المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل فشلت الحركات الإسلامية أمام الحركات الشعبية؟



طارق بن زياد
17-05-2011, 11:35 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل فشلت الحركات الإسلامية أمام الحركات الشعبية؟

ابو ابراهيم
18-05-2011, 08:59 AM
السلام عليكم
يعتمد على ما هو مقياس النجاح والفشل
فالحركات المبدأية مقياس النجاح والفشل هو ان تتمسك بمبدأها وأن توجد هذا المبدأ على ارض الواقع مطبقا

سياسي
18-05-2011, 01:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التيارات الإسلامية والحراكات الشعبية الراهنة
المقدمة:-
الحمد لله رب العالمين, والصلاة و السلام على رسول الله وخاتم النبيين محمد بن عبد الله الرحمة المهداة للعالمين, والمبعوث للناس أجمعين إلى يوم الدين,ورضوان الله على كل من اتبع هداه,واستن بسنته من الصحابة والتابعين,وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين, وبعد :-
فإن الأمة الإسلامية ظلت خير أمة أخرجت للناس,طيلة العصور التي كانت متمثلة فيها بالإسلام تمثلا كاملا في حياتها, و أنماط سلوكها, وأخذت في التقهقر والانحدار رويدا رويدا بحسب انحرافها عن الإسلام فكريا وسلوكيا وحضاريا, حتى كانت الطامة الكبرى, بإبعاد الإسلام كليا عن معترك الحياة, وجعل الواقع الحياتي في العالم الإسلامي متناقضا مع الإسلام, من غير نكير أو استهجان, وخير تصوير لما وصلت إليه أمور المسلمين في ظل الهيمنة الاستعمارية الغربية بعد الحربين العالميتين والى يومنا هذا. ما قاله محمود شاكر وغيره من المفكرين:
(...غدت البلاد الإسلامية موجهة بحسب التوجيه الغربي , حيث أصبحت الأجهزة الإعلامية,وأدوات التوجيه الفكري و الثقافي كلها بيد الاستعمار الغربي,وأعوانه من العملاء المضللين, لذا نجد هذه المرحلة قد تميزت بان أصبحت الثقافة الغربية هي المصدر الوحيد لما تحشى به عقول الناشئة...)
و في ظل هذه الظروف التي آلت إليها الأوضاع في العالم الإسلامي, ساد في الأمة التعظيم لكل ما هو غربي, مما أدى إلى التبعية الفكرية و السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب, بل قد سرى في الأمة تيار التغريب, والدعوة للذوبان الثقافي والحضاري في الغرب, وصاحَب هذه الظاهرة انبهار بالغرب وحضارته العلمانية , أدى لجعل الغرب مقياسا لكل
---------------------------
محمود شاكر ، المسلمون تحت السيطرة الرأسمالية ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط2 ، 1979م، ص124-125 ، وانظر أيضا : محمد حسين ، الإسلام والحضارة الغربية ، المكتب الإسلامي ، بيروت، ص41-42 ، وانظر أيضا ، تقي الدين النبهاني ، الدولة الإسلامية ، القدس ، 1953م، ص153-154 ، وانظر أيضاً ، عبدالمنعم النمر ، الإسلام والمبادئ المستوردة، دار الشروق ، بيروت ، ص18 وما بعدها، وانظر أيضا ، سعد جمعة ، الله أو الدمار ، دار الكاتب العربي ، بيروت ، ص393-412

سياسي
18-05-2011, 01:51 PM
صلاح أو فساد,و مقياسا للصواب أو الخطأ, ومقياسا للنجاح أو الفشل, بل مقياسا للحق والعدل,ومقياسا لصواب التدين من خطأه.وعلى حد قول المودودي (... إن المقياس الصحيح للحق والصدق والآداب والاخلاق والانسانية و التهذب ... وما إلى ذلك هو الذي قرره الغرب لكل ذلك....فيقيسون بهذا المقياس ما بأيديهم من العقيدة والإيمان...)
وقد استفحل الأمر من جراء تغوُّل أصحاب النفوذ من العلمانيين, على أهل الإسلام,في المجالات السياسية, والاقتصادية والثقافية والعسكرية, والشؤون الحياتية كلها, حيث رُكِّزت المراكز القيادية ومراكز التوجيه بأيديهم لعدة أجيال متعاقبة, بقصد طمس الهوية الإسلامية للأمة, واستبدالها بالصبغة الغربية, والعمل على جعل الفلسفة الوضعية العلمانية, ومفاهيمها عن الحياة, وقيمها الديمقراطية الرأسمالية, هي الفلسفة السائدة المقبولة لدى المسلمين في البلاد العربية والإسلامية, ورفض كل ما يخالفها. فوجد من جراء ذلك أن حوصر الإسلام بحيث لا يتجاوز مظاهر التدين الفردي والشعائر التعبدية ,وأُخضع الإسلام للتطوير والتحوير ليتقارب مع القيم الغربية في الأداء التديني, والأنشطة المجتمعية, والاقتصادية و السياسية. وقد جرى كل ذلك وفق خطط وبرامج مُعدّة ومدروسة ,قام على تنفيذها شخصيات وأحزاب وجماعات أُعِدّت بإتقان, لاستغفال المسلمين,وتضليلهم فكريا وسياسيا بأنواع شتى من الممارسات الفكرية والسياسية , والعسكرية التي ستصل بالأمة إلى الاندماج و التجنيس في الحضارة الغربية ,وفي تقدير الباحث إن ظاهرة الحراكات الشعبية الراهنة في الساحة العربية والإسلامية, إنما هي من تلك الممارسات والمكائد والمكر الغربي بالأمة الإسلامية, لحمل الأمة في غمرة الفوضى الغوغائية للسير في طريق الدمج والتجنيس في الحضارة الغربية الرأسمالية العلمانية. وأفظع تلك المكائد محاولة الغرب لتسخير الحركات الإسلامية , بتسييرها بالطرق والمسالك الغوغائية الراهنة , وإلحاقها بذيل الحراكات الشعبية الراهنة ,وجعلها أداة لتطوير الإسلام و تحويره ليتقارب مع القيم الغربية الرأسمالية و الديمقراطية والعلمانية , أو اتخاذها ذريعة لإحكام السيطرة و الهيمنة على بلاد المسلمين, أو لتشتيت الرأي العام الإسلامي ,وفي ظل هذه الأوضاع , وما أُفرز فيها من تحولات فكرية و نفسية,
---------------------------------------------
المودودي ، واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ، ترجمة محمد عاصم حداد ، ص44-47 ، وانظر عبدالمنعم النمر ، المرجع السابق نفسه ، ص19-20 ، وانظر أيضا المورودي ، نحن والحضارة الغربية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ص112 وما بعدها.

سياسي
18-05-2011, 01:52 PM
افسد الذوق الإسلامي, وسُمِّمت الأجواء الفكرية والسياسية, وأصبحت الأمة موجهة بحسب التوجيهات الغربية, وهي تحسب أنها تجلب لنفسها الخير, أو أنها ستتخلص مما هي فيه من أزمات ومحن, أو ستخرج بذلك من مآزقها السياسية و الاقتصادية, أو أنها ستكسر قيد الذل والهوان المفروض عليها من قبل المستبدين. إذن والحالة هذه بات من الضروري دراسة ظاهرة الحراكات الشعبية الراهنة, ودور التيارات الإسلامية المعاصرة فيها. لعل ذلك يساهم في بلورة مشروع إسلامي فعال يسير بالأمة في طريق النهضة الصحيحة, بعيدا عن المنزلقات الغربية , والمكائد الاستعمارية,
وهنا ترد عدة تساؤلات تدور الدراسة حول الإجابة عليها و أههمها:
1- هل للحركات الإسلامية المعاصرة دور رئيسي في الحراكات الشعبية العربية الراهنة ؟ أم أن تلك الحراكات كانت بعيدة عن مفاهيمها وتصوراتها ؟
2- وهل أداء الحركات الإسلامية على تنوعها يرقى إلى مستوى أداء القوى الموجهة للحراكات الشعبية الراهنة ؟ وما مدى مشروعية هذه الحراكات الشعبية المعاصرة, وفق رؤيتها الشرعية؟
3- وهل لدى الحركات الإسلامية رؤية شرعية للإفادة من هذه الحركات الشعبية العربية في سياق مشاريعها النهضوية ؟ أم أنها هي الخاسر الوحيد في هذه الفوضى الغوغائية المُخطط لها من قبل دهاقنة السياسات الاستعبادية الغربية ؟
والمؤمل من الإجابة عن هذه التساؤلات, أن تصل الدراسة إلى العديد من المفارقات المُحفِّزة للجماعات الإسلامية المعاصرة, لمراجعة برامجها الفكرية السياسية, وتغير أدائها لمخاطبة الشعوب, الخطاب النهضوي, الباعث على الحيوية, والاندفاع السديد والرشيد للتغير على أساس الإسلام, بديلاً عن الخطاب التقليدي الذي أضعف الهمم وقتل المعنويات لدى الأمة وشبابها, وبلبل الأفكار حول الإسلام, وشوش على الشعوب ونخبها الفكرية والمجتمعية مسيرتها لاستئناف الحياة الإسلامية في أي بلد من بلاد المسلمين. وأضحى العمل الإسلامي بكافة أطيافه حيرة ومضيعة للوقت, وأصبح أعضاء تلك الحركات دائرين في دوامة مفرغة, وهم يصارعون ويكافحون ويناضلون بلا ثمرة ترقى للمستوى الذي يخدم شعاراتهم وأهدافهم, بل إن معظم جهودهم كانت لخدمة المستبدين العلمانيين, وأسيادهم من السادة الغربيين وقادة الحضارة الغربية العلمانية الرأسمالية. وهذا من المفارقات الملفتة للنظر, وتستدعي للأسف الشديد. وهذا مما يكسب الدراسة أهمية فائقة, ويقتضي التعمق في دراسة هذه الظاهرة, في سياق الدراسة المعمقة للحراكات الشعبية العربية الراهنة, وتحليلها, واستخلاص النتائج والدروس والعبر منها, ومن ثم إعادة مراجعة قراءة أدبيات وأعمال الحركات الإسلامية المعاصرة في ضوء تلك النتائج. لعل ذالك يكون محاولة لتقديم سند شرعي سياسي, يساهم في إمكانية إفادة العمل الإسلامي المعاصر من الحراكات الشعبية العربية الراهنة, في السير على الطريق النهضوي الإسلامي الراشدي السديد.
وهذا يستلزم الإفادة من الدراسات النقدية لأدبيات التيارات الإسلامية المعاصرة لاسيما التي قام بها المهتمون بتلك التيارات, ويعنيهم نهضة الأمة على أساس الإسلام . من أمثال محمد الغزالي في كتابيه (معالم الحق), و(الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر الهجري), والمودودي في كتابه (واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم), وتقي الدين النبهاني في كتابيه (التكتل الحزبي), و(مفاهيم حزب التحرير), ومحمد السيد الوكيل في كتاب (الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية), وطارق البشري في كتاب (الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر)، ومحمد قطب في كتاب (واقعنا المعاصر), ومنير شفيق في كتاب (نظريات في التغيير) والظواهري في كتاب (الحصاد المر), وحسين بن محمد في كتاب (الطريق إلى جماعة المسلمين) ونحو ذلك من الدراسات السابقة للتيارات الإسلامية وتاريخها الدعوي وتقييمها, وبيان إيجابياتها وسلبياتها .
والمنهج الذي سيتبع في الدراسة : هو المنهج الوصفي التحليلي لانسجامه مع موضوعها وملائمته لطبيعتها والغرض منها.
وحدود الدراسة . الاقتصار على دراسة مسحية تُلقي الضوء على الحراكات الشعبية العربية الراهنة , ودور التيارات الإسلامية المعاصرة فيها بشكل عام دونما الدخول في منهجية تلك التيارات, ودون تأطيرها في قوالبها الحركية أو الحزبية , مع مراعاة التكييف الشرعي الإسلامي لكل ذلك .
وللوصول إلى ما تؤمله الدراسة , يقتضي توزيع مادتها العلمية إلى ثلاثة مطالب مصدرة بمقدمة, ومنتهية بخاتمة على النحو التالي :
المقدمة: وتتضمن الإطار النظري للدراسة, ومُسوّغاتها, وأهميتها, والدراسات السابقة التي ستفيد منها الدراسة, والمنهجية التي ستسير عليها, وحدود الدراسة والخطة التفصيلية لمادتها العلمية.
المطلب الأول: وسيعالج فيه موضوع : "الحراكات الشعبية العربية الراهنة من منظور الإسلام ".
المطلب الثاني: ويحتوي على موضوع "التيارات الإسلامية المعاصرة والحراكات الشعبية الراهنة".
الخاتمة: النتائج والتوصيات.
آملين من الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد في الرأي, والله من وراء القصد, والحمد لله رب العالمين .
د. إحسان سماره

سياسي
18-05-2011, 01:54 PM
المطلب الأول
الحراكات الشعبية العربية الراهنة من منظور إسلامي
مع انطلاق الشعوب العربية الراهنة من عقالها، وخروجها عن صمتها، وزمجرتها في وجه المستبدين والطغاة الممسكين بمقاليد الأمور في حياتها، واستماتتها في تحقيق مطالبها، وإصرارها على استمرار حراكها الشعبي، حتى بلوغ أهدافها المعلنة، وفق خطة محكمة، وبرامج منظمة، وأداء متشابه في جميع الأقطار التي حدث فيها حراك شعبي، مع أن لكل مجتمع منها نمطه الخاص في الحكم، وتركيبته المجتمعية الخاصة، وظروفه المحلية والدولية الخاصة، وإمكانياته الاقتصادية التي تميزه في الوسائل والأساليب الحياتية، وما إلى ذلك من الأمور التي لها انعكاساتها على فاعلية الشعوب أو عدم فاعليتها. كان لابد من أن تكون هذه الظاهرة مثار اهتمام الساسة والمفكرين ، والمراكز البحثية الإستراتيجية والاجتماعية، للوقوف عليها وفهمها في سياق الصراعات الدولية والمحلية، والسيناريوهات المتوقعة لمنطقة العالم العربي والإسلامي، في إطار المتغيرات الدولية، وانعكاساتها على واقع الأنظمة الإقليمية في الشرق الأوسط، فنشطت الجهود لدراسة هذه الظاهرة وتحليلها للتعرف على أسبابها، ودوافعها، ومن ورائها، وما أغراضها.
ولما كان الغالب على هذه الدراسات والأبحاث، التي وقف الباحث عليها، أنها دراسات موجهة لأغراض سياسية نظرية، أو تضليلية، أو لأغراض إعلامية تجارية مجردة، أو دراسات اجتماعية نظرية وفق المعايير المجتمعية الرأسمالية، أو المعايير الاقتصادية السياسية الوضعية، أو دراسات أمنية لخدمة أساليب الأنظمة السياسية العربية، وأدواتها في شل فاعلية الحراكات الشعبية العربية الراهنة، واحتواء هذه الحراكات وإعادة الشعوب إلى ما كانت عليه من الخنوع والاستكانة والإذعان إلى ما لا نهاية.
أو دراسات دولية موجهة لخدمة الأغراض الاستعمارية، بالمحافظة على سير هذا الحراك الشعبي العربي، وفق الخطة المرسومة له، ليظل حراكا مطلبيا محدودا، لا تتعدى مطالبه، المطالبة بالحرية ، والعدالة والديمقراطية والتقدم والحد من الفساد المالي والاقتصادي ، ونحو ذلك من المطالب التي يراد منها في الحقيقة، تمكين الولايات المتحدة الأمريكية، من إعادة تشكيل المنطقة العربية ، ما بين الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ، وهيكلته هيكلة سياسية واقتصادية ومجتمعية ، تخدم المصالح الأمريكية محليا ودوليا، وتلحق شعوب هذه المنطقة ، بركب الحضارة الغربية ، لذا والحالة هذه، أصبح من الضروري تحليل ظاهرة الحراك الشعبي العربي الراهن، تحليلا موضوعيا من منظور إسلامي، بقصد الإفادة من هذا الحراك في توجيه الأمة الإسلامية توجيها يعيدها إلى هُويتها الإسلامية، ويخرجها من دائرة الأحابيل الاستعمارية ويحررها من عبودية المستبدين.
ويُسيّر هذا الحراك نحو استئناف الحياة الإسلامية في البلاد العربية، ويجعله حراكا تغييريا على أساس الإسلام، لإفلات الأمة من قبضة الاستعمار الغربي، وانعتاقها من ربقة الحضارة الغربية العلمانية المادية ، وعودتها إلى الصبغة الإسلامية، معقد عزها ومجدها.
ومن هنا كان هذا المطلب لإلقاء الضوء على الحراكات الشعبية العربية الراهنة من منظور إسلامي ، لعله يساهم في تحليل هذه الظاهرة ، تحليلا ينبه الأمة إلى وجهتها الصحيحة في هذا الحراك ، وليس تحليلا فقهيا يبين مدى مشروعية هذا الحراك ، وإنما تحليلا فكريا سياسيا يحفز على انعتاق الأمة من نير الاستعمار الغربي، ويوجه الأمة إلى السير قدما في طريق النهوض على أساس الإسلام. ولذلك كان لزاما فهم هذا الحراك فهما صحيحا ، وفق معطيات صحيحة، ونظر سليم للوصول إلى رأي سديد. وهذا مما يستدعي إثارة عدد من التساؤلات ومحاولة الإجابة عليها بموضوعية، لاستمطار الأفكار، والوصول إلى صواب الرأي في هذه الحراكات الشعبية العربية الراهنة. وأهم تلك التساؤلات :
أولا : من هي الجهة وراء تنميط هذا الحراك الشعبي، في نمطه المطلبي ، وفق أداء واحد في الغالب؟
ثانيا : ومن وراء التخطيط المحكم ، والتنسيق المتقن للجماهير الشعبية الغفيرة على المستوى المطلبي، والحراكي لبلوغ القصد، وتحقيق الأهداف المرجوة من الحراك؟
ثالثا: ومن الذي يواكب هذا الحراك الشعبي، وينتقل به من مرحلة إلى مرحلة أخرى حتى يكتمل السيناريو وتتحقق المطالب على النحو المخطط له؟ وكيف اكتسبت الجماهير الشعبية هذه القدرة الفائقة على التخطيط والتنسيق ؟ وأين أعدت لاكتساب هذه المهارة العالية في تنظيم الحراكات الشعبية على هذا النحو المبرمج أدائيا ومطلبيا؟
رابعا: وهل يمكن لحراك شعبي أن يسير على خطى هادفة، وفق برنامج واضح، ونظام متقن بدون حركات سياسية، وأحزاب منظمة؟ وهل يمكن للتيارات السياسية والأحزاب المتباينة فكريا وسياسيا، أن تنجح في قيادة شعوب ثائرة ثورة هوجاء، بناء على ردود فعل من واقعها ، المثقل بالأزمات السياسية والاقتصادية ... دونما وجود برامج سياسية منسقة مع نظرية فكرية سائدة ؟ وهل يمكن تحريك الشعوب والجماهير المتباينة، والبلوغ بهذا الحراك تحقيق أهداف متفق عليها ، بدون قيادة فكرية وسياسية مواكبة للوعي الجماهيري في مكان ما ، أو في ظرف ما ، فهذه التساؤلات ونحوها ، إنما تثيرها الدراسة ، بقصد العصف الذهني ، واستدعاء الفهم الصحيح للحراكات الشعبية العربية الراهنة ، بعيدا عن التضليلات الإعلامية الغوغائية ، والتضليلات والمغالطات الفكرية والسياسية ، التي ترمي إلى تفريغ حالة الاحتقان الشعبي، وإفراغ حالة التململ الإسلامي في دوامة من الحراكات الشعبية المطلبية التي تخدم الأغراض الاستعمارية ، وتطيل أمد الاستعمار الغربي في البلاد العربية، والعالم الإسلامي، وفهماً بعيدا عن التنظير الفقهي المجرد، والتنظير السياسي النظري، أي فهماً موضوعيا يعمق الحالة الثقافية النهضوية على أساس رؤية إسلامية مستنيرة ، يترتب عليها وعي الأمة على واجباتها وحقوقها ، في علاقتها مع أنظمة الحكم الطاغوتية، وما يقتضيه الإسلام من مواقف ايجابية للتحرك السياسي باتجاه التغيير على أساس الإسلام.
واتساقا مع ما ذكر آنفا يستلزم في الإجابة على التساؤلات بشكل عام استحضار العديد من الحيثيات المتعلقة بالحراكات الشعبية العربية، والتي من أبرزها : -
أولا : إنّ تنوع الفعاليات المشاركة في هذه الحراكات ، والمشعلة لها، وقدرتها على إنضاج الوعي الجماهيري ، واستقطاب المفكرين والسياسيين ، والشخصيات القيادية المستقلة ، والأحزاب السياسية المنظمة ، إلى جانب الجماهير الشعبية ، وقيادة هذه الحشود المتباينة في أفكارها وتوجهاتها السياسية ، وانتماءاتها الحزبية ، وقدراتها الفكرية والجسدية ، نحو غاية مطلبية واحدة في جميع الأقطار العربية التي اندلعت فيها الحراكات الشعبية الراهنة. إذ أن جميعها طالب بإسقاط النظام ، وإطلاق الحريات وإحلال الديمقراطية ، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد ، رغم أن لكل مجتمع منها نمطه الخاص ، وأنظمته السياسية ، وقوانينه الجزائية والإدارية ، وعلاقاته المجتمعية الخاصة به ، فذلك كله مما يؤكد بأن هذه الحراكات الشعبية ليست عفوية ، وإنما هي حراكات خطط لها مسبقا، وجرى التدريب عليها ، والتهيئة لها منذ تسعينات القرن المنصرم ، في سياق الهجمة الشرسة على الإسلام ، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، لطمس معالم الهوية الإسلامية لدى الشعوب العربية والإسلامية ، وجعل الجسم العربي والإسلامي مثخنا بجراحه ، ومثقلا بهمومه ، يائسا من قدراته على التقدم والنهوض ، وذلك يتطلب زيادة تفتيت العالم العربي والإسلامي ، وبناء على ذلك نفهم الحراكات الشعبية العربية الراهنة في هذا السياق لتحقيق تنفيذ المخطط الاستعماري ، الذي خططته الولايات المتحدة الأمريكية لتفتيت العالم الإسلامي بعربه وعجمه وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية الاستراتيجية على المستوى السياسي والاقتصادي والأديولوجي.

سياسي
18-05-2011, 01:54 PM
ولا يصح أن تُفهم هذه الحراكات على أنها ذاتية ناشئة عن حالة الاحتقان الشعبي المتراكم والمزمن من جراء المعاناة الناشئة عن الإحباط الفكري والسياسي ، الذي أحدثته الظروف السياسية والعسكرية المحلية والدولية، وما أفرزته من إهدار كرامة الشعوب، وحرمانها من أبسط الحقوق الإنسانية. وكذلك لا يجوز فهم هذا الحراك الراهن على أنه حالة من الوعي الجماهيري، من جراء الأنشطة الحزبية في تعميق وتركيز نمط ثقافي أو فكري توعوي على واجبات الشعوب، وحقوقها السياسية والاقتصادية، والقانونية ، والأحوال المجتمعية السليمة ونحو ذلك، لأن هذا الاندفاع الجماهيري الشعبي في قاعدته العريضة، بهذه الجرأة والتحدي والإصرار، حتى تذعن السلطة والنظام القائم لمطالبهم، وتحقيق غاياتهم التغييرية في القشرة الفوقية للسلطة ، والعمل على إعادة الهيكلة والتشكيل ، للأوضاع والأحوال العربية ، بما يتلاءم والمصالح الأمريكية على الخصوص، في خيارات الصراع الاستعماري وسيناريو الشرق الأوسط الجديد، القائم على الحرية والديمقراطية وفلسفتها العلمانية.
ثانيا:- إن المبادرات الشعبية للتحرك باتجاه إسقاط الأنظمة قد استأثرت باهتمام الدول الاستعمارية الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان الحراك الشعبي العربي الراهن يلقى الدعم والتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية ، وأدواتها الدولية ، فكانت الأنظمة تُمنع من التصدي للحراكات الشعبية العربية الراهنة، باستعمال القوة المفرطة، وإلا تعرضت للعقوبات الدولية المتنوعة، واتخذت القرارات للحجز على أموال الحكام وأعوانهم . وهذا يؤكد على أن هذه الحراكات الشعبية العربية الراهنة ، ليست عفوية، وإنما هي حصيلة مخططات استعمارية أمريكية ، ولا يمكن أن يكون الغضب الجماهيري المتفجر في شكل حراكات شعبية ناشئ عن الاستبداد ، أو عن تزايد حدة الفقر، فتلك الظواهر متجذرة في المجتمعات العربية والإسلامية، وتأقلمت الشعوب العربية مع هذه الحالة، واستمرأت العيش فيه، فلماذا الآن هذا الحراك؟ ومن أين امتلأت الشعوب بهذه الجرأة؟ أو ليس هناك أصابع خفية وراء استنهاض الشعوب للثورة السلمية على الحكام والمتنفذين؟
مما لاشك فيه أن الأصابع الأمريكية وراء الحراكات الشعبية العربية الراهنة. ويتأكد هذا الفهم بما تكشّف في العديد من المقابلات مع المجموعات والأشخاص الضالعين في التخطيط لهذه الحراكات، والناشطين فيه، أنهم تلقوا تدريبا وتمويلا من المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني ، والمنظمة الحقوقية المتمركزة في واشنطن "بيت الحرية" إلى جانب ما ذكر في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن المسئولين الأمريكيين يرون أن الحملات الأمريكية لبناء الديمقراطية لعبت دورا في الثورات الشعبية من قبل الأمريكيين. وفق ما هو مبثوث على الفيسبوك والشبكة العنكبوتية، والقنوات الإعلامية والفضائيات.
ثالثا: - غياب الأيديولوجية المغايرة للرأسمالية العلمانية الغربية، والتركيز على الحرية بالمفهوم الرأسمالي ، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والتقدم وفق المعطيات العلمانية، والتركيز على إبعاد الإسلام كليا عن الدولة ومؤسساتها، وإعادة هيكلة الدولة على الأسس المدنية العلمانية، ليعطي مؤشرا على أن الحراكات الشعبية العربية الراهنة، لا ترتقي إلى مستوى الثورة، وليست هادفة إلى إحداث تغيير جوهري في الأنماط السياسية والاقتصادية والمجتمعية، ولا تتضمن برامج إصلاحية في بنية المجتمع ومؤسساته ، ولا تعدوا كونها حراكات شعبية غوغائية باتجاه إعادة بناء دول المستعمرات، وإعادة هيكلة النظام السياسي بما يتلاءم مع المصالح الاستعمارية الراهنة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على غرار ما حصل في أوروبا الشرقية، في مرحلة ما بعد الاشتراكية ، على إثر انهيار الاتحاد السوفييتي.
ولذلك نجد جميع الحراكات الشعبية العربية الراهنة ، بلا قوى إصلاح حقيقية ومنظمة، وبلا مكونات فكرية بنائية، معبرة عن رؤية إصلاحية مجتمعية، وبلا مرجعية أيديولوجية. يمكن إجراء مراجعات لمسارات الانجاز لهذا الحراك الشعبي على ضوءها. ومن هنا كانت جميع الحراكات حراكات مطلبية للخروج من حالة التكلس التي تعيشها الأوضاع العربية، في نظمها السياسية، وبنيتها المجتمعية، التي لم تعد ملائمة للاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتفردها الدولي ، بعد انتهاء الاتحاد السوفييتي، وزوال الاشتراكية. وإنهاء التاريخ بانتصار الرأسمالية وفلسفتها العلمانية المادية.
وبناء على ما ذكر تخلص الدراسة إلى أن الحراكات الشعبية الراهنة ليست حراكات ذاتية عفوية، وإنما هي فبركة أمريكية ، مخطط لها منذ إعلان بوش عن ضرورة تولد نظام دولي جديد ، تتولى فيه أمريكا التفرد في قيادة العالم.
وبعد إخراج الاتحاد السوفييتي سابقا من الحلبة الدولية، ونهاية الحرب الباردة، بتخلي الاتحاد السوفييتي عن الاشتراكية ، واندماجها في اقتصاد السوق حيث رسمت الإدارة الأمريكية المخططات ، واتخذت العديد من التدابير السياسية، وأنشأت المؤسسات المتنوعة، ومراكز الأبحاث الإستراتيجية، والوكالات التنموية، والمنظمات الإنسانية الحقوقية والقانونية والسياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والشبكات الاستخباراتية من أجل رعاية الثورات الشعبية لتفتتيت المنظومة السوفيتية لإحكام هيمنتها على الموقف الدولي، وعلى إخضاع الشعوب في مناطق النفوذ السوفييتي لإرادتها، وتسييرها بحسب ما تقتضيه المصالح الأمريكية، وبذلك يتحقق لأمريكا ما هدفت إليه من احتواء البلاد السوفييتية وغيرها من الدول صاحبة النفوذ عالميا.
ثم سارت في طريق هدم أسس النظام الدولي القديم، وفرضت نفسها على العالم، وشرعت في تركيز نفوذها العالمي، بالعمل على إعادة القوى الجيوسياسية والإقليمية ، في مناطق النفوذ الاستعماري القديم، في البلاد العربية والإسلامية، فعمدت إلى اصطناع أحداث دولية ومحلية، خدعت بها العالم ، واتخذتها ذريعة لاحتلال بلاد المسلمين ، وإخضاع العالم لإرادتها، فكان منها أن هدمت الأبراج التي تحوي المركز التجاري العالمي بواشنطن ، وألصقتها بابن لادن ومن حوله، وزعمت وجود تنظيم اسمه القاعدة يقوده ابن لادن ، وأن هذا التنظيم يتمتع بقوة عسكرية إرهابية تهدد الأمن والاستقرار الدولي والعالمي، واتخذت التدابير العسكرية الضرورية لملاحقة هذا التنظيم ، واستنفرت معها كل دول العالم، وأعطت لنفسها الحق والشرعية في القيام بحروب استباقية في أي مكان تقرره ، بحجة الحرب على الإرهاب ، وأعلنت على الملأ دوليا وعالميا، بأن من لم يقف معها فهو مع الإرهاب، ولذلك فهو مستهدف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي غضون هذه المعمعة ، فإن أمريكا جعلت الإسلام والتدين به تهمة ، وراحت تلزم الدول بمعالجة الإسلام ، وتنقيته من كثير من الأفكار

سياسي
18-05-2011, 01:56 PM
والمفاهيم ، المعلومة من الدين بالضرورة، استرضاءا لأمريكا ، وتبرئة الإسلام من التهم الإرهابية، التي ألصقتها أمريكا بالإسلام ، وما هذه الهجمة الأمريكية على الإسلام ، بمباركة قوى الكفر وأعوانهم ، إلا بقصد القضاء على الإسلام، وصد المسلمين عنه، ليسهل عليهم بسط نفوذهم الاستعماري على البلاد العربية والإسلامية، وبالتالي بسط نفوذهم على العالم أجمع. لإدراكهم بأن الإسلام هو الجدار الواقي للأمة، والصخرة الصلبة التي تتحطم عليها المشاريع الاستعمارية ، والصدفة التي تحمي الأمة، وجهاز المناعة الذي يعيد للأمة عافيتها.
وفي هذا الخصوص يقول سيد قطب وغيره من المفكرين : " إن الاستعمار الأوروبي والصليبي لا يملك أن يُغفل من حسابه أن الروح الإسلامية صخرة مقاومة لمد الاستعمار، وأن لا مفر من تحطيم هذه الصخرة ، حيث يربط الغربيين شعور موحد ومصلحة موحدة في تحطيمها ... " ، ويقول محمد عمارة:" .... مؤسسات الهيمنة الاستعمارية...قد ظلت وفية للروح الصليبية في مواجهتها مع الإسلام والمسلمين... فسلطاتها الاستعمارية تعمل على علمنة المسلمين لكسر شوكة المقاومة الإسلامية للاستعمار الغربي... وكي يتأبد النهب الاقتصادي والمسح الحضاري الذين هما الهدف الأول للاستعمار... إنّ الغرب أعلن الحرب على الإسلام .... فور سقوط الشيوعية... لا لشيء إلا لاستعصاء الإسلام على العلمنة، ومن ثم استعصائه على التبعية والذوبان في النموذج الحضاري الغربي، ورفضه الاستسلام للامبريالية الغربية..." ، وكذلك كان استهدافهم للبلاد العربية والإسلامية لإدراك القوى الاستعمارية بأهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية في الهيمنة الدولية العالمية.
وفي هذا الصدد يقول هالفورجون ماكندر :" إن الذي يسيطر على أوروبا الشرقية، يسيطر على قلب العالم، ومن يسيطر على جزيرة العرب يسيطر على العالم أجمع ... "
وبناء عليه ، فقد عملت أمركا على تفتيت دولة الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن الفائت، بثورات شعبية عرقية وطائفية، واليوم تسعى لتفتيت العالم العربي والإسلامي بنفس الأسلوب.
فجاءت الحراكات الشعبية العربية الراهنة لتحقيق الأهداف الأمريكية الاستعمارية في سياقات الاستعداء على الإسلام، وإخراجه من الساحة العربية والإسلامية ، بشكل خفي ، وإحلال العلمانية والديمقراطية والحرية والقيم المادية عوضا عنه، بقصد إدماج العالم العربي
-----------------------------------------------------

سيد قطب ، العدالة الاجتماعية في الإسلام ، مكتبة وهبه ، القاهرة، ص275، وانظر أيضا آل ستاليه ، الغارة على العالم الإسلامي ، ترجمة محب الدين الخطيب وزميله، مكتبة أسامة بن زيد، بيروت، ص8-9. وانظر أيضا ، مصطفى الخالدي ، وعمر فروج، التبشير والاستعمار ، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، ص36 وما بعدها.
محمد عمارة، هذا هو الإسلام –الإسلام والسياسة-، مكتبة الشروق الدولية، ص10-21، وانظر أيضا: مجلة شؤون دولية، عدد يناير سنة 1991ـ ملف عن الإسلام والمسيحية، والإسلام والماركسية، ادوارد مورثيمر ارنست جيلز، وانظر أيضا: نيوز زيك العدد السنوي ديسمبر 2001م، فبراير 2002م، نقلا عن لأقوال فوكوياما، وانظر أيضا صحيفة الشرق الأوسط، لندن 1/10/1999م، بول يوبار، مساعد بابا الفاتيكان.
صلاح الدين حافظ ، صراع القوى العظمى حول القرن الإفريقي، سلسلة الكتب الثقافية، رقم 249 ، كانون الثاني، 1982ن، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت،ص6.

سياسي
18-05-2011, 01:57 PM
والإسلامي في إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لتركيز هيمنتها على العالم، وحفظ المصالح الأمريكية الإستراتيجية في الشرق الأوسط.
وقد جاءت هذه الحراكات الشعبية العربية ، وفق خطة محكمة ، وأداء مدروس وإشراف خبراء أُهّلوا لإنجاحها على أيدي خبراء ودهاقنة في السياسات الاستعمارية والاستخبارية والدولية، والإستراتيجية، المعنية بخدمة الأغراض الاستعمارية الأمريكية المختبئة تحت عناوين براقة كالديمقراطية، والحرية ، والعدالة، ومكافحة الفساد، ومساءلة الفاسدين ،.. ونحو ذلك من المطالب الغوغائية ، التي غاب عنها الإسلام، بل ظهر فيها العمل المقصود لتطوير الإسلام ، ليتلاءم ويتوافق مع العلمانية ، ومقتضيات المجتمع المدني الديمقراطي، مستغلين في ذلك بعض التيارات الإسلامية، وبعض الرموز الإسلامية، آملين من وراء هذه الحراكات ، إعادة هيكلة وتشكيل المنطقة العربية وغيرها من بلاد المسلمين، والعمل على تفتيتها على أسس عرقية وطائفية، تفتيتا يجعلها مشغولة بنفسها، غير قادرة على المعافاة من أمراضها، ولا تلافي انحطاطها. وفق رؤية برجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر لتصحيح حدود "سايكس بيكو" وإخراج برنارد لويس بتكليف وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" ومباركة الكونجرس الأمريكي لذلك بالإجماع منذ 1983م، وأُدرج هذا المشروع في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة ، وتسعى جاهدة لإنجاحه، بإفراغ الأمة الإسلامية من الإسلام، وتجنيسها في الحضارة الغربية العلمانية ، وإدماجها في السياسات الاستعمارية الأمريكية، لذا والحالة هذه فإن على الأمة أن تحذر مكر الكافرين وكيدهم، وأن تُفوّت الفرصة على الاستعمار الغربي، وذلك بإخراج هذا الحراك عن مساره الاستعماري ، وتحويله من حراك مطلبي وفق الأغراض الاستعمارية ، إلى ثورة حقيقية على الأوضاع الاستعمارية باستئناف الحياة الإسلامية في خلافة إسلامية راشدة على منهاج النبوة تحقيقا لوعد الله سبحانه : ("وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ"، وقوله سبحانه :" وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ") وهذا مما يلزم له إعداد العدة والاستعداد المكافئ لمكر الكافرين وكيدهم للإسلام والمسلمين امتثالا لقوله سبحانه:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ.." .

المطلب الثاني
التيارات الإسلامية المعاصرة والحراكات الشعبية العربية الراهنة
بداية لابد من التأكد على أن الحراكات الشعبية العربية الراهنة ليست ظاهرة جديدة ، في المكائد الاستعمارية الغربية المعاصرة، ولا تختلف كثيرا عما حدث في المنطقة العربية والإسلامية من اضطرابات سياسية وانقلابات عسكرية في منتصف القرن الماضي إلى أواخر الستينات. ولا يختلف عما حدث في الضفة الغربية من انتفاضات شعبية ، لتحقيق ما تهدف إليه أمريكا ، من احتواء القضية الفلسطينية وإدماجها في الاستراتيجيات السياسية الأمريكية ، والسير في حل تلك القضية المستعصية وفق الرؤية الاستعمارية الأمريكية، وإخراج النفوذ البريطاني منها، وربط كل من الفلسطينيين واليهود بعجلة السياسة الاستعمارية الأمريكية ، وكذلك يجب التأكيد على أن هذه الحراكات الشعبية العربية الراهنة، إنما هي أسلوب من الأساليب الاستعمارية التي تفتقت عنها أفكار دهاقنة السياسيين والخبراء الاستراتيجيين في تمكين السياسات الأمريكية من تحقيق أهدافها في الهيمنة الدولية العالمية، والتحكم في النظام الدولي ، وتطويره بما يخدم المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية والحضارية الأمريكية خاصة،والحضارة الغربية العلمانية المادية بشكل عام، حيث أن تلك الحراكات يراد بها ربط البلاد العربية، ربطا محكما بعجلة الحضارة الغربية العلمانية المادية بشكل غير ظاهر للعيان ، وغير ملفت للنظر ، وهذا من شأنه أن يكرس الوجود الاستعماري لأمريكا ، لكونها هي التي وراء هذا الحراك ، والمشرفة على سيره، والمظلة الدولية للمحافظة على استمرار وجوده، وحمايته من التراجع ، وتعهده حتى يبلغ غايته، في جميع الأقطار العربية التي تريد أمريكا إعادة هيكلتها سياسيا، وتشكيلها مجتمعيا، على نحو يخدم المصالح الأمريكية الإستراتيجية حيث أن أمريكا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وهي تسعى لإدماج العالم العربي والإسلامي في السياسات الاستعمارية الأمريكية والاستراتيجيات الفكرية والحضارية والسياسة التي تتبناها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لاحتواء الدول الاستعمارية التقليدية ، وإخضاعها للنفوذ والمصالح الأمريكية، للمحافظة على موقعها الدولي ، وإطالة أمد تفردها في الموقف الدولي.

وبناء على ذلك كله، يجب على التيارات الإسلامية المتنوعة أن تنأى بنفسها عن الانخراط في هذا الحراك الشعبي، فلا تتماهى في أطروحاته التي أعدت بإتقان ، لتغريب الأمة وإذابتها في بوتقة الحضارة الغربية العلمانية المادية، وإلغاء هويتها الإسلامية، والسير في تفتيت العالم العربي والإسلامي، بحسب تصورات برجنسكي وغيره من مستشاري الأمن القومي الأمريكي، ومهندسي السياسة الخارجية الأمريكية، وقادة البنتاجون، وقادة المخابرات المركزية الأمريكية، والخبراء الأمريكان في المعاهد الإستراتيجية، وفق مشروع برنارد لويس لتقسيم الدول العربية وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، حيث وافق عليه الكونجرس الأمريكي بالإجماع في عام 1983م ، وتم اعتماده في السياسات المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية.
ومن هنا فإن الحراكات الشعبية العربية الراهنة نمط من السيناريوهات التي أعدتها المراكز الإستراتيجية السياسية والاستخباراتية الأمريكية لإيجاد خارطة جديدة للشرق الأوسط، على غرار إعادة هيكلة دول أوروبا الشرقية. لذا والحالة هذه يتطلب من التيارات الإسلامية جميعها وضع خطة عمل واحدة لإحداث تغيير جذري في مسار الحراكات الشعبية العربية الراهنة، وذلك يستلزم إعداد فكر إسلامي سياسي مجتمعي بنّاء، يرتكز على منطلقات إسلامية أساسية ، في بناء صفوة من المفكرين المسلمين القياديين، القادرين على التصدي لقيادة الجماهير إسلاميا، وإخراجها من دائرة المكائد الاستعمارية. ووضعها على طريق النهضة الصحيحة. أما أن تظل تلك التيارات سادرة في غيها، متبعة أهواء مسئوليها، ومتبعة أساليب عقيمة، وطرائق فاشلة، فذلك نذير شؤم عليها، ومصدر بلاء على الإسلام والمسلمين، لأنها بذلك تُخلِي الساحة لنشطاء منظمات المجتمع المدني، وللقيادات الشعبية العلمانية، وتعزل نفسها في قواقعها الحزبية، وتُستغل في مواقف مشينة، كأن تجعل أداة للعبث في الإسلام، من خلال العمل على تطوير الإسلام بحسب ما يلائم الواقع ويسترضي الكافرين وأعوانهم وركائزهم من العلمانيين، فيؤتى الإسلام من قبلها، وتفت في عضد المسلمين، وتُضعف معنوياتهم، وتشوش أفكارهم مثل ما حصل من التيارات الإسلامية الإصلاحية المعاصرة، حيث تبنت شعارات الحراكات الشعبية العربية. فأعلنت الدعوة إلى الحرية والديمقراطية والعلمانية، وزعمت أن الحرية مقدمة على الإسلام ، وأن الدولة الإسلامية دولة علمانية مدنية، وأذاعت باحترام إرادة الشعب، وأعلنت عن تشكيل حزب مدني لا علاقة له بالدين، وهذا من المفارقات المؤسفة. التي أفقدت هذا التيار مصداقيته الإسلامية، وجعلته أداة لتنفيذ المخططات الأمريكية في العالم العربي والإسلامي، سواء عن عمالة وخيانة، أم عن غفلة وجهالة، وما حصل من التيارات السياسية التغييرية، من محاولات استغلال ظاهرة الحراكات الشعبية العربية الراهنة، للقيام بحراك غير متجانس مع الحراكات المطلبية التي تطالب بالحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، ومحاربة الفاسدين، وإسقاط الأنظمة الفاسدة، فكان حراكا ناشزا، أدى إلى اتهام أصحابه بالخيانة، والتشويش على الثورات الشعبية الراهنة، والعمل على إفشالها خدمة للاستعمار والأنظمة الاستبدادية، وكذلك ما حصل من الحركات السلفية، والسلفية الجهادية، من مواقف متناقضة، أما السلفية التقليدية، فزعمت أن هذا الحراك الشعبي محرم، والسلفية الجهادية خرجت في حراك تنظيمي استفزازي وتحد وشغب وفوضى استعراضية للتنظيم وأتباعه، حيث استُغلّت تلك الأعمال من قبل الأنظمة، لمنع الحراكات الشعبية، واستُغل من قِبَل الأجهزة والدوائر الغربية في اتهام المسلمين بالتخلف والإرهاب، واتخذت من الحراكات الجهادية الغوغائية الهوجاء ذريعة للاستعداء على الإسلام والمسلمين، والعمل على إخراج الإسلام من الحياة، والفَتّ في عضد المسلمين، والدفع باتجاه تطوير الإسلام وتحويره ليتواءم مع المفاهيم العلمانية وقيمها المادية.
لذا والحالة هذه ، فإن ظاهرة الحراك الشعبي ، ظاهرة جديرة بالدراسة المعمقة من قبل التيارات الإسلامية، وتحليلها واستخلاص النتائج والعبر منها، وإعادة مراجعة الأوضاع الفكرية النظرية، والممارسات العملية للتيارات الإسلامية، ووضع الإصبع على مواطن الخلل، وأسباب الفشل في قدرة تلك التيارات على تحريك الشعوب وقيادتها لإحداث تغيير حقيقي في المجتمعات العربية، على أساس الإسلام، وتوحيدها في كيان إسلامي، في ظل الخلافة الإسلامية الراشدة. لا سيما وأن انطلاقة الشعوب العربية ملفتة للنظر ومبشرة بالخير، إذ أنها حراكات تتمتع بإرادة قوية وتصميم مبهر ، وذات روح معنوية عالية، وهمة متقدة، ومطالب محددة واضحة، وإجراءات فاعلة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على خيرية هذه الأمة، وأنها أمة حية ، وكما يدل على عقم التيارات الإسلامية المعاصرة، ويؤكد على فشلها ، ومدى الخلل في فكرها وأدائها، والفساد في مواقفها التي لا ترقى إلى مستوى التأثير في الشعوب ، ولا تتصف بالحيوية التي تحرك الجماهير الشعبية نحو التغيير على أساس الإسلام، بل إنها أماتت على الأمة دينها، وأورثتها الخمول واليأس، وطوعتها لإرادة المستبدين ، أوبددت طاقاتها في أعمال عبثية لا طائل تحتها أو صراعات فرقية ومذهبية لا يزداد المسلمون بها إلا خبالا.
واتساقا مع ما كشفت عنه ظاهرة الحراكات الشعبية العربية الراهنة من حيوية الأمة الإسلامية ، وقدرتها على إسقاط الأنظمة الاستبدادية ، ومضاءة عزيمتها وإصرارها على بلوغ غايتها، إن وجدت من يقودها ، وإن توفرت لديها القناعة فيما يعرض عليها فلابد وأن يسعى المخلصون من التيارات الإسلامية ، على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية وانتماءاتها الحزبية ، للخروج من حالة التكلس التنظيمي ، وتبني حزمة إصلاح تنظيمي، وإعداد منظومة فكرية نهضوية ، وآلية إجرائية عملية لأخذ قيادة الجماهير الشعبية ، ولإفشال المكر الاستعماري، ورد كيد المستعمرين إلى نحورهم، والسير بالأمة في طريق النهضة الصحيحة على أساس الإسلام. مراعين في كل منطلقاتهم الفكرية ، وأعمالهم الإجرائية ، الخروج من الشرنقات التنظيمية التقليدية ، التي عفى عليها الزمن، وأوجدت حالة من التدين الشللي ، الذي يمنع من عودة الإسلام للحياة، ويستعدي المسلمين على بعضهم، ويمكن للكفار والمستبدين في ديار الإسلام حيث أنّ كثيرا من التيارات الإسلامية تستخدمها الأنظمة أدوات لاحتواء واستيعاب التحركات المضادة التي تشكل خطرا على الأنظمة، وأدوات لتحييد العمل الإسلامي الجاد وإفشاله في أعماله لعودة الإسلام للحياة إلى جانب إشغال المسلمين واستنفاذ طاقاتهم في ممارسات إسلامية معيقة للنهضة على أساس الإسلام، أو ممارسات تؤدي إلى

سياسي
18-05-2011, 01:58 PM
تسخير الإسلام لخدمة المستبدين والمشاريع الاستعمارية التغريبية التي يراد بها إدماج الإسلام والمسلمين في الحضارة الغربية، وانقيادهم للسياسات الاستعمارية، إذن والحالة هذه، يجب على التيارات الاستعمارية التنبؤ لتلك التيارات الغافلة عن المنهجية الدعوية الإسلامية الصحيحة، والعمل على تصويب مناهجها، وكشف خطورة ممارساتها على الإسلام والمسلمين، خاصة في هذه الأجواء السياسية السائدة.
وكذلك لابد من مجانبة الظلمة، وأن يكونوا على مستوى رفيع من حس المسؤولية عن الغير، والبعد عن الأنانية، وأن تتوفر فيهم مواصفات رجل الدولة، والوعي على أحوال المجتمعات وأوضاع الدول، وما يؤثر عليها، وعوامل صلاحها وفسادها، وكذلك لابد من الوعي على السنن الإلهية في أحوال المجتمعات، وأوضاع الدول في قوتها وضعفها، وتمكينها، وزوالها، من وجهة نظر إسلامية صافية نقية . لعل ذلك يساعد في تصويب خلل التيارات الإسلامية، وأخذها موقعها القيادي التوعوي للجماهير العربية، على الفكر الإسلامي النهضوي. فتنطلق الأمة لتحرير نفسها من الاستعمار الغربي، وتعود إلى هويتها الإسلامية، وتبني كيانها السياسي والمجتمعي على أساس الإسلام، محققة لوعد الله الذي وعد عباده بالنصر والتمكين في قوله سبحانه :" وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال، فلا تحسبن الله يخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام"
وفي هذا السياق قال أنور الجندي :"... جاءت الصحوة الإسلامية على قدر من الله ليخرج بها هذه الأمة من حالة الضياع والغثائية إلى الاستقامة على الطريق ... والقيام بدور جديد في حياتها تنقذ به نفسها مما وقعت فيه من الذل والهوان والشتات والتيه..." ، وقال النبهاني:"... فالأمة الإسلامية متى تحركت كان التحرير ومتى اندفعت يكن الإنقاذ، ومتى زمجرت خر لها الجبابرة ساجدين. فالمسألة كلها أن تتحرك ثم تندفع..." .
أما وأنّ الأمة اليوم قد اندفعت وبدأت تحس بمرارة واقعها، وتجرأت على الطواغيت المستبدين، وكسرت حاجز الخوف ، وأخذت تجهر بالمطالبة بحقوقها المسلوبة والمهضومة، وراحت تُفعّل إرادتها وسلطانها المغتصب، فعلى التيارات الإسلامية والمخلصين من أتباعها والقائمين عليها أن يهتبلوا هذه الحالة وأن يوجهوها في خدمة الإسلام وإعادة هيمنته على الحياة، وتَحَكُّمِهِ في طراز عيش المسلمين، وأنماط سلوكهم، وذلك يقتضي من القائمين على التيارات الإسلامية ، على اختلاف أطيافها، أن يتصدوا لقيادة الحراكات الشعبية العربية
-------------------------------------

سورة إبراهيم: (46-47)
أنور الجندي ، المعاصرة في إطار الأصالة، دار الصحوة ، القاهرة ، ص74-80 ، وأنظر أيضا، عبد الستار فتح الله ، معركة الوجود بين القران والتلمود، دار الطباعة والنشر الإسلامية، ط3، سنة1985م، ص28-29 ، وانظر أيضا / محمد قطب واقعنا المعاصر، مؤسسة المدينة للصحافة والنشر، السعودية، ص11-12 ، وأنظر أيضا، رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، مكتبة السنة، القاهرة، ص210، وانظر في هذا المعنى ، سيد قطب، في التاريخ فكرة ومنهاج، دار الشروق، القاهرة، ص9-11.
تقي الدين النبهاني، نظرات سياسية لحزب التحرير ، منشورات حزب التحرير، سنة1972م، ص85-86.

سياسي
18-05-2011, 01:58 PM
الراهنة فكريا وسياسيا وفق برنامج فكري سياسي إسلامي مستنير، بدلا من هرولتها للخوض مع الخائضين، ومحاولة استغلال الحراك لإثبات الوجود ، مستلهمين فكرهم السياسي من حيوية الأمة وقدرتها على التصدي لطغيان المستبدين وإصرارهم على الخلاص منهم، وإحساسها بسلطانها المسلوب، وتفعيل إرادتها المكبوتة، وتتفجر طاقاتها في تحقيق أهدافها التي لاحت لها في خضم ظاهرة الحراك الشعبي العربي الراهن. ومستحضرين في تصديهم لقيادة الحراك الشعبي العربي الراهن شروط الاستخلاف والتمكين والنصر. وعوامل الخذلان والوهن والاستبدال بحسب النصوص الشرعية في ذلك مثل قوله سبحانه:" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" ، وقوله سبحانه:"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" . وقوله صلى الله عليه وسلم:"بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض"، وقوله أيضا:" ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر الا أدخله الله هذا الدين بِعِزِّ عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر"، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا:"... وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها الله بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها... حتى يكون يهلك بعضهم بعضا ويسبي بعضهم بعضا" ، وقوله سبحانه:" واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون" ، وقوله سبحانه :"وإن كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره... إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف المماتثم لا تجد لك علينا نصيرا"
فعلى ضوء هذه النصوص وأمثالها يتضح بأن قابل الأيام ستسفر عن أمر خير يبرمه الله لهذه الأمة إن هي سلكت سبيل الاستخلاف على الوجه الذي أظهرته النصوص الشرعية، أو أنها ستنبئ عن انزلاق الأمة إلى الهاوية، وسيرها إلى حتفها بظلفها، ويُتودّع منها ، ويحق عليها قوله سبحانه:" إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا" . وقوله سبحانه :"... وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" . وبهذا القدر كفاية.
-----------------------

سورة النور:(55)
سورة الأنبياء:(105)
الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، دار الكتاب العربي، بيروت،ج4،ص318، وانظر أيضا : أحمد بن حنبل ، المسند، المكتب الإسلامي، ط4،ج4،ص130، وانظر أيضا: الهيثمي ، مجمع الزوائد،دار الكتاب العربي، بيروت،ط3،سنة1982م،ج6،ص88، وانظر مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، دار الفكر، بيروت ، مجلد9 ،ج18 ، ص13-14.
سورة المائدة: (49)
سورة الإسراء: 73-75
سورة التوبة: (39)
سورة محمد: (38)

سياسي
18-05-2011, 01:59 PM
وفي الختام تستكمل الدراسة بما خلصت إليه من نتائج وتوصيات عل النحو الآتي:-
(1) النتائج :
1- لقد كشفت الدراسة بأن الحراكات الشعبية العربية الراهنة ليست ذاتية عفوية ناشئة عن المعاناة والاحباطات التي تعيشها تلك الشعوب في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المفروضة عليهم، محليا من قبل الحكام المستبدين، ودوليا بفعل الأوضاع الاستعمارية التي طال أمدها واستحكم أمرها.
2- لقد أظهرت الدراسة لهذه الحراكات الشعبية العربية الراهنة بأن الأمة لم تمت، وأنها تتمتع بعزيمة قوية وهمة عالية، وأنها ستعود إلى سابق مجدها يوما ما إن هي أحسنت التماسها لمنهج الله تعالى، على أيدي قيادات شعبية واعية على الإسلام الحق، مخلصة لله سبحانه ، مبصرة لمقومات التمكين، متخطية الحواجز والمعوقات عاملة على تحطيم القيود التي تكبل مسيرتها نحو إعادة الإسلام للحياة.
3- التأكيد على أنّ تماهي التيارات الإسلامية المعاصرة مع الحراكات الشعبية العربية الراهنة والسير في ركابها، أو محاكاتها في مطالبها، يجعل من تلك التيارات الإسلامية أداة بيد المستبدين لاحتواء الحراكات الشعبية وتحييد الإسلام الحق عن التأثير، ويحول بين الأمة والتغيير على أساس الإسلام، ويحقق أهداف المستعمرين في إدماج الإسلام والمسلمين في الحضارة الغربية والسياسات الاستعمارية.

(2) التوصيات :
1- توصي الدراسة التيارات الإسلامية بضرورة توجيه القيادات الشعبية في الحراكات الشعبية العربية الراهنة نحو مقتضيات التغيير الحقيقي، وعوامل التمكين، وفق المنظور العقدي الإسلامي. حتى يكون هذا الحراك طريقا لتمكين الإسلام في الأرض كما كان في العهد النبوي والخلافة الراشدة، بدلاً من اللحاق به، والتماهي مع الطروحات الفكرية والسياسية الغوغائية الضبابية الضلالية في كثير منها.
2- لابد من الموازنة بين الثوابت والمتغيرات لدى القائمين على الحراكات الشعبية العربية الراهنة، حتى تسير هذه الحراكات باتزان واستقامة، نحو التغيير النهضوي الباعث على العزة والمجد في ظل خلافة إسلامية راشدة.
3- توصي الدراسة التيارات الإسلامية أن يقوموا بواجبهم في إرجاع الأمة إلى منهج الله تعالى وشريعته، وأن يستفيدوا من الطاقات الإيمانية في شباب الأمة، وأن يستثمروا حماسة شبابها بما يعود بالخير على الإسلام والمسلمين.

وبهذا استُكمل البحث، سائلين الله من فضله أن يكون من العلم النافع الذي ينفعني الله به وينفع به غيري، ويغفر لي ما جاء في من خطأ ويتجاوز عما حصل فيه من زلل، آمين، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الدكتور إحسان سمارة
الجمعة 25/ جمادي الأول/ 1432هـ
الموافق 29/4/2011م

ابو ابراهيم
18-05-2011, 07:04 PM
وكما يدل على عقم التيارات الإسلامية المعاصرة، ويؤكد على فشلها ، ومدى الخلل في فكرها وأدائها، والفساد في مواقفها التي لا ترقى إلى مستوى التأثير في الشعوب ، ولا تتصف بالحيوية التي تحرك الجماهير الشعبية نحو التغيير على أساس الإسلام، بل إنها أماتت على الأمة دينها، وأورثتها الخمول واليأس، وطوعتها لإرادة المستبدين ، أوبددت طاقاتها في أعمال عبثية لا طائل تحتها أو صراعات فرقية ومذهبية لا يزداد المسلمون بها إلا خبالا
هل هذا كلام دقيق؟ وعلى ماذا استند الدكتور؟ اقصد هل استند على مقارنتها بالحركات الشعبية الاخيرة ؟
كيف لنا ان نوجه قادة هذه الحركات الشعبية الى الطريق الصواب ونحن نعلم انها ليست ذاتية ولا عفوية ؟

عبد الواحد جعفر
18-05-2011, 10:49 PM
جزى الله الأخ الدكتور على هذه الدراسة القيمة.
لكن ألا ترون تناقضاً في هذين القولين في هذه الدراسة:
الأول: (وبناء على ذلك نفهم الحراكات الشعبية العربية الراهنة في هذا السياق لتحقيق تنفيذ المخطط الاستعماري ، الذي خططته الولايات المتحدة الأمريكية لتفتيت العالم الإسلامي بعربه وعجمه وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية الاستراتيجية على المستوى السياسي والاقتصادي والأديولوجي).
الثاني: (أما وأنّ الأمة اليوم قد اندفعت وبدأت تحس بمرارة واقعها، وتجرأت على الطواغيت المستبدين، وكسرت حاجز الخوف، وأخذت تجهر بالمطالبة بحقوقها المسلوبة والمهضومة، وراحت تُفعّل إرادتها وسلطانها المغتصب).
فهل الأمة فعلاً تفعل أرداتها وسلطانها المغتصب؟!

طارق بن زياد
19-05-2011, 09:19 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


بارك الله بكم أيها الإخوة الكرام

أولا شكرا جزيلا لكم على هذا التفاعل الجميل مع الموضوع .

أخي الكريم سياسي مشكور جدا على النقل لكن حبذا لو اعطيتنا رأيك الشخصي في الموضوع عوض أن تنقل كلام الآخرين حرفيا.

سؤال وجيه طرحه أخونا أبو إبراهيم : كيف لنا ان نوجه قادة هذه الحركات الشعبية الى الطريق الصواب ونحن نعلم انها ليست ذاتية ولا عفوية ؟ نرجوا أن يحضى بالإهتمام.

أما بالنسبة لك أخي عبد الواحد جعفر و بخصوص سؤالك :
ألا ترون تناقضاً في هذين القولين في هذه الدراسة:
الأول: (وبناء على ذلك نفهم الحراكات الشعبية العربية الراهنة في هذا السياق لتحقيق تنفيذ المخطط الاستعماري ، الذي خططته الولايات المتحدة الأمريكية لتفتيت العالم الإسلامي بعربه وعجمه وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية الاستراتيجية على المستوى السياسي والاقتصادي والأديولوجي).
الثاني: (أما وأنّ الأمة اليوم قد اندفعت وبدأت تحس بمرارة واقعها، وتجرأت على الطواغيت المستبدين، وكسرت حاجز الخوف، وأخذت تجهر بالمطالبة بحقوقها المسلوبة والمهضومة، وراحت تُفعّل إرادتها وسلطانها المغتصب).
فهل الأمة فعلاً تفعل أرداتها وسلطانها المغتصب؟!

فإني أرى أن الدكتور تناقض مع نفسه في هذه الدراسة فمرة يقول أن الثورات الشعبية وراءها أمريكا و بتخطيط منها و مرة يقول أن الأمة و لا ندري ما يقصد بها هل هي مجموع هذه الحركات الشعبية أم أنها شيئا آخر و مهما يكن قصده فالأمة بما فيها الحركات الشعبية - القيادات الشعبية- لم تخطط لهذه الثورات و إنما الذي خطط لها أن تخرج و خطط لها أن تموت في الشوارع هو الغرب الكافر خصوصا أمريكا تحقيقا لمشروعها الشرق أوسطي و خدمة لمصالحها الحيوية في المنطقة، و كما نعلم أن الحركات الإسلامية مجتمعة ما استطاعت أن تحقق ما حققته الثورات اليوم على مستوى تحريك الشعوب . فرغم أن هذه الحركات لها تنظيم شعبي يقود الأمة لتحقيق غايتها المنشودة إلا أنه باء بالفشل و تبين أن الحركات المخلصة اليوم باتت ضعيفة و لم تحقق شيء، بل نلاحظ حصول عكس ذلك ، فقد استطاعت أمريكا أن تجر وراءها كثير من هذه الحركات حتى التي تدعي نفسها أنها سلفية جهادية و المستقبل سوف يرينا العجب العجاب . فاللهم ألطف بهذه الأمة و هيء لها من المخلصين من ينقذها من خطط و مشاريع الكفار. اللهم آميييييييييييييييين.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته