khilafa
21-08-2011, 04:28 PM
قصة المفاوضات السرية بين واشنطن و"طالبان"
بيار ابراموفيتشي
يناير / كانون الثاني 2002
يرى البعض ان مفاوضات بون الخاطفة بين مختلف الفصائل الأفغانية شكلت "معجزة" في نجاحها. ففي الواقع لم يتطلب الأمر وقتاً طويلاً كي يتوصل الفرقاء في 5 كانون الأول/دسمبر عام 2001 الى اتفاق حظي بمباركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة. لكن في الواقع ان هذا ليس من "المعجزة" بشيء. إذ لم يكن من الممكن، خصوصاً إذا ما أخذنا الظروف الطارئة مع 11 أيلول/سبتمبر، أن تجتمع كل هذه الفصائل المتصارعة حول طاولة واحدة وأن تتوصل الى اتفاق لو لم تكن قد التقت من قبل. وفي الواقع كانت المفاوضات دائرة منذ سنوات والمشاريع المزعومة المقترحة منذ 11 أيلول/سبتمبر قد جرت مناقشتها بالنسبة الى البعض منذ ما يزيد على ثلاث سنوات...
عندما انسحب السوفيات في 15 شباط/فبراير عام 1989 لم يعنِ هذا عودة السلام الى أفغانستان، غير أن الحقيقة أن الولايات المتحدة التي لم تخض الحرب الا بواسطة الأفغان المتواجهين، وعبر اجهزة المخابرات الباكستانية، دائرة المخابرات المشتركة، لم تعر المسألة اهتماماً في حينها. فبحسب السيد فنسنت كانيسترارو، الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية وفي مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة، ويؤيده في ذلك الجنرال الباكستاني حميد غول، الرئيس السابق للمخابرات الباكستانية والاصولي الراديكالي الذي وصف انسحاب الأميركيين بـ"الجريمة"، انه "عندما انسحب الجيش الأحمر بدا ان الاهداف الأميركية قد تحققت. فماذا فعلوا؟ عادوا الى ديارهم، وتركوا أفغانستان تتخبط في وضعها من دون أن يحققوا شيئاً مما كان عليهم فعله من أجل المساعدة في إعادة إعمار البلاد وإعادة الاستقرار. (...) وقد خلفوا وراءهم فراغاً هائلاً" [1] . ولهذا بالتالي جاء تدخل منظمة الأمم المتحدة، وهي لن تغيب بعدها أبداً عن الساحة الأفغانية.
وفي 28 نيسان/أبريل عام 1992 أعلنت باكستان رسمياً جمهورية اسلامية. وغداة ذلك كان أول الزوار الواصلين الى كابول رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وممن كان في صحبته رئيس هيئة اركانه، والأمير تركي الفيصل رئيس جهاز المخابرات السعودي والراعي العتيد للسيد أسامة بن لادن الذي كان لا يزال في السعودية بعد عودته من الحرب ضد السوفيات. وفي اليوم نفسه دخل القائد مسعود كابول ليبدأ معركة ستحوّل المدينة أطلالاً.
وفي 28 حزيران/يونيو عيّن برهان الدين رباني الاسلامي المعتدل (كان قد اسس في العام 1962 أول حزب اسلامي في افغانستان هو "الجمعية الاسلامية") رئيساً للحكومة، فاستمر القتال، تقطعه في بعض الأحيان اتفاقات الهدنة المعقودة (عموماً) في رعاية إيران أو باكستان او السعودية. وفي كانون الثاني/يناير عام 1994، حددت الأمم المتحدة، التي كانت قد عينت السيد محمود مستيري موفداً خاصاً الى أفغانستان، ثلاثة أهداف لها: الوجود بكل بساطة على الأرض وإقناع الدول العاملة في الخفاء على وقف تدخلاتها والعمل على اطلاق الرئيس السابق محمد نجيب الله الذي كان لجأ الى أحد مباني الأمم المتحدة [2] . كما ان المطلوب كان إعادة الاستقرار الى البلاد عبرعقد مجلس (شورى) وربما عبر إجراء انتخابات. لكن في العام 1995 باءت المهمة بالفشل، غير ان مكافحة التدخل الخارجي ستبقى الطلب الدائم للأمم المتحدة مع عقد مؤتمرات محلية من مختلف الانواع سعياً الى تحقيق السلام.
وفي الحقيقة، بعدما اتهمت الولايات المتحدة بالسماح بـ"سقوط افغانستان"، سارعت الى الاهتمام بها بفعل قربها من بحر قزوين المتوقع ان يكون الالدورادو الجديدة بالنسبة الى المشتقات النفطية. وفي حزيران/يونيو من العام 1990، اثارت شركة "شيفرون" منافسة حامية الوطيس بين الشركات البترولية التي جاءت من كل حدب وصوب، عندما امسكت وحدها بالاوضاع في قازاقستان التي كانت لا تزال في ظل الاتحاد السوفياتي. وقد بذلت الشركات الكبرى المعروفة بـ "السنيورز" هؤلاء قصارى جهدها لتشكيل مجموعة ضغط عبر استعانتها بمختلف أنواع المستشارين، ومنهم السيد ريتشارد تشيني، وزير الدفاع السابق في عهد السيد جورج بوش الأب ونائب الرئيس العتيد للسيد بوش الابن والاكثر نشاطاً على الارجح، والسيد زبيغنيو بريزينسكي، المستشار السابق للامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر ومستشار شركة "أموكو" والذي سيؤدي طويلاً دور المرشد للسيدة مادلين أولبرايت التي عيّنها الرئيس بيل كلينتون وزيرة للخارجية في العام 1997.
ومن جهته، وللاسباب نفسها، كان البنتاغون قد بدأ العمل للدخول الى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، فهي تشكل مناطق ذات احتياط نفطي كفيل ان يخفف في شكل ملموس من ارتهان الولايات المتحدة لدول الخليج في مجال الطاقة. وتحت ذريعة التحضير للتدخل "الانساني" (لايفهم ما المقصود به بالضبط) وقعت الولايات المتحدة، ابتداء من العام 1996 اتفاقات، سميت "لواء آسيا الوسطى" (سنتراسبات)، مع كل من أوزبكستان البلد الأقوى في المنطقة ثم مع قازاقستان وقرغيزستان. وقد نظمت هذه الدول الثلاث في العامين 1997 و1998 مناورات عسكرية مشتركة، كما ان جنوداً، وبالتحديد من الأوزبك، قد ذهبوا الى "فورت براغ" لتلقي التدريب في مركز إعداد القوات الخاصة الأميركية. ولأن الروس شعروا بالقلق من تطور هذا التعاون العسكري على مقربة منهم فقد أرسلوا في العام 1998 مراقبين الى هذه الدول.
وهناك شركتان تتنافسان على مشروع طموح لأنابيب النفط المفترض ان تعبر أفغانستان عبر تركمانستان وباكستان، و"هي الطريق الوحيدة الممكنة" بحسب ما أكد أمام مجلس النواب الأميركي السيد جون ج. ماريسكا، نائب الرئيس الدولي لشركة "يونوكال" التي تأتي في المرتبة الثانية عشرة بين الشركات الأميركية والتي تتنافس مع شركة "بريداس" الارجنتينية [3] . ونظراً الى حجم الاستثمار تطلب الأمر في آنٍ واحد موافقة رئيس تركمانستان، السيد سابامورات نيازوف، ورئيس وزراء باكستان، السيدة بنازير بوتو في حينها، وهذا ما تم بالفعل في 16 آذار/مارس عام 1995. وبعد حملة مكثفة من مجموعة الضغط نفذت بمبادرة من السلطات الأميركية وقع الرئيس التركماني في 21 تشرين الأول/أكتوبر، اتفاقاً مع شركة "يونوكال" [4] من أجل إنشاء خط أنابيب الغاز الأفغاني، وبعدها اكتسبت مسألة خط الأنابيب أهمية مركزية.
لكن كان من المفروض ايضاً تأمين الاستقرار في افغانستان، وهكذا وفيما الحرب على اشدها ظهر في كانون الثاني/يناير أول مقاتلي "طالبان" بأعداد كبيرة، وقد "شكلوا" من هنا وهناك على أيدي أجهزة المخابرات الباكستانية وربما موّلتهم وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمملكة السعودية، وحتى انه يقال إن شركة "يونوكال" وشريكتها السعودية "دلتا اويل" قد اضطلعتا بدور كبير في "شراء" القادة المحليين [5] ، وقد بدا ظاهرياً ان مهمتهم الوحيدة هي حماية أفغانستان.
في 26 أيلول/سبتمبر عام 1996 استولت "طالبان" على كابول. وفي هذا الاطار يذكر السيد مايكل بيردن، المسؤول السابق لوكالة المخابرات المركزية في افغانستان خلال الحرب مع السوفيات (وحالياً "الناطق" شبه الرسمي باسم وكالة المخابرات)، بنوعية التفكير التي سادت آنذاك بين الأميركيين: "هؤلاء الفتيان (اي "طالبان") لم يكونوا الأسوأ، هم شباب مندفعون قليلاً لكن هذا افضل من الحرب الأهلية، انهم الآن يسيطرون على المناطق الممتدة ما بين باكستان وحقول الغاز في تركمانستان. وربما ان هذه فكرة جيدة إذ سيكون في امكاننا أن نبني خط أنابيب عبر أفغانستان وإيصال الغاز ومصادر الطاقة الى الأسواق الجديدة التي ستفتح. وتالياً كان الجميع يشعرون بالارتياح" [6] .
هذا الدعم الذي قدمته شركة "يونوكال" الى "طالبان" لم يخفِه أبداً نائب رئيس الشركة السيد كريس تاغارت، الذي وصف تقدم الحركة بـ"التطور الايجابي". وإذ أكد ان تولي عناصر "طالبان" السلطة "كفيل انجاح مشروع" خط أنابيب الغاز، فقد رأى ان تعترف واشنطن بحركة "طالبان [7] ". وما هم إن كانت المعلومة مغلوطة، انه شهر العسل بين واشنطن و"طلاب المدارس الدينية"، فمن اجل الغاز والبترول كل شيء مقبول الى درجة أنه في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1997 دعت شركة "يونوكال" وفداً من حركة "طالبان" الى الولايات المتحدة وفي أوائل كانون الأول/ديسمبر فتحت الشركة مركزاً إعدادياً في جامعة أوماها في نبراسكا من اجل اطلاع 137 افغانيا على تقنيات انشاء أنابيب النفط.
لكن الوضع السياسي والعسكري لم يتحسن، وعلى كل حال، بدأ البعض في واشنطن يرون في دعم "طالبان" ومشروع انابيب الغاز خطأ سياسياً، وذاك بالتحديد كان موقف مساعد وزير الخارجية ستروب تالبوت الذي حذر في 21 تموز/يوليو عام 1997 من "ان المنطقة قد تتحول منبتاً للارهابيين وبؤرة للتطرف السياسي والديني ومسرحاً لحرب فعلية" [8] . ذاك ان عاملاً مهماً دخل على خط الأوضاع الداخلية في افغانستان وعلى العلاقات التي كانت تقيمها هذه مع بقية دول العالم، وهو وجود السيد اسامة بن لادن الوافد من السودان طلباً للملجأ. وفي 22 شباط/فبراير عام 1998 اطلق من افغانستان جبهة اسلامية دولية حظيت بدعم حركة "طالبان". وفي هذه المناسبة أصدر فتوى تنص على مهاجمة مصالح أميركا وأتباعها. ولدى زيارته كابول في 16 نيسان/ابريل عام 1998 اثار السيد وليم ريتشاردسون، المندوب الاميركي في الأمم المتحدة، موضوع ابن لادن مع مسؤولي "طالبان" الذين قللوا من أهمية الموضوع قائلين: "هو لا يملك السلطة الدينية كي يصدر فتوى وتالياً يجب الا يعتبر مشكلة بالنسبة اليكم."
لكن في 8 آب/أغسطس عام 1998 دمر انفجاران كبيران مبنيي السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي موقعين 224 قتيلاً بينهم 12 أميركياً. وقد ردت الولايات المتحدة باطلاق 70 صاروخاً جوياً على افغانستان، وهامشياً على السودان. وهكذا اصبح زعيم "القاعدة" عدوهم العلني الرقم واحد. وللغرابة، فقد انتظروا أكثر من ستة اشهر كي يصدروا مذكرة توقيف دولية في حقه، ذاك انهم، في عجزهم عن القبض عليه، كانوا يأملون في التفاوض مع "طالبان" لتسليم السيد اسامة بن لادن الى بلاد اخرى. كما انه كان من الضحايا "الجانبية" لاعتداءات آب/أغسطس مشروع أنابيب الغاز الأفغاني وقد صرحت "يونوكال" علناً بتخليها عنه.
وفي العام 1997 شكلت هيئة سميت "مجموعة 6 + 2" ضمت ستة بلدان مجاورة لأفغانستان (إيران وباكستان والصين وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان) إضافة الى روسيا والولايات المتحدة في إشراف الأمم المتحدة ومندوبها الخاص في افغانستان السيد الأخضر الابرهيمي، وهو الديبلوماسي الجزائري ذو الخبرة الكبيرة وقد تولى هذا المنصب في تموز/يوليو عام 1998. فبعد فشل المهمات السابقة على الصعيدين العسكري والسياسي، عادت المنظمة الدولية تضطلع بدور الفاعل الأساسي في المنطقة.
وخلال العام 1998 قامت مبادرات ديبلوماسية متعددة، وفي 12 آذار/مارس عام 1999 بدا أن موقف الولايات المتحدة، بعد إيران، قريب من موقف روسيا حول المسألة الأفغانية، وقد زار موسكو مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون آسيا السيد كارل اندرفورث، وبالطبع لم يكن موقفا الروس والأميركيين متباعدين جداً حتى بالنسبة الى الدور الذي يمكن إيكاله الى طهران. وقد صرح السيد إندرفورث قائلاً: "إن إيران هي بلد مجاور (لأفغانستان) ويمكن ان يساهم في وضع حدّ لهذا النزاع، ولذلك نتوقع ان تضطلع إيران بدور إيجابي على أن تعد مجموعة "6 +2 "البنية اللازمة." وقد اضاف: "إن الأمر مثير للسخرية فأفغانستان هي جزء من العالم حيث يمكن الروس والأميركيين أن يتعاونوا من اجل إيجاد حلّ" للمعارك، والحال ان الروس يشاركون في هذه المعارك بقوة عبر دعمهم المفتوح لتحالف الشمال! .
.../... يتبع
بيار ابراموفيتشي
يناير / كانون الثاني 2002
يرى البعض ان مفاوضات بون الخاطفة بين مختلف الفصائل الأفغانية شكلت "معجزة" في نجاحها. ففي الواقع لم يتطلب الأمر وقتاً طويلاً كي يتوصل الفرقاء في 5 كانون الأول/دسمبر عام 2001 الى اتفاق حظي بمباركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة. لكن في الواقع ان هذا ليس من "المعجزة" بشيء. إذ لم يكن من الممكن، خصوصاً إذا ما أخذنا الظروف الطارئة مع 11 أيلول/سبتمبر، أن تجتمع كل هذه الفصائل المتصارعة حول طاولة واحدة وأن تتوصل الى اتفاق لو لم تكن قد التقت من قبل. وفي الواقع كانت المفاوضات دائرة منذ سنوات والمشاريع المزعومة المقترحة منذ 11 أيلول/سبتمبر قد جرت مناقشتها بالنسبة الى البعض منذ ما يزيد على ثلاث سنوات...
عندما انسحب السوفيات في 15 شباط/فبراير عام 1989 لم يعنِ هذا عودة السلام الى أفغانستان، غير أن الحقيقة أن الولايات المتحدة التي لم تخض الحرب الا بواسطة الأفغان المتواجهين، وعبر اجهزة المخابرات الباكستانية، دائرة المخابرات المشتركة، لم تعر المسألة اهتماماً في حينها. فبحسب السيد فنسنت كانيسترارو، الموظف السابق في وكالة المخابرات المركزية وفي مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة، ويؤيده في ذلك الجنرال الباكستاني حميد غول، الرئيس السابق للمخابرات الباكستانية والاصولي الراديكالي الذي وصف انسحاب الأميركيين بـ"الجريمة"، انه "عندما انسحب الجيش الأحمر بدا ان الاهداف الأميركية قد تحققت. فماذا فعلوا؟ عادوا الى ديارهم، وتركوا أفغانستان تتخبط في وضعها من دون أن يحققوا شيئاً مما كان عليهم فعله من أجل المساعدة في إعادة إعمار البلاد وإعادة الاستقرار. (...) وقد خلفوا وراءهم فراغاً هائلاً" [1] . ولهذا بالتالي جاء تدخل منظمة الأمم المتحدة، وهي لن تغيب بعدها أبداً عن الساحة الأفغانية.
وفي 28 نيسان/أبريل عام 1992 أعلنت باكستان رسمياً جمهورية اسلامية. وغداة ذلك كان أول الزوار الواصلين الى كابول رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وممن كان في صحبته رئيس هيئة اركانه، والأمير تركي الفيصل رئيس جهاز المخابرات السعودي والراعي العتيد للسيد أسامة بن لادن الذي كان لا يزال في السعودية بعد عودته من الحرب ضد السوفيات. وفي اليوم نفسه دخل القائد مسعود كابول ليبدأ معركة ستحوّل المدينة أطلالاً.
وفي 28 حزيران/يونيو عيّن برهان الدين رباني الاسلامي المعتدل (كان قد اسس في العام 1962 أول حزب اسلامي في افغانستان هو "الجمعية الاسلامية") رئيساً للحكومة، فاستمر القتال، تقطعه في بعض الأحيان اتفاقات الهدنة المعقودة (عموماً) في رعاية إيران أو باكستان او السعودية. وفي كانون الثاني/يناير عام 1994، حددت الأمم المتحدة، التي كانت قد عينت السيد محمود مستيري موفداً خاصاً الى أفغانستان، ثلاثة أهداف لها: الوجود بكل بساطة على الأرض وإقناع الدول العاملة في الخفاء على وقف تدخلاتها والعمل على اطلاق الرئيس السابق محمد نجيب الله الذي كان لجأ الى أحد مباني الأمم المتحدة [2] . كما ان المطلوب كان إعادة الاستقرار الى البلاد عبرعقد مجلس (شورى) وربما عبر إجراء انتخابات. لكن في العام 1995 باءت المهمة بالفشل، غير ان مكافحة التدخل الخارجي ستبقى الطلب الدائم للأمم المتحدة مع عقد مؤتمرات محلية من مختلف الانواع سعياً الى تحقيق السلام.
وفي الحقيقة، بعدما اتهمت الولايات المتحدة بالسماح بـ"سقوط افغانستان"، سارعت الى الاهتمام بها بفعل قربها من بحر قزوين المتوقع ان يكون الالدورادو الجديدة بالنسبة الى المشتقات النفطية. وفي حزيران/يونيو من العام 1990، اثارت شركة "شيفرون" منافسة حامية الوطيس بين الشركات البترولية التي جاءت من كل حدب وصوب، عندما امسكت وحدها بالاوضاع في قازاقستان التي كانت لا تزال في ظل الاتحاد السوفياتي. وقد بذلت الشركات الكبرى المعروفة بـ "السنيورز" هؤلاء قصارى جهدها لتشكيل مجموعة ضغط عبر استعانتها بمختلف أنواع المستشارين، ومنهم السيد ريتشارد تشيني، وزير الدفاع السابق في عهد السيد جورج بوش الأب ونائب الرئيس العتيد للسيد بوش الابن والاكثر نشاطاً على الارجح، والسيد زبيغنيو بريزينسكي، المستشار السابق للامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر ومستشار شركة "أموكو" والذي سيؤدي طويلاً دور المرشد للسيدة مادلين أولبرايت التي عيّنها الرئيس بيل كلينتون وزيرة للخارجية في العام 1997.
ومن جهته، وللاسباب نفسها، كان البنتاغون قد بدأ العمل للدخول الى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، فهي تشكل مناطق ذات احتياط نفطي كفيل ان يخفف في شكل ملموس من ارتهان الولايات المتحدة لدول الخليج في مجال الطاقة. وتحت ذريعة التحضير للتدخل "الانساني" (لايفهم ما المقصود به بالضبط) وقعت الولايات المتحدة، ابتداء من العام 1996 اتفاقات، سميت "لواء آسيا الوسطى" (سنتراسبات)، مع كل من أوزبكستان البلد الأقوى في المنطقة ثم مع قازاقستان وقرغيزستان. وقد نظمت هذه الدول الثلاث في العامين 1997 و1998 مناورات عسكرية مشتركة، كما ان جنوداً، وبالتحديد من الأوزبك، قد ذهبوا الى "فورت براغ" لتلقي التدريب في مركز إعداد القوات الخاصة الأميركية. ولأن الروس شعروا بالقلق من تطور هذا التعاون العسكري على مقربة منهم فقد أرسلوا في العام 1998 مراقبين الى هذه الدول.
وهناك شركتان تتنافسان على مشروع طموح لأنابيب النفط المفترض ان تعبر أفغانستان عبر تركمانستان وباكستان، و"هي الطريق الوحيدة الممكنة" بحسب ما أكد أمام مجلس النواب الأميركي السيد جون ج. ماريسكا، نائب الرئيس الدولي لشركة "يونوكال" التي تأتي في المرتبة الثانية عشرة بين الشركات الأميركية والتي تتنافس مع شركة "بريداس" الارجنتينية [3] . ونظراً الى حجم الاستثمار تطلب الأمر في آنٍ واحد موافقة رئيس تركمانستان، السيد سابامورات نيازوف، ورئيس وزراء باكستان، السيدة بنازير بوتو في حينها، وهذا ما تم بالفعل في 16 آذار/مارس عام 1995. وبعد حملة مكثفة من مجموعة الضغط نفذت بمبادرة من السلطات الأميركية وقع الرئيس التركماني في 21 تشرين الأول/أكتوبر، اتفاقاً مع شركة "يونوكال" [4] من أجل إنشاء خط أنابيب الغاز الأفغاني، وبعدها اكتسبت مسألة خط الأنابيب أهمية مركزية.
لكن كان من المفروض ايضاً تأمين الاستقرار في افغانستان، وهكذا وفيما الحرب على اشدها ظهر في كانون الثاني/يناير أول مقاتلي "طالبان" بأعداد كبيرة، وقد "شكلوا" من هنا وهناك على أيدي أجهزة المخابرات الباكستانية وربما موّلتهم وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمملكة السعودية، وحتى انه يقال إن شركة "يونوكال" وشريكتها السعودية "دلتا اويل" قد اضطلعتا بدور كبير في "شراء" القادة المحليين [5] ، وقد بدا ظاهرياً ان مهمتهم الوحيدة هي حماية أفغانستان.
في 26 أيلول/سبتمبر عام 1996 استولت "طالبان" على كابول. وفي هذا الاطار يذكر السيد مايكل بيردن، المسؤول السابق لوكالة المخابرات المركزية في افغانستان خلال الحرب مع السوفيات (وحالياً "الناطق" شبه الرسمي باسم وكالة المخابرات)، بنوعية التفكير التي سادت آنذاك بين الأميركيين: "هؤلاء الفتيان (اي "طالبان") لم يكونوا الأسوأ، هم شباب مندفعون قليلاً لكن هذا افضل من الحرب الأهلية، انهم الآن يسيطرون على المناطق الممتدة ما بين باكستان وحقول الغاز في تركمانستان. وربما ان هذه فكرة جيدة إذ سيكون في امكاننا أن نبني خط أنابيب عبر أفغانستان وإيصال الغاز ومصادر الطاقة الى الأسواق الجديدة التي ستفتح. وتالياً كان الجميع يشعرون بالارتياح" [6] .
هذا الدعم الذي قدمته شركة "يونوكال" الى "طالبان" لم يخفِه أبداً نائب رئيس الشركة السيد كريس تاغارت، الذي وصف تقدم الحركة بـ"التطور الايجابي". وإذ أكد ان تولي عناصر "طالبان" السلطة "كفيل انجاح مشروع" خط أنابيب الغاز، فقد رأى ان تعترف واشنطن بحركة "طالبان [7] ". وما هم إن كانت المعلومة مغلوطة، انه شهر العسل بين واشنطن و"طلاب المدارس الدينية"، فمن اجل الغاز والبترول كل شيء مقبول الى درجة أنه في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1997 دعت شركة "يونوكال" وفداً من حركة "طالبان" الى الولايات المتحدة وفي أوائل كانون الأول/ديسمبر فتحت الشركة مركزاً إعدادياً في جامعة أوماها في نبراسكا من اجل اطلاع 137 افغانيا على تقنيات انشاء أنابيب النفط.
لكن الوضع السياسي والعسكري لم يتحسن، وعلى كل حال، بدأ البعض في واشنطن يرون في دعم "طالبان" ومشروع انابيب الغاز خطأ سياسياً، وذاك بالتحديد كان موقف مساعد وزير الخارجية ستروب تالبوت الذي حذر في 21 تموز/يوليو عام 1997 من "ان المنطقة قد تتحول منبتاً للارهابيين وبؤرة للتطرف السياسي والديني ومسرحاً لحرب فعلية" [8] . ذاك ان عاملاً مهماً دخل على خط الأوضاع الداخلية في افغانستان وعلى العلاقات التي كانت تقيمها هذه مع بقية دول العالم، وهو وجود السيد اسامة بن لادن الوافد من السودان طلباً للملجأ. وفي 22 شباط/فبراير عام 1998 اطلق من افغانستان جبهة اسلامية دولية حظيت بدعم حركة "طالبان". وفي هذه المناسبة أصدر فتوى تنص على مهاجمة مصالح أميركا وأتباعها. ولدى زيارته كابول في 16 نيسان/ابريل عام 1998 اثار السيد وليم ريتشاردسون، المندوب الاميركي في الأمم المتحدة، موضوع ابن لادن مع مسؤولي "طالبان" الذين قللوا من أهمية الموضوع قائلين: "هو لا يملك السلطة الدينية كي يصدر فتوى وتالياً يجب الا يعتبر مشكلة بالنسبة اليكم."
لكن في 8 آب/أغسطس عام 1998 دمر انفجاران كبيران مبنيي السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي موقعين 224 قتيلاً بينهم 12 أميركياً. وقد ردت الولايات المتحدة باطلاق 70 صاروخاً جوياً على افغانستان، وهامشياً على السودان. وهكذا اصبح زعيم "القاعدة" عدوهم العلني الرقم واحد. وللغرابة، فقد انتظروا أكثر من ستة اشهر كي يصدروا مذكرة توقيف دولية في حقه، ذاك انهم، في عجزهم عن القبض عليه، كانوا يأملون في التفاوض مع "طالبان" لتسليم السيد اسامة بن لادن الى بلاد اخرى. كما انه كان من الضحايا "الجانبية" لاعتداءات آب/أغسطس مشروع أنابيب الغاز الأفغاني وقد صرحت "يونوكال" علناً بتخليها عنه.
وفي العام 1997 شكلت هيئة سميت "مجموعة 6 + 2" ضمت ستة بلدان مجاورة لأفغانستان (إيران وباكستان والصين وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان) إضافة الى روسيا والولايات المتحدة في إشراف الأمم المتحدة ومندوبها الخاص في افغانستان السيد الأخضر الابرهيمي، وهو الديبلوماسي الجزائري ذو الخبرة الكبيرة وقد تولى هذا المنصب في تموز/يوليو عام 1998. فبعد فشل المهمات السابقة على الصعيدين العسكري والسياسي، عادت المنظمة الدولية تضطلع بدور الفاعل الأساسي في المنطقة.
وخلال العام 1998 قامت مبادرات ديبلوماسية متعددة، وفي 12 آذار/مارس عام 1999 بدا أن موقف الولايات المتحدة، بعد إيران، قريب من موقف روسيا حول المسألة الأفغانية، وقد زار موسكو مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون آسيا السيد كارل اندرفورث، وبالطبع لم يكن موقفا الروس والأميركيين متباعدين جداً حتى بالنسبة الى الدور الذي يمكن إيكاله الى طهران. وقد صرح السيد إندرفورث قائلاً: "إن إيران هي بلد مجاور (لأفغانستان) ويمكن ان يساهم في وضع حدّ لهذا النزاع، ولذلك نتوقع ان تضطلع إيران بدور إيجابي على أن تعد مجموعة "6 +2 "البنية اللازمة." وقد اضاف: "إن الأمر مثير للسخرية فأفغانستان هي جزء من العالم حيث يمكن الروس والأميركيين أن يتعاونوا من اجل إيجاد حلّ" للمعارك، والحال ان الروس يشاركون في هذه المعارك بقوة عبر دعمهم المفتوح لتحالف الشمال! .
.../... يتبع