مشاهدة النسخة كاملة : ( الإسلام أيديولوجية الفقراء )
حبيبي محمد
24-06-2011, 11:49 AM
د0 محمد مورو
مقدمة فى
لاهوت التحرير الإسلامى
( الإسلام أيديولوجية الفقراء )
مركز يافا للدراسات والأبحاث
الإسلام أيديولوجية الفقراء
مقدمة فى (لاهوت) التحرير الإسلامى
د0 محمد مورو
آلة شيطانية ضخمة ، تروسها بشر ، تقتل الأطفال ، تمتص دماء البشر ، تعذب المرأة وتظلمها ، تجتث جذور اثقافات تنشر المذابح والتطهير العرقى ، وحروب الإبادة ، والطائفية والعنصرية ، الاستعمار ، النازية ، الفاشية ، العنف ، القهر ، تدمير القيم ، نهب ثروات الشعوب والأفراد بلا رحمة وبلا هوادة ، وفى كل يوم جديد يزداد جشع تلك الآلة الشيطانية حتى انها بدأت تأكل نفسها وتنفصل حتى عن اطارها الاجتماعى لتصبح هى ذاتها مستقلة عمن صنعوها وخطر عليهم أيضاً 0
هذه الآلة الشيطانية هى بالتحديد النتيجة الحتمية للصعود الغربى بدءاً من الكشوف الجغرافية والاستعمار وسباق الاعلام وانتهاء بالبورصات العالمية التى تعمل 24 ساعة فى الـ 24 ساعة والخبراء والحاسبات الضخمة والأقمار الصناعية والبث المباشر ، البنك الدولى والجات وصندوق النقد الدولى ومجلس الأمن وقوات حفظ السلام الدولية ! وأخيراً الشركات العابرة للقوميات والتى أصبحت ميزانية واحدة منها أكبر من ميزانية دول وهى مجتمعة ميزانيتها أكبر من ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، أنه عصر الفوضى واللاثقافة واللاحضارة 0
وضحايا هذه الآلة بالملايين ، بل ألوف الملايين ، شعوب كاملة ، أطفال ، نساء ،رجال ، حضارات ، ثقافات ، فقر ، جهل مرض ، مدن الصفيح وانسان بلا جذور ، تخريب بحت للهياكل الاقتصادية والاجتماعية ليحل محلها كومة ضخمة من الخردة وإناس بلا مستقبل بل بلا حاضر أيضاً 0
هل نقول أن هذه الآلة الشيطانية هى المنظومة الحضارية الغربية باعتبارها أن تلك المنظومة الحضارية الغربية هى التى أفرزت تلك الآلة الشيطانية 00 نعم 00 ولكن أيضاً لا لأن تلك الآلة أصبحت نفسها أكبر من تلك المنظومة واستقلت عنها 0
وليس هناك من حل بالطبع سوى تدمير هذه الآلة الشيطانية – الثورة – ثورة المحرومين والفقراء والمهمشين والمقهورين فى كل مكان ، ثورة تضم كل ضحايا هذه الآلة ، الأفارقة ، السود ، الشعوب المطحونة فى آسيا وأمريكا اللاتينية ، ضحايا تلك الآلة داخل الغرب نفسه كالمرأة مثلاً ، المرأة الغربية التى دفعت ثمن الشذوذ والإباحية وتعانى آلاماً مبرحة من مجتمع بلا قيم ولا ضمير 0
وعلينا الآن أن نحدد طبيعة هذه الآلة الشيطانية وكذا جذورها والمنظومة الاجتماعية التى أفرزتها ، وكذلك تطوراتها حتى وصلت إلى حالتها الراهنة البشعة 0
وإذا كان من المفيد أن نبدأ بشىء ، فهو المنظومة الاجتماعية والحضارية التى أفرزت تلك الآلة الشيطانية ، وهى المنظومة الحضارية الغربية التى أعطت تلك الآلة سماتها الثابتة والمتغيرة أيضاً ، والحضارة الغربية حضارة تقوم على الوثنية والعنف والقهر ، ولا يمكن فهم هذه الحضارة ولا ميكانيزمات عملها بعيد عن سمات العنف والقهر والوثنية ، الحضارة الغربية هى حضارة إغريقية هيلينية فى جوهرها ، أما المسيحية فلم تكن إلا قشرة خارجية لتلك الحضارة ، ذلك ان المسيحية تحولت الى دين اغريقى وثنى داخل الغرب ولم يتحول هذا الغرب الى المسيحية ، وعلينا أن ندرك فى هذا الصدد أن المسيحية دخلت الى الغرب عن طريق امبراطور آمن بها وفهمها على طريقته الاغريقية ثم فرضها على شعبه فرضا ، ثم تنبت ممالك هذه الديانة وأكرهت الآخرين على اعتناقها وإلا تعرضوا للذبح ، وليس التنصير الوحشى للساكسونيين على يد القديس يونيفاس إلا مجرد نموذج ينطبق على كل الحالات تقريباً، وهكذا تحولت المسيحية الى ديانة إغريقية ، وبدلاً من التسامح المسيحى ، أصبح العنف جزء أصيل من المسيحية الغربية 0
وحتى اليوم يتم تنصيب بابا روما وفقاً لقواعد البروتوكول الخاص بتنصيب كهنة المعابد الاغريقية ، أضف الى هذا أو قل نتيجة لهذا فإن الكاثوليكية لعبت دوراً هاماً فى عملية الاستعمار الغربى للعالم ، وكانت دائماً طليعة للاستعمار وباركت دائماً أو شاركت فى عملية قهر ونهب الشعوب الأخرى على يد الغرب فى المرحلة الاستعمارية حتى أن الاستعمار فى رموز كان عبارة عن عسكريين وتجار ومبشرين !
والبروتستانتينية ، لم تكن إلا تطوراً فى المسيحية الاغريقية واكب مرحلة أخرى من مراحل تطور آلة العنف والقهر الغربى ولم تكن اصلاحاً دينياً بل كانت وصفة عالمية للنجاح فى الأعمال التجارية ، ولم تكن عقلانيتها المزعومة الا نفعية حقيقية وباختصار كان الاقتصاد السياسى هو الديانة البروتستانتينية الجديدة ولا ننسى أن المسيحية الغربية التى أصبح العنف سمتها الرئيسية ارتبطت بالمذابح الدينية والحروب الطائفية ومحاكم التفتيش !
مع الصعود الغربى إبان ما يسمى بعهد النهضة الأوروبية ، تم بعث الثقافة الاغريقية والهيلينية ، وتم بعث الدول والفكرة القومية وظهرت البروتستانتينية لتلائم قيم العقلانية والتنوير والنفعية وأصبحت ديانة جوهرها الاقتصاد السياسى وبدأت مرحلة الاستعمار ، أو ما يسمى بسباق الاعلام حيث تسابقت الدول الأوروبية على استعمار العالم ، ومن خلال إبادة شعوب أمريكا وأستراليا ، ومن خلال نهب ثروات تلك القارات المكتشفة وكذا نهب ثروات الشعوب فى آسيا وأفريقيا ، ثم استرقاق سواعد السود لبناء القاعدة الانتاجية للغرب ، ومن هذا
حبيبي محمد
24-06-2011, 11:50 AM
التراكم للثروات المنهوبة واستخدم الرقيق تراكمت الأموال ، وظهرت بنوك لتمويل عمليات الاسترقاق أو التجارة خلف البحار وظهرت الثورة الصناعية أو التقدم الصناعى الغربى والرأسمالية التى أصبحت منذ تلك اللحظة سمة رئيسية من سمات الآلة الشيطانية ، من سمات الغرب والحضارة الغربية ، ويجب أيضاً أن نضع فى اعتبارنا أن الرأسمالية أيضاً أصبحت أداة قاسية واحدة فى المزيد من الاستعمار وفتح الأسواق والنهب والقهر وتطوير الأداة العسكرية للغرب ومع عام 1914 كان معظم العالم خاضعاً للاستعمار الأوروبى ، ولكن كان من الطبيعى أن الآلة الشيطانية لا تكف عن العنف فبعد أن مارست هذا العنف والنهب على العالم بأسره مارسته أيضاً مع نفسها ، فكانت الحرب العالمية الأولى والثانية 0
واستطاعت الآلة الغربية الشيطانية أن تطور نفسها ، فكانت مرحلة ما يسمى بتصفية الاستعمار ، أو قل مهزلة تصفية الاستعمار ذلك انه لم يكن أكثر من تطوير للوسائل فى عملية النهب والقهر الغربية المستمرة 0
ويعبر المفكر الفرنسى ك موريل عن ذلك قائلاً : " ان أروع ما حققه الاستعمار هو مهزلة تصفية الاستعمار ، لقد انتقل الرجل الأبيض الى الكواليس ، لكنه لايزال مخرج الغرض المسرحى " 0
وبدلاً من العسكر والتجار والمبشرين ، أصبحت هناك حكومات وطنية تقوم بمهمة القهر نيابة عن عسكر الغرب وتقوم أيضاً بالوكالة فى تسهيل عملية النهب ، أصبح هناك جيش وطنى وشرطة وطنية مهمتها الوحيدة القمع والقهر ، وأصبح هناك وكلاء تجاريون يمررون عملية النهب ، وأصبح هناك مثقفون مغتربون يساهمون فى اجتثاث جذور الثقافة الوطنية وترويض الانسان المحل وتنويمه دائماً 0
تطورت آلة النهب والقهر ، فأصبحت عبارة عن خبراء وبورصات عالمية تعمل ليلاً ونهاراً، أقمار صناعية ومحطات بث مستمرة لاجتثاث الثقافات ، مجلس أمن وقبعات زرقاء شركات عابرة للجنسيات ، شعارات ومبادىء تسهل عملية النهب وتزيده قوة مثل حرية التجارة ، حقوق الانسان ، التنمية التصنيع ، التنيور 00 الخ 0
والأمر الآن أشبه بمركز كبير للنهب تمتد منه شبكة ضخمة من الأنابيب الى كل مكان على وجه الأرض ، انه وحش مفترس يمد خراطيمه فى كل اتجاه يمتص دماء الآخرين ويتغذى على خلاياهم العصبية ويحولهم الى حالة غير مسبوقة من البؤس ، وهناك آلات رفع ضخمة تساهم فى سرعة تدفق الثروات المنهوبة مثل البنك الدولى ، صندوق النقد الدولى ، البورصات ، حرية التجارة ، المؤتمرات العالمية فى مجلس الأمن 00 الخ ، وحتى القروض والمنح التى تمنح للمنهوبين من وقت لآخر ليست الا وسيلة لتنظيف أنابيب النهب وزيادة كفاءتها والمزيد من بناء وتشييد محطات لرفع الثروات المنهوبة والقضاء على أية نتوءات اقتصادية أو ثقافية أو هياكل اجتماعية تعرقل أو تبطىء عملية النهب 0
وفى كل يوم يزداد الوحش جشعاً ويزيد جوعة ، وفى كل يوم تتطور الآلة ، آلة النهب والقهر الوحشية وتزداد شراهة ويزداد الضحايا كما ونوعا بالتالى ، وآخر التطورات فى هذا الصدد هو الشركات العابرة للجنسيات ، وبدلاً من ان تقوم بعملية دول قومية هولندا ثم انجلترا ثم الولايات المتحدة مثلاً ، أصبحت الفكرة القومية وسيادة الدول ذاتها فى مهب الريح ، وإذا كانت تلك الشركات العابرة للجنسية اليوم يمثل رأس مال احداها أكبر من ميزانية دولة ، وتمثل ميزانيتها مجتمعة أكبر من ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها فإن الأمر مرشح للاتساع فى هذا الاتجاه ، وهكذا فنحن أمام تطور جديد لشكل وطبيعة النهب سيؤدى بالضرورة الى قيام علاقات جديدة واقتصاد سياسى جديد ، ومزيد من الضحايا الذى لن يفلت منه هذه المرة حتى الغرب ذاته ، فالأمر أصبح أكبر من الدول القومية وحتى من قارة بأكملها00 ان الوحش أصبح غير خاضع لأحد ولم يعد له مروضون أو مسيطرون 00 أنه المزيد من البؤس 00 والفوضى والجنون أيضاً 0
إن أحد علامات هذه الفوضى هو تنميط الانسان وفقاً لثقافة واحدة ، وإذا كان الغزو الثقافى والبث المباشر وغير المباشر وسيطرة الغرب على وسائل مهيمنة لنشر ثقافة معينة كان بهدف اجتثاث جذور الثقافات الاخرى وتحويل الانسان من خاضع بالقوة للنهب الى مدمن لهذا النهب بمعنى أن يسعى هو نفسه الى الوحش مصاص الدماء ويطلب منه ويلح ان يمص دمه فإن الأمر حتى سوف يفوق هذا التصور الى عالم بلا ثقافة ولا حضارة على الاطلاق أو نهاية العالم 00 ولكن ينبغى أن يكون نهاية الغرب وحده وليس نهاية العالم وهذا يقتضى الثورة لتحطيم الآلة الشيطانية 0
على أى حال يجب أن نفكر فى معنى العالمية ، الثقافة العالمية وأن نفكر فيما يروجون له من قيم حضارية واحدة وغيرها ، وأن نديم التأمل فى معنى أن مراكز البث الاعلام الغربى تسيطر على صناعة الأخبار والمعلومات والفنون وبالتالى المشاهد والأذواق والأوامر فى اطار انه تغريب للعالم بالقوة بهدف قتل واقتلاع جذور الثقافات الاخرى ، وأيضاً هو فى النهاية معاداة لكل ثقافة ، لأنه فى عالم ذو ثقافة واحدة فإنه لا ثقافة على الاطلاق ! أنه عصر القرود والكائنات المنحطة 0
سنبحث الآن عن الضحايا من جهة 00 والمستفيدين من جهة من آلة القهر والنهب الشيطانية مع الأخذ فى الاعتبار ان الضحايا يزدادون دائماً كماً ونوعاً ، وأن المستفيدين يقلون باستمرار لأن الآلة الشيطانية تزداد شراهة بمتوالية هندسية ، وسنبحث عن الحل أيضاً 00 سنبحث عن العدل المفقود وهو بحث الانسان الدائم 0
حبيبي محمد
24-06-2011, 11:51 AM
وسنبدأ بسؤال ساذج وهو هل يمكن إقناع المستفيدين بالكف ، عن النهب والقهر ، هل يمكن إيقاف عمل الآلة الشيطانية عن طريق الإقناع ، أى هل يمكن تحقيق عدل شامل أو حتى جزئى عن الطريق السلمى ، والاجابة الوحيدة هى لا 00 لأن طبيعة الآلة وجوهرها عدوانى ، قهرى ، نهبى ، ومن العبث طبعاً إقناع الوحش بالكف عن امتصاص الدماء 0
إذن لا طريق إلا الثورة ، ولكن ما هى أيديولوجية تلك الثورة والى أى جذر اجتماعى وثقافى تستند ، ومن هم جنودها ؟! وهذا سؤال سوف نجيب عليه بعد فرز المعسكران ، معسكر الاستكبار ، وكهنة الآلة الشيطانية ومعسكر الضحايا وبالتالى جنود الثورة 0
وسنبدأ فى دراسة معسكر الاستكبار والمستفيدين ، وسوف نستطرد قليلاً باتجاه الماضى 00 فى بداية الاستعمار كان من الممكن أن نجد فى المستفيدين دول قومية ، أو حتى طبقات اجتماعية فقط داخل هذه الدول الاستعمارية التجار ، البرجوازية ، الصناعية ، العسكر ، المبشرين 00 أما الآن ومع التطور الهائل للآلة الشيطانية مع الشركات العابرة للجنسيات ومع ازدياد شراهة آلة النهب والقهر لم يعد هناك سوى كبار رجال المال وأصحاب الشركات العابرة للجنسيات والجنرالات الكبار وأصحاب البنوك الكبرى وشبكات البث ، وعلى مستوى أقل الخبراء ، المثقفين المغتربين الذين يبيعون كلماتهم لقاء شىء من دماء الفريسة والمرتبطين بالترويج للآلة الشيطانية ، الوكلاء التجاريون والحكام المحليون فى العالم المستضعف الذين يشاركون فى ذبح شعوبهم ونهبهم لقاء ثمن كبير أو صغير 0
أما معسكر الضحايا فهم كل الشعوب المقهورة والمنهوبة فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهم أيضاً المرأة فى الغرب التى حولتها الآلة الى سلعة تجارية والتى اتعسها السياق الاجتماعى الغربى الذى يسمح بالشذوذ ، فمثلاً لو كان هناك 30% من هذه المجتمعات شواذ وهؤلاء يستهلكون مثلهم فى أشباع شذوذهم ، فماذا يبقى للمرأة الغربية سوى العنوسة والحرمان ، ثم لماذا تتحمل المرأة مثلاً عبء الجنين غير الشرعى وحدها وحتى لو كان هناك حديث عن إجهاض آمن 00 ليس هناك طبعاً إجهاض آمن لأنها عملية جراحية فى النهاية لها آثارها الصحية مهما كانت الوسائل الصحية متقدمة ، أليس هذا دليل على الظلم الواقع على المرأة ، لماذا لا تحتفظ بجنينها ويتحمل الرجل معها أعباء ولادته وتربيته بدلاً من اجهاضه وقتله ، المرأة إذن فى الغرب ضمن معسكر الضحايا وضمن جنود الثورة بالتالى والطبقة العاملة الغربية وصغار الموظفين والعاطلين أيضاً والأطفال اللقطاء كل هؤلاء جنود فى الثورة لأنهم ضحايا واذا كان الغرب فى مرحلة تاريخية من تطور آلة النهب والقهر قد نجح فى رشوة البروليتاريا وتحييدها بالتالى عن طريق شىء من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية فإن استمرار تطور الآلة وبالتالى زيادة جشعها ونهمها اللانهائى سيجعل من المستحيل استمرار تقديم هذه الرشوة وبالتالى فإن هؤلاء الآن أو غداً سيجدون أنفسهم فى معسكر الثورة ويجب الأخذ فى الاعتبار هنا تزايد معدلات البطالة والتخلص من العمالة باستمرار فى الغرب ، وهذا أمر مرشح للاتساع والتفاقم 0
بقى علينا أن نبحث فى أيديولوجية تلك الثورة ، وينبغى فى البدء أن نقرر حقيقة لا يمكن الشك فيها من منظور فلسفى ومن منظور واقعى وتجريبى أيضاً ، ذلك أن أيديولوجية أى ثورة لا يمكن ان تكون مستمدة من نفس الأرضية الاجتماعية والفلسفية بل والمعرفية التى نشأت الأوضاع التى سوف نثور عليها ، ولعل هذا بالتحديد كان السبب فى فشل تجربتين ثوريتان هما الثورة الاشتراكية الماركسية ، ولاهوت التحرير المسيحى فى أمريكا اللاتينية، ولاشك الآن ومن منطلق تجريبى ومعرفى ان ثورة تستند فى أساسها الايديولوجى والثقافى على ثقافة أفرزت الحالة التى ينبغى الثورة عليها هى ثورة زائفة ، بل هى تكريس وتقوية للأوضاع التى يجب الثورة عليها ، لابد إذن ان تكون الأيديولوجية الثورية نابعة من سياق ثقافى مخالف بل وعدائى للأرضية الفلسفية والثقافية التى أفرزت الحالة والظاهرة التى تستهدف الثورة الاطاحة بها 0
فالماركسية مثلاً نشت من قلب الفلسفة الأوروبية ، وبالتحديد الألمانية ، واستندت فى تحليلها الاقتصادى والتاريخى على علوم الاقتصاد السياسى وعلم التاريخى الغربى والأوروبى بالتحديد ، ولذلك فشلت وما كان لها إلا أن تفشل بل ان فشلها الطبيعى كان دليلاً جديداً على فساد المنظومة الحضارية الغربية برمتها 0
يقول المفكر الفرنسى سيرج لاتوش فى كتابه تغريب العالم : " ان الاشتراكية كما تحققت فى الواقع ليست سوى شكل خاص مختلف من النظم الرأسمالية والمجتمعات الغربية ، فنحن نلقى بكل تأكيد التصنيع مع التمدين وتحويل الجماهير إلى بروليتاريا لكن بوجه خاص عبادة الإلة والتقنية والعلم والتقدم واستئناف مشروع الحداثة المتمثل فى قهر الطبيعة 00 انها نفس ميكانيزمات الرأسمالية 0
ويقول : " الرأسمالية مجرد آلية – طبيعية عند الليبراليين ، اصطناعية عند الاشتراكيين ، وبالتالى فالرأسمالية هى الليبرالية والاشتراكية معاً وهى مظهر من مظاهر الخصوصية الغربية للغرب " ويضيف " ان النموذج السوفيتى مثل شكلاً مختلفاً للمشروع الغربى أكثر مما مثل بديلاً حقيقياً له " 0
ويقول المفكر الانجليزى أرنولد توينبى " ان المنافسة بين الاتحاد السوفيتى – السابق – والولايات المتحدة الأمريكية على زعامة العالم وبين الشيوعية والمذهب الحر بالتالى على اجتذاب ولاء البشرية هو موضوع نزاع عائلى داخل أسرة المجتمع الغربى " 0
ولنفس الأسباب كان من الطبيعى ان تفشل أيضاً مسألة لاهوت التحرير المسيحى فى أمريكا اللاتينية وأن تكون ثورة زائفة أيضاً ، لأن جذورها الثورى نبع أيضاً من نفس المنظومة
حبيبي محمد
24-06-2011, 11:51 AM
الحضارية الغربية من نفس الوضع الاجتماعى الذى كان ينبغى الثورة عليه ، فلاهوت التحرير المسيحى فى أمريكا اللاتينية ينبع من الكاثوليكية وهى مسيحية غربية وجزء من المكون الثقافى والحضارى الغربى تحمل نفس سماته وعيوبه أيضاً ، بل أكثر من هذا فإن الكاثوليكية بالتحديد تتحمل جزء كبير من جريمة استعمار أمريكا اللاتينية وما حدث فيها من إبادة للسكان الأصليين ثم نهب مستمر فيما بعد لثرواتها وشعوبها ، وفى هذا الصدد يقول سمير مرقص فى مقال له فى مجلة القاهرة عدد يناير 1994 تحت عنوان " تجربة لاهوت التحرير " " كانت الكنيسة الكاثوليكية جزءاً من المشروع الكلى لغزو استعمار شعوب القارة الجديدة وقد ساهمت الكنيسة بفاعلية فى فرض القانون الاستعمارى على المواطنين الأصليين للقارة اللاتينية ، ومن المعروف تاريخياً ان البابا الكسندروس السادس هو الذى قضى بتقسيم القارة الجديدة بين الأسبان والبرتغال " 0
كانت الدودة إذن داخل الثمرة فى كل من الثورة الاشتراكية ولاهوت التحرير المسيحى فى أمريكا اللاتينية لأنها نتجت من نفس الشجرة التى كان ينبغى أصلاً قطعها وحرقها ، وكان من الطبيعى ان تفسد الثمرة 0
وعلينا إذن أن نبحث عن جذر ايديولوجى للثورة العالمية على الآلة الشيطانية آلة النهب والقهر الغربية خارج شجرة الحضارة الغربية 0
ينبغى إذن ان تكون الى ثقافة مغايرة ، وذات جذر حضارى مختلف بل وعدائى ، وبما أن جنود الثورة هم كل شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بل والمرأة والعمال ، والعاطلين وصغار الموظفين فى أوروبا وأمريكا فإن أيديولوجية الثورة ينبغى ان تستند الى حضارة ذات قيم عالمية ولاشك ان الاسلام هو وحده الذى يمتلك كل هذه الخصائص التى ترشحه لأن يكون جذراً ثقافياً لتلك الثورة ، فالحضارة الاسلامية حضارة عالمية بكل المقاييس ، فمن ناحية فالخطاب الاسلامى لم يوجه الى منطقة جغرافية أو عرق بشرى معين بل للعالم كله " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ، ومن ناحية أخرى فإن الحضارة الاسلامية ساهم فيها الأسود ، الأصفر والأبيض والأحمر ، الافريقى والآسيوى والأوروبى ، التركى والهندى والعربى والفارسى 00 الخ ، واذا كانت التجربة قد أثبتت ان تلك الحضارة استوعبت مساهمات الجميع فكانت عالمية بالتجربة ، وان خطابها عالمى فى أصله فإنها وحدها الصادرة مرة أخرى على احتضان الثورة العالمية الجديدة وان تكون جذراً أيديولوجياً لها 0
وكذلك فإن الحضارة الاسلامية – وانطلاقاً من الاسلام – لم تحاول إكراه أحد على اعتناق الدين الاسلامى " لا إكراه فى الدين " 00 ومن هنا نجد أنه مازال فى العالم الاسلامى أقليات مسيحية ويهودية 00 الخ بل نجد أن تلك الأقليات ومن خلال جو التسامح اندمجت فى الحضارة الاسلامية دون أن تدخل الاسلام ، مما يدل على أن الاسلام وهو دين ربانى – يمكن ان تكون حضارته وثقافته أيديولوجية لغير المسلمين 0
نلاحظ أن الحضارة الأوروبية غير عالمية رغم زعمها وترويجها لهذا المصطلح ، لأن العالمية تقتضى معاييرا عالمية ، ولا يمكن لحضارة أفرزت العنصرية ونهب الآخر ان تكون عالمية ، ولا يمكن لحضارة قامت على استلاب الآخر وقهره ان تكون عالمية 0
وبالإضافة الى ما سبق فإن الاسلام لم يعرف العنصرية " كلكم لآدم وآدم من تراب " لا فرق بين عربى ولا أعجمى ولا أسود ولا أبيض " وكذلك دعا الى استثمار البيئة وليس قهرها ، ودعا الى العدل والانصاف والحرية فالجهاد الاسلامى مثلاً كفريضة على المسلمين يتوجه لإزالة القهر والنهب وازالة الاستكبار والاستبداد ومحكوم أيضاً باعتبارات وقيم رفيعة بحيث لا يكون هناك عدوان الا على الظالمين " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة " فتنة الظلم والكفر والنهب ، والقهر ، " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " ، فغايات الثورة الاسلامية وبالتالى العالمية هى القضاء على النهب والقهر والعنصرية والتغريب وتدمير الآلة الشيطانية الغربية وتحقيق العدل والمساواة واللاعنصرية بل والمجتمع اللاطبقى واحترام كرامة الانسان أليست نفسها نفس المبادىء الاسلامية 0
وكراهية الظلم – بل وجعل الثورة عليه فريضة إسلامية هى من الأمور المعلومة من الاسلام تماماً ، ومالكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان " وفى الحديث القدسى 00 وانتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر ان ينصره فلم يفعل " أى أن رؤية الظلم ولو على الآخرين وعدم الثورة على الظالم إنصافاً للمظلوم أمر يستوجب انتقام الله تعالى وغضبه 0
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يقفن أحدكم موقفاً يقتل فيه رجل ظلما فإن اللعنة تـتنزل على من حضر حين لم يرفعوا عنه ، ولا يقفن أحدكم موقفاً يضرب فيه رجل ظلماً فإن اللعنة تتنزل على من حضره حين لم يرفعوا عنه " 0
وفى إطار الآداب والقيم المعروفة للثورة والجهاد الاسلامى " انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " 0
والتراث الاسلامى نصوصياً وحضارياً غنى بالدعوة الى الثورة على الظالمين وفق قيم وآداب رفيعة تحول بين الخلط بين الثورة والفتنة والبغى ، وتحدد هدف الثورة " الظالمين " ولاشك ان آلة النهب والقهر الغربى وهؤلاء المستفيدين بها ظالمون جائرون لهم ضحايا ومظلومين بالملايين والأمر يستحق الثورة وحتى فى اطار انصاف الفقراء والمحرومين وتحقيق العدل الاجتماعى فإن التراث الاسلامى غنى بالنصوص والمواقف والرؤى والمناهج التى تجعل منه جذراً ثقافياً لأيديولوجية الثورة العالمية ثورة الفقراء والمطحونين والمحرومين " ليس منا من بات شبعان وجاره جائع " والجار هنا قد يكون فرد أو أسرة أو دولة أو قارة أو حتى كوكب" من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، من كان عنده فضل مال 00 أو فضل زاد أو ملبس 00 الخ فليعد به على من لا ماله له 00 الخ ، وهى دعوة لتحقيق المجتمع اللاطبقى ، ودعوة أيضاً للثورة على هؤلاء الذين يمنعون مازاد عن حاجتهم فى حين يحتاج إليها الآخرون 0
حبيبي محمد
24-06-2011, 11:54 AM
وعلى بن أبى طالب يقول : " ما منع غنى الا بما حرم منه فقير " أى أن تراكم المتعة والغنى والمال يأتى من سرقة حقوق الفقراء سواء بسوء توزيع الثروة المتاحة – السرقة من المنبع- أو بأكل فائض قيمة عمل هؤلاء الفقراء بإعطائهم أقل من حقهم فى عملهم وكدحهم ، أو بتعطيلهم عن العمل أو الفساد أو الرشوة 00 الخ 0
وآخيراً قول أبى ذر الغفارى رضى الله عنه : " عجبت لمن لا يجد قوت يومه ثم لا يخرج على الناس بسيفه " وهو يؤكد هنا وجوب ومشروعية ثورة الفقراء والمحرومين وهكذا فالإسلام من حيث عالميته ، ومن حيث كونه ثقافة مغايرة ومعادية للثقافة والحضارة الغربية ، وبحكم نصوصه وتراثه الثورى عموماً والدعوة الى ثورة الفقراء والمحرومين خصوصاً يصلح كجذر أيديولوجى للثورة العالمية المنشودة 0
ويبقى هنا ان يضطلع المسلمون بعبء الثورة العالمية كجنود لها ، وكطليعة أيضاً لباقى المطحونين والمحرومين فى العالم وأن يضطلع علماء الاسلام بتقديم الاسلام كأيديولوجية للثورة العالمية والأمر هنا ليس تفضيلاً بلا مبرر للإسلام على غيره ، بل لأن الثقافات الأخرى التى نحترمها ولا تريد القضاء عليها هى ثقافات إما غير ثورية أصلاً ، أو انها غير عالمية ، أو أنها غير قادرة من الناحية الفلسفية على مواجهة ناجحة مع الحضارة الغربية وبالتالى مع آلة النهب والقهر الغربى 0
إن الأمر ليس أكثر من قراءة علمية محايدة ، قراءة تقول بأن عدة قرون من الظلم والقهر والفقر والنهب والبؤس على يد الحضارة الغربية وآلتها الشيطانية ينبغى أن تنتهى ولن يكون ذلك إلا بالثورة التى يشارك فيها كل الضحايا وهذه الثورة تحتاج إلى جذر ثقافى وأيديولوجى لابد ان يكون عالمياً ومعادياً للحضارة الغربى فى نفس الوقت ويحمل تراثاً ثورياً واضحاً، وليس هناك إلا الاسلام كدين وكحضارة وكأيديولوجية للثورة الذى يمكنه ان يكون هذا الجذر الثقافى للثورة العالمية المنشودة 0
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.