نائل سيد أحمد
31-08-2010, 07:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدار صدقة الفطر
منذ عشرات السنين وكثير من المسلمين وربما غالبيتهم لا يعرفون مقداراً لصدقة الفطر سوى صاع من قمح أو صاع من شعير ولا يتجاوز مقداره أحياناً كثيرة أكثر من دينارين أو ما يعادلهما بالعملات الأُخرى، وذلك في كل الأمصار تقريباً، فلا الأغنياء أخرجوا صدقة الفطر على الحقيقة ولا الفقراء حصلوا عليها، فحُرِم الأغنياء من الثواب المرجو من إخراجها، وحرم الفقراء من الاغتناء المطلوب من إخراجها.
أما صدقة الفطر المطلوبة شرعاً، فقد عينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أصناف في الدليل الراجح المشهور وهي: التمر والأقط (اللبن الجميد) والقمح والزبيب والشعير، فقد روى أصحاب السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأُنثى والصغير والكبير من المسلمين) وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال( كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب) ورواه الدارقطني عنه رضي الله عنه بلفظ( ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من دقيق أو صاعاً من تمر أو صاعاً من سلت (وهو الشعير الناعم) أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط) ورواه النسائي بلفظ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط) والصاع حسب مقادير العصر هو تسع أواق تقريباً، هذه هي الأجناس ومقاديرها التي تجب فيها صدقة الفطر، وتؤدى عينا عند الجمهور، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى جواز إخراجها بالقيمة.
وعليه فإن حصر زكاة الفطر في جنس واحد للغني والفقير وللحضري والبدوي لا دليل عليه من الشرع، بل فيه إهمال للأجناس الأُخرى التي وردت في الأحاديث وجعلها من غير فائدة، والقاعدة الأُصولية( إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما) فلا بد من إعمال بقية الأجناس المذكورة أي لا بد من إعمال كل جزء من الدليل وعدم إهمال شيء منه خصوصاً إذا كان في موضوع واحد كصدقة الفطر، لذا فذكر هذه الأصناف الخمسة في الحديث لم يكن عبثاً حتى نهملها ولا نأخذ إلا بواحدة منها فقط، أما إعمالها جميعها فعلى النحو التالي:
أولا: قال الله تعالى(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وقال (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) أي أن الفقير لا يكلف ما يكلفه الغني من الإنفاق وهذا نص عام في كل إنفاق ومنه صدقة الفطر، وقال أيضاً(لينفق ذو سعة من سعته) وهذا أيضا يشمل كل إنفاق فالعبرة بعموم اللفظ، أي أن من يقدر على إخراج صاع من أقط لا يعدل إلى إخراج صاع من قمح،وأن من يقدر على إخراج صاع من تمر لا يعد إلى إخراج صاع من قمح، وأن من يقدر على إخراج صاع من زبيب لا يعدل إلى إخراج صاع من شعير وهكذا، وأن من لا يقدر إلا على صاع من قمح أو شعير فقد أجزأه، وبذلك نكون قد أعملنا كل أجزاء الدليل من هذا الوجه وذلك بمراعاة قدرة الغني وقدرة الفقير.
ثانياً: إن الشرع الإسلامي طلب من الأُمة وجوباً أن تكون نفقتها مما تحب ومن أحسن وأجود ما تملك قال الله تعالى( لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون) فهذه الآية تعتبر تخصيصاً وتقييداً لعموم ومطلق حديث أجناس صدقة الفطر، فكما أن السنة تخصص عموم القرآن فإن القرآن يخصص عموم السنة أيضاً كما هو مقرر في علم أصول الفقه، أي أن من يُحب أجود هذه الأصناف المذكورة في حديث صدقة الفطر فقد وجب عليه إخراجها منها ولا يُجزؤه غيرها لأن الله تعالى نفى البر والثواب عنها حتى ينفق مما يحب منها، ويؤيده قول الله تعالى( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) وقوله في كفارة اليمين (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) أي أنفقوا من أجود وأطيب ما تأكلون من هذه الأجناس لا من أقلها جودة، وذلك كله مع مراعاة اعتبار القدرة والاستطاعة، ويؤيده أيضاً ما رواه الإمام أحمد وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تُطعموا المسكين مما لا تأكلون) وكذلك ما رواه النسائي وأبو داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) والحشف: اليابس من التمر.
ثالثا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب إغناء الفقراء في يوم الفطر فقال(إغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) رواه الدارقطني وغيره، فإذا حُصرت زكاة الفطر في جنس واحد من أجناسها للغني والفقير وكانت أدناها قيمة وأقلها جودة لم يحصل للفقير إغناء في هذا اليوم، ووقعنا في مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وعطلنا بقية ما ذكر في الحديث.
رابعاً: لقد جعل جمهور العلماء غالب قوت أهل البلد معياراً في اختيار صدقة الفطر، وبعضهم جعلها قوت نفسه، أي أن من كان قوت بلده التمر فلا يُجزؤه الشعير أو القمح، ومن كان قوته الأقط فلا يجزؤه الزبيب وهكذا، ثم لا يخفى على أحد من أهل العلم أن قوت أهل البادية غير قوت أهل المدينة، فما يجزئ لأهل المدن لا يجزئ لأهل البادية وبالعكس، مما يعني هذا كله أن الأُمة على مرّ عصورها فقيرها وغنيها، حضرها وبدوها قد عملت بجميع أجزاء الدليل في صدقة الفطر ولم تُهمل منه شيئاً، كل حسبما يقدر عليه وحسبما يقتاته. لذا ننصح كل من أخرج زكاة فطره أقل مما يجب حسب ما ذكرناه فلا بد أن يتمم ذلك ويخرجها على وجهها قبل انتهاء الشهر ليحصل على الأجر والثواب المرجو، والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.
محمد الشويكي-بيت المقدس / رمضان 1431هـ
* نقلاً عن جريدة القدس ص 20 الثلاثاء 21 رمضان بتصرف خاص .
مقدار صدقة الفطر
منذ عشرات السنين وكثير من المسلمين وربما غالبيتهم لا يعرفون مقداراً لصدقة الفطر سوى صاع من قمح أو صاع من شعير ولا يتجاوز مقداره أحياناً كثيرة أكثر من دينارين أو ما يعادلهما بالعملات الأُخرى، وذلك في كل الأمصار تقريباً، فلا الأغنياء أخرجوا صدقة الفطر على الحقيقة ولا الفقراء حصلوا عليها، فحُرِم الأغنياء من الثواب المرجو من إخراجها، وحرم الفقراء من الاغتناء المطلوب من إخراجها.
أما صدقة الفطر المطلوبة شرعاً، فقد عينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أصناف في الدليل الراجح المشهور وهي: التمر والأقط (اللبن الجميد) والقمح والزبيب والشعير، فقد روى أصحاب السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأُنثى والصغير والكبير من المسلمين) وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال( كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب) ورواه الدارقطني عنه رضي الله عنه بلفظ( ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من دقيق أو صاعاً من تمر أو صاعاً من سلت (وهو الشعير الناعم) أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط) ورواه النسائي بلفظ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط) والصاع حسب مقادير العصر هو تسع أواق تقريباً، هذه هي الأجناس ومقاديرها التي تجب فيها صدقة الفطر، وتؤدى عينا عند الجمهور، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى جواز إخراجها بالقيمة.
وعليه فإن حصر زكاة الفطر في جنس واحد للغني والفقير وللحضري والبدوي لا دليل عليه من الشرع، بل فيه إهمال للأجناس الأُخرى التي وردت في الأحاديث وجعلها من غير فائدة، والقاعدة الأُصولية( إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما) فلا بد من إعمال بقية الأجناس المذكورة أي لا بد من إعمال كل جزء من الدليل وعدم إهمال شيء منه خصوصاً إذا كان في موضوع واحد كصدقة الفطر، لذا فذكر هذه الأصناف الخمسة في الحديث لم يكن عبثاً حتى نهملها ولا نأخذ إلا بواحدة منها فقط، أما إعمالها جميعها فعلى النحو التالي:
أولا: قال الله تعالى(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وقال (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) أي أن الفقير لا يكلف ما يكلفه الغني من الإنفاق وهذا نص عام في كل إنفاق ومنه صدقة الفطر، وقال أيضاً(لينفق ذو سعة من سعته) وهذا أيضا يشمل كل إنفاق فالعبرة بعموم اللفظ، أي أن من يقدر على إخراج صاع من أقط لا يعدل إلى إخراج صاع من قمح،وأن من يقدر على إخراج صاع من تمر لا يعد إلى إخراج صاع من قمح، وأن من يقدر على إخراج صاع من زبيب لا يعدل إلى إخراج صاع من شعير وهكذا، وأن من لا يقدر إلا على صاع من قمح أو شعير فقد أجزأه، وبذلك نكون قد أعملنا كل أجزاء الدليل من هذا الوجه وذلك بمراعاة قدرة الغني وقدرة الفقير.
ثانياً: إن الشرع الإسلامي طلب من الأُمة وجوباً أن تكون نفقتها مما تحب ومن أحسن وأجود ما تملك قال الله تعالى( لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون) فهذه الآية تعتبر تخصيصاً وتقييداً لعموم ومطلق حديث أجناس صدقة الفطر، فكما أن السنة تخصص عموم القرآن فإن القرآن يخصص عموم السنة أيضاً كما هو مقرر في علم أصول الفقه، أي أن من يُحب أجود هذه الأصناف المذكورة في حديث صدقة الفطر فقد وجب عليه إخراجها منها ولا يُجزؤه غيرها لأن الله تعالى نفى البر والثواب عنها حتى ينفق مما يحب منها، ويؤيده قول الله تعالى( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) وقوله في كفارة اليمين (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) أي أنفقوا من أجود وأطيب ما تأكلون من هذه الأجناس لا من أقلها جودة، وذلك كله مع مراعاة اعتبار القدرة والاستطاعة، ويؤيده أيضاً ما رواه الإمام أحمد وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تُطعموا المسكين مما لا تأكلون) وكذلك ما رواه النسائي وأبو داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) والحشف: اليابس من التمر.
ثالثا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب إغناء الفقراء في يوم الفطر فقال(إغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) رواه الدارقطني وغيره، فإذا حُصرت زكاة الفطر في جنس واحد من أجناسها للغني والفقير وكانت أدناها قيمة وأقلها جودة لم يحصل للفقير إغناء في هذا اليوم، ووقعنا في مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وعطلنا بقية ما ذكر في الحديث.
رابعاً: لقد جعل جمهور العلماء غالب قوت أهل البلد معياراً في اختيار صدقة الفطر، وبعضهم جعلها قوت نفسه، أي أن من كان قوت بلده التمر فلا يُجزؤه الشعير أو القمح، ومن كان قوته الأقط فلا يجزؤه الزبيب وهكذا، ثم لا يخفى على أحد من أهل العلم أن قوت أهل البادية غير قوت أهل المدينة، فما يجزئ لأهل المدن لا يجزئ لأهل البادية وبالعكس، مما يعني هذا كله أن الأُمة على مرّ عصورها فقيرها وغنيها، حضرها وبدوها قد عملت بجميع أجزاء الدليل في صدقة الفطر ولم تُهمل منه شيئاً، كل حسبما يقدر عليه وحسبما يقتاته. لذا ننصح كل من أخرج زكاة فطره أقل مما يجب حسب ما ذكرناه فلا بد أن يتمم ذلك ويخرجها على وجهها قبل انتهاء الشهر ليحصل على الأجر والثواب المرجو، والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.
محمد الشويكي-بيت المقدس / رمضان 1431هـ
* نقلاً عن جريدة القدس ص 20 الثلاثاء 21 رمضان بتصرف خاص .