المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناقشة أحد العلماء لأحد الكتاب العلمانيين في مسألة ضرب الزوجة.. منقول



عبد الواحد جعفر
17-02-2011, 04:03 PM
وماذا عن ضرب الزوجات بمبرر؟
30/3/2010
استفزني كثيرا عنوان تقرير الغد أمس "ضرب الزوجات بلا مبرر: تعبير بدائي عن رجولة زائفة"، وكأن ضرب الزوجة بمبرر أمر مقبول!، وبالطبع فإن الرهبة من تناول الموضوع ومناقشته هو الآية القرآنية "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن بالمضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا"، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة منع تجريم ضرب الزوجة، هو بالتأكيد كما يبدو في النص من وسائل حماية الأسرة وتفادي "النشوز"، ولكن عندما يكون لدى الدولة والمجتمع من التشريعات والتدابير والمؤسسات لحماية الأسرة وتنظيمها وحفظ حقوق الزوجين فإن الضرب لا يعود مقبولا ولا جائزا أيضا، لأن الدولة والتشريعات والمؤسسات المنظمة لعملها تتكفل بحماية الحقوق العامة والخاصة لجميع المواطنين، وتلزم كل مواطن بل والحكومة أيضا إذا كانت طرفا في الخلاف بالأهداف والمبادئ والحقوق العامة للأسرة والمجتمع والأفراد، وهي في هذه الحالة تنوب عن الزوج والزوجة أيضا في تحصيل الحقوق ورد الظلم إذا اعتدى أحدهما على الآخر.
لا نحتاج للقول إن ضرب الزوجة بالمطلق حرام لمنعه أو تجريمه أو رفضه، الرق مثلا كان مقبولا، ولم ينص القرآن صراحة على منعه أو تحريمه، ولكنه أصبح حراما، ولا يجرؤ حتى أشد المتطرفين تطرفا وغلوا اليوم على القول إنه حلال، ومن حقه أن يشتري جارية أو عبدا، أو يسبي أحدا من الناس، فالإنسانية بعامة والمجتمعات يتشكل لديها من الوعي والارتقاء والتطور التنظيمي والمؤسساتي والتشريعي ما ينشئ قواعد ومبادئ وأفكارا وتشريعات وتنظيمات وثقافات جديدة تنظم الحقوق والواجبات.لا يتعارض منع أو تجريم أو رفض ضرب الزوجة مع القرآن الكريم، ولا يعني ذلك أيضا رد الآية أو الاعتراض عليها أو رفضها، فهذه الولاية للزوج ليست بالضرورة حقا مطلقا في جميع الظروف والأحوال لا يجوز المساس به أو تنظيمه، فالدول والمجتمعات تمنح وتمنع مسائل كثيرة وفق ما تنظم به مصالحها ووفق ما ترقى ثقافتها ووعيها، هل يحق لأحد اليوم أن يتجاوز الإشارة الضوئية الحمراء لأن ذلك ليس حراما؟ ألم تصبح هذه العملية جريمة أخلاقية؟
هل يجرؤ أحد اليوم على القول إن نكاح المتعة حلال بدلالة الآية الكريمة "فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن"؟ ليس كل ما يباح للناس حقا مطلقا لا يجوز المساس به، ويمكن أيضا أن يعود مباحا حسب الحالة والمرحلة المجتمعية والتنظيمية والثقافية التي يعيش فيها الناس، ففي غياب الدولة أو في مجتمعات قبلية أو رعوية معزولة تختلف الأحكام والثقافة أيضا عن حالة المدن والمجتمعات المنظمة، وفي اختلاف الاعمال والموارد والمسؤوليات تختلف العلاقات المنظمة للأفراد والأسر والمجتمعات، فالقوامة على سبيل المثال قرنت بالإنفاق، فهل تبقى حقا لزوج أو أخ عاطل أو فاشل على زوجة/ أخت منتجة ناجحة تنفق على أسرتها؟
[email protected]
إبراهيم غرايبة

ملاحظات علمية في المقال
يقترح الأستاذ الكريم أن نجعل معالجة نشوز الزوجة بالتشريعات والتدابير والمؤسسات التي تعمل على حفظ حقوق المواطنين وإلزام الزوجة بحقوق الزوج؛ بدلا من معالجته بالضرب الذي لم يعد مقبولا في ظل وجود تلك التشريعات والمؤسسات في الدولة.
والواقع أن في اقتراح الكاتب الكريم مآخذ وملاحظات علمية منها باختصار :
1_ أنه يفترض أن الإسلام عندما شرع ضرب الزوجة لمعالجة نشوزها، فقد شرعه في وقت لم يكن فيه لدى الدولة الإسلامية الأولى– وهي دولة الرسول عليه السلام – والمجتمع الإسلامي الأول من التشريعات والتدابير والمؤسسات ما يكفل حماية الإسرة وتنظيمها وحفظ حقوق الزوجين؛ فلما وجد ذلك في الدولة الحديثة اليوم، لم يعد الضرب مقبولا ! وهذا في الواقع مغالطة فاحشة؛ لأن الدولة الإسلامية الأولى قد كان فيها كل ذلك؛ فقد شرع الإسلام في تلك الدولة الأحكام الشرعية في كيفية معالجة نشوز الزوجة، وبين أن معالجة نشوزها تكون بالوعظ والإرشاد أولا، ثم بالهجر في المضاجع ثانيا، ثم بالضرب المجدي وغير المبرح ثالثا، ثم بالتحكيم الذي قد تكون نتيجته التفريق بين الزوجين رابعا. وقد جعل الإسلام الزوج هو الذي يتولى المراحل الثلاث الأولى، وجعل للحكمين وللقضاء والدولة تولي المرحلة الرابعة عند عدم جدوى المراحل الثلاث الأولى؛ وفي هذا في الواقع تشريع وتدبير قانوني شرعي لحماية الإسرة وتنظيمها ولحفظ حقوق الزوج وإلزام الزوجة الناشز بها، ولكنه تشريع وتدبير جعل الضرب وسيلة ومرحلة قانونية شرعية من وسائل ومراحل معالجة النشوز وحماية الإسرة وحقوق الزوج؛ فكيف يقال بعد ذلك إن الضرب لا يعود مقبولا عندما يكون لدى الدولة والمجتمع من التشريعات والتدابير والمؤسسات ما يحمي الأسرة وينظمها ويحفظ حقوق الزوجين؟! أعني أليس نفس تشريع الضرب تشريعا وتدبيرا قانونيا من اجل حماية الأسرة وحفظ حقوق الزوج؟! أما إن كان الكاتب الكريم يعني بما قاله أن تشرع الدولة تشريعات وتدابير قانونية جديدة لا بجعل الضرب وسيلة قانونية من وسائل معالجة إصرار الزوجة على النشوز، فهذا حينئذ اجتهاد على الله سبحانه، بمنع الضرب وتجريمه من حيث أباحه وأذن به ! أما دعوى أنه سبحانه ما شرع الضرب إلا حين لم يكن لدى الدولة تشريعات وتدابير لحماية الأسرة وحقوق الزوجين، فقد رددناه فيما تقدم.
2_ الكاتب الكريم يفترض أيضا أن الدولة في الإسلام أعطت الزوج حق معالجة نشوز زوجته بالضرب - حين لا يجدي الوعظ والهجر – لأنها تخلت هي ومؤسسات المجتمع عن التدخل في معالجة تلك المشكلة، أما اليوم فإن الدولة ومؤسسات المجتمع تتدخل في معالجة تلك المشكلة، فلم يعد الضرب لذلك مقبولا. والواقع أن هذه مغالطة ثانية أيضا؛ لأن الصحيح أن الإسلام جعل للدولة والقضاء ومؤسسات المجتمع الإسلامي حق التدخل في معالجة نشوز الزوجة وحماية الأسرة من خلافات الزوجين؛ وذلك حين جعل للحكمين حق التحكيم بين الزوجين عند استفحال النشوز والخلافات الزوجية، وحين جعل للقاضي حق التفريق بين الزوجين – جبرا عن الزوج – إن رآى الحكمان ذلك، وهذا هو المعمول به في المحاكم الشرعية في الأردن وغيره من البلاد الإسلامية اليوم فيما يسمى بدعوى الشقاق والنزاع التي من مراحلها القانونية مرحلة التحكيم بين الزوجين؛ ولكن الإسلام في الواقع جعل تدخل الدولة في معالجة نشوز الزوجة وخلافات الزوجين مرحلة تالية بعد إتاحة المجال للزوج أن يعالج تلك المشكلة بنفسه أولا؛ وعلى هذا فإن الفرق بين ما يقترحه الكاتب الكريم وما هو موجود في التشريع الإسلامي، هو أن الكاتب يريد أن يجعل تدخل الدولة في معالجة النشوز وخلاف الزوجين مرحلة لا يسبقها مرحلة تمكين الزوج من معالجة تلك المشكلة بنفسه ولو بالضرب غير المبرح إن كان مجديا ونافعا في معالجتها. ولا شك أن الموجود في التشريع الإسلامي أفضل مما يقترحه الكاتب؛ لأن في اللجوء إلى القضاء والدولة ومؤسسات المجتمع لمعالجة النشوز وخلافات الزوجين فضحا لأسرار الزوجين أمام القضاء وأفراد المجتمع، حين يذكر الزوج مظاهر نشوز زوجته مثلا والأمور الشخصية جدا التي لا تطيعه فيها؛ وحينئذ فإن أي عاقل سيقول : لماذا نسارع إلى فضح الحياة الزوجية ونشرها في العلن أمام القضاء والدولة ومؤسسات المجتمع، مع إمكان معالجة تلك المشكلات بسرية تامة وفي نفس بيت الزوجية فقط، حين يكون الزوج قادرا على معالجة تلك المشكلات بالوعظ والإرشاد والضرب إن كان مجديا نافعا في معالجتها؟! إن الإسلام لم يسارع إلى فضح الزوجة والحياة الزوجية، إلا عند الضرورة حين لا توجد أية وسيلة أخرى، حين لا يجدي الوعظ ولا الهجر ولا الضرب غير المبرح؛ ولهذا قال العلماء أن جعل معالجة النشوز في يد الزوج أولا قبل رفع الأمر للقضاء، ستر للزوجة وأسرار الحياة الزوجية.
3_ ثم إننا لو اخذنا باقتراح الكاتب الكريم ولجأنا إلى الدولة والقضاء ومؤسسات الدولة قبل أن نتيح للزوج حل المشكلة في بيت الزوجية فقط ولو بالضرب المجدي؛ فيبقى حينئذ أن القضاء والتشريعات ومؤسسات المجتمع التي ستتولى معالجة مشكلة النشوز بدلا عن الزوج – إن كانت ستعالج النشوز بالوعظ والإرشاد وتوعية الزوجة بحقوق الزوج وأن الواجب عليها الالتزام بأداء حقه إليه، فإن هذا في الواقع هو ما يجب على الزوج فعله اولا قبل اللجوء إلى الضرب ولو كان مجديا، مع ان الزوج لو تولى هو الوعظ والإرشاد بدلا عن المؤسسات فهذا أفضل؛ لما فيه من الستر على الزوجة وأسرار الزوجية. وإن كانت تلك المؤسسات ستعالج النشوز بالهجر في المضاجع، فإنها ستطلب من الزوج أن يتولاه؛ بما أنه هو الذي يفعله؛ فلماذا لا يتولاه الزوج بنفسه بدون أن تطلبه منه تلك المؤسسات أولا؟! وإن كانت ستعالج النشوز بالضرب المجدي وغير المبرح، فقد لجأنا حينئذ إلى ما منه هربنا – وهو الضرب – ثم أيهما أولى بضرب الزوجة وأكرم لها وأحفظ لكرامتها، أن يضربها الزوج أم الشرطي؟! وإن كانت ستعالج النشوز لا بالضرب – ولو كان مجديا – بل بإلزام الزوجة بحقوق الزوج وإجبارها على أداء تلك الحقوق إليه، فكيف ستجبر المؤسسات الزوجة على تمكين الزوج من نفسها في الفراش مثلا، أو على عدم شتمه والتعالي عليه، او على عدم خدمتها لبيتها، أو على غير ذلك من مظاهر النشوز؟! بل إن القضاء الشرعي اليوم لم يعد يجبر الزوجة الناشز حتى على مجرد العودة إلى بيت الزوجية فقط، وفي القضاء الشرعي اليوم عبارة يكررها القضاة دائما، هي أن الزوجة في قضية الطاعة الزوجية (تؤمر ولا تجبر)؛ أي يأمرها القاضي بطاعة زوجها ولكن لا يجبرها على طاعته إجباراً. ثم إنني أتساءل ههنا أيضا: كيف ستجبر المؤسسات الزوجة على الالتزام بحقوق الزوج: هل بضربها إن لم تفعل، وهو ما هربنا منه؟! أم بحبسها، وحينئذ تتضرر الأسرة وأفرادها بفقد الزوجة مدة الحبس؟! أم بفرض غرامة مالية عليها، وهي لا تملك المال في الغالب؛ بما أنها متفرغة للعمل في البيت وأنها في الإسلام لا تعمل وتتكسب خارج البيت إلا عند الحاجة أو الضرورة؟! وإن كانت تلك المؤسسات ستعالج النشوز بالتحكيم وبالتفريق بين الزوجين إن رأى الحكمان ذلك؛ فهذا ما شرعه الإسلام، ولكنه جعله مرحلة لاحقة لمرحلة سابقة هي إتاحة المجال للزوج أن يعالج المشكلة بنفسه ولو بالضرب المجدي قبل المصير إلى التحكيم والتفريق؛ وذلك استبقاء للحياة الزوجية إلى آخر يوم، بعدم المسارعة إلى التفريق بين الزوجين بسبب الشقاق والنزاع، مع إمكان حل المشكلة بغير التفريق؛ وبخاصة أن الضرب المجدي وغير المبرح، أقل أثرا وسلبية على الأسرة وأفرادها من التفريق والطلاق.
4_ أما قياس الكاتب الضرب على الرق في السعي إلى إلغائه لأنه ليس انسانياً؛ فهو قياس غير دقيق لأنه مع الفارق وهو أن الرق ثبت معاملة بالمثل حين كانت الأمم الأخرى تسبي نساء المسلمين وتسترق رجالهم؛ فلما زالت هذه المعاملة منع الفقهاء المعاصرون العودة إلى الاسترقاق؛ ولكن لو عادت الأمم إلى الاسترقاق لعدنا إليه أيضاً معاملة بالمثل؛ وهذا بخلاف الضرب فقد شرع وسيلة علاجية لمشكلة النشوز ولم يشرع معاملة بالمثل؛ وهذه الوسيلة العلاجية لا يأتي زمان يستغني الناس عنها – حين لا يجدي ما هو أقل منها - بدعوى التطور العصري والإنساني؛ وإلا لوجب إلغاء الضرب من الشريعة الإسلامية كلها، ولو كان على سبيل جلد الزاني غير المحصن، أو الجلد في الجرائم التعزيرية الأخرى غير جريمة النشوز؛ وأظن هذه الدعوى الباطلة هي السبب في إلغاء الحدود اليوم، ولا أظن الكاتب الكريم مع هذه الدعوى !.
5_ على أنني أنبه أخيراً على أن الضرب في الإسلام مكروه وليس مباحاً ولا واجباً، وأنه مشروط بقريب من عشرة شروط منها أن يكون مجدياً وغير مبرح، وأن يكون عند تكرر النشوز والإصرار عليه وليس من أول مبدئه.