المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا جاء ذكر"الرحمن" 16 مرة في سورة مريم؟



سليم
17-06-2010, 10:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


4.أكثر ما جاء ذكر "الرحمن" في سورة مريم حيث ورد ستة عشر مرة,وتليها سورة الزخرف سبع مرات,وأربع مرات في كل من سورة الملك,يس,الفرقان,الأنبياء,وطه,ومرتين في سورة النبأ, ومرة واحدة في كل من سورة الرحمن,ق,الشعراء, الإسراء,والرعد.
وأما الوجه البلاغي لتكرار اسم "الرحمن" في سورة مريم :
الملاحظ أن مضمون السورة مفعم بالرقة والحنان,ويفيض بالأحاسيس والمشاعر والوجدان,وهذه تستدعي الرحمة والعطف واللين,فوافقت ألفاظه الجو العام للسورة.
فنرى أن الله سبحانه وتعالى استهل السورة بذكر رحمة عبد من عباده الصالحين وأنبيائه الشاكرين,حيث يقول تعالى:" ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا",وختم السورة في الآية قبل الآخيرتين بذكر "الرحمن"إذ قال سبحانه وتعالى:" إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّا",ومعنى "سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً " أي يهب لهم ما يحبون والود والمحبة سواء، يقال: آتيت فلاناً محبته، وجعل لهم ما يحبون، وجعلت له وده، ومن كلامهم: يود لو كان كذا، ووددت أن لو كان كذا أي أحببت، ومعناه سيعطيهم الرحمن ودهم أي محبوبهم في الجنة.(الرازي).
وفحوى السورة يستدر الرحمة المطلقة والشفقة المتناهية,فمن ذكر زكريا لشيخوخته ووهنه وندائه لله العزيز الحكيم نداء الشيخ الضعيف أن يهب له الولد,وتأجج مشاعره الأبوية,وخوفه من الموالي,حيث قال تعالى:" قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً *وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً",وذكر يحيى من بعده وأن الله أتاه الحنان,وجعل بر الوالدين في فؤاده,ولم يجعله جبارًا,يقول الله تعالى:" وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً",والحنان أصله من الحنين وهو الارتياح والجزع للفراق كما يقال: حنين الناقة وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها ذكر الخليل ذلك في الحديث:"أنه عليه السلام كان يصلي إلى جذع من المسجد فلما اتخذ له المنبر وتحول إليه حنت تلك الخشبة حتى سمع حنينها " فهذا هو الأصل ثم قيل: تحنن فلان على فلان إذا تعطف عليه ورحمه".
هذا وإلى ذكر مريم البتول ,وما توجبه المروؤة من حنان وعطف ورحمة بالنساء وخاصة اليتامى منهن,ثم إرسال المَلَك إليها وهي وحيدة تتعبد في محرابها بصورة إنسان كي تستأنس ولا تنفر,وذكّرته بتقوى "الرحمن",وجاء ذكر "الرحمن" دون اسم الجلالة أو اسم آخر لما اقتضته الحالة من الهول والفزع.وكأن حالها يقول للمَلَك:ارحمني,ولا تنسى ذا الرحمة الواسعة المطلقة الذي أرسلك.كذلك رد المَلَك عليها بأن الله سيجعل ولدها رحمة منه للناس وقوله:" قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيا".
ثم ينتقل بعدها إلى ذكر عيسى عليه السلام وهو في المهد,وكيف أن الله جعله نبيًا ومباركًا ووصاه بوالدته برًا,ولم يجعله جبارًا شقيًا, يقول الله تعالى :" قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً".
ويذكر بعد ذلك إبراهيم عليه السلام وموقفه من أبيه,وكيف كان يتلطف ويتودد في الحوار معه,وكيف انه كان يخاف عليه العذاب من الرحمن,فكلها أحاسيس ومشاعر رفق ولين,حيث كرر إبراهيم عليه السلام عبارة" يٰأَبَت" أربع مرات في أربع آيات متتاليات,وهي صيغة تلطف وتودد من الإبن لأبيه.
وغير هذه من مشاهد توقظ الأحاسيس وتأجج المشاعر وتلهب الوجدان.
وحتى الآيات التي ذكرت العذاب والكفار والنار لم تكن بألفاظ فظة قاسية ,فلم يستعمل السعير والنار التي وقودها الناس والحجارة أو الصاعقة أو ريح صرصرأو غيرها من ألفاظ العقاب وسوء العذاب,فقد قال في وعيد الكافرين:" فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً", وقال في عذاب الأمم السابقة:" وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً",وحتى عندما أتت مريم قومها وعيسى عليه السلام تحمله,فلم يعنفوها ولم يتهموها بفحش,بل قالوا لها قولًا رقيقًا:" يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً", فقولهم :يا أخت هارون " وإن كان توبيخًا فإنه كان بلطيف العبارات والتودد,كما في قولنا لأحدنا إن أردنا أن ننصحه بلطف ولين:يا ابن الحلال,هذا لايصح".
فالسورة كلها رحمة,أولها رحمة وآخرها رحمة وفحواها رحمة,فوافقت الألفاظ الحال.

ابو عمر الحميري
18-06-2010, 04:39 PM
بارك الله فيك اخي سليم وجزاك الله خيرا ولكن لماذا لم يرد ذكر الرحمن في سورة الرحمن الا مرة واحدة هل لأن موضوعها الايات الدالة على قدرته سبحانه ام هناك سبب آخر افيدونا بارك الله فيكم .

سليم
18-06-2010, 08:23 PM
بارك الله فيك اخي سليم وجزاك الله خيرا ولكن لماذا لم يرد ذكر الرحمن في سورة الرحمن الا مرة واحدة هل لأن موضوعها الايات الدالة على قرته سبحانه ام هناك سبب آخر افيدونا بارك الله فيكم .

السلام عليكم
وبارك الله أخي الحبيب أبا عمر الحميري, وحيّاك المليك المقتدر.
جاء ذكر الرحمن مرة واحدة في سورة الرحمن وذلك للأسباب التالية:
1.الملاحظ أن "الرحمن" جاء رأس سورة,وآية تامة,ورأس السور هو في محل عنوانها,فعنوان السورة "رحمة" وكل ما ورد ذكره في السورة من نعمٍ وآلاءٍ في الدنيا والآخرة دلالة على مضمون الرسالة التي عنوانها "الرحمة".
فلم يكن هناك من داع لتكرار اسمه الرحمن,طالما أنه عنوّن السورة باسم الرحمة الممتلئ.
2.والملاحظ أن سورة "الرحمن" جاءت بعد سورة القمر, والتي فيها أخر آيتين هما:" "إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر",فاستهل السورة الجديدة باسم يدل على المليك المقتدر ,والذي يهب هذه النعم والآء من جنات وأنهار,فكان "الرحمن" دلالة على أنه هو الله المليك المقتدر,وهو الذي يدخل المؤمنين الجنات,فكان حلقة وصل بين السورتين ومراعاة فحواهما.
3.والملاحظ أنه بعد أن ذكر"الرحمن" قال الله تعالى مباشرة"عَلَّمَ الْقُرْآنَ",وذلك لأن مشركي العرب كانوا ينكرون "الرحمن" ,وكانوا يقولون أنه يعلمه بشر,فجاء باسم "الرحمن" ليدحض أقوالهم الكاذبة واباطيلهم ,انه هو الذي علم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام القرآن, فقال:"عَلَّمَ الْقُرْآنَ".
4.والملاحظ أن السورة اختتمها الله بآية:"َتبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ",أي تبارك الرحمن ذي الجلال والإكرام, فأول السورة "عنوانها" كان "الرحمن" وآخر السورة " "عقباها"كان "ذو الجلال والإكرام", فكل ما جاء فبها من نعم وآلاء من الله ذي الرحمة الواسعة المطلقة, ومن واسع كرمه وجوده المنقطع النظير.
فلم يكن من ضرورة لتكرار :الرحمن" لما بين حدي السورة"الرحمن" و"َتبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" من رحمة وكرم ومباركة .

ابو عمر الحميري
19-06-2010, 07:46 PM
شكرا لك اخي الكريم على هذا التوضيح ونحن بحاجة الى المزيد عن البلاغة في كتاب الله العزيز