المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فكرة الحزب



shareff
25-08-2008, 03:27 PM
فكرة الحزب

فكرة الحزب هي ما تبنّاه من الفكرة الإسلامية، حسب طريقته في الفهم وشرطه في التبني. والفكرة الإسلامية هي العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أحكام وما يُبنى عليها من أفكار.

ولبيان أهمية الفكرة بالنسبة لحزب التحرير ليس هناك ما هو أفضل مما ذكره الحزب في نشرة أصدرها بتاريخ 23/4/1974، جاء فيها:

"والحزب يقوم على الفكرة وحدها. أي على مبدأ الإسلام حسب فهمه هو لأفكاره وأحكامه. فالفكرة وحدها هي التي يقوم عليها، فهي سرّ حياته، وهي وحدها التي تجعله حياً، وتجعل حياته دائمة بل خالدة. فهو لا يقوم على الأشخاص مهما أوتوا من العلم والجاه والقوة، ولا يهتم بكثرتهم أو قلّتهم، ولا يقوم على تأييد الناس له، قلّ هذا التأييد أو كَثُر، ولا يقوم على ما يوفر له القدرة على العمل، مهما كانت هذه القدرة مغرية بالتسهيل والتيسير والتقدم والارتفـاع. ولا يقوم على ما يقرّبه من الحكم أو يسهّل له أن يتولاه، وإنما يقوم على شيء واحد هو الفكرة.

ويعتبر هذه الفكرة سرّ حياته، أي روحه التي يحيى بها، والتي إذا فقدها مات، فالفكرة هي أساس وجوده. وهي أساس حياته وأساس سيره. ولذلك يُعنى بالفكرة وحدها، ويوجّه همّه كله نحو الفكرة، ويعتبر جلَّ أعماله متعلقاً بالفكرة سواء من حيـث التبني، أو من حيث النشر، أو من حيث التطبيق، أو من حيث ما يلزم لبناء المجتمع، أو يستلزم إقامة الدولة، أو يقتضي إنهاض الأمة، أو يستوجب حمل الرسالة إلى العالم. وإذا كان يَعمل لإقامة الدولة، وبناء المجتمع، وإنهاض الأمة، وحمل الرسالة إلى العالم، فإنما يعمل بالفكرة، ومن أجل الفكرة: فالفكرة هي كل شيء في حزب التحرير".

والحزب لم يتبنَّ الفكرة الإسلامية بشكل إجمالي، وإنما بشكل تفصيلي، لأنّ تبنّي الفكرة الإسلامية بشكل إجمالي لا يجعله حزباً متميزاً، كما لا يحدد هويته بدقة. ومع تبنيه الفكرة الإسلامية بشكل تفصيلي، فإنه اقتصر في تبنيه على ما يلزمه منها للعمل الذي ينهض به، أي بالقدر الذي يلزمه كحزب سياسي يريد إيجاد فكرته في المجتمع وتجسيدها في العلاقات. فهو تبنّى ما يلزمه لأداء مهامّه من إنهاض الأمة، وبناء المجتمع، وإقامة الدولة، وحمل رسالة الإسلام للعالم.

ولذلك فإنه لم يتبنَّ في العقائد إلا ما كانت أعماله تستوجب التبني فيها، ولم يتبنَّ في العبادات إلا ما كان لا بدّ منه لنشر الأفكار كأحكام الجهاد. ولم يتبنَّ في التشريع إلا ما كان أخذه للسلطة يستوجبه، وهو وإن كان قد تبنى في نظام الحكم، فإنه لم يتبنَّ في العقوبات، كما لم يتبنَّ إلا النزر اليسير في المعاملات. فالحزب ليس مذهباً من المذاهب، ولا هو طريقة من الطرق، كما أنه ليس مجتهداً من المجتهدين.

ونظراً لما أصاب الفكرة الإسلامية خلال قرون الانحطاط من عوامل التغشية والحرف والتضليل، سواء نتيجة لجهل المسلمين أو لكيد أعدائهم، فقد أخذ الحزب على عاتقه توضيح الفكرة وبلورتها وتنقيتها من كل شائبة لحقت بها، حتى تعود صافية واضحة نقية، كما نزل بها الوحي.

ومن أجل ذلك، وَجَد الحزب أنه لا بدّ له من تبني طريقة معيّنة في الفهم، وجعلها شرطاً في تبنيه للعقائد والأحكام والأفكار. وطريقته في الفهم تتمثل في مجموعة من القواعد الضوابط التي جعلها قيداً في أخذه للعقائد والأحكام والأفكار. وطريقته في التبني هي أخْذ الفكرة عن المجتهد على شرط الحزب، أي وفق طريقته في الفهم، ثم تبنيها وإلزام كل شاب في الحزب بتبنيها.

فبالنسبة للأفكار المتعلقة بالعقائد فإنه لا يتبناها إلا إذا قام الدليل القطعي على صحتها وصدقها، سواء أكان هذا الدليل مما جاء به الوحي أم كان دليلاً عقلياً حسب فهم الحزب لمعنى العقل.

وعلى هذا الأساس تبنى الحزب أن العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى.
والإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل. فلا بدّ في الإيمان من الدليل، لأنه بدون دليل لا يكون إيماناً. ولا بدّ أن يكون الدليل قطيعاً حتى يتأتى في التصديق الجازم، لأنه إن كان ظنياً فلا يفيد سوى مجرّد التصديق وليس التصديق الجازم.

وقد تبنى الحزب حُرْمة أخذ العقيدة وكل ما هو من العقائد من الدليل الظني، استناداً للنهي الجازم عن أخذها بالظن. والأدلة على حرمة أخذ العقائد بالظن عديدة: منها قوله تعالى: {إنْ يًتَّبعون إلا الظنّ وإنْ هُم إلا يَخْرُصون}، وقوله سبحانه: {وما يَتَّبِعُ أكثرهم إلا ظنّاً إنّ الظنّ لا يُغني من الحق شيئاً}، وقوله: {وما لهم به من علم إنْ يَتَّبِعون إلا الظنّ}، وغير ذلك من الآيات قطعية الثبوت والدلالة.

واستناداً لهذه الأدلة، فإنه يحرم على المسلم أن يبني عقيدته على الظن، أو يعتقد بأي فكر عقيدي استناداً لدليل ظني، وهو إنْ فعل ذلك كان آثما.
فدليل العقائد إما أن يكون نصّاً جاء به الوحي قطعي الثبوت والدلالة، وإما أن يكون العقل.

والعقل عند الحزب، ويرادفه الفكر والإدراك، هو نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسَّر بواسطتها الواقع. ولذلك لا بدّ من وجود واقع وحواس ودماغ ومعلومات سابقة تكفي لتفسير الواقع حتى يحصل العقل أو الفكر أو الإدراك، ويتصل بفهم الحزب لمعنى العقل موضوع آخر، وإن كان لا علاقة له بكون العقل من الأدلة على العقائد، ألا وهو كيفية فهم النصوص الفكرة. إذ يَشترط الحزب أن تُتلقى تلقياً فكرياً، سواء كانت هذه النصوص مقروءة أو مسموعة. والتلقّي الفكري عند الحزب هو أن يَفهم المتلقي معاني الجمل كما تدل عليه لا كما يريدها مَنْ صدرت عنه أو مَنْ تلقاها أن تكون.

وفهم النصوص الفكرية لا يتأتى إلا بوجود معلومات سابقة عنها في ذهن المتلقي، وأن تكون هذه المعلومات السابقة في مستوى الفكر الذي يُراد فهمه، بحيث يدرك المتلقي واقع هذه الفكر إدراكاً يحدّده ويميّزه عن غيره، ويعطي الصورة الحقيقية عنه.

والفكر يُتلقى لفهمه واتخاذ موقف منه. فإما أن المتلقي يصدّقه وعندها يأخذه، وإما أنه لا يصدّقه وعندها إما أن ينبذه أو يحاربه لأن الفكر لا يُتلقى لمجرد المعرفة.

وتصور الفكر تصوراً صحيحاً هو الذي يعصم الفكر من الزلل والانحراف، ويجعل المرء يقرر موقفه منه تقريراً صحيحاً. فالأفكار الخاطئة أو المنحرفة لا يقف ضررها عند حدّ أخذ المرء لها، بل قد تصرفه عن أعمال أساسية في حياته، وقد تجعله يزلّ وينحرف، أو يضلّ ضلالاّ كبيراً.

والأصل في المسلم، وحامل الدعوة من باب أولى أن يأخذ الأفكار أو ينبذها أو يحاربها بقياسها على العقيدة، أي بجعله العقيدة قاعدة فكرية له. وهو قبل أن يقيس الفكر على العقيدة لا بدّ له من معرفة أن الفكر حقيقة أم لا، فإن كان حقيقة، أي له واقع ينطبق عليه، قاسه على العقيدة، وإلا فإنه لا حاجة لقياسه على العقيدة، لأنه إما أن لا يكون فكراً على الإطلاق لأنه لا واقع له، وإما أنه فكر خاطئ، أي لا ينطبق على واقعه تمام الانطباق.

وبقياس الفكر على العقيدة يُنظر، فإن وافق العقيدة يُؤخذ، وإن كان يتناقض أو يتعارض معها أو مع ما ينبثق عنها، فلا يُؤخذ، فإما أن يُنبذ أو يُحارب.

والعقل هو الذي تَوصَّل بشكل قطعي إلى أن للإنسان والكون والحياة خالقاً خلقها جميعاً، وإلى أن القرآن من عند الله، وإلى أن محمداً رسول الله. وصَلُحَ العقل لأن يكون الدليل القطعي على هذه الركائز الثلاث للعقيدة لأنها مما يقع تحت الحس أو يُلمس أثره بالحس، ولذلك كان بمقدور العقل إصدار حكمه القطعي عليها. أما باقي أدلة العقيدة فقد جاء بها الوحي نصوصاً قطعية الثبوت والدلالة. باستثناء موضوع القضاء والقدر، أي تحديد المقصـــود بعبارة "وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى"، كجزء من العقيدة، فإنّ هذا الموضوع عقلي.

هذا بالنسبة لما تبناه الحزب في العقائد حسب طريقته في الفهم، أما بالنسبة للأحكام الشرعية، فإن الحزب يفرّق بين أمرين: أصول الأحكام، والأحكام العملية (أي الفرعية).

فبالنسبة لأصول الأحكام تبنّى الحزب أنها شأنها شأن العقائد لا تُؤخذ إلا عن يقين، أي يجب أن تستند إلى أدلة قطعية حتى تُعتبر أصولاً للأحكام.

وهكذا حصر الحزب أصول الأحكام (أو الأدلة الإجمالية) في أربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والقياس. فهذه الأدلة الأربعة هي وحدها التي قام الدليل القطعي على اعتبارها أدلة. وكما يُطلق عليها أصول الأحكام يُطلق عليها كذلك أصول الفقه.

وأما الأحكام الشرعية العملية (أو الفروعية)، فإن الحزب تبنى أنها يجوز أخذها من الأدلة الظنية، ولا يُشترط فيها القطع، بل تكفي فيها غلبة الظن.

والدليل الظني قد يكون قطعي الثبوت ظني الدلالة، كقوله تعالى {أو لا مستم النساء}، أو ظني الثبوت قطعي الدلالة، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا وصيّة لوارث"، أو ظني الثبوت والدلالة كقوله صلى الله عليه وسلم "لا طلاق ولا إعتاق في إغلاق". فهذه هي أنواع الأدلة الظنية، وهي كلها تصلح للاستدلال على الأحكام الشرعية العملية أو الفروعية.

وإذا كان الدليل الظني من السنّة فإن الحزب يشترط فيه أن يكون من نوع الحديث الصحيح أو الحسن، حسب فهمه هو للصحيح والحسن، وإن خالف رأي بعض علماء الحديث في ذلك.

والحزب لا يكتفي بفهم النصوص عند الاستدلال بها، وإنما يشترط إلى جانب فهمها انطباقها على الواقع. ولذلك فإنه يَدرس الواقع دراسة اجتهاد، ويَدرس النص دراسة اجتهاد، ثم يطبِّق الحكم الذي استنبطه من النص على الواقع الذي درسه، فإن انطبق عـليه أخذه، وإنْ لم ينطبق عليه تركه وبحث عن الحكم الذي ينطبق عليه حتى يجده، فإنْ انطبق عليه تبناه، وإنْ لم ينطبق عليه ولم يعرف حكماً ينطبق على هذا الواقع فإنه إما أن لا يتبناه، وإما أن يتبنى أنه ليس من أحكام الإسلام. ومن أجل دقة فهم الأحكام وضبط هذا الفهم. تبنى الحزب قواعد وتعاريف شرعية تنطبق عليها طريقته في الفهم وطريقته في التبني.

فمن القواعد الشرعية التي تبناها الحزب كضوابط قاعدة (الأصل في الأفعال التقيـد بالحكم الشرعي)، وقاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يَردْ دليل التحريم)، وقاعدة (ما لا يتم الواجب إلا بـه فهـو واجب)، وغيرها كثير.
ومن التعاريف الشرعية، وهي شأنها شأن القواعد الشرعية عبارة عن أحكام شرعية، تعريفه للحكم الشرعي بأنه (خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع)، وتعريفه للجهاد بأنه (بذل الوُسْع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد ونحو ذلك)، وتعريفه للفقه بأنه (علم بالمسائل الشرعيــة العملية المستنبَطة من أدلتها التفصيلية) وتعريفه للسبب بأنه (ما يلزم من وجوده وجود ومن عدمه عدم)، وغير ذلك من التعاريف الشرعية.

وقد ميّز الحزب بين الأحكام والأفكار، فبيّن أن الأحكام يجب أن تنبثق عن العقيدة، أي أن تُؤخذ مما جاء به الوحي، فُيستدل عليها من الكتاب أو السنّة أو مما أرشدا إليه من إجماع أو قياس. وأما الأفكار فإنه لا يُشترط فيها انبثاقها عن العقيدة، فهي قد تنبثق عن العقيدة، كما هو شأن الأفكار العقيدية الواردة في النصوص، وقد تُبنى عليها وهو الأعمّ الأغلب في الأفكار. ومعنى بناء الأفكار على العقيدة جعل العقيدة قاعدة فكرية وقياس الأفكار عليها، فما وافق العقيدة يُؤخذ وما تناقض أو تعارض معها أو مع ما ينبثق عنها لا يُؤخذ.

ففكرة (أن النهضة هي الارتقاء الفكري) فكرة لم تنبثق عن العقيدة، ولم تَرِد في النصوص الشرعية، ولكنها فكرة لها واقع يصدّقها وتوافق العقيدة عند قياسها عليها، ولذلك فإنها تُبنى على العقيدة.

ومثلما تبنى الحزب قواعد وتعاريف شرعية فإنه تبنّى كذلك مصطلحات وتعاريف وقواعد فكرية.

والمراد بالمصطلحات تكرار استعماله لألفاظ أو عبارات معيّنة لتقتصر دلالالتها على معان محددة. كاستعماله لكلمة (المبدأ)، وعبارة (الكون والإنسان والحياة)، ومصطلح الفكرة، ومصطلح (الطريقة)، و(الجو الإيماني)، و(القيــــادة الفكرية)، و(وجهة النظر في الحياة) و(والإحساس الفكري)، و(منطق الإحساس) وغيرها من المصطلحات.
ومن التعاريف تعريفه للعقيدة بأنها (فكرة كليّة عن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها)، وتعريفه للمبدأ بأنه (عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام)، وتعريفه للمجتمع بأنه (مجموعة من الناس بينهم علاقات دائمية)، وغير ذلك من التعاريف.
ومن القواعد الفكرية المتبناة قاعدة (الأسلوب يقرره نوع العمل)، (والفكر يجب أن يَسبق العمل وأن يكون الفكر والعمل من أجل تحقيق غاية)، و(الإدارة يجب أن تتسم بالسهولة واليسر والسرعة في الإنجاز)، و(الصلاحية فردية والعمل جماعي)، وغيرها.
والإسلام فكرة وطريقة من جنس فكرته، فالفكرة هي العقيدة والمعالجات المنبثقة عنها، والطريقة هي الأحكام المتعلقة بكيفية تنفيذ المعالجات، وكيفية المحافظة على العقيدة وكيفية حمل الدعوة.
ومثلما يحرص الحزب على الفكرة فإنه يَحرص على الطريقة، لتظل هي الأخرى نقية صافية لا تشوبها شائبة.
وحَمْل الدعوة من أحكام الطريقة ولذلك يجب التقيد بهذه الأحكام في حملها، سواء في الدور المكي أو المدني. ومصدر هذه الأحكام هو القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما لا يصح أن نأخذ عن الرسل الآخرين في أحكام الفكرة، فإنه لا يجوز الأخذ عنهم في أحكام الطريقة، بل يُؤخذ من كتاب الله ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، لأن الرسول عليه السلام وحده القدوة والأسوة. وأي أخذ عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكام الطريقة يُعتبر أخذاً عن غير الإسلام.
وقد بيّن الحزب أحكام الفكرة وأحكام الطريقة، فحكم تحريم الخمر من الفكرة، وحكم إقامة الحدّ على شارب الخمر من أحكام الطريقة، والنطق بالشهادتين من أحكام الفكرة، وقتل المرتد من أحكام الطريقة، وتحريم سرقة المال من أحكام الفكرة وقطع يد السارق من أحكام الطريقة.
وفي مجال حمل الدعوة، فإن الاقتصار على الناحية الفكرة في الدور المكّي من أحكام الطريقة، وحمل الدعوة بالجهاد في الدور المدني من أحكام الطريقة أيضاً. كذلك فإن مراحل السير في حمل الدعوة من أحكام الطريقة.
ويجب التمييز عند البحث في أحكام الطريقة بين ما هو من الطريقة وبين ما هو من الأساليب. فما كان من الطريقة يجب التقيد به وعدم الانحراف عنه، لأن الطريقة أحكام شرعية مستمدة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتقيد بها فرض والانحراف عنها معصية، أما الأساليب فإنها باعتبارها غير متعلقة بوجهة النظر في الحياة فإنها كلها مباحة ما لم يَرِد دليل على حرمة أسلوب منها . والأساليب هي الكيفية غير الدائمة للقيام بالعمل. ومثل الأساليب الوسائل التي هي عبارة عن الأدوات المادية التي يستعان بها في تنفيذ العمل. فهي باعتبارها أشياء كلها مباحة إلا إذا ورد دليل على حرمة شيء منها.
ولأجل ذلك لا بدّ من التمييز بين الطريقة وبين الأساليب والوسائل. كما ينبغي أن تكون الأساليب والوسائل واقعية وعملية. ومعنى واقعية أن تعالج واقعاً موجوداً بالفعل، ومعنى عملية أن توضَع لمباشرة العمل بها على الفور.
وحين يتبنّى الحزب أساليب معينة لأداء أعمال حمل الدعوة فيجب التزام هذه الأساليب، وذلك لأنها متبناة، لا لأي شيء آخر. ولذلك فإنه مثلما يحرص الحزب على الفكرة والطريقة فإنه يحرص كذلك على الأساليب المتبناة ما لم يظهر خطؤها. فإذا ظهر خطؤها فإنه يتركها ويتبنى غيرها مثلما يترك فهمة لأي فكر من الفكرة أو الطريقة إذا ظهر خطؤه.
والحزب يرى أنه لا اجتهاد في تنفيذ الأساليب المتبناة، تماماً مثلما يرى أنه لا اجتهاد في أي فكر متبنّى. ذلك أن الاجتهاد في مثل هذه الحالة إما خطأ فادح إن كان بغير قصد، وإما انحراف مقصود إن كان عن تعمد وإصرار.
هذا عرض موجز لفكرة الحزب، ولطريقته في الفهم، وطريقته في التبني، إضافة إلى بيان أن سير الحزب في حمل الدعوة يستند إلى ما جاء في القرآن وإلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره من الرسل، وبيان حرص الحزب على الأساليب المتبناة.
وقد بقيت مواضيع في مسألة التبني لا بدّ من بلورتها ولفت النظر إليها.
أولها أنه قبل تبني الحزب لأي فكر وأي حكم وأي رأي يمرّ ما يُراد تبنيه بثلاثة أدوار: أولها الدراسة، وثانيها التفكير، وثالثها البحث والتتبع، وبعد ذلك يخرج الرأي للشباب والناس فكراً متبنى.
ومع ذلك، فإن الحزب يقول إن رأيه صواب يحتمل الخطأ، وخلافه خطأ يحتمل الصواب، وذلك حتى ينفي القداسة عن الرأي الذي يتبناه الحزب. ولكن ينبغي أن يتذكر الجميع أن الأصل في الرأي المتبنى أنه صواب، والخطأ مجرد احتمال.
ولهذا لا يجوز لأمير الحزب أن ينتقل من رأي تبناه الحزب إلى غيره هكذا دون تفسير، بل يجب عليه أن يبيّن بوضوح وجلاء خطأ الرأي السابق، كما يجب أن يبيّن وجه الصواب في الرأي الجديد.
والثانية أن الأمير لا يجوز له أن يتبنى على غير شرط الحزب في التبني كما جرى بيانه في هذا الموضوع. فلا يجوز له أن يتبنى مثلاً على أساس المصالح المرسلة، ولا على أساس أن (شرع مَنْ قبلنا شرعُُ لنا). صحيح أن الأمير صاحب الصلاحية في التبني، ولكن ذلك مقيَّد بالتزام طريقة الحزب في الفهم وطريقته في التبني.
والثالثـة أن أمير الحزب لا يجوز له أن يتبنى في ما التزم الحزب بعدم التبني فيه، أو فيما لا حاجة له للتبني فيه. وذلك كالتزام الحزب بعدم التبني في بعض مسائل العبادات كالصوم والصلاة والحج، أو فيما لا يلزم للحزب لأداء مهامه التي ينهض بها، كالدراسات أو الأبحاث التي لا شان لها بهذه المهام، أو فيما هو من قبيل الحث على التضحية أو العمل أو التحلي بقيم رفيعة معينة. وطبعاً لا يعني ذلك عدم إصدار الحزب شيئاً في هذه الأمور، وإنما المقصود عدم تبني ما يصدره فيها.
والرابعة أن تَقيَّد الشباب لا يَقتصر على المتبنى، بل يجب أن يتقيدوا بتنفيذ جميع أحكام الإسلام سواء كانت متبناة أو غير متبناة. فالحزب لا يتبنى في أحكام الصلاة، ولكنه لا يقبل بين صفوفه من لا يُصلي.
والخامسة أن ما يتبناه الحزب مُلزِم لكل شاب، يستوي في ذلك أمير الحزب وشابُُ تم تحزيبه بالأمس.
فكل شاب يتبنى كل حكم وكل فكر وكل رأي تبناه الحزب، وإذا لم يتبن رأياً واحداً أو فكراً واحداً أو حكماً واحداً فإنه يخرج من الحزب ولا يصبح جزءاً منه، لأن عضويته في الحزب مرهونة بتبني كل ما تبناه الحزب.
والتبني لا يقتل الإبداع لدى الشباب كما يتوهم البعض، بل هو الذي يوجِد لديهم ذخيرة للتفكير فيها ومحاكمتها مما يفتح لديهم آفاق الإبداع.
هذا فضلاً عن كون التبني هو الذي يجعل الحزب حزباً سياسياً متميزاً عن غيره، وهو الذي يجعل كُلاً فكرياً شعورياً بالفعل.
بهذا يكتمل موضوع فكرة الحزب. فقد تم توضيح جوهرها، وقواعد وضوابط الفهم والتبني التي التُزِمَتْ فيها، كما جرى التركيز على بيان أهميتها والأولوية التي ينبغي أن تكون لها عند الحزب والشباب.
وهذه الأولوية التي تناساها بعض الشباب، وصاروا يضعون الأشخاص قبلها، ما كانت بحاجة إلى كل هذا البيان لولا سنوات الهبوط الطويلة التي مرت على الحزب، بحيث صار الحزب، وهو أداة النهضة، بحاجة إلى إنهاض.
إذ نتيجة لكون القيادة السابقة لم يكن لديها الحد الأدنى من الوعي اللازم لقيادة الحزب حتى تحافظ على نقاء الفكرة وصفائها وبلورتها، وتَحُول دون إدخال أي شوائب عليها أو تمييعها، نتيجة لذلك اختلّت الأولويات. وكان من الطبيعي أن يحدث ما حدث لأن واقع القيادة ينعكس على الحزب والشباب.
غير أنه من فضل الله على الحزب أن جمهرة كبيرة من شبابه لم تستسلم للهبوط، وبقيت متيقظة، وأدركت ما يعانيه الحزب والشباب، وسبب هذه المعاناة، وطريقة علاجها.
فعملية التصحيح وإن تولاها في البداية أشخاص معدودون إلا أنها جاءت تعبيراً صادقاً عما في نفوس مئات الشباب الواعين المخلصين في سائر المناطق الحزبية، ولذلك سرعان ما انضم هؤلاء الشباب لعملية التصحيح لأنهم كانوا بانتظارها.
وفكرة الحزب هي التي تحدد كل شيء في الحزب. فمن يتمسك بها نقية صافية فهو عضو في الحزب، ومن لا يكترث بما يصيب هذه الفكرة من تمييع وإدخال شوائب وتغشية، فإنه ليس في الحقيقة عضواً في الحزب، بغض النظر عن الناحية الإدارية.
فالذين يُعطون الأولوية لشخص أو أشخاص على الفكرة ليسوا من حزب التحرير في شيء، ولا قيمة لكثرتهم أو قلّتهم، حتى لو توهّم بعض الناس أنهم من الحزب.
وذلك بديهي لأن الحزب يقوم على الفكرة وحدها. فهي وحدها الرابط بين شبابه، وهي وَسَيْر الحزب الأمر المشترك بين الشباب والحزب.
أما الشباب الواعون المخلصون الجادون في حمل الدعوة، المستعدون للتضحية بالغالي والرخيص للسير بها حتى تحقيق الغاية، المدرِكون لأهمية الفكرة وأولويتها وحيوية المحافظة على نقائها وصفائها، الحريصون على عدم انحراف الحزب عن مساره الصحيح، فهؤلاء هم حزب التحرير، وهم وحدهم المؤهَّلون لإنهاض الأمة وأخذ قيادتها، وهم القادرون بعون الله على تحقيق الغاية.

{وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُه إن الله لَقَوِيُُّ عَزيز}
صدق الله العظيم