نائل سيد أحمد
05-09-2010, 10:00 PM
التفاؤل والتشاؤم بين الإفراط والتفريط
أيها المسلمون:
يتحدث البعض من مشايخ وغير مشايخ على المنابر وفي الفضائيات عن التفاؤل والتشاؤم، ولكنه على العادة لا يخرج عن متبنى وقانون حركته أو حزبه أو نظام بلده، فلا يفيد الأُمة إلا بما يريده حزبه أو جماعته أو فئته أو نظامه.
فنقول وبتجرد: هنالك من فرّط بالتفاؤل وأفرط بالتشاؤم فقال: هذه أُمة لا تستحق النصر ولا يمكن أن تنصر أبدا وبدون قيد أو شرط، وذلك من فرط ما يراه من الذلة والمهانة والظلم والبعد عن الدين. وهنالك من فرط بالتشاؤم وألغاه، وأفرط بالتفاؤل فبالغ فيه فقال: إن هذه الأُمة ليست مهزومة ولا يمكن أن تهزم أبداً، وذلك لرؤياه كثرة المساجد والمصلين والمشايخ والفضائيات الوعظية وكثرة الكتب والمؤلفات الإسلامية وغير ذلك.
والصواب من القول: إن التفاؤل والتشاؤم مسألة نسبية من شخص لآخر ومن مجموعة وبيئة لأُخرى، فمجموعة أو شعب من كثرة ما يرى من الذل والظلم والاضطهاد الذي نزل به استبعد من حياته التفاؤل واستيأس النصر واستبعده، بخلاف مجموعة أو شعب آخر لم ير الذل والظلم قط في حياته أو رأى شيئاً يسيراً فهو متفاؤل غير متشائم، وهذا شبيه بحال الأنبياء، فمنهم من استيأس نصر الناس له ولم يحصل عليه كنوح عليه السلام، ومنهم من حصل عليه كمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكأصحابه رضي الله عنهم.
ثم إن القول بأن أُمتنا أُمة منصورة على الإطلاق أو أنها مهزومة على الإطلاق ليس صحيحاً، لأن للنصر عناصر وعوامل إن حصلت عليها الأُمة فهي منصورة بإذن الله وإلا فلا، فمن ذلك: الوحدة والائتلاف فيما بينها، قال الله تعالى(ولا تنازعوا فتفشلوا) وفي الحديث (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) غير أن الواقع الذي أصبح شائعاً في أُمة الإسلام في هذا العصر أنها أُمة مفرقة متنازعة إقليمياً وفكرياً وسياسياً حتى على مستوى الجماعات الإسلامية، فكيف تنتصر أُمةٌ هذه حالها منذ مئة عام تقريباً؟!!. ومن عوامل النصر: الصبر على المحن والشدائد، قال الله تعالى (ولقد كُذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذّبوا وأُذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله) وقال (واصبروا إن الله مع الصابرين) وفي الحديث ( إن النصر مع الصبر) غير أن هذا أيضاً غير موجود في حياة الأُمة، فقد أصبحنا نرى ونسمع عياناً جهاراً نهارا كيف تُروض الأُمة على لسان حكامها وقادتها وكثير من مشايخها لتقبل أي شيء ولو كان فيه التنازل عن الحقوق وعن الدين بحجة الفقر والبلاء وفقد الأحبة والأوطان وقلة المؤنة والعتاد وما إلى ذلك، فسارعت الأُمة في اليهود والنصارى تطبيعاً وموالاة، إلا أقل القليل ممن أنكر ذلك وحاربه، حتى صار دين الأُمة هو العلمانية الرأسمالية تحت مسميات براقة عن الوسطية والديمقراطية والحريات، بل إن الكثير منها يعترض على مبادأة الكفار بالقتال والحرب وعلى ضرب الرأسمالية في أمريكا وغيرها معتبراً ذلك إرهاباً.
فأُمةٌ هذه حالها كيف يقال عنها أنها منصورة لا مهزومة؟!!. ومن عوامل النصر: بقاء الجهاد في أُمة الإسلام من غير انقطاع، ففي الحديث (وما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بعذاب) وفيه أيضاً (وتركتم الجهاد في سبيل الله ليُذلنكم الله بذلة في أعناقكم) فأين هو الجهاد في سبيل الله في حياة الأُمة؟ لقد تحول مفهوم الجهاد في سبيل الله إلى مفاهيم مغلوطة مرفوضة شرعاً، فمن المسلمين من يعتبره إرهاباً، ومنهم من يعتبره مقاومة في حال الاعتداء فقط، أما جهاد المبادأة والطلب فمرفوض أو قل فمعدوم منذ مئة عام تقريباً، ومنهم من يقول لا جهاد إلا بوجود الخليفة، ومنهم من لا يعتبر لوجود الجهاد ضرورة ما دام يمكن تبليغ الإسلام عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، ومنهم من يعتبر الجهاد مجاهدة النفس لا قتال الكفار، فأُمة هذه حالها لا يقال عنها أنها منصورة عزيزة غير ذليلة، ومن عوامل النصر المفقودة أيضاً: نصرة الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم) وذلك بالالتزام بشرعه والتقيد به مهما كلف الأمر، فعدم الالتزام به يعتبر معصية تجلب الهلكة والذلة والبلاء، وهذا من سنن الله تعالى في خلقه، قال الله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) وقال (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وقال (فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) وقال (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وقال (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وقال (ولا تنازعوا فتفشلوا) وفي الحديث (لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب) وفيه (ما من عبد ابتلي ببلية في الدنيا إلا بذنب) وفيه (وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري) وفيه أيضاً (خمس إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن) وذكر منها: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) وفي رواية ثانية ( ولا حكم أُمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم) وفيه ( إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه) وفي الأثر عن العباس رضي الله عنه(لا ينـزل بلاء إلا بذنب ولا يُكشف إلا بتوبة) إلى غير ذلك من الأدلة.
فالمتدبر لأحوال الأُمة اليوم يقطع بأن الأُمة تعيش عيشة الذلة والمهانة والقهر في كل مكان وُجدت فيه حتى لو كان في مكة والمدينة، كل ذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا فلا حول ولا قوة إلا بالله، أما ما يقال بأن ما نزل بأهل فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وغيرها من القهر والذلة وتسلط الكفار عليهم ليس بسبب ذنوبهم- ليدافع صاحب هذا القول عن المشايخ والحركات الإسلامية- فهو جاهل بسنن الله في خلقه وفي هذه النصوص آنفة الذكر، ويكفي للرد عليه أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير البرية وأصحابه قد هُزموا في معركة أُحد بسبب مخالفة واحدة وهي نـزول بعضهم عن الجبل، فاعدد يا مسلم يا عبد الله أخطاء الجماعات والأفراد والمشايخ والحكام والمحكومين ومخالفاتهم الشرعية، ولا أظنك تستطيع إحصاءها، فكيف نزعم أننا منصورون؟!! إن النصر الحقيقي الذي ينبغي على كل مسلم أن يسعى إليه هو ظهور الإسلام على الأديان كلها، أما نصر جماعة أو حزب أو شيخ أو زعيم هنا أو هناك في مناورة أو معركة أو مناظرة أو في برلمان فلا يسمى نصر أُمة، لأن الواقع يكذبه، فما زالت الأُمة رغم ذلك مستعبدة مستعمرة مفرقة في كل مكان وُجدت فيه ظهر أهل الباطل عليها.
ثم هنالك أمر آخر لا يقل خطراً عن الذي قبله يشيعه البعض أن الناس اليوم فُسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ليوهم نفسه أن الأُمة اليوم منصورة، بل ويجعل كل واحد منهم جماعته وحزبه هو فسطاط الإيمان، وهذا يعني أن ما عداه ولو كان من الجماعات الإسلامية فسطاط نفاق، وهذه دعوة إلى الفرقة والتمايز عن بقية الأُمة، وهي شبيهة بمن ادعى ويدعي أنه الطائفة المنصورة وأنه الفرقة الناجية، وهذا كله تأل على الله تعالى، نعوذ بالله من البهتان، وفيه دليل على أنه ليست كل الأُمة منصورة على فرض صدق دعواه.
أيها المسلمون: فبعد أن عرفنا عوامل النصر والهزيمة، وضوابط التفاؤل والتشاؤم، يمكن أن نقول كلاماً فيه تشاؤم ولو لم يكن القائل متشائماً، فمثلا قول القائل: إن الأُمة مادامت غارقة في المعاصي والمخالفات الشرعية وإن صامت وإن صلت فلن تنتصر وستظل مهزومة وفق ما ذُكر من الأدلة آنفاً، فهو في الحقيقة وإن فهم منه أنه تشاؤم لكنه وصف لواقع الأُمة مع هذه الأدلة في هذا العصر.
أما التفاؤل: فنقول للمتفائل نعم أُمتنا هي أُمة النصر ولكن بشروط وقيود، فإذا تمسكت الأُمة بدينها وتقيدت به في كل أمر في حياتها دون حيد عنه قيد شعرة، ودون زيادة أو نقصان، ودون تأثر بشرق ولا بغرب، ولا بمصلحة أو منفعة، فقد أخبر الله تعالى أن الدين سيظهر وسينتصر على الأديان كلها ولو بعد حين رغماً عن أُنوف البشر كلهم، فقال: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) وقال (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) والشاهد الذي يدلل على التفاؤل في هذه الآيات أن دين الإسلام ومنذ أربعة عشر قرناً من الزمان لم يظهر بعد على الأديان كلها، فها هي الأديان ما زالت قائمة لأن معنى ظهوره عليها أن لا يبقى في الوجود دين غير دين الإسلام، فهذه أُولى البشارات الداعية إلى التفاؤل وأظننا على أبوابها فهي ستكون في عصر الإمام المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام، لأن عصرهما سيكون عصر القتال على الإسلام وعصر التجديد والتمسك بشرع الله والتقيد به ونبذ ما عداه، وأن أصحابهما سيكونون كأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في التقوى والورع والصلابة في الدين، أما البشارة الثانية: فهي أننا موعودون بدولة كدولة الخلفاء الراشدين على منهاج النبوة، زعيمها وأميرها شخص يُصنع على عين الله يُصلحه الله في ليلة واحدة، مؤيد من الله تعالى، أخلاقه كأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يوحد الأُمة كلها شعوباً وأحزاباً في أُمة واحدة تحت راية واحدة وحاكم واحد، يعلن الجهاد في سبيل الله ويحرر العباد والبلاد، وأظنكم عرفتموه، فهو خاتمة الخلفاء الإثني عشر الذين جاء ذكرهم في السنة، والبشارة الثالثة: أن بيت المقدس سيحرر وسيكون دار الخلافة الإسلامية، والبشارة الرابعة: أن عيسى عليه السلام سينـزل من السماء لنصرة المسلمين والقضاء على الدجال وعلى أتباعه اليهود قضاء مبرماً لا تقوم لهم بعده قائمة، والبشارة الخامسة: أننا موعودون بفتح روما حظيرة الفاتكان معقل النصرانية، والبشارة السادسة: أننا سنملك الأرض كل الأرض في عصر الإمام الموعود، والبشارة السابعة: أن ديننا سيبلغ ما بلغ الليل والنهار ولو بعد حين، فهل يبقى بعد كل هذا لمتشائم قول؟! فثقوا أيها المسلمون بوعد الله ونصره، وما عليكم إلا أن تكونوا خير أمة أُخرجت للناس بشرطيها لتحظوا بهذا النصر، ثم (إنما توعدون لآت) (وكل ما هو آت قريب) الله أكبر الله اكبر الله أكبر.
أنصار العمل الإسلامي الموحد
بيت المقدس- السابع عشر من رمضان- 1431هـ
أيها المسلمون:
يتحدث البعض من مشايخ وغير مشايخ على المنابر وفي الفضائيات عن التفاؤل والتشاؤم، ولكنه على العادة لا يخرج عن متبنى وقانون حركته أو حزبه أو نظام بلده، فلا يفيد الأُمة إلا بما يريده حزبه أو جماعته أو فئته أو نظامه.
فنقول وبتجرد: هنالك من فرّط بالتفاؤل وأفرط بالتشاؤم فقال: هذه أُمة لا تستحق النصر ولا يمكن أن تنصر أبدا وبدون قيد أو شرط، وذلك من فرط ما يراه من الذلة والمهانة والظلم والبعد عن الدين. وهنالك من فرط بالتشاؤم وألغاه، وأفرط بالتفاؤل فبالغ فيه فقال: إن هذه الأُمة ليست مهزومة ولا يمكن أن تهزم أبداً، وذلك لرؤياه كثرة المساجد والمصلين والمشايخ والفضائيات الوعظية وكثرة الكتب والمؤلفات الإسلامية وغير ذلك.
والصواب من القول: إن التفاؤل والتشاؤم مسألة نسبية من شخص لآخر ومن مجموعة وبيئة لأُخرى، فمجموعة أو شعب من كثرة ما يرى من الذل والظلم والاضطهاد الذي نزل به استبعد من حياته التفاؤل واستيأس النصر واستبعده، بخلاف مجموعة أو شعب آخر لم ير الذل والظلم قط في حياته أو رأى شيئاً يسيراً فهو متفاؤل غير متشائم، وهذا شبيه بحال الأنبياء، فمنهم من استيأس نصر الناس له ولم يحصل عليه كنوح عليه السلام، ومنهم من حصل عليه كمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكأصحابه رضي الله عنهم.
ثم إن القول بأن أُمتنا أُمة منصورة على الإطلاق أو أنها مهزومة على الإطلاق ليس صحيحاً، لأن للنصر عناصر وعوامل إن حصلت عليها الأُمة فهي منصورة بإذن الله وإلا فلا، فمن ذلك: الوحدة والائتلاف فيما بينها، قال الله تعالى(ولا تنازعوا فتفشلوا) وفي الحديث (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) غير أن الواقع الذي أصبح شائعاً في أُمة الإسلام في هذا العصر أنها أُمة مفرقة متنازعة إقليمياً وفكرياً وسياسياً حتى على مستوى الجماعات الإسلامية، فكيف تنتصر أُمةٌ هذه حالها منذ مئة عام تقريباً؟!!. ومن عوامل النصر: الصبر على المحن والشدائد، قال الله تعالى (ولقد كُذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذّبوا وأُذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله) وقال (واصبروا إن الله مع الصابرين) وفي الحديث ( إن النصر مع الصبر) غير أن هذا أيضاً غير موجود في حياة الأُمة، فقد أصبحنا نرى ونسمع عياناً جهاراً نهارا كيف تُروض الأُمة على لسان حكامها وقادتها وكثير من مشايخها لتقبل أي شيء ولو كان فيه التنازل عن الحقوق وعن الدين بحجة الفقر والبلاء وفقد الأحبة والأوطان وقلة المؤنة والعتاد وما إلى ذلك، فسارعت الأُمة في اليهود والنصارى تطبيعاً وموالاة، إلا أقل القليل ممن أنكر ذلك وحاربه، حتى صار دين الأُمة هو العلمانية الرأسمالية تحت مسميات براقة عن الوسطية والديمقراطية والحريات، بل إن الكثير منها يعترض على مبادأة الكفار بالقتال والحرب وعلى ضرب الرأسمالية في أمريكا وغيرها معتبراً ذلك إرهاباً.
فأُمةٌ هذه حالها كيف يقال عنها أنها منصورة لا مهزومة؟!!. ومن عوامل النصر: بقاء الجهاد في أُمة الإسلام من غير انقطاع، ففي الحديث (وما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بعذاب) وفيه أيضاً (وتركتم الجهاد في سبيل الله ليُذلنكم الله بذلة في أعناقكم) فأين هو الجهاد في سبيل الله في حياة الأُمة؟ لقد تحول مفهوم الجهاد في سبيل الله إلى مفاهيم مغلوطة مرفوضة شرعاً، فمن المسلمين من يعتبره إرهاباً، ومنهم من يعتبره مقاومة في حال الاعتداء فقط، أما جهاد المبادأة والطلب فمرفوض أو قل فمعدوم منذ مئة عام تقريباً، ومنهم من يقول لا جهاد إلا بوجود الخليفة، ومنهم من لا يعتبر لوجود الجهاد ضرورة ما دام يمكن تبليغ الإسلام عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، ومنهم من يعتبر الجهاد مجاهدة النفس لا قتال الكفار، فأُمة هذه حالها لا يقال عنها أنها منصورة عزيزة غير ذليلة، ومن عوامل النصر المفقودة أيضاً: نصرة الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم) وذلك بالالتزام بشرعه والتقيد به مهما كلف الأمر، فعدم الالتزام به يعتبر معصية تجلب الهلكة والذلة والبلاء، وهذا من سنن الله تعالى في خلقه، قال الله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) وقال (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وقال (فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) وقال (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وقال (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وقال (ولا تنازعوا فتفشلوا) وفي الحديث (لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب) وفيه (ما من عبد ابتلي ببلية في الدنيا إلا بذنب) وفيه (وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري) وفيه أيضاً (خمس إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن) وذكر منها: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) وفي رواية ثانية ( ولا حكم أُمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم) وفيه ( إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه) وفي الأثر عن العباس رضي الله عنه(لا ينـزل بلاء إلا بذنب ولا يُكشف إلا بتوبة) إلى غير ذلك من الأدلة.
فالمتدبر لأحوال الأُمة اليوم يقطع بأن الأُمة تعيش عيشة الذلة والمهانة والقهر في كل مكان وُجدت فيه حتى لو كان في مكة والمدينة، كل ذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا فلا حول ولا قوة إلا بالله، أما ما يقال بأن ما نزل بأهل فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وغيرها من القهر والذلة وتسلط الكفار عليهم ليس بسبب ذنوبهم- ليدافع صاحب هذا القول عن المشايخ والحركات الإسلامية- فهو جاهل بسنن الله في خلقه وفي هذه النصوص آنفة الذكر، ويكفي للرد عليه أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير البرية وأصحابه قد هُزموا في معركة أُحد بسبب مخالفة واحدة وهي نـزول بعضهم عن الجبل، فاعدد يا مسلم يا عبد الله أخطاء الجماعات والأفراد والمشايخ والحكام والمحكومين ومخالفاتهم الشرعية، ولا أظنك تستطيع إحصاءها، فكيف نزعم أننا منصورون؟!! إن النصر الحقيقي الذي ينبغي على كل مسلم أن يسعى إليه هو ظهور الإسلام على الأديان كلها، أما نصر جماعة أو حزب أو شيخ أو زعيم هنا أو هناك في مناورة أو معركة أو مناظرة أو في برلمان فلا يسمى نصر أُمة، لأن الواقع يكذبه، فما زالت الأُمة رغم ذلك مستعبدة مستعمرة مفرقة في كل مكان وُجدت فيه ظهر أهل الباطل عليها.
ثم هنالك أمر آخر لا يقل خطراً عن الذي قبله يشيعه البعض أن الناس اليوم فُسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ليوهم نفسه أن الأُمة اليوم منصورة، بل ويجعل كل واحد منهم جماعته وحزبه هو فسطاط الإيمان، وهذا يعني أن ما عداه ولو كان من الجماعات الإسلامية فسطاط نفاق، وهذه دعوة إلى الفرقة والتمايز عن بقية الأُمة، وهي شبيهة بمن ادعى ويدعي أنه الطائفة المنصورة وأنه الفرقة الناجية، وهذا كله تأل على الله تعالى، نعوذ بالله من البهتان، وفيه دليل على أنه ليست كل الأُمة منصورة على فرض صدق دعواه.
أيها المسلمون: فبعد أن عرفنا عوامل النصر والهزيمة، وضوابط التفاؤل والتشاؤم، يمكن أن نقول كلاماً فيه تشاؤم ولو لم يكن القائل متشائماً، فمثلا قول القائل: إن الأُمة مادامت غارقة في المعاصي والمخالفات الشرعية وإن صامت وإن صلت فلن تنتصر وستظل مهزومة وفق ما ذُكر من الأدلة آنفاً، فهو في الحقيقة وإن فهم منه أنه تشاؤم لكنه وصف لواقع الأُمة مع هذه الأدلة في هذا العصر.
أما التفاؤل: فنقول للمتفائل نعم أُمتنا هي أُمة النصر ولكن بشروط وقيود، فإذا تمسكت الأُمة بدينها وتقيدت به في كل أمر في حياتها دون حيد عنه قيد شعرة، ودون زيادة أو نقصان، ودون تأثر بشرق ولا بغرب، ولا بمصلحة أو منفعة، فقد أخبر الله تعالى أن الدين سيظهر وسينتصر على الأديان كلها ولو بعد حين رغماً عن أُنوف البشر كلهم، فقال: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) وقال (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) والشاهد الذي يدلل على التفاؤل في هذه الآيات أن دين الإسلام ومنذ أربعة عشر قرناً من الزمان لم يظهر بعد على الأديان كلها، فها هي الأديان ما زالت قائمة لأن معنى ظهوره عليها أن لا يبقى في الوجود دين غير دين الإسلام، فهذه أُولى البشارات الداعية إلى التفاؤل وأظننا على أبوابها فهي ستكون في عصر الإمام المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام، لأن عصرهما سيكون عصر القتال على الإسلام وعصر التجديد والتمسك بشرع الله والتقيد به ونبذ ما عداه، وأن أصحابهما سيكونون كأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في التقوى والورع والصلابة في الدين، أما البشارة الثانية: فهي أننا موعودون بدولة كدولة الخلفاء الراشدين على منهاج النبوة، زعيمها وأميرها شخص يُصنع على عين الله يُصلحه الله في ليلة واحدة، مؤيد من الله تعالى، أخلاقه كأخلاق النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يوحد الأُمة كلها شعوباً وأحزاباً في أُمة واحدة تحت راية واحدة وحاكم واحد، يعلن الجهاد في سبيل الله ويحرر العباد والبلاد، وأظنكم عرفتموه، فهو خاتمة الخلفاء الإثني عشر الذين جاء ذكرهم في السنة، والبشارة الثالثة: أن بيت المقدس سيحرر وسيكون دار الخلافة الإسلامية، والبشارة الرابعة: أن عيسى عليه السلام سينـزل من السماء لنصرة المسلمين والقضاء على الدجال وعلى أتباعه اليهود قضاء مبرماً لا تقوم لهم بعده قائمة، والبشارة الخامسة: أننا موعودون بفتح روما حظيرة الفاتكان معقل النصرانية، والبشارة السادسة: أننا سنملك الأرض كل الأرض في عصر الإمام الموعود، والبشارة السابعة: أن ديننا سيبلغ ما بلغ الليل والنهار ولو بعد حين، فهل يبقى بعد كل هذا لمتشائم قول؟! فثقوا أيها المسلمون بوعد الله ونصره، وما عليكم إلا أن تكونوا خير أمة أُخرجت للناس بشرطيها لتحظوا بهذا النصر، ثم (إنما توعدون لآت) (وكل ما هو آت قريب) الله أكبر الله اكبر الله أكبر.
أنصار العمل الإسلامي الموحد
بيت المقدس- السابع عشر من رمضان- 1431هـ