المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منقول.. إنها ليست نهاية العالم .. بل نهاية العالم كما نعرفه!



عبد الواحد جعفر
13-09-2010, 12:22 PM
إنها ليست نهاية العالم .. بل نهاية العالم كما نعرفه!
نشر: 13/9/2010 |

إبراهيم شكري دبدوب*
لم تتوقف الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية عن الاقتراض ومراكمة الديون، حتى بلغت هذه الديون أخيرا حد التخمة.
ولكن رغم مديونية الولايات المتحدة التي بلغت 14 تريليون دولار تقريبا واستمرار عجز الميزانية، ما يزال المستثمرون يثقون في سندات الخزانة الأميركية ليس لأنها فعلا موضع ثقة، بل لغياب البديل وضيق الخيارات. فأصحاب الثروات حول العالم قلقون مما يحدث حاليا إذ إن وضع الديون السيادية لليونان وإسبانيا والبرتغال ودول أخرى حول العالم، والحرب في أفغانستان التي لم تحقق كل ما رسمت لأجله والتسرب النفطي في خليج المكسيك، والتهديد النووي الإيراني، وبالطبع احتمال أن يغرق الاقتصاد الأميركي في ركود جديد، بالإضافة إلى القضايا التجارية التي ما تزال عالقة مع الصين، تشكل جميعها أنباء لا تسر أحدا، فالمستثمرون يريدون ملاذا آمنا لأموالهم، وسندات الخزانة الأميركية تمثل في هذه الحال أفضل الموجود.
وفي الواقع، ما يزال باستطاعة الولايات المتحدة الأميركية أن تنفذ البنوك ومالية ولاياتها وحكوماتها عند الحاجة، ولكن هذا الأمر لن يدوم، إذ عاجلا أم آجلا، سيأتي وقت تجد فيه الولايات المتحدة نفسها أمام أزمة مديونية سيادية فمن يملك القدرة حينذاك لإنقاذها؟
في الواقع هناك مقاربتان لمعالجة هذه الأزمة، الأولى تقول إن الدول ذات العجوزات المالية المرتفعة مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة عليها أن تخفض من عجوزاتها بشكل حاد. ولكن بالطبع ستواجه هذه المقاربة عقبات سياسية شعبية. أما المقاربة الثانية فلا تقل إشكالية، وهي السماح لمعدل التضخم بالارتفاع. فذلك من شأنه أن يساهم في خفض قيمة الديون، كما أنه سيسر القوى العاملة التي سترتفع رواتبها، ولو أن قوتها الشرائية لن تزيد بالقدر نفسه.
مما لا شك فيه أن الدول ذات العجوزات المرتفعة ستعيش فترة من التقشف، لكن ذلك لا يكفي، لأن أثر خفض المصروفات وزيادة الضرائب سيكون محدودا. وفي مرحلة ما قد تواجه الولايات المتحدة الأميركية صعوبات في بيع سنداتها السيادية إلى الصين واليابان ودول الخليج ذات الفائض، وبالتالي قد يضطر مجلس الاحتياط الفيدرالي لشراء هذه السندات، ما من شأنه أن يقفز بعرض النقد مجددا بشكل حاد، مما سيرفع معدل التضخم، وبالتالي سعر الفائدة، وبالتالي سينحسر النمو الاقتصادي وترتفع البطالة.
أما في أوروبا، فمن شأن برامج الإنقاذ والمساعدات المالية أن تؤجل أزمتها إلى حين ولكن هذا لن يمنع من إعادة هيكلة معظم الديون السيادية لدول في أوروبا، وستحرص ألمانيا على إظهار "التضحيات" التي قامت بها أمام الدول الأوروبية الأخرى بهدف الحفاظ على الوحدة الأوروبية، وبالتالي على هذه الدول أن تستعد بدورها للتضحية لأن ألمانيا لا ترغب في أن تلعب دوما - بسبب قوتها المالية - دور المنقذ. لكنها في النهاية ستتدخل للمساعدة. إلا أن ردة الفعل على الساحة الاجتماعية تبقى من أهم المحاذير أمام هذه الإجراءات، وحتى الآن، جاءت الاحتجاجات الشعبية محدودة، لكنها قد لا تبقى كذلك عندما تترجم إجراءات التقشف على أرض الواقع.
وبشكل عام، نشهد في الفترة الراهنة تراجعا في معدلات الطلب. وبالتالي جاءت مستويات المصروفات الرأسمالية مخيبة للآمال. وقد شكلت خطة الإنقاذ المالي في أوروبا مخدرا لتخفيف الألم. لكن علينا أن ننتظر لنرى كيف ستتحرك الأسواق عندما تشطب للبنوك العالمية الدائنة 20% أو 30% أو 40% من قيمة بعض الديون السيادية المستحقة لها، وهل ستكون هذه البنوك قادرة أصلا على تحمل تبعات ذلك على ميزانياتها، هل ستعود إلى نظام سندات بريدي Brady، التي استخدمت في أوائل الثمانينيات لتغطية مديونيات أميركا اللاتينية ولكن من سيضمن هذه المديونيات. في الثمانينيات وزارة المالية الأميركية ضمنت هذه السندات لأن البنوك الأميركية كانت الأكثر انكشافا - الوضع يختلف الآن. لذلك فإن أحد الخيارات يتمثل في خفض سعر صرف اليورو فالصادرات الألمانية، على سبيل المثال، استفادت كثيرا من انخفاض الأخير إلى 1.20 دولار. ومن شأن ذلك أن يعود بالفائدة على كافة الدول الأوروبية. وبالطبع، لن تدخر أوروبا جهدا في الحفاظ على وحدة اتحادها، لكنها اليوم أشبه بمن يعالج المرض الخبيث بالإسبرين، بيد أننا سنرى كيف ستكون ردود فعلها إزاء علاج أقوى وإزاء آثاره الجانبية، شأنها في ذلك شأن باقي دول العالم، فجوهر الأزمة لم يعالج بعد.
وبالانتقال إلى آسيا فقد استقبل العالم قرار الصين بتحرير عملتها وفك ربطها بالدولار بكثير من الحماس والترحاب، وقد يرتفع سعر صرف اليوان الصيني بمقدار 10% إلى 15%. وقد تبدو هذه النسبة مرتفعة لكن ذلك سيكون تدريجيا وبطيئا إلى درجة لن يشعر أحد بها. ومن دون شك، لن يكون ارتفاع سعر صرف اليوان كافيا لجعل الصادرات الصينية أقل جاذبية أو السلع الأميركية أكثر تنافسية فالصينيون سيعوضون أثر ذلك من خلال رفع إنتاجهم، وبالتالي ستحافظ الصادرات الصينية على جاذبيتها مقارنة مع سلع الدول الأخرى.
وفي ضوء هذه الصورة القاتمة لما يجري حول العالم، تبدو الحاجة إلى حلول جذرية أكثر إلحاحا حاليا من أي وقت مضى، وقد نكون بحاجة إلى عملة احتياط عالمية جديدة، ربما تكون عبارة عن سلة عملات تتكون من الدولار واليوان والذهب واليورو والين الياباني. كما قد نكون بحاجة إلى اتفاقية بريتون وودز جديدة لتحقيق ذلك، ما قد لا يبصر النور إطلاقا نتيجة الاعتبارات السياسية. لكن في حال أبصرت مثل هذه الاتفاقية النور، فقد نملك أخيرا عملة احتياط عالمية تتمتع باستقرار أكبر لكونها ستكون مدعومة جزئيا بالذهب، فالهدف يجب أن يكون إعادة بناء الثقة في النظام المالي العالمي.
هذه ليست نهاية العالم، بل إنها نهاية العالم الذي نعرفه فقط وبداية نظام عالمي جديد.

* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني
عضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي – واشنطن
وعضو لجنة بريتون وودز – واشنطن