المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاتحاد الأوروبي يحتضر



ابو طلال
23-09-2010, 11:42 AM
الاتحاد الأوروبي يحتضر

يموت الاتحاد الأوروبي موتاً غير عنيف وغير مأسوي بل عبر احتضار طويل. وهو موت بطيء إلى درجة يمكننا معها أن ننظر ذات يوم إلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي لنرى أن المشروع الأوروبي - الذي اعتبرناه أمراً مسلماً به منذ نصف قرن على الأقل - لم يعد موجوداً.

الاقتصاد سبب جزئي للانحطاط الأوروبي. بيد أن ما من وجه للمقارنة هنا مع مرض أخطر يتفشى على امتداد القارة القديمة: فمن لندن إلى برلين مروراً بوارسو، تعيش أوروبا إعادة تأميم لمشهدها السياسي حيث يعيد كل بلد التعلق بسيادة كان مستعداً للتضحية بها في سبيل تحقيق حلم مشترك.

لا يبدو الأوروبيون معنيين بالمنفعة المشتركة. بل يتساءلون عما حمل الاتحاد لهم وما إذا كان ذلك يستحق العناء. وإذا تابعوا الدرب هذه، سيهددون أحد المشاريع الأبرز والأكثر طموحاً في القرن العشرين، أي ذاك الداعي إلى إقامة أوروبا موحدة تعيش بسلام مع ذاتها وتظهر نفوذها ككل متجانس. وسينجم (عن تفكك المشروع) عدد من الدول المشتتة المفتقرة إلى الحد الأدنى من التأثير الجيو-سياسي وستفقد الولايات المتحدة شريكا مستعداً للإنابة عنها في المهمات الدولية ويمتلك الأدوات اللازمة للقيام بها.

ضياع الاهتمام بالمشروع الأوروبي امتد إلى ألمانيا التي كانت دائماً محرك أوروبا والمهووسة بمحو المنافسات القومية التي تشكل مصادر الصراعات. وتلكؤ برلين في نجدة اليونان اثناء انهيارها المالي أظهر القطيعة مع روح المصلحة العامة التي ميزت المشروع الأوروبي. الشعبوية اليمينية هي ما يشهد صعوداً الآن، خصوصاً بسبب عودة العداء للمهاجرين. وفاز حزب «يوبيك» المعادي للأجانب في المجر بسبعة وأربعين مقعداً في الانتخابات هذا العام فيما لم يحصل سوى على مقعد واحد عام 2006. وحتى في بلد متسامح تقليدياً مثل هولندا، نالت الحركة اليمينية المتطرفة «حزب الحرية» 15 في المئة من الأصوات وجاء الفارق بينها وبين الحزب الأول سبعة مقاعد فقط.

وكأن كل هذا لا يكفي، فقد حل في تموز (يوليو) الماضي دور بلجيكا في تولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، فيما تشهد البلاد توتراً بين الفلامند الناطقين باللغة الهولندية وبين الوالون الناطقين بالفرنسية، ما يحول دون تشكيل حكومة ائتلافية قابلة للحياة. والدولة الموكل اليها حالياً حمل المشروع الأوروبي تعاني من مشكلات قومية قام الاتحاد تحديداً لإنهائها.

وكان الاتحاد الأوروبي بالنسبة للأوروبيين الذين شبوا أثناء الحرب العالمية الثانية او أثناء الحرب الباردة وسيلة للهرب من ماض قاتل. الأمور مختلفة لدى الشبان الأوروبيين اليوم، ووفقاً لاستطلاع حديث للرأي، يفوق عدد الفرنسيين الذين تزيد اعمارهم عن 55 عاماً، ضعف مواطنيهم الذين تقل اعمارهم عن 36 عاماً، ممن يرون أن الاتحاد الأوروبي ينهض ضمانة للسلام في القارة. لا عجب بعد ذلك عندما يتحدث المسؤولون الأوروبيون الجدد عن أوروبا بعبارات حساب الربح والكلفة وليس بصفتها موضوع ايمان. وقد عبرت ادارة اوباما عن استيائها حيال تفاقم الغياب الأوروبي عن الساحة الدولية. وفي الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة إلى التخلص من اعباء ديْنِها ومنح جيشها بعض الراحة، تقيّم واشنطن حلفاءها بما يقدمونه من مساعدة لها. وفي الحالة الأوروبية، المساعدة صغيرة أصلاً وآخذة في التقلص. قبل ستين عاماً، كان (السياسيان الفرنسيان) جون مونيه وروبير شومان و(المستشار الألماني) كونراد أديناور آباء أوروبا. وتحتاج أوروبا اليوم إلى جيل جديد من المسؤولين القادرين على نفخ الحياة في مشروع مهدد بالاختفاء. حتى الآن، لا يمكن العثور على مسؤولين كهؤلاء.
تشارلز كوبتشان
عن «واشنطن بوست» الأميركية