المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البعد العقائدي و الحضاري للصراع بين الأمة الإسلامية و الغرب



أبو زكريّا
06-03-2011, 07:12 PM
لما أفل نجم المسلمين و تقلّص نفوذهم و ظلمهم هانوا على الكفار فطمعوا فيهم واحتلوا بلادهم و جزؤوها ولم يعي كثير من أبناء المسلمين إن لم نقل أكثرهم على طريقة الغرب في تنفيذ فكرته إذ كانوا يرون فيهم سوى المستعمرين عسكريّا و غاب عنهم أنّ الإستعمار أنواعه متعدّدة من فرض سيطرة سياسيّة وعسكريّة و ثقافيّة وخاصّة اقتصادية.
إنّ الإستعمار بكلّ أنواعه يمثّل الطريقة الثابتة عند الغرب لنشر الرأسمالية ووجهة نظر الغرب ومفاهيمه لدى الشعوب و الأمم الأخرى لذلك يجب الانتباه لعدم الفصل بين الإستعمار المباشر الظاهر في السيطرة العسكريّة المباشرة و أنواع التبعيّة الأخرى بأشكالها المختلفة*: من تبعيّة سياسيّة و ثقافية فكريّة و إقتصاديّة . فلا يكفي مقاومة الوجود العسكري المباشر بل لا بدّ من مناهضة كلّ أشكال التبعية وخاصّة منها الثقافيّة والسياسية والاقتصادية.
وها نحن قد وقعنا في كثير من أنواع التبعيّة ، ذلك أنّنا لم نخبر المبدأ الرأسمالي فكرة و طريقة إذ لو كان الحال كذلك لما رضينا باستقلالات مزيّفة ولا بحدود مصطنعة ولا بحكّام أخلصوا للغرب وحاربوا مبدئهم وثقافتهم و لِمَا فيه خير شعوبهم ولمّا رضينا بمفاهيم غريبة ومتناقضة مع عقيدتنا.
فلا بدّ من ربط بين الإستعمار بأنواعه وكونه طريقة الغرب الثابتة في نشر المبدأ الرأسمالي والوعي على تغيير الأشكال والأساليب فلا يكفي بل من السذاجة الإقتصار على كفاح يناهض نوعا معيّنا من أنواع الإستعمار و يمهّد للأشكال و الأساليب الأخرى و يناهض فكرة الإستغلال و ابتزاز خيرات الشعوب والعمالة ويقبل وينحنى لعقائد ونظم ولأفكار الغرب الأساسيّة.
فلا بدّ من بحث وتسليط الأضواء على ما خفي من أنواع صراع الأمّة الإسلاميّة مع الغرب و ما تعمّد الغرب إخفاءه عنّا حتّى نظل فريسة له بإنجاح مخطّطاته ومكائده ودسائسه خاضعين له فيما يريده ويرسمه لنا.
يقول محمد محمد حسين في كتابة الإسلام والحضارة الغربية محاولا استكشاف أنواع الواقعة في العالم الإسلامي : "إذا كان الصراع السياسي والاقتصادي هو أبرز ما يستلفت النظر في هذه الصراعات وقد يبدو للنظرة المتعجّلة أخطرها فهو عند المتأني المتعمّق يبدو أقل خطرا من الصراع الفكري والحضاري، ذلك لأن الظروف السياسيّة والاقتصاديّة كثيرة التقلّب، سريعة التبدّل. أمّا التغيّر الفكري والحضاري فهو بطيء في سريانه وفي تفاعله ولكنّه في نفس الوقت طويل المدى في تأثيره. فالتغيّر السياسي والاقتصادي قد تحدث فجأة بين عشيّة وضحاها بسبب انتصار حربي أو بسبب تغيّر أشخاص ذوي فاعليّة سياسيّة كبيرة أو ثقل دولي ، أو سبب ضغوط إقتصاديّة أو حربيّة أو نفسيّة لهذا أو ذاك من الأسباب وفي هذه أو تلك من الصور والأساليب الظاهرة أو الخفيّة وبمقدار ما هو سريع في التغيّر والتقلّب فهو سريع في زوال آثاره بحيث تبدو الأمور حين تزول أسباب التغيّر السياسي والاقتصادي وكأنّه لم يكن. أمّا الصراع الفكري والحضاري أو تفاعل الفكر والحضارة فهو لا يتم بهذه السرعة ولا يكاد الذين يعيشونه ويعاصرونه يدركون آثاره. فليس من السهل فصل الناس عمّا ألفوا من عادات وتقاليد وما توارثوا من عقائد . "
وكما قلنا فإنّ الطريقة التي يتّبعها المعسكر الرأسمالي لتنفيذ فكرته فهي الإستعمار، وهذه الطريقة ثابتة لا تتغيّر مهما تغيرت الحكومات و مهما اختلفت حكوماتها والإستعمار ليس كما يقول لينين هو أعلى مرحلة من مراحل الرأسمالية، بل الإستعمار هو جزء من وجهة النظر في الرأسمالية وهو الطريقة التي تنشر الرأسمالية بواسطتها في الشعوب و الأمم. و يجب أن يلاحظ عند فهم طريقة المعسكر الغربي أن هذه الطريقة تتطور مع الزمن و من جملة تطورها ما حصل فيها من تغيّر في أساليبها وكونها أصبحت أقرب لأن تكون غاية من أن تكون طريقة. أمّا تغيّر أساليبها فإن ما يسمّى بالإستعمار الجديد قد تغيرت فيه السيطرة العسكريّة، فأمريكا أصبحت تعتمد في إستعمارها على الناحية الإقتصاديّة من أمثال القروض و ما يسمّى بمشاريع التنمية هذا إضافة على إستعمال التدخّل العسكري إذا رأت ذلك. أمّا انجلترا صارت تعتمد على ايجاد رجال يكونون لها عملاء وعلى رجال الاستخبارات الانجليزيّة وعلى حكام البلاد من عملائها وتعتمد إلى جانب ذلك على الناحية الاقتصاديّة من مثل القروض والصفقات التجارية المشبوهة. أمّا فرنسا فهي لا تختلف عن أخواتها كثيرا مع إهتمامها البالغ على الناحية الثقافيّة وهذا ملاحظ وجليّ في بلدان شمال إفريقيا مثلا. والمدقّق يرى أن نشر مفاهيم وحضارة الغرب وعقيدته اتخذت له أساليب مثل المدارس والجامعات والمبشرين وغير ذلك.
كانت وما تزال أطماع الدول العظمى في البلاد الإسلاميّة كبيرة لما تزخر به من خيرات من ثروات طبيعيّة مثل البترول والمعادن وما تمثّله كسوق لبيع سلع الغرب ومن أيادي عاملة رخيصة وما تكتسبه من مواقع استراتيجيّة في غاية الأهميّة للسيطرة على العالم هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإنّ الغرب يدرك أنّ وجود الدولة الإسلاميّة يمثّل من جهة خطر على وجوده سياسيّا وفكريّا وحتّى حضاريّا -فقد كانت له تجارب قاصية معه- ومن جهة أخرى يحدّ من السير في استعمار البلدان الضعيفة لاستغلالها، فعمل على القضاء على الدولة الإسلاميّة ثمّ القضاء على الأمّة الإسلاميّة بالقضاء على حضارتها، ورسمت خططا بعيدة المدى للحيلولة دون عودة الدولة الإسلامية للحياة لتحول دون عودة الأمّة الإسلامية أمّة عظيمة بين الأمم وبالطبع ترسم الخطط وتبذل الجهود لوأد أيّ محاولة لإستئناف الحياة الإسلامية وستظل دؤوبة على مقاومة الأمّة الإسلاميّة ومقاومة وجودها وقوّتها ما دامت هذه الدول العدوّة قويّة كشعب بل حتّى كأفراد.
هذا هو واقع الصراع مع المعسكر الغربي وأنواعه وهو ما ينطبق على واقع سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي، إذ حرص منذ زمن موغل في البعد على أن يحدث تغييرات اقتصادية وسياسية في العالم الإسلامي تثمر تحولات سريعة ولكنّه يحرص أكثر وبمتابعة شديدة وبأعمال شاقّة وبتحديد أهداف بعيدة المدى على إحداث تغييرات فكريّة وحضاريّة تثمر تحوّلات بطيئة وخفيّة.
إنّ العالم إسلامي متشبث بعقيدة الإسلام وبأحكامه الشرعيّة وبوجهة نظره في الحياة وبمفهومه المحدّد عن السعادة وبمختلف مفاهيمه عن الحياة. والمحطّة المراد بلوغها هو تحلّل أكثر ما يمكن من التقيّد بالإسلام عقيدة ونظما والارتماء في أحضان الحضارة الغربيّة وعقيدة الغرب السياسيّة و وعلى أساسا وجهة نظره في الحياة ، أي فصل الدين عن الحياة ، وأفكاره الأساسيّة من مثل الديمقراطيّة والحريّات وسيادة الشعوب وغير ذلك. وهذه التحوّلات لم ينظر لها أن تمس الدولة بأجهزتها أو المجتمع بمؤسّساته فقط بل أن تطال المواطن البسيط عبر خلق شخصيّة جديدة له تفرز أنماط السلوك الملائمة لحضارة الغرب.
وبالنظر لهذه التحوّلات تتحدّد لنا محطتين أو هدفين أريد لهذه التحوّلات أن تحقّقهما، أوّلهما القضاء على دولة الإسلام وعلى وجود الأمّة الإسلاميّة وجودا قويّا مؤثّرا. وضمن هذا الإطار ترجع بنا ذاكرتنا لاسترجاع الذكريات والأحداث التي عصفت بالعالم الإسلامي والمعلومات التي جمعت حولها ، وهذا ما سنفصّله لاحقا وسنبيّن كيف وقعت أحداث القضاء على الدولة الإسلاميّة وما كانت مخطّطات الدول الغربيّة في شمال إفريقيا وفي تونس من حركات وطنيّة وإستقلالات وحكومات مزيّفة.
ثانيهما ما وقع تتبّعه من أساليب خبيثة للقضاء وتمييع المفاهيم الإسلاميّة وهده العقيدة والتشكيك في صلوحيّة الإسلام كنظام حياة وكعقيدة سياسيّة. ومن الأساليب التي خصّص لها الغرب الطاقات والأموال والوقت نذكر منها :

أبو زكريّا
06-03-2011, 07:13 PM
1- الغزو التبشيري للعالم الإسلامي : انتشرت الجمعيات التبشيرية انتشارا واسعا في بلاد المسلمين وكانت غاية هذه الجمعيّات التبشير بالدين المسيحي وبعث الثقافة الغربيّة في الشرق وتشكيك المسلمين في دينهم وحملهم على الامتعاض منه وعلى احتقار تاريخهم وتمجيد الغرب وحضارته وزيادة على هذا فقد كانت هذه الجمعيّات هي الموجِّهَة للحركات القوميّة وأصبحت هي المسيطرة على توجيه المتعلّمين من المسلمين أو توجيه القوميّة العربيّة والتركيّة لغرضين أساسيين هما :
أ. فصل العرب عن الدولة العثمانية المسلمة للإجهاز على دولة الإسلام والتي أطلقوا عليها إسم تركيا لإثارة النعرة العنصرية.
ب. إبعاد المسلمين عن الرابطة الحقيقيّة التي لم يكونوا يعرفون سواها وهي رابطة الإسلام. ولذلك كان وسيظل التوجيه إلى القومية عند العرب أو الترك أو الفرس هو الأسفين الذي يفترى وحدة المسلمين ويعميهم عن مبدئهم .
2- حركات الإصلاح وتطوير الفكر الإسلامي وإصلاح التعليم : إنّ ممّا نجح الغرب في تحقيقه عن طريق ما يسمّى بزعماء الإصلاح يفوق بكثير ما عجزت عن تحقيقه جيوشه طوال عقود طويلة. وما تحقّق فاق ما كان يحلم به الغرب. لقد عمل الغرب على أن يكون له عملاء في أوساط علماء المسلمين يخدمون أغراضه في تطوير الفكر الإسلامي بشكل يتّفق مع حضارة ووجهة نظره في الحياة. لغرب ووجهة نظره في الحياة. وقد أحاط هؤلاء بهالة من التقديس وأبرزهم كمصلحين همّهم انتشال الأمّة ممّا*تردّت فيه وغايتهم تحقيق نهضتها والنزوع بها إلى الرقيّ والتمدّن. وهذا العمل بُدِأَ فيه قبل القضاء على دولة الإسلام إذ استطاع تجنيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، ووصفوهم بروّاد حركة الإصلاح. واستمر أثناء الاستعمار العسكري لبلاد المسلمين ويستمرّ إلى يومنا هذا.
فأعوان الكفّار من علماء ومفكّرين كانت تواجههم مشكلة وهي أن المسلمين يعيشون حسب قيم ثابتة تخالف قيم الغرب ولذلك فإمّا أن يعملوا على محو الإسلام بتشكيك النّاس فيه وفي قيمه وفي الأسس التي تستند إليها ويحاصر بحيث لا يتجاوز نفوذه المسجد وبحيث يفقد سيطرته على مسلك الأفراد وتنظيم العلاقات داخل المجتمع وذلك بإقناع النّاس بأن الدين شيء ومشاكل الحياة شيء آخر، وإمّا أن يخضع هذا الإسلام للتطوير بحيث يصبح أداة لتبرير القيم الغربيّة ولتقريب ما بين الشعوب الإسلاميّة وبين الغرب والمنحى الأخير هو الذي سلكه هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم ودينهم فنجحوا في إزالة كل تناقض فكري وعقائدي بين الإسلام والكفر وتمكنوا من إيجاد أرضيّة من الودّ والتفاهم والصداقة بين الغرب*والشعوب الإسلاميّة وهذا ما مكنّهم بعد ذلك من سلوك المنحى الثاني.
يقول محمد محمد حسنين: " إنّ هدم العقيدة من ناحية ومحاصرتها من ناحية أخرى هو أصلح تمهيد لإقناع المسلمين بتطوير قيم الإسلام، فهذا التطوير لابدّ -لكي يثمر ثمرته المرجوة- أن يحدث بأيدي المسلمين أنفسهم وهم لا يفعلونه إلا إذا ضعف يقينهم بالإسلام فاعتقدوا أنّه يتعارض مع حاجات الحياة من ناحية أو تعوّدوا إهماله أوعدم التقيّد بالتزام قواعده في شؤون الحياة من ناحية أخرى اقتناعا منهم بان دائرته لا تتجاوز شؤون العبادات ولا تتعدّاها*إلى السلوك والمعاملات وتنظيم المجتمع". ويضيف "ومن أخفى هذه الوسائل التي يقترحونها لتطوير الفكر الإسلامي اتّخاذ التلفيق الفقهي وسيلة للاقتراب من الفكر الغربي وتقليد أنماطه الاجتماعيّة أو تسويغها وذلك باسم الاجتهاد ووجوب فتح بابه لمواجهة ما جدّ وما يجدّ من كائنات. وبذلك يتيسّر إيجاد إسلام لُفِّقَت شرائعه من هنا ومن هناك وليس مهمّا أَنْ تتعارض الأصول والأسس*التي قامت عليها هذه الآراء الفقهيّة الملفّقة وليس مهمّا أن يكون فيها القوي والضعيف وليس مهمّا أن يكون أصحابها أكفاء أوغير أكفّاء ولكن المهم*أن*يوجد إسلام جديد يمثّل ما يدعو إليه الاستعمار من تفاعل الإسلام والحضارة الغربيّة. فالإسلام الجديد مأخوذ من مصادر إسلاميّة لا شك وليس منقولا عن مصادر غربيّة ولكن الذي يخفى على النّاس هو أن اختيار المصادر والآراء الإسلاميّة جرى على أسس ومقاييس غربيّة وصدر عن رغبة في مطابقتها أو الاقتراب منها". وفي هذا الإطار رفع الكثير ممّن جندهم* الكفّار*شعار إصلاح التعليم الديني واصفين ذلك بالإصلاح الديني الحر وهو يهدف إلى إطلاق العقول*من الأغلال التي قيّدتها طوال الأجيال الماضية بدون ضابط أو مقياس وبدون قيد من عقيدة في مسألة إنبناء أو انبثاق المفاهيم عنها. ولا غرابة في ذلك فالأزهر الذي طرد علي عبد الرزاق من زمرته وسحب منه شهادته العلميّة نتيجة لإنكاره وجود أنظمة في الإسلام هو نفسه الذي دعم النظام المصري وقبل ذلك شجّع خيانة السادات وقبل ذلك تخرّج منه طه حسين وأمثاله.
3- الاستشراق وخدمته لأغراض الغرب: إن الاستشراق أريد له ابتداءا أن يخدم أغراض الغرب في هيمنة حضارته وسيطرة وجهة نظره في الحياة على عقول المسلمين وقد مر الاستشراق بمرحلتين أوّلهما أن جهود الاستشراق انصبت في البداية على تشكيك المسلمين في عقيدتهم والكثير من أفكارها ومهاجمة أحكام شرعيّة معينة مثل المرأة وحقوقها والرّق وكيف أباحه الإسلام والحدود من قطع يد السارق والتشكيك في الرسول وأصحابه... واصفين كل ما يلتزم بالإسلام عقيدة وأحكاما بالجمود والتحجّر. وهم يستدرجون المسلمين* في الكلام عن نقاط معيّنة من نظم الشريعة التي تخالف* ما استقرّ عليه عرف الغرب فيما يجري عندهم باسم المدنيّة . وذلك لكي يلجؤونهم إلى تحريف نصوص القرآن والحديث والميل بها إلى ما يوافق العادات الغربيّة السائدة. وقد استهدف عملهم هذا أن يمحو ما استقر في نفوس المسلمين من أن للإسلام طابعا ثابتا صلبا وقيما محدودة مرسومة ومفاهيم محدّدة يجتمع عليها المسلمون من ناحية ويتميّزون بها عن غيرهم من ناحية أخرى وبذلك يفقدون الإسلام طابعه المحدّد الثابت ممّا يخدم أغراض الكفار ويثبت أقدامهم في بلاد المسلمين. وبعد ذلك تحوّلت دراسات المستشرقين عن دراسة العصور الإسلاميّة الأولى* في صدر الإسلام وعن دراسة أحكام الإسلام إلى دراسة العصر الحديث لأنّ جهود الاستعمار في التغريب آتت ثمارها وبدأت آثاره واضحة في سلوك المسلمين المعاصرين الذي أصبح صدى للفكر الغربي وللحضارة الغربيّة بأكثر ممّا هو امتداد للقيم الإسلاميّة وللحضارة الإسلاميّة ولذلك تحوّلت دراسات المستشرقين لرصد هذا التطوّر وتتبّعه بالدراسات الفرديّة والجماعيّة في شكل بحوث ومؤتمرات خدمة أهداف الغرب الذي لم يعد يعنيه تاريخ المسلمين القديم وأحكام الإسلام الثابتة بعد أن انفصل المسلمون عنها في بعض البلاد الإسلامية أو نبذوها من حياتهم في بلدان أخرى.

4- التغريب: لقد حرص الغرب على إيجاد تفاعل بين الإسلام وبين الحضارة الغربية يمهّد الطريق لنقل الحضارة الغربية والتخلّي نهائيّا عن حضارة الإسلام. ففي هذا التفاعل تمتزج الحضارة الغربيّة بالحضارة الإسلاميّة إمتزاجا كاملا تتطوّر معه الحضارة الإسلاميّة والفكر الإسلامي ليصبحا شيئا جديدا يختلف عن الحضارة الغربيّة وعن الحضارة الإسلاميّة.* وحينئذ يمكن أن تتم الخطوة الثانية وتتحقّق ، إذ تصبح المجتمعات الإسلاميّة تعيش حسب الأنماط الحضاريّة للغرب ويتخلى المسلمون تدريجيّا عن وجهة النظر الإسلاميّة في الحياة ويعيش على حسب مفاهيم الغرب الحضاريّة بدون أن يلحظوا تناقضا بين واقعهم وبين أحكام دينهم . وهذا التفاعل أريد له زيادة إلى أنّه يحقّق التحوّل التدريجي للمسلمين عن مفاهيم الإسلام إلى مفاهيم الغرب الحضاريّة أن يؤدي إلى تفتيت الوحدة الحضارية والثقافيّة للعالم الإسلامي يقول محمد محمد حسين في هذا الشأن : "فالتفاعل إذا تم لا يتم على نحو واحد لأن كل بلد من بلاد المسلمين سيختلف في تفاعله عن البلد الآخر مع ذلك الطارئ الدخيل حضاريّا وفكريّا، وإنّما وحدة الأنماط الحضاريّة والثقافيّة في البلاد الإسلاميّة أنّها كانت تخضع لمنطق ولضوابط مستمدّة من الأصول التي أجمع عليها علماء المسلمين وفقهائهم الأوّلون وهي مأخوذة من القرآن والسنّة فإذا انفتح باب التفاعل مع الحضارة الغربيّة بدعوى العصرنة لم يجر ذلك التفاعل على المنطق القديم الذي لم يعد يلائم العصر. ولذلك فالغالب على هذا التفاعل أن يجري- حين يجري- على منطق الحضارة الغربيّة بما يشتمل عليه من أصول أخطرها القوميّة بمفهومها المجافي* للدين ومع توالي السنين والأجيال يزداد ما بين هذه البلاد الإسلامية تباينا وبعدا". إن هذا التطوير الذي استهدف الغرب تحقيقه في العالم الإسلامي، أو عمل التغليب على دفعه وتدعيمه وتعميمه في شتّى قطاعات المجتمع سوف يؤدّي إلى اكتساح حضارة الغرب كل العلاقات داخل المجتمع اكتساحا يشمل جميع ومختلف جوانبه يقول محمد محمد حسين: " والواقع أن إدراك حقيقة الشيء يستلزم النظرة الشاملة إليه التي تحيط به من كل نواحيه والذي ينظر إلى تطوير هذه النظرة الشاملة يستطيع أن يدرك خطورته ومدى أثاره فإذا عمل صاحب اللغة على تطوير اللغة العربيّة وعمل الخطّاط على تطوير الخط العربي وعمل الأديب على تطوير الأدب وطرائق التعبير والتخيّل والنظم والأسلوب بل والموضوع وعمل الموسيقي على تطوير الألحان ونظامها وعمل الأخلاقيّون على تطوير القيم والعادات والتقاليد وتطوير الزي واللباس والأثاث* فأي صلة تبقى لنا بماضينا ؟* وأي خليّة من خلايا عقولنا وأي زاوية من ضمائرنا وأي قطاع من شخصياتنا يصبح إمتدادا لعقول الآباء والأجداد وضمائرهم وشخصياتهم ؟ بل أيّ صلة سوف تربط المسلم بالمسلم ... وأيّ مثل صالح من نماذج السلف المقتدي به وأي قيم موحّدة يمكن عند ذلك أن تجمعنا ؟ والذي يعتبر تعدّد الزوجات شيئا بغيضا ينافي المدنيّة والتهذيب ويراه ضربا من الشهوانيّة الحيوانيّة والبدائيّة البربريّة أليست تنفر نفسه من سيدنا رسول الله* ومن أصحابه حين يقرأ أنهم كانوا يجمعون بين الزوجات ؟
لقد كانت هذه الثقافة الغربيّة سلاحا شهره الغرب في وجه الدولة الإسلاميّة وطعنها به طعنة نجلاء أودت بحياتها و حمل إلى أبناء هذه الدولة سلاحه هذا يقتل من دماء أمّهم القتيل وقال لهم مفتخرا : لقد قتلت أمّكم العجوز التي كانت تستحق القتل لسوء حضانتها لكم وقد مهّدت لكم عندي حضانة تتذوقون فيها الحياة السعيدة والنعيم المقيم ومَدُّوا أيديهم يصافحون القاتل* وما يزال سلاحه مخضبا بدماء أمَّهم...
وهذا كله يرينا القاتل المجرم ويقفنا على السبب الذي حمله على ارتكاب الجريمة ويبصرنا بالوسائل التي توسّل بها للقضاء على القتيل وما كان السبب إلا محو الإسلام وما كانت أهم الوسائل إلا هذه الثقافة التي جاءت مع الغزو التبشيري.

يوسف
06-03-2011, 10:50 PM
السلام عليكم تحياتي للجميع ,جزيت خيرا يا ابو زكريا ورحم الله محمد محمد حسين العالم المغمور اضاء الطريق لمن بعده عن اساليب الغرب الكافر لابعاد الامه عن دينها

gareeb
07-03-2011, 04:30 PM
بسم الله اللرحمن الرحيم
الاخ ابو زكريا المحترم
بارك الله فيك على هذه الكلمات وعلى تسليط الضوء على الكاتب والمفكر الكبير محمد محمد حسين رحمه الله الذي ابدع في كشف اساليب الغزو الفكري وتتبعه اياها بعمق واستنارة ...وحرقة على دين الله وعلى الامة الاسلامية ... رحمه الله ونفع بعلمه ورفع درجاته

أبو زكريّا
11-03-2011, 12:18 AM
http://www.youtube.com/watch?v=k8i6L7RWTdk&feature=player_embedded#at=734

هذا الفيديو يستحق المشاهدة والتعليق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟