المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد المتن الحديثي



مؤمن
23-05-2010, 12:30 PM
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين , الذي بعث في الأميين رسولاً منهم , وجعله شهيداً عليهم , وجعله خاتم النبيين و الرحمة المهداة للعالمبن إلى يوم الدين , فالصلاة و السلام على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , وبعد:

فإن الله اقتضت حكمته أن يكون محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الناس أجمعين , واقتضت حكمته أن ينزل على محمد القرآن الكريم , ويجعله معجزته و رسالته في آن واحد , وذلك مما إختص به الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وسلم , وأوحى إليه بالسنة ليبين بها القرآن الكريم فيما يلزم فيه بيان إلهي . وإلى ذلك ترشدنا الآيات المحكمات في قوله سبحانه:( يا أيها الناس قد جائكم برهان من ربكم , وأنزلنا إليكم نوراً مبينا ) وقال سبحانه ( يأهل الكتاب قد جائكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ... إلى قوله تعالى قد جائكم من الله نور وكتاب مبين ) . وقال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة . ) . وفي معرض تفسير هذه الآيات قال أئمة التفسير: ( البرهان في الآية الأولى تعني محمداً صلى الله عليه وسلم , والنور المبين يعني القرآن الكريم , وفي الآية الثانية النور الرسول محمد والكتاب المبين القرآن الكريم , وفي الآية الثالثة الكتاب القرآن الكريم والحكمة السنة النبوية . ). ومن هنا وجد التلازم بين القرآن والسنة النبوية , فبهما معاً يخرج الناس من الظلمات إلى النور ويهتدون إلى الدين الحق , والفصل بين القرآن والسنة هلاك وضلال , وفي هذا الخصوص قال الحق سبحانه وتعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتببين للناس ما نُزّل إليهم .). وقد أوضح الشافعي في رساته بأن الله تعالى منّ على العباد ( تعلم الكتاب والحكمة ... إن الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وافترض طاعة رسوله ... وكل شيء بيّنه عن رسول الله بلا نصّ كتاب _ أي قرآن _ ... كل شىء منها بيان في كتاب الله ... فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه , قبل عن رسول الله سننه , بفرض الله طاعة رسوله على خلقه ..... وفي موضع آخر قال : ففرض الله على الناس إتباع وحيه وسنن رسوله ...فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة ... سنة رسول الله . وقال أيضاً: ... وسنن رسول الله مع كتاب الله وجهان : أحدهما نص الكتاب فاتّبعه رسول الله كما أنزل الله , والآخر جملة: بين رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد الله بالجملة ... والوجهان يجتمعان ويتفرعان ... ) . فعلى ضوء ما تقدم , نخلص إلى أن القرآن والسنة هما أساس الإسلام وعماده , والتفريق بينهما كفر بالإسلام , ويتأيد ذلك والعديد من النصوص القرآنية والسنة النبوية , التي توجب طاعة الله ورسوله, والنصوص الدالة صراحة على المنع من التفريق بين الله ورسوله , والنصوص الدالة غلى أن التفريق بين الله ورسله إنما هو عمل الكافرين كما يقول سبحانه ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعضونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوابين ذلك سبيلاً , أولئك هم الكافرون حقّا .... .



وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه لا ألفيّن أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري , مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ... وفي رواية أخرى " ... يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته , يحدث بحديثي , فيقول: بيني وبينكم كتاب الله , فما وجدنا فيه حلالاً إستحللناه , وما وجدنا فيه حراماً حرّمناه , وإنّ ما حرّم رسول الله كما حرّم الله " ) . وفي هذا الخصوص يقول الشافعي ( وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جلّ ثناؤه أنه جعله علماّ لدينه , بما افترض من طاعته , وحرّم من معصيته , وأبان من فضيلته , بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به ... فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها ... " ... ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله"... ) .

ولما كان الأمرفي الأسلام,أن السنة مثل القرآن,من حيث كونها وحياً أوحاه الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتم الدين والتدين إلا بإقترانهما معا ً, فهما مصدر الهداية , وسبب النجاه والفلاح ,في الدنيا والآخرة .

ولما كانت النصوص القرآنية تؤكد على وجوب طاعة الله و رسوله معاً , ووجوب الأخذ بما أتآنا به النبي صلى الله عليه وسلم , والإنتهاء عما نهانا عنه صلى عليه وسلم , فكان ولا بدّ من الوقوف على السنة والإحتياط لها , حتى لايتسرب للوحي ما ليس منه , لكون السنة مما يقع قد يقع اللغو فيها من طريق الرواة , أمّا القرآن فقد تكفل الله بحفظه , فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكذب عليه , وحذر من الإحداث في أمر الإسلام ما ليس منه وأمربردّه ومنع قبوله. فقال صلى الله عليه وسلم : ( لاتكذبوا عليّ فإنه من يكذب عليّ يلج النار , وفي رواية "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ") (4) . وقال صلى الله عليه وسلّم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(5) . وبناءً على تلك التكاليف الشرعيّة في وجوب المحافظة على السنة النبويّة باعتبارها من الوحي الإلهي , وهي من القرآن الكريم بمنزلة الجزء من الكل , فلا تنفك عنه , ولا يعرف الدين ولايفهم تشريع الإسلام إلاّ باقترانهما معاً .

فقد حرص اصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم على حسن التلقي عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وضبط ما يتلقوه عنه صلى الله عليه وسلّم وحفظه واستيعابه ونقله الى غيرهم كما سمعوه . امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( نضّر الله امرءاً سمع منّا حديثاً , فحفظه حتى يبلغه غيره ...وفي رواية : "نضّر الله امرءاً سمع منّا شيئاً , فبلّغه كما سمعه, فربّ مبلغٍ أوعى من سامع " ) .وقد سار على نهج الصحابة , من عاصرهم من التابعين , فاستمرت السنة بنقآئها وصفائها لم تشبها شائبة . وفي هذين العصرين لم يكن أحد من الصحابة و التابعين يهتم كثيراً بالإسنلد , لكونهم يثقون بالرواة , حيث أن الله زكّآهم وعدلهم , و النبي صلى الله عليه وسلّم أثنى عليهم .

وأخبر بأنهم من خير القرون في قوله : ( خير أمتي الذين بعثت فيهم . ثم الذين يلونهم وفي روايات أخر " خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم " ..) , ومع أن الصحابة كلهم عدول , فإنهم كانوا يتشدّدون في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلّم , ويتشدّدون في قبول الأحاديث ولم يأخذوا الحديث إلاّ بعد توثق منه , خشية أن يقعوا في الكذب , أو ينسبوا الى النبي قولاً لم يقله أو عملاً لم يعمله , ثم إ نهم كانوا لا يحدّثون بكل ما يسمعون من الأحاديث المنسوبة الى النبي إمتثالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع ) .

مؤمن
23-05-2010, 12:31 PM
وبقي الصحابة لايهتمون بالإسناد كثيراً , ويعوّلون على نقل المتن الحديثي , حتى اتسعت الفتوحات ودخلت في الإسلام الشعوب والقبائل من ذوي الملل والنحل , فكان ما كان من الإحتياط في رواية الحديث والتوثق من حال الرواة عداله وحفظاً وضبطاً , ووضعوا للناس قاعدة مفادها
ان احاديث النبي صلى الله عليه وسلم دين فانظروا عمن تأحذون , وفي هذا الخصوص قال ابن سيرين : ( "إن هذا العلم دين ـ يعني الحديث النبوي ـ فانظروا عمن تأخذون دينكم " . وقال إبن المبارك : " الإسناد من الدين ولولالقال من شاء ما شاء " ). ثم إزداد الخوف على السنة النبوية ,من زيادة أهل البدع والأهواء والنحل إثر مقتل عثمان بن عفان وتوالي الفتن على المسلمين بعد ذلك , وظهرت الفرق فأخذ الصحابة ومن عاصرهم من أهل العلم و الغيرة على دين الله تعالى , يمحصون الرواة ويمتحنونهم , ويستوثقون من مروياتهم , ووضعوا لذلك القواعد في الجرح والتعديل , وشروط الراوي , وشروط الحديث الصحيح , كي يطمئنوا لصحة نسبة الحديث الىالنبي صلى اله عليه وسلّم , وهذا جهد مبرور ونافع غاية النفع في العصر الذي يعرف فيه الرواة , فيميز بتلك القواعد بين من يؤخذ منه الحديث , ومن لايجوز أخذ الحديث النبوي منه .

أما وقد ذهبت تلك العصور , وأصبحت المدونات الحديثية هي المنتشرة , وأصبح الزنادقة و الجهلة وذوي الأهواء قادرين على تركيب المتون الكاذبة على أسانيد صحيحة , وهذا كثير في المدونات التي تهتم بتأييد الفرق التي انتشرت بعد أن وقعت الفتنة وتوالت الفتن على المسلمين , بعد نقص الخلافة الراشدة على يد معاوية بن أبي سفيان , ومساندة الأمويين لذلك , وحوّلت الخلافة الراشدة إلى ملك عاص ٍ .

وإلى هذا تشير العديد من المقولات التي قالها التابعون أمثال إبن سيرين وغيره إذ قالو : ( ... لم يكونوا يسألون عن الإسناد , فلما وقعت الفتنة , قالوا: سموا لنا رجالكم . فينظر إلى أهل السنةـ أي المأمونين على السنة ـ فيؤخذ حديثهم , وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ... لا يحدث عن رسول الله إلا الثقات ... ) (4) .

ولذلك نشط العلماء الأتقياء العدول في الذب عن السنة المطهرة , واجتهدوا في وضع القواعد التي حوتها كتب علم مصطلح الحديث والتي عمل على تطبيقها عملياً المهتمون بالحديث النبوي في مدوناتهم التي لم يضمنوها إلا الصحيح على مبلغ علمهم وبحسب إجتهادهم , والمدونات التي اختصت بالموضوعات و التعريف بها لجذرها المسلون .

ومع حرصهم على السنة النبوّة , وشدة توثقهم فيها , ورغم أهمية القواعد التي اعتمدوها في نقد المرويات من الأحاديث النبويّة سنداً و متناً , رغم مكانتهم في العلم بالسنن , فإن الأمر لايزال بحاجة الى مزيد من الإهتمام بالأحاديث النبويّة , ويحتاج الأمر الى تفعيل قواعد نقد المتن , وضنط تلك القواعد , حتى لاتستغل في النيل من الحديث النبوي , والتطاول على السنة النبويّة , بحجة نقد المتن الحديثيّ والتمادي في ذلك وراء الأهواء لنبذ السنة النبويّة , و اتباع ذاك بنبذ الشريعة الإسلاميّة . واستبدالها بالمذاهب الغربيّة الإستعماريّة المستوردة .أو استبدالها بالضلالات و الأفكار الخبيثة التي يروّح لها الإستعمار الغربيّ , لفتنة المسلمين عن الإسلام , مصدر عزتهم , وأساس وجودهم كأمة لها ماضيها التليد وتاريخها المجيد . وهؤلاء الخبثاء أتقنوا لعبة التدليس , وفي المغالطات في رد الأحاديث النبويّة متناً بناءً على قواعد مغلوطة , مثل مخالفة الحديث لمقتضيات العصر , أو مخالفة الحديث للعقل , أو يدعو أن الأحاديث لا تسلم من نقد من أصحاب الفرق , فكل فرقة لاتقبل أحاديث غيرها , وعلى ذلك فكل الأحاديث في المحصّلة مجرحة أسانيدها , ولذلك زعموا بأن القرآن وحده كافٍ في بيان الإيلام الصحيح . وزعيم هذه الفئة الضالة المضلة التي اصطفاها الإستعمار الغربيّ واستحمدها لينفث من خلالها سمومة "محمد عبده الغربلي " صنيعة المحافل الماسونيّة , ودمية بلنت و كرومر البريطانين . وسار على نهجه تلميذه الوفيّ " رشيد رضا " وتبعهم في ضلالهم " أبو ريّة " "وأحمد أمين " " واسماعيل أدهم " " وأحمد خان " وفي ايامنا هذه وجدت بعض الغربان الناعقة بما قاله أولئك النفر الذين ذكروا آنفاً . ولم يخرجوا في اقوالهم واستدلالاتهم عما قاله عبيد الإستعمار الغربيّ الذين اسلفنا ذكرهم . إذاً والحالة هذه بات من الضروريّ تسليط الضوؤ على القواعد والموازين الشرعيّة التي تضبط عمليّة نقل المين الحديثي , بما يحفظ للسنة مكانتها وهيبتها , ويجعلها موضع ثقة وإكبار ويدففع للإستمساك بها , ويقطع السبيل على المشككين فيها والداعين الى نبذها. وما هذه الدراسة التي اشارك بها في الملتقى العلميّ الأول بعنوان " نقد المتن الحديثي " إلاّ جهداً متواضعاً في سبييل الإحتياط للسنة البويّة التي يتوقف عليها بيان القرآن وشرعته ومنهاجه ولطالما قال العلماء الأفاضل في الصدر الأوّل لهذه الأمة , أن السنة النبويّة مفسرة للقرآن ومبينة لإحكامه , فالقرآن بحاة الى سنة في بيان مجمله , وتخصيص عامه , وتقييد مطلقه وتوضيح مبهمه , والكشف عن دلالاته الإصطلاحية . وفوق ذلك كلّه هناك العديد من التشريعات والأحكام التي مصدرها الوحيد السنة النبويّة . وللوصول للغرض المطلوب في البحث رأيت توزيع مادته العلمية في مقدمة ومسألتين وخاتمة على النحو الآتي :


المقدمة :

ضمنتها الإشارة الى موضع السنة في الإسلام واهتمام الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين , والمحت فيها الى ضرورة المحافظة على السنة , بالإهتمام بالسند والمتن معاً , واظهرت مدى الحاجة الى الاهتمام بنقد المتن , وفق قواعد وموازيين منضبطة بضوابط شرعيّة تقطع السبيل على ذوي الأهواء والأغراض ,الذين يسعون الى نبذ السنة واقصائها عن الساحة الفكريّة الإسلاميّة , ابتغاء الفتنة في الإسلام , والصد عنه .


المسألة الأولى :
الحديث النبوي وأهميته في الإسلام , وفيه مطلبان .
المطلب الأول : معنى الحديث لغةً واصطلاحاً .
المطلب الثاني : مكانة الحديث النبويّ في الإسلام .

المسألة الثانيّة :
نقد المتن الحديثي ومشروعيته , وفيه مطلبان .
المطلب الأول : معنى نقد المتن الحديثيّ .
المطلب الثاني : القواعد والموازيين الشرعيّة في نقد المتن .

الخاتمة :

وتتضمن على ما سنخلص إليه من نتائج وتوصيات أدّى إليها البحث . سائلاً المولى سبحانه ان يجعل في هذا البحث خدمة للإسلام, وقمعاً لباطل المفتونين بالغرب , وتبصرة للجهلاء , ودليلاً للحيارى , ومرشداً للباحثين عن الحق , كما واسأل الله من فضله أن يجعله في ميزان حسناتنا , وأن يلهمنا فيه الرشد والسداد والله الموفق الهادي الى الحق والى الصراط المستقيم .




د . إحسان عبد المنعم سمارة

12 \ 8 \ 2004م