ابو طلال
21-05-2010, 11:04 PM
التاريخ يعيد نفسه، وما اشبه اليوم بالبارحة، وهكذا اعاد الواقع الذي تعيشه فلسطين المحتلة من يهود، كاتبنا الدكتور عدوان نمر عدوان الزواتي (من قرية زواتا)، النابلسي المقدسي؛ -لان فلسطين كلها تعرف باقدس واشهر مدنها القدس؛ ولذلك تسمى ابن قرية جماعيل (من قرى نابلس ايضاً) صاحب كتاب المغني في الفقه، بابن قدامة المقدسي-، اعاده الى واقع الاندلس في اخر عهدها، عهد ملوك الطوائف، وما جرى للمسلمين فيها من قتل وذبح واغتصاب وتشريد على ايدي الفرنجة.
يشبه الكاتب مدينة نابلس، جبل النار، بغرناطة الاندلس، غرناطة قصر الحمراء وعلى الاخص في فترة افول نجميهما، اي سقوط غرناطة في ايدي الفرنجة واستباحتها من قبلهم في عهد حاكمها ابي عبدالله الصغير، الذي قالت له امه عندما راته يبكي على ملكه الضائع في الاندلس عامةً وفي غرناطة خاصة:
ابك مثل النساء ملكاً مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال
وسقوط نابلس بقصبتها وجبليها عيبال وجرزيم في ايدي يهود في الوقت الحاضر، واستباحتهم للمدينة بدباباتهم وطائراتهم، وتدميرهم لمبانيها وقتلهم للمقاومين فيها منذ احتلالهم الثاني لفلسطين سنة 1967، وعلى الاخص بعد قدوم السلطة الفلسطينية. حيث لايردع يهود عهد ولا وعد ولا ميثاق، ولا يرقبون في مؤمن الاً ولا ذمة. تماماً كما حذر كاتب الرواية على لسان ساردها موسى الفلسطيني الذي تقمص شخصية موسى بن ابي الغسان فارس غرناطة الذي رفض ان يستسلم للنصارى، ولم يثق بعهودهم ووعودهم المعسولة وقال: "لنقاتل العدو حتى اخر نسمة، وانه خير لي ان احصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن غرناطة، من ان احصى بين الذين شهدوا تسليمها".
وعندما اجتمع زعماء وقادة المسلمين ليوقعوا وثيقة تسليم غرناطة المسلمة الى ملوك النصارى في بهو قصر الحمراء، لم يملك الكثيون منهم انفسهم من البكاء والعويل على فعلتهم الدنيئة الخسيسة، صاح فيهم ابن الغساني: "اتركوا العويل للنساء والاطفال، فنحن لنا قلوب لم تخلق لارسال الدمع ولكن لتقطر الدماء، وحاشا لله ان يقال: (ان اشراف غرناطة خافوا ان يموتوا دفاعاً عنها)، وصاح في وجوه المتخاذلين المستسلمين عندما بدأوا التوقيع على وثيقة التسليم: (ان الموت اقل ما نخشى، فامامنا نهب مدننا وتدميرها وتدنيس مساجدنا، وامامنا الجور الفاحش والسياط والاغلال، والانطاع والمحارق، وهذا ما سوف تراه تلك النفوس الوضيعة، التي تخشى الان الموت الشريف، اما انا فوالله لن اراه)".
ومما قاله هذا الفارس الغساني المقدام: "ليعلم ملك النصارى –يقصد فرناندو الخامس- ان العربيّ قد ولد للجواد والرمح، فاذا طمح الى سيوفنا فليكسبها غاليةً، اما انا فخير لي قبر تحت انقاض غرناطة، في المكان الذي اموت فيه مدافعاً عنه، من افخم قصور نغنمها بالخضوع لاعداء الدين". اشارة منه الى الوعود التي وعدها ملوك النصارى للمسلمين مقابل تسليمهم غرناطة. وَعَدُوْهُم (بتأمين الصغير والكبير في النفس والاهل والمال، وبقاء الناس في اماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم، واقامة شريعتهم على ما كانت، ولا يحكم على احد منهم الا بشريعتهم، وان تبقى المساجد كما كانت والاوقاف كذلك، وان لا يدخل الاسبان دار غرناطي، ولا يغصبوا احداً، وان لا يولى على المسلمبن مسيحي ولا يهودي، وان لايقهر من اسلم على الرجوع للمسيحيين ودينهم، ويسير المسلم في بلاد المسيحيين امناً على نفسه وماله، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم ولا غيره من أمور دينهم).
وحتّى يثق المسلمون بهذه الوعود والعهود، اقسم فرناندو وايزابيلا قسماً رسمياً بالله ان جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحريّة في العمل في أراضيهم، او حيث شاؤوا، وان يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا، وان يسمح لمن شاء منهم بالهجرة الى المغرب.
أمّا الغساني فحذر قومه بقوله: "لا تخدعوا انفسكم، ولا تظنوا ان الاسبان سيوفون بعهدهم لكم، ولا تركنوا الى شهامة ملكهم، ان الموت اقلّ ما نخشى، فامامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا وهتك اعراض نسائنا وبناتنا، وامامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والاغلال، وامامنا السجون والمحارق، هذا ما سوف نعاني من مصائب الموت، امّا انا فوالله لن اراه؛ لان عالمي ليس ههنا بينكم، عالمي في السماء". لكنهم لم يلتفتوا له ولم يسمعوه.
ولقد ذكرتني هذه الرواية بقصيدة لنزار قباني، قالها عندما وقف على آثار العرب في غرناطة، حيث التقى هناك بفتاة إسبانية تفتخر بتراث أجدادها في الأندلس، فأعادت تلك الوقفة وتلك الفتاة نزارًا إلى أمجاد المسلمين في الأندلس التي فتحوها سنة 92هـ، وأجبروا على الرحيل عنها والخروج منها صاغرين سنة 898هـ. أي دام عزّهم ومجدهم أكثر من ثمانية قرون ثم اندثر.
قال الشاعر الموهوب نزار من البحر الكامل:
في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا..
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان.. في حجريهما
تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ .. ساءلتها
قالت: وفي غرناطةٍ ميلادي
غرناطةٌ! وصحت قرون سبعة
في تينك العينين.. بعد رقاد
وأميّةٌ .. راياتها مرفوعة
وجيادها موصولة بجياد
ما أغرب التاريخ.. كيف أعادني
لحفيدة سمراء.. من أحفادي
وجه دمشقي .. رأيت خلاله
أجفان بلقيسٍ .. وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم .. وحجرة
كانت بها أمي تمدّ وسادي
والياسمينة،رصّعت بنجومها
والبركة الذهبيّة الإنشاد
ودمشق .. أين تكون؟ قلت : ترينها
في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختزنا شموس بلادي
في طيب " جناتِ العريفِ " ومائها
في الفلّ ، في الريحان، في الكبّاد
سارت معي .. والشعر يلهث خلفها
كسنابلٍ تركت بغير حصاد
يتألق القرط الطويل بجيدها
مثل الشموع بليلة الميلاد
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائيَ التاريخ .. كوم رماد
الزخرفات أكاد أسمع نبضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت : هنا الحمراء .. زهو جدودنا
فاقرأْ على جدرانها أمجادي
أمجادها!! ومسحت جرحا نازفا
ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أنّ الذين عنتهمُ أجدادي
عانقت فيها عندما ودّعتها
رجلا يسمى " طارقَ بنَ زياد "
تعليق موسى ابو دويح
يشبه الكاتب مدينة نابلس، جبل النار، بغرناطة الاندلس، غرناطة قصر الحمراء وعلى الاخص في فترة افول نجميهما، اي سقوط غرناطة في ايدي الفرنجة واستباحتها من قبلهم في عهد حاكمها ابي عبدالله الصغير، الذي قالت له امه عندما راته يبكي على ملكه الضائع في الاندلس عامةً وفي غرناطة خاصة:
ابك مثل النساء ملكاً مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال
وسقوط نابلس بقصبتها وجبليها عيبال وجرزيم في ايدي يهود في الوقت الحاضر، واستباحتهم للمدينة بدباباتهم وطائراتهم، وتدميرهم لمبانيها وقتلهم للمقاومين فيها منذ احتلالهم الثاني لفلسطين سنة 1967، وعلى الاخص بعد قدوم السلطة الفلسطينية. حيث لايردع يهود عهد ولا وعد ولا ميثاق، ولا يرقبون في مؤمن الاً ولا ذمة. تماماً كما حذر كاتب الرواية على لسان ساردها موسى الفلسطيني الذي تقمص شخصية موسى بن ابي الغسان فارس غرناطة الذي رفض ان يستسلم للنصارى، ولم يثق بعهودهم ووعودهم المعسولة وقال: "لنقاتل العدو حتى اخر نسمة، وانه خير لي ان احصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن غرناطة، من ان احصى بين الذين شهدوا تسليمها".
وعندما اجتمع زعماء وقادة المسلمين ليوقعوا وثيقة تسليم غرناطة المسلمة الى ملوك النصارى في بهو قصر الحمراء، لم يملك الكثيون منهم انفسهم من البكاء والعويل على فعلتهم الدنيئة الخسيسة، صاح فيهم ابن الغساني: "اتركوا العويل للنساء والاطفال، فنحن لنا قلوب لم تخلق لارسال الدمع ولكن لتقطر الدماء، وحاشا لله ان يقال: (ان اشراف غرناطة خافوا ان يموتوا دفاعاً عنها)، وصاح في وجوه المتخاذلين المستسلمين عندما بدأوا التوقيع على وثيقة التسليم: (ان الموت اقل ما نخشى، فامامنا نهب مدننا وتدميرها وتدنيس مساجدنا، وامامنا الجور الفاحش والسياط والاغلال، والانطاع والمحارق، وهذا ما سوف تراه تلك النفوس الوضيعة، التي تخشى الان الموت الشريف، اما انا فوالله لن اراه)".
ومما قاله هذا الفارس الغساني المقدام: "ليعلم ملك النصارى –يقصد فرناندو الخامس- ان العربيّ قد ولد للجواد والرمح، فاذا طمح الى سيوفنا فليكسبها غاليةً، اما انا فخير لي قبر تحت انقاض غرناطة، في المكان الذي اموت فيه مدافعاً عنه، من افخم قصور نغنمها بالخضوع لاعداء الدين". اشارة منه الى الوعود التي وعدها ملوك النصارى للمسلمين مقابل تسليمهم غرناطة. وَعَدُوْهُم (بتأمين الصغير والكبير في النفس والاهل والمال، وبقاء الناس في اماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم، واقامة شريعتهم على ما كانت، ولا يحكم على احد منهم الا بشريعتهم، وان تبقى المساجد كما كانت والاوقاف كذلك، وان لا يدخل الاسبان دار غرناطي، ولا يغصبوا احداً، وان لا يولى على المسلمبن مسيحي ولا يهودي، وان لايقهر من اسلم على الرجوع للمسيحيين ودينهم، ويسير المسلم في بلاد المسيحيين امناً على نفسه وماله، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم ولا غيره من أمور دينهم).
وحتّى يثق المسلمون بهذه الوعود والعهود، اقسم فرناندو وايزابيلا قسماً رسمياً بالله ان جميع المسلمين سيكون لهم مطلق الحريّة في العمل في أراضيهم، او حيث شاؤوا، وان يحتفظوا بشعائر دينهم ومساجدهم كما كانوا، وان يسمح لمن شاء منهم بالهجرة الى المغرب.
أمّا الغساني فحذر قومه بقوله: "لا تخدعوا انفسكم، ولا تظنوا ان الاسبان سيوفون بعهدهم لكم، ولا تركنوا الى شهامة ملكهم، ان الموت اقلّ ما نخشى، فامامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا وهتك اعراض نسائنا وبناتنا، وامامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والاغلال، وامامنا السجون والمحارق، هذا ما سوف نعاني من مصائب الموت، امّا انا فوالله لن اراه؛ لان عالمي ليس ههنا بينكم، عالمي في السماء". لكنهم لم يلتفتوا له ولم يسمعوه.
ولقد ذكرتني هذه الرواية بقصيدة لنزار قباني، قالها عندما وقف على آثار العرب في غرناطة، حيث التقى هناك بفتاة إسبانية تفتخر بتراث أجدادها في الأندلس، فأعادت تلك الوقفة وتلك الفتاة نزارًا إلى أمجاد المسلمين في الأندلس التي فتحوها سنة 92هـ، وأجبروا على الرحيل عنها والخروج منها صاغرين سنة 898هـ. أي دام عزّهم ومجدهم أكثر من ثمانية قرون ثم اندثر.
قال الشاعر الموهوب نزار من البحر الكامل:
في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا..
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان.. في حجريهما
تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ .. ساءلتها
قالت: وفي غرناطةٍ ميلادي
غرناطةٌ! وصحت قرون سبعة
في تينك العينين.. بعد رقاد
وأميّةٌ .. راياتها مرفوعة
وجيادها موصولة بجياد
ما أغرب التاريخ.. كيف أعادني
لحفيدة سمراء.. من أحفادي
وجه دمشقي .. رأيت خلاله
أجفان بلقيسٍ .. وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم .. وحجرة
كانت بها أمي تمدّ وسادي
والياسمينة،رصّعت بنجومها
والبركة الذهبيّة الإنشاد
ودمشق .. أين تكون؟ قلت : ترينها
في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختزنا شموس بلادي
في طيب " جناتِ العريفِ " ومائها
في الفلّ ، في الريحان، في الكبّاد
سارت معي .. والشعر يلهث خلفها
كسنابلٍ تركت بغير حصاد
يتألق القرط الطويل بجيدها
مثل الشموع بليلة الميلاد
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائيَ التاريخ .. كوم رماد
الزخرفات أكاد أسمع نبضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت : هنا الحمراء .. زهو جدودنا
فاقرأْ على جدرانها أمجادي
أمجادها!! ومسحت جرحا نازفا
ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أنّ الذين عنتهمُ أجدادي
عانقت فيها عندما ودّعتها
رجلا يسمى " طارقَ بنَ زياد "
تعليق موسى ابو دويح