المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا



أبو محمد
05-12-2010, 12:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لحزب التحرير تعريف للعقل، وفي تفسير الشيخ الشعراوي للآية 179 من سورة الأعراف { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } يعرج على تعريف العقل.

وإليكم ما قاله بخصوص هذا الموضوع.

"ولقائل أن يقول: إن كانت قلوبهم مخلوقة بحيث لا تفقه فما ذنبهم هم؟. ومادامت عيونهم مخلوقة بحيث لا ترى فما ذنبهم؟ وكذلك مادامت الآذان مخلوقة بحيث لا تسمع فلماذا يعاقبون؟. ونقول: لا، لم يخلقهم الله للعذاب، لكنهم انشغلوا بما استحوذ عليهم من شهواتهم، وصارت عقولهم لا تفكر في شيء غيره وتخطط للحصول على الشهوة، وكذلك العيون لا ترى إلا ما يستهويها، وكذلك الآذان. وكل منهم يرى غير مراد الرؤية، ويسمع غير مراد السمع.

والفرق بين فقه القلب ورؤية العين وسماع الأذان.. أن فقه القلب هو فهم القضايا التي تنتهي إليها الإدراكات. ونعلم أن الإدراكات تأتي بواسطة الحواس الخمس، فنحن نعرف أن الحرير ناعم باللمس، ونعرف أن المسك رائحته طيبة بالشم، ونعلم أن العسل حلو الطعم بالذوق.

إذن لكل وسيلة إدراك، وهي من المحسَات، وبعد أن تتكون المحسَات يمتلك الإنسان خميرة علمية في قلبه وتنضج لتصير قضية عقلية منتهية ومسلماً بها.

وكلنا يعرف أن النار محرقة؛ لأن الإنسان أول ما يلمس النار تلسعه، فيعرف أن النار محرقة، ويتحول الإدراك إلى إحساس ثم إلى معنى. إذن فالمعلومات وسائلها إلى النفس الإنسانية وملكاتها الحواس الظاهرة، وهناك حواس أخرى غير ظاهرة مثل قياس وزن الأشياء بالحمل. وقد انتبه العلماء لذلك واكتشفوا حاسة اسمها حاسة العضل؛ لأنك حين تحمل شيئاً قد تجهد العضلة أكثر إن كان الحمل ثقيلاً.

وحينما ترى واحداً من قريب وواحداً من بعيد، فهذه اسمها حاسة البعد، وكذلك حاسة البين وهي التي تميز بها سمُك القماش مثلاً.

كل الحواس - إذن - تربي المعاني عند الإنسان وحين تربي المعاني في النفس الإنسانية تتكون القضايا التي تستقر في القلب.

ولذلك يمتن الحق سبحانه وتعالى على خلقه بأنه علمهم فقال تعالى:
{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[النحل: 78]

ونعود إلى قول الحق تبارك وتعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا }

والفقه هو الفهم ويصير الفهم قضية مرجحة انتهى إليها الاقتناع من المرائي والمحسّات، لكنّ هؤلاء الكافرين لا يرون بأعينهم إلى هواهم، وكذلك لا تسمع آذانهم إلا ما يروق لهم، فلا يستمعون إلى الهدى، ولا يلتفتون إلى الآيات التي يستدلون بها على الخالق فتعيش قلوبهم بلا فقه، فهم إذن لهم قلوب وأعين وآذان بدليل أنهم فقهوا بها وسمعوا بها ورأوا بها الأشياء التي تروق لانحرافهم.

ويصف الحق تبارك وتعالى هؤلاء فيقول: { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }. انتهى الإقتباس.

طبعا قد يكون تعريف الحزب أدق وأعمق ولكن الشيخ الشعراوي قد جاء بالفكرة نفسها.

ما رأيكم؟

عبد الواحد جعفر
05-12-2010, 10:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لحزب التحرير تعريف للعقل، وفي تفسير الشيخ الشعراوي للآية 179 من سورة الأعراف { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } يعرج على تعريف العقل.

وإليكم ما قاله بخصوص هذا الموضوع.

"ولقائل أن يقول: إن كانت قلوبهم مخلوقة بحيث لا تفقه فما ذنبهم هم؟. ومادامت عيونهم مخلوقة بحيث لا ترى فما ذنبهم؟ وكذلك مادامت الآذان مخلوقة بحيث لا تسمع فلماذا يعاقبون؟. ونقول: لا، لم يخلقهم الله للعذاب، لكنهم انشغلوا بما استحوذ عليهم من شهواتهم، وصارت عقولهم لا تفكر في شيء غيره وتخطط للحصول على الشهوة، وكذلك العيون لا ترى إلا ما يستهويها، وكذلك الآذان. وكل منهم يرى غير مراد الرؤية، ويسمع غير مراد السمع.

والفرق بين فقه القلب ورؤية العين وسماع الأذان.. أن فقه القلب هو فهم القضايا التي تنتهي إليها الإدراكات. ونعلم أن الإدراكات تأتي بواسطة الحواس الخمس، فنحن نعرف أن الحرير ناعم باللمس، ونعرف أن المسك رائحته طيبة بالشم، ونعلم أن العسل حلو الطعم بالذوق.

إذن لكل وسيلة إدراك، وهي من المحسَات، وبعد أن تتكون المحسَات يمتلك الإنسان خميرة علمية في قلبه وتنضج لتصير قضية عقلية منتهية ومسلماً بها.

وكلنا يعرف أن النار محرقة؛ لأن الإنسان أول ما يلمس النار تلسعه، فيعرف أن النار محرقة، ويتحول الإدراك إلى إحساس ثم إلى معنى. إذن فالمعلومات وسائلها إلى النفس الإنسانية وملكاتها الحواس الظاهرة، وهناك حواس أخرى غير ظاهرة مثل قياس وزن الأشياء بالحمل. وقد انتبه العلماء لذلك واكتشفوا حاسة اسمها حاسة العضل؛ لأنك حين تحمل شيئاً قد تجهد العضلة أكثر إن كان الحمل ثقيلاً.

وحينما ترى واحداً من قريب وواحداً من بعيد، فهذه اسمها حاسة البعد، وكذلك حاسة البين وهي التي تميز بها سمُك القماش مثلاً.

كل الحواس - إذن - تربي المعاني عند الإنسان وحين تربي المعاني في النفس الإنسانية تتكون القضايا التي تستقر في القلب.

ولذلك يمتن الحق سبحانه وتعالى على خلقه بأنه علمهم فقال تعالى:
{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[النحل: 78]

ونعود إلى قول الحق تبارك وتعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا }

والفقه هو الفهم ويصير الفهم قضية مرجحة انتهى إليها الاقتناع من المرائي والمحسّات، لكنّ هؤلاء الكافرين لا يرون بأعينهم إلى هواهم، وكذلك لا تسمع آذانهم إلا ما يروق لهم، فلا يستمعون إلى الهدى، ولا يلتفتون إلى الآيات التي يستدلون بها على الخالق فتعيش قلوبهم بلا فقه، فهم إذن لهم قلوب وأعين وآذان بدليل أنهم فقهوا بها وسمعوا بها ورأوا بها الأشياء التي تروق لانحرافهم.

ويصف الحق تبارك وتعالى هؤلاء فيقول: { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }. انتهى الإقتباس.

طبعا قد يكون تعريف الحزب أدق وأعمق ولكن الشيخ الشعراوي قد جاء بالفكرة نفسها.

ما رأيكم؟
الأخ الكريم أبا محمد، تحية طيبة، وبعد،،
أضيف إلى ما تفضلت به كلاماً للدكتور محمد راتب النابلسي، وهو قريب جداً من تعريف الحزب للعقل، وهذا نص كلامه من درس له في العقيدة:
(هذا الإنسان المكرم زوده الله بوسائل التكريم، ومنها:
2- القوة الإدراكية: فـللإنـسان قوة إدراكية، فالحائط، والطاولة، والأحجار، والأشـجار هـذه الأشياء لا تدرك، فالإنسان مميز، ومفضل، ومكرم بهذه القوة الإدراكية.
مثلاً: مجتمـع الـقرود منذ وجودهم على الأرض وحتى الآن، هل طرأ على حياتهم تطور؟ فهل سكنوا في البيوت ؟ وهل اخترعـوا أجـهزة ؟ وهل نظموا مجتمعهم ؟ فالقرد هو القرد، لم يتغير ولم يتبدل، فالفرق الجوهري بين الإنسان والحيوان هو القوة الإدراكية.
3- الإدراك: فـالإنسان إذا عـطل إدراكـه عطـل إنسـانيته، أي إذا عـطل إدراكـه جعل نفسـه فـي صف الحيوان، وهذا قول لا يحتمل المناقشة لشدة وضوحه، ولشدة تشعّب الموضوع، فلْنَبْقَ في القـوة الإدراكـية التـي خصـهـا الله للإنـسان، والتـي يتميز بها عن سائر المخلوقات، ولاسيمـا الحيوان، و لها مشكلة، أنها عالة على العالم الخارجي والعالم الداخلي، وهي مـن دون عالـم خـارجـي، ومن دون عالم داخلي لا قيمة لها، حيث تتعطل وظيفتها.
العـالم الخـارجي: الله تعالى جعـل لنـا نوافـذ تطل عليه، فالبصر نافذة، والشم، والسمع، والذوق، والإحسـاس بالحرارة والبرودة، وكذلك الضغط، وجميع الأعصاب والحواس هي نوافـذ القوة الإدراكية على العالم الخارجي، ولو تخيلنا أن إنساناً أوتي من الذكاء ما لم يؤت أحـد من العـالمين، وكان كفيف البصر، فهل يستطيع أن يعـرف الـلون الأحمر، وما الفرق بينه وبين اللون الأخضر ؟ وأيهما أجمل الأزرق أم البنفسجي ؟ - فنرى أن كـلمة أحمـر - وأخضـر - وأزرق - وبنفسـجي، وأبيـض وغيـره من هذه الكلمات لا معنى لـها إطلاقاً عندَ هذا الكفيف، فهذه القوة الإدراكيـة تستعين بهذه النوافذ
لذلك ربنا عز وجل قال:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }البقرة171
إن القوة الإدراكية تحتاج إلى سمع، وبصر، وإلى نطق، فما دام أي كائن أصم، وأبكم، وأعمى فهو لا يعقل، وهنا نجد أن هذه الآية تشير إلى ذلك، قال تعالى:
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }الأنفال22
فهذا الذي خُلق أصـم اسـألـه ؟ هل صـوت البلبل أعذب أم صوت الغراب ؟ فيقول لك: لا أعلم، وما نوعه ؟ فهو لا يدري، لأنه لم يسمع صوت البلبل، ولا صـوت الغراب، ولا الشلال، ولا الرعد، إذاً: مهما كان متميزاً بالذكاء، والنـوافذ المطلة على العالم الخارجي مغلقة فـالإدراك منعـدم.
وشـيء آخر مهم جداً: وهو أن هذه الحواس خلقها الله سبحانه وتعالى بقدَر، قال الله تعالى:
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
فإنـك عنـدمـا تريد شُـرب المـاء تـراه صـافياً نقيـاً، فلو وضعت منه قطرة تحت المجهر لرأيت آلافاً، بل مئات الألوف من الجراثيم والبكتريات والـعصيات، إنك لو نظرت إلى قطرة الماء تحت المجهر لاستحال عليك شرب الماء، فماذا تستنتج ؟ إن هذه القوة الإبصارية محدودة، فإنك تستطيع أن ترى الأشياء على بُعد مائة متر، أو مائتين، ثم بعد ذلك لا ترى شيئاً، كذلك طبيب العيون، يضع لك لوحاً على بعد خمسة أمتار أو أكثر، فترى فتحـات الـدوائـر الكبيرة، حتى تصل إلى الـحلقات الصغيرة فتقول له: لا أعـرف، ويضـع لـك عـلامـة 8/10 - 5/10 - 3/10، حيث إنك لا ترى أصغر من ذلك، إذاً القوة الإبصارية لـها حدود قال تعالى:
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
وحدودها من تقدير عزيز، عليم، خبير، بصير، حكيم، ولو زادت قوة الإبصار أكثر من ذلك لما رأينا في الأرض جمالاً، ولا رأينا وجهاً صبوحاً، وبعـض الأمـاكـن في أنعـم جـلد بشـري تـرى جبـالاً ووديـاناً ونتوءات، وعندما تم تـكبير أنعـم جـلـد بشـري تحت مجهر يكبر 300000 مرة كان المنظر لا يُحتمل، فلو أن هذه العين كـانـت قـوة إبصـارهـا أكبـر ممـا هـي عليه لما كان في الأرض جمال، ولا أحبَّ أحد أحداً، فقوة الإبصار المحدودة تعتبر نعمة من نِعَم الله عز وجل.
الهواء مثلاً يحتوي على صور، ومن يرى تـلك الصـور ؟ والـدليـل علـى ذلـك فـي أجهزة التلفزيون الذي يلتقط الصور التي لا تستطيع عيناك أن تراها.
والفضـاء مملوء بالصور، فقوة الإبصار محدودة وكذلك الهواء مملوء بالأصوات.
فالبث الإذاعي في العالم العربي متعدد، وكل هذه الإذاعات أمواجها الصوتية مبثوثة في الفضاء، فجهاز المذياع يلتقط هذه الأصـوات، أمـا الأذن فلا تستطيع ذلك، وهذه من نِعم الله عز وجل، فلو كان الـسمعُ غيرَ محـدود لسـمعت كـل الإذاعـات، دون أن تـدخل إرادتك في أن تسمع، أو لا تسمع أيَّ إذاعـة تبـث موجـاتـها الصـوتية، لذلك فإن الله عـز وجـل مـن حكمته جعلنا لا نستطيع أن نسمع تلك الأمواج الصوتية، فلنفرض مثلاً لـو كان هنـاك سـوق مليء بالضجيج، أو كان كل شيء على وجه الأرض يسمعه الإنسان لكانت حيـاته مـستحيلة، فتصـور أنـك تسمع أصوات أمواج البحر، وكل محرك يعمل، وكل انفجار، وكل صـوت فـي الـكرة الأرضيـة، مـن شمـالها إلى جنـوبها، ومن شـرقـها إلى غـربها، مهما دق ذلك الصوت ‍!!
ولـو تفكـرنا في ذلك لعرفنا حكمة الله، ولعرفنا نعمته في جعل السمع لدينا محدوداً، ولتبين لنا معنى الآية الكريمة:
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49
فالموجة الصوتية عندما تضعف وتتلاشى، هذه نعمة كبيرة لا تقدر بثمن.. الدليل: هناك موجة لا تتلاشى... فهم بعثـوا مـركبة إلـى المشـتري تسـير بسرعة 40000كم في الساعة، وهي أسرع مركبة صنعها الإنسـان،وبقيـت فـي مسـيرهـا إلـى المشتري ست سنوات، وهو أحد كواكب المجموعة الشمسية، ومـع ذلـك مِن هناك بثت صوراً إلـى الأرض، وهذه الصور بثت على شكل أمواج، وهذه الأمواج بقيت على حـالتـها، وسـعة المـوجـة لم تقل، إذاً فإنّ الله قادر على خلق موجات تحافظ على سعتها، ولـو أن المـوجـات الصـوتية التـي في الأرض بقيت محافظة على سعتها لأصبحت الحياة على وجه الأرض مستحيلة.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }القمر49

عبد الواحد جعفر
05-12-2010, 10:32 PM
وهـكذا الســمع، والبصـر، والشـم، فالشـم محـدود أيضـاً، فـلو أن الإنسـان يشـم الروائـح الكريـهة لمســـافـات بعيـدة كرائحـة دابـة ميتة فـي بلد آخر لأصبحت الحياة في بلدك مستحيلة، ولكن حكمة رب العالمين إذا كانت رائحة كريهة على بعد 200 م فإنها تنتهي، وتتلاشى، فـراكب السـيارة قد يشم رائحة كريهة في طريقه، وبعد لحظات يبتعد عنها، وتنتهي الرائحة، إذاً هنـاك محـدودية للحواس، فأول شيء للقوة الإدراكية تحتاج إلى نوافذ تطل على العالم الخارجي، وهـذه النـوافـذ لحكمـة بالغة، ولرحمة، وخبرة بالغة جعلها الله محدودة، ولكن ما دامت الحواس محدودة - كما تبين سابقاً - فهل ننكر الأشياء الغير محسوسة، فمثلاً هناك أجهزة تطرد البعوض والذباب بواسطة أصوات يصدرها الجهـاز تزعج البعوض والذباب، ولكن لا يسمعها الإنسان، وتكون هذه الأصوات - دون عتبة السمع - كمـا أن هنــاك أجهـزة حـديثـة لـلقوارض تصـدر أصـواتاً لا يسمعها الإنسان، ولكن القوارض تســمعها، فـإذا سـمعتْه هـربتْ، ويسـتخـدم فـي المستودعات، فهذه الأصوات التي هي دون عتبة السـمع، فهل يجـوز للعـاقل أن ينكـرهـا لعدم استماعه لها، فتقول: إذاً إن الحواس محدودة لدى الإنسان، وهـذه النقطـة هي التـي يجـب أن نصـل إليـها، وقد قال عـلماء التوحيد : " عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ".
وهنـاك أجهـزة تـلتقط الصور التي لا نراها، فهل تستطيع أن تنكر ذلك، فإذا قال أحد: إني لا أرى الله، فأيـن هو ؟ فـتقول لـه: إنَّ هذا هو الغباء، والجهل بعينه، ذلـك لأن عـدم الوجـدان لا يعني عـدم الـوجود، ولأن حواسنا محدودة لحكمة بالغة، ونستنبط من ذلك أيضاً أن الشيء الذي لا نراه يمكن أن يكون موجوداً، ويمكن أن يكون وجوده أخطر من وجودك أنت، لكنك لا تراه.
ومـن ينكـر مثلاً أن هناك قوة جذب بيـن الأرض والشمس حسب قانون الجاذبية، فهناك تجاذب بين الكتل المادية بحسب حجم الكتلة، ومربع المسافة بينهما، فكلما كبرت الكتلة زاد الجذب، وكلما صغرت قلَّ الجذب.
فهل تسـتطيع أن ترى القوى التي تربط الأرض بالشمس ؟ طبعاً لا تراها، إذاً فهل تنكرها أيضاً لا، " فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود " هذه إذاً حقيقة مسلَّم بها.
مثال: معلم أراد أن يـبث الإلحـاد بينَ طلابه فقال: نحن لم نشاهد الخالق، فإذاً هو غير موجود، فقام طفل، وقال لهذا الأستاذ: نحن جميعاً لا نرى عقلك الذي تفكر به، فإذاً أنت لا عقل لك، إن قياساً على هذه القاعدة الواهية أن العقل لا يُرى، ولكن نرى آثاره، مثلاً إذا سار أحد الناس في الطريق بلا ثياب، فأين عقله ؟ نقول: إنـه لا عقـل له، والدليل تصرفاته، فالعقل لا يُرى بالعين، وهذا شـيء آخـر فـي الـقوة الإدراكية،
وإنك تكوِّن بعض الحقائق من العالم الداخلي، ذلك لأن النفس تغضب، وتـخاف، وترجو، وتفرح، وتحزن، وتقلق، وتستكبر، هذه المشاعر يدركها الإنسان عن طريق العالم الداخلي، وليـس عـن طريق العالم الخارجي، إذاً هناك نوافذ داخلية ونوافذ خارجية، كالبيوت مثلاً، فقـد يـكون لـها نـوافـذ تطـل عـلـى ساحة البيت، وهناك نوافذ تطل على الشارع، كذلك الإنسان له نوافذ تطل على العالم الخارجي، منها يكوِّن مدركاته، وله نوافذ تطل على العالم الداخلي، ومنها يكوّن أحاسيسه.
4-الخيــال: ما هو الخيال ؟ هو القدرة علـى التصور، أحياناً يتصور الإنسان أن له بيتاً يطل على حديقة، على جنبيها أشجار سرو، وأشجار مثمرة متنوعة، وهناك مسبح وورود، وفـي الـحقيقـة لا يـوجد عنده شيء من ذلك، فما هذا الخيال ؟ الخيال كما قلنا : هو القدرة على التصـور، فـلو قلنـا لإنسـان : تخيـل أن لك بيتاً، فإنـه يتخيل مسكناً له سقف، وجدران، وأرض، فهل يسـتطيـع أن يتخيل غـير ذلـك، وكـذلـك لـو قلنـا لـه : تصور حورية، نصفها امرأة، ونصفها سـمكة، فـإنـه يسـتطيع تصور ذلـك، لأنه يعرف المرأة، ويعرف السمكة، فيتصور ذلك، فالسمكة موجودة، والمرأة موجودة، وحدد تصوره أنه جمع بين المرأة والسمكة، فالخيال البشري لا يستطيع أن يتصوَّر شيئاً من لا شيء، إنما يستطيـع أن يـتصوّر شيئاً من شيء، فمثلاً من الممكن أن نتخيل شجرة لها أوراق، وتحمل بدلَ الثمـار كـؤوساً من شراب التفاح مثلاً، فالكؤوس موجودة، وشراب التفاح مـوجود، وأيضـاً لو تخيل أن حيــواناً طـولـه 30م، فهناك حيوانات طولها 30م، مثل الحوت، والـخيـال فـي الـحقيقـة مـرتبط بالواقع، فأحياناً يتصورون إنسانَ المريخ، فلا يزيدون على أن له رأساً، وجـذعاً، ويديْن، ورِجلين، إلا أنـه قـد يغيـر مـوضع العينين، أو يكبر الرأس قليلاً، أو قد يغير في شكل الأيدي والأرجل، فهل يستطيـع الإنـسان أن يتصور رجـلَ المـريخ من دون رأس ورجليـن،
وهنـا تبرز نقطة هامة أيضاً، إذا كنت لا تستطيع أن توجد صورة خيالية من لا شيء، فكيف بإمكان الإنسان أن يتخيل الجنة، وهو لم يرها، فالخوض في الغيبيات ليس من العقل، ففي الحديث القدسي عن الله عز وجل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ :
((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) "
(صحيح البخاري)
فـالخيال يـجب ألاّ يجول في العالم الآخر، وذلك لأن الخيال لا يأتي إلا لشيء من شيء، أما من الجنة فلا نرى منها شيئاً، وقد قال العلماء: " نحن نكتفي بعالم الغيب بالخبر الصادق الذي ورد في كتاب الله "
لا أقل من ذلك ولا أكثر، فإذا كـنت عـاجـزاً عـن تخيـل الجنة فهل تستطيع أن تتخيل ذات الله عز وجل، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تفكروا في المخلوقات ولا تفكروا في الخالق فتهلكوا)).
فعقلك مربوط بحواسك، وخيالك مرتبط بالواقع، ولن تستطيع التجاوز، وهذا الكلام يراد منه أن العقل أو الفكر البشري عندما يعجز عن الوصول إلى شيء فهذا لا يعني أن الشيء غير موجود، ولكن العقل الذي وهبنا الله إياه له طاقة محدودة، لحكمة بالغة أرادها الله عز وجل، مثلاً : ميزان يزن 30 كغ، تضع عليه سـيارة، ينكسر، ويتحطم، فهل نقول : إن هذا الميزان ليس جيداً، لا بل هو ميزان جيد، ولكن مخَصَّص للأوزان التـي لا تـتجاوز 30 كغ، وليس لسيارة، مِن هذا المثـل يتضـح لـنا أن الإنسـان عندمـا يكلف عقله فوق طاقته، ثم يخفق فالخطأ ليس في عقله، بل في سوء اسـتخدام العقل، لأن العقل مربوط بالواقع، والواقع فيه زمان ومكان، مثلاً يقال : إن هناك جريمة وقعت، فنقول مباشرة : متى، وأين، فالعقل البشري ليس عنده إمكانية أن يتصور حدثاً إلا ولـه زمـان ومكـان، ولـكـن الخـالـق ليـس كمثلـه شيء، ولا يسأل عنه أين هو، لأنه خالق المكان، ولا يسـأل عنه : متـى كـان، لأنه خـالق الـزمان، فكلمة (متى) و(أين) في حق الله مستحيلة، لأنه خالق الـزمان والـمكان، فعدد السـنين هـذه مـن اختصـاصنـا نحن البشر، أما بالنسبة لله فالزمان صفر، لا يقيده زمان ولا مكان.
وشيء آخر، فالكون غير محدود ولكن العقل لابد من أن يـكون محدوداً فأبعد مجرة توصلوا لها تبعد 18000 مليون ســنة ضوئية وقد يكـون هنـاك مـجرات أخـرى وبالنهايـة فالكـون غير محـدود ولكن العقل كيف يستطيع أن يدرك اللامحدود وهو الله عز وجل لذلك قال :
{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
(سورة البقرة : من الآية 255)
ويقول الإمام الشافعي : ((إن للعقل حداً ينتهي إليه، كما أن للبصر حداً ينتهي إليه))، والإمام الغزالي يقول : ((لا تستبعد أيها المتكلف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور قد يظهر فيه مالا يظهر في العقل)).
......
فهنـاك أشـياء مـوجـودة، ولكـن العقـل محـدود، فـالإنسان العاقل يعقل الحقائق التي ذكرناها سابقاً : " عـدم الـوجدان لا يدل على عدم الوجود"، إذاً إن الفكـر البشـري محدود بالحواس، والحواس محـدودة، وخيـاله يستمده من الواقع، والواقع محـدود، فـأنـَّى لـهذا الفكـر البشـري المـحـدود بالحواس، والحـواس يحـدُّهـا الواقـع، وأنـى لهذا الخيال البشري المحدود بالواقع، والواقع مـحدود أن يـدرك الـلامحـدود، إذاً معرفة الله لا تـكون إلا من معرفة آثاره فقط، أمَّا معرفة ذاته فمستحيلة، ومعرفة الذات كما لو وضعت ورقة رقيقة جداً في فرن لصهر الـحديد، وقلت : ماذا حل بها، فالإنسان عاجز عن معرفة ذات الله.
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ : ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أحـاديثه : ((إذا ذُكر القضاء والقدر فأمسكوا )).
أي لا تبحثوا كثيراً في ذات الله عـز وجل وبعلمه فهو يعـلم بلا كيف وهذا اختصار للبحث فـي علـم الله الـذي لا يمكـن أن يدركه عقـل أي إن هنـاك أسئـلة خـطيرة فـي العـقيدة ينبغي أن نقف عندها ونقرأ :
{قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد} سورة الإخلاص
فهنـاك مـوضـوعـات مـن اختصـاص الـفكر البشـري، وهناك موضوعات فوق الفكر البشري، يجب عدم الخوض فيها أولاً، وإذا عجز الفكر عن إدراكها فلا ينبغي أن ننكرها، لأنه كما قلنا : " عـدم الـوجدان لا يدل على عدم الوجود ".
والخـلاصــــة : إن قوة الإدراك في الإنسان مما كرم الله الإنسان بها ؟.
والحمد لله رب العالمين.)
مع تحياتي لك وللأخوة جميعاً