المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آية "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم"



ابو عمر الحميري
19-06-2010, 08:06 PM
هذا تفسير قوله تعالى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم ) مأخوذ من تفسير القرطبي :
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم

فيه مسألتان :

الأولى : " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " إنما قال " لها " لأن السلم مؤنثة . ويجوز أن يكون التأنيث للفعلة . والجنوح الميل . يقول : إن مالوا - يعني الذين نبذ إليهم عهدهم - إلى المسالمة , أي الصلح , فمل إليها . وجنح الرجل إلى الآخر : مال إليه , ومنه قيل للأضلاع جوانح , لأنها مالت على الحشوة . وجنحت الإبل : إذا مالت أعناقها في السير . وقال ذو الرمة : إذا مات فوق الرحل أحييت روحه بذكراك والعيس المراسيل جنح

وقال النابغة : جوانح قد أيقن أن قبيلة إذا ما التقى الجمعان أول غالب يعني الطير . وجنح الليل إذا أقبل وأمال أطنابه على الأرض . والسلم والسلام هو الصلح . وقرأ الأعمش وأبو بكر وابن محيصن والمفضل " للسلم " بكسر السين . الباقون بالفتح . وقد تقدم معنى ذلك في " البقرة " مستوفى . وقد يكون السلام من التسليم . وقرأ الجمهور " فاجنح " بفتح النون , وهي لغة تميم . وقرأ الأشهب العقيلي " فاجنح " بضم النون , وهي لغة قيس . قال ابن جني : وهذه اللغة هي القياس .

الثانية : وقد اختلف في هذه الآية , هل هي منسوخة أم لا . فقال قتادة وعكرمة : نسخها " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " [ التوبة : 5 ] . " وقاتلوا المشركين كافة " [ التوبة : 36 ] وقالا : نسخت براءة كل موادعة , حتى يقولوا لا إله إلا الله . ابن عباس : الناسخ لها " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم " [ محمد : 35 ] . وقيل : ليست بمنسوخة , بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية . وقد صالح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الأئمة كثيرا من بلاد العجم , على ما أخذوه منهم , وتركوهم على ما هم فيه , وهم قادرون على استئصالهم . وكذلك صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا من أهل البلاد على مال يؤدونه , من ذلك خيبر , رد أهلها إليها بعد الغلبة على أن يعملوا ويؤدوا النصف . قال ابن إسحاق : قال مجاهد عنى بهذه الآية قريظة , لأن الجزية تقبل منهم , فأما المشركون فلا يقبل منهم شيء . وقال السدي وابن زيد . : معنى الآية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم . ولا نسخ فيها . قال ابن العربي : وبهذا يختلف الجواب عنه , وقد قال الله عز وجل : " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم " [ محمد : 35 ] . فإذا كان المسلمون على عزة وقوة ومنعة , وجماعة عديدة , وشدة شديدة فلا صلح , كما قال : ش فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا و وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم ش وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح , لنفع يجتلبونه , أو ضرر يدفعونه , فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه . وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شروط نقضوها فنقض صلحهم . وقد صالح الضمري وأكيدر دومة وأهل نجران , وقد هادن قريشا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده . وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكة , وبالوجوه التي شرحناها عاملة . قال القشيري : إذا كانت القوة للمسلمين فينبغي ألا تبلغ الهدنة سنة . وإذا كانت القوة للكفار جاز مهادنتهم عشر سنين , ولا تجوز الزيادة . وقد هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عشر سنين . قال ابن المنذر : اختلف العلماء في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة عام الحديبية , فقال عروة : كانت أربع سنين . وقال ابن جريج : كانت ثلاث سنين . وقال ابن إسحاق : كانت عشر سنين . وقال الشافعي رحمه الله : لا تجوز مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين , على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية , فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة , لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية . وقال ابن حبيب عن مالك رضي الله عنه : تجوز مهادنة المشركين السنة والسنتين والثلاث , وإلى غير مدة . قال المهلب : إنما قاضاهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية التي ظاهرها الوهن على المسلمين , لسبب حبس الله ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة , حين توجه إليها فبركت . وقال : ( حبسها حابس الفيل ) . على ما خرجه البخاري من حديث المسور بن مخرمة . ودل على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم , إذا رأى ذلك الإمام وجها . ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال يبذلونه للعدو , لموادعة النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري , والحارث بن عوف المري يوم الأحزاب , على أن يعطيهما ثلث ثمر المدينة , وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلا قريشا , ويرجعا بقومهما عنهم . وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيا استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة , فقالا : يا رسول الله , هذا أمر تحبه فنصنعه لك , أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع , أو أمر تصنعه لنا ؟ فقال : ( بل أمر أصنعه لكم فإن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ) , فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله , والله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان , لا نعبد الله ولا نعرفه , وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة , إلا شراء أو قرى , فحين أكرمنا الله بالإسلام , وهدانا له وأعزنا بك , نعطيهم أموالنا ! والله لا نعطيهم إلا السيف , حتى يحكم الله بيننا وبينهم . فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( أنتم وذاك ) . وقال لعيينة والحارث : ( انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف ) . وتناول سعد الصحيفة , وليس فيها شهادة أن لا إله إلا الله فمحاها

سليم
20-06-2010, 01:12 PM
السلام عليكم
بارك الله بك أخي أبا عمر الحميري على هذا الموضوع...واسمح لي بإضافة بعض النكات:
1.معنى جنحوا مالوا,وهو مشتق من جناح الطير,لأن الطير إذا أراد أن ينزل مال بأحد جناحية حسب مراد نزوله يمينًا أو شمالًا.
2.جنح فعل متعدي بحرف إلى, فيقال "جنح إلى",وأما هنا فنلاحظ أنه عداه بلام ,وذلك لبيان أمر هام في جنحهم للسلم,وهذا الأمر أن يكونوا فعلًا قاصدين السلم وليس الحرب والخديعة,فخالف التعدي" المعهود" لبيان حقيقة ميلهم.
3.الآيات السابقة لهذه ذكرت المشركين وأهل الكتاب,فضمير " جنحوا " يعود إلى المشركين. أوإلى أهل الكتاب، أو إلى الفريقين كليهما.ونحن نعلم أن المشركين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو الموت,وأما في أهل الكتاب فالحكم باق,وبقاؤه يعني عدم نسخه,فالآية لم تنسخ,لأن الحكم يتبع حال المسلمين بين القوة والضعف,أو ما فيه مصلحة المسلمين, فإن كانت مصلحة المسلمين في الجنوح للسلم , جنحوا للسلم,وإلا ...لا.

ابو عمر الحميري
20-06-2010, 04:49 PM
اخي الكريم سليم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على توضيحاتك واحب ان اضيف ما يلي :
لفهم هذه الاية فهما صحيحا يجب ان تربط مع الايات التي قبلها من قوله تعالى ( إن شر الدواب
عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ........وهم لا يظلمون ) فمن هذه نستنتج ما ياي :
1- الكفار هم شر من الدواب لتعطيلهم عقولهم عن التفكر في مخلوقات الله للتوصل الى وجود الخالق المدبر والايمان به .
2- طبيعتهم نقض العهود والمواثيق فالحذر منهم واجب على الدوام .
3- وجوب ضربهم عند اللقاء في الحرب ضربات شديدة ترهب حتى من يسمع بها لتثنيهم عن مالتفكير بمهاجمة المسلمين .
4- وجوب الحذر من المعاهدين من الكفار من نفضهم العهد فإذا احس المسلمون ان الكفار يريدون او يفكرون بنقض العهد فيجب على المسلمين البدء بإلغاء العهد معهم وذلك بإبلاغهم ان العهد قد الغي ولا يجوز للمسلمين الغدر بهم .
4- يجب على المسلمين اعداد كل سلاح يرهب الكفار اعداء الله واعداء المسلمين الظاهرين والمخفيين فالأصل ان تكون الصناعة الحربية هي اساس الصناعات عند المسلمين .
بعد كل ما سبق إذا طلب الكفار الصلح من المسلمين وكان في ذلك مصلحة للمسلمين فيجوز اجابة طلبهم بعقد هدنة مؤقتة إذ ان الصلح الدائم لا يجوز لانه يعطل الجهاد ويوقف حمل الدعوة الى العالم وهذا لا يجوز .