أبو زكريّا
25-05-2011, 12:05 PM
كنت من الذين يتتبّعون عن كثب مسيرة العمل اليساري و لقد هالني أن اليساريّين رغم ادعاءهم بتمتّعهم بروح نقديّة وأنّهم يقومون بتقييم شامل لأفكارهم و لمواقفهم وللواقع و لكن ذلك لم يتجاوز مجرد الكلام فمشكلة اليسار أنّه ظلّ حبيس نصوص وأفكار لم تجعلهم فقط لا وطنيّين ولا ديمقراطيّين ولا تقدميّين فحسب ، بل حسب رأيي خارج إطار التاريخ ، أي خارج إطار الفعل الحضاري و خارج إطار العمل السياسي الذي يقدّم معالجات حقيقيّة لكلّ مشاكل المجتمعات والشعوب . وحتّى لا أطيل سوف أدخل رأسا في الموضوع.
لقد اجتاحت البلدان الضعيفة و المنحطّة موجات استعمار من طرف الدول المتقدّمة وأنواع من التبعيّة السياسيّة ، والفكريّة ، والاجتماعيّة ، والاقتصاديّة ، والثقافية و الحضارية … وغايتها كلّها ليس فقط استفراد الغرب بخيرات هذه الشعوب لابتزازها ، بل أيضا و هذا هو الأساس إخضاع هذه الشعوب لعمليّة غسيل دماغ حضاريّة تقضي فيها على حضارات هذه الشعوب السابقة وعلى تاريخها وعلى عقائدها وعلى تراثها وتجعلها في الأخير تابعة في خضوع ذليل للحضارة الغربيّة ومؤسّساتها وقيمها.
واليسار المكبل بنصوص ماركس ولينين وستالين وريكاردو وغيرهم والمنبهر بهؤلاء المفكّرين الذين اتخذهم أصناما مقدّسة فوق النقد والمحاسبة ، أصبح بفعل ذلك غير قادر على أن يواجه المخاطر التي تتعرّض لها تلك المجتمعات وتلك الشعوب ، بل على العكس من ذلك فان مواقفهم ووجهات نظرهم تتناقض في الأساس مع مصالح تلك الشعوب ومع قيمها وتاريخها ومع هويّتها ومع العناصر المكوّنة للعرق التاريخي لهذه الشعوب.
ففي الوقت الذي تعرضت فيه هذه الشعوب لغزو استعماري عسكري مباشر نجد أن الأحزاب اليساريّة التي وجدت في البلاد المستعمرَة كان الفضل في بعثها وإنشائها بل وتمويلها يعود لرجال من الغرب أي للآخر، أي أنّ اليسار غربي المنشأ والفكر والتحليل والتفكير. وهذه البداية هي التي جعلت هذه الأحزاب تقطع ليس فقط مع تاريخ شعوبها أو مع مكونّات تلك الشعوب الحضاريّة ومع ثقافاتها ومع مؤسّساتها الماضية بل حتّى مع العمل الآني الواجب القيام به. فاليسار لم يقاوم بالفعل الوجود العسكري الغربي وأكتفي بمقولات الصراع الطبقي وكأنّ هذه الشعوب مكونّة في تلك الحقبة من طبقات حسب المنظور الماركسي وهذا الموقف جعلها في الخندق الآخر أي أنّها كانت معادية لشعوبها إضافة إلى كون التكوين الفكري اليساري يجعل من اليساري أبعد من أن يحمل سلاح وأبعد عن روح التضحية في سبيل القوم أوالوطن أوفي سبيل مثال أعلى. وهنا كان الرجال الذين قاوموا المحتل أشرف وأنبل و أطهر من الذين لا يحملون هم شعوبهم ولا يدافعون عنها أمام الغزاة . ولذلك استطاع مثلا الحزب الدستوري الحرّ أن يجمع الناس حوله وبقي اليسار بفعل قراآته وأدبيّاته ومقولاته بعيدا عن المجتمع ، بعيدا عن النّاس وبعيدا عن الفعل السياسي والحضاري لأن تفكيرهم تفكيرا غريبا عن شعوبهم وعن مشاكلها وعن همومها وآمالها. فتفكيرهم مثل تفكير الآخر أي الغربي، العنصري ، المحتل، الأناني والميكيافلي ....
فقد انسلخوا عن شعوبهم وأصبحوا غرباء عنها وعن آمالها وتطلعاتها . وبالفعل كانت عقيدتهم الماديّة تتناقض مع عقائد هذه الشعوب وتراثها وتاريخها. والفكر اليساري برمّته ليس له علاقة لا بهذه الشعوب ولا بأوضاعها السياسيّة و لا الاقتصاديّة . فكيف يكون اليسار وطنيّا وهو غريب عن محيطنا وغريب عن تراثنا وغريب عن مكوّنات شعوبنا ؟
وهذا الأمر صاحبهم وظل معهم حتى بعد أن أرست الحكومات الغربيّة حكومات عميلة علينا حرصت على تكبيل شعوبها بكل انواع التبعيّات ، وعوض أن يعمل اليسار على مناهضة تلك الحكومات الحاملة لمشروع تغريببي ولتبعيّة حضاريّة وفكريّة ، فإنّه ظلّ حبيسا لنظريّة الصراع الطبقي، وكأنّ مجتمعاتنا إبّان موجات الاستقلالات المزيّفة فيها طبقات بورجوازيّة وفيها شركات متعدّدة الجنسيّات وطنيّة وفيها بورجوازيّة وطنيّة وصلت قمة التناقض المادّي الرأسمالي ممّا يحتّم القيام والتعجيل بالصراع الذي يخلص الشعوب من الاستغلال والاستبداد وطبعا اليسار وحده هو الذي يدافع عن البروليتاريا. ولذلك تصوّر اليسار وجود يمين وتصوّر أنّ هذا اليمين هو بورجوازي وتصوّر أنّ هذه البرجوازيّة وصلت إلى قمّة التناقض الذي يستدعي صراعا وثورات دمويّة . فمن هو هذا اليمين ؟
هذا اليمين هو الحركة الإسلاميّة . فإذا باليمين مكوّن من أفراد الشعب الفقير المعدم و الذي لا يتجاوز رجاله البارزين وضع ما يسمّى بالطبقة الوسطى. وهكذا يجد اليسار نفسه في التسلّل ، إضافة إلى أنّ اليسار له رجال أعمال التحقوا بالطبقة الرأسماليّة ولذلك عوض أن يعمل اليسار على تخليص الشعب من حكّام وحكومات وأنظمة عانى منها الشعب الويلات ، نجد الكثير من رجالاته يخدمون هذا المشروع الاستعماري التغريببي ، فالكثير من أحزاب اليسار في الشرق ـ حزب البعث ـ وقادة معروفين من اليسار كانوا رجال مرحلة التبعيّة و العمالة بكل أنواعها و كانوا حتّى من أدوات القمع و الإرهاب لشعوبهم - الكثير من كوادر اليسار في تونس كانوا من ضبّاط الأمن أمثال محمد الناصر , محمد الشرفي و سمير العبيدي و غيرهم- كانوا من أزلام نظام بن علي. و نظرة بسيطة على برامج اليسار التونسي تثبت أن اليسار لم يقرأ التاريخ و لم يقرأ الأحداث و بفعل أن فكره غربي المنشأ و الأساس ، فهو سيظلّ غريبا عن الوطن و عن الشعب و سيظلّ بعيدا على أن يكون حامل آمال الشعب و رغبته في الانعتاق من كل أنواع التبعيّة وفي الانعتاق الحضاري من جحيم حضارة ماديّة أنانيّة زائفة دمرت كل القيم و دمرت العلاقات وكل الروابط الطبيعيّة. ولذلك فمن هذه الناحية يكون اليسار لا وطني البرامج ولا وطني في الحلول التي يقدّمها ولا في التصورات التي يقدمها والحلول التي يراها. ويتذرّع اليسار بالديمقراطيّة وهي غريبة عنه ، فالفكر اليساري برمتّه فكر إرهابي، عنفي و دموي. وحصاد الثورات اليساريّة يدلّل على هذا الأمر ؛ آلاف الضحايا والاعتداء على الأملاك الخاصّة ، سرقوا أموال النّاس وأملاكهم ، سلبوا النّاس حريّاتهم . فالفعل السياسي حكر على الأحزاب الشيوعيّة ؛ إذ هي أحزاب وأنظمة شموليّة totalitaires والفكر التوتاليتاري هو فكر لا ديمقراطي بالأساس والأنظمة الشموليّة هي كذلك لا ديمقراطيّة بالأساس، وفكرة صراع الطبقات وديكتاتوريّة البروليتاريا هي فكرة دمويّة لا ديمقراطية، والثورات الشيوعيّة كانت الشعوب هي ضحيّتها الأولى وكانت الحريّات السياسيّة وحريّة التعبير وحرية الإعتقاد من ضحاياها البارزة. فأين هي الديمقراطية من اليسار ؟ ثم إن الديمقراطيّة أليست هي نظاما ابتدعه الإغريق وبالأخصّ سولون solon وهذا النظام أقدم من الإسلام ومن الإقطاع ومن الرأسمالية … والمناداة بهذا النظام في ظل ظروف إقتصاديّة وسياسيّة وإجتماعيّة وعالميّة ودوليّة مختلفة أليس ذلك نوعا من الرجوع إلى الوراء ؟ أليس ذلك رجعيّة ؟ ثم إنّ النظام الليبيرالي هو أبرز من النظام الديمقراطي ومع ذلك فإن المناداة بتطبيقه يعني تطبيق النظام الليبيرالي في الإقتصاد بإعتبار أنّ النظام الديمقراطي نظام حكم وليس نظام إقتصاد ولذلك كانت البورجوازيّة وهي الممثلة للنظام الإقتصادي وللهيمنة الإقتصاديّة تتّخذ من الديمقراطية أداة لبسط هيمنة سياسيّة موازية لهيمنتها الإقتصاديّة. ونظرة تاريخية ترينا أن الثورة الفرنسيّة كانت تدعمها الطبقة البورجوازيّة لإيجاد نظام جمهوري يخدم مصالح هذه البورجوازيّة، ذلك أن الملكيّة كانت تعتمد على أسلوب etats generaux في تمثيل النّاس . ونجد في etat general الأول الطبقة الآرستقراطيّة ممثّلة في الأسياد وفي الثانية نجد رجال الدين والأخيرة تمثل الشعب ـ أيام هنري 16 والبورجوازيّة كانت إحدى مكوّنات etat general الثالث إلى جانب العمّال وصغار التجّار وصغار الملاك والموظفين ...وكان هذا العهد بداية الهيمنة البورجوازيّة على الإقتصاد ولكن على المستوى السياسي لم تكن المؤسّسات الموجودة لتسمح بدور سياسي للبورجوازيّة يوازي دورها الإقتصادي فحاولت البورجوازيّة عبر الإضطرابات و المؤامرات أن تحدث تغييرا مؤسساتيّا يعطيها دورا أهمّ مثل تكوين مجلس واحد تتمثّل فيه كل الأطياف. ولما وقع رفض مطلبها بدأت في تكتيك ثان وهو إعلان حرب على طبقة النبلاء؛ التي كانت مع رجال الدين ركائز تدعم النظام الملكي المطلق وفي نفس الوقت كسبت إلى صفوفها الكثير من رجال الدين ـ بقيت رموز الكنيسة الكبار تدعم الحكم المطلق للملك ـ ولما فشلت هذه السياسة أيضا ومع حاجة الملك لإجتماع هذه اللجان الثلاث لإقرار ميزانيّة ملحة للدولة ، رفضت البورجوازيّة ـ التي أصبحت الممثل البارز للشعب وتقود النضالات بإسمه ـ حينئذ أعلنت الحرب على النظام الملكي وعلى نظام etat general ونادت بفكرة سيادة الجماهير وكونت مجلس واحدا أسمته assemblee generale نادت به ممثّلا واحدا ووحيدا للشعب. وتوالت الأحداث إلى حين هدم النظام القديم الذي لم يعد يخدم تطلّعاتها. وإرساء النظام الجمهوري وهو نظام حكم ديمقراطي وطبعا تطبيق النظام الليبيرالي . وبهذين النظامين استطاعت البورجوازيّة إلى حدّ هذا اليوم أن توجد مجتمعا طبقيّا، متناقضا وكلّه مشاكل وأزمات دوريّة في كلّ الميادين سواءا اقتصاديّة، سياسيّة أو حتّى اجتماعيّة ، هذا إلى جانب تحوّل الرأسمال المحلّي الغربي إلى رأسمال عالمي وأخطبوط يمهّد لهيمنة حضاريّة وسياسيّة ، عسكريّة ، اقتصاديّة واجتماعيّة ـ عن طريق الشركات العملاقة المتعدّدة الجنسيّات ـ ومقولات اليسار ،هي- هي، لم تتغيّر ، تتباهى بالثوريّة وهي جزء من منظومة نظام عالمي استبدادي ولها دور في سياسة تغريب حضاريّة وهيمنة وتبعيّة.
هذا إذا أضفنا أنّ لا وجود لوازع أخلاقي وإنساني في العمل عندهم ، فالفكر اليساري أصلا ضدّ الأخلاق التي يعتبرها أخلاق إنتاج، ولذلك فهو متحرّر من كلّ قيد أخلاقي وإنساني … وإلاّ كيف يتحالف اليسار مع أنظمة وريثة استعمار ؟ وكيف يتحالف مع نظام عالمي جديد يجعل الكون كلّه مستعمرة غربيّة ؟ وهنا نفهم لماذا يتحالف اليسار مع الغرب الذي ابتدع حربا جديدة وعدوّا جديدا، هذا العدو هو الإسلام تحت غطاء ما يسمّى بالإرهاب والأصولية والتطرّف . ونفهم لماذا عِوَض أن يناهضوا هذا النظام العالمي الجديد نجده يواجه ما يدّعي الغرب أنّه يواجهه مثل القاعدة والإرهاب . فابن لادن لا يعدو أن يكون إلاّ كمثل كلّ الذين واجهوا الاستعمار ؛مثل عمر المختار وصلاح الدين الأيوبي ....
آن للنّاس أن يعوا على حقيقة اليسار وخاصّة العالم الإسلامي وأن يدركوا خطورة هذا الفكر ورجعيّته . قوى اليسار التي لا تعدو أن تكون حركات لا وطنيّة ولا شعبيّة ولا تقدميّة ولا ديمقراطيّة ولا أخلاقيّة ولا إنسانيّة . والسلام
لقد اجتاحت البلدان الضعيفة و المنحطّة موجات استعمار من طرف الدول المتقدّمة وأنواع من التبعيّة السياسيّة ، والفكريّة ، والاجتماعيّة ، والاقتصاديّة ، والثقافية و الحضارية … وغايتها كلّها ليس فقط استفراد الغرب بخيرات هذه الشعوب لابتزازها ، بل أيضا و هذا هو الأساس إخضاع هذه الشعوب لعمليّة غسيل دماغ حضاريّة تقضي فيها على حضارات هذه الشعوب السابقة وعلى تاريخها وعلى عقائدها وعلى تراثها وتجعلها في الأخير تابعة في خضوع ذليل للحضارة الغربيّة ومؤسّساتها وقيمها.
واليسار المكبل بنصوص ماركس ولينين وستالين وريكاردو وغيرهم والمنبهر بهؤلاء المفكّرين الذين اتخذهم أصناما مقدّسة فوق النقد والمحاسبة ، أصبح بفعل ذلك غير قادر على أن يواجه المخاطر التي تتعرّض لها تلك المجتمعات وتلك الشعوب ، بل على العكس من ذلك فان مواقفهم ووجهات نظرهم تتناقض في الأساس مع مصالح تلك الشعوب ومع قيمها وتاريخها ومع هويّتها ومع العناصر المكوّنة للعرق التاريخي لهذه الشعوب.
ففي الوقت الذي تعرضت فيه هذه الشعوب لغزو استعماري عسكري مباشر نجد أن الأحزاب اليساريّة التي وجدت في البلاد المستعمرَة كان الفضل في بعثها وإنشائها بل وتمويلها يعود لرجال من الغرب أي للآخر، أي أنّ اليسار غربي المنشأ والفكر والتحليل والتفكير. وهذه البداية هي التي جعلت هذه الأحزاب تقطع ليس فقط مع تاريخ شعوبها أو مع مكونّات تلك الشعوب الحضاريّة ومع ثقافاتها ومع مؤسّساتها الماضية بل حتّى مع العمل الآني الواجب القيام به. فاليسار لم يقاوم بالفعل الوجود العسكري الغربي وأكتفي بمقولات الصراع الطبقي وكأنّ هذه الشعوب مكونّة في تلك الحقبة من طبقات حسب المنظور الماركسي وهذا الموقف جعلها في الخندق الآخر أي أنّها كانت معادية لشعوبها إضافة إلى كون التكوين الفكري اليساري يجعل من اليساري أبعد من أن يحمل سلاح وأبعد عن روح التضحية في سبيل القوم أوالوطن أوفي سبيل مثال أعلى. وهنا كان الرجال الذين قاوموا المحتل أشرف وأنبل و أطهر من الذين لا يحملون هم شعوبهم ولا يدافعون عنها أمام الغزاة . ولذلك استطاع مثلا الحزب الدستوري الحرّ أن يجمع الناس حوله وبقي اليسار بفعل قراآته وأدبيّاته ومقولاته بعيدا عن المجتمع ، بعيدا عن النّاس وبعيدا عن الفعل السياسي والحضاري لأن تفكيرهم تفكيرا غريبا عن شعوبهم وعن مشاكلها وعن همومها وآمالها. فتفكيرهم مثل تفكير الآخر أي الغربي، العنصري ، المحتل، الأناني والميكيافلي ....
فقد انسلخوا عن شعوبهم وأصبحوا غرباء عنها وعن آمالها وتطلعاتها . وبالفعل كانت عقيدتهم الماديّة تتناقض مع عقائد هذه الشعوب وتراثها وتاريخها. والفكر اليساري برمّته ليس له علاقة لا بهذه الشعوب ولا بأوضاعها السياسيّة و لا الاقتصاديّة . فكيف يكون اليسار وطنيّا وهو غريب عن محيطنا وغريب عن تراثنا وغريب عن مكوّنات شعوبنا ؟
وهذا الأمر صاحبهم وظل معهم حتى بعد أن أرست الحكومات الغربيّة حكومات عميلة علينا حرصت على تكبيل شعوبها بكل انواع التبعيّات ، وعوض أن يعمل اليسار على مناهضة تلك الحكومات الحاملة لمشروع تغريببي ولتبعيّة حضاريّة وفكريّة ، فإنّه ظلّ حبيسا لنظريّة الصراع الطبقي، وكأنّ مجتمعاتنا إبّان موجات الاستقلالات المزيّفة فيها طبقات بورجوازيّة وفيها شركات متعدّدة الجنسيّات وطنيّة وفيها بورجوازيّة وطنيّة وصلت قمة التناقض المادّي الرأسمالي ممّا يحتّم القيام والتعجيل بالصراع الذي يخلص الشعوب من الاستغلال والاستبداد وطبعا اليسار وحده هو الذي يدافع عن البروليتاريا. ولذلك تصوّر اليسار وجود يمين وتصوّر أنّ هذا اليمين هو بورجوازي وتصوّر أنّ هذه البرجوازيّة وصلت إلى قمّة التناقض الذي يستدعي صراعا وثورات دمويّة . فمن هو هذا اليمين ؟
هذا اليمين هو الحركة الإسلاميّة . فإذا باليمين مكوّن من أفراد الشعب الفقير المعدم و الذي لا يتجاوز رجاله البارزين وضع ما يسمّى بالطبقة الوسطى. وهكذا يجد اليسار نفسه في التسلّل ، إضافة إلى أنّ اليسار له رجال أعمال التحقوا بالطبقة الرأسماليّة ولذلك عوض أن يعمل اليسار على تخليص الشعب من حكّام وحكومات وأنظمة عانى منها الشعب الويلات ، نجد الكثير من رجالاته يخدمون هذا المشروع الاستعماري التغريببي ، فالكثير من أحزاب اليسار في الشرق ـ حزب البعث ـ وقادة معروفين من اليسار كانوا رجال مرحلة التبعيّة و العمالة بكل أنواعها و كانوا حتّى من أدوات القمع و الإرهاب لشعوبهم - الكثير من كوادر اليسار في تونس كانوا من ضبّاط الأمن أمثال محمد الناصر , محمد الشرفي و سمير العبيدي و غيرهم- كانوا من أزلام نظام بن علي. و نظرة بسيطة على برامج اليسار التونسي تثبت أن اليسار لم يقرأ التاريخ و لم يقرأ الأحداث و بفعل أن فكره غربي المنشأ و الأساس ، فهو سيظلّ غريبا عن الوطن و عن الشعب و سيظلّ بعيدا على أن يكون حامل آمال الشعب و رغبته في الانعتاق من كل أنواع التبعيّة وفي الانعتاق الحضاري من جحيم حضارة ماديّة أنانيّة زائفة دمرت كل القيم و دمرت العلاقات وكل الروابط الطبيعيّة. ولذلك فمن هذه الناحية يكون اليسار لا وطني البرامج ولا وطني في الحلول التي يقدّمها ولا في التصورات التي يقدمها والحلول التي يراها. ويتذرّع اليسار بالديمقراطيّة وهي غريبة عنه ، فالفكر اليساري برمتّه فكر إرهابي، عنفي و دموي. وحصاد الثورات اليساريّة يدلّل على هذا الأمر ؛ آلاف الضحايا والاعتداء على الأملاك الخاصّة ، سرقوا أموال النّاس وأملاكهم ، سلبوا النّاس حريّاتهم . فالفعل السياسي حكر على الأحزاب الشيوعيّة ؛ إذ هي أحزاب وأنظمة شموليّة totalitaires والفكر التوتاليتاري هو فكر لا ديمقراطي بالأساس والأنظمة الشموليّة هي كذلك لا ديمقراطيّة بالأساس، وفكرة صراع الطبقات وديكتاتوريّة البروليتاريا هي فكرة دمويّة لا ديمقراطية، والثورات الشيوعيّة كانت الشعوب هي ضحيّتها الأولى وكانت الحريّات السياسيّة وحريّة التعبير وحرية الإعتقاد من ضحاياها البارزة. فأين هي الديمقراطية من اليسار ؟ ثم إن الديمقراطيّة أليست هي نظاما ابتدعه الإغريق وبالأخصّ سولون solon وهذا النظام أقدم من الإسلام ومن الإقطاع ومن الرأسمالية … والمناداة بهذا النظام في ظل ظروف إقتصاديّة وسياسيّة وإجتماعيّة وعالميّة ودوليّة مختلفة أليس ذلك نوعا من الرجوع إلى الوراء ؟ أليس ذلك رجعيّة ؟ ثم إنّ النظام الليبيرالي هو أبرز من النظام الديمقراطي ومع ذلك فإن المناداة بتطبيقه يعني تطبيق النظام الليبيرالي في الإقتصاد بإعتبار أنّ النظام الديمقراطي نظام حكم وليس نظام إقتصاد ولذلك كانت البورجوازيّة وهي الممثلة للنظام الإقتصادي وللهيمنة الإقتصاديّة تتّخذ من الديمقراطية أداة لبسط هيمنة سياسيّة موازية لهيمنتها الإقتصاديّة. ونظرة تاريخية ترينا أن الثورة الفرنسيّة كانت تدعمها الطبقة البورجوازيّة لإيجاد نظام جمهوري يخدم مصالح هذه البورجوازيّة، ذلك أن الملكيّة كانت تعتمد على أسلوب etats generaux في تمثيل النّاس . ونجد في etat general الأول الطبقة الآرستقراطيّة ممثّلة في الأسياد وفي الثانية نجد رجال الدين والأخيرة تمثل الشعب ـ أيام هنري 16 والبورجوازيّة كانت إحدى مكوّنات etat general الثالث إلى جانب العمّال وصغار التجّار وصغار الملاك والموظفين ...وكان هذا العهد بداية الهيمنة البورجوازيّة على الإقتصاد ولكن على المستوى السياسي لم تكن المؤسّسات الموجودة لتسمح بدور سياسي للبورجوازيّة يوازي دورها الإقتصادي فحاولت البورجوازيّة عبر الإضطرابات و المؤامرات أن تحدث تغييرا مؤسساتيّا يعطيها دورا أهمّ مثل تكوين مجلس واحد تتمثّل فيه كل الأطياف. ولما وقع رفض مطلبها بدأت في تكتيك ثان وهو إعلان حرب على طبقة النبلاء؛ التي كانت مع رجال الدين ركائز تدعم النظام الملكي المطلق وفي نفس الوقت كسبت إلى صفوفها الكثير من رجال الدين ـ بقيت رموز الكنيسة الكبار تدعم الحكم المطلق للملك ـ ولما فشلت هذه السياسة أيضا ومع حاجة الملك لإجتماع هذه اللجان الثلاث لإقرار ميزانيّة ملحة للدولة ، رفضت البورجوازيّة ـ التي أصبحت الممثل البارز للشعب وتقود النضالات بإسمه ـ حينئذ أعلنت الحرب على النظام الملكي وعلى نظام etat general ونادت بفكرة سيادة الجماهير وكونت مجلس واحدا أسمته assemblee generale نادت به ممثّلا واحدا ووحيدا للشعب. وتوالت الأحداث إلى حين هدم النظام القديم الذي لم يعد يخدم تطلّعاتها. وإرساء النظام الجمهوري وهو نظام حكم ديمقراطي وطبعا تطبيق النظام الليبيرالي . وبهذين النظامين استطاعت البورجوازيّة إلى حدّ هذا اليوم أن توجد مجتمعا طبقيّا، متناقضا وكلّه مشاكل وأزمات دوريّة في كلّ الميادين سواءا اقتصاديّة، سياسيّة أو حتّى اجتماعيّة ، هذا إلى جانب تحوّل الرأسمال المحلّي الغربي إلى رأسمال عالمي وأخطبوط يمهّد لهيمنة حضاريّة وسياسيّة ، عسكريّة ، اقتصاديّة واجتماعيّة ـ عن طريق الشركات العملاقة المتعدّدة الجنسيّات ـ ومقولات اليسار ،هي- هي، لم تتغيّر ، تتباهى بالثوريّة وهي جزء من منظومة نظام عالمي استبدادي ولها دور في سياسة تغريب حضاريّة وهيمنة وتبعيّة.
هذا إذا أضفنا أنّ لا وجود لوازع أخلاقي وإنساني في العمل عندهم ، فالفكر اليساري أصلا ضدّ الأخلاق التي يعتبرها أخلاق إنتاج، ولذلك فهو متحرّر من كلّ قيد أخلاقي وإنساني … وإلاّ كيف يتحالف اليسار مع أنظمة وريثة استعمار ؟ وكيف يتحالف مع نظام عالمي جديد يجعل الكون كلّه مستعمرة غربيّة ؟ وهنا نفهم لماذا يتحالف اليسار مع الغرب الذي ابتدع حربا جديدة وعدوّا جديدا، هذا العدو هو الإسلام تحت غطاء ما يسمّى بالإرهاب والأصولية والتطرّف . ونفهم لماذا عِوَض أن يناهضوا هذا النظام العالمي الجديد نجده يواجه ما يدّعي الغرب أنّه يواجهه مثل القاعدة والإرهاب . فابن لادن لا يعدو أن يكون إلاّ كمثل كلّ الذين واجهوا الاستعمار ؛مثل عمر المختار وصلاح الدين الأيوبي ....
آن للنّاس أن يعوا على حقيقة اليسار وخاصّة العالم الإسلامي وأن يدركوا خطورة هذا الفكر ورجعيّته . قوى اليسار التي لا تعدو أن تكون حركات لا وطنيّة ولا شعبيّة ولا تقدميّة ولا ديمقراطيّة ولا أخلاقيّة ولا إنسانيّة . والسلام