المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في الولايات المتحدة، الصحافة والسلطة والمال أنجزوا انصهارهم



khilafa
21-08-2011, 03:38 PM
في الولايات المتحدة، الصحافة والسلطة والمال أنجزوا انصهارهم
عدم توازن في السلطة في ديمقراطية ضامرة

جون نيكولز

كشفت الفضيحة التي خلقتها تصرّفات مجموعة روبيرت مردوخ في بريطانيا الارتباطات المشينة بين الصحافة والشرطة والسياسة. في الولايات المتحدة، تمتلك مجموعة صاحب المليارات هذا محطات تلفازية عديدة، وقد ازداد دور المجمّع الإعلامي المالي في حياة المؤسسات، خاصة منذ أن قضت المحكمة العليا بإزالة الحدّ الأقصى لاستثمارات الشركات في الحملات الانتخابية.

سبوعان قبل الانتخابات النصفيّة في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2010، وكأنّما الساحر "دوز" يهتف متعجّباً "لا تنتبهوا إلى الرجل الواقف وراء الستارة"، حاول السيّد كارل روف، المخطّط السابق للسيّد جورج والكر بوش في البيت الأبيض وأحد أعضاء مجموعات الضغط، أن يخفي ما هو أساسيّ. ففي حين كان الرئيس أوباما قد اتّهم الجمهوريّين بأنّهم أفسدوا الانتخابات عبر إغراق مرشّحيهم بمئات الملايين من الدولارات، قدّمتها الشركات المتعدّدة الجنسيات وأصحاب المليارات المحافظين، صرّح المستشار السابق للصحافيين: "يبقى أوباما كلّياً خارج السياق، عندما يتحدّث بهذه الطريقة المهووسة عن غرفة التجارة وعن إد غيلسبي [1] وعنّي شخصيّاً. لقد بدّد الرئيس أحد الأسابيع الأربعة المخصّصة للحملة الانتخابية وهو لا يتكلّم إلا عن هذه الترّهة" [2].

وفي الواقع، تشكّل هذه الترّهة العنصر المحوري في الانتخابات النصفيّة الأكثر كلفةً في التاريخ الأميركي، والتي أتت بضربة موفّقة جدّاً لليمين [3]: وهي الإمساك بالحياة السياسيّة عبر زمرة مالية وإعلامية أكثر نفوذاً من أيّ حزبٍ أو مرشّح. ليس في الأمر فقط فصلٌ جديد من فصول الرواية التي لا تنتهي ما بين المال والسلطة، بل إعادة تحديد للسياسة نفسها عبر تضافر عاملين: أوّلاً عدم وضع سقفٍ لتبرّعات الشركات للانتخابات، وثانياً تمنُّع الصحافة عن النظر في خفايا الحملات الانتخابيّة.

ينتج عن ذلك نظام جديد، تحرّك فيه دائرة صغيرة من المستشارين مبالغ هائلة، لكي توجّه عملية التصويت لصالح زبائنها. وبات هذا "المركّب الانتخابي من مال-وإعلام" يشكّل قوّة تكاد لا تقهر، وخارجة عن أيّ شكلٍ من أشكال القوننة، متفلّتة من كلّ ملزمات الحيطة عبر صحافة مستسلمة، تردّد خطابها من دون هوادة محطّات تلفزة تجاريّة جمعت لحسابها في السنة الماضية ثلاثة مليارات دولار بفضل الدعايات السياسيّة. في العام 2010، وفي الدوائر الثلاث والخمسين الانتخابية، أغرق السيّد روف وجماعته المرشّحين الجمهوريّين بأموال "مستقلّة" تفوق بكثير تلك التي استفاد منها منافسوهم الديموقراطيّون؛ هكذا فاز المحافظون في إحدى وخمسين دائرة. وحوالي ثلاثة أرباع الفائزين الجمهوريين بمقعد للمجلس في تلك السنة، وبعضهم كان مجهولاً تماماً قبل أن تخرجه الدولارات من تحت الأرض، فازوا في دوائر كان فيها مال غرفة التجارة أو ذلك لـ"الأميركن كروسرود"، أي نادي السيّد روف، يتدفّق غزيراً.

دولار لكل صوت

تتعزّز السلطة السياسية للمال بقدر ما تنهار المقاومة التي تجلّت سابقاً بوجود صحافة مستقلّة ونقدية. ففيما مضى، كان إيقاع الحملة الانتخابية يصدر من صحافة تحاول، بشيءٍ من النجاح إلى حدٍّ ما، أن تنوّر خيارات الناخبين. أماّ اليوم، فإنّ الإعلانات الدعائية هي التي تضبط القياس الإيقاعي. وإذا كانت محطّات التلفزة تلعب دائماً دور قائد الأوركسترا، فإنّ عمليات التوزيع التي تؤدّيها مدفوعة ومؤلّفة من نخبٍ اقتصادية تسعى ليس فقط إلى توجيه نتائج الانتخابات، بل إلى تكييف حتّى شكل الحكومة وسياساتها. ومن شأن إهمال تكتّل المال والإعلام أو الأسوأ، تصوّر أن القوى التقدّمية يمكنها أن تفوز عليها، أن يزيد في الانتخابات الرئاسيّة في العام 2012 خطر تفاقم هذه الظاهرة التي تجلّت في الانتخابات النصفية.

الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في 21 كانون الثاني/يناير 2010 في القضية الخلافيّة بين الجمعيّة المحافظة "سيتيزن يونايتد" واللجنة الانتخابية الفدرالية fec لعبت دوراً أساسيّاً. فعندما أعطى القضاة الحقّ للمحافظين المطالبين بإذن لنشر فيلم ضدّ السيدة هيلاري كلينتون بذريعة "حرّية التعبير"، وذلك بأغلبية خمسة أصوات ضدّ أربعة، إنّما ضربوا صفحاً عن قانون عُمِل به على مدى قرنٍ من الزمن، كان يمنع حتّى الآن المجموعات الكبرى الخاصّة من استغلال مواردها لكي تضغط على موازين القوى. وبات بإمكان الأشخاص المعنويّين (الجمعيّات والنقابات والشركات الخاصّة، الخ) أن تستفيد من الحقّ نفسه للترويج لآرائها كما الأشخاص الفعليّون، وصار بإمكانها أن توظّف الوسائل التي تريدها لكي تنتج الأفلام والدعايات ذات الطابع السياسيّ وتنشرها.

وسرعان ما أثار قرار المحكمة العليا ردّات فعل كثيرة وحادّة. فقد رأى فيه السيّد أوباما "انتصاراً ساحقاً للشركات النفطيّة المتعدّدة الجنسيات ولمصارف وول ستريت وشركات التأمين الصحي الخاصّة وسائر مجموعات المصالح الخاصّة التي تحرّك يومياً، قواها في واشنطن لكي تسكت صوت الشعب الأميركي" [4]. وبحسب السيّد جون بونيفاز، مؤسّس "الهيئة الوطنية لحقوق الناخب"، فإن الإمكانية المعطاة للشركات المتعدّدة الجنسيّات لكي تستغلّ من دون حدود أموالها لنشر آرائها السياسيّة سوف يجعل منها هي "المالكة الفعلية لديموقراطيتنا".

وفي الواقع لم تتأخّر أوساط رجال الأعمال في الاستفادة من هذه الفسحة. ويعترف السيّد سكوت ريد، شيخ الاستشاريين الجمهوريّين المحنّك، بأنّ "القطاعات الأولى التي ستستثمر على أرض الملعب الانتخابي هي صناعات الخدمات الماليّة وصناعة الطاقة وصناعة التأمينات الخاصّة" [5]. فنادي اللوبي العائد إليه، وهو لجنة "الأمل والنمو والفرص"، ينفق عشرات ملايين الدولارات لكي يشتري الإعلانات التلفازية المعادية للنواب الديموقراطيين في الولايات الأساسيّة. وبحسب جمعية "ميديا ماترز أكشن نتوورك" (شبكة قضايا الإعلام)، فإن موازنة حرب ريد هذا لا تشكّل مع ذلك إلاّ ما يوازي "حبّة فستق" مقارنة مع مجمل التمويل الخاصّ: ففي تشرين الأوّل/أكتوبر 2010، وقبل شهرٍ من الموجة الانتخابية الجمهورية الكاسحة، كان هناك أكثر من ستين مجموعة ضغط، دفعت أربعة مليارات دولار لنشر مائة وخمسين ألف إعلانٍ دعائيّ، وتأمين إرسال عدد لا يحصى من الرسائل الالكترونية الدعائية إلى الناخبين. تجاوز هذا الفحش في الإمكانات نفقات الحملة التي تطلّبتها انتخابات العام 2004، والتي جرت خلالها الانتخابات الرئاسيّة إلى جانب الانتخابات التشريعيّة العادية (مجلسي النواب والشيوخ).

وقد سارع الديموقراطيّون من جهتهم للدخول في السباق، واقتطعوا أقصى ما يمكن من الأموال من الشركات المتعدّدة الجنسيّات. إلاّ أن اللعبة غير متكافئة إلى حدٍّ بعيد. فبحسب تقديرات "مركز وسائل الإعلام والديموقراطية" الذي يدرس علاقات التواطؤ بين عالم الأعمال والوسط الديموقراطي، أنّ المساهمات التي دفعتها مجموعات المصالح في العام 2010 قد بلغت على الأقل خمسة أضعاف تلك التي دفعت في الانتخابات السابقة، والمجموعات القريبة من الجمهوريّين قد جمعت ما قيمته سبع مرات أكثر مما جمعه منافسوهم المقرّبون من الديموقراطيين".

بشكلٍ ما، هذه القصّة قديمة بقدم الأمّة الأميركية نفسها. فمنذ أكثر من قرنين، كان جون جاي، أحد الآباء المؤسّسين للدستور، يبشّر قائلاً: "إن الذين يملكون البلد هم الذين يجب أن يحكموه" [6]. وقد واكبت تاريخ الولايات المتحدة معركة بناء نظامٍ سياسيّ قائم على مبدأ "شخص واحد، صوت واحد"، وليس "دولار واحد مقابل صوت واحد". وقبل الحرب العالمية الثانية، لاحظ القاضي لويس براندايس رئيس المحكمة العليا أنّه "في هذه البلاد يمكننا أن نحظى إما على الديموقراطية، وإما على ثراءٍ هائل مركّز في أيدي أقلية ضئيلة، لكن لا يمكننا أن نحظى على الاثنين معاً".

حكم الديموقراطيّة أم حكم الثروات المتنفّذة، ذاك هو الخيار. هكذا يشيد المركّب المالي-الإعلامي مشهداّ انتخابيّاً أكثر انغلاقاً مما شهده الأميركيون منذ نهاية القرن التاسع عشر [7]. وقد شخّص الخبراء حدوث "تراجعٍ في الحماس" في الانتخابات الأخيرة. وما المستغرب في ذلك؟ إذ أدرك المواطنون أن هباتهم الشخصيّة المتواضعة، وحتى بطاقاتهم الانتخابية، لا توازي كثيراً إزاء شلاّلٍ من أربعة مليارات دولار. وعلى كلّ، فإنّ الذين يمسكون بخيوط هذا النظام يستفيدون من استخفاف الناخبين وفتور همّتهم، فكلّما كان هناك إسراع في قلب صفحة المشاركة القصوى من جانب الشباب في انتخابات العام 2008 - 51 في المئة من عمر ممن دون الثلاثين شاركوا في الانتخابات (مقابل 49 في المئة في العام 2004 و40 في المئة في العام 2000) - كلّما كان وضعهم أفضل، إذ لا شيء يفيد أكثر عمليتهم الجارية لوضع اليد على الدولة من خمول الحياة المدنيّة.

المرشّحون الذين يرفضون الانصياع للمركّب الانتخابي الإعلامي-المالي يخاطرون بالهزيمة. هكذا لم يكن مفاجئاً أنّ المرشّحين الأكثر استقامة أو الأكثر محاربة علناً للفساد هم الذين خسروا انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر العام 2010، مثل السيناتور عن ويسكونسن راسل فاينغولد، وهو شخصية من الجناح التقدّمي في الحزب الديموقراطي، وطليعيّ في وضع قوانين تضبط الإنفاق الانتخابيّ، أو النائب عن ديلاورير مايك كاسل، وهو معتدل من الحزب الجمهوري وقد أقصي في الانتخابات التمهيدية مقابل بطلة حزب الشاي كريستين أودونيل. وليس متوقّعاً أن يكون الوضع أفضل السنة القادمة. فقد أعلن على الملأ السيد روبيت دانكن، رئيس جمعية "اميركان كروسرود": "لقد زرعنا علمنا، ونحن واثقون من أنّنا سنلعب دوراً رئيسياً في العام 2012 [8].

وتتمتع الشركات المتعدّدة الجنسية ومستشاروها بحليف حاسم هو صناعة التلفزة: التي شهدت في العام الماضي الموسم الانتخابي الأكثر إثماراً في تاريخها وذلك بفضل بقرتها الحلوب، أي الدعاية السياسيّة. وفي الواقع أنّ حوالي ثلثي المبالغ التي ابتُلعت في حملة العام 2010 قد صبّت في صناديقها. في تسعينات القرن الماضي، شكّلت إيرادات الدعايات السياسيّة 3 في المئة من المداخيل الدعائية للمحطّة التلفازية التجاريّة الواحدة؛ أما اليوم، فقد وصلت هذه النسبة إلى 20 في المئة. ويطيب لشركات الإعلان الاهتمام بذلك: فبحسب صحيفة لوس أنجلس تايمز ارتفعت تعرفة الدعاية لثلاثين ثانية من 000 2 دولار في العام 2008، إلى 000 5 دولار في العام 2010.

.../... يتبع

khilafa
21-08-2011, 03:44 PM
إجازة في الكذب

علماً أن جميع المحطّات التجارية تستفيد من رخصٍ مجانية تقدّمها الدولة مقابل الوعد "بخدمة المصلحة العامة"، مثل تنوير الناخبين في خياراتهم. إلاّ أنّ التغطية التلفازية للحملات الانتخابية لم تتوقّف عن التراجع في السنوات الثلاثين الماضية؛ فبحسب مركز "نورمان لير" التابع لجامعة كاليفورنيا الجنوبية، فإن ثلاثين دقيقة من البرامج المتلفزة في المرحلة الانتخابية تحوي من الدعاية السياسية أكثر مما تحويه الأخبار السياسية [9]. وكلمة "أخبار" تبدو كبيرة جدّاً أساساً، إذ إن الصحافيين باتوا أكثر فأكثر يكتفون بالتعليق على رسائل المرشّحين الدعائيّة...

وانحدار العمل الصحافي السياسي، ليس محصوراً بالتلفاز التجاري، بل أصاب أيضاً الصحافة المكتوبة. وباتت وسائل الإعلام المستقلّة في حالة احتضار [10]؛ فالصحف تغلق مكاتبها الواحدة تلو الأخرى، موقعة في البطالة عشرات الآلاف من الصحافيين وموظّفي الصحافة؛ فثلث الصحافيين المحترفين الأميركيين قد صُرفوا من الخدمة خلال السنوات العشر الأخيرة، ومنهم أحد عشر ألفاً في السنوات الثلاث الأخيرة فقط [11]. أما العناوين الصحافية التي ما تزال صامدة فلم تعد تملك الوسائل لتمويل شبكة مراسلين عبر البلاد، ولا حتّى أحياناً للاحتفاظ بمكتب في واشنطن. طبعاً تقدّم المواقع الإخباريّة الجديدة على الانترنت عملاً ثميناً، لكنّه لا يكفي لسدّ الفراغ، خصوصاً لعدم وجود نموذج اقتصادي يسمح لها بإطلاق تحقيقات جدّية.

وقد ترك هذا الانقلاب الذي يعصف بتمويل الحملات الانتخابية ومعالجتها إعلاميّاً أثراً مدمّراً على السياسة الأميركية عامّة. وإذا كانت نظريات كثيرة قد راجت لتفسير هزيمة الفريق التقدّمي في انتخابات العام 2010، فإنّها كلّها وللغرابة لم تعطِ أهمية كبيرة لانصهار المال ووسائل الإعلام في اللعبة الانتخابية.

إلاّ أنّ توضيح طريقة عمل هذا النظام هو ذو أهمّية حيوية، اللهم إلاّ إذا صار هناك تسليم بالفكرة القائلة بأنّ الديموقراطيين يمكنهم أن ينطلقوا مجدّداً إذا اكتشفوا في مكانٍ ما مانحين أسخياء بمقدار أصحاب المليارات أصدقاء السيّد روف. لكنّهم لن ينجحوا في كسب المركّب الإعلامي-المالي إلى جانب قضيتهم إلاّ بشق النفس، إذ إنّ أيّ برنامج تقدّمي فعلاً ليس له في الحقيقة أي حظٍّ في كسب السباق إلى الدولارات.

ولا يني السيّدان روف وريد مع حلفائهما - ومنهم رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري السيّد ميتش ماكونيل، ونظيره رئيس مجلس النواب السيد جون بوهنر - يردّدون أن المال يعود بالفائدة على الديموقراطية، وأن الإعلان "يثقّف الجمهور". هذه المكتشفات "الأورويليّة" (نسبة إلى الكاتب جورج أورويل) تستعيد الفكرة التي سادت سلسلة طويلة من الأحكام المحافظة للمحكمة العليا منذ قضية باكلي ضدّ فاليو في العام 1976 [12] إلى القرار الذي صدر في كانون الثاني/يناير العام 2010؛ وكلها رأت أنّه في أميركا يعتبر توظيف المال لأهداف سياسيّة شكلٌ من أشكال حرّية التعبير.

والنصائح التي تعطى للمرشّحين لا تتغيّر: أمّنوا الأموال ومزيداً من الأموال، ولا تأتوا أيّ شيءٍ أو تقولوا شيئاً يمكن أن يبرّد همّة المانحين. وقد ترك هذا المنظور بصماته على ما تبقّى من الصحافة، بشكل أنّها باتت تفضّل أن تتحدّث عن المال الذي يجمعه المرشّحون وأحزابهم ومجموعات مصالحهم - من في المقدّمة ومن تخلّف؟ - بدلاً من تفحّص محصّلة النواب والمرشّحين ودراسة برامجهم. وبما أن الإعلان بات المصدر الأوّل للأخبار السياسيّة، فإن النقاش العام يستند في أفضل الأحوال على أنصاف حقائق معزولة عن سياقها.

فمثلاً في إعلان يؤيّد السيّدة شانون أنجل، المرشّحة الجمهورية في نيفادا، تقف سيّدة أمام الكاميرا لكي توضح أن خصمها الديموقراطي، السيناتور المنتهية ولايته هاري ريد، "قد صوّت إلى جانب استعمال ضرائب المواطنين من أجل تغطية مصاريف الفياغرا والأشخاص الذين يضربون أولادهم ومجرمي الجنس". وفي إعلانٍ "صادق عليها" السيّد دايفد فيتر، المرشح الجمهوري لمنصب سيناتور في لويزيانا، تمّ اتّهام السيناتور المنتهية ولايته السيد شارل ميلانكون بتشجيع الهجرة غير الشرعية وبمنع الشرطة من توقيف المهاجرين السرّيين. وتأتي الصور لتعزّز الخطاب؛ فالسياج المركّب على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك مثقوب؛ وفوق الثقب كتابة بإضاءة متراقصة: "أدخل من هنا"؛ يتسلّل منه مكسيكيّون، وعند وصولهم إلى الأراضي الأميركيّة يُستقبلون بالموسيقى الصاخبة والألعاب الناريّة؛ ويسلّمهم أنصار السيّد ميلانكون شيكاً ضخماً لصالح "كلّ الأجانب السريّين"، وبمبلغ يساوي "قسماً كبيراً من الضرائب التي يدفعها المكلّفون". والطريف أنّه ليس للويزيانا أيّ حدودٍ مشتركة مع المكسيك.

وللإعلانات الانتخابيّة الحقّ في الكذب علناً بعكس الإعلانات التجاريّة. فقبل ثلاثين عاماً، عمد السيّد روبرت سبيرو، مدير الوكالة الإعلانية "أوجيلفي أند ماذرز" في حينه، إلى تبرير هذا الاستثناء متحدّثاً عن أنّ إرغام المرشّح على توفير نفس الشروط المطلوبة من بائعي الغسّالات يقضي على الإعلانات الانتخابيّة بأن تعتبرها لجنة التجارة الاتحادية احتيالية...
رفض "الحوارات" المتلفزة

الكثير من المرشّحين الذين اشتروا تواصلهم مع الجمهور، مثل السيّدة أنجل الجمهورية، رفضوا إبّان الحملة الانتخابية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تلبية دعوات الصحافة، أو إجراء حوار وجهٍ لوجه مع منافسهم. في حين كان هناك زمن كان المرشّحون فيه يعملون بشتّى الوسائل من أجل إجراء حوار مع المرشح المنتهية ولايته الذي يطمعون في مقعده. العكس هو الأمر من الآن وصاعداً؛ إذ صار المرشّحون المنتهية ولايتهم، مثل السيّد ألان غرايسون، هم الذين يركضون وراء منافسيهم المموّلين جيّداً. وعندما اقترح السيّد فاينغولد إجراء سلسلة من الحوارات العلنية مع منافسه الجمهوري المليونير رون جونسون، استهتر هذا الأخير بالدعوة، مع أنّه غير معروف من الجمهور ولا يتمتّع بأيّ خبرة سياسية، كما رفض الدعوات إلى إجراء مقابلات صحفية.

رأى السيّد جونسون أنه من باب الحذر أكثر أن يدع غرفة التجارة، و"شبكة العمل الأميركية" وسائر المنظّمات الذهبيّة الأطراف تتحدّث نيابة عنه، وذلك بإغراق الناخبين بالدعايات المعادية للسيناتور فاينغولد. وعندما وافق في النهاية على المشاركة في ندوة على التلفاز مقرّرة في ساعات الذروة، رفض الكثير من المحطات المحلّية بثّ اللقاء مباشرةً. وسوف يروي السيد إد غارفي، المرشح السابق الخاسر لمنصب حاكم ويسكونسن، أنه فتّش كثيراً دون جدوى على الكابل، علّه يقع على الحوار الذي طال انتظاره؛ وإذ لم يوفق في ذلك، اتّصل بمحطّة محلّية نصحته بأن يفتّش على الانترنت. وانتهى قائلاً: "أنا كمواطن، لم يكن لي أي خيار سوى متابعة الإعلانات. فالتلفاز لم يقدّم إلينا أيّة معلومة جديرة بهذا الاسم. في حين أعتقد أنّ من واجبه العمل للمصلحة العامّة".

يبيّن هذا المثال ما الذي يمكن أن يشكّل نقطة انطلاق للهجوم على المركّب المالي-الإعلامي: التركيز على مسؤولية وسائل الإعلام الكبرى وعلى المساهمين الذين يشرفون عليها. وبما أنّ حرّية الصحافة مضمونة في الدستور، بات على هيئات الرقابة أن تسهر على سلامة مصالح الجمهور. فعلى اللجنة الاتّحادية للاتّصالات (FCC) واللجنة الاتّحادية للانتخابات (FEC) أن تبيّن كم أُنفق من المال ومن أنفقه ولأية غاية، وأن تحدّد إذا ما كانت محطات التلفاز التي تكدّس الثروات عبر نشر الدعايات الانتخابية، تطبّق معايير المصلحة العامة المفترض بمالكيها أن يلتزموا بها.

وإذا ما قرّرت لجان التحقيق في مجلسَيْ الشيوخ والنواب إخضاع المركب المالي-الإعلامي لجلسات استماع عامة، فإن لدى السيد بيتي دوفازيو، النائب الديموقراطي، الكثير ليقوله على الأرجح. فهذا النائب الجريء لولاية أوريغون قد تعرّض في العام 2010 لحملة دعائية حقودة نظّمها خصمٌ مجهول ومجموعة ضغط لم يسمع بها أحد. وقد ردّ بهجومٍ مضادّ، إذ دعا فريق تصوير إلى زيارة المقرّ الفخم الذي كانت تقيم فيه هذه المجموعة في واشنطن. وقد عُلم عندها أن قائد الحملة لم يكن سوى شركة استثمار متخصّصة بالصناديق المضاربة hedge funds، لم يعجبها التزام هذا النائب الديموقراطي بمطالبة المضاربين في وول ستريت بكشف حساباتهم.

--------------------------

[1] السيّد إد غيلبسي، المستشار السابق للسيّد جورج والكر بوش، وهو أيضاً مؤسس إحدى مجموعات الضغط.

[2] Karl Rove, « I am no threat to democracy », The Wall Street Journal, New York, 14/10/2010.

[3] فاز الحزب الجمهوري بـ239 مقعداً من أصل 427 في مجلس النواب، أي بزيادة 61 نائباً عن نتيجته السابقة.

[4] راجع تصريح باراك أوباما:Barack Obama, Service de presse de la Maison Blanche, Washington, 21/1/2010.

[5] ورد في:Peter H. Stone, « Campaign cash : The independent fundraising gold rush since ‘‘Citizens United’’ ruling », Center for public integrity, Washington, octobre 2010.

[6] هو أحد شعاراته المفضّلة. أنظر:William Jay, Life of John Jay, J & J Harper, New York, 1833.

[7] اقرأ: Howard Zinn, « Au temps des ‘“barons voleurs’’ », Le Monde diplomatique, septembre 2002.

[8] Jim Rutenberg, « Conservative donor groups lay a base for 2012 elections », The New York Times, 31/10/2010.

[9] Martin Kaplan et Matthew Hale, « Local TV in the Los Angeles media market : are stations serving the public interest ? », Norman Lear Center et Univeristy of South California Annenberg School for Communications & Journalism, 11/3/2010.

[10] John Nichols et Robert W. McChesnay, « The Death and Life of Great American Newspapers », The Nation, New York, 6/4/2009.

[11] اقرأ: رودني بنسون: "خيانة في الهافينغتون بوست"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آيار/مايو 2011، http://www.mondiploar.com/article34...

[12] الحكم في قضيّة فاليو ضد باكلي، الذي أقرّته بالإجماع المحكمة العليا في 30/1/1976 ألغى سقف معظم الإنفاقات الانتخابية الذي كان الكونغرس ورئيس الولايات المتحدة قد حددّاها.

-------------------------
نشرت هذه المقالة المجلّة الأميركية:The Nation, New York, le 29/11/2010.
------------------------------

http://www.mondiploar.com/article3589.html