ابو العبد
12-06-2010, 08:26 AM
الخطر القادم على "السلطان" أردوغان
هل نتذكر نظرية فوكوياما، عن "نهاية التاريخ"؟ ما حدث من تركيا الأسبوع الماضي يدحض هذه النظرية ويدعم نظرية بديلة: عودة التاريخ.
مع هزيمة الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تضمنت ثورة أتاتورك بعثاً لتركيا جديدة تدير ظهرها كلية للماضي، وخاصة مرتكزه الإسلامي.
ألغى أتاتورك الخلافة، وأصر على إنشاء نظام علماني، ووصل به الأمر لاستبدال الحروف العربية في اللغة التركية بحروف لاتينية. كانت هذه ثورة كاملة، ليس فقط في السياسة ولكن أيضاً في الفكر والثقافة. وكرجل عسكري، جعل أتاتورك من الجيش التركي وصياً على مسار هذه الثورة الشاملة.
يحاول أردوغان وصحبه في حزب "العدالة والتنمية" ليس فقط وقف هذه الثورة العلمانية، بل تغيير مسارها، ليس بالضرورة العودة إلى الخلافة والسلطنة، بل على الأقل تقوية الجذور الإسلامية في تركيا، لتكون في مكانة مركزية في كل من السياسة والفكر، ألم تحتفظ زوجته منذ البداية بالحجاب على رأسها، حتى ولو كان الثمن هو إقصاؤها من الاحتفالات والبروتوكولات الرسمية؟
إلا أن الجديد في ثورة "السلطان" أردوغان المضادة لثورة أتاتورك، هو ظهورها حالياً على المستوى الإقليمي وفي مواجهة هيمنة إسرائيلية شبه مطلقة، وقد تحوَّل هذا الصراع التركي-الإسرائيلي إلى مرحلة العنف المسلح والقتل، مع لجوء الحكومة الإسرائيلية إلى القرصنة ضد السفينة التركية مرمرة، وأسطول الحرية الهادف لكسر الحصار على غزة.
وبالرغم من أن زميلاً تركياً أبلغني نهاية الأسبوع الماضي، أن عناصر مهمة في كل من أنقرة وتل أبيب، تبذل حالياً جهوداً محمومة لوقف التدهور المتسارع في العلاقات الإسرائيلية- التركية، إلا أن هذا التدهور مستمر من يوم إلى آخر.
عودة تركيا للقيام بدور مركزي في الشرق الأوسط، وبالذات في مواجهة إسرائيل، هي بكل المعايير ثورة في التفاعلات الإقليمية الحالية، وتدرك كل الأطراف الإقليمية -وفي مقدمتها إسرائيل- هذه الثورة في التفاعلات الإقليمية. فإسرائيل تفقد حليفاً مهماً حالياً في وقت تحتاج فيه إلى كل المؤازرة والتأييد بسبب عزلتها الدولية المتزايدة، كما أن علاقاتها بتركيا كانت فعلاً في العمق، ليس فقط بسبب التقارب الجغرافي، ولكن خاصة بسبب أوجه التعاون العسكري من بيع السلاح، وتبادل المعلومات وإجراء المناورات المشتركة، وحتى على المستوى الشعبي واليومي. ومن ملاحظاتي أثناء زيارة اسطنبول أو أنقرة، هي سماع اللغة العبرية في الشارع بسبب كثرة توافد السياح الإسرائيليين. ولم يقتصر الوعي بعودة تركيا وثورتها في التفاعلات الإقليمية على إسرائيل، بل امتد إلى الشارع العربي وحتى الجهاز الرسمي العربي.
في تحليل مضمون بعض محتويات الإعلام العربي في الأسبوع الماضي، تكرر اسم تركيا حوالي 85 في المئة في التقارير الإخبارية لبعض الفضائيات العربية وكذلك الصحف، أما في الجهاز الرسمي العربي، فأبلغ دليل عليه هو محاولة أمين الجامعة العربية عمرو موسى، منذ مؤتمر القمة العربية الثاني عشر في ليبيا في شهر مارس، تطوير مفهوم "الحوار العربي"، وتحاول أجهزة الجامعة حالياً تقنين المفهوم وتدعيمه بل تفعيله كأساس لسياسة عربية إقليمية.
لا يتفق فقط، إسرائيل والعرب على حدوث هذه الثورة في التفاعلات الإقليمية من جراء عودة تركيا و"السلطان" أردوغان، ولكن يتفقان أيضاً على حسابات المكسب والخسارة، فهناك إجماع إسرائيلي على إنها خسارة إسرائيلية مائة في المائة، حتى على مستوى الشارع الإسرائيلي الذي سيتردد أفراده الآن في الذهاب إلى المدن التركية للسياحة، كما هي العادة تقريباً حتى الآن.
في الشارع العربي هناك إجماع أيضاً على أن عودة تركيا هي مكسب كبير، أما الحكومات العربية فهي في الظاهر ترحب بهذه العودة على أنها مكسب ولكن بعضها يتردد في تدعيم الدور التركي، سواء بسبب الغيرة من هذا الوافد النشط إلى الساحة الإقليمية وواقع سحر أفعاله وكلماته على الشارع العربي المتعطش لوقف الهيمنة الإسرائيلية، أو بسبب أن عودة تركيا وسلطانها الجديد يفضح بطريقة لا لبس فيها الغياب العربي عن الساحة الإقليمية.
ماذا سيحدث في المستقبل القريب؟ حتى لو تم رأب الصدع ووقف التدهور في العلاقات التركية- الإسرائيلية، فإن شرخاً عميقاً في هذه العلاقات قد حدث بالفعل، وسيستمر تأثيره في السيكولوجيات الجماعية في إسرائيل وفي تركيا.
في حديثي مع الزميل التركي الأسبوع الماضي، علمت أن بعض الدوائر المؤثرة في تركيا -وليس فقط في الجيش- غير متحمسة للقطيعة مع إسرائيل، بل إنها تعتقد أن أردوغان وبعض صحبه قد ذهبوا أبعد من اللازم في تصعيد الخلاف مع إسرائيل وتأجيج المشاعر الشعبية، خاصة في الريف التركي ذي الميول الإسلامية القوية، بل إنهم يتهمون أردوغان وصحبه بمحاولة تغيير تركيا العلمانية لتصبح "إيران أخرى" إذا لم تؤجج إسرائيل هذه الانقسامات التركية، فستقوم على الأقل، باستغلالها ضد أردوغان، فماذا سيفعل العرب تجاه هذه الثورة في التفاعلات الإقليمية؟
د. بهجت قرني
هل نتذكر نظرية فوكوياما، عن "نهاية التاريخ"؟ ما حدث من تركيا الأسبوع الماضي يدحض هذه النظرية ويدعم نظرية بديلة: عودة التاريخ.
مع هزيمة الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تضمنت ثورة أتاتورك بعثاً لتركيا جديدة تدير ظهرها كلية للماضي، وخاصة مرتكزه الإسلامي.
ألغى أتاتورك الخلافة، وأصر على إنشاء نظام علماني، ووصل به الأمر لاستبدال الحروف العربية في اللغة التركية بحروف لاتينية. كانت هذه ثورة كاملة، ليس فقط في السياسة ولكن أيضاً في الفكر والثقافة. وكرجل عسكري، جعل أتاتورك من الجيش التركي وصياً على مسار هذه الثورة الشاملة.
يحاول أردوغان وصحبه في حزب "العدالة والتنمية" ليس فقط وقف هذه الثورة العلمانية، بل تغيير مسارها، ليس بالضرورة العودة إلى الخلافة والسلطنة، بل على الأقل تقوية الجذور الإسلامية في تركيا، لتكون في مكانة مركزية في كل من السياسة والفكر، ألم تحتفظ زوجته منذ البداية بالحجاب على رأسها، حتى ولو كان الثمن هو إقصاؤها من الاحتفالات والبروتوكولات الرسمية؟
إلا أن الجديد في ثورة "السلطان" أردوغان المضادة لثورة أتاتورك، هو ظهورها حالياً على المستوى الإقليمي وفي مواجهة هيمنة إسرائيلية شبه مطلقة، وقد تحوَّل هذا الصراع التركي-الإسرائيلي إلى مرحلة العنف المسلح والقتل، مع لجوء الحكومة الإسرائيلية إلى القرصنة ضد السفينة التركية مرمرة، وأسطول الحرية الهادف لكسر الحصار على غزة.
وبالرغم من أن زميلاً تركياً أبلغني نهاية الأسبوع الماضي، أن عناصر مهمة في كل من أنقرة وتل أبيب، تبذل حالياً جهوداً محمومة لوقف التدهور المتسارع في العلاقات الإسرائيلية- التركية، إلا أن هذا التدهور مستمر من يوم إلى آخر.
عودة تركيا للقيام بدور مركزي في الشرق الأوسط، وبالذات في مواجهة إسرائيل، هي بكل المعايير ثورة في التفاعلات الإقليمية الحالية، وتدرك كل الأطراف الإقليمية -وفي مقدمتها إسرائيل- هذه الثورة في التفاعلات الإقليمية. فإسرائيل تفقد حليفاً مهماً حالياً في وقت تحتاج فيه إلى كل المؤازرة والتأييد بسبب عزلتها الدولية المتزايدة، كما أن علاقاتها بتركيا كانت فعلاً في العمق، ليس فقط بسبب التقارب الجغرافي، ولكن خاصة بسبب أوجه التعاون العسكري من بيع السلاح، وتبادل المعلومات وإجراء المناورات المشتركة، وحتى على المستوى الشعبي واليومي. ومن ملاحظاتي أثناء زيارة اسطنبول أو أنقرة، هي سماع اللغة العبرية في الشارع بسبب كثرة توافد السياح الإسرائيليين. ولم يقتصر الوعي بعودة تركيا وثورتها في التفاعلات الإقليمية على إسرائيل، بل امتد إلى الشارع العربي وحتى الجهاز الرسمي العربي.
في تحليل مضمون بعض محتويات الإعلام العربي في الأسبوع الماضي، تكرر اسم تركيا حوالي 85 في المئة في التقارير الإخبارية لبعض الفضائيات العربية وكذلك الصحف، أما في الجهاز الرسمي العربي، فأبلغ دليل عليه هو محاولة أمين الجامعة العربية عمرو موسى، منذ مؤتمر القمة العربية الثاني عشر في ليبيا في شهر مارس، تطوير مفهوم "الحوار العربي"، وتحاول أجهزة الجامعة حالياً تقنين المفهوم وتدعيمه بل تفعيله كأساس لسياسة عربية إقليمية.
لا يتفق فقط، إسرائيل والعرب على حدوث هذه الثورة في التفاعلات الإقليمية من جراء عودة تركيا و"السلطان" أردوغان، ولكن يتفقان أيضاً على حسابات المكسب والخسارة، فهناك إجماع إسرائيلي على إنها خسارة إسرائيلية مائة في المائة، حتى على مستوى الشارع الإسرائيلي الذي سيتردد أفراده الآن في الذهاب إلى المدن التركية للسياحة، كما هي العادة تقريباً حتى الآن.
في الشارع العربي هناك إجماع أيضاً على أن عودة تركيا هي مكسب كبير، أما الحكومات العربية فهي في الظاهر ترحب بهذه العودة على أنها مكسب ولكن بعضها يتردد في تدعيم الدور التركي، سواء بسبب الغيرة من هذا الوافد النشط إلى الساحة الإقليمية وواقع سحر أفعاله وكلماته على الشارع العربي المتعطش لوقف الهيمنة الإسرائيلية، أو بسبب أن عودة تركيا وسلطانها الجديد يفضح بطريقة لا لبس فيها الغياب العربي عن الساحة الإقليمية.
ماذا سيحدث في المستقبل القريب؟ حتى لو تم رأب الصدع ووقف التدهور في العلاقات التركية- الإسرائيلية، فإن شرخاً عميقاً في هذه العلاقات قد حدث بالفعل، وسيستمر تأثيره في السيكولوجيات الجماعية في إسرائيل وفي تركيا.
في حديثي مع الزميل التركي الأسبوع الماضي، علمت أن بعض الدوائر المؤثرة في تركيا -وليس فقط في الجيش- غير متحمسة للقطيعة مع إسرائيل، بل إنها تعتقد أن أردوغان وبعض صحبه قد ذهبوا أبعد من اللازم في تصعيد الخلاف مع إسرائيل وتأجيج المشاعر الشعبية، خاصة في الريف التركي ذي الميول الإسلامية القوية، بل إنهم يتهمون أردوغان وصحبه بمحاولة تغيير تركيا العلمانية لتصبح "إيران أخرى" إذا لم تؤجج إسرائيل هذه الانقسامات التركية، فستقوم على الأقل، باستغلالها ضد أردوغان، فماذا سيفعل العرب تجاه هذه الثورة في التفاعلات الإقليمية؟
د. بهجت قرني