المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نبذة عن الحالة السياسة لفرنسا وما تخطط له أمريكا لأوربا



muslem
05-10-2011, 08:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أجوبة أسئلة

نبذة عن الحالة السياسة لفرنسا وما تخطط له أمريكا لأوربا



إن فرنسا تدرك أنه ما لم يكن لها ثقل سياسي في أوروبا فإنه لن يكون لها وزن على الساحة الدولية حتى لو امتلكت السلاح النووي، لأن العالم قد تطور ولم يعد يفكر بعقلية القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، حيث أصبحت الأعمال السياسية وأساليب الدبلوماسية الغربية من صناعة عملاء وإيجاد مناطق نفوذ ومحميات ، أكثر فاعلية في العلاقات الدولية من الأعمال العسكرية . وقد حاول شيراك في بداية عهده الرئاسي البحث عن مكانة دولية مؤثرة لفرنسا من خلال استئنافه للتجارب النووية ، غير أنه لم يجن منها سوى سخط الرأي العام العالمي . فلم يعد لفرنسا همّ سوى المحافظة على ما تبقى لها من مصالح ونفوذ في دول غرب إفريقيا ، ومحاولة تخطي واقعها المحجم لإثبات وجودها وإعادة رسم موقعها على خارطة القوى الأوربية في المستقبل ، حتى يتسنى لها الحضور ولو شكليا في القضايا الدولية . وقد بلغت من الضعف حد الهلع من مجرد وصول بوتفليقة الحكم في الجزائر- والذي كان وراء استقدام الشركات النفطية الأمريكية لتحل محل الشركات الفرنسية في بداية السبعينيات عندما كان وزيرا للخارجية- ، وكذلك من ترشـح الحسن واتارا -العميل الأمريكي- للرئاسة في ساحل العاج ، حيث بذلت جهودا كبيرة حتى نجحت في إقصائه من الترشح . ومما زادها ضعفا ،



استيلاء مؤسسة المتقاعدين الأمريكية على الكثير من أسهم الشركات الفرنسية .

لقد قامت الولايات المتحدة بجملة أعمال لإضعاف فرنسا في أوروبا وتقزيمها على المستوى الدولي ، ومن أهم تلك الأعمال هو إعادة توحيد ألمانيا لتزاحم فرنسا على موقع القيادة في أوروبا ، فأوعزت لألمانيا بدفع تعويضات للمتضررين من العدوان النازي في الحرب العالمية الثانية للجم فرنسا عن مواصلة التذرع بماضي ألمانيا الدموي لإقصائها من التقدم نحو قيادة أوروبا ، لما لألمانيا من مؤهلات تمكنها من اقتعاد موقع القيادة للدول الأوروبية ، كقوتها الاقتصادية التي تعطيها ميزة على غيرها من باقي الدول الأوروبية في حجم الأصوات على القرارات الأوروبية ، ولما لم تجد فرنسا فكاكا من الزحف الألماني نحو قيادة أوروبا ، جنحت للسير معها في القضايا الأوروبية حتى لا تنفرد بقيادة أوروبا وحدها ، كما رأت بذلك عاملا إضافيا يغذي سياستها الإقصائية لبريطانيا في الشؤون الأوروبية ، فهي تقاوم سياسات كل من ألمانيا وبريطانيا الرامية لجر أوروبا للسير في فلك الولايات المتحدة ، ومما زاد الأمر تعقيدا لفرنسا ، وجعل طموحها لقيادة أوروبا يقترب من المستحيل ، هو ما تخطط له الولايات المتحدة من توسيع لأوروبا وحلف الناتو نحو الشرق ليشمل أوروبا الشرقية وروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا ، وهو ما سيؤثر سلبا على مكانة فرنسا في أوروبا ، وذلك بسبب ما سيحدثه توسيع الاتحاد الأوروبي من تغير في ميزان التصويت على القرارات الأوروبية ، خاصة عند انضمام دول ما يسـمى VISEGARD (بولندا ، التشيك ، سلوفاكيا…) للاتحاد الأوروبي ، كما أن ذلك سيجعل من روسيا خصما جديدا لفرنسا في أوروبا . ومن جـهة أخرى ، فإن توسيع الناتو نحو الشرق وإغراء أمريكا لروسيا بالاندماج في أوروبا عن طريق ربط اقتصاد روسيا بدول شمال ووسـط أوروبا ، ومساعدتها عن طريق ألمانيا ، يحقق لأمريكا هدفا على الجانب الروسي ، وهو إخضاع روسيا لمعايير الشراكة الأوروبية مما سيدخلها تحت الهيمنة الأمريكية ، كما يخدم أمريكا في تصفية الملف الأمني الأوروبي . وهذا ما دفع روسيا لرفض الدعوة الرسمية للمشاركة في لجان الدفاع المشترك التي استخدمها الناتو كوسيلة لاستدراج روسيا وإسقاطها في الفخ . وقد تنبهت فرنسا للمخطط الأمريكي مبكرا ، فحاولت أن تعرقل مشروع توسيع أوروبا وحلف الناتو ، كما حاولت التفاهم مع روسيا لمنع توسيع الناتو نحو الشرق باعتبار ذلك انتهاكا لدائرة النفوذ الروسي ، غير أنها فشلت أمام الإغراءات الأمريكية لروسيا ، وتأكدت من ذلك بموقف روسيا من أزمة كوسوفا ، مما جعلها تنقلب على روسيا ، وتنتهج سياسة التصعيد معها بهدف تهميشها عن أي دور مستقبلي في أوروبا . فقامت فرنسا بهجوم إعلامي مكثف وعنيف على الأعمال العسكرية الروسية في الشيشان ، مما جعل بوتين يتقدم بطلب رسمي لفرنسا للحد من مهاجمـة روسيا ، ورد عليه شيراك بطلب يقضي بقبول روسيا إرسال مراقبين دوليين إلى الشيشان ، مما حدا ببوتين لرفض الدعوة الرسمية لزيارة باريس ، وقيامه في شهر 6/2000 برحلة مكوكية للعواصم الأوروبية متجنبا العاصمة الفرنسية .


ومن جهته ، رفض شيراك في شهر 6/2000 اقتراح روسيا بتعديل اتفاقية الصواريخ العابرة للقارات ، وأعلن بأنه لن يكون لديه وقت لمقابلة بوتين في مؤتمر قمة الدول الصناعية الثمانية في اليابان ، كما رفض وزير المالية الفرنسي فابيوس أي اقتراح يقضي بإعفاء روسيا من ديونها لنادي باريس ، واستغلت فرنسا كذلك عدم وفاء الحكومة الروسية بسداد ديونها لشركة "نوجا" السويسرية ووظفتها بأعمال التصعيد ، حيث جمدت حسابات بنكية لما يقارب سبعين مؤسسة حكومية وخاصة روسية في البنوك الفرنسية ، من ضمنها حسابات السفارة الروسية وممثل روسيا في اليونسكو بباريس ، وقامت أيضا باحتجاز سفينة عسكرية روسية كرهن مقابل الديون المستحقة لشركة "نوجا" السويسرية . لقد قامت فرنسا بهذا التصعيد من أجل إيجاد مناخ سياسي ملائم في أوروبا يمكنها من تحويل التصعيد مع روسيا إلى جدول أعمال تُلزم الدول الأوروبية بمتابعته لتقودهم لتحقيق طموحها في تهميش روسيا عن لعب دور مستقبلي في أوروبا وإضعاف الدور الألماني المساند لروسيا .

غير أن الولايات المتحدة كانت قد اتخذت خطوات مسبقة بشأن الحد من دور فرنسا في السياسات الأوروبية ، حيث تمكنت من إيصال عملاء لها على رأس أهم المؤسسات الأوروبية ، فكانت قد أوصلت رومانو برودي رئيس وزراء إيطاليا الأسبق على رأس المفوضية الأوروبية ، والذي قام بإقصاء المسؤولين الفرنسيين عن أهم أربع أقسام تابعة للمفوضية الأوروبية وإتيانه بمسؤولين ألمان وآخر بريطاني ، كما أوصلت خافيير سولانا إلى منصب منسق السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي ، وهو من المعروفين بعلاقتهم وخدماتهم للمخابرات الأمريكية منذ أن كان يدرس في الولايات المتحدة ، وتجسسه على المحرضين ضد حرب أمريكا في فيتنام .

إن من الواضح أن الولايات المتحدة تعمل على صياغة شاملة للقارة الأوروبية على نحو تدرأ فيه خطر أوروبا من التأثير في الموقف الدولي في حال توحدها على الصعيد السياسي ، كما تطمح لتحويل السياسة الاقتصادية الأوروبية من تدخل الدولة في الأسواق إلى حرية السوق ، ليسهل عليها اقتحام الأسواق الأوروبية التي تعتبر أكبر سوق استهلاكية ذات قوة شرائية مرتفعة في العالم ، وقد أسندت لألمانيا الدعوة لذلك ، حيث صرح مؤخرا وزير المالية الألماني بضرورة التحول إلى السوق الحر وتقليص تدخل الدولة في الأسواق لمـواكبة العولمة . وهذا من شأنه أن يرفع الحماية عن الأسواق الأوروبية ويمكن أمريكا من السيطرة عليها . وقد كانت أزمة ارتفاع أسعار النفط عملا موجها ضد السياسة الضريبية في أوروبا بشكل أساسي ، حيث ظهر تواطؤ توني بلير رئيس وزراء بريطانيا بتأجيجه الرأي العام الأوروبي ضد السياسة الضريبية في أوروبا عندما أعلن عن رفضه لخفض الضرائب على المحروقات ، فإذا نجحت الولايات المتحدة بإحداث التغيير المطلوب في السياسة الاقتصادية الأوروبية فإنها ستتمكن من الاستيلاء على الأسواق الأوروبية ، خاصة على القطاعات التي تتفوق فيها أوروبا على الولايات المتحدة كقطاع الاتصالات ، ومن جهة أخرى فإنها ستضع الحكومات الأوروبية التي تعتمد ميزانياتها بشكل أساسي على الضرائب وعلى القطاعات التي تملكها الدولة أمام عجز مالي يصعب معه توظيف دبلوماسياتها الخارجية بشكل فاعل مما سيحد من نشاطها مقابل سياسات الولايات المتحدة على الصعيد الدولي .

لذلك فإن أمريكا لا ترى خطرا على مصالحها من الوحدة الأوروبية أو من وجود قوة عسكرية أوروبية مستقلة إلى جانب حلف الناتو ، فقد صرح وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية توماس بيكرينغ في خطاب له بجامعة فرجينيا بتاريخ 7/11/2000 قائلا : ( إن أوروبا الأقوى عسكريا ستخدم مصالحنا جميعا وستنسجم تماما مع دعم أمريكا الراسخ لتكامل أوروبا ، وقدرة أوروبا على القيام بعمليات لحفظ السلام تصب في مصالحنا القومية ) . غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ستستمر في عدم تمكين فرنسا من قيادة أوروبا .

10/12/2000

http://arabic.hizbuttahrir.org/index.php/europe/political-comments/208-france-eu