أبو محمد الراشد
23-07-2008, 12:51 PM
ما كادت سنة 1957 تنتهي حتى وجد حزب التحرير نفسه يتطلع إلى البدء بطرق باب المجتمع ، وكان أثر هذا السير الرائع أن ظل الحماس قوياً والاندفاع موجوداً لدى شباب الحزب، ووجد الإقبال على آراء الحزب، مع معارضتها بشدة.
وكان الناس ينتظرون التعليق الأسبوعي ، لا بل الكثير منهم بفارغ الصبر،أي أنه بدأ التفاعل الكامل مع الأمة، واشتد الصراع مع الناس ومع الأفكار الأخرى، حيث برزت آراء الحزب ،وصار السؤال عن الآراء السياسية في الأحداث من قبل المؤيدين ومن المعارضين والمهاجمين للحزب وآرائه على حد سواء، وصار شباب حزب التحرير يجدون أشياء جديدة ويأخذون معارف جديدة، ويكتسبون خبرات مما أوجد عند الكثير منهم التجربة السياسية الواعية الخلاقة، وصاروا يرنون ويتحسسون الاطلاع إلى الحكم . وصار الناس يرون في الحزب القابلية الفعلية لإستلام الحكم، ويقرنونه بالزعماء والحكام، فكان لا بد من التحسس بضرب العلاقات، فقام الحزب في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) سنة 1957 بتجربة عامة، استعمل فيها أسلوباٌ قوياُ في منشور عادي وحزم []على تنفيذ ذلك الأسلوب. مكما تسبب باخفاق عام في جميع المجال الذي يشتغل فيه ، وسقط من جراء تلك التجربة العشرات، وأظهر المئات العجز العجز الفاضح ، مما دلّ على أنّ جسم الحزب لا يتحمل ضرب العلاقات بشكل متتالي بمعنى عدم القدرة الحالية على طرق باب المجتمع. لأنه لم تكن النقلة لهذه الفترة طبيعية. وتوالى نشر البانات والتعليقات السياسية ونشرات التحريك. وصار يحدد أمكنة العمل والأعمال وتولى " عملية هز الشجرة لإسقاط النفل عنها " هزاً عنيفاُ لتطهير الحزب من " أعضاء الشرف " ، لكي يوجد صلابة حقيقية في جسم الحزب حتى ينتقل طبيعياً لبدء طرق باب المجتمع. حتى جاءت سنة 1958 وكانت الوحدة بين مصر وسوريا، وثورة لبنان، والانقلاب العراقي – 14 تموز 1958 – ووصلت الموجة المشاعرية التي اكتسحت المنطقة أعلى وأسخن حد لها.
فكان هذا كابوساً على الحزب وضغثاً على أبالة بالنسبة للناس حيث نالوا مطالبهم ، فلم يعد أحد حتى المثقفين مستعداً لأن يسمع فكراً او يناقش رأياً ، وكان امتحاناً لايمان شباب الحزب في فكرتهم وفي طريقتهم وبالتالي في حزبهم، فتزعزع ايمان الكثيرين وسقط من جسم الحزب عدد كبير جداً من أعضائه زادت نسبتهم عن 75% من مجموع شبابه. وعمّ الشك في آراء الحزب السياسية من قبل أكثر الباقين في الحزب الذين يؤمنون بالحزب وبطريقته، وبلغت شدّة حملة الناس على الحزب أوجها، لا سيما بعد الأعمال "العظيمة" التي تحققت على يد من يقول الحزب عنهم أنهم عملاء مثل جمال عبد الناصر حاكم مصر. ولكنّ هذا لم يوقف الحزب ولا للحظة واحدة، في حين أنّه ظلّ من شهر شباط سنة 1958 يمشي وهو في مكانه ، بمعنى أنّه يقوم بالأعمال دون أن يوجد أي تأثير يذكر حتى ولا في شبابه، إلا أن سيره رغم ذلك أوجب عدم الانتكاس أي منتجاً بقاءه يعمل ليس غير. لأنّ سيره في المجتمع كان كالمجدّف ضد التيار إذا لم يستمر بالتجديف فسيرجع للوراء. وقد شمل جميع الشباب التهيب من الناس ، وشمل جميع الناس سوء الظن بالحزب واتهامهم له ، وصار أهل كثيرين من الشباب يعيرون بأبنائهم أنّهم من حزب التحرير. ورغم كلّ هذا فقد استمر الحزب بالعمل بقوة وبلا كلل أو ملل، وكأنّه ليس هناك شئ ، فيقوم شبابه بأعمال الحزب في هذا الجو القاتم : يُضرَبونَ وَيُشْتَمونَ ويُلحَقُ بهم الأذى حتى من أضعف الناس، وهم على أشدّ ما يكونون من قوة الايمان بالرغم من تسرب سوء الظن بآراء الحزب السياسية ، وسوء الظن بالأساليب والوسائل التي يستعملها الحزب ، فكان ذلك مجوهرات لجسم الحزب مثبتاً ايمان المؤمنين.
أزمة عبد الناصر، وكانت القشة التي كادت أن تقصم ظهر البعير، لولا أنّ الله قد تكفل بحفظ دعوته، وأزمة عبد الناصر كانت أنّ عبد الناصر قد استطاع الهاب مشاعر الناس بخطب مبتذلة وبأعمال استهوتهم ، كتأميم شركة قنال السويس ، وكسد اسوان العالي، والهجوم الثلاثي على غزة وسيناء من قبل انجلترا وفرنسا ويهود، ثم قيام الوحدة بين مصر وسوريا. وعدائه السافر لحسين ملك الأردن، ونوري السعيد في العراق، والملك سعود في الحجاز ونجد، وكلهم كان مكروهاً من الناس، كل تلك الحوادث وشبيهاتها، ألهبت مشاعر الناس ، حتى أن عبد الناصر وصل لمرحلة تسميته بلقب " معبود الجماهير " مما أوصل بعضهم لدرجة مشابهة عبادته دون الله، وفي خضم كل تلك الأحداث كان موقف الحزب مكن عبد الناصر أن يعلن على رؤس الأشهاد أنه عميل أمريكي ، وأن يكشف عمالته ومؤامراته في بيانات ونشرات توزع على الناس مما أوجد كراهية عارمة للحزب عند عامة الناس وخاصتهم، إذ كان الحزب هو الفئة الوحيدة من دون الأمة الذي رفع صوته منبهاً الأمة ومحذراً ً لها من عبد الناصر وعمالته لأمريكا، في الوقت الذي كان فيه مجموع الأمة بأحزابها ومؤسساتها وتنظيماتها تسبح بحمد الرجل وتعدد مناقبه وجولاته الدونكوشوتيه.
استمرت عاصفة أزمة عبد الناصر سنون طوال عجاف، لم يتقدم الحزب قيد أنملة ، والعكس هو الصحيح فقد أفقدته الأزمة كماً هائلاً من شبابه، استهواهم حب عبد الناصر، فتنحوا عن الطريق، وأذهب عقولهم هوى حب عبد الناصر ، ليخرجوا من الحزب الذي خالف اجماع الأمة وتحدى مشاعر الجميع.
كان هذا ملخص الأزمة عبد الناصر ، كما عشتها وعاصرتها ، وعاشها وعاصرها شباب الحزب وشيوخه. ولبيان سبب اصرار الحزب التمسك بموقفه السلبي من عبد الناصر وعدم الخضوع للموجة العارمة المؤيدة له، لا بد من الرجوع لما جاء في كتاب " التكتل الحزبي " الصفحات 50 وما بعدها ، حيث يقول: ( يتعرض الحزب في هذه المرحلة ( مرحلة التفاعل مع الأمة ) إلى خطرين: خطر مبدئي ( أي على المبدأ ) وخطر طبقي. أمّا الخطر المبدئي فيأتي من تيار الجماعة، والرغبة في استجابة طلباتها الآنية الملحة، ويتأتى من تغلب الرواسب الموجودة في آراء جماعة على الفكرة الحزبية. وذلك أنّ الحزب حين يخوض غمار الحياة في المجتمع، يتصل بالجمهور للتفاعل معه، ولقيادته، في الوقت الذي يكون فيه الحزب مزوداً بمبدئه، يكون الجمهور قد اجتمعت فيه متناقضات من أفكار رجعية قديمة، ووراثات عن الجيل الغابر، ومن أفكار أجنبية خطرة، وتقليد للكافر المستعمر. فحين يقوم الحزب بعملية التفاعل مع الجمهور، يزوده بآراء الحزب وأفكاره، ويسعى جاهداً لتصحيح مفاهيمه، ولبعث العقيدة الإسلامية فيه، ولإيجاد الأجواء الصادقة، والعرف العام الصالح، بمفاهيم الحزب. وهذا يحتاج إلى الدّعوة وإلى الدِّعاية، حتى يجمع الأمَّة حوله على أساس المبدأ، بصورة تقوي في الأمة الايمان بالمبدأ، وتبعث فيها الثقة بمفاهيم الحزب، والإحترام والتقدير له، وتحملها على الإستعداد للطاعة والعمل. وحينئذ يكون من واجب الحزب الإكثار من شبابه المؤمنين الموثوق بهم بين الأمة، ليظلوا قابضين على زمامها، كالضباط في الجيش. فإذا نجح الحزب بهذه المرحلة من التفاعل قاد الأمة إلى الغاية التي يريدها ضمن حدود المبدأ، وأمن خروج القطار عن الخط.
أمّا إذا قاد الحزب الجمهور قبل أن يكتمل التفاعل معه وقبل أن يوجد الرأي العام عند الأمّة، فإنّ قيادته تكون لا بأحكام المبدأ وأفكاره بل بتشخيص ما يجيش في نفس الأمّة وبإثارة عاطفتها وتصوير مطالبها قريبة في متناول يدها. إلاّ أنّ هذا الجمهور لا تنعدم منه في هذه الحالة مشاعره الأولى كالوطنية والقومية والروحيّة الكهنوتيّة، وتكون الحالات الجماعية مثيرة لها، فتظهر حينئذٍ فيه العنعنات التافهة كالطائفية والمذهبية، والأفكار القديمة كالإستقلال والحرية والنعرات الفاسدة كالعنصرية والعائلية، فيبدأ التناقض بينه وبين الحزب لأنّه يفرض لنفسه مطالب لا تتفق مع المبدأ وينادي بغايات آنية مضرة للأمة، ويتحمس لهذه المطالب ويزداد هياجه لتحقيقها، وتظهر فيه نعرات متعدده. وفي هذه الحال يكون موقف الحزب بين نارين: إحداهما التعرض لغضب الأمّة ونقمتها وهدم ما بناه من السيطرة على الجماعة. والأخرى التعرض للإنحياز عن مبدئه والتساهل فيه. وكلا الشيئين فيه خطر عليه. ولذلك كان على رجال الحزب إذا تعارض الأمر بين الجمهور والمبدأ أن يتمسكوا بالمبدأ ولو تعرضوا لنقمة الأمّة لأنها نقمة مؤقتة. وثباتهم على المبدأ سيعيد لهم ثقة الأمّة. وليحذروا من مخالفة المبدأ والحيد عن جوهره قيد شعرة لأنّه هو حياة الحزب وهو الذي يضمن له البقاء. ولإتقاء مثل هذه المواقف الحرجة ولدفع مثل هذا الخطر على الحزب ان يجتهد في سقي الأمّة بمبدئه، والمحافظة على وضوح أفكار الحزب ومفاهيمه، والعمل على بقاء أجوائها مسيطرة على الأمة. وَيُسَهِّلُ ذلك العنايةُ بفترة التثقيف عناية فائقة، والإهتمام بالثقافة الجماعية اهتماماً زائداً، والحرصُ على كشف خطط الإستعمار كشفاً دقيقاً، ودوام السَّهِر على الأمّة ومصالحها، والإنصهارُ بالمبدأ والحزب انصهاراً تامّاً، ودوامُ التنقيب في أفكار الحزب ومفاهيمه لبقائها صافية، وبذلُ أقصى جهد مستطاع في ذلك كله مهما كلّف هذا من جهد وعناء.)
أرسلت في 26-6-1429 هـ بواسطة أبو عبد الرحيم
وكان الناس ينتظرون التعليق الأسبوعي ، لا بل الكثير منهم بفارغ الصبر،أي أنه بدأ التفاعل الكامل مع الأمة، واشتد الصراع مع الناس ومع الأفكار الأخرى، حيث برزت آراء الحزب ،وصار السؤال عن الآراء السياسية في الأحداث من قبل المؤيدين ومن المعارضين والمهاجمين للحزب وآرائه على حد سواء، وصار شباب حزب التحرير يجدون أشياء جديدة ويأخذون معارف جديدة، ويكتسبون خبرات مما أوجد عند الكثير منهم التجربة السياسية الواعية الخلاقة، وصاروا يرنون ويتحسسون الاطلاع إلى الحكم . وصار الناس يرون في الحزب القابلية الفعلية لإستلام الحكم، ويقرنونه بالزعماء والحكام، فكان لا بد من التحسس بضرب العلاقات، فقام الحزب في شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) سنة 1957 بتجربة عامة، استعمل فيها أسلوباٌ قوياُ في منشور عادي وحزم []على تنفيذ ذلك الأسلوب. مكما تسبب باخفاق عام في جميع المجال الذي يشتغل فيه ، وسقط من جراء تلك التجربة العشرات، وأظهر المئات العجز العجز الفاضح ، مما دلّ على أنّ جسم الحزب لا يتحمل ضرب العلاقات بشكل متتالي بمعنى عدم القدرة الحالية على طرق باب المجتمع. لأنه لم تكن النقلة لهذه الفترة طبيعية. وتوالى نشر البانات والتعليقات السياسية ونشرات التحريك. وصار يحدد أمكنة العمل والأعمال وتولى " عملية هز الشجرة لإسقاط النفل عنها " هزاً عنيفاُ لتطهير الحزب من " أعضاء الشرف " ، لكي يوجد صلابة حقيقية في جسم الحزب حتى ينتقل طبيعياً لبدء طرق باب المجتمع. حتى جاءت سنة 1958 وكانت الوحدة بين مصر وسوريا، وثورة لبنان، والانقلاب العراقي – 14 تموز 1958 – ووصلت الموجة المشاعرية التي اكتسحت المنطقة أعلى وأسخن حد لها.
فكان هذا كابوساً على الحزب وضغثاً على أبالة بالنسبة للناس حيث نالوا مطالبهم ، فلم يعد أحد حتى المثقفين مستعداً لأن يسمع فكراً او يناقش رأياً ، وكان امتحاناً لايمان شباب الحزب في فكرتهم وفي طريقتهم وبالتالي في حزبهم، فتزعزع ايمان الكثيرين وسقط من جسم الحزب عدد كبير جداً من أعضائه زادت نسبتهم عن 75% من مجموع شبابه. وعمّ الشك في آراء الحزب السياسية من قبل أكثر الباقين في الحزب الذين يؤمنون بالحزب وبطريقته، وبلغت شدّة حملة الناس على الحزب أوجها، لا سيما بعد الأعمال "العظيمة" التي تحققت على يد من يقول الحزب عنهم أنهم عملاء مثل جمال عبد الناصر حاكم مصر. ولكنّ هذا لم يوقف الحزب ولا للحظة واحدة، في حين أنّه ظلّ من شهر شباط سنة 1958 يمشي وهو في مكانه ، بمعنى أنّه يقوم بالأعمال دون أن يوجد أي تأثير يذكر حتى ولا في شبابه، إلا أن سيره رغم ذلك أوجب عدم الانتكاس أي منتجاً بقاءه يعمل ليس غير. لأنّ سيره في المجتمع كان كالمجدّف ضد التيار إذا لم يستمر بالتجديف فسيرجع للوراء. وقد شمل جميع الشباب التهيب من الناس ، وشمل جميع الناس سوء الظن بالحزب واتهامهم له ، وصار أهل كثيرين من الشباب يعيرون بأبنائهم أنّهم من حزب التحرير. ورغم كلّ هذا فقد استمر الحزب بالعمل بقوة وبلا كلل أو ملل، وكأنّه ليس هناك شئ ، فيقوم شبابه بأعمال الحزب في هذا الجو القاتم : يُضرَبونَ وَيُشْتَمونَ ويُلحَقُ بهم الأذى حتى من أضعف الناس، وهم على أشدّ ما يكونون من قوة الايمان بالرغم من تسرب سوء الظن بآراء الحزب السياسية ، وسوء الظن بالأساليب والوسائل التي يستعملها الحزب ، فكان ذلك مجوهرات لجسم الحزب مثبتاً ايمان المؤمنين.
أزمة عبد الناصر، وكانت القشة التي كادت أن تقصم ظهر البعير، لولا أنّ الله قد تكفل بحفظ دعوته، وأزمة عبد الناصر كانت أنّ عبد الناصر قد استطاع الهاب مشاعر الناس بخطب مبتذلة وبأعمال استهوتهم ، كتأميم شركة قنال السويس ، وكسد اسوان العالي، والهجوم الثلاثي على غزة وسيناء من قبل انجلترا وفرنسا ويهود، ثم قيام الوحدة بين مصر وسوريا. وعدائه السافر لحسين ملك الأردن، ونوري السعيد في العراق، والملك سعود في الحجاز ونجد، وكلهم كان مكروهاً من الناس، كل تلك الحوادث وشبيهاتها، ألهبت مشاعر الناس ، حتى أن عبد الناصر وصل لمرحلة تسميته بلقب " معبود الجماهير " مما أوصل بعضهم لدرجة مشابهة عبادته دون الله، وفي خضم كل تلك الأحداث كان موقف الحزب مكن عبد الناصر أن يعلن على رؤس الأشهاد أنه عميل أمريكي ، وأن يكشف عمالته ومؤامراته في بيانات ونشرات توزع على الناس مما أوجد كراهية عارمة للحزب عند عامة الناس وخاصتهم، إذ كان الحزب هو الفئة الوحيدة من دون الأمة الذي رفع صوته منبهاً الأمة ومحذراً ً لها من عبد الناصر وعمالته لأمريكا، في الوقت الذي كان فيه مجموع الأمة بأحزابها ومؤسساتها وتنظيماتها تسبح بحمد الرجل وتعدد مناقبه وجولاته الدونكوشوتيه.
استمرت عاصفة أزمة عبد الناصر سنون طوال عجاف، لم يتقدم الحزب قيد أنملة ، والعكس هو الصحيح فقد أفقدته الأزمة كماً هائلاً من شبابه، استهواهم حب عبد الناصر، فتنحوا عن الطريق، وأذهب عقولهم هوى حب عبد الناصر ، ليخرجوا من الحزب الذي خالف اجماع الأمة وتحدى مشاعر الجميع.
كان هذا ملخص الأزمة عبد الناصر ، كما عشتها وعاصرتها ، وعاشها وعاصرها شباب الحزب وشيوخه. ولبيان سبب اصرار الحزب التمسك بموقفه السلبي من عبد الناصر وعدم الخضوع للموجة العارمة المؤيدة له، لا بد من الرجوع لما جاء في كتاب " التكتل الحزبي " الصفحات 50 وما بعدها ، حيث يقول: ( يتعرض الحزب في هذه المرحلة ( مرحلة التفاعل مع الأمة ) إلى خطرين: خطر مبدئي ( أي على المبدأ ) وخطر طبقي. أمّا الخطر المبدئي فيأتي من تيار الجماعة، والرغبة في استجابة طلباتها الآنية الملحة، ويتأتى من تغلب الرواسب الموجودة في آراء جماعة على الفكرة الحزبية. وذلك أنّ الحزب حين يخوض غمار الحياة في المجتمع، يتصل بالجمهور للتفاعل معه، ولقيادته، في الوقت الذي يكون فيه الحزب مزوداً بمبدئه، يكون الجمهور قد اجتمعت فيه متناقضات من أفكار رجعية قديمة، ووراثات عن الجيل الغابر، ومن أفكار أجنبية خطرة، وتقليد للكافر المستعمر. فحين يقوم الحزب بعملية التفاعل مع الجمهور، يزوده بآراء الحزب وأفكاره، ويسعى جاهداً لتصحيح مفاهيمه، ولبعث العقيدة الإسلامية فيه، ولإيجاد الأجواء الصادقة، والعرف العام الصالح، بمفاهيم الحزب. وهذا يحتاج إلى الدّعوة وإلى الدِّعاية، حتى يجمع الأمَّة حوله على أساس المبدأ، بصورة تقوي في الأمة الايمان بالمبدأ، وتبعث فيها الثقة بمفاهيم الحزب، والإحترام والتقدير له، وتحملها على الإستعداد للطاعة والعمل. وحينئذ يكون من واجب الحزب الإكثار من شبابه المؤمنين الموثوق بهم بين الأمة، ليظلوا قابضين على زمامها، كالضباط في الجيش. فإذا نجح الحزب بهذه المرحلة من التفاعل قاد الأمة إلى الغاية التي يريدها ضمن حدود المبدأ، وأمن خروج القطار عن الخط.
أمّا إذا قاد الحزب الجمهور قبل أن يكتمل التفاعل معه وقبل أن يوجد الرأي العام عند الأمّة، فإنّ قيادته تكون لا بأحكام المبدأ وأفكاره بل بتشخيص ما يجيش في نفس الأمّة وبإثارة عاطفتها وتصوير مطالبها قريبة في متناول يدها. إلاّ أنّ هذا الجمهور لا تنعدم منه في هذه الحالة مشاعره الأولى كالوطنية والقومية والروحيّة الكهنوتيّة، وتكون الحالات الجماعية مثيرة لها، فتظهر حينئذٍ فيه العنعنات التافهة كالطائفية والمذهبية، والأفكار القديمة كالإستقلال والحرية والنعرات الفاسدة كالعنصرية والعائلية، فيبدأ التناقض بينه وبين الحزب لأنّه يفرض لنفسه مطالب لا تتفق مع المبدأ وينادي بغايات آنية مضرة للأمة، ويتحمس لهذه المطالب ويزداد هياجه لتحقيقها، وتظهر فيه نعرات متعدده. وفي هذه الحال يكون موقف الحزب بين نارين: إحداهما التعرض لغضب الأمّة ونقمتها وهدم ما بناه من السيطرة على الجماعة. والأخرى التعرض للإنحياز عن مبدئه والتساهل فيه. وكلا الشيئين فيه خطر عليه. ولذلك كان على رجال الحزب إذا تعارض الأمر بين الجمهور والمبدأ أن يتمسكوا بالمبدأ ولو تعرضوا لنقمة الأمّة لأنها نقمة مؤقتة. وثباتهم على المبدأ سيعيد لهم ثقة الأمّة. وليحذروا من مخالفة المبدأ والحيد عن جوهره قيد شعرة لأنّه هو حياة الحزب وهو الذي يضمن له البقاء. ولإتقاء مثل هذه المواقف الحرجة ولدفع مثل هذا الخطر على الحزب ان يجتهد في سقي الأمّة بمبدئه، والمحافظة على وضوح أفكار الحزب ومفاهيمه، والعمل على بقاء أجوائها مسيطرة على الأمة. وَيُسَهِّلُ ذلك العنايةُ بفترة التثقيف عناية فائقة، والإهتمام بالثقافة الجماعية اهتماماً زائداً، والحرصُ على كشف خطط الإستعمار كشفاً دقيقاً، ودوام السَّهِر على الأمّة ومصالحها، والإنصهارُ بالمبدأ والحزب انصهاراً تامّاً، ودوامُ التنقيب في أفكار الحزب ومفاهيمه لبقائها صافية، وبذلُ أقصى جهد مستطاع في ذلك كله مهما كلّف هذا من جهد وعناء.)
أرسلت في 26-6-1429 هـ بواسطة أبو عبد الرحيم