ابو العبد
21-05-2010, 12:07 PM
التاريخ يعيد نفسه، لكن هذه المرة مع حماس.
البداية كانت مع حركة فتح، التي انطلقت العام 1965 وهي ترفع شعار تحرير فلسطين “من الماء إلى الماء” وبناء دولة ديمقراطية على كل أرض فلسطين، لكن سلسلة من الحروب وسلسلة أخرى من “التأقلم” السياسي والإيديولوجي مع الوضعين الإقليمي والدولي، وضع فتح في نهاية المطاف في حضن أوسلو.
والنهاية قد تكون مع حماس. فهذه الحركة التي انطلقت هي الأخرى العام 1987 وهي ترفض خيار الدولتين، تسير سيراً حثيثاً الآن على خطى حركة فتح: مقايضة قبول خيار الدولتين بالاعتراف الدولي بها.
آخر فصل في هذا السيناريو تم تمثيله قبل أيام حين اجتمع الرئيس الروسي ميدفيديف بخالد مشعل، وحين كشف النقاب في الوقت نفسه عن أن أعضاء اللجنة الرباعية الدولية يقومون هم أيضاً باتصالات مع حماس، لكن سراً، هذا في حين كانت حماس تغازل الولايات المتحدة للمرة الأولى وتشيد ب”التغيّر الإيجابي في موقفها” إزاء أزمة الشرق الأوسط.
وبالتالي، المسألة باتت مسألة وقت قبل أن تبدأ حماس رحلة المساومات التي ستحجز لها في نهاية المطاف مقعداً إلى جانب “إسرائيل” في تاريخ المفاوضات الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
هل يعني كل ذلك أننا نعارض هذا المنحى التفاوضي؟
كلا. لكنه يعني أننا نعارض الطريقة التي سار، وقد يسير، فيها هذا المنحى، والتي أوصلت القضية الفلسطينية إلى مأزقها التاريخي الكبير الراهن.
فلكي تتجنّب حماس مثل هذا المصير، يتعيّن عليها قبل أن تحصل على الشرعية الدولية لتمثيلها الشعب الفلسطيني، أن تكسب الشرعية الوطنية على أرضها المحلية أولاً. كيف؟ بسيطة: عبر بلورة مشروع وطني جديد ينقلها هي نفسها من الموقع الإيديولوجي الفئوي الراهن، إلى موقع قيادة حركة تحرر متجددة وقادرة على توحيد كل أطياف قوس قزح المجتمع الفلسطيني.
هذا لم يحدث حتى اللحظة، رغم أن “حماس” تطورت منذ تأسيسها قبل 23 سنة من مجرد ميليشيا تابعة لفرع جماعة “الإخوان المسلمين” الفلسطينية إلى حركة جماهيرية واجتماعية كبيرة في التسعينات ومطالع القرن الحادي والعشرين. لابل حدث العكس: بعد أن سيطرت الحركة على غزة، عزلت نفسها عن العديد من التيارات السياسية الفلسطينية.
لماذا هذا التعثّر “الحماسي”؟
عالم السياسة البريطاني جيروين غانينغ يُفسّره في كتابه بعنوان “أصولية مع تميّز: حماس في السياسة”، بأنه ناجم عن التالي:
الحركة لجأت إلى الكفاح المسلّح فقط لمواكبة حالة التطورات الراديكالية في المجتمع الفلسطيني في أعقاب تعثر اتفاقات أوسلو، وعملياتها الاستشهادية في أواسط التسعينات لم تكن فقط تعبيراً عن مقاومة متشدّدة بل أيضاً نتيجة لتنافسها الحاد مع “فتح” على السلطة.
تشدّد الحركة على انها تؤمن بحرية الإرادة لدى الإنسان، لكن بشرط ان يلتزم أحكام الشريعة. ومن يفسّر هذه الأحكام؟ ليس رجال الدين بل مجلس الشورى التابع لها.
والحصيلة، كما يراها المؤلف، هي وجود توتر هائل في فلسفة “حماس” بين النظرية والتطبيق، وبين السياسة والإيديولوجية، برغم كونها حركة براغماتية إلى حد كبير نسبياً.
نتمنى ألا يكون تحليل غانينغ صحيحاً، لكن إذا ما كان كذلك، سيتعيّن علينا أن نشاهد التاريخ وهو يُعيد نفسه بالفعل بشكل حرفي، ومُمِل، ومؤسف.
سعد محيو
البداية كانت مع حركة فتح، التي انطلقت العام 1965 وهي ترفع شعار تحرير فلسطين “من الماء إلى الماء” وبناء دولة ديمقراطية على كل أرض فلسطين، لكن سلسلة من الحروب وسلسلة أخرى من “التأقلم” السياسي والإيديولوجي مع الوضعين الإقليمي والدولي، وضع فتح في نهاية المطاف في حضن أوسلو.
والنهاية قد تكون مع حماس. فهذه الحركة التي انطلقت هي الأخرى العام 1987 وهي ترفض خيار الدولتين، تسير سيراً حثيثاً الآن على خطى حركة فتح: مقايضة قبول خيار الدولتين بالاعتراف الدولي بها.
آخر فصل في هذا السيناريو تم تمثيله قبل أيام حين اجتمع الرئيس الروسي ميدفيديف بخالد مشعل، وحين كشف النقاب في الوقت نفسه عن أن أعضاء اللجنة الرباعية الدولية يقومون هم أيضاً باتصالات مع حماس، لكن سراً، هذا في حين كانت حماس تغازل الولايات المتحدة للمرة الأولى وتشيد ب”التغيّر الإيجابي في موقفها” إزاء أزمة الشرق الأوسط.
وبالتالي، المسألة باتت مسألة وقت قبل أن تبدأ حماس رحلة المساومات التي ستحجز لها في نهاية المطاف مقعداً إلى جانب “إسرائيل” في تاريخ المفاوضات الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
هل يعني كل ذلك أننا نعارض هذا المنحى التفاوضي؟
كلا. لكنه يعني أننا نعارض الطريقة التي سار، وقد يسير، فيها هذا المنحى، والتي أوصلت القضية الفلسطينية إلى مأزقها التاريخي الكبير الراهن.
فلكي تتجنّب حماس مثل هذا المصير، يتعيّن عليها قبل أن تحصل على الشرعية الدولية لتمثيلها الشعب الفلسطيني، أن تكسب الشرعية الوطنية على أرضها المحلية أولاً. كيف؟ بسيطة: عبر بلورة مشروع وطني جديد ينقلها هي نفسها من الموقع الإيديولوجي الفئوي الراهن، إلى موقع قيادة حركة تحرر متجددة وقادرة على توحيد كل أطياف قوس قزح المجتمع الفلسطيني.
هذا لم يحدث حتى اللحظة، رغم أن “حماس” تطورت منذ تأسيسها قبل 23 سنة من مجرد ميليشيا تابعة لفرع جماعة “الإخوان المسلمين” الفلسطينية إلى حركة جماهيرية واجتماعية كبيرة في التسعينات ومطالع القرن الحادي والعشرين. لابل حدث العكس: بعد أن سيطرت الحركة على غزة، عزلت نفسها عن العديد من التيارات السياسية الفلسطينية.
لماذا هذا التعثّر “الحماسي”؟
عالم السياسة البريطاني جيروين غانينغ يُفسّره في كتابه بعنوان “أصولية مع تميّز: حماس في السياسة”، بأنه ناجم عن التالي:
الحركة لجأت إلى الكفاح المسلّح فقط لمواكبة حالة التطورات الراديكالية في المجتمع الفلسطيني في أعقاب تعثر اتفاقات أوسلو، وعملياتها الاستشهادية في أواسط التسعينات لم تكن فقط تعبيراً عن مقاومة متشدّدة بل أيضاً نتيجة لتنافسها الحاد مع “فتح” على السلطة.
تشدّد الحركة على انها تؤمن بحرية الإرادة لدى الإنسان، لكن بشرط ان يلتزم أحكام الشريعة. ومن يفسّر هذه الأحكام؟ ليس رجال الدين بل مجلس الشورى التابع لها.
والحصيلة، كما يراها المؤلف، هي وجود توتر هائل في فلسفة “حماس” بين النظرية والتطبيق، وبين السياسة والإيديولوجية، برغم كونها حركة براغماتية إلى حد كبير نسبياً.
نتمنى ألا يكون تحليل غانينغ صحيحاً، لكن إذا ما كان كذلك، سيتعيّن علينا أن نشاهد التاريخ وهو يُعيد نفسه بالفعل بشكل حرفي، ومُمِل، ومؤسف.
سعد محيو