مشاهدة النسخة كاملة : الجزاء دنيوي ام اخروي !؟
أبوحفص
20-10-2008, 03:41 AM
الاخوة الكرام .
إن بلورة الفكرة الاسلامية في الاذهان ، هو من اهم ما يجب ان يجري على ايدي حملة الدعوة ، لا سيما و ان الفكرة الاسلامية قد طرا عليها من عوامل التغشية ما افقدها بلورتها و فهمها الصحيح . و تعد بلورة افكار العقيدة الاسلامية أمرا حتميا لمن يقود حركة النهضة في الامة . و الملاخظ ان فكرة الجزاء الدنيوي على الافعال قد لاقت رواجا في الامة ، و هي من الافكار المتعلقة بالعقيدة الاسلامية ، فكان لا بد من اعطاء الراي فيها . و مكمن التشويش هو في فهم الادلة الشرعية ، و انزالها على الواقع ، فضلا عن التشويش الحاصل في فكرة القضاء و القدر .
فمثلا : انه ثابت لدينا في العقيدة الاسلامية أن الجزاء على الافعال انما يكون في الاخرة . قال تعالى : ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ... فكيف اذن نفسر ايات من مثل قوله تعالى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، و قوله " سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم " . و كيف نفسر تعذيب الامم السابقة .
هذه محاور اولية للنقاش .
و دمتم
ابواحمد
22-10-2008, 11:26 AM
السلام عليكم ورحمة الله
من اجل الاسهام في نقاش الموضوع نحتاج اولا الى توضيح اكثر للموضوع الذي طرحت حيث لم افهم سبب طرحك للموضوع للنقاش وما هي اهميته على الصعيد العملى ؟ ارجو التوضيح ولكم التقدير اخي الكريم ودمتم .
أبوحفص
23-10-2008, 01:44 AM
بارك الله بك اخي ابو احمد
ما دعاني إلى فتح الموضوع هو ما يدور على السنة الناس مما لا اصل له في العقيدة الاسلامية ، او ما له اصل و طرأ عليه تشويش في المفهوم ، و يتصل بحياة الناس ، مما قد يؤدي إلى الاحباط ، و الياس ، او القدرية الغيبية ، و ربط الامور بالماورائيات . و غني عن القول ان كلا الامرين يدفع بالامة للاستسلام لحوادث الزمن في حالة من السلبية .
فمثلا : كثيرا ما تسمع على السنة الناس أن ما يجري لاهل فلسطين ، او اهل العراق ، او الامة الاسلامية برمتها هو عقاب من الله ، و يذهب في التخيلات بعيدا إلى حد الياس من النهضة و التحرير مطلقا .
ومثلا: كثيرا ما تسمع على السنة الناس - ومنهم المثقفون و المتعلمون - ان ما يحصل لامريكا و الغرب - كالازمة الاقتصادية العالمية ، او الكوارث الطبيعية ... الخ - هو عقاب من الله ، فلا يقدر على امريكا إلا الله ، إذ لا قبل لنا بها ، فهي كالقدر المحتوم ، و في هذا امعان في التعلق بالغيب . و يقولون أن مصير امريكا هو مصير عاد الاولى ، و يذهب الخيال بالبعض ان يقول ان امريكا هي عاد الاخرى .
فكان لا بد من تصحيح مفهوم الجزاء عند الناس ، و بلورة المفهوم بوصفه احد افكار العقيدة التي تتصل بوجهة النطر في الحياة ، و تصحح سير الامة في سبيل الكفاح ضد الكفر .
ابواحمد
23-10-2008, 11:09 AM
السلام عليكم ورحمة الله
اخي الكريم . اشكرك على التوضيح وللاسهام في الموضوع واثرائه بالنقاش نحتاج الى دراسة الموضوع ثم ابداء الراءى وسيكون ذلك قريب ان شاء الله .مع تقديرى لماتفضلت بة والذي هو على قدر من الاهمية ويستحق الجهد وشكرا .
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الاستاذ ابو حفص
ان الايمان بما يحصل لامريكا من كوارث هي عقوبه من الله, او ما يحصل لغير امريكا, لا يؤد بالضروره الى القدريه او كما وصفت امعان بالغيب . فانا كمسلم لا انظر الى العالم من حولي و ما يجري من حوادث الا كايات لها دلالات و معاني مغايره عن ربط الاسباب بالمسببات اي قد يكون المسبب له سبب واحد بنفس الوقت له عدة معاني و غايات يدركها الانسان و يحس بها و يتعايش معها طبعا حسب رؤيته للعالم . و انا كمسلم اعتقد ان بعض تلك الحوادث قد اطلعني الله تعالى على معانيها و دلالاتها و اخرى لم نطلع عليها ,و لذلك لا يمكن لنا ان نصف كمسلمين الزلازل و البراكين بانها غضب الطبيعه و غير ذلك . اما من جهة اخرى لا يوجد امه على الارض كانت ناهضه او غير ناهضه لا تؤمن بالغيب في فكرها و اضرب مثلا نظرية العقد الاجتماعي في الحضاره الغربيه ام الماديات . بالنهايه الموضوع متعلق بقدرة المسلم على الفصل بين ما يريده الله تعالى منه و ما يريده به اليس كذلك؟
و لكم جزيل الشكر
أبوحفص
29-10-2008, 01:48 AM
لفت انتباهي مصادفة هذه النشرة التي تتناول الموضوع .. و لغايات اثراء النقاش اضعها بين ايديكم :
أثر تقوى المؤمن على حياته الدنيا
أمر الله تعالى عباده بالتقوى في كثير من النصوص، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}(النساء:1) وقال: {وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(المائدة:7)، وقال: {وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة:8). وفي الحديث الذي رواه أحمد عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوصيك بتقوى الله في سِرِّ أمرك وعلانيته». وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أوصني، قال: «عليك بتقوى الله ما استطعت»(المعجم الكبير). وقال عليه السلام: «فاتقوا الله ولو بشق تمرة»(صحيح مسلم). ومن تتبع النصوص نجد أن كلمة التقوى ومشتقاتها وردت مستفيضة فيها، إذ وردت في القرآن الكريم في مئتين وتسع وثلاثين آية، أما في السنة النبوية فإن حصرها من الصعوبة بمكان. ولا يستغرب المرء ورودها بهذه الاستفاضة إذا علم أنها مفتاح سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
والمعنى اللغوي لكلمة التقوى هو الخشية والخوف، كما ورد ذلك في التاج، وورد في لسان العرب اتقيت الشيء يعني حذرته. وقد وردت في القرآن الكريم والسنة بمعناها اللغوي. وعليه فإن تقوى الله خشيته والخوف والحذر منه ويكون ذلك بالامتثال لأمره واجتناب نواهيه.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56) والعبادة هنا الطاعة ولا تتحقق إلا بالتقيد بأوامر الله واجتناب نواهيه، وهي الغاية التي خلق الله الإنسان من أجلها، وقد جعل المولى عز وجل للإنسان جزاءً على هذه الطاعة، ونلاحظ عند استعراض النصوص أن الجزاء نوعان: الأول جزاءٌ أخروي بعد الموت، والثاني جزاءٌ دنيوي في حياته، أما الأول فهو الفوز بالجنة والنجاة من النار وما هو أكبر من ذلك وهو رضوان الله يوم الحساب في الآخرة، قال تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}(آل عمران: 15)، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}(الحجر:45)، وقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}(الشعراء:90)، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}(الدخان:51).
أما الجزاء الدنيوي، وهو موضوع هذه الكلمة، فهو كثير ومتعدد، وهو ما دلت عليه نصوص كثيرة ثابتة بشكل قطعي في القرآن الكريم، وهي التي بيّنت الجزاء الدنيوي للمؤمن في حياته الدنيا، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}(الطلاق:4)، أي يسهل له أمره وييسره عليه ويجعل له فرجاً قريباً ومخرجاً عاجلاً، وقال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}(الطلاق:2-3)، أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من جهة لا تخطر بباله، وقال: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال:29)، من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وفِّق لمعرفة الحق من الباطل فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيام، وقال: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}(آل عمران:120)، وهنا يرشدهم ربهم إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله المحيط بأعدائهم، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}(الأحزاب:70-71)، أي يأمر الله سبحانه عباده المؤمنين بتقواه وأن يعبدوه عبادة من يراه وأن يقولوا قولاً مستقيماًً لا اعوجاج فيه ولا انحراف فإذا فعلوا ذلك يوفقهم للأعمال الصالحة، وقال: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(البقرة:194)، أمر لهم بطاعة الله وتقواه وإخبار بأنه تعالى مع الذين اتقوا بالنصر والتأييد في الدنيا والآخرة، وقال: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}(الليل: 5-7)، أي إن أخرج ما أمر به واتقى الله في أموره وتصدق بما أنعم الله عليه فسنيسره للخير، وقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(الأعراف:96)، أي لو آمنت قلوبهم بما جاءت به الرسل واتبعوه واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات لفتحنا عليهم قطر السماء ونبات الأرض، وقال:{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}(البقرة:282)، أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره يوفقكم لمعرفة الحق من الباطل، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(الحديد:28)، يؤتكم كفلين أي ضعفين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون فيه يعني هدى يتبصر به العمى والجهالة. وقد يمتد تأثير تقوى المرء إلى عقبه من بعده، قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}(الكهف:82) هذا غيض من فيض يظهر منه أثر التقوى على حياة المؤمن اليومية.
وهكذا فإن الإنسان في حياته اليومية واقع بين تدبيرين الأول من عنده وضمن دائرة الأفعال الاختيارية، والثاني من عند الله وضمن دائرة القضاء، أي الأفعال التي تحصل منه أو عليه ولا شأن له بجلبها أو دفعها، وقد كان الوحي ينزل على رسول الله يبين أشكال التدبير المختلفة مع حصول الحوادث، فأخبر أنه نصرهم في بدر بالملائكة وكذلك في حنين، وفي الخندق بالريح، وبعد انقطاع الوحي استمر التدبير بدون بيان أو تفسير، ولا يعلم جنود ربك إلا هو.
ويلاحظ أن النصوص التي أتت بالجزاء الدنيوي أتت في ثنايا الجزاء الأخروي، ولا يكاد يظهر الجزاء الدنيوي لكثرة ما ورد من نصوص تتعلق بالجزاء الأخروي، ولا غرابة في ذلك إذا علم أن الدنيا لا تعادل عند الله جناح بعوضه، قال صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء»(سنن الترمذي)، وقال سبحانه: {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(الأنعام:32)، وقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}(الأنعام:32)، وقال: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ}(العنكبوت:64)، وقال: {إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}(محمد:36)، وقال: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ}(الحديد:20)، وقال: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(النساء:77).
بقيت مسألة واحدة وهي كيف يحصِّل المسلم التقوى؟ الجواب: يحصِّلها بالعلم والعمل به. والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(فاطر:28) أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى أتم، كلما كانت المعرفة به أتم، وكلما كان العلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر. وفي حديث عائشة قالت: «صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية»(صحيح البخاري)، وعن أنس رضي الله عنه قال: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين»(صحيح البخاري). والجهل بالأحكام الشرعية يقود إلى المعصية، قال عز وجل: {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ}(الأنعام:54)، وقال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}(النحل:119) وكذلك فإن العلم بالأحكام الشرعية دون العمل بهذا العلم يغرق صاحبه في المعصية بأشد من معصية الجاهل حساباً وعذاباً؛ لأن من لا يعمل بعلمه فقد ضلَّ على علمٍ، وعصى على لؤمٍ، وهذا مصيره مظلم والعياذ بالله، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}(الجاثية 23) وقال سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}(الأعراف 175- 176). فالعلم مع العمل به مدخل التقوى، لأن الذي لا يعلم حقيقة جلال قدره وعظم شأنه وعزيز سلطانه وكمال صفاته ودقيق حسابه وأليم عذابه ونعيم جزائه وشديد عقابه وكرم عفوه وضيق لعنته وواسع رحمته عز وجل لا يتقه ولا يخشاه، وكلما ازداد الإنسان علماً بالحي القيوم الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وعمل بعلمه ازداد تقوى وخشية منه سبحانه وتعالى علواً كبيراً.
ولتشيع التقوى بين الناس وتكون من صفات المجتمع، لابد من إيجاد الأجواء الإيمانية، بتطبيق الأحكام الشرعية، وإظهار الصلاح والأمر بالمعروف، وطمس الفساد والنهي عن المنكر، وبث المفاهيم الشرعية والمحافظة على القيم الإسلامية. وهذا لا يتحقق إلا بإيجاد المجتمع الإسلامي بإقامة الخلافة، فالخلافة وحدها تحفظ للأمة دينها وتنقي أجواءها الإيمانية وتثير التقوى في شعوبها، لتعود خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. فإلى العمل مع حـزب التحريـر لتطبيق شرع الله بإقامة الخلافة ندعوكم أيها المسلمون.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور:51).
غرة شهر رمضان المبارك 1427هـ
حـزب التحريـر
ولاية الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
قلت اخي ابوحفص في بداية طرحك للموضوع ( فمثلا : انه ثابت لدينا في العقيدة الاسلامية أن الجزاء على الافعال انما يكون في الاخرة) مع ان ما جاء في موضوع النشره سالفة الذكر خلاف هذا الراي . هل عاد ابوحفص عن رايه ؟ ام هو مجرد عرض لاراء مختلفه ؟
أبوحفص
29-10-2008, 08:49 PM
الاخ عمر ..
هذه النشرة فيها ما فيها من الاخطاء ما يدل على ان كاتبها فاقد لابسط معاني التبلور في الافكار . و لقد وضعتها كنموذج على التشويش الحاصل في مفهوم الجزاء حتى عند المثقفين ، و العاملين في حقل الدعوة ، بل من يدعون حمل الفكر الاسلامي باكثر صوره صفاء و نقاء و تبلورا . و لاحول و لاقوة الا بالله .
ما زلنا ننتظر نقاشا في الموضوع .
بسم الله الرحمن الرحيم
لكن ما جاء في النشره يتطابق مع اراء كثير من علماء المسلمين و هو الراي المشهور. ثم اين الخلل في هذه النشره و كيف تفسر الادله المذكوره فيها؟
أبوحفص
30-10-2008, 11:11 PM
انظر اخي قوله : وبعد انقطاع الوحي استمر التدبير بدون بيان أو تفسير، ولا يعلم جنود ربك إلا هو.
إن هذا القول و ماسبقه جميعا قائم على هو اشبه بالتخمين منه إلى العقيدة القطعية !! وهذا اخطر ما في النشرة . فالنشرة تتحدث عن موضوع يتعلق به التصديق او التكذيب ، وهو الجزاء الدنيوي ، فهو موضوع عقيدي ، ولكن النشرة لم تورد دليلا قطعيا واحدا إلى ما ذهبت اليه . فضلا عن كونه يركز التعلق بالغيب عند الامة دون الاستناد إلى دليل قطعي ..
و انظر اخي قوله : من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وفِّق لمعرفة الحق من الباطل فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا .
الا تلاحظ معي انه قد ضرب فكرة النصر عند الحزب !!
و النشرة تنضح بالتشويش في تناول النصوص . فمثلا قوله :{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}(الطلاق:2-3)، أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من جهة لا تخطر بباله .
فهل التقوى هي سبب الرزق !؟
و انظر قوله : قال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم
بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(الأعراف:96)، أي لو آمنت قلوبهم بما جاءت به الرسل واتبعوه واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات لفتحنا عليهم قطر السماء ونبات الأرض !!!
و انظر قوله : وقال:{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}(البقرة:282)، أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره يوفقكم لمعرفة الحق من الباطل
يخالف فيه تبني الحزب في تفسير هذه الاية : قال في الشخصية : قال تعالى ( و اتقوا الله و يعلمكم الله ) اي ان الله يعلمكم على كل حال فاتقوه . فكان العلم قبل التقوى ، اذ يترتب الامر بالتقوى على حصول التعليم ترتيبا عقليا ، و هو يقتضي تقدم العلم على العمل ، فكانه حين قال ( و اتقوا الله ) توارد إلى الذهن : وكيف تكون التقوى فقال : إن الله يعلمكم فتتقون . ولا بد من تقدم العلم على العمل .
هذه بعض الاخطاء في النشرة .
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي ابوحفص
لم تقم بتوضيح الايات التي استدلت بها النشره بشكل يجلي القضيه و يوضح صواب وجهة نظرك .فهل من تفسير اخر لتلك الايات كي نقول انه استند الى دليل ظني الدلاله على امر عقدي
رغم ان منطوق الايات واضح و يصب في ما ذهبت اليه النشره و الله اعلم.
الامر الاخر ما هو مفهوم النصر لدى الحزب؟
ارجو اخي ابوحفص ان ترد بشكل مفصل جدا او ان اردت احلتني على بعض المراجع
و جزاك الله خيرا
السلام عليكم
لن أتطرق إلى ما جاء في النشرة ولكني سوف أحاول تفسير الآية من سورة السجدة التي ذكرها الأخ أبو حفص:
يقول الله تعالى:"وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"...في هذه الآية ذكر الله تعالى نوعين من العذاب:الأدنى والأكبر..والعذاب الأكبر هو عذاب النار في الآخرة_ولا خلاف في ذلك_,وأما العذاب الأدنى _وهنا قابل الأدنى بالأكبر ولم يقابله بالأبعد كما ولم يقابل الأكبر بالأصغروذلك للتهويل وبيان عظم عذاب النار_فيدل على أنه عذاب غير عذاب الآخرة وهذا يعني انه عذاب في الدنيا وكما هو بيّن وواضح أنه موجه للكفار وأن الله سبحانه وتعالى سوف يذيقهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة والدليل هو:
الآية السابقة لهذه من نفس سورة السجدة حيق يقول الله:" وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ".
2.القرينة التي في آخر الآية:"لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"حيث قال إبن عاشور في تفسيرها:"وجملة { لعلهم يرجعون } استئناف بياني لحكمة إذاقتهم العذاب الأدنى في الدنيا بأنه لرجاء رجوعهم، أي رجوعهم عن الكفر بالإيمان. والمراد: رجوع من يمكن رجوعه وهم الأحياء منهم. وإسناد الرجوع إلى ضمير جميعهم باعتبار القبيلة والجماعة، أي لعل جماعتهم ترجع. وكذلك كان فقد آمن كثير من الناس بعد يوم بدر وبخاصة بعد فتح مكة.
ابواحمد
16-11-2008, 11:19 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية لابد من ملاحظة انن بصدد موضوع الجزاء على الاعمال من حيث هل هو دنيوي ام اخروي ؟ولسنا بصدد موضوع الابتلاء بالنعم او بالمصائب التي قد تحصل للانسان في الدنيا امتحانا لايمانه وارادته ومدى شكره علي النعم اوصبره على المصائب فهذا بحث اخر .
وفيما يخص موضوع الجزاء فقد وردت كثير من النصوص التي يفهم منها ان الجزاء على الاعمال بالثواب او بالعقاب منه ما يعجل في الدنيا ومنه ما هو مؤجل الي الاخرة ومن ذلك قوله جل وعلى :
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)النحل
وقوله تعالى:
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)النحل
وقوله تعالى: وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)النحل
وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)البقرة
وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)آل عمران
وقوله :فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)آل عمران
وقوله: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)التوبه
وقوله: ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)التوبه
وقوله: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)التوبه
وقوله: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)التوبه
وقوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)هود
وقوله: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)الرعد
وقوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)السجدة
وقوله: فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(26)الزمر
لاشك اخي الكريم ان جميع الآيات السابقة قطعية في دلالتهاعلى ان الجزاء بالثواب اوبالعقاب منه معجل في الدنيا ومنه مؤجل الي الآخرة ومن هنا يبدو لي انه لايمكن القول بأن الجزاء على الاعمال اخروي فقط .
( للموضوع بقية) سنعرضها لاحقا ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
muslem
06-02-2010, 07:10 AM
السلام عليكم
جزاك الله خير ابا احمد ننتظر تتمة الموضوع
دمتم برعاية الله
المثنى
07-02-2010, 01:37 PM
السلام عليكم
أين الأخ أبو حفص صاحب الموضوع؟ أرى أن الأخ أبا أحمد قد بحث الموضوع وبذل جهدا طيبا حبذا لو يكون أبو حفص حاضرا لكي يبقي الموضوع مفتوحا وفاعلا.
والسلام
ابواحمد
07-02-2010, 08:22 PM
السلام عليكم ورحمة الله
اخي الفاضل المثني الموضوع لازال قيد البحث ويواجهني بعض الصعوبات حول الحالات التي يعجل فيها الجزاء بنوعيه الثواب او العقاب في الدنيا على سبيل الحصر . ولاشك ان تفاعلكم مع الموضوع واثرائه بآرائكم سيساعد في بلورة الموضوع واكتمال الفكرة وفيكم من الخير الكثير .فأرجوان اري رأيكم حول الموضوع .
.ودمتم
المستخلف
07-02-2010, 09:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله ،
الأخ الكريم أبا حفص ما من شك على أن الجزاء صنفان، وقد بين لك الإخوة ذلك فحبذا لو طرحت ما تراه من اشكالات في هذا الفهم الذي عبته في الورقة الكويتية وبارك الله فيك وجزاك خيرا.
يقول تعالى :
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)
أبو محمد
21-02-2010, 09:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
أخي الكريم أبا حفص،،،
بارك الله بك، كنت قد طرحت المسألة وأشعرتنا أنك عندك بحثا في المسألة تريد أن تطلعنا عليه ولكن وضعت المسألة ثم لم تعد وكان الشباب في المنتدى قد خالفوك وبينوا لك أدلة رأيهم.
فهل لك ان تبين لنا رأيك.
والسلام عليكم
ابوعبدالرحمن حمزة
22-02-2010, 06:12 PM
الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله أرجو قبول هذه المشاركة في هذا الموضوع بعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزاء والمحاسبة على الأعمال أنما يكون في الأخرة أما الدنيا فهي دار بلاء وعمل قال تعالى:}وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) } وقال عز وجل : }الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2){
و(َلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)) سورة النحل
(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا(45) )فاطر
أما ما أورده الأخ أبو أحمد من أيات للدلالة على أن الجزاء منه ما يعجل في الدنيا فكلامه غير دقيق _إلا إذا اراد بالمجازة نتيجة أعمالهم في الدنيا بحسب سنن الوجود_ وذلك يتضح بسرد الأيات التي ذكرها مع الرجوع لتفسيرها
أولا: قوله تعالى):وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ( (41)النحل. قال المفسرون(ثم قال : { لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى الدنيا حَسَنَة } وفيه وجوه : الأول : أن قوله : { حَسَنَةٌ } صفة للمصدر من قوله : { لَنُبَوّئَنَّهُمْ فِى الدنيا } والتقدير : لنبوئنهم تبوئة حسنة ، وفي قراءة علي عليه السلام : ( لنبوئنهم إبواءة حسنة ) . الثاني : لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم ، وعلى العرب قاطبة ، وعلى أهل المشرق والمغرب ، وعن عمر أنه كان إذا أعطى رجلاً من المهاجرين عطاء قال : خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ذخر لك في الآخرة أكبر .
والقول الثالث : لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم أهلها ونصروهم ، وهذا قول الحسن والشعبي وقتادة ، والتقدير : لنبوئنهم في الدنيا داراً حسنة أو بلدة حسنة يعني المدينة .
ثم قال تعالى : { وَلأَجْرُ الأخرة أَكْبَرُ } وأعظم وأشرف؛ { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } والضمير إلى من يعود؟ فيه قولان : الأول : أنه عائد إلى الكفار ، أي لو علموا أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المستضعفين في أيديهم الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم . والثاني : أنه راجع إلى المهاجرين ، أي لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم .)
ثانيا: قوله تعالى: وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)النحل. الأية متعلقة بسيدنا إبراهيم عليه السلام فالأية هكذا (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122).)
ثالثا: قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)البقرة
(بين بعد ذلك الذكر كيفية الدعاء فقال : { فَمِنَ الناس مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدنيا } وما أحسن هذا الترتيب ، فإنه لا بد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها ، ثم بعد العبادة لا بد من الإشتغال بذكر الله تعالى لتنوير القلب وتجلى نور جلاله ، ثم بعد ذلك الذكر يشتغل الرجل بالدعاء فإن الدعاء إنما يكمل إذا كان مسبوقاً بالذكر كما حكي عن إبراهيم عليه السلام أنه قدم الذكر فقال : { الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] ثم قال : { رَبّ هَبْ لِى حُكْماً وَأَلْحِقْنِى بالصالحين } [ الشعراء : 83 ] فقدم الذكر على الدعاء .
إذا عرفت هذا فنقول : بين الله تعالى أن الذين يدعون الله فريقان أحدهما : أن يكون دعاؤهم مقصوراً على طلب الدنيا والثاني : الذين يجمعون في الدعاء بين طلب الدنيا وطلب الآخرة ، وقد كان في التقسيم قسم ثالث ، وهو من يكون دعاؤه مقصوراً على طلب الآخرة ، واختلفوا في أن هذا القسم هل هو مشروع أو لا؟ والأكثرون على أنه غير مشروع ، وذلك أن الإنسان خلق محتاجاً ضعيفاً لا طاقة له بآلام الدنيا ولا بمشاق الآخرة ، فالأولى له أن يستعيذ بربه من كل شرور الدنيا والآخرة ، روى القفال في «تفسيره» عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على رجل يعوده وقد أنهكه المرض ، فقال : ما كنت تدعو الله به قبل هذا قال : كنت أقول . اللهم ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجل به في الدنيا ، فقال النبي عليه السلام : " سبحان الله إنك لا تطيق ذلك ألا قلت { رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدنيا حَسَنَةً وَفِي الأخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار } [ البقرة : 201 ] " قال فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فشفي .
واعلم أنه سبحانه لو سلط الألم على عرق واحد في البدن ، أو على منبت شعرة واحدة ، لشوش الأمر على الإنسان وصار بسببه محروماً عن طاعة الله تعالى وعن الاشتغال بذكره ، فمن ذا الذي يستغني عن إمداد رحمة الله تعالى في أولاه وعقباه ، فثبت أن الاقتصار في الدعاء على طلب الآخرة غير جائز ، وفي الآية إشارة إليه حيث ذكر القسمين ، وأهمل هذا القسم الثالث ..............أما قوله تعالى : { وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِى الدنيا حَسَنَةً وَفِي الأخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار } فالمفسرون ذكروا فيه وجوها أحدها : أن الحسنة في الدنيا عبارة عن الصحة ، والأمن ، والكفاية والولد الصالح ، والزوجة الصالحة ، والنصرة على الأعداء ، وقد سمى الله تعالى الخصب والسعة في الرزق ، وما أشبهه «حسنة» فقال : { إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } [ التوبة : 50 ] وقيل في قوله : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الحسنيين } [ التوبة : 52 ] أنهما الظفر والنصرة والشهادة ، وأما الحسنة في الآخرة فهي الفوز بالثواب ، والخلاص من العقاب ، وبالجملة فقوله : { رَبَّنَا ءَاتِنَا فِى الدنيا حَسَنَةً وَفِي الأخرة حَسَنَةً } كلمة جامعة لجميع مطالب الدنيا والآخرة ، روى حماد بن سلمة عن ثابت أنهم قالوا لأنس : ادع لنا ، فقال : «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» قالوا : زدنا فأعادها قالوا زدنا قال ما تريدون؟ قد سألت لكم خير الدنيا والآخرة ولقد صدق أنس فإنه ليس للعبد دار سوى الدنيا والآخرة فإذا سأل حسنة الدنيا وحسنة الآخرة لم يبق شيء سواه وثانيها : أن المراد بالحسنة في الدنيا العمل النافع وهو الإيمان والطاعة والحسنة في الآخرة اللذة الدائمة والتعظيم والتنعم بذكر الله وبالأنس به وبمحبته وبرؤيته وروى الضحاك عن ابن عباس أن رجلاً دعا ربه فقال في دعائه : { رَبَّنَا ءَاتِنَا فِى الدنيا حَسَنَةً وَفِي الأخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار } فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " ما أعلم أن هذا الرجل سأل الله شيئاً من أمر الدنيا ، فقال بعض الصحابة : بلى يا رسول الله إنه قال : «ربنا آتنا في الدنيا حسنة» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه يقول : آتنا في الدنيا عملا صالحاً " وهذا متأكد بقوله تعالى : { والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }
[ الفرقان : 74 ] وتلك القرة هي أن يشاهدوا أولادهم وأزواجهم مطيعين مؤمنين مواظبين على العبودية وثالثها : قال قتادة : الحسنة في الدنيا وفي الآخرة طلب العافية في الدارين ، وعن الحسن : الحسنة في الدنيا فهم كتاب الله تعالى ، وفي الآخرة الجنة ، واعلم أن منشأ البحث في الآية أنه لو قيل ، آتنا في الدنيا الحسنة وفي الآخرة الحسنة لكان ذلك متناولا لكل الحسنات ، ولكنه قال : { آتنا فِى الدنيا حَسَنَةً وَفِي الأخرة حَسَنَةً } وهذا نكرة في محل الإثبات فلا يتناول إلا حسنة واحدة ، فلذلك اختلف المتقدمون من المفسرين فكل واحد منهم حمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة .)
وللحديث بقية .
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.
ابوعبدالرحمن حمزة
22-02-2010, 06:25 PM
رابعا: قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)آل عمران
(فاعلم أن الذين حضروا يوم أحد كانوا فريقين ، منهم من يريد الدنيا ، ومنهم من يريد الآخرة كما ذكره الله تعالى فيما بعد من هذه السورة ، فالذين حضروا القتال للدنيا ، هم الذين حضروا لطلب الغنائم والذكر والثناء ، وهؤلاء لا بد وأن ينهزموا ، والذين حضروا للدين ، فلا بد وأن لا ينهزموا ثم أخبر الله تعالى في هذه الآية أن من طلب الدنيا لا بد وأن يصل الى بعض مقصوده ومن طلب الآخرة فكذلك ، وتقريره قوله عليه السلام : « إنما الأعمال بالنيات » الى آخر الحديث .
واعلم أن هذه الآية وان وردت في الجهاد خاصة ، لكنها عامة في جميع الأعمال ، وذلك لأن المؤثر في جلب الثواب ، والعقاب المقصود والدواعي لا ظواهر الأعمال ، فإن من وضع الجبهة على الأرض في صلاة الظهر والشمس قدامه ، فإن قصد بذلك السجود عبادة الله تعالى كان ذلك من أعظم دعائم الإسلام ، وإن قصد به عبادة الشمس كان ذلك من أعظم دعائم الكفر . وروى أبو هريرة عنه عليه السلام أن الله تعالى يقول يوم القيامة لمقاتل في سبيل الله « في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول تعالى : كذبت بل أردت أن يقال فلان محارب وقد قيل ذلك » ثم إن الله تعالى يأمر به الى النار .)
وقوله :فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)آل عمران
(واعلم أنه تعالى لما شرح طريقة الربيين في الصبر ، وطريقتهم في الدعاء ذكر أيضا ما ضمن لهم في مقابلة ذلك في الدنيا والآخرة فقال : { فآتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : { فآتاهم الله } يقتضي أنه تعالى أعطاهم الأمرين ، أما ثواب الدنيا فهو النصرة والغنيمة وقهر العدو والثناء الجميل ، وانشراح الصدر بنور الايمان وزوال ظلمات الشبهات وكفارة المعاصي والسيئات ، وأما ثواب الآخرة فلا شك أنه هو الجنة وما فيها من المنافع واللذات وأنواع السرور والتعظيم ، وذلك غير حاصل في الحال ، فيكون المراد أنه تعالى حكم لهم بحصولها في الآخرة ، فأقام حكم الله بذلك مقام نفس الحصول ، كما أن الكذب في وعد الله والظلم في عدله محال ، أو يحمل قوله : { فأتاهم } على أنه سيؤتيهم على قياس قوله : { أتى أَمْر الله } [ النحل : 1 ] أي سيأتي أمر الله . قال القاضي : ولا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصة بالشهداء ، وقد أخبر الله تعالى عن بعضهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فيكون حال هؤلاء الربيين أيضاً كذلك ، فإنه تعالى في حال إنزال هذه الآية كان قد آتاهم حسن ثواب الآخرة في جنان السماء .
المسألة الثانية : خص تعالى ثواب الآخرة بالحسن تنبيها على جلالة ثوابهم ، وذلك لأن ثواب الآخرة كله في غاية الحسن ، فما خصه الله بأنه حسن من هذا الجنس فانظر كيف يكون حسنه ، ولم يصف ثواب الدنيا بذلك لقلتها وامتزاجها بالمضار وكونها ، منقطعة زائلة ، قال القفال رحمه الله : يحتمل أن يكون الحسن هو الحسن كقوله : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } [ البقرة : 83 ] أي حسنا ، والغرض منه المبالغة كأن تلك الأشياء الحسنة لكونها عظيمة في الحسن صارت نفس الحسن ، كما يقال : فلان جود وكرم ، إذا كان في غاية الجود والكرم ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : قال فيما تقدم : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ آل عمران : 145 ] فذكر لفظة «من» الدالة على التبعيض فقال في الآية : { فآتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة } ولم يذكر كلمة «من» والفرق : أن الذين يريدون ثواب الآخرة انما اشتغلوا بالعبودية لطلب الثواب ، فكانت مرتبتهم في العبودية نازلة ، وأما المذكورون في هذه الآية فإنهم لم يذكروا في أنفسهم الا الذنب والقصور ، وهو المراد من قوله : { اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا } [ آل عمران : 147 ] ولم يروا التدبير والنصرة والإعانة إلا من ربهم ، وهو المراد بقوله : { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين } [ آل عمران : 147 ] فكان مقام هؤلاء في العبودية في غاية الكمال ، فلا جرم أولئك فازوا ببعض الثواب ، وهؤلاء فازوا بالكل ، وأيضاً أولئك أرادوا الثواب ، وهؤلاء ما أرادوا الثواب . وإنما أرادوا خدمة مولاهم فلا جرم أولئك حرموا وهؤلاء أعطوا ، ليعلم أن كل من أقبل على خدمة الله أقبل على خدمته كل ما سوى الله .
خامسا: قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) )
والمعنى أن هؤلاء الذين يريدون بجهادهم الغنيمة فقط مخطئون ، وذلك لأن عند الله ثواب الدنيا والآخرة ، فلم اكتفى بطلب ثواب الدنيا مع أنه كان كالعدم بالنسبة إلى ثواب الآخرة ، ولو كان عاقلاً لطلب ثواب الآخرة حتى يحصل له ذلك ويحصل له ثواب الدنيا على سبيل التبع .
فإن قيل كيف دخل الفاء في جوب الشرط وعنده تعالى ثواب الدنيا والآخرة سواء حصلت هذه الإرادة أو لم تحصل؟
قلنا : تقرير الكلام : فعند الله ثواب الدينا والآخرة له إن أراده الله تعالى ، وعلى هذا التقدير يتعلق الجزاء بالشرط .
ثم قال : { وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً } يعني يسمع كلامهم أنهم لا يطلبون من الجهاد سوى الغنيمة ويرى أنهم لا يسعون في الجهاد ولا يجتهدون فيه إلا عند توقع الفوز بالغنيمة ، وهذا كالزجر منه تعالى لهم عن هذه الأعمال .
وللحديث بقية .
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.
ابواحمد
23-02-2010, 07:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الكريم اب عبد الرحمن حمزة انا منتظر ان تتم طرحك لاعقب . وارجو الله ان يوفقك للصواب . ودمتم
ابوعبدالرحمن حمزة
24-02-2010, 10:15 AM
سادسا: وقوله:( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ( (55)التوبه
وقوله: وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)التوبه
اعلم أنه تعالى لما قطع في الآية الأولى رجاء المنافقين عن جميع منافع الآخرة ، بين أن الأشياء التي يظنونها من باب المنافع في الدنيا ، فإنه تعالى جعلها أسباب تعظيمهم في الدنيا ، وأسباب اجتماع المحن والآفات عليهم ، ومن تأمل في هذه الآيات عرف أنها مرتبة على أحسن الوجوه ، فإنه تعالى لما بين قبائح أفعالهم وفضائح أعمالهم ، بين مالهم في الآخرة من العذاب الشديد ومالهم في الدنيا من وجوه المحنة والبلية ، ثم بين بعد ذلك أن ما يفعلونه من أعمال البر لا ينتفعون به يوم القيامة البتة . ثم بين في هذه الآية أن ما يظنون أنه من منافع الدنيا فهو في الحقيقة سببب لعذابهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم ، وعند هذا يظهر أن النفاق جالب لجميع الآفات في الدين والدنيا ، ومبطل لجميع الخيرات في الدين والدنيا ، وإذا وقف الإنسان على هذا الترتيب عرف أنه لا يمكن ترتيب الكلام على وجه أحسن من هذا . ومن الله التوفيق . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الخطاب ، وإن كان في الظاهر مختصاً بالرسول عليه السلام ، إلا أن المراد منه كل المؤمنين ، أي لا ينبغي أن تعجبوا بأموال هؤلاء المنافقين والكافرين ، ولا بأولادهم ولا بسائر نعم الله عليهم ، ونظيره قوله تعالى : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [ طه : 131 ] الآية .
المسألة الثانية : الإعجاب : السرور بالشيء مع نوع الافتخار به ، ومع اعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه ، وهذه الحالة تدل على استغراق النفس في ذلك الشيء وانقطاعها عن الله ، فإنه لا يبعد في حكم الله أن يزيل ذلك الشيء عن ذلك الإنسان ويجعله لغيره ، والإنسان متى كان متذكراً لهذا المعنى زال إعجابه بالشيء ، ولذلك قال عليه السلام : « ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه » وكان عليه السلام يقول : « هلك المكثرون » وقال عليه السلام : « مالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت » وذكر عبيد بن عمير ، ورفعه إلى الرسول عليه السلام : « من كثر ماله اشتد حسابه ، ومن كثر بيعه كثرت شياطينه ، ومن ازداد من السلطان قرباً ، ازداد من الله بعداً » والأخبار المناسبة لهذا الباب كثيرة ، والمقصود منها الزجر عن الارتكان إلى الدنيا ، والمنع من التهالك في حبها والافتخار بها . قال بعض المحققين : الموجودات بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام : الأول : الذي يكون أزلياً أبدياً ، وهو الله جل جلاله والثاني : الذي لا يكون أزلياً ولا أبدياً وهو الدنيا . والثالث : الذي يكون أزلياً ولا يكون أبدياً وهذا محال الوجود ، لأنه ثبت بالدليل أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه . والرابع : الذي يكون أبدياً ولا يكون أزلياً وهو الآخرة وجميع المكلفين ، فإن الآخرة لها أول ، لكن لا آخر لها ، وكذلك المكلف سواء كان مطيعاً أو كان عاصياً فلحياته أول ، ولا آخر لها . وإذا ثبت هذا ثبت أن المناسبة الحاصلة بين الإنسان المكلف وبين الآخرة أشد من المناسبة بنيه وبين الدنيا ، ويظهر من هذا أنه خلق للآخرة لا للدنيا ، فينبغي أن لا يشتد عجبه بالدنيا ، وأن لا يميل قلبه إليها فإن المسكن الأصلي له هو الآخرة لا الدنيا .
أما قوله : { إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال النحويون : في الآية محذوف ، كأنه قيل : إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم ، ويجوز أيضاً أن يكون هذا اللام بمعنى «أن» كقوله : { يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] أي أن يبين لكم .
المسألة الثانية : قال مجاهد والسدي وقتادة : في الآية تقديم وتأخير . والتقدير : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة . وقال القاضي : وههنا سؤالان : الأول : وهو أن يقال : المال والولد لا يكونان عذاباً ، بل هما من جملة النعم التي من الله بها على عباده ، فعند هذا التزم هؤلاء التقديم والتأخير ، إلا أن هذ الالتزام لا يدفع هذا السؤال . لأنه يقال : بعد هذا التقديم والتأخير ، فكيف يكون المال والولد عذاباً؟ فلا بد لهم من تقدير حذف في الكلام بأن يقولوا أراد التعذيب بها من حيث كانت سبباً للعذاب ، وإذا قالوا ذلك فقد استغنوا عن التقديم والتأخير ، لأنه يصح أن يقال يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا من حيث كانت سبباً للعذاب ، وأيضاً فلو أنه قال : { فَلاَ تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا } لم يكن لهذه الزيادة كثير فائدة ، لأن من المعلوم أن الإعجاب بالمال والولد لا يكون إلا في الدنيا ، وليس كذلك حال العذاب ، فإنها قد تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة ، فثبت أن القول بهذا التقديم والتأخير ليس بشيء .
المسألة الثالثة : الأموال والأولاد يحتمل أن تكون سبباً للعذاب في الدنيا ، ويحتمل أن تكون سبباً للعذاب في الآخرة . أما كونها سبباً للعذاب في الدنيا فمن وجوه : الأول : أن كل من كان حبه للشيء أشد وأقوى ، كان حزنه وتألم قلبه على فواته أعظم وأصعب ، وكان خوفه على فواته أشد وأصعب ، فالذين حصلت لهم الأموال الكثيرة والأولاد إن كانت تلك الأشياء باقية عندهم كانوا في ألم الخوف الشديد من فواتها ، وإن فاتت وهلكت كانوا في ألم الحزن الشديد بسبب فواتها . فثبت أنه بحصول موجبات السعادات الجسمانية لا ينفك عن تلك القلب إما بسبب خوف فواتها وإما بسبب الحزن من وقوع فواتها . والثاني : أن هذه يحتاج في اكتسابها وتحصيلها إلى تعب شديد ومشقة عظيمة ، ثم عند حصولها يحتاج إلى متاعب أشد وأشق وأصعب وأعظم في حفظها ، فكان حفظ المال بعد حصوله أصعب من اكتسابه ، فالمشغوف بالمال والولد أبداً يكون في تعب الحفظ والصون عن الهلاك ، ثم إنه لا ينتفع إلا بالقليل من تلك الأموال ، فالتعب كثير والنفع قليل . والثالث : أن الإنسان إذا عظم حبه لهذه الأموال والأولاد ، فإما أن تبقى عليه هذه الأموال والأولاد إلى آخر عمره ، أولا تبقى ، بل تهلك وتبطل . فإن كان الأول ، فعند الموت يعظم حزنه وتشتد حسرته ، لأن مفارقة المحبوب شديدة ، وترك المحبوب أشد وأشق ، وإن كان الثاني وهو أن هذه الأشياء تهلك وتبطل حال حياة الإنسان عظم أسفه عليها ، واشتد تألم قلبه بسببها ، فثبت أن حصول الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا . الرابع : أن الدنيا حلوة خضرة والحواس مائلة إليها ، فإذا كثرت وتوالت استغرقت فيها وانصرفت النفس بكليتها إليها ، فيصير ذلك سبباً لحرمانه عن ذكر الله ، ثم إنه يحصل في قلبه نوع قسوة وقوة وقهر ، وكلما كان المال والجاه أكثر . كانت تلك القسوة أقوى ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { إِنَّ الإنسان ليطغى * أَن رَّءاهُ استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] فظهر أن كثرة الأموال والأولاد سبب قوي في زوال حب الله وحب الآخرة عن القلب وفي حصول حب الدنيا وشهواتها في القلب ، فعند الموت كان الإنسان ينتقل من البستان إلى السجن ومن مجالسة الأقرباء والأحباء إلى موضع الكربة والغربة ، فيعظم تألمه وتقوى حسرته ، ثم عند الحشر حلالها حساب ، وحرامها عقاب . فثبت أن كثرة الأموال والأولاد سبب لحصول العذاب في الدنيا والآخرة .
فإن قيل : هذا المعنى حاصل للكل ، فما الفائدة في تخصيص هؤلاء المنافقين بهذا العذاب؟
قلنا : المنافقون مخصوصون بزيادات في هذا الباب : أحدها : أن الرجل إذا آمن بالله واليوم الآخر علم أنه خلق للآخرة لا للدنيا ، فبهذا العلم يفتر حبه للدنيا ، وأما المنافق لما اعتقد أنه لا سعادة إلا في هذه الخيرات العاجلة عظمت رغبته فيها ، واشتد حبه لها ، وكانت الآلام الحاصلة بسبب فواتها أكثر في حقه ، وتقوى عند قرب الموت وظهور علاماته ، فهذا النوع من العذاب حاصل لهم في الدنيا بسبب حب الأموال والأولاد . وثانيها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكلفهم إنفاق تلك الأموال في وجوه الخيرات ، ويكلفهم إرسال أموالهم وأولادهم إلى الجهاد والغزو ، وذلك يوجب تعريض أولادهم للقتل ، والقوم كانوا يعتقدون أن محمداً ليس بصادق في كونه رسولاً من عند الله وكانوا يعتقدون أن إنفاق تلك الأموال تضييع لها من غير فائدة ، وأن تعريض أولادهم للقتل التزام لهذا المكروه الشديد من غير فائدة ، ولا شك أن هذا أشق على القلب جداً ، فهذه الزيادة من التعذيب ، كانت حاصلة للمنافقين . وثالثها : أنهم كانوا يبغضون محمداً عليه الصلاة والسلام بقلوبهم ، ثم كانوا يحتاجون إلى بذل أموالهم وأولادهم ونفوسهم في خدمته ، ولا شك أن هذه الحالة شاقة شديدة . ورابعها : أنهم كانوا خائفين من أن يفتضحوا ويظهر نفاقهم وكفرهم ظهوراً تاماً ، فيصيرون أمثال سائر أهل الحرب من الكفار ، وحينئذ يتعرض الرسول لهم بالقتل ، وسبي الأولاد ونهب الأموال ، وكلما نزلت آية خافوا من ظهور الفضيحة ، وكلما دعاهم الرسول خافوا من أنه ربما وقف على وجه من وجوه مكرهم وخبثهم وكل ذلك مما يوجب تألم القلب ومزيد العذاب . وخامسها : أن كثيراً من المنافقين كان لهم أولاد أتقياء ، كحنظلة بن أبي عامر غسلته الملائكة ، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ، شهد بدراً وكان من الله بمكان ، وهم خلق كثير مبرؤن عن النفاق وهم كانوا لا يرتضون طريقة آبائهم في النفاق ، ويقدحون فيهم ، ويعترضون عليهم ، والابن إذا صار هكذا عظم تأذى الأب به واستيحاشه منه ، فصار حصول تلك الأولاد سبباً لعذابهم . وسادسها : أن فقراء الصحابة وضعافهم كانوا يذهبون في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الغزوات ، ثم يرجعون مع الاسم الشريف والثناء العظيم والفوز بالغنائم . وهؤلاء المنافقون مع الأموال الكثيرة والأولاد الأقوياء ، كانوا يبقون في زوايا بيوتهم أشباه الزمنى والضعفاء من الناس ، ثم إن الخلق ينظرون إليهم بعين المقت والازدراء والسمة بالنفاق ، وكأن كثرة الأموال والأولاد صارت سبباً لحصول هذه الأحوال ، فثبت بهذه الوجوه أن كثرة أموالهم وأولادهم صارت سبباً لمزيد العذاب في الدنيا في حقهم .
وللحديث بقية .
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.
ابوعبدالرحمن حمزة
24-02-2010, 10:35 AM
سابعا: قوله تعالى :( ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)التوبه
{ وَإِن يَتَوَلَّوْا } أي عن التوبة { يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدنيا والأخرة } أما عذاب الآخرة ، فمعلوم . وأما العذاب في الدنيا ، فقيل : المراد به أنه لما ظهر كفرهم بين الناس صاروا مثل أهل الحرب ، فيحل قتالهم وقتلهم وسبي أولادهم وأزواجهم واغتنام أموالهم . وقيل بما ينالهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب . وقيل : المراد عذاب القبر { وَمَا لَهُمْ فِى الأرض مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } يعني أن عذاب الله إذا حق لم ينفعه ولي ولا نصير .
وقوله: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)التوبه
{ سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } وذكروا في تفسير المرتين وجوهاً كثيرة :
الوجه الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الأمراض في الدنيا ، وعذاب الآخرة ، وذلك أن مرض المؤمن يفيده تكفير السيئات ، ومرض الكافر يفيده زيادة الكفر وكفران النعم .
الوجه الثاني : روى السدي عن أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قام خطيباً يوم الجمعة فقال : " اخرج يا فلان فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق " فأخرج من المسجد ناساً وفضحهم فهذا هو العذاب الأول ، والثاني عذاب القبر .
والوجه الثالث : قال مجاهد : في الدنيا بالقتل والسبي وبعد ذلك بعذاب القبر .
والوجه الرابع : قال قتادة بالدبيلة وعذاب القبر ، وذلك أن النبي عليه السلام أسر إلى حذيفة اثني عشر رجلاً من المنافقين ، وقال : ستة يبتليهم الله بالدبيلة سراج من نار يأخذ أحدهم حتى يخرج من صدره ، وستة يموتون موتاً .
الوجه الخامس : قال الحسن : يأخذ الزكاة من أموالهم ، وعذاب القبر .
والوجه السادس : قال محمد بن إسحق : هو ما يدخل عليهم من غيظ الإسلام ودخولهم فيه من غير حسنة ، ثم عذابهم في القبور .
والوجه السابع : أحد العذابين ضرب الملائكة الوجوه والأدبار . والآخر عند البعث ، يوكل بهم عنق النار . والأولى أن يقال مراتب الحياة ثلاثة : حياة الدنيا ، وحياة القبر ، وحياة القيامة ، فقوله : { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } المراد منه عذاب الدنيا بجميع أقسامه ، وعذاب القبر . وقوله : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } المرا دمنه العذاب في الحياة الثالثة ، وهي الحياة في القيامة .
ثم قال تعالى في آخر الآية : { ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ } يعني النار المخلدة المؤبدة .
ثامنا: قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)هود
اعلم أن الكفار كانوا ينازعون محمداً صلى الله عليه وسلم في أكثر الأحوال ، فكانوا يظهرون من أنفسهم أن محمداً مبطل ونحن محقون ، وإنما نبالغ في منازعته لتحقيق الحق وإبطال الباطل ، وكانوا كاذبين فيه ، بل كان غرضهم محض الحسد والاستنكاف من المتابعة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية لتقرير هذا المعنى . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] وقوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الأخرة نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا ومالَهُ فِى الأخرة مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن في الآية قولين :
القول الأول : أنها مختصة بالكفار ، لأن قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا } يندرج فيه المؤمن والكافر والصديق والزنديق ، لأن كل أحد يريد التمتع بلذات الدنيا وطيباتها والانتفاع بخيراتها وشهواتها ، إلا أن آخر الآية يدل على أن المراد من هذا العام الخاص وهو الكافر ، لأن قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ الذين لَيْسَ لَهُمْ فِى الأخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } لا يليق إلا بالكفار ، فصار تقدير الآية : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فقط ، أي تكون إرادته مقصورة على حب الدنيا وزينتها ولم يكن طالباً لسعادات الآخرة ، كان حكمه كذا وكذا ، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا فيه ، فمنهم من قال : المراد منهم منكرو البعث فإنهم ينكرون الآخرة ولا يرغبون إلا في سعادات الدنيا ، وهذا قول الأصم وكلامه ظاهر .
والقول الثاني : أن الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع الرسول عليه السلام الغنائم من دون أن يؤمنوا بالآخرة وثوابها .
والقول الثالث : أن المراد : اليهود والنصارى؛ وهو منقول عن أنس .
والقول الرابع : وهو الذي اختاره القاضي أن المراد : من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها ، وعمل الخير قسمان : العبادات ، وإيصال المنفعة إلى الحيوان ، ويدخل في هذا القسم الثاني البر وصلة الرحم والصدقة وبناء القناطر وتسوية الطرق والسعي في دفع الشرور وإجراء الأنهار . فهذه الأشياء إذا أتى بها الكافر لأجل الثناء في الدنيا ، فإن بسببها تصل الخيرات والمنافع إلى المحتاجين ، فكلها تكون من أعمال الخير ، فلا جرم هذه الأعمال تكون طاعات سواء صدرت من الكافر أو المسلم . وأما العبادات : فهي إنما تكون طاعات بنيات مخصوصة ، فإذا لم يؤت بتلك النية ، وإنما أتى فاعلها بها على طلب زينة الدنيا ، وتحصيل الرياء والسمعة فيها صار وجودها كعدمها فلا تكون من باب الطاعات .
وإذا عرفت هذا فنقول قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا } المراد منه الطاعات التي يصح صدورها من الكافر .
القول الثاني : وهو أن تجري الآية على ظاهرها في العموم ، ونقول : إنه يندرج فيه المؤمن الذي يأتي بالطاعات على سبيل الرياء والسمعة ، ويندرج فيه الكافر الذي هذا صفته ، وهذا القول مشكل ، لأن قوله : { أُوْلَئِكَ الذين لَيْسَ لَهُمْ فِى الأخرة إِلاَّ النار } لا يليق المؤمن إلا إذا قلنا المراد أولئك الذين ليس لهم في الأخرة إلا النار بسبب هذه الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة المقرونة بالرياء ، ثم القائلون بهذا القول ذكروا أخباراً كثيرة في هذا الباب . روي أن الرسول عليه السلام قال : « تعوذوا بالله من جب الحزن » قيل وما جب الحزن؟ قال عليه الصلاة والسلام : « واد في جهنم يلقى فيه القراء المراؤون » وقال عليه الصلاة والسلام : « أشد الناس عذاباً يوم القيامة من يرى الناس أن فيه خيراً ولا خير فيه » وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إذا كان يوم القيامة يدعى برجل جمع القرآن ، فيقال له ما عملت فيه؟ فيقول يا رب قمت به آناء الليل والنهار فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال : فلان قارىء ، وقد قيل ذلك ، ويؤت بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك فماذا عملت فيما آتيتك فيقول : وصلت الرحم وتصدقت ، فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلان جواد ، وقد قيل ذلك ويؤتى بمن قتل في سبيل الله فيقول قاتلت في الجهاد حتى قتلت فيقول الله تعالى كذبت بل أردت أن يقال فلان جريء وقد قيل ذلك » قال أبو هريرة رضي الله عنه ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتي وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه ذكر هذا الحديث عند معاوية قال الراوي فبكى حتى ظننا أنه هالك ثم أفاق وقال صدق الله ورسوله { مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } .
المسألة الثانية : المراد من توفية أجور تلك الأعمال هو أن كل ما يستحقون بها من الثواب فإنه يصل إليهم حال كونهم في دار الدنيا ، فإذا خرجوا من الدنيا لم يبق معهم من تلك الأعمال أثر من آثار الخيرات ، بل ليس لهم منها إلا النار .
واعلم أن العقل يدل عليه قطعاً ، وذلك لأن من أتى بالأعمال لأجل طلب الثناء في الدنيا ولأجل الرياء ، فذلك لأجل أنه غلب على قلبه حب الدنيا ، ولم يحصل في قلبه حب الآخرة ، إذ لو عرف حقيقة الآخرة وما فيها من السعادات لامتنع أن يأتي بالخيرات لأجل الدنيا وينسى أمر الآخرة ، فثبت أن الآتي بأعمال البر لأجل الدنيا لا بد وأن يكون عظيم الرغبة في الدنيا عديم الطلب للآخرة ومن كان كذلك فإذا مات فإنه يفوته جميع منافع الدنيا ويبقى عاجزاً عن وجدانها غير قادر على تحصيلها ، ومن أحب شيئاً ثم حيل بينه وبين المطلوب فإنه لا بد وأن تشتعل في قلبه نيران الحسرات فثبت بهذا البرهان العقلي ، أن كل من أتى بعمل من الأعمال لطلب الأحوال الدنيوية فإنه يجد تلك المنفعة الدنيوية اللائقة بذلك العمل ، ثم إذا مات فإنه لا يحصل له منه إلا النار ويصير ذلك العمل في الدار الآخرة محبطاً باطلاً عديم الأثر .
تاسعا: قوله: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)الرعد
[ 32 ] { وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } [ 33 ] { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى الأرض أَم بظاهر مِّنَ القول بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصَدُّواْ عَنِ السبيل وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ 34 ] { لَهُمْ عَذَابٌ فِى الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الأخرة أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ } اعلم أن القوم لما طلبوا سائر المعجزات من الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الاستهزاء والسخرية وكان ذلك يشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتأذى من تلك الكلمات فالله تعالى أنزل هذه الآية تسلية له وتصبيراً له على سفاهة قومه فقال له إن أقوام سائر الأنبياء استهزؤا بهم كما أن قومك يستهزئون بك : { فأمليت للذين كفروا } أي أطلت لهم المدة بتأخير العقوبة ثم أخذتهم فكيف كان عقابي لهم ................واعلم أنه تعالى لما أخبر عنهم بتلك الأمور المذكورة بين أنه جمع لهم بين عذاب الدنيا ، وبين عذاب الآخرة الذي هو أشق ، وأنه لا دافع لهم عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة . أما عذاب الدنيا فبالقتل ، والقتال ، واللعن ، والذم ، والإهانة ، وهل يدخل المصائب والأمراض في ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه ، قال بعضهم : إنها تدخل فيه ، وقال بعضهم : إنها لا تكون عقاباً ، لأن كل أحد نزلت به مصيبة فإنه مأمور بالصبر عليها ، ولو كان عقاباً لم يجب ذلك ، فالمراد على هذا القول من الآية القتل ، والسبيء ، واغتنام الأموال ، واللعن ، وإنما قال : { ولعذاب الآخرة أشق } لأنه أزيد إن شئت بسبب القوة والشدة ، وإن شئت بسبب كثرة الأنواع ، وإن شئت بسبب أنه لا يختلط بها شيء من موجبات الراحة ، وإن شئت بسبب الدوام وعدم الانقطاع ، ثم بين بقوله : { وما لهم من الله من واق } أي أن أحداً لا يقيهم ما نزل بهم من عذاب الله .
وللحديث بقية .
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.
ابوعبدالرحمن حمزة
24-02-2010, 11:06 AM
عاشرا:قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)السجدة
{ ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى } أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السنة سبع سنين { دون العذاب الأكبر } أي عذاب الآخرة أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة . وعن الداراني : العذاب الأدنى الخذلان والعذاب الأكبر الخلود في النيران . وقيل : العذاب الأدنى عذاب القبر { لعلّهم } لعل المعذبين بالعذاب الأدنى { يرجعون } يتوبون عن الكفر
حادي عشر : قوله: فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(26)الزمر
ثم قال تعالى : { وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ولما بين الله تعالى كيفية عذاب القاسية قلوبهم في الآخرة بين أيضاً كيفية وقوعهم في العذاب في الدنيا فقال : { كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } وهذا تنبيه على حال هؤلاء لأن الفاء في قوله : { فأتاهم العذاب } تدل على أنهم إنما أتاهم العذاب بسبب التكذيب ، فإذا كان التكذيب حاصلاً ههنا لزم حصول العذاب استدلالاً بالعلة على المعلول ، وقوله : { مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي من الجهة التي لا يحسبون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها ، بينما هم آمنون إذ أتاهم العذاب من الجهة التي توقعوا الأمن منها ، ولما بين أنه أتاهم العذاب في الدنيا بين أيضاً أنه أتاهم الخزي وهو الذل والصغار والهوان ، والفائدة في ذكر هذا القيد أن العذاب التام هو أن يحصل فيه الألم مقروناً بالهوان والذل .
ثم قال : { وَلَعَذَابُ الأخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يعني أن أولئك وإن نزل عليهم العذاب والخزي كما تقدم ذكره ، فالعذاب المدخر لهم في يوم القيامة أكبر وأعظم من ذلك الذي وقع .
هذه نقول من كتب التفسير تبين معاني هذه الأيات وضعتها للنقاش وللحديث بقية .
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.
أبو عصام
13-03-2010, 03:32 AM
اقتباس:
(...ما أورده الأخ أبو أحمد من أيات للدلالة على أن الجزاء منه ما يعجل في الدنيا فكلامه غير دقيق _إلا إذا اراد بالمجازة نتيجة أعمالهم في الدنيا بحسب سنن الوجود_ وذلك يتضح بسرد الأيات التي ذكرها مع الرجوع لتفسيرها )
الاخ المحترم ابو عبد الرحمن حمزة :
اود ان اسال عن استجابة الدعاء ومدى توافقه مع ما اقتبسته من كلامك انفا (..نتيجة اعمالهم في الدنيا بحسب سنن الوجود ..) هل الدعاء على الاعداء عمل ينتج عنه ما يمكن ان ينتج عن الاعداد للقتال وقتال العدو فعلا؟ , ام الاعداد والقتال والدعاء عمل متكامل ينتج عنه نتيجة حسية ؟ام ان الدعاء لا اثر له مع استصحاب سنن الوجود ؟ ارجو ان توضح لي ما تقصده من عبارتك، وان تجيب عن ما سالتك عنه .
مع الشكر
رجل دولة
13-03-2010, 11:12 PM
يجب أن يكون واضحاً أن الدعاء لا يغيّر ما في علم الله، ولا يدفع قضاء، ولا يسلب قدراً، ولا يحدث شيئاً على غير سببه. لأن علم الله متحقق حتماً، وقضاء الله واقع لا محالة. إذ لو دفعه الدعاء لَما كان قضاء. والقدر أوجده الله فلا يسلبه الدعاء. والله خلق الأسباب ومسبَّباتها، وجعل السبب يُنتج المسبَّب حتماً، ولو لم ينتجه لما كان سبباً. ولذلك لا يجوز أن يُعتقد أن الدعاء طريقة لقضاء الحاجة، حتى لو استجاب الله وقُضيت الحاجة بالفعل. لأن الله جعل للكون والإنسان والحياة نظاماً تسير عليه، وربط الأسباب بالمسبَّبات. والدعاء لا يؤثر في خرق أنظمة الله ولا في تخلف الأسباب. وإنّما الغاية من الدعاء تحصيل الثواب بامتثال أمر الله. وهو عبادة من العبادات. فكما أن الصلاة عبادة والصوم عبادة والزكاة عبادة.. الخ، فكذلك الدعاء عبادة. فيدعو المؤمن ويطلب من الله قضاء حاجته، أو كشف غمّته، أو غير ذلك من الأدعية المتعلقة بالدنيا والآخرة التجاءً إلى الله، وخضوعاً وطلباً لثوابه، وامتثالاً لأوامره. فإن قُضيت حاجته كان فضلاً من الله، ويكون قضاؤها وفق أنظمة الله سائراً على قاعدة ربط الأسباب بالمسبَّبات، وإن لم يقضها كُتب له ثوابها.
على هذا الوجه ينبغي أن يكون الدعاء من المسلم، خضوعاً لله، وامتثالاً لأمره، وطلباً لثوابه، سواء قُضيت حاجته أم لم تُقض.
من كتاب الفكر الاسلامي
أبو عصام
14-03-2010, 03:25 AM
الاخ رجل الدولة المحترم :
الحقيقة انني لا اتحدث عن الاعتقاد باعتبار الدعاء طريقة لقضاء الحاجات ، ولا اتحدث عن كون استجابة الله للدعاء بما هو خارق لنواميس الكون ، او لتخلف الاسباب ،وانما اتحدث عن استجابة الله للدعاء بالفعل وقضاء الحاجة باعتباره فضلا من الله جزاء لتذلل العبد ان يقضي بفضله حاجته .
ابوعبدالرحمن حمزة
17-03-2010, 11:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعاء عبادة يتقرب بها المسلم الى الله سبحانه وتعالى وهي أفضل من السكوت وقد أخبرنا الله بأنه يستجيب لدعاء عباده قال تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)) بل إن الله سبحانه يستجيب لغير المؤمنين قال عز وجل : ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) )الاسراء
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) ) لقمان
( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) )يونس قال أهل التفسير(وَإِذَا مَسَّ الإنسان أصابه والمراد به الكافر { الضر دَعَانَا } أي دعا الله لإزالته { لِجَنبِهِ } في موضع الحال بدليل عطف الحالين أي { أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } عليه أي دعانا مضطجعاً . وفائدة ذكر هذه الأحوال أن معناه أن المضرور لا يزال داعياً لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر ، فهو يدعونا في حالاته كلها سواء كان مضطجعاً عاجزاً عن النهوض ، أو قاعداً لا يقدر على القيام ، أو قائماً لا يطيق المشي { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ } أزلنا ما به { مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرّ مَّسَّهُ } أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسي حال الجهد ، أو مر عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به ، والأصل «كأنه لم يدعنا» فخفف وحذف ضمير الشأن { كذلك } مثل ذلك التزيين { زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ } للمجاوزين الحد في الكفر زين الشيطان بوسوسته { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من الإعراض عن الذكر واتباع الكفر .)
وبالتدقيق بالآيات الأنفة الذكر يتضح أن استجابة الله سبحانه لدعاء الداع إنما هو من الإبتلاء والإختبار للإنسان هل يشكر لان الله استجاب لدعاءه أم يكفر هذا والله أعلم.
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.
أبو عصام
18-03-2010, 09:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ الفاضل ابو عبد الرحمن حمزة
الموضوع المبحوث هو الجزاء وهل هو دنيوي او اخروي ، والدعاء قد تم بحثه من زاوية الاستجابة من عدمها ، والذي يفهم من قولك -حسب فهمي - انك لا تنكر امكانية استجابة الله لتذلل العبد بان يقضي له الحاجة في الدنيا وان كان الدعاء ليس طريقة لقضاء الحاجات اي قد ييسر الله للعبد وليس شرطا ان يحدث ذلك كنتيجة حتمية للدعاء ، وبذلك فان جزاء الله قد يكون في الدنيا وهذا موافق لما يفهم من اقوال معظم علماء المسلمين ، وهذا الفهم لا يناقض مطلقا الاخذ بالاسباب . مع تقديري واحترامي لك وللاخوة .
ابو عمر الحميري
14-05-2010, 04:41 PM
النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة تدل على ان الجزاء يكون في الاخرة فالمؤمنون الذين عبدوا الله حق العبادة واطاعوه حق الطاعة يدخلةن الجنة خالدين فيها اما الكافرين بكل اصنافهم فيدخلون نار جهنم خالدين فيها اما عصاة المسلمين فيعذبون في نار جهنم بقدر معاصيهم ولكن دون خلود .
هذا في الاخرة اما ما يحصل في الدنيا فقد يكون من قبيل العذاب كما كان يحصل مع اتباع الرسل والانبياء السابقين كما حصل مع قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وغيرهم جزاء تكذيب الرسل وهذا لا يغني عن عذاب الاخرة وقديحصل هذا للرسل والانبياء فيكون من قبيل الابتلاء اما ما يحصل للمسلمين فقد يكون للابتلاء والتمحيص وقد يكون للتأديب وقد يكون عقوبة ليلتزموا بأحكام الاسلام وايجادها في واقع الحياة وهذا لا يغني ايضا عن الجزاء الاخروي فكل انسان يأتي يوم القيامة الى الله ويحاسب بمفرده اما الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين فلا تعتبر من قبيل الجزاء او العقوبات بل تأتي هذه ضمن القوانين التي وضعها رب العالمين والسلام .
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.