مؤمن
23-08-2008, 06:46 AM
ما زال بعض الجهله يحلل ما يحدث في العالم على أنه صراع أمريكي انجليزي و اضاف للطبخة فرنسا .
و بغض النظر عن خطا هذه التحليلات و انها مجرد فروض منطقية أو خيالات في ذهن من كتبها .
فنحن هنا نطرح بعض المفاهيم و التحليلات السياسية التي أصدرها الحزب في عهد المؤسس .
أولا جواب سؤال :
أخي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
إليكم بعض الملاحظات :-
إن الإنشاء الجديد هو الذي لا أصل له مثل اغتيال فيصل ، ومثل صلح الأكراد مع الحكام ومثل صلح الشاه مع العراق ومع مصر . ومثل زيارة شاوشسكو رئيس وزراء رومانيا لسورية وما شاكل ذلك . أما ماله أصل للحديث فيه فإنه لا يعتبر إنشاء جديدا . فمثلا سبق أن بين الحزب أن بريطانيا ضعفت ونزلت عن مستوى الصراع الدولي ، ولم يبق لها إلا الدس ومع ذلك فإن بعض الشباب لا يزالون يتحدثون عن الصراع الإنجليزي الأمريكي كصراع موجود . ومثل ذكر الحزب أن أمريكا منذ إعلانها فشل كسينجر وهي مشغولة في استرجاع نفوذها . ومع ذلك لا يزال بعض الشباب يفسر أعمالها بأنها من حلول القضية وهكذا . فالرجاء ملاحظة الإنشاء الجديد وملاحظة السير بما جاء من الحزب وتفسير الأحداث تفسيرا واحدا حتى لا يتعدد الرأي وحتى يكون الفهم صحيحا . وبالمناسبة ليس مهما أن يقع خطأ في الرأي بل المهم ألا يقع خطأ في الربط .
29/4/1975م
---------------
ثانيا جواب سؤال :
إن قوة الدولة وضعفها يعتبر بتأثيرها الدولي وبمركزها عالمياً. وبريطانيا دولة ضعيفة بل دولة ثانوية وقد اعتُبرت من الدول الكبرى من حيث الاستمرار لا من حيث الواقع، ولذلك لا تعتبر بجانب أمريكا وروسيا إلاّ كدراجة هوائية بجانب دبابة ضخمة، فلا تقاس بالعملاقين ولا بأحدهما، ثم إنه لم يبق لها وجود في المجال العالمي ولا في الموقف الدولي، وقد أُخرجت من المشاورات الدولية منذ سنة 1961، ومشاوراتها الآن مشاورات ضمن نطاق هيئة الأمم وليس ضمن النطاق العالمي أو الدولي.
أمّا كونها قوية في الشرق الأوسط فإنه لا يدل على أنها قوية بل يدل على أن لها عملاء كثيرين في المنطقة، وبواسطة هؤلاء العملاء تقوم بالهجوم على أمريكا، فهي أمام أمريكا قط وجمل، وبمجرد انتهاء وجود عملاء لها في المنطقة تصبح فيها كايطاليا واليونان. فقوتها في مصر والأردن وسوريا والعراق وغيرها بقوة عملائها وكثرتهم، ولذلك لن يستقر حكم في المنطقة لا يخضع للانجليز إلاّ إذا طُهّر من عملائهم.
-------------------------------------------
ثالثا : الله الرحمن الرحيم
بريطانيا تحتضر
بتاريخ 28/12/1976 خصصت كثير من الصحف الأمريكية الشهيرة الصادرة في الولايات المتحدة في مقالاتها الافتتاحية مواضيع سياسية تتعلق بواقع بريطانيا وما آلت إليه من ضعف سياسي وتخلف اقتصادي، ووصفتها بذلك المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وكأنها ليست أولى البحوث في مثل هذا الموضوع للصحافة الأمريكية، ولكنها من التقييمات التي تنشرها الصحف عادة عند منتهى كل حوْل، مُبرزة فيها أهم الأحداث وأبرز الشخصيات مع تقييم لكثير من التحولات الجذرية التي آلت إليها بعض الدول سواء إلى الأمام أم إلى الوراء.
إن التاريخ يعيد نفسه وإن ما تعيِّر به غيرك قد يصيبك. فقد لعبت بريطانيا دوراً بارزاً في تاريخ السياسة العالمية، وكان لها حصة الأسد في السيطرة على شعوب العالم ودوله أيام كان استعمار الأمم واضطهادها واستغلال خيراتها واستثمار جهودها، سياسة مشروعة ومحببة لدى دول الاستعمار. ولقد كانت تلاحق الدولة العثمانية –دولة الخلافة- في كل ولاية من ولاياتها الشاسعة وتتدخل في سياساتها لها، إلى أن أوصلتها إلى حد أطلقت عليها فيه لقب "الرجل المريض المنتظَر موته لتقسيم تركته". هذا شعار كان سائداً لدى دول أوروبا عن دولة الخلافة، تزعمت بريطانيا الحملة لتحيققه وإنجازه إلى أن تم لها ما أرادت. وها هو التاريخ يعيد نفسه، فقد أخذت بريطانيا لقب الرجل المريض الذي لا يُرجى شفاؤه. وها هي تركتها تؤخذ منها شيئاً فشيئاً وتُقسم بين الطامعين، وهو لا يقوى على المقاومة.
ولكل دولة مستقلة اتجاهان في سياستها ووجودها وتثبيت كيانها وحمل رسالتها: اتجاه في السياسة الخارجية وتأثيرها في المشاكل الدولية تأثيراً يعطيها زمام المبادرة أو يحقق لها كثيراً من المصالح المادية والمعنوية. والثاني اتجاه داخلي يُبرز مدى تماسكها الداخلي وحسن رعايتها لشعوبها وتوفير الطمأنينة لهم وتركيز الثبات والتوطيد لكيانها. أمّا الاتجاه الأول وهو السياسة الخارجية فإنها تتمثل في حجمها الاقتصادي وثقلها السياسي والعسكري مع وضوح رسالتها وصحة مبدئها، يضاف إلى ذلك العراقة والدهاء السياسييْن، وبذلك تكون من أبرز الدول في العالم إن لم تكن أبرزها. فبريطانيا العظمى هبطت عن هذا المستوى وأخذت تضعف وتسير إلى الوراء، ويتقلص نفوذها وينحسر ظلها عن مناطق استعمارها شيئاً فشيئاً، حتى أنها لتكاد تنحصر بين شواطئ جزيرتها الضيقة. وإنها لتلاحَق حتى في عقر دارها ويُتدخل في شؤونها الداخلية وأوضاعها الدستورية.
وبما أن بريطانيا كانت تعيش على أموال غيرها وتعتمد على غيرها وتسخّر غيرها لتحقيق مصالحها وحماية كيانها، وشريان حياتها يتصل بالشرق الأوسط والقارة الافريقية، تستمد منها مادة حياتها ومقومات بقائها، فإنها لن تعيش بدون هذا الشريان الحياتي الهام. وها هو الآن يكاد ينقطع، وبالتالي سُلبت منها ممتلكاتها ومناطق نفوذها ومنابع الثروات التي كانت تمدها بالحياة والبقاء. فنزلت عن مستواها وهبطت عن حجمها وفقدت تأثيرها وأفلتت منها مصالحها. وها هي تستغيث لتنقذ الجنيه الاسترليني إذ هبط عن مستوى العملة الاحتياطية في العالم، وأن هناك دراسات اقتصادية لإعلان الاسترليني بأنه لا يقوى أن يكون عملة دعم واحتياط في العالم.
كان الملايين من سكان العالم تحت السيطرة البريطانية، وكانت العشرات من الدول خاضعة للتاج البريطاني، ومعظم إنتاج العالم الزراعي يسوّق عن طريق الموانئ البريطانية، وهي سيدة البحار ولا تغيب الشمس عن ممتلكاتها. إنه عصر الاستعمار وبسط النفوذ، عصر استغلال الشعوب وامتصاص دمائها والتحكم في مقدّراتها، تساق الشعوب لتقاتل من أجل حماية التاج البريطاني وتحقيق المصالح البريطانية.
تغيّر الحال وتبدّل الأمر، وهوت بريطانيا عن مكانتها، ونزلت عن كرسي عظمتها لتصبح دولة عادية. أُبعدت عن السياسة الدولية، وانشغلت بمشاكلها الداخلية، وتقعّدت عليها الأمور في داخلها، تستغيث انقذوا الاسترليني، فتجيبها أمريكا: ها هو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وها هي بنوك أمريكا المركزية. إنها تنتظر المعونات والمساعدات المالية فهي بذلك تنتظر حينها وهلاكها. فقد وفدت إلى بريطانيا لجنة من الخبراء الأمريكيين التابعين لصندوق النقد الدولي وبعض البنوك المركزية الأمريكية لدراسة الحالة الاقتصادية والأوضاع المالية في بريطانيا لإمكانية الموافقة على صرف المبالغ التي تحتاجها بريطانيا من الصندوق ومن غيره، ورفعت اللجنة تقريرها بالموافقة. وبالفعل تمت الموافقة على صرف مبلغ قيمته 3900 مليون دولار لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية المزرية والتي تتخبط فيها بريطانيا، فهي بذلك أصبحت كأية دولة من دول العالم الثالث يأتي الخبراء والفنيون لدراسة أوضاع الدولة واقتصادها ثم منحها قروضاً معينة هي عبارة عن قيود تكبل بها أيدي تلك الدول. ومن المعروف أن بريطانيا يُثقل كاهلها من الديون ما قيمته 18 ألف مليون أي أن الجنيه الاسترليني يترنح ليسقط عن مستواه إلى الأبد.
وهذا وزير المالية البريطانية "دينس هيلي" يطرح برنامج سياسته المالية على مجلس العموم ليفاجئهم بمقترحات مذهلة لترميم الاقتصاد البريطاني منها الإبطاء في تنفيذ برامج الإسكان وإيقاف شق الطرق وبنائها، وإنهاء المساعدات الحكومية التي ساهمت في إبقاء أسعار المواد الغذائية أقل من سعرها الرسمي، كما تضمّن حديث هيلي الدعوة إلى وقف وقطع المعونات الخارجية، وتجميد تكاليف الخدمات المدنية، وبالإضافة إلى ذلك ستقل المصروفات المخصصة للأسلحة والخدمات المتعلقة بها والتي ستخفض إلى 500 مليون دولار خلال العامين القادمين.
وستقوم الحكومة البريطانية ببيع أسهمها في الشركات البترولية بمبلغ 825 مليون دولار. ودعا "جال جونز" زعيم أكبر نقابة عمال في بريطانيا إلى تصدير الأيدي العاملة إلى الخارج لمعالجة البطالة.
وأمّا الاتجاه الثاني لأية دولة وهو المهم، فهو السياسة الداخلية والاستقرار والتماسك الداخلي، فمن هنا تأتي الطعنة التي تُجهز على الجريح وتخمد أنفاس المريض. إن ما مارسته بريطانيا مع دولة الخلافة من تفكيك ولاياتها وفصلها عنها واحدة واحدة، حتى أجهزت عليها، قد وقعت فيه الآن. فتشكيلة الحكم التي تنبني عليها بريطانيا تتألف من عدة دويلات هي ايرلندا، اسكتلندا، ويلز، وبريطانيا. فها هي ايرلندا علاوة على العداء المتأصل بين الكاثوليك والبروتستانت، فإنها تريد الانفصال عن إنجلترا. فالثورات والقتال المسلح الذي يقوم به جيش التحرير الايرلندي قد أقضّ مضجع الحكومة البريطانية، وانفصالها سيتم عاجلاً أم آجلاً. وأمّا اسكتلندا وويلز فإنهما في حالة تحفز وتململ للاستقلال والانفصال عن بريطانيا الأم. وقد كان ظهور البترول قرب شواطئ اسكتلندا حافزاً مثيراً لمطالبتها بالاستقلال. وها هي شعارات "البترول الاسكتلندي" في كل بيت. وقد انفجرت بعض العبوات الناسفة قرب أحد الأنابيب البترولية في العام الماضي مما حدا بالحكومة العمالية إلى طرح مشروع قانون على مجلس النواب تضع فيه استقلال ولاية اسكتلندا وإعطائها حكماً ذاتياً، وينص المشروع على أن تنشأ في اسكتلندا حكومة محلية من وزراء ورئيس للوزراء تكون مسؤولة أمام مجلس نيابي مؤلف من ماية وخمسين عضواً، وتكون لها كل صلاحيات إدارة اسكتلندا باستثناء الدفاع والسياسة الخارجية. وهذا يعني في الواقع توسيع صلاحيات الإدارات المحلية، وإلغاء النظام المركزي، وإعادة تنظيم علاقة اسكتلندا بلندن وفق أسس جديدة. ومقاطعة ويلز تشملها بعض نصوص هذا القانون. ولقد وصف أحد نواب المحافظين هذا القانون بأنه قانون نعي المملكة المتحدة.
إن الأنبوب الضخم الواسع والشريان الحيوي الدفاق الذي كانت بريطانيا تستمد بواسطته الدم الذي يسري في عروق الإنجليز، من منطقة الشرق الأوسط والقارة الافريقية قد أخذ في التقلص والضيق ولا يتسع الآن إلاّ لأن يوصل القطرات، وبالتالي يكاد ينقطع، ويتبدل الاحمرار الذي يعلو وجوه الأسياد الإنجليز بدكنة الاختناق وصفرة الموت. وهكذا تسير بريطانيا إلى مصيرها، وانقشعت سحابة هارون الرشيد.
وفي مجال السياسة الدولية لا شأن لها يُذكر، ولا يد لها في تصريفها، حتى لقد أُبعدت عن بحث المشاكل الدولية وعن حضور الكثير من المؤتمرات الدولية السياسية. وحتى المشاكل الدولية الثنائية لا تأثير لها يُذكر. فمشكلة المياه الإقليمية بينها وبين ايسلندا قد أخذت طابعاً فيه التحدي والتصدي من قبل ايسلندا، ولم تستطع بريطانيا تحقيق أي مكسب تريده منها، مع أن ايسلندا لا يصل سكانها المليون نسمة. وقد انتهت من جنوب شرق آسيا ولم تشارك في محادثات فيتنام، ولم يبق لها أي جندي شرقي القناة سوى حامية بسيطة في هونغ كونغ. وها هي تلاحَق في قواعدها في قبرص وفي جبل طارق. ولولا بقية من دهائها السياسي لَما استطاعت دخول السوق الأوروبية المشتركة ولبَقِيَت في عزلة تامة حتى عن القارة الأوروبية.
ومن المفارقات المؤكّدة على ضعف بريطانيا أن ليس لها اليوم في الأسطول الجوي الملكي سوى 450 طائرة مقاتلة في حين أن لدولة بولندا 900 طائرة مقاتلة. أمّا الجيش البريطاني فإن عدده لا يتجاوز 170 ألف رجل. وذكرت الصحف الأمريكية أن الجنرال جورج براون رئيس الأركان الأمريكي صرح بقوله: "إن هذا الوضع يجعل المرء يود البكاء، فبريطانيا لم تعد دولة عظمى... إن كل ما لديها الآن هو جنرالات وأميرالات وقطع موسيقية". أما الأسطول البحري البريطاني فقد انخفض إلى 76 قطعة رئيسية و28 غواصة وأربع غواصات ذرية وحاملة طائرات واحدة هي "آرك رويال"، علماً بأنها كانت تملك عند نهاية الحرب العالمية الثانية 358 قطعة من السفن والغواصات المقاتلة الرئيسية. ولذلك فإن دول حلف الأطلسي نظرت في وضع بريطانيا واقتصادها المتدهور، وعدم استطاعتها القيام بأعباء الحلف، فعقدت اجتماعاً وخرجت بقرار يقضي بمد بريطانيا بمِنح ومساعدات تقارب 3000 مليون دولار.
فإذا ما تفككت الدولة وانقطعت أوصالها ودخلها الوَهَن في كيانها فلن ينفعها دهاء ساستها ولا حنكتها وعراقتها السياسية. فهذا الخليفة المسلم عبدالحميد الثاني كان على جانب من الدهاء والحنكة السياسية والغيرة على الأمّة والمبدأ، ولكن كل هذا لم ينفعه أمام التفكك والضعف والمشاكل الداخلية، ولم يثبّته في الوقوف أمام التدخل الخارجي والمشاكل الخارجية. فلقد آن الأوان وحانت الفرصة للإجهاز على هذا الداء الوبيل والقضاء على ذلك الشر المستطير، رأس الكفر وأم الخبائث والشرور الذي ابتُلي العالم بأسره بظلمه وسيطرته وتحكّمه، والذي بَلا العالم الإسلامي منه الويلات وعانى الأمرّين وحارب الإسلام وأجهز على دولة الخلافة، ويضع العراقيل لمنع عودة الإسلام إلى الحياة وإلى الحكم.
28/12/1976م
--------------------------------------
رابعا صدر عن الحزب القيادة الجديدة له جواب سؤال جاء فيه :
السؤال: ورد في نشرة دردشات الأخيرة والمؤرخة في 21/شوال/1427هـ الموافق 12/11/2006م أن بريطانيا دولة تدور في فلك أميركا، كما ورد في معلومات للشباب "حول المخطط الأميركي لقارة إفريقيا" النص التالي:
(ذلك أن بريطانيا قد رضيت أن تدور في فلك السياسة الأميركية، وخاصة بعد وصول حزب العمال إلى الحكم عام 1997م). هل فعلا أن بريطانيا دولة تدور في الفلك أم أنها دولة مستقلة؟ ثم ألم تختر بريطانيا أن تؤمن مصالح الدولة الأولى في العالم للبقاء في السياسة الدولية؟؟ وبخاصة بعد تفرد الولايات المتحدة في الموقف الدولي؟؟ أو ليس هذا ما سارت عليه بريطانيا منذ عهد مارغريت تاشر مرورا بجون ميجور وانتهاء ببلير؟؟.
الجواب:
لا بد أولا من بيان الفرق بين الدولة المستقلة والدولة التي تدور في الفلك، ثم نقوم بعد ذلك بتنزيل التعريف على واقع السياسة البريطانية وعلاقتها بأميركا، لنرى إلى أي مدى ينطبق على بريطانيا وصفها بأنها دولة تدور في فلك أميركا بشكل واضح منذ وصول حزب العمال إلى الحكم عام 1997.
لقد ورد في كتاب مفاهيم سياسية أن الدولة المستقلة هي الدولة التي تتصرف في سياستها الخارجية والداخلية كما تشاء حسب مصلحتها، أما الدولة التي تدور في الفلك فهي الدولة التي تكون مرتبطة في سياستها الخارجية مع دولة أخرى إرتباط مصلحة لا تبعية. فإذا أخذنا هذا التعريف ونزلناه على بريطانيا منذ تولي حزب العمال الحكم نجدها قد خطت لنفسها طريقا واضحا في تأمين مصالحها من خلال ربط سياستها بالمخططات والمصالح الأميركية. وبيان ذلك كما يلي:
1- بعد أن نجحت أميركا في طرد بريطانيا ومعها فرنسا من التأثير في السياسة الدولية، جراء الإتفاق الذي حصل بين كينيدي وخروتشوف عام 1961، عملت بعد ذلك على طردها من مناطق قوتها أي آسيا وإفريقيا. ذلك أن قوة بريطانيا، وكما ذكر الحزب في كتاب نظرات سياسية، إنما تنبع من آسيا وإفريقيا وأن حياتها معلقة بوجودها في هذين الموقعين. ولم تمض سنوات كثيرة حتى ظهر ذلك جليا في إعلان بريطانيا عام 1968 أنها سوف تنسحب من منطقة الخليج بحلول عام 1971. فأسرعت أميركا بإعلان استعدادها لملأ الفراغ الذي ستخلفه بريطانيا.
وإنه ما كان لبريطانيا أن تعلن عن انسحابها من الخليج لولا الضعف الخارجي والداخلي الذين وصلت إليهما. فأما الضعف الخارجي فسنتناوله لاحقا. وبخصوص الضعف الداخلي فإنه تمثل في ذلك الصراع بين أنصار تقوية الصلة بأميركا وعدم الاتجاه لأوروبا وبين أنصار فكرة الاتجاه نحو أوروبا وترك أميركا أو تخفيف الصلة بها. وفيما كان حزب العمال عموما يميل إلى أنصار الاتجاه الأول، كان حزب المحافظين يعاني صراعا داخليا في تبني أحد الاتجاهين. ولذلك شهدت بريطانيا منذ 1964، وبسبب هذا الصراع خاصة، تناوبا في الحكم بين العمال والمحافظين حتى كانت سنة 1979، عندما وصلت مارغريت تاتشر إلى الحكم.
لكن تاتشر وإن ربطت السياسة البريطانية بأميركا وأظهرت ازدراءها للوحدة الأوروبية، فإنها لم تستطع طوال فترة حكمها أن تحسم الصراع داخل حزب المحافظين. فقد تحداها على رئاسة الحزب مايكل هيزلتاين، وهو ما أضعف مركزها ومهد الطريق أمام جون ميجور ليتم انتخابه مكانها. صحيح أن ميجور وجماعته استغلوا صراع تاتشر مع نقابات العمال والسخط الشعبي بسبب الخصخصة التي سارت فيها، لكن السبب الحقيقي وراء إزاحتها من زعامة الحزب هو غلبة تيار الأوربة بقيادة ميجور على تيار الأمركة داخل حزب المحافظين.
ورغم فوز جون ميجور بانتخابات عام 1992 بفارق ضئيل على حزب العمال وتوليه رئاسة الحكومة البريطانية وحصوله على تنازلات لصالح بريطانيا من أوروبا، بخصوص معاهدة ماستريخت، لكنه وجد نفسه من جديد أمام حزب يزداد الانقسام داخله بسبب تضارب الرأي حول دور بريطانيا داخل أوروبا وعلاقتها بأميركا. وقد أدى هذا الانقسام داخل حزب المحافظين إلى أن يقدم ميجور استقالته من زعامة الحزب عام 1995. ورغم فوزه مجددا برئاسة الحزب لكن الخلافات الداخلية ظلت مستمرة، وكانت أحد الأسباب المباشرة في هزيمة المحافظين أمام العمال في انتخابات 1997.
إن أميركا لم تكن بعيدة عما يجري من صراع داخل بريطانيا عموما وداخل حزب المحافظين خصوصا بين أنصار الأمركة وأنصار الأوربة. لعل هذا ما دفع جون ميجور أن يصف المتشككين تجاه أوروبا بـ"الأوغاد". وكان رد أميركا على ميجور رغم سيره معها في حرب الخليج الأولى أن حركت بالتآمر مع أنصار اتجاه الأمركة مسلسلا من الفضائح تورط فيها وزراء من حزب المحافظين سواء فيما يتعلق بالحياة الخاصة أو بالفساد المالي. وهو ما كان له الأثر الكبير في اهتزاز شعبية ومصداقية المحافظين وبالتالي هزيمتهم الساحقة في انتخابات 1997 و2001 و2005. ورغم تعاقب الكثير من الشخصيات السياسية على زعامة الحزب، لكن لم تتوفر في أحد منهم القدرة على حسم الصراع لمصلحة هذا الاتجاه أو ذاك.
ولكن يبدو أن هذا الصراع قد حسم مؤخرا لمصلحة أنصار الأمركة بعد تعيين دافيد كامرون رئيسا للحزب بمباركة أميركية ظهرت من خلال الزيارة التي قام بها كامرون إلى أميركا مباشرة بعد انتخابه لرئاسة حزب المحافظين في كانون ثاني/ديسمبر 2005. كما ظهرت أيضا في إعلان روبيرت موردوخ (Rupert Murdoch) الصريح عن نيته في دعم دافيد كامرون في الانتخابات المقبلة. وموردوخ الأسترالي هو من أكبر الأدوات الإعلامية التي تمتلكها أميركا للتأثير في الرأي العام البريطاني بحكم امتلاكه مجموعة من الصحف أهمها الصن والتايمز. وقد ظل موردوخ داعما لطوني بلير وللعمال منذ انتخابات 97 حتى تاريخ إعلانه عن دعمه لكاميرن في 28/06/2006.
2- يمكن القول أنه في الفترة التي كان فيها حزب المحافظين أيام تاتشر وميجور يعاني صراعا حول علاقة بريطانيا بأميركا وأوروبا، كان حزب العمال أيضا يشهد صراعاً داخلياً بين جناحيه اليميني واليساري حول طبيعة الأفكار التي يجب طرحها على المجتمع لنيل ثقة الحكام الفعليين أي اللوردات وأصحاب الشركات وكبار الرأسماليين. وقد عاش حزب العمال ثمانية عشر عاما أحلك فترات تاريخه السياسي، وهو ما عرف بسنوات التيه. إلا أنه بعد أن قامت مجموعة من الوزراء السابقين في الجناح اليميني للحزب عرفت باسم مجموعة الأربعة بالاستقالة من الحزب وإنشاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، انفتح الطريق أمام الجناح اليساري بقيادة نيل كينوك الذي عمل على ضخ دماء جديدة في الحزب تميل إلى الليبرالية أكثر من الاشتراكية.
وبعد فشل كينوك في تحقيق فوز الحزب في انتخابات عام 1983 خلفه في رئاسة حزب العمال جون سميث، وهو من أعضاء البرلمان الذين كانت لهم مكانتهم وكان ينظر إليه على نطاق واسع بأنه رئيس الوزراء المنتظر. إلا أن وفاته المفاجئة بنوبة قلبية عام أربعة وتسعين كانت بمثابة لطمة قاسية للحزب للاستمرار في تجديده. وفي عمليات المنافسة التي تلت ذلك، اختير توني بلير زعيما للحزب، وأخذت مسيرة التحديث التي بدأها نيل كينوك تحث الخطى بقوة . وقد واجه مهندسو حزب العمال الجديد معارضة من القوى التقليدية الملتصقة بالاشتراكية، وهو ما اعتبره بلير عبءاً انتخابياً . ولذلك قام بإلغاء البند الرابع الذي يلزم الحزب بعمليات التأميم، وكان ذلك بمثابة الانسلاخ عن الماضي الاشتراكي للحزب ودخوله مرحلة كسب ثقة الحكام الفعليين لبريطانيا. وعندما دخل حزب العمال انتخابات عام 1997 كانت النتيجة فوزا كاسحا حمل توني بلير إلى رئاسة الوزارة.
ولذلك يمكن القول أنه منذ عام 1997 لم يعد حزب العمال أداة بيد حزب المحافظين يسخّرها لأغراضه، كما كان الحال منذ وجوده. بل إنه قد صار أداة بيد أميركا ضربت به حزب المحافظين، خاصة منهم المناوئين لها. لكن أميركا ربطت في نفس الوقت مصالح الفئات الغنية والمتحكمة في بريطانيا بها ودفعتها إلى دعم حزب العمال، بعد أن فشلت في دفع حزب المحافظين إلى ربط السياسة الخارجية البريطانية بالمصالح الأميركية. وبدا وكأن حزب المحافظين سائر نحو الاندثار ليأخذ مكانه في المعارضة حزب الديمقراطيين الأحرار. وهذا ما أدركه المحافظون ولذلك عملوا على إعادة ترتيب علاقتهم بأميركا في الاتجاه الذي يربط مصالح السياسة الخارجية البريطانية بالمصالح الأميركية، بشكل يجعل بريطانيا تفقد استقلال قرارها في السياسة الخارجية وتصبح دولة تسير في فلك أميركا؛ وهو ما سار فيه حزب العمال مع وصول توني بلير إلى الحكم.
3- إن بريطانيا قد دخلت مرحلة جديدة منذ وصول حزب العمال للحكم عام 1997. فقبل ذلك كانت دولة كبرى وقوية وبخاصة في القرن التاسع عشر وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين. وبعد اتفاق أميركا وروسيا عام 1961 سقطت بريطانيا من السياسة الدولية وإن ظلت قوية في مناطق وجودها أي آسيا وإفريقيا بما لها من مستعمرات ونفوذ وعملاء ومخططات تعمل من خلالها على منافسة أميركا والتأثير في السياسة الدولية. ولكن منذ 1979 أي بوصول تاتشر إلى الحكم ظهر على السياسة البريطانية أنها بدأت تسير في تأمين مصالح أميركا كوسيلة للتأثير في السياسة الدولية سواء في آسيا وإفريقيا أو حتى في أوروبا. لقد كانت بريطانيا في عهد تاتشر وميجور دولة مستقلة ولكنها لم تقم بأي عمل يهدد مصالح أميركا وانعدمت فيها أي مشاريع أو مخططات تنافس أو حتى تخالف التوجهات العامة والمخططات الإستراتيجية والتكتيكية للسياسة الأميركية وبخاصة إبان فترة تاتشر وريغان.
ورغم أن ميجور كان من المناوئين للتوجهات الأميركية لكنه لم يجرؤ على مخالفة إرادة أميركا وإرادة الحكام الفعليين في بريطانيا بالذهاب مع أميركا في حرب الخليج الأولى. ولا يمكن القول أن بريطانيا دفعت بأميركا إلى هذه الحرب لتوريطها وإضعافها. فالمتابع للسياسة الأميركية منذ غزو روسيا لأفغانستان يدرك أن أميركا كانت قد وضعت نصب عينها غزو الخليج واحتلاله منذ ذلك الوقت، من خلال ما عرف بمبدأ كارتر. بل الواقع أن بريطانيا قد سارت مع أميركا في حرب الخليج كدولة مستقلة عملت على تأمين مصالح الدولة الأولى للبقاء في الساحة الدولة دون التأثير فيها؛ فكل أوراق اندلاع الحرب وإيقافها كانت بيد أميركا.
وعندما أدركت أميركا أنه لا فائدة ترجى من حزب المحافظين في جعل بريطانيا دولة تدور في فلك أميركا، وإن أمّنت مصالحها خلال 18 عاما من حكم تاتشر وميجور، دفعت بحزب العمال إلى الواجهة السياسية، بعد أن حطمت أضلاع المحافظين. وبدا واضحا للمتابع السياسي أن حزب العمال قد صار حصان طروادة لأميركا ليس فقط في السياسة الدولية أو على مستوى المناطق خاصة في آسيا وإفريقيا وأوروبا بل حتى داخل بريطانيا نفسها. لقد وصل الحال بالصحافة والرأي العام البريطاني أن يطلق على توني بلير بأنه الكلب الصغير لجورج دبليو بوش. وبالفعل لم يعد لبريطانيا مخططات ولا أنظمة حكم ولا عملاء في آسيا وإفريقيا، أما في أوروبا فقد صارت بريطانيا من أكثر الدول الأوروبية المدافعة عن بقاء أوروبا تحت المظلة العسكرية الأميركية وتوسيع الناتو عدديا وجغرافيا وعملياتيا.
إن المتابع لتصريحات بلير يجده يزايد على تصريحات المسؤولين الأميركيين في الحرب على الإسلام وملاحقة المسلمين بالتجسس والتوقيف والاعتقال وتلفيق التهم والمحاكمات الصورية. أما في السياسة الخارجية فإن بلير قد ورط بريطانيا في حروب ومخططات لا تتناسب وقوة بريطانيا الدولية ولا موقعها داخل أوروبا؛ وهذا ما صدع به قدر كبير من الرأي العام البريطاني وعدد لا بأس به من السياسيين والمحللين البريطانيين.
4- ولذلك لا يمكن الآن وصف بريطانيا بأنها دولة مستقلة اختارت أن تؤمن مصالح الدولة الأولى في العالم للبقاء في السياسة الدولية. هذا القول صحيح منذ 1979 إلى 1997. ولكن بعد 1997 قد تغير الحال بوصول حزب العمال إلى الحكم. ففي عهد تاتشر وميجور كانت بريطانيا دولة مستقلة ولكنها لم تحسم أمرها كليا بالسير في فلك أميركا؛ رغم أن أميركا حاولت دفعها بقوة نحو ذلك من خلال دعمها لأنصار الأمركة في حزب المحافظين بإظهار وطنيتهم عندما دعمتهم في حرب الفوكلاند. وبعبارة أخرى يمكن القول أن بريطانيا في فترة تاتشر وميجور كانت في مرحلة تحول في وضعها السياسي الخارجي وحتى الداخلي.
لقد وصل الضعف والعجز ببريطانيا أن صارت لا تملك حتى التأثير في بعض سياساتها الداخلية وفسحت المجال لأميركا أن تحل لها مشاكلها الداخلية وأن تتدخل في شؤونها. فهل دولة هكذا حالها يمكن القول عنها أنها دولة مستقلة؟!. ومن الأمثلة على تدخل أميركا في شؤون بريطانيا الداخلية نورد على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1 - تدخل أميركا في حل الصراع الدائر في إيرلاندا الشمالية بين زعماء الشين فين الذي يطالبون بالاستقلال عن بريطانيا وحزب أولستر الوحدوي الذي يمثل الحكومة البريطانية. فبعد وصول حزب العمال إلى الحكم في مايو 1997 فعّل بيل كلينتون دور السيناتور الأميركي الأسبق جورج ميتشال الذي سبق وأن عينه قبل ذلك بثلاث سنوات مستشاره الاقتصادي الخاص لإيرلاندا الشمالية. ولم تمض سنة من تولي بلير الحكم حتى نجح جورج ميتشال في دفع الفرقاء في إيرلاندا الشمالية للوصول إلى اتفاق الجمعة العظيمة في 10 أبريل 1998.
2- مثول جورج غالاوي في مايو 2005 أمام لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي لمساءلته حول الاتهامات الموجهة إليه بخصوص تورطه في رشاوى برنامج النفط مقابل الغذاء و صداقته لصدام حسين. وغالاوي كان عضوا في حزب العمال إلى أن قام بلير أو اللجنة التنفيذية الوطنية بحزب العمال في سبتمبر 2003 بتعليق عضويته، بسبب انتقاده لسياسات حزب العمال لا سيما تلك المتعلقة باشتراك بريطانيا مع أميركا في الحرب على العراق. وقام غالاوي بعد ذلك بتأسيس حزب "احترام". ولكن قبوله للمساءلة من قبل الكونغرس الأميركي يكرس دوران بريطانيا في فلك أميركا ويؤكد سلطة المشرِّع الأميركي في استجواب السياسيين البريطانيين مثلما يتم استجواب السياسيين الأميركيين.
3- العمل على ترحيل ثلاثة رجال أعمال بريطانيين يعملون داخل بنك ناتواست بتهمة الاختلاس وتسببهم في انهيار وإفلاس شركة أنرون (Enron) للطاقة عام 2001. وحيث أن خسائر هذه الشركة قد وقعت في أميركا فإن البوليس الفيدرالي الأميركي طالب بترحيلهم لمحاكمتهم في أميركا؛ وذلك بموجب معاهدة الترحيل لعام 2003 الخاصة بالمشتبه بهم في قضايا "الإرهاب" التي وافقت عليها بريطانيا ولم يوافق عليها الكونغرس الأميركي بعد. ورغم اعتراض عدد من السياسيين ورجال القانون بأن رجال الأعمال هؤلاء ليسوا متهمين في قضايا "إرهاب" وبالتالي لا تنطبق عليهم المعاهدة ومن ثم يجب محاكمتهم في بريطانيا، فإن توني بلير ومجلس اللوردات والمدعى العام البريطاني قد وافقوا على ترحيلهم إلى أميركا خلال منتصف هذا شهر تموز/يوليو من هذا العام.
والخلاصة أن خطة بريطانيا التي رسمتها لأن تكون قوية، والتي "تتلخص في شيء واحد، هو: أن تسخِّر غيرها من الأفراد، والشعوب، والدول، لأن تكون أداة بيدها، أو للسير معها في تحقيق أهدافها أو لمشاركتها في عداوتها لأعدائها، أو في جر المغانم ودفع المغارم، أو لدفعها وحدها للتورط في المشاكل التي تضعفها وتجعلها تسير في السياسة التي يريدها الإنجليز"، إن هذه الخطة لم تعد تطابق واقع السياسة البريطانية لا داخليا ولا خارجيا. لقد صارت بريطانيا هي الأداة بيد أميركا تسخرها للسير معها في تحقيق أهدافها ومخططاتها بل وتورطها في المشاكل وتجلب إليها كثيرا من الأعداء والمغارم دون أن ينالها كبير مغانم. كما أن العرف البريطاني الذي كان سائدا بأن يتخذ "حزب المحافظين حزب العمال أداة بيده يسخّرها لأغراضه ... فحين يقع حزب المحافظين في أزمات يأتي بحزب العمال، فإما أن يُشركه معه في الحكم وحين ينتهي من تسخيره يخرجه، وإما أن يأتي للحكم لغرض معين وحين يستنفد هذا الغرض يُخرجه"، فهذا العرف أيضا لم يعد سائدا اليوم. لقد صار حزب العمال (الجديد) هو سيد الموقف في بريطانيا، وصار حزب المحافظين هو الذي يلهث لمجاراة بل ومحاكاة حزب العمال حتى يفوز برضا أميركا عليه. ويبدو أنه قد نجح في ذلك مؤخرا بعد تعيين دافيد كامرون رئيسا للحزب وظهور دعم أميركا له.
وأخيرا نذكر بما سبق للحزب أن أورد في نشرة معلومات للشباب بتاريخ 05/05/2001، فقد جاء في هذه النشرة: "أما بريطانيا فكانت قد انتهت إلى السير وراء الولايات المتحدة مع تراجع قدرتها على التشويش عليها كما كانت تنتهج في سياستها السابقة، وقد ذكر بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق في كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى" أن بريطانيا قبلت بأن تكون ذيلا للولايات المتحدة" .
12/ذي القعدة/1427هـ
3/كانون الأول/2006م
و بغض النظر عن خطا هذه التحليلات و انها مجرد فروض منطقية أو خيالات في ذهن من كتبها .
فنحن هنا نطرح بعض المفاهيم و التحليلات السياسية التي أصدرها الحزب في عهد المؤسس .
أولا جواب سؤال :
أخي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
إليكم بعض الملاحظات :-
إن الإنشاء الجديد هو الذي لا أصل له مثل اغتيال فيصل ، ومثل صلح الأكراد مع الحكام ومثل صلح الشاه مع العراق ومع مصر . ومثل زيارة شاوشسكو رئيس وزراء رومانيا لسورية وما شاكل ذلك . أما ماله أصل للحديث فيه فإنه لا يعتبر إنشاء جديدا . فمثلا سبق أن بين الحزب أن بريطانيا ضعفت ونزلت عن مستوى الصراع الدولي ، ولم يبق لها إلا الدس ومع ذلك فإن بعض الشباب لا يزالون يتحدثون عن الصراع الإنجليزي الأمريكي كصراع موجود . ومثل ذكر الحزب أن أمريكا منذ إعلانها فشل كسينجر وهي مشغولة في استرجاع نفوذها . ومع ذلك لا يزال بعض الشباب يفسر أعمالها بأنها من حلول القضية وهكذا . فالرجاء ملاحظة الإنشاء الجديد وملاحظة السير بما جاء من الحزب وتفسير الأحداث تفسيرا واحدا حتى لا يتعدد الرأي وحتى يكون الفهم صحيحا . وبالمناسبة ليس مهما أن يقع خطأ في الرأي بل المهم ألا يقع خطأ في الربط .
29/4/1975م
---------------
ثانيا جواب سؤال :
إن قوة الدولة وضعفها يعتبر بتأثيرها الدولي وبمركزها عالمياً. وبريطانيا دولة ضعيفة بل دولة ثانوية وقد اعتُبرت من الدول الكبرى من حيث الاستمرار لا من حيث الواقع، ولذلك لا تعتبر بجانب أمريكا وروسيا إلاّ كدراجة هوائية بجانب دبابة ضخمة، فلا تقاس بالعملاقين ولا بأحدهما، ثم إنه لم يبق لها وجود في المجال العالمي ولا في الموقف الدولي، وقد أُخرجت من المشاورات الدولية منذ سنة 1961، ومشاوراتها الآن مشاورات ضمن نطاق هيئة الأمم وليس ضمن النطاق العالمي أو الدولي.
أمّا كونها قوية في الشرق الأوسط فإنه لا يدل على أنها قوية بل يدل على أن لها عملاء كثيرين في المنطقة، وبواسطة هؤلاء العملاء تقوم بالهجوم على أمريكا، فهي أمام أمريكا قط وجمل، وبمجرد انتهاء وجود عملاء لها في المنطقة تصبح فيها كايطاليا واليونان. فقوتها في مصر والأردن وسوريا والعراق وغيرها بقوة عملائها وكثرتهم، ولذلك لن يستقر حكم في المنطقة لا يخضع للانجليز إلاّ إذا طُهّر من عملائهم.
-------------------------------------------
ثالثا : الله الرحمن الرحيم
بريطانيا تحتضر
بتاريخ 28/12/1976 خصصت كثير من الصحف الأمريكية الشهيرة الصادرة في الولايات المتحدة في مقالاتها الافتتاحية مواضيع سياسية تتعلق بواقع بريطانيا وما آلت إليه من ضعف سياسي وتخلف اقتصادي، ووصفتها بذلك المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وكأنها ليست أولى البحوث في مثل هذا الموضوع للصحافة الأمريكية، ولكنها من التقييمات التي تنشرها الصحف عادة عند منتهى كل حوْل، مُبرزة فيها أهم الأحداث وأبرز الشخصيات مع تقييم لكثير من التحولات الجذرية التي آلت إليها بعض الدول سواء إلى الأمام أم إلى الوراء.
إن التاريخ يعيد نفسه وإن ما تعيِّر به غيرك قد يصيبك. فقد لعبت بريطانيا دوراً بارزاً في تاريخ السياسة العالمية، وكان لها حصة الأسد في السيطرة على شعوب العالم ودوله أيام كان استعمار الأمم واضطهادها واستغلال خيراتها واستثمار جهودها، سياسة مشروعة ومحببة لدى دول الاستعمار. ولقد كانت تلاحق الدولة العثمانية –دولة الخلافة- في كل ولاية من ولاياتها الشاسعة وتتدخل في سياساتها لها، إلى أن أوصلتها إلى حد أطلقت عليها فيه لقب "الرجل المريض المنتظَر موته لتقسيم تركته". هذا شعار كان سائداً لدى دول أوروبا عن دولة الخلافة، تزعمت بريطانيا الحملة لتحيققه وإنجازه إلى أن تم لها ما أرادت. وها هو التاريخ يعيد نفسه، فقد أخذت بريطانيا لقب الرجل المريض الذي لا يُرجى شفاؤه. وها هي تركتها تؤخذ منها شيئاً فشيئاً وتُقسم بين الطامعين، وهو لا يقوى على المقاومة.
ولكل دولة مستقلة اتجاهان في سياستها ووجودها وتثبيت كيانها وحمل رسالتها: اتجاه في السياسة الخارجية وتأثيرها في المشاكل الدولية تأثيراً يعطيها زمام المبادرة أو يحقق لها كثيراً من المصالح المادية والمعنوية. والثاني اتجاه داخلي يُبرز مدى تماسكها الداخلي وحسن رعايتها لشعوبها وتوفير الطمأنينة لهم وتركيز الثبات والتوطيد لكيانها. أمّا الاتجاه الأول وهو السياسة الخارجية فإنها تتمثل في حجمها الاقتصادي وثقلها السياسي والعسكري مع وضوح رسالتها وصحة مبدئها، يضاف إلى ذلك العراقة والدهاء السياسييْن، وبذلك تكون من أبرز الدول في العالم إن لم تكن أبرزها. فبريطانيا العظمى هبطت عن هذا المستوى وأخذت تضعف وتسير إلى الوراء، ويتقلص نفوذها وينحسر ظلها عن مناطق استعمارها شيئاً فشيئاً، حتى أنها لتكاد تنحصر بين شواطئ جزيرتها الضيقة. وإنها لتلاحَق حتى في عقر دارها ويُتدخل في شؤونها الداخلية وأوضاعها الدستورية.
وبما أن بريطانيا كانت تعيش على أموال غيرها وتعتمد على غيرها وتسخّر غيرها لتحقيق مصالحها وحماية كيانها، وشريان حياتها يتصل بالشرق الأوسط والقارة الافريقية، تستمد منها مادة حياتها ومقومات بقائها، فإنها لن تعيش بدون هذا الشريان الحياتي الهام. وها هو الآن يكاد ينقطع، وبالتالي سُلبت منها ممتلكاتها ومناطق نفوذها ومنابع الثروات التي كانت تمدها بالحياة والبقاء. فنزلت عن مستواها وهبطت عن حجمها وفقدت تأثيرها وأفلتت منها مصالحها. وها هي تستغيث لتنقذ الجنيه الاسترليني إذ هبط عن مستوى العملة الاحتياطية في العالم، وأن هناك دراسات اقتصادية لإعلان الاسترليني بأنه لا يقوى أن يكون عملة دعم واحتياط في العالم.
كان الملايين من سكان العالم تحت السيطرة البريطانية، وكانت العشرات من الدول خاضعة للتاج البريطاني، ومعظم إنتاج العالم الزراعي يسوّق عن طريق الموانئ البريطانية، وهي سيدة البحار ولا تغيب الشمس عن ممتلكاتها. إنه عصر الاستعمار وبسط النفوذ، عصر استغلال الشعوب وامتصاص دمائها والتحكم في مقدّراتها، تساق الشعوب لتقاتل من أجل حماية التاج البريطاني وتحقيق المصالح البريطانية.
تغيّر الحال وتبدّل الأمر، وهوت بريطانيا عن مكانتها، ونزلت عن كرسي عظمتها لتصبح دولة عادية. أُبعدت عن السياسة الدولية، وانشغلت بمشاكلها الداخلية، وتقعّدت عليها الأمور في داخلها، تستغيث انقذوا الاسترليني، فتجيبها أمريكا: ها هو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وها هي بنوك أمريكا المركزية. إنها تنتظر المعونات والمساعدات المالية فهي بذلك تنتظر حينها وهلاكها. فقد وفدت إلى بريطانيا لجنة من الخبراء الأمريكيين التابعين لصندوق النقد الدولي وبعض البنوك المركزية الأمريكية لدراسة الحالة الاقتصادية والأوضاع المالية في بريطانيا لإمكانية الموافقة على صرف المبالغ التي تحتاجها بريطانيا من الصندوق ومن غيره، ورفعت اللجنة تقريرها بالموافقة. وبالفعل تمت الموافقة على صرف مبلغ قيمته 3900 مليون دولار لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية المزرية والتي تتخبط فيها بريطانيا، فهي بذلك أصبحت كأية دولة من دول العالم الثالث يأتي الخبراء والفنيون لدراسة أوضاع الدولة واقتصادها ثم منحها قروضاً معينة هي عبارة عن قيود تكبل بها أيدي تلك الدول. ومن المعروف أن بريطانيا يُثقل كاهلها من الديون ما قيمته 18 ألف مليون أي أن الجنيه الاسترليني يترنح ليسقط عن مستواه إلى الأبد.
وهذا وزير المالية البريطانية "دينس هيلي" يطرح برنامج سياسته المالية على مجلس العموم ليفاجئهم بمقترحات مذهلة لترميم الاقتصاد البريطاني منها الإبطاء في تنفيذ برامج الإسكان وإيقاف شق الطرق وبنائها، وإنهاء المساعدات الحكومية التي ساهمت في إبقاء أسعار المواد الغذائية أقل من سعرها الرسمي، كما تضمّن حديث هيلي الدعوة إلى وقف وقطع المعونات الخارجية، وتجميد تكاليف الخدمات المدنية، وبالإضافة إلى ذلك ستقل المصروفات المخصصة للأسلحة والخدمات المتعلقة بها والتي ستخفض إلى 500 مليون دولار خلال العامين القادمين.
وستقوم الحكومة البريطانية ببيع أسهمها في الشركات البترولية بمبلغ 825 مليون دولار. ودعا "جال جونز" زعيم أكبر نقابة عمال في بريطانيا إلى تصدير الأيدي العاملة إلى الخارج لمعالجة البطالة.
وأمّا الاتجاه الثاني لأية دولة وهو المهم، فهو السياسة الداخلية والاستقرار والتماسك الداخلي، فمن هنا تأتي الطعنة التي تُجهز على الجريح وتخمد أنفاس المريض. إن ما مارسته بريطانيا مع دولة الخلافة من تفكيك ولاياتها وفصلها عنها واحدة واحدة، حتى أجهزت عليها، قد وقعت فيه الآن. فتشكيلة الحكم التي تنبني عليها بريطانيا تتألف من عدة دويلات هي ايرلندا، اسكتلندا، ويلز، وبريطانيا. فها هي ايرلندا علاوة على العداء المتأصل بين الكاثوليك والبروتستانت، فإنها تريد الانفصال عن إنجلترا. فالثورات والقتال المسلح الذي يقوم به جيش التحرير الايرلندي قد أقضّ مضجع الحكومة البريطانية، وانفصالها سيتم عاجلاً أم آجلاً. وأمّا اسكتلندا وويلز فإنهما في حالة تحفز وتململ للاستقلال والانفصال عن بريطانيا الأم. وقد كان ظهور البترول قرب شواطئ اسكتلندا حافزاً مثيراً لمطالبتها بالاستقلال. وها هي شعارات "البترول الاسكتلندي" في كل بيت. وقد انفجرت بعض العبوات الناسفة قرب أحد الأنابيب البترولية في العام الماضي مما حدا بالحكومة العمالية إلى طرح مشروع قانون على مجلس النواب تضع فيه استقلال ولاية اسكتلندا وإعطائها حكماً ذاتياً، وينص المشروع على أن تنشأ في اسكتلندا حكومة محلية من وزراء ورئيس للوزراء تكون مسؤولة أمام مجلس نيابي مؤلف من ماية وخمسين عضواً، وتكون لها كل صلاحيات إدارة اسكتلندا باستثناء الدفاع والسياسة الخارجية. وهذا يعني في الواقع توسيع صلاحيات الإدارات المحلية، وإلغاء النظام المركزي، وإعادة تنظيم علاقة اسكتلندا بلندن وفق أسس جديدة. ومقاطعة ويلز تشملها بعض نصوص هذا القانون. ولقد وصف أحد نواب المحافظين هذا القانون بأنه قانون نعي المملكة المتحدة.
إن الأنبوب الضخم الواسع والشريان الحيوي الدفاق الذي كانت بريطانيا تستمد بواسطته الدم الذي يسري في عروق الإنجليز، من منطقة الشرق الأوسط والقارة الافريقية قد أخذ في التقلص والضيق ولا يتسع الآن إلاّ لأن يوصل القطرات، وبالتالي يكاد ينقطع، ويتبدل الاحمرار الذي يعلو وجوه الأسياد الإنجليز بدكنة الاختناق وصفرة الموت. وهكذا تسير بريطانيا إلى مصيرها، وانقشعت سحابة هارون الرشيد.
وفي مجال السياسة الدولية لا شأن لها يُذكر، ولا يد لها في تصريفها، حتى لقد أُبعدت عن بحث المشاكل الدولية وعن حضور الكثير من المؤتمرات الدولية السياسية. وحتى المشاكل الدولية الثنائية لا تأثير لها يُذكر. فمشكلة المياه الإقليمية بينها وبين ايسلندا قد أخذت طابعاً فيه التحدي والتصدي من قبل ايسلندا، ولم تستطع بريطانيا تحقيق أي مكسب تريده منها، مع أن ايسلندا لا يصل سكانها المليون نسمة. وقد انتهت من جنوب شرق آسيا ولم تشارك في محادثات فيتنام، ولم يبق لها أي جندي شرقي القناة سوى حامية بسيطة في هونغ كونغ. وها هي تلاحَق في قواعدها في قبرص وفي جبل طارق. ولولا بقية من دهائها السياسي لَما استطاعت دخول السوق الأوروبية المشتركة ولبَقِيَت في عزلة تامة حتى عن القارة الأوروبية.
ومن المفارقات المؤكّدة على ضعف بريطانيا أن ليس لها اليوم في الأسطول الجوي الملكي سوى 450 طائرة مقاتلة في حين أن لدولة بولندا 900 طائرة مقاتلة. أمّا الجيش البريطاني فإن عدده لا يتجاوز 170 ألف رجل. وذكرت الصحف الأمريكية أن الجنرال جورج براون رئيس الأركان الأمريكي صرح بقوله: "إن هذا الوضع يجعل المرء يود البكاء، فبريطانيا لم تعد دولة عظمى... إن كل ما لديها الآن هو جنرالات وأميرالات وقطع موسيقية". أما الأسطول البحري البريطاني فقد انخفض إلى 76 قطعة رئيسية و28 غواصة وأربع غواصات ذرية وحاملة طائرات واحدة هي "آرك رويال"، علماً بأنها كانت تملك عند نهاية الحرب العالمية الثانية 358 قطعة من السفن والغواصات المقاتلة الرئيسية. ولذلك فإن دول حلف الأطلسي نظرت في وضع بريطانيا واقتصادها المتدهور، وعدم استطاعتها القيام بأعباء الحلف، فعقدت اجتماعاً وخرجت بقرار يقضي بمد بريطانيا بمِنح ومساعدات تقارب 3000 مليون دولار.
فإذا ما تفككت الدولة وانقطعت أوصالها ودخلها الوَهَن في كيانها فلن ينفعها دهاء ساستها ولا حنكتها وعراقتها السياسية. فهذا الخليفة المسلم عبدالحميد الثاني كان على جانب من الدهاء والحنكة السياسية والغيرة على الأمّة والمبدأ، ولكن كل هذا لم ينفعه أمام التفكك والضعف والمشاكل الداخلية، ولم يثبّته في الوقوف أمام التدخل الخارجي والمشاكل الخارجية. فلقد آن الأوان وحانت الفرصة للإجهاز على هذا الداء الوبيل والقضاء على ذلك الشر المستطير، رأس الكفر وأم الخبائث والشرور الذي ابتُلي العالم بأسره بظلمه وسيطرته وتحكّمه، والذي بَلا العالم الإسلامي منه الويلات وعانى الأمرّين وحارب الإسلام وأجهز على دولة الخلافة، ويضع العراقيل لمنع عودة الإسلام إلى الحياة وإلى الحكم.
28/12/1976م
--------------------------------------
رابعا صدر عن الحزب القيادة الجديدة له جواب سؤال جاء فيه :
السؤال: ورد في نشرة دردشات الأخيرة والمؤرخة في 21/شوال/1427هـ الموافق 12/11/2006م أن بريطانيا دولة تدور في فلك أميركا، كما ورد في معلومات للشباب "حول المخطط الأميركي لقارة إفريقيا" النص التالي:
(ذلك أن بريطانيا قد رضيت أن تدور في فلك السياسة الأميركية، وخاصة بعد وصول حزب العمال إلى الحكم عام 1997م). هل فعلا أن بريطانيا دولة تدور في الفلك أم أنها دولة مستقلة؟ ثم ألم تختر بريطانيا أن تؤمن مصالح الدولة الأولى في العالم للبقاء في السياسة الدولية؟؟ وبخاصة بعد تفرد الولايات المتحدة في الموقف الدولي؟؟ أو ليس هذا ما سارت عليه بريطانيا منذ عهد مارغريت تاشر مرورا بجون ميجور وانتهاء ببلير؟؟.
الجواب:
لا بد أولا من بيان الفرق بين الدولة المستقلة والدولة التي تدور في الفلك، ثم نقوم بعد ذلك بتنزيل التعريف على واقع السياسة البريطانية وعلاقتها بأميركا، لنرى إلى أي مدى ينطبق على بريطانيا وصفها بأنها دولة تدور في فلك أميركا بشكل واضح منذ وصول حزب العمال إلى الحكم عام 1997.
لقد ورد في كتاب مفاهيم سياسية أن الدولة المستقلة هي الدولة التي تتصرف في سياستها الخارجية والداخلية كما تشاء حسب مصلحتها، أما الدولة التي تدور في الفلك فهي الدولة التي تكون مرتبطة في سياستها الخارجية مع دولة أخرى إرتباط مصلحة لا تبعية. فإذا أخذنا هذا التعريف ونزلناه على بريطانيا منذ تولي حزب العمال الحكم نجدها قد خطت لنفسها طريقا واضحا في تأمين مصالحها من خلال ربط سياستها بالمخططات والمصالح الأميركية. وبيان ذلك كما يلي:
1- بعد أن نجحت أميركا في طرد بريطانيا ومعها فرنسا من التأثير في السياسة الدولية، جراء الإتفاق الذي حصل بين كينيدي وخروتشوف عام 1961، عملت بعد ذلك على طردها من مناطق قوتها أي آسيا وإفريقيا. ذلك أن قوة بريطانيا، وكما ذكر الحزب في كتاب نظرات سياسية، إنما تنبع من آسيا وإفريقيا وأن حياتها معلقة بوجودها في هذين الموقعين. ولم تمض سنوات كثيرة حتى ظهر ذلك جليا في إعلان بريطانيا عام 1968 أنها سوف تنسحب من منطقة الخليج بحلول عام 1971. فأسرعت أميركا بإعلان استعدادها لملأ الفراغ الذي ستخلفه بريطانيا.
وإنه ما كان لبريطانيا أن تعلن عن انسحابها من الخليج لولا الضعف الخارجي والداخلي الذين وصلت إليهما. فأما الضعف الخارجي فسنتناوله لاحقا. وبخصوص الضعف الداخلي فإنه تمثل في ذلك الصراع بين أنصار تقوية الصلة بأميركا وعدم الاتجاه لأوروبا وبين أنصار فكرة الاتجاه نحو أوروبا وترك أميركا أو تخفيف الصلة بها. وفيما كان حزب العمال عموما يميل إلى أنصار الاتجاه الأول، كان حزب المحافظين يعاني صراعا داخليا في تبني أحد الاتجاهين. ولذلك شهدت بريطانيا منذ 1964، وبسبب هذا الصراع خاصة، تناوبا في الحكم بين العمال والمحافظين حتى كانت سنة 1979، عندما وصلت مارغريت تاتشر إلى الحكم.
لكن تاتشر وإن ربطت السياسة البريطانية بأميركا وأظهرت ازدراءها للوحدة الأوروبية، فإنها لم تستطع طوال فترة حكمها أن تحسم الصراع داخل حزب المحافظين. فقد تحداها على رئاسة الحزب مايكل هيزلتاين، وهو ما أضعف مركزها ومهد الطريق أمام جون ميجور ليتم انتخابه مكانها. صحيح أن ميجور وجماعته استغلوا صراع تاتشر مع نقابات العمال والسخط الشعبي بسبب الخصخصة التي سارت فيها، لكن السبب الحقيقي وراء إزاحتها من زعامة الحزب هو غلبة تيار الأوربة بقيادة ميجور على تيار الأمركة داخل حزب المحافظين.
ورغم فوز جون ميجور بانتخابات عام 1992 بفارق ضئيل على حزب العمال وتوليه رئاسة الحكومة البريطانية وحصوله على تنازلات لصالح بريطانيا من أوروبا، بخصوص معاهدة ماستريخت، لكنه وجد نفسه من جديد أمام حزب يزداد الانقسام داخله بسبب تضارب الرأي حول دور بريطانيا داخل أوروبا وعلاقتها بأميركا. وقد أدى هذا الانقسام داخل حزب المحافظين إلى أن يقدم ميجور استقالته من زعامة الحزب عام 1995. ورغم فوزه مجددا برئاسة الحزب لكن الخلافات الداخلية ظلت مستمرة، وكانت أحد الأسباب المباشرة في هزيمة المحافظين أمام العمال في انتخابات 1997.
إن أميركا لم تكن بعيدة عما يجري من صراع داخل بريطانيا عموما وداخل حزب المحافظين خصوصا بين أنصار الأمركة وأنصار الأوربة. لعل هذا ما دفع جون ميجور أن يصف المتشككين تجاه أوروبا بـ"الأوغاد". وكان رد أميركا على ميجور رغم سيره معها في حرب الخليج الأولى أن حركت بالتآمر مع أنصار اتجاه الأمركة مسلسلا من الفضائح تورط فيها وزراء من حزب المحافظين سواء فيما يتعلق بالحياة الخاصة أو بالفساد المالي. وهو ما كان له الأثر الكبير في اهتزاز شعبية ومصداقية المحافظين وبالتالي هزيمتهم الساحقة في انتخابات 1997 و2001 و2005. ورغم تعاقب الكثير من الشخصيات السياسية على زعامة الحزب، لكن لم تتوفر في أحد منهم القدرة على حسم الصراع لمصلحة هذا الاتجاه أو ذاك.
ولكن يبدو أن هذا الصراع قد حسم مؤخرا لمصلحة أنصار الأمركة بعد تعيين دافيد كامرون رئيسا للحزب بمباركة أميركية ظهرت من خلال الزيارة التي قام بها كامرون إلى أميركا مباشرة بعد انتخابه لرئاسة حزب المحافظين في كانون ثاني/ديسمبر 2005. كما ظهرت أيضا في إعلان روبيرت موردوخ (Rupert Murdoch) الصريح عن نيته في دعم دافيد كامرون في الانتخابات المقبلة. وموردوخ الأسترالي هو من أكبر الأدوات الإعلامية التي تمتلكها أميركا للتأثير في الرأي العام البريطاني بحكم امتلاكه مجموعة من الصحف أهمها الصن والتايمز. وقد ظل موردوخ داعما لطوني بلير وللعمال منذ انتخابات 97 حتى تاريخ إعلانه عن دعمه لكاميرن في 28/06/2006.
2- يمكن القول أنه في الفترة التي كان فيها حزب المحافظين أيام تاتشر وميجور يعاني صراعا حول علاقة بريطانيا بأميركا وأوروبا، كان حزب العمال أيضا يشهد صراعاً داخلياً بين جناحيه اليميني واليساري حول طبيعة الأفكار التي يجب طرحها على المجتمع لنيل ثقة الحكام الفعليين أي اللوردات وأصحاب الشركات وكبار الرأسماليين. وقد عاش حزب العمال ثمانية عشر عاما أحلك فترات تاريخه السياسي، وهو ما عرف بسنوات التيه. إلا أنه بعد أن قامت مجموعة من الوزراء السابقين في الجناح اليميني للحزب عرفت باسم مجموعة الأربعة بالاستقالة من الحزب وإنشاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، انفتح الطريق أمام الجناح اليساري بقيادة نيل كينوك الذي عمل على ضخ دماء جديدة في الحزب تميل إلى الليبرالية أكثر من الاشتراكية.
وبعد فشل كينوك في تحقيق فوز الحزب في انتخابات عام 1983 خلفه في رئاسة حزب العمال جون سميث، وهو من أعضاء البرلمان الذين كانت لهم مكانتهم وكان ينظر إليه على نطاق واسع بأنه رئيس الوزراء المنتظر. إلا أن وفاته المفاجئة بنوبة قلبية عام أربعة وتسعين كانت بمثابة لطمة قاسية للحزب للاستمرار في تجديده. وفي عمليات المنافسة التي تلت ذلك، اختير توني بلير زعيما للحزب، وأخذت مسيرة التحديث التي بدأها نيل كينوك تحث الخطى بقوة . وقد واجه مهندسو حزب العمال الجديد معارضة من القوى التقليدية الملتصقة بالاشتراكية، وهو ما اعتبره بلير عبءاً انتخابياً . ولذلك قام بإلغاء البند الرابع الذي يلزم الحزب بعمليات التأميم، وكان ذلك بمثابة الانسلاخ عن الماضي الاشتراكي للحزب ودخوله مرحلة كسب ثقة الحكام الفعليين لبريطانيا. وعندما دخل حزب العمال انتخابات عام 1997 كانت النتيجة فوزا كاسحا حمل توني بلير إلى رئاسة الوزارة.
ولذلك يمكن القول أنه منذ عام 1997 لم يعد حزب العمال أداة بيد حزب المحافظين يسخّرها لأغراضه، كما كان الحال منذ وجوده. بل إنه قد صار أداة بيد أميركا ضربت به حزب المحافظين، خاصة منهم المناوئين لها. لكن أميركا ربطت في نفس الوقت مصالح الفئات الغنية والمتحكمة في بريطانيا بها ودفعتها إلى دعم حزب العمال، بعد أن فشلت في دفع حزب المحافظين إلى ربط السياسة الخارجية البريطانية بالمصالح الأميركية. وبدا وكأن حزب المحافظين سائر نحو الاندثار ليأخذ مكانه في المعارضة حزب الديمقراطيين الأحرار. وهذا ما أدركه المحافظون ولذلك عملوا على إعادة ترتيب علاقتهم بأميركا في الاتجاه الذي يربط مصالح السياسة الخارجية البريطانية بالمصالح الأميركية، بشكل يجعل بريطانيا تفقد استقلال قرارها في السياسة الخارجية وتصبح دولة تسير في فلك أميركا؛ وهو ما سار فيه حزب العمال مع وصول توني بلير إلى الحكم.
3- إن بريطانيا قد دخلت مرحلة جديدة منذ وصول حزب العمال للحكم عام 1997. فقبل ذلك كانت دولة كبرى وقوية وبخاصة في القرن التاسع عشر وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين. وبعد اتفاق أميركا وروسيا عام 1961 سقطت بريطانيا من السياسة الدولية وإن ظلت قوية في مناطق وجودها أي آسيا وإفريقيا بما لها من مستعمرات ونفوذ وعملاء ومخططات تعمل من خلالها على منافسة أميركا والتأثير في السياسة الدولية. ولكن منذ 1979 أي بوصول تاتشر إلى الحكم ظهر على السياسة البريطانية أنها بدأت تسير في تأمين مصالح أميركا كوسيلة للتأثير في السياسة الدولية سواء في آسيا وإفريقيا أو حتى في أوروبا. لقد كانت بريطانيا في عهد تاتشر وميجور دولة مستقلة ولكنها لم تقم بأي عمل يهدد مصالح أميركا وانعدمت فيها أي مشاريع أو مخططات تنافس أو حتى تخالف التوجهات العامة والمخططات الإستراتيجية والتكتيكية للسياسة الأميركية وبخاصة إبان فترة تاتشر وريغان.
ورغم أن ميجور كان من المناوئين للتوجهات الأميركية لكنه لم يجرؤ على مخالفة إرادة أميركا وإرادة الحكام الفعليين في بريطانيا بالذهاب مع أميركا في حرب الخليج الأولى. ولا يمكن القول أن بريطانيا دفعت بأميركا إلى هذه الحرب لتوريطها وإضعافها. فالمتابع للسياسة الأميركية منذ غزو روسيا لأفغانستان يدرك أن أميركا كانت قد وضعت نصب عينها غزو الخليج واحتلاله منذ ذلك الوقت، من خلال ما عرف بمبدأ كارتر. بل الواقع أن بريطانيا قد سارت مع أميركا في حرب الخليج كدولة مستقلة عملت على تأمين مصالح الدولة الأولى للبقاء في الساحة الدولة دون التأثير فيها؛ فكل أوراق اندلاع الحرب وإيقافها كانت بيد أميركا.
وعندما أدركت أميركا أنه لا فائدة ترجى من حزب المحافظين في جعل بريطانيا دولة تدور في فلك أميركا، وإن أمّنت مصالحها خلال 18 عاما من حكم تاتشر وميجور، دفعت بحزب العمال إلى الواجهة السياسية، بعد أن حطمت أضلاع المحافظين. وبدا واضحا للمتابع السياسي أن حزب العمال قد صار حصان طروادة لأميركا ليس فقط في السياسة الدولية أو على مستوى المناطق خاصة في آسيا وإفريقيا وأوروبا بل حتى داخل بريطانيا نفسها. لقد وصل الحال بالصحافة والرأي العام البريطاني أن يطلق على توني بلير بأنه الكلب الصغير لجورج دبليو بوش. وبالفعل لم يعد لبريطانيا مخططات ولا أنظمة حكم ولا عملاء في آسيا وإفريقيا، أما في أوروبا فقد صارت بريطانيا من أكثر الدول الأوروبية المدافعة عن بقاء أوروبا تحت المظلة العسكرية الأميركية وتوسيع الناتو عدديا وجغرافيا وعملياتيا.
إن المتابع لتصريحات بلير يجده يزايد على تصريحات المسؤولين الأميركيين في الحرب على الإسلام وملاحقة المسلمين بالتجسس والتوقيف والاعتقال وتلفيق التهم والمحاكمات الصورية. أما في السياسة الخارجية فإن بلير قد ورط بريطانيا في حروب ومخططات لا تتناسب وقوة بريطانيا الدولية ولا موقعها داخل أوروبا؛ وهذا ما صدع به قدر كبير من الرأي العام البريطاني وعدد لا بأس به من السياسيين والمحللين البريطانيين.
4- ولذلك لا يمكن الآن وصف بريطانيا بأنها دولة مستقلة اختارت أن تؤمن مصالح الدولة الأولى في العالم للبقاء في السياسة الدولية. هذا القول صحيح منذ 1979 إلى 1997. ولكن بعد 1997 قد تغير الحال بوصول حزب العمال إلى الحكم. ففي عهد تاتشر وميجور كانت بريطانيا دولة مستقلة ولكنها لم تحسم أمرها كليا بالسير في فلك أميركا؛ رغم أن أميركا حاولت دفعها بقوة نحو ذلك من خلال دعمها لأنصار الأمركة في حزب المحافظين بإظهار وطنيتهم عندما دعمتهم في حرب الفوكلاند. وبعبارة أخرى يمكن القول أن بريطانيا في فترة تاتشر وميجور كانت في مرحلة تحول في وضعها السياسي الخارجي وحتى الداخلي.
لقد وصل الضعف والعجز ببريطانيا أن صارت لا تملك حتى التأثير في بعض سياساتها الداخلية وفسحت المجال لأميركا أن تحل لها مشاكلها الداخلية وأن تتدخل في شؤونها. فهل دولة هكذا حالها يمكن القول عنها أنها دولة مستقلة؟!. ومن الأمثلة على تدخل أميركا في شؤون بريطانيا الداخلية نورد على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1 - تدخل أميركا في حل الصراع الدائر في إيرلاندا الشمالية بين زعماء الشين فين الذي يطالبون بالاستقلال عن بريطانيا وحزب أولستر الوحدوي الذي يمثل الحكومة البريطانية. فبعد وصول حزب العمال إلى الحكم في مايو 1997 فعّل بيل كلينتون دور السيناتور الأميركي الأسبق جورج ميتشال الذي سبق وأن عينه قبل ذلك بثلاث سنوات مستشاره الاقتصادي الخاص لإيرلاندا الشمالية. ولم تمض سنة من تولي بلير الحكم حتى نجح جورج ميتشال في دفع الفرقاء في إيرلاندا الشمالية للوصول إلى اتفاق الجمعة العظيمة في 10 أبريل 1998.
2- مثول جورج غالاوي في مايو 2005 أمام لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي لمساءلته حول الاتهامات الموجهة إليه بخصوص تورطه في رشاوى برنامج النفط مقابل الغذاء و صداقته لصدام حسين. وغالاوي كان عضوا في حزب العمال إلى أن قام بلير أو اللجنة التنفيذية الوطنية بحزب العمال في سبتمبر 2003 بتعليق عضويته، بسبب انتقاده لسياسات حزب العمال لا سيما تلك المتعلقة باشتراك بريطانيا مع أميركا في الحرب على العراق. وقام غالاوي بعد ذلك بتأسيس حزب "احترام". ولكن قبوله للمساءلة من قبل الكونغرس الأميركي يكرس دوران بريطانيا في فلك أميركا ويؤكد سلطة المشرِّع الأميركي في استجواب السياسيين البريطانيين مثلما يتم استجواب السياسيين الأميركيين.
3- العمل على ترحيل ثلاثة رجال أعمال بريطانيين يعملون داخل بنك ناتواست بتهمة الاختلاس وتسببهم في انهيار وإفلاس شركة أنرون (Enron) للطاقة عام 2001. وحيث أن خسائر هذه الشركة قد وقعت في أميركا فإن البوليس الفيدرالي الأميركي طالب بترحيلهم لمحاكمتهم في أميركا؛ وذلك بموجب معاهدة الترحيل لعام 2003 الخاصة بالمشتبه بهم في قضايا "الإرهاب" التي وافقت عليها بريطانيا ولم يوافق عليها الكونغرس الأميركي بعد. ورغم اعتراض عدد من السياسيين ورجال القانون بأن رجال الأعمال هؤلاء ليسوا متهمين في قضايا "إرهاب" وبالتالي لا تنطبق عليهم المعاهدة ومن ثم يجب محاكمتهم في بريطانيا، فإن توني بلير ومجلس اللوردات والمدعى العام البريطاني قد وافقوا على ترحيلهم إلى أميركا خلال منتصف هذا شهر تموز/يوليو من هذا العام.
والخلاصة أن خطة بريطانيا التي رسمتها لأن تكون قوية، والتي "تتلخص في شيء واحد، هو: أن تسخِّر غيرها من الأفراد، والشعوب، والدول، لأن تكون أداة بيدها، أو للسير معها في تحقيق أهدافها أو لمشاركتها في عداوتها لأعدائها، أو في جر المغانم ودفع المغارم، أو لدفعها وحدها للتورط في المشاكل التي تضعفها وتجعلها تسير في السياسة التي يريدها الإنجليز"، إن هذه الخطة لم تعد تطابق واقع السياسة البريطانية لا داخليا ولا خارجيا. لقد صارت بريطانيا هي الأداة بيد أميركا تسخرها للسير معها في تحقيق أهدافها ومخططاتها بل وتورطها في المشاكل وتجلب إليها كثيرا من الأعداء والمغارم دون أن ينالها كبير مغانم. كما أن العرف البريطاني الذي كان سائدا بأن يتخذ "حزب المحافظين حزب العمال أداة بيده يسخّرها لأغراضه ... فحين يقع حزب المحافظين في أزمات يأتي بحزب العمال، فإما أن يُشركه معه في الحكم وحين ينتهي من تسخيره يخرجه، وإما أن يأتي للحكم لغرض معين وحين يستنفد هذا الغرض يُخرجه"، فهذا العرف أيضا لم يعد سائدا اليوم. لقد صار حزب العمال (الجديد) هو سيد الموقف في بريطانيا، وصار حزب المحافظين هو الذي يلهث لمجاراة بل ومحاكاة حزب العمال حتى يفوز برضا أميركا عليه. ويبدو أنه قد نجح في ذلك مؤخرا بعد تعيين دافيد كامرون رئيسا للحزب وظهور دعم أميركا له.
وأخيرا نذكر بما سبق للحزب أن أورد في نشرة معلومات للشباب بتاريخ 05/05/2001، فقد جاء في هذه النشرة: "أما بريطانيا فكانت قد انتهت إلى السير وراء الولايات المتحدة مع تراجع قدرتها على التشويش عليها كما كانت تنتهج في سياستها السابقة، وقد ذكر بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق في كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى" أن بريطانيا قبلت بأن تكون ذيلا للولايات المتحدة" .
12/ذي القعدة/1427هـ
3/كانون الأول/2006م