيد لإلحاق الهزيمة بالأعداء غير المتماثلين".
وبالعكس سيكون وضع غزة والتهديد القادم منها عصا تلوح لليمين في "إسرائيل" والشارع "الإسرائيلي" بضرورة الحل مع الفلسطينيين، وتهيئة الأوضاع لقبول إدخال قوات حلف الناتو إلى مناطق الضفة الغربية وغزة ضمن اتفاق فلسطيني "إسرائيلي". ولقد عنونت مجلة نيوزويك مقالها بتاريخ 3/12/2008 (تجاه نحو قبول فلسطين وإسرائيل لوجود دولي في المنطقة في إطار اتفاقية سلام) وتقول المجلة لقد أكد المستشاران الأميركيان السابقان للشؤون الأمنية سكوكروفت وبريجنسكي دعمهما في الآونة الأخيرة لهذه الفكرة وأيدها القائد السابق لقوات الناتو جيمس جونز الذي عينه الرئيس المنتخب باراك أوبانا مستشاراً أمنياً في فريقه، ولذلك طالب قريع بحماية دولية للشعب الفلسطيني بسبب اعتداءات المستوطنين. أما بالنسبة للمستوطنات والقدس فتهيئة الأوضاع على الأرض تسير على قدم وساق، وما تفجيرات القدس المتلاحقة، والصداع الذي يحدثه مستوطنوا الخليل في الضفة وتحجر عقلية المستوطنين إلا شواهد على ذلك.
على الصعيد الفلسطيني فان شوكة حماس أصبحت أقوى وجرى ترسيخ فكرة أن حماس يجب أن تكون شريكاً في الحل، و هذا من ضمن إستراتيجية أميركا لمنطقة الشرق الأوسط (إشراك الإسلاميين في الحكم) لقد أخذت حماس دعماً عربياً و دولياً من خلال إرسال السفن لكسر حصار غزة، ويقترب هذا ليكون بمنزلة اعتراف في حكم حماس لغزة في هذه المرحلة، ويشبه ذلك التقارب الأردني الحمساوي، الذي تمثل بلقاء رئيس جهاز المخابرات الأردنية محمد الذهبي في شهر آب/أغسطس مع ممثل حماس في الأردن، ومن المرجح ان تفتح قناة مفاوضات رسمية مع الإدارة الأميركية الجديدة، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة من خلال سورية أو الأردن، ومن المرجح أن يجري تأجيل الانتخابات في الجانب الفلسطيني بالتوافق بين غزة والسلطة حتى عام 2010 .
2_ أميركا والقرصنة البحرية في الصومال
بدأت حركة القرصنة المائية قبالة سواحل الصومال تتفشى منذ عام 1991، ثم انتقلت هذه الأعمال شيئا فشيئا من المياه الساحلية إلى أعالي البحار وعمق المحيط. والملاحظ أن عمليات القرصنة تنطلق من/ وتعود إلى المنطقة المحاذية لساحل إقليم "أرض البنط-بوت لاند" (PuntLand) خاصة وليس في كل الصومال، وبالتحديد في ميناء إيل الواقع قرب منطقة جبلية نائية. لقد حرضت أثيوبيا ومن ورائها أميركا بعض الزعماء في هذا الإقليم الذي كان يتزعمه عبد الله يوسف (الرئيس الحالي للصومال) ودعمتهم بالمال والسلاح لتحقيق مشروع انفصال أرض البنط عن الصومال الموحد في عام 1998 بعدما نجحت في تحقيق إنفصال "أرض الصومال -صومالي لاند" عن بقية الصومال عام 1991. وإلى اليوم تقوم أثيوبيا بتقديم الأسلحة وتدريب المليشيات ودفع رواتب ضباط الأمن في أرض البنط لتثبيت وضع الانفصال بدعم من المخابرات المركزية الأميركية التي تتخفى تحت ذريعة مقاومة الإرهاب.
لم تكن حركة القرصنة موجودة بهذا الشكل وبهذا المستوى خلال الثلاثين عاما من عمر الدولة الصومالية، بل حتى عندما سيطرت حركة المحاكم الإسلامية على السلطة في الفترة بين يونيو إلى كانون أول/ ديسمبر 2006، استطاعت القضاء نهائيا على القرصنة بما في ذلك في ميناء هرارديري (شمال شرق الصومال داخل جمهورية البنط) الذي يعتبرمن أبرز قواعد القراصنة الذين يهاجمون السفن التي تعبر المحيط الهندي قبالة السواحل الصومالية. وهذا يبرهن على أن وجود دولة مركزية أو سلطة تحظى بالسند الشعبي خير ضمان لحماية الاستقرار في الداخل والأمن في المياه الإقليمية للصومال. أما بعد انهيار الدولة الصومالية عام 1990 وسقوط نظام سياد بري فقد أصبحت الشواطئ الصومالية، وهي الأطول في سواحل إفريقيا بطول يبلغ ثلاثة آلاف وسبعمائة كيلومتر، مرتعا للشركات الغربية وعصابات الجريمة الدولية في رمي النفايات النووية والكيميائية والصناعية المحرمة دوليا ونهب الموارد البحرية خاصة منها السمكية للصومال. ووجدت بعض الجماعات المسلحة في التعرض لسفن الصيد والمراكب السياحية والتحرش بها صيدا ثمينا، فكانت تتلقى منها مبالغ طائلة تعتبر زهيدة بالنسبة لشركات الصيد التي كانت تكسب الملايين جراء الصيد بحرية في المياه الإقليمية الصومالية. وهكذا تبادل الطرفان المصالح بتراض تام ودون صخب أو ضجيج، وبعلم ودعم من الدول التي تقف وراءهما.
وبمرور الزمن تطورت القرصنة عبر اكتساب مهارات فنية عالية واستعمال زوارق مطاردة سريعة تحمل محركات حديثة وأسلحة وأجهزة تقص واستكشاف ووسائل اتصال متطورة، وأصبح مجال تحركها يتجاوز الشاطئ الصومالي ليمتد إلى أكثر من 200 كيلومتر في عمق المحيط الهندي. وتخصصت أعداد كبيرة من الأفراد في هذه التجارة المربحة، وبمباركة ضمنية من السلطة المحلية في أرض البنط التي تنصلت من أي مسؤولية تجاه هذه المشكلة الأمنية بحجة أنها لا تملك القدرة على التصدي لها، إلى أن وصلت أعداد السفن التي تعرضت للسطو والقرصنة إلى أرقام قياسية وبعمليات نوعية، حيث تمكن القراصنة الصوماليون من مهاجمة ما يفوق الـ60 سفينة في خليج عدن والمحيط الهندي منذ بداية عام 2008 حسب الأرقام الغربية الصادرة عن المكتب الدولي للملاحة البحرية. إلا أن ما يثير الريبة والتساؤل هو تجييش الحلف الأطلسي بزعامة أميركا بل وحتى روسيا مثل هذه القوات العسكرية بأساطيلها الضخمة لملاحقة بعض الأفراد المسلحين تسليحا خفيفا مهما وقع تضخيمه إعلاميا. وقد جاءت هذه التحركات الغربية تنفيذا لقرارين من مجلس الأمن الدولي. القرار الأول صدر في 2 حزيران/جون الماضي تحت رقم 1816 والذي أجاز السفن الحربية الأميركية والتابعة لقوات الحلف الأطلسي سلطة ملاحقة القراصنة داخل المياه الإقليمية الصومالية، في إطار تحرك يهدف إلى مكافحة عمليات القرصنة التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا قبالة القرن الأفريقي. أما القرار الثاني والصادر في شهر تشرين أول/أكتوبر تحت رقم 1838 فقد دعا مختلف الدول إلى "استخدام الوسائل الضرورية في عرض البحر وفى المجال الجوى قبالة الصومال بما ينسجم مع القانون الدولي من أجل قمع أعمال القرصنة"، التي تزايدت على السفن في الفترة الأخيرة.
وبناء على قرار مجلس الأمن الثاني تحركت فرنسا رئيسة الإتحاد الأوروبي حاليا، وعقد وزراء الدفاع في دول الإتحاد في أواخر شهر تشرين أول/أكتوبر اجتماعاً غير رسمي في بلدة دوفيل الفرنسية واتفقوا على إرسال أسطول يتألف من ثلاث سفن حربية وسفينة إمداد وثلاث طائرات رصد إلى السواحل الصومالية للعمل هناك بشكل دائم على أن يكون مقر قيادة العملية التي سيقودها الأميرال البريطاني فيليب جونز في لندن. وأطلق على هذه العملية اسم "عملية أتلانتا" التي ستقوم بعملياتها بالتنسيق مع قوات الناتو والولايات المتحدة والسفينة الحربية الروسية "ني أوستراشيمي". وبالفعل بدأت منذ 8/12/2008 رسميا قوة أوروبية تعرف باسم "يوناففور" تمخر مياه الصومال وخليج عدن، وقوامها ست بوارج وثلاث طائرات استطلاع. أما "مهامها فهو الحراسة والردع والحماية" في مياه مساحتها مليون كيلومتر مربع، كما صرح بذلك منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا.
والسؤال الآن هو: ما هي الدوافع الحقيقية لهذا الحضور الكثيف للقوات الدولية في المنطقة؟ والجواب على ذلك يكون كالتالي:
1 ـ تستغل أميركا قضية القرصنة للسيطرة على البحر الأحمر عبر التواجد العسكري في باب المندب وخليج عدن. وأما تفصيل ذلك فهو كما يلي:
ذكر رئيس تحالف تحرير الصومال ـ جناح أسمرا ـ عمر إيمان أبو بكر في مقابلة مع الجزيرة ضمن برنامج (لقاء اليوم) بتاريخ 18/11/2008 أن هذه القرصنة هي صناعة أميركية. كما اعتبر أن الولايات المتحدة هي التي تقوم بتدريب القراصنة بهدف اتخاذ ذلك ذريعة للسيطرة على السواحل الصومالية، ومن ثم استحلال أراضي الصومال. وأضاف أبو بكر أن عمليات القرصنة كانت موجودة في السابق، مؤكدا أنها اختفت بالفترة التي سيطرت فيها المحاكم الإسلامية على الأمور بالصومال.
إن التواجد العسكري المكثف والمتعدد الجنسيات في جنوب البحر الأحمر بحجة محاربة القرصنة هو مقدمة وذريعة لتبرير مشروع تدويل البحر الأحمر. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن ظاهرة القرصنة تزايدت ونمَـت في ظِـلّ تواجد عسكري أميركي كثيف في المنطقة طيلة الفترة الماضية، دون أن يؤدّي ذلك بالولايات المتحدة الأميركية لاستنفار قواتها ضدّ مثل هذه الأعمال، فإن الأرجح أن يظَـل هذا التواجد الأميركي في البحر الأحمر ـ تحت غطاء الشرعية الدولية ـ تواجُـدا دائما، لأنه مرتبط بمكافحة القرصنة التي ستبقى ما بقِـيت الفوضى في الصومال وفي ظل غياب دولة مركزية قوية.
قد تجد السلطات اليمنية في عمليات القرصنة مبرراتها أمام المعارضة الداخلية لتلبية المطالب المتكررة الأميركية وحتى الفرنسية بضرورة إنشاء نقاط مراقبة رادار بحرية في الجزر اليمنية، بدعوى محاربة الإرهاب إلى جانب القرصنة، خاصة منذ تفجير المدمرة الأميركية "أس أس كول" عام 2000 والهجوم على ناقلة النفط الفرنسية "لمبرج" عام 2003. وإذا تمكنت أميركا من تحقيق هذه المطالب في اليمن فإنها تكون قد أحكمت سيطرتها القريبة على منابع النفط وطرق المواصلات وتكون قد استعدت لشن أي حرب استباقية ضد قيام دولة الإسلام.
2 ـ إن أميركا هي التي أوعزت إلى أثيوبيا بدعم عمليتي إنفصال "جمهورية أرض الصومال" في الشمال الغربي و"جمهورية أرض البنط" في الشمال الشرقي. ومع ذلك فإن أميركا لا تجرؤ على الإعتراف بهذين الإقليمين بشكل مستقل عن بقية الصومال، إلا أن قضية القرصنة التي قد تفتح الباب أمام هذا الإعتراف الذي سوف يأتي أولا من دول المنطقة تحت مظلّـة عقد اجتماعات لدول البحر الأحمر وشرق إفريقيا، مثل مصر واليمن والسعودية وكينيا. أما أهمية هذا الإعتراف في شكل فيدرالي أو كونفيدرالي فتنبع من رغبة أميركا في الحصول على تسهيلات عسكرية في موانئ الإقليمين وفي إجراء عقود اقتصادية إمتيازية معهما، وفوق ذلك أن تتمكن أميركا من وراء هذا الإعتراف من تثبيت وجودها العسكري برا وبحرا في هذه المنطقة لتقم بحماية الائتلاف الوطني الذي استدرجت المحاكم الإسلامية/جناح جيبوتي بقيادة شيخ شريف شيخ أحمد لإنشائها بديلاً عن الحكومة الهزيلة المتهاوية، وبذلك تكون أميركا قد نجحت في اللعب بقيادات المحاكم وشق صفوفها بذريعة السلم الأهلي في الصومال واستقرار الأوضاع بعد إتفاق تقاسم السلطة الذي وقعته مع الحكومة الصومالية وبرعاية الأمم المتحدة في 26 تشرين أول/أكتوبر 2008. وما يدعم هذا الحضور العسكري الأميركي ويجعله أكيدا من وجهة نظر أميركا أن الإتفاق ينص على انسحاب تدريجي للقوات الإثيوبية بحلول 2009، كما أن حركة شباب المجاهدين وجناح أسمرا للمحاكم الإسلامية بقيادة حسن طاهر عويس وغيرهما قد رفضوا هذا الإتفاق وتوعدوا بمواصلة القتال حتى خروج المحتل وسقوط حكومته العميلة. مما سيستنزف قوى هذه الأطراف ويبرر حضوراً فاعلاً للمقاتلين من خارج الصومال بعد توجيه ضربات لهم في أفغانستان والباكستان وسيكون وجودهم مبرراً جديداً لتثبيت قواعد أميركية شرق قارة إفريقيا وبخاصة في منطقة القرن الإفريقي.
إن مباركة أميركا لإتفاق الحكومة الصومالية مع جناح شريف أحمد ينبع من رغبة صناع القرار السياسي الأميركي في تأمين إمدادات النفط عبر التواجد العسكري في المنطقة وفي نفس الوقت إدخال جزء من المحاكم الإسلامية في تركيبة الحكم الصومالي لإمتصاص الغضب الشعبي عبر إنسحاب مدروس للقوات الأثيوبية بعيدا عن مقديشو إلى بعض المواقع الإستراتيجية وعلى طول الحدود. وهكذا فبينما تتلهى المحاكم في لعبة الحكم وقتال معارضي الإتفاق من جناح أسمرا وحركة الشباب، تقوم أميركا بمعية القوات الدولية بتأمين عمليات نهب الموارد البحرية للصومال ودفن النفايات النووية وغيرها على طول السواحل الصومالية، وكذلك تأمين إمدادات النفط وطرق المواصلات حتى لا تضطر شركات النقل البحري إلى تغيير مسار سفنها من خليج عدن إلى رأس الرجاء الصالح لما في ذلك من زيادة تكاليف النقل وتأخير مدة تسليم الشحنات.
3_ أبعاد تفجيرات مومباى:
إن العملية التي وقعت في مومباى يوم الخميس 27 تشرين ثاني/نوفمبر هي عملية كبيرة جداً ومتقنة جدا سواء من حيث حجمها وما ترتب عليها من قتلى وجرحى أو من حيث منفذيها وما امتلكوه من خبرة لوجيستية ومعلومات إستخبارية. فهذه العملية ليست من عمل منظمة محلية أو إقليمية فضلا أن تكون منظمة مجهولة لم يسمع بها من قبل هي منظمة "مجاهدي الجنوب" التي ادعت في إعلانها عبر بريد إليكتروني أنها نفذت هذه الهجمات "دفاعا عن المسلمين أمام اضطهاد الهندوس لهم". وإذا أضفنا إلى هذا ما توارد من أنباء تحدثت عن "أن سفينة أنزلت هؤلاء الإرهابيين على شاطئ المدينة". يتضح لنا أن هذه العملية هي من صنع دول وليست من صنع أفراد أو منظمات.
والراجح أن الاستخبارات في أميركا والهند وباكستان هي التي تقف وراء هذه العملية التي وصفها الإعلام بأنها تشبه أو تفوق عمليات مدريد ولندن. أما الغرض من ذلك فهو وضع ملف قضية كشمير على الطاولة، ويؤيد ذلك تصريح أوباما بتاريخ 15/11/2008 في مقابلة أجرتها معه محطة MSNBC "أن إدارته سوف تعمل على حث الهند على حل نزاع كشمير مع الباكستان حتى تتمكن إسلام آباد من التفاوض مع الولايات المتحدة في أفغانستان" حيث يرى صناع القرار في أميركا أن بوابة العبور لحل قضايا جنوب آسيا تمر عبر حل قضية كشمير وستكون قضية كشمير ضمن القضايا التي ستحقق بها إدارة أوباما نجاحاً في قيادة العالم بدلاً من السيطرة عليه،ويرجح أنه سيتم التذرع بمكافحة ا"لإرهاب" لإنشاء قوة إقليمية في جنوب آسيا لتكون بديلا عن قوات الناتو المرفوضة في أفغانستان، وداعمة لحكومة وحدة وطنية تشارك فيها طالبان مما سيخرج المقاتلين غير الأفغان إلى الصومال واليمن أو أية مناطق أخرى تشعل أميركا فيها ناراً جديدةً. غير أن ذلك لا يعني أن أميركا ستخرج من أفغانستان نظراً لحاجتها لإبقاء قواعد لها قرب الحدود مع روسيا لحماية مصالحها التي جاءت من أجلها ابتداءً وبخاصة المصالح النفطية في حوض بحر قزوين، إضافة إلى تشكيل تهديد مستمر لاستقرار روسيا ضمن نطاقها الحيوي. ولتحقيق ذلك فقد تعهد أوباما في سباقه الرئاسي نحو البيت الأبيض أنه سوف يقوم بزيادة القوات العسكرية في أفغانستان، كما تعهد بضرورة حل النزاع بين الهند وباكستان. إلا أنه حتى تنجح أميركا في ذلك فلا بد لها من إقحام الهند بشكل علني ورسمي في حربها على الإسلام دون إثارة مشاعر المسلمين سواء داخل الهند أو في دول الجوار. فباكستان لا تستطيع أن تقوم بمهمة القضاء على الإسلام واستئصال شوكة المتعاطفين مع المقاتلين المسلمين في باكستان أو في أفغانستان بسبب ضعف الحكومة الباكستانية وتلوث سمعة الجيش وقوة الرأي العام الإسلامي فيها. ولذلك قامت أميركا ومعها الهند وباكستان بعملية مومباى لجلب التعاطف المحلي والإقليمي والدولي مع الهند ومن ثم إعطاء الهند المبررات لإعلان حربها على الإسلام والمسلمين بالتحالف مع باكستان وخلف أميركا.
ولذلك ليس غريبا أن يصرح الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري يوم السبت في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي ان ان-ايه بي ان" الهندية قائلا: "أيًا كان المسئولون عن هذا العمل البربري والوحشي بحق الشعب الهندي والهند فإنهم يسعون لإثارة رد فعل انتقامي". وأضاف: "علينا أن ننأى بأنفسنا عنهم ونتصرف معًا نحن وأنتم والمجتمع الدولي بحيث لا يكون هناك رد فعل مبالغ به". وفي الوقت نفسه حذر آصف زرداري من اعتبار هجمات مومباى مجرد مشكلة هندية باكستانية "سيأتي بنتيجة عكسية"، وقال: "هذا خطر عالمي ولذلك يترتب علينا مواجهته معُا".
أما التصعيد على الحدود بين الهند والباكستان فسيكون خادماً لكل ما سبق الحديث عنه.
25/ذي الحجة/1429هـ
23/12/2008م
نشرة دردشات سياسية من اصدار حزب التحرير
[/b]