المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان حزب التحرير في كشف المؤامرة التي تدبرها أمريكا



مؤمن
18-05-2010, 10:43 AM
بيان
حزب التحرير
في كشف
المؤامرة التي تدبرها أمريكا
لارتكاب جريمة الصلح بين العرب واليهود

18 شوال سنة 1375
28 من ايار (مايو) 1956
القدس

بسم الله الرحمن الرحيم

كان قرار مجلس الأمن الصادر بتاريخ 4 نيسان سنة 1956 بإرسال همرشولد السكرتير العام للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط نقطة تحول في الأساليب الأمريكية التي تتبعها أمريكا لارتكاب جريمة الصلح بين العرب واليهود، وفرصة مواتية لاشتراك بريطانيا في العمل على تحقيق ما تستطيعه من غايتها التي أوجدت الوطن القومي في فلسطين من أجلها، ومحاولة من محاولات روسيا التي تقوم بها لدخول الشرق الأوسط بواسطة بحث قضاياه، ولذلك لم يكن غريباً أن تتقدم أمريكا باقتراح إرساله، وأن تتبنى هذا الاقتراح وتلاحق العمل له حتى ظفرت بإقرار مجلس الأمن ذلك الاقتراح، ولم يكن مستهجَناً أن تبادر بريطانيا بتأييد الاقتراح والموافقة على اتخاذ القرار لتدخل بذلك في القضية، وكان طبيعياً أن توافق روسيا عليه لأنه فرصة تتيح الدخول في قضايا الشرق الأوسط.
إلاّ أن الغريب في الأمر أن توافق الدول العربية على هذا الاقتراح، وأن ترحب بقرار مجلس الأمن، وأن تكيل المديح والثناء للسكرتير العام. إذ كيف تقبل هذه الحكومات العربية بحث مجلس الأمن لقضية فلسطين، بعد ما عانت من قراراته ما عانت من فرضه الهدنة والوقوف بجانب اسرائيل، وكيف ترحب بقرار ينص على بحث العلاقات بين العرب واليهود من قِبل الأمين العام بحثاً من شأنه أن يؤدي إلى الصلح بينهم وبين اسرائيل؟
هذا هو المستغرَب من الحكومات العربية وهي تدّعي أن اسرائيل عدوّة لها، وهذا هو المستهجَن منها وهي تزعم أنها تشتري السلاح من أجل محاربة اسرائيل. ولذلك ليس هنالك من أمل في كشف الأمر لهذه الحكومات بعد ما أعلنت رضاها به وأظهرت رغبتها في السلم بالرغم من علمها به وإدراكه خطره، فلم يبق إلاّ أن يُكشف الخطر للأمّة لتدرك عِظَم الخطْب الذي ينتظرها إذا هي تغاضت عن اتقائه، أو سكتت عن مقاومته.
لقد دأبت كل من بريطانيا وأمريكا على العمل للصلح بين العرب واليهود منذ أن قامت اسرائيل دولة عام 1948 وبذلت كل واحدة منهما المحاولات العديدة في هذا الشأن، وعلى اختلاف الدولتين في وسائلهما، ومع تسابقهما على تسخير اسرائيل لمصالحهما، فإنهما لم تفترا عن بذل محاولات الصلح بشتى الوسائل دون أن تبين كل واحدة منهما سياستها التفصيلية، وظلت الحال كذلك حتى تبلورت سياسة أمريكا في هذه القضية، فأعلنتها في خطاب ألقاه وزير خارجيتها دالاس في مجلس العلاقات الخارجية في 26/8/1955. وكان المنتظَر أن يقاوم هذا الخطاب كما كان يقاوم غيره، وأن يًرفض بداهة كما رًفض سواء، ولكن الأمر الواقع كان غير ذلك، فإن رد الفعل الذي قوبل به هذا الخطاب كان مشجعاً تشجيعاً ظاهراً، إذ أن الصحف العربية لم تتناوله بالنقد، بل دعت إلى دراسته، والسياسيون المحترفون لم يهاجموه، بل أيده بعضهم ودعا البعض الآخر إلى التروي قبل إعطاء الرأي فيه. وأن الخطاب قد قُدم للبحث في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الذي عقد في أيلول 1955 ووًضع على جدول الأعمال، ثم رفع لأن الجو لم يكن قد هُيئ له بعد. ثم كانت تصريحات السياسيين المحترفين تدل على أنهم أخذوا يتبنون ضرورة الوصول إلى حل لهذه القضية.
وقد أزعج هذا بريطانيا، وجعلها تتقدم خطوة أوسع في العمل، فألقى رئيس وزرائها ايدن خطاباً في بلدية لندن في 9/11/1955 أوضح فيه خطوطاً عريضة عن السياسة البريطانية في هذه القضية، وحاول أن يلفت إليه نظر العرب عن دالاس، فختم خطابه بنقطة هامة تتعلق بالحدود واللاجئين، وأراد أن يضع حداً أكثر وضوحاً للسياسة البريطانية في القضية. وكان المنتظَر أن يقاوَم هذا الخطاب أيضاً، وأن يُرفض الحل الذي جاء به، لكن الذي حصل هو الترحيب به لا مقاومته. فبتاريخ 12/11/1955 أذاع راديو القاهرة تصريحاً للرئيس جمال عبدالناصر حول خطاب ايدن المذكور يؤيد فيه الخطاب، فقد قال الرئيس عبدالناصر: "إنه لأول مرة يحاول رئيس وزراء غربي مسؤول أن يكون عادلاً، فإن الرئيس البريطاني بوضعه اقتراحه على أساس مقررات الأمم المتحدة 1947 إنّما يقوم بعمل إنشائي". وقال "إن ايدن اتخذ مسلكاً إيجابياً إنشائياً إزاء مشكلة أُهملت أمداً طويلاً".
وبهذا استطاع الغرب في خطاب دالاس وخطاب ايدن أن يحوّل موقف العرب إلى موقف إظهار الرغبة في السلام، وصار المسؤولون لا يتحرجون من إعطاء التصريحات الواضحة في ذلك. صرح المستر بيرسن وزير الخارجية الكندية للصحافيين في "اتوا" بتاريخ 16/11/1955 بأن هناك مجالاً كبيراً للوصول إلى تسوية للنزاع العربي الاسرائيلي، ثم قال: "إن الرئيس جمال عبدالناصر أخبره بأن مصر تتطلع إلى حل الموقف الراهن حلاً سلمياً".
إلاّ أن الغرب ظل على خلافه حول قضية فلسطين، وزاد على ذلك أن العروض الواردة في خطابي دالاس وايدن قد أبرزت الخلاف بين بريطانيا وأمريكا إبرازاً ظاهراً، وحددت رأي كل واحدة منهما في القضية تحديداً عاماً بالنسبة لبريطانيا ومفصلاً بالنسبة لأمريكا.
وبمقارنة خطاب ايدن بخطاب دالاس يتبين أن خطاب دالاس عرض مشروعاً كاملاً للحل، في حين أن خطاب ايدن وإن حاول توضيحه فإنه خطاب مجمَل مبهَم، علاوة على أنه في الحقيقة يعني أقل مما قال، ويترك للقارئ أن يفسر ما يريد. ومن أجل ذلك أخذ رد فعل عاطفياً، ولم يأخذ محاولات فعلية للبحث، ولهذا لم تستطع بريطانيا أن تأخذ زمام المبادرة في قضية فلسطين، وظل هذا الزمام بيد أمريكا، وبقي المشروع الأمريكي الوارد في خطاب دالاس هو الذي يُبحث فيه، ويُعمل لتنفيذه, وظل موضع البحث لدى السياسيين الأمريكان واليهود وجمهرة السياسيين المحترفين من العرب. وصار التفكير يتجه إلى نقل هذه العروض إلى مباحثات بين العرب واليهود. ولمّا كانت المفاوضات بين العرب واليهود في حكم المستحيل، اتجه الرأي إلى إيجاد مباحثات بالواسطة، وصار البحث يدور حول إيجاد دولة ثالثة تدخل المفاوضات. وقد عرضت بريطانيا نفسها للوساطة، ثم ترددت في الأوساط السياسية أنباء عن وساطة تيتو ونهرو وغيرهما.
إلاّ أن يقظة الأمّة ومقابلتها أنباء الوساطات بالسخط والتذمر جعل الكافر المستعمر وعملاءه يعتقدون أنه لا يمكن حل القضية عن طريق التفاوض، فانصرفت الأذهان إلى إيجاد وسيلة عملية للسلم غير التفاوض، حتى يتمكنوا من تنفيذ حلولهم التي يريدونها، فأثاروا حالة التوتر على الحدود بين العرب واليهود ولا سيما منطقة غزة، وصاروا ينذرون باندلاع حرب طاحنة بين الفريقين. وبالرغم من أن حوادث نحالين وقبيا وبدرس وقلقيلية وغزة التي كانت تحصل سنة 1953 و1954 وما قبلهما كانت أشد من حوادث سنة 1955، إلاّ أن أمريكا وبريطانيا أبرزتا الحوادث الأخيرة إبرازاً كبيراً، حتى صوّرتا المنطقة بأنها على أبواب حرب فعلية، وأخذتا تتظاهران بالعمل لمنع هذه الحرب الموهومة، وانكشف للعالم التباين بين بريطانيا وأمريكا حول هذه القضية. وظلت أمريكا مصرة على حلها الوارد في خطاب دالاس، وعلى بقاء زمام المبادرة بيدها، إلاّ أنها أدركت أن أساليبها القديمة لم تعد صالحة، فلجأت إلى أساليب أخرى، ولذلك قدّمت إلى مجلس الأمن مشروع قرار بإرسال همرشولد إلى الشرق الأوسط ليعمل في الظاهر من أجل تخفيف حدة التوتر، وفي الحقيقة من أجل إيجاد وسيلة عملية تؤدي إلى الصلح، ومفاوضة العرب لمعرفة الحد الأدنى الذي يريدونه حتى يقدموه هم لمجلس الأمن. فكان أن حضر همرشولد وأنجز اتفاق وقف إطلاق النار، وأوجد حالة جديدة، وهيأ للصلح، وفاوض من أجله.
لذلك صار من الضروري كشف اتفاق وقف إطلاق النار الذي ارتكبت الدول العربية إثم المواققة عليه، وصار لا بد من كشف الأسلوب الغربي الجديد الذي تهيئه أمريكا لارتكاب جريمة الصلح مع اسرائيل، لما يترتب على ذلك من النتائج الخطرة على الأمّة. وذلك أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنجزه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد هو أول اتفاق من نوعه منذ أنهت هدنة 1949 القتال في فلسطين، فقد عقد مجلس الأمن بعد بدء القتال في فلسطين عام 1948 هدنة في 29 أيار، وتجدد القتال فعَقَد المجلس هدنة ثانية في 15 تموز 1948، واستمرت هذه الهدنة إلى أن وقعت اسرائيل اتفاقات الهدنة في سنة 1949، وتم توقيع الهدنة في المواعيد التالية: في مصر 24 شباط، ولبنان في 23 آذار، والأردن في 3 نيسان، وسوريا في 20 تموز. ومنذ ذلك التاريخ عقدت اتفاقات محلية عديدة لوقف إطلاق النار إثر اشتباكات وغارات على الحدود، ولكن تلك الاتفاقات ليست كهذا الاتفاق، لا من حيث طبيعته، ولا من حيث نتائجه.
أمّا من حيث طبيعته، فإن هذا الاتفاق الذي أبرمه همرشولد هو اتفاق مشفوع بتأكيدات أعطتها الدول

مؤمن
18-05-2010, 10:44 AM
العربية للأمم المتحدة بالامتثال دون قيد أو شرط للفقرات الأساسية الواردة في اتفاقيات الهدنة العامة، وبإعادة الحال إلى ما كانت عليه عند قيام تلك الهدنة. والأفظع من ذلك أن هذا الاتفاق ينص كما جاء في تقرير همرشولد على وجوب اعتراف الدول العربية بتعهداتها بمراعاة المبدأ الأساسي لميثاق الأمم المتحدة، ذلك المبدأ الذي يفرض عليهم فضّ جميع منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية. وتعهدهم بمراعاته في هذا الاتفاق يحتم عليهم فضّ جميع منازعاتهم مع اسرائيل بالوسائل السلمية. وهذا كله لم يكن موجوداً في أي اتفاق من اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية الأولى.
وأمّا من حيث النتائج، فإن هذا الاتفاق جعل همرشولد يتوصل إلى إيجاد حالة بين العرب واليهود لم تكن موجودة من قبل، وهي حالة جديدة تختلف عن حالات الهدنة الأولى، وهي أشبه بحالة سلم تؤدي إلى الصلح منها بحالة وقف إطلاق النار، وهذا كله واضح في أقوال همرشولد نفسه، فإنه يقول في تقريره الأوّلي الذي قدمه لمجلس الأمن ما نصه: "وبعد أن أعطى الفرقاء المعنيون تأكيدات كهذه بوقف إطلاق النار أخذتُ أدرس مع الحكومات المعنية إمكان الوصول إلى حالة جديدة من الامتثال للفقرات المختلفة الواردة في اتفاقيات الهدنة العامة، ولقد أبدى جميع الفرقاء رغبة في الوصول إلى حالة من الامتثال التام الكامل".
ويقول في التقرير النهائي الذي قدمه لمجلس الأمن: "إن ما تم الوصول إليه يمكن أن يمهد السبيل لتطورات جديدة مثمرة". ويقول في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد تقديمه التقرير النهائي: "إن اتفاقيات وقف إطلاق النار، التي تمكن من الحصول عليها من مصر ولبنان وسوريا والأردن واسرائيل قد تمهد السبيل أمام تطورات مثمرة، وأنه يرى الآن وجود إمكانية بدء سلسلة جديدة من ردود الفعل نحو السلم".
ولهذا كان لزاماً على الأمّة أن تنظر إلى أن همرشولد جاء لأكثر من وقف إطلاق النار، وأن تتبين أن الحالة الجديدة التي توصّل إليها هي أكثر من حالة هدنة، وأن تدرك أن حضوره إنّما كان من أجل مفاوضات الصلح، ومن أجل إيجاد الوسيلة الفعالة للصلح. ولذلك كان من المحتم أن تتبين الكيفية التي عالج بها همرشولد هذه القضية، والنتائج التي توصّل إليها والحالة التي وصلت إليها الدول العربية في شأن قضية فلسطين.
لقد حضر همرشولد إلى الشرق الأوسط واتصل بالدول العربية الأربع المجاورة لاسرائيل، ولم يتصل بدول الجامعة العربية، وزار مصر أكثر من مرة، كما زار سوريا مرتين، وتحدث في مهمته التي قررها مجلس الأمن كما تحدث بأوسع منها، وأعطى نفسه صلاحيات، وسمح لنفسه بتفسيرات، ليصل إلى مهمته الظاهرة إلى التمهيد للصلح.
ويتبين من تقريره الأوّلي الذي قدمه لمجلس الأمن في 3/5/1956 أن الكيفية التي عالج بها القيام بمهمته تدل على أن عمله لتخفيف التوتر ووقف إطلاق النار إنّما هو وسيلة لإيجاد حالة جديدة تؤدي إلى الصلح، وهذا يدل على أنه إنّما جاء للصلح، ولايجاد وسيلة للصلح، ولذلك جعل عمله مبنياً على أهداف مجلس الأمن، لا على قرار إيفاده. فإنه يقول في تقريره الأوّلي عن مهمته: "وأن هدف مجلس الأمن هو الحصول على صورة لكيفية الامتثال لشروط الاتفاقيات من جهة، وتبني تدابير محلية مينة لتأييد حالة الامتثال من جهة أخرى". فهو بهذا الكلام يحدد الهدف من القرار لا من نص القرار، ليصل من ذلك إلى تبرير أعماله وجعلها داخلة ضمن مهمته، وقد لجأ إلى هذا التبرير بالتفسيرات التي أباحها لنفسه، لذلك تجده يقول في التقرير: "وقد رأيت من المناسب أن أفسر أهداف قرار مجلس الأمن تفسيراً لا أتقيد بموجبه بتقديم تقرير عن كيفية تطبيق اتفاقيات الهدنة حال وصولي إلى تلك المنطقة فحسب، بل يتحتم عليّ بموجب هذا التفسير أن أحاول حمل الفرقاء المعنيين بالأمر على الامتثال لشروط الاتفاقيات إلى أكبر حد ممكن".
ثم تجده يغالي في التفسير ويعتبر قرار مجلس الأمن انتداباً له بالمفاوضة لإيجاد وسيلة للصلح. وهذا أفظع تفسير يخرجه عن مهمته، فهو قد جاء لتخفيف التوتر، ولم يأت لإيجاد وسيلة للصلح، فكيف يفسر قرار مجلس الأمن هذا التفسير؟ وكيف يجرؤ على ذلك ولا توجد في نصوص القرار كلمة واحدة تحتمل الانتداب أو تشير إليه لا من قريب ولا من بعيد؟ وتفسيره هذا واضح في التقرير الأوّلي المذكور، فهو يقول: "ولقد سمحت لنفسي أن أعتبر قرار مجلس الأمن انتداباً لي بالتفاوض للوصول إلى حالة جديدة من الامتثال لشروط اتفاقيات الهدنة".
هذه هي الكيفية التي عالج بها مهمته، وهي تدل على أن هذه المهمة هي إيجاد حالة جديدة يتوصل بها إلى الصلح، وليس مجرد تخفيف التوتر. ولهذا حصل على اتفاقية وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط من مصر واسرائيل في فترة قصيرة، وبشّر بذلك اليهود ليطمئنوا إلى وجود الأمل بالصلح، مع أنه لم يكن بعد قد فاوض بقية الدول العربية في تخفيف التوتر. فإنه بتاريخ 20/4/1956 غادر اسرائيل من مطار اللد عائداً إلى مقره في بيروت، وتحدث عن مهمته السلمية في الشرق الأوسط، فقال للصحفيين على المطار: "إنني واثق بأننا على الطريق الصحيحة وإنني شخصياً لا أرى أي سبب لكي نضيعها. إن هذا العمل شبيه جداً بمحاولة بناء قوس. وإنني أشعر بأن الحجر الثاني في القوس الذي وُضع هنا في اسرائيل بنفس قيمة الحجر الأول في القاهرة، ولكن القوس لا يصبح متركزاً حتى تصبح جميع الأحجار في أمكنتها". ثم بعد ذلك حصل على اتفاقيات وقف إطلاق النار دون قيد أو شرط من لبنان وسوريا والأردن. ولم يكتف بذلك، بل بادر بعد حصول الاتفاقيات وانتهاء مهمته التي أرسله مجلس الأمن من أجلها وهي تخفيف التوتر إلى المفاوضات مع الدول العربية لإيجاد الحالة الجديدة التي يريدها، والتي بعثته أمريكا من أجلها، والتي هي القصد الأساسي من مجيئه. ولهذا نجده يقول في تقريره الأوّلي لمجلس الأمن: "ولقد نشرتم أخيراً وثائق تشير إلى أنني في هذه الفترة القصيرة قد حصلتُ على تأكيدات مماثلة من حكومتيْ مصر واسرائيل... ولقد أبلغتكم من قبل أنني أُعلِمتُ بأن هذه الأوامر قد وُضعت موضع التنفيذ في الساعة السادسة من مساء الثامن عشر من شهر نيسان سنة 1956 وبقيت نافذة المفعول منذ ذلك الحين. وأجريتُ المفاوضات مع الدول العربية الثلاث الباقية للحصول على تأكيدات متبادَلة مماثلة بمراعاة وقف إطلاق النار بدون قيد أو شرط مع المحافظة على حق أولئك الفرقاء بالدفاع عن النفس. وقد أسفرت المفاوضات في جميع الحالات عن نتائج إيجابية... وبعد أن أعطى الفرقاء المعنيون تأكيدات كهذه بوقف إطلاق النار أخذتُ أدرس مع الحكومات المعنية إمكان الوصول إلى حالة جديدة من الامتثال للفقرات المختلفة الأخرى الواردة في اتفاقيات الهدنة العامة. ولقد أبدى جميع الفرقاء رغبة في الوصول إلى حالة من الامتثال التام الكامل". وهذا صريح بأن الحالة الجديدة التي سعى لإيجادها هي الامتثال التام الكامل، حتى يؤدي ذلك إلى المفاوضة على المشاكل الرئيسية، وبيّن أن الدول العربية قد قبِلت هذه الحالة الجديدة بإذعان تام، وهذا إشعار منه بنجاح مهمته الحقيقية وهي إيجاد الحالة المؤدية مباشرة للصلح.
وعلى ذلك فإنه يتبين من تقرير همرشولد الأوّلي أنه يعترف اعترافاً صريحاً بأن الأسلوب الذي عالج به تخفيف حدة التوتر في فلسطين إنّما هو أسلوب تهيئة الصلح، وما تخفيف حدة التوتر إلاّ خدع، حتى أن قرار وقف إطلاق النار الذي عقد اتفاقياته إنّما هو من أجل الوصول إلى المفاوضات للاتفاق على الحالة الجديدة التي تمت الموافقة عليها من جميع الفرقاء.
هذا بالنسبة للتقرير الأوّلي، أمّا التقرير النهائي فإنه لم يكن تقريراً عن مهمته التي بعثه مجلس الأمن من أجلها، وإنّما هو في الحقيقة تقرير عن المهمة الحقيقية التي ذهب من أجلها، وهي إيجاد الحالة الجديدة المؤدية للصلح بين العرب واليهود. وقد تعمد همرشولد أن يجعل تقريره النهائي تقريراً يصف واقعاً موجوداً، ويبين الحالة الجديدة التي أوجدها، ويؤكد ضرورة الانتظار لحصول الثمرات لهذه الحالة الجديدة. كما تعمّد في التقرير أن لا يضمّنه أية توصيات معيّنة، بل جعله سرداً لوقائع دون أية توصيات، وذلك ليسير مجلس الأمن في الطريق التي رسمها هو، وهي انتظار ظهور ثمرات الحالة الجديدة التي أوجدها، للانتقال إلى بحث الصلح. ولذلك نجد مجلس الأمن بعد أن أطلع همرشولد أعضاءه واحداً واحداً على التقرير لم يبادر في عقد جلسة حين تقديمه ولم يهتم بذلك اهتماماً يتفق واهتمامه حين قرر إرساله لأن التقرير ليس عن مهمته التي أرسله مجلس الأمن من أجلها وهي تخفيف التوتر، وإنّما هو عن المهمة التي أرسلته أمريكا من أجلها وهي بحث قضية فلسطين وإيجاد حالة تؤدي إلى الصلح بين العرب واليهود. ولهذا كان أحرى بأن يكون تقريراً لأمريكا من أن يكون تقريراً لمجلس الأمن.
والناظر في التقرير يجد أن أهم ما فيه ثلاث نقاط: إحداها تتعلق بمسألة وقف إطلاق النار، والثانية تتعلق بالرغبة في السلام وتنمية هذه الرغبة وتشجيعها، والثالثة تتعلق بالحل النهائي وكيفية الوصول إليه.
يقول همرشولد بالنسبة للنقطة الأولى إنه توصل إلى عقد اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع مصر واسرائيل دون قيد أو شرط، وكذلك توصّل إلى عقد اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع كل من سوريا ولبنان والأردن دون قيد أو شرط، غير أن سوريا أرفقت تعهدها بإشارة إلى قرار مجلس الأمن الذي يطلب من اسرائيل وقف أعمالها في تحويل مجرى نهر الأردن، وأن رئيس وزراء الأردن لفت النظر إلى النتائج الخطرة من تحويل مجرى نهر الأردن، وأن لبنان أشار كذلك إلى هذا المشروع. غير أن همرشولد لم يُعِر هذه الإشارات من سوريا ولبنان والأردن اهتماماً، واعتبرها تحفظات خارجة عن التعهد بوقف إطلاق النار. وقد بيّن همرشولد أنه في محادثاته مع مصر واسرائيل توصّل إلى أن كلتا الدولتين وافقتا على تأسيس مراكز جديدة لمراقبي الهدنة على جانبي خط الهدنة، وقال بصدد تراجع القوات المسلحة "إن مصر قبِلت به دون تحفظ، ووافقت على سحب قواتها إلى الوراء مسافة كافية لإزالة أسباب التحرش والتوتر. وأمّا اسرائيل فقالت إنها ستكُف عن إرسال الدوريات إلى تلك الخطوط، إلاّ إذا تبين لها أن هذا العمل ضروري للمحافظة على العمليات الزراعية التي يقوم بها السكان الاسرائيليون في المنطقة، أو لمنع غزوات يقوم بها بعض الأشخاص

مؤمن
18-05-2010, 10:46 AM
من المنطقة المصرية".
وذكر همرشولد أن سوريا قبِلت اقتراحه بإقامة مركزين للمراقبة على أرض سوريّة وواحد على أرض اسرائيلية، مع قارب في بحرية طبريا يستعمله المراقبون في أعمالهم. غير أن اسرائيل رفضت تسيير زورق للمراقبة في أراضيها، وبررت ذلك بقولها لا ضرورة لتلك الإجراءات، لأنها تتنافى ما ما تدعّيه من حق في كل البحيرة والأراضي الممتدة شمالاً وشرقاً حتى الحدود القديمة لفلسطين.
وقال همرشولد: إن كلا من سوريا ومصر والأردن ولبنان منحته تأكيدات بشأن حرية تنقّل المراقبين ضمن المناطق التي يراها المراقبون ضرورية لأعمالهم. أمّا اسرائيل فلم تمنحهم هذا الحق وإنّما تعهدت بمعاملة المراقبين كالسكان المدنيين والزوار فحسب، يدخلون المناطق المدنية، ولا يدخلون المناطق العسكرية، واستثنت من المناطق العسكرية المراكز المتاخمة لمنطقة غزة فقط، فقد سمحت للمراقبين بدخولها ولم تسمح لهم بدخول باقي المناطق العسكرية.
هذه خلاصة ما ورد في تقرير همرشولد عن مسألة وقف إطلاق النار. ومنها يتبين للأمّة التفريط التي فرّطت به الدول العربية، ويتبين منها أيضاً أنه ليس صحيحا ما تدّعيه سوريا ولبنان والأردن من أنها اشترطت عدم تحويل مجرى نهر الأردن، فإن التقرير صريح بأن التعهدات التي أعطتها هذه الدول هي بدون قيد أو شرط، وأن مسألة تحويل مجرى نهر الأردن أشارت إليها لبنان إشارة، ولفتت الأردن النظر إلى نتائجها، وأن سوريا إنّما أشارت إلى قرار مجلس الأمن المتعلق بها، إذ يقول تقرير همرشولد في هذا الموضوع: "غير أن سوريا أرفقت تعهدها برسالة أشارت فيها إلى قرار اتخذه مجلس الأمن سنة 1953 بدعوة اسرائيل إلى وقف أعمالها في حفر قناة في المنطقة المجردة من السلاح كقسم من مشروع استغلال مياه نهر الأردن". ويتبين كذلك أن الدول العربية سمحت للمراقبين أن يتنقلوا حيث يشاؤون ما داموا يدّعون أن المناطق التي يتنقلون فيها ضرورية لعملهم، ولو كانت من أخطر المناطق العسكرية وأكثرها حساسية، في حين أن اسرائيل رفضت ذلك، مع أنها واثقة كل الوثوق بالمراقبين، بخلاف الدول العربية فإنها في شك في كثير منهم.
هذا بالنسبة للنقطة الأولى في التقرير. أمّا بالنسبة للنقطة الثانية وهي المتعلقة برغبة السلام، فإن همرشولد يقول: "وإني أشعر بأن هناك رغبة عامة في المحافظة على السلام، وبأن الواجب يعود إلى تنمية هذه الرغبة وتشجيعها، إلاّ أن ذلك لا يتم عن طريق بذل المحاولات لفرض الحلول الخارجية لمشاكل لها معايبها الحيوية لكل من في المنطقة، بل عن طريق التعاون الذي يسهل على الحكومات المعنية أن تتخذ إجراءات في النهاية لزيادة الثقة، وإظهار رغبتها في خلق الظروف السلمية... وإنني أعتقد بأن الظروف الحاضرة توفر إمكانيات فريدة، وإذا شاهدنا في السابق سلسلة من ردود الفعل أدت إلى تدهور الموقف باستمرار، فإننا ربما شاهدنا إمكانية البدء بسلسلة جديدة من ردود الفعل في الجهة المعاكسة". وهذا الكلام من همرشولد صريح بأن الدول العربية مقتنعة بالمحافظة على السلام، أي مقتنعة بالصلح، ولم يجد لديها أية مقاومة.
ولذلك يقول في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 11/5/1956 "إن من حُسن الحظ أن تكون الحلول التي قبِل بها الفرقاء المعنيون منبثقة عن أفكارهم، ولا أعتقد أننا نساعد الفرقاء المعنيين إذا جئنا من الخارج لنبلغهم ما يجب عليهم أن يفعلوه".
وهذا مما يجب أن يُلفَت نظر الأمّة إليه لتعلم ما هي حكوماتها، وعلى أي شيء وافقت؟ إن ذلك يعني قبول هذه الدول بمشاريع الصلح الغربية على أن تأتي هذه المشاريع منها لا من الغرب، لأنه لا معنى للرغبة العامة في المحافظة على السلام سوى الرغبة في إيجاد وسائل الصلح. وأن همرشولد ليعلم أن الحلول التي يريد إقناع العرب بها هي الحل الأمريكي، ويعلم ما في هذا الحل من معايب تجعل الأمّة تقاومه، ولذلك يطلب التعاون مع الحكومات العربية حتى تتمكن من القيام بإجراءات من شأنها أن تزيد الثقة بها، ولهذا يقول: إن الحلول الخارجية حلول بها معيب، فلا بد من اتخاذ ترتيبات تسهل قبول هذه الحلول ومعايبها، وذلك بالتعاون مع الحكومات المعنية ليسهل عليها اتخاذ إجراءات في النهاية لزيادة الثقة الشعبية بها، والتمكن من إظهار رغبتها في إيجاد الظروف السلمية. وهذا يدل على أن المراد أن تتمكن الحكومات العربية من إظهار رغبتها في أن تقوم هي بإيجاد الظروف السلمية بنفسها، وذلك بأن تتقدم هي باقتراحات سلمية ليجري بحثها من قِبل هيئة الأمم، فتكون الحلول قد جاءت من الدول العربية نفسها لا من الخارج، أي أن تسمى الحلول الغربية حلولاً عربية، لتضليل الأمّة وإيهامها أنها حلول لمصلحتها. وهذا يدل على أن همرشولد يعرف أن هذه الحكومات راغبة في الصلح ولكنها تخشى من الأمّة، فهو يطلب من أمريكا التي أرسلته أن تتعاون مع هذه الحكومات لتمكّنها من اتخاذ إجراءات لكسب الثقة الشعبية التي بها تُقدِم على ارتكاب جريمة الصلح تدريجياً. وهذا ما ننبه الأمّة إليه حتى لا تُخدع بالأباطيل والترّهات وحتى تعلم ما بيّته لها حكامها من أخطار، وما يحيكونه مع الكافر المستعمر من مؤامرات تنفَّذ تحت ستار إجراءات تافهة تثير العواطف وتخدّر الأمّة لتنال ثقتها.
أمّا النقطة الثالثة في التقرير، فهي الحديث عن الحل النهائي وعن كيفية الوصول إليه فهو يقول: إن الحل النهائي مع وجود مشاكل مزعجة يبدو أنه ليس قريباً، وللوصول إليه لا بد من الانتهاء من حل هذه المشاكل المزعجة، لأن حلها يساهم في تحقيق الرفاهية وإيجاد السلام في هذه المنطقة، فتكون النتيجة الحتمية هي الحل النهائي، وهذا يعني أن تبادل إطلاق النار واستمرار شقاء اللاجئين، تجعل الحل النهائي غير معروف أقريب هو أم بعيد. فإذا تم وقف إطلاق النار ورفع مستوى معيشة اللاجئين وانتُهي من مسألة مجرى نهر الأردن وحرية الملاحة في قناة السويس، فإنه حينئذ تتحقق الرفاهية ويوجد السلام، فيكون الحل النهائي قد تهيأت جميع أسبابه.
ويعتقد همرشولد أن التقيد باتفاقيات الهدنة يمثل مرحلة لا بد من اجتيازها لحل القضايا الرئيسية التي يتم بها الصلح، وهذه القضايا الرئيسية هي قضايا الحدود واللاجئين والخوف المسيطر على العرب واليهود. ويقول إنه يعتقد ذلك استناداً إلى المحادثات الكاملة والصريحة التي أجراها مع الدول العربية واسرائيل، وهو لا يرى أن يقدم أية توصيات، ولا يرغب أن يبين ما هي الخطوات التالية التي يجب أن يُسار فيها قبل أن يرى ثمرات وجود الحالة الجديدة. ولذلك يقول في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 11/5/1956 "إنه من الضروري أن تتمعن الحكومات المعنية وغيرها ممن يهتم بهذا الموضوع في نتائج مهمته لمعرفة الوضع الذي بتنا فيه قبل أن نتسرع دون أن نكوّن رأياً موزوناً وممحصاً، وبانتظار ذلك لا أرغب في أن أحدد ما يسمونه بالخطوات التالية".
ويعتقد همرشولد أن الظروف الحاضرة ظروف مواتية للقيام بالأعمال السلمية، فهي توفر إمكانيات فريدة لا مثيل لها، والذي جعله يعتقد ذلك هو أن السياسيين من العرب يسلكون اليوم طريقاً إيجابياً، وقد كانوا في جميع أوقاتهم سلبيين، وأصبحت رغبتهم الظاهرة في السابق كانت في الحرب وكانوا لا يفتُرون عن التهديد بالجولة الثانية.
وهذه الخلاصة لتقرير همرشولد، وهو صريح وواضح أنه تقرير يتعلق بالحل النهائي لقضية فلسطين، والوسيلة التي توصل إليها، وهو يشير إلى أن هذا الحل الذي فاوض على أساسه فيه معايب ولا بد من قبوله بمعيبه، وهو يصرح بأنه يجب أن يُعمل لأن تقدم الحكومات العربية هذا الحل لا أن يُفرض عليها من الخارج. انظر إليه وهو يقول في التقرير النهائي: "إن الحل النهائي قد يكون بعيداً إلاّ أن الحلول الجزئية لهذه المشاكل المزعجة لا بد أن تساهم في تحقيق الرفاهية للشعوب المعنية".
وانظر إليه وهو يقول: "إلاّ أن ذلك لا يتم عن طريق بذل المحاولات لفرض الحلول الخارجية لمشاكل لها معايبها الحيوية لكل من في المنطقة"، ويقول: "إن زمام المبادرة هو الآن في يد مصر وسوريا ولبنان والأردن واسرائيل". ويقول في المؤتمر الصحفي: "ولا أعتقد أننا نساعد الفرقاء المعنيين إذا جئنا من الخارج لنبلغهم ما يجب عليهم أن يفعلوه". ويترتب على هذا الرأي أن لا تقدّم أمريكا ولا بريطانيا ولا همرشولد أي حل وإنّما يُعمل لأن تقدم ذلك الدول العربية إلى هيئة الأمم. وإلى أن يتم هذا يُعمل لتنفيذ قرارات وقف إطلاق النار، ويُعمل على تركيز الحالة الجديدة التي أوجدها همرشولد، كما يُعمل لدغدغة الرأي العام بالمقترحات والحلول، حتى يهضم الحلول الغربية، فتقدمها الدول العربية مشاريع عربية لتقرَّر من هيئة الأمم، وتنفَّذ على الجميع.
هذا هو معنى تقرير همرشولد وما يرمي إليه، ولهذا نجد الدول العربية سائرة في اقتراح الحلول، فبعضها قد قدم رأيه بالفعل في حل القضية قبل انتهاء همرشولد من تقريره، وبعضها بدأ يعمل لإيجاد مشروع عربي بمجرد أن أنهى همرشولد تقريره. فإن بعض الأوساط السياسية تقول إن العراق أحست بأن أمريكا تحاول تحويل القضية الفلسطينة إلى هيئة الأمم المتحدة، وتحاول إخراجها من صلاحيات دول الجامعة العربية كلها وجعْلها صلاحيات الدول الأربع المجاورة لاسرائيل، ولذلك قامت العراق بمحاولة تُبقيها طرفاً في النزاع لأنها لا تزال رسمياً في حالة حرب مع اسرائيل، وتثبت حقها في أن يكون لها رأي يُعتبر في حل القضية، ولذلك نجدها أثناء انعقاد مجلس حلف بغداد في طهران في شهر نيسان 1956 قد تقدمت بمذكرة إلى كل من أمريكا وبريطانيا تبين فيها رأيها في حل القضية وتعرض مشروع حل معين ومفصل يتلخص في النقاط الآتية:

مؤمن
18-05-2010, 10:46 AM
1- تنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة بالنسبة لتقسيم فلسطين الصادرة سنة 1947 وهي تقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، فيُعطى العرب الجليل الغربي ومنطقة السامرة الجبلية مع لواء رام الله ولواء الخليل والسهل الساحلي الممتد من اسدود حتى الحدود المصرية، ويُعطى اليهود الجليل الشرقي والقسم الأكبر من السهل الساحلي ومنطقة بئر السبع والنقب، وتلتقي الأقاليم الثلاثة التي يتألف منها القسم العربي بالأقاليم الثلاثة التي يتألف منها القسم اليهودي في نقطة قرب العفولة وأخرى قرب المجدل، ويكون المرور على مناطق الالتقاء هذه حراً للعرب واليهود على السواء، أي تلتقي المنطقة العربية الجنوبية الجبلية بالمنطقة العربية الساحلية، والمنطقة اليهودية الجنوبية في النقب بالمنطقة اليهودية الساحلية في نقطة قرب المجدل، وتلتقي المنطقة العربية الشمالية في الجليل الغربي بالمنطقة العربية في السامرة، والمنطقة اليهودية الشمالية في الجليل الشرقي بالمنطقة اليهودية الساحلية في نقطة قرب العفولة، ويكون المرور في هاتين النقطتين حراً للجميع من عرب ويهود.
2- تصبح القدس منطقة دولية تابعة لهيئة الأمم المتحدة.
3- يعطى للفلسطينيين سواء أكانوا لاجئين أم لم يكونوا، حق العود لبلادهم في القسم اليهودي وفي القسم العربي على حد سواء.
4- أن تنسحب الدول العربية من المناطق التي تحتلها في فلسطين، وأن تنسحب اسرائيل إلى حدود التقسيم، وأن يُستفتى العرب في جميع القسم العربي في مصيرهم، إما بإقامة دولة عربية في هذا القسم، وإما بالانضمام إلى أية دولة عربية يختارونها.
وقد صرح فاضل الجمالي رئيس وزراء العراق السابق وأحد أعضاء الوفد العراقي إلى مؤتمر حلف بغداد في طهران بما يؤكد ذلك، فإنه بتاريخ 13/5/1956 سئل في بيروت: لعلكم قرأتم أمس أن مصر تبحث مع دول الهدنة العربية بوضع مشروع تسوية للصلح من مقررات الأمم المتحدة، فهل عند العراق مشروع ما؟ فأجاب قائلا: "لا أستطيع التصريح، وإنّما أستطيع أن أؤكد أن العراق قام بواجبه في هذه الناحية بصورة واضحة، وقدم وجهة نظر مفصلة يعرفها الغرب الآن جيداً، غايتها تنفيذ مقررات الأمم المتحدة بصورة معقولة ضمن مشروع محدد. وجلّ ما أود تأكيده هو أن العراق يرجو أن تعتبر القضية الفلسطينية قضية عربية يساهم بها اخواننا الفلسطينيون في حق تقرير مصيرهم، فهم ذوو الحق الأول في هذا الحقل".
وبذلك تكون العراق قد تجاوزت الأقوال في طلب تنفيذ قرارات هيئة الأمم المتحدة سنة 1947 إلى بيان رأيها العملي في كيفية التنفيذ.
وفكرة المشروع المصري هي بعينها الحلول التي يبسطها المشروع الأمريكي، وأن المشروع العراقي يتفق والمشروع الانكليزي، وهذا يدل على أن العراق ومصر تتسابقان على تقديم حلول لقضية فلسطين للوصول إلى الصلح. وبهذا التسابق بين مصر والعراق على تقديم المشاريع لحلول القضية الفلسطينية، يكون قد انحط الوضع في الدول العربية من رفض حازم وكفاح مرير إلى إذعان تام ومفاوضات مهينة، ويكون قد انتهى الصراع السياسي بين انجلترا وأمريكا من ايدن ودالاس إلى نوري السعيد وعبدالناصر. فبعد أن كانت انجلترا وأمريكا تعرض كل منها الحلول فترفضها الأمّة وتقاومها، صار عملاؤها يعرضون حلولهما باسم الأمّة على أنها حلول عربية. وبعد أن كان دالاس وايدن يتزاحمان على أخذ زمام المبادرة في استرضاء العرب لحل القضية، صار عبدالناصر ونوري السعيد يتزاحمان على أخذ زمام المبادرة لاسترضاء الكافر المستعمر بمساعدتهما على حل القضية. وهذا أسوأ ما وصلت إليه السياسة في البلاد العربية، وأخطر ما تعرضت له القضية الفلسطينية، وأبرز ما وصل إليه التفريط من الفئة الحاكمة في حقوق الأمّة وقضاياها.
إن المشروع العراقي سؤاء قُدم قطعاً للطريق على جمال عبدالناصر قبل أن يأخذ زمام المبادرة في حل القضية، أم قُدم بإشارة من انجلترا لتُقحم نفسها في محاولات أمريكا التي تقوم بها لارتكاب جريمة الصلح، أم قُدم لإثبات العراق في قضية فلسطين، فإن المشروع مأخوذ من الخطوط العريضة التي ختم بها ايدن خطابه الذي ألقاه في بلدية لندن بتاريخ 9/11/1955 إذ يقول إيدن في خطابه: "إن الموقف يتلخص اليوم بأن العرب من جهة يتمسكون بمقررات الأمم المتحدة لعام 1949 وغيرها"، ثم يقول: "إنني أوافق على أنه ليس من الحق التغاضي عن مقررات الأمم المتحدة. ولكن أيُمكن في الوقت ذاته التسليم بأنه في حيز المستطاع تنفيذ مقررات الأمم المتحدة الآن كما هي تماماً؟". ويقول فاضل الجمالي في تصريحه عن المشروع العراقي الجديد: "وقدّم (أي العراق) وجهة نظر مفصلة يعرفها الغرب الآن جيداً، غايتها تنفيذ مقررات الأمم المتحدة بصورة معقولة". والصورة المعقولة التي ذكرها الجمالي هي الصورة التي ذكرها ايدن عند تنفيذ مقررات الأمم المتحدة. وقد تمسك العراق في مشروعه بقرارات الأمم المتحدة في البندين الأول والثاني، وتحوّل عنها في البندين الثالث والرابع، فيكون العراق قد حكى في مشروعه رأي انجلترا.
وأمّا فكرة المشروع المصري فلا تزال مجرد أفكار لم تأخذ بعد دور المشروع الرسمي، وإن كان يبدو

مؤمن
18-05-2010, 10:47 AM
أن هذه الأفكار قد تبلورت. وفكرة المشروع المصري المذكورة سواء فكّر فيها عبدالناصر كمشروع جاهز لحل القضية وأخْذ زمام المبادرة في حلها، أم فكّر فيه بإشارة من أمريكا لتتولى تنفيذ حلها عن طريق عربية، أم فكّر فيه حتى ينتهي من قضية فلسطين ويتفرغ لمشاكله الداخلية، فإن المشروع في نقطتيه الأولى والثانية هو نفس المشروع الأمريكي، وأمّا النقطة الثالثة فهي لا تدخل في الحل وليست موضع بحث. والدليل على أن المشروع هو نفس المشروع الأمريكي الوارد في خطاب دالاس، هو أن البند الأول منه وارد في خطاب دالاس كما هو وارد على لسان الزعماء المصريين.
فقد أورد ويلتون وين مراسل الاسوشيتد برس في القاهرة بتاريخ 29/4/1956 نبأ قال فيه: "ويقول الزعماء العرب إنه قد يكون بالإمكان تعديل مقررات الأمم المتحدة أثناء إجراء المفاوضات. ويصر الزعماء المصريون بصورة شخصية مثلاً على أن التسوية يجب أن تشمل إعطاء مصر اتصالاً برياً تُمكِن المدافعة عنه مع الدول العربية الأخرى عن طريق صحراء النقب"، ولكن قرار التقسيم الصادر سنة 1947 لا ينص على اتصال بري دفاعي، وإنّما ينص على وجوب إنشاء ممر بري غير دفاعي"، وهذا يعني أن الزعماء المصريين يطالبون بتعديلات للدفاع تدخل النقب في القسم العربي، وهذا هو الذي ورد في خطاب دالال حيث يقول: "فالخطوط الحالية التي تفصل اسرائيل عن الدول العربية قد تم تثبيتها باتفاقات الهدنة عام 1949، ولم يكن المراد منها أن تكون حدوداً دائمية من كل وجه... ولا ريب أن مهمة وضع حدود دائمية هي مهمة تكتنفها الصعوبة، فليس هنالك دليل واحد أكيد، إذ كل من الادعاءين المتضاربين قد يبدو جديراً بالتقدير. وتزيد الصعوبة إذا علمنا أنه حتى الأرض الجرداء قد أصبحت لها أهمية عاطفية، ومن المؤكد أن مزايا الإجراءات التي تم إيجازها هنا تبدو أنها تفوق بكثير أية مساوئ صرفة تنجم عن التعديلات الضرورية لتحويل خطوط الهدنة الخطرة إلى حدود أمان" فالأرض الجرداء المذكورة هنا إنّما هي أرض النقب، والتعديلات الضرورية هي تعديلات للتمكن من الدفاع.
وأمّا البند الثاني فإن مطالبة مصر بالتعويض على اللاجئين معروفة مشهورة، وموافقتها على مشاريع الإسكان للاجئين أمر قديم، وتنفيذ الإسكان عملياً في قطاع غزة مشاهَد محسوس. وذلك كله يدل على أن مصر ترى عودة بعض اللاجئين وإعطاء تعويض لمن لا يعودون. وهذا هو الذي ورد في خطاب دالاس حيث يقول: "لوضع حد للكارثة التي حلت بتسعمائة ألف لاجئ يتطلب الأمر أن يستطيع هؤلاء الناس الذين أُبعدوا عن ديارهم أن يستأنفوا حياة الكرامة والاحترام الذاتي عن طريق إعادة الإسكان، وعن طريق عودة البعض منهم إلى ديارهم ضمن حدود المعقول... فالتعويض حق من حقوق اللاجئين على اسرائيل". وعلى هذا فإن فكرة الزعماء المصريين عن حل القضية هي نفس الفكرة التي حملها دالاس، فتكون مصر في فكرتها عن الخطوط العريضة لمشروع تحل قضية فلسطين بموجبه قد حكت رأي أمريكا.
وأمّا النقطة الثالثة في فكرة المشروع المصري، وهي ضم المنطقة العربية بما فيها منطقة غزة إلى المملكة الأردنية وأن يكون الملك حسين ملكاً عليها، فإنها قد نشرتها جريدة "الجريدة" بتاريخ 3/5/1956 على أنها قرارات مؤتمر الأقطاب الثلاثة عند اجتماعهم في القاهرة. فقد قالت "الجريدة" ما نصه: "اقترحت مصر وسوريا والسعودية على الملك حسين تنصيبه ملكاً على الأردن وفلسطين لقاء قبوله المساعدة المالية العربية ومعارضة الأحلاف الغربية، وقد قَبل الملك حسين الاقتراح، وأن هذا القرار اتخذه الأقطاب العرب الثلاثة عند اجتماعهم في القاهرة، وقد أبلغوا ذلك إلى الملك حسين بواسطة السيد بهجت التلهوني رئيس الديوان الملكي عند زيارته للقاهرة".
ومن ذلك يتبين أن العراق قدّم مشروعاً كاملاً لحل القضية وأن الدول العربية المجاورة لاسرائيل بعد أن عقدت اتفاقات وقف إطلاق النار ووافقت على الحالة الجديدة، صارت تحاول أن تنتقل إلى الخطوات التي تتبع ذلك، فصارت تفكر بمشاريع لحلول القضية.
وبهذا كله تكون الدول العربية قد نفّذت جميع ما سعى إليه همرشولد ولم يبق إلاّ أن يًترك الأمر مدة من الزمن حتى تؤتي هذه الحالة الجديدة ثمراتها، وتصل الأمور إلى الحل النهائي بشكل طبيعي، فتتم بذلك المؤامرة الأمريكية لارتكاب جريمة الصلح بصورة آلية. ولذلك نجد همرشولد حريصاً على حصر الجهود الآن في هذه الحالة، منادياً بعدم التفكير بأية خطوة أخرى في الوقت الحاضر، معلناً أنه لا يعتزم العودة إلى الشرق الأوسط، فيقول في مؤتمره الصحفي: "إني لا أعتزم العودة إلى الشرق الأوسط لأنني لا أجد شيئاً يدفعني إلى أخذ زمام المبادرة في هذا الأمر"، ويقول: "وبانتظار ذلك لا أرغب في أحدد ما يسمونه الخطوة التالية". ولذلك نجده يتصل بأعضاء مجلس الأمن واحداً واحداً ليقنعهم بعدم اتخاذ أي إجراء في الوقت الحاضر لأنه يعتبر أن الأمر أصبح في يد الدول العربية، تنفذ ما توصّل إليه معها، وما تعهدت بتنفيذه، ولهذا يقول في تقريره النهائي: إن زمام المبادرة الآن هو في يد مصر وسوريا ولبنان والاردن واسرائيل. ولكن همرشولد حين يحرص على بقاء الحالة كما هي إنّما يقرن ذلك بالإشارة إلى أنه لا بد من القيام بأعمال أخرى جزئية تثبّت هذه الحالة وتقوّيها، فيعلن في مؤتمره الصحفي أنه يرى أن مرحلة ثانية لعملية كتلك التي قام بها يجب أن تكون "القيام بجميع الأعمال التي لا تسيء إلى التطور الطبيعي بل تخلق الجو الذي يمكن فيه معالجة المشاكل المستعصية بأمل أكبر". والظاهر أن أمريكا قد اقتنعت برأيه، إذ بعد أن كانت تقول بأن همرشولد سيعود ليتمم الوصول إلى الحل الدائم، صارت تتردد في عودته وتقدم مشاريع جديدة للدرس، ويظهر عليها موقف التريث والانتظار. ففي تاريخ 3/5/1956 روت أنباء واشنطن أن كبار المسؤولين الأمريكيين يعبّرون عن أملهم بأن يُتبِع همرشولد نصره الدبلوماسي هذا بمهمة جديدة لوضع أسس حل سلمي دائم للقضية الفلسطينية، وأن السلطات في واشنطن تتوقع من مجلس الأمن أن يطلب من همرشولد في نهاية شهر ايار (يونيو) القيام بمهمة سلمية أخرى لملاحقة نجاحاته حتى الآن، ولتحويل التوقف المؤقت عن الخصومات إلى علاقات ثابتة بين اسرائيل والدول العربية، وبصورة خاصة مصر وسوريا والأردن ولبنان. غير أن هذا كان قبل نشر تقرير همرشولد النهائي، أمّا بعد نشره فقد اتخذت أمريكا موقف التريث تاركة للدول العربية الوقت الكافي لأن تقوم بدورها في هذا السبيل، ولذلك يقول وزير الخارجية الأمريكية دالاس في المؤتمر الصحفي الذي عقده بتاريخ 22/5/1956: إن الولايات المتحدة تعتقد بأنه من المهم جداً الوصول إلى حل لمشكلة الشرق الأوسط، غير أنه قال إنه ليس متأكداً من أن عودة الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد إلى منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى من شأنها أن تأتي بأحسن مما أتت به الرحلة الأولى التي طالت شهراً. وأعلن أنه يعتقد بأن الوقت لم يحن بعد كي يعود همرشولد الأمين العام في مهمة جديدة إلى الشرق الأوسط وصرح في هذا الصدد في نفس المؤتمر قائلا: "إن مشروعاً قُدم بطريقة شبه رسمية إلى أعضاء مجلس الأمن حتى يدرسوه". ولمّا سئل إذا كان هذا المشروع يرمي إلى إيفاد المستر همرشولد في مهمة ثانية إلى الشرق الأوسط، قال: إنه لا يستطيع البوح بما ينطوي عليه المشروع الذي لا يزال قيد الدرس، ولكنه أعرب عن رأيه بأن هذا المشروع سيضع استعدادات الاتحاد السوفياتي على المحك، كما سيكشف عما ينوي الاتحاد السوفياتي عمله بشأن الحفاظ على السلم في الشرق الأوسط. وهذا يدل على أن أمريكا رأت في نجاح همرشولد في عقد اتفاقات وقف إطلاق النار، وفي الوصول إلى حالة جديدة من الامتثال لشروط الهدنة، نجاحاً في إيجاد الوسيلة إلى الصلح. ورأت في رغبة الدول العربية في السلم التي حدثهم عنها همرشولد فرصة لأن يأتي الرأي من العرب أنفسهم، فأخذت تحاول الانتقال إلى القيام بعمل آخر يكمل العمل الأول، ومن أجل ذلك قدمت مشروعاً إلى أعضاء مجلس الأمن لم يُكشف عنه بعد، ولكنه بطبيعة الحال لا يخرج عن أن يكون تكملة لما قام به همرشولد، حتى تستكمل الخطوات اللازمة للوصول إلى الحل النهائي الذي تراه.
وأمّا تقديم بريطانيا مشروع قرار لمجلس الأمن في شأن ما فعله همرشولد، فهو محاولة من محاولات بريطانيا التي تقوم بها لإقحام نفسها مع أمريكا لتشترك في حل قضية فلسطين، لأن بريطانيا أصبحت الآن تلهث وراء أمريكا في هذه القضية، ولذلك فالمؤامرة مؤامرة أمريكية تسير بجانبها محاولات بريطانية.
وعلى ذلك فإن مؤامرة أمريكا لارتكاب جريمة الصلح بين العرب واليهود قد وضحت معها الأساليب التي تتبعها لتنفيذ هذه المؤامرة، كما وضحت أعمال الحكومات العربية التي قامت والتي تنوي القيام بها للاشتراك في تنفيذ هذه المؤامرة التي تهدف من إنهاء حالة الحرب القائمة بين العرب واليهود إلى الصلح.
إن بقاء حالة الحرب مع اسرائيل تسهل القضاء على كيانها فضلاً عما فيها من إنهاك لقواها، واستنفاد لإمكانياتها، وإضعاف لمقاومتها. وإن أية حالة تؤدي إلى الصلح تزيد الأعباء، وتضاعف المسؤوليات. ولذلك كان لزاماً أن يحافَظ على حالة الحرب، وأن تنصرف الهمم إلى الإعداد للحرب، وأن الصلح مع اليهود جريمة من أبشع الجرائم، فهو سيكون بضمانات من الدول الكبرى، ومن هيئة الأمم، تجعل إعلان الحرب على اسرائيل إعلاناً للحرب على هيئة الأمم، ومحارَبة للدول التي تضمن الحدود، وهذا يجعل إعلان الحرب على اليهود عسيراً، ويجعل القضاء على اسرائيل شاقاً. لذلك كان لزاماً على الأمّة بعد أن انكشف لها الموقف على حقيقته، وظهرت الأخطار التي تستهدف لها، أن تعمل لإحباط المؤامرات التي يدبرها الكافر المستعمر، وأن تعمل لاستمرار حالة الحرب لتنتقل إلى حرب فعلية، حتى يقضى على الكيان اليهودي من الوجود.
إن الهدنة القائمة بين الدول العربية واسرائيل هدنة بين الكفار والمسلمين، فيجب أن يخضعوا فيها لحكم الإسلام، ويرفضوا حكم غيره، وأن يطبقوا عليها الأحكام الشرعية. فالمسلمون مقيَّدون بحكم الله لا بحكم الناس.
والحكم الشرعي هو أن عقد الهدنة بين المسلمين والكفار جائز، لمهادنته صلى الله عليه وسلم قريشاً عام

مؤمن
18-05-2010, 10:47 AM
ن عقد الهدنة بين المسلمين والكفار جائز، لمهادنته صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية. ولكن جواز الهدنة مقيَّد بوجود مصلحة يقتضيها الجهاد أو نشر الدعوة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَلَغَه قبل مسيره إلى الحديبية أن مواطأة كانت بين أهل خيبر ومكة على غزو المسلمين، وأنه بادر بعد رجوعه من الحديبية مباشرة إلى غزو خيبر، وبادر كذلك إلى إرسال الرسل إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام، مما يدل على أن هدنة الحديبية كانت لمصلحة تتعلق بالجهاد ونشر الدعوة، إذ استطاع بموادعة قريش أن يتفرغ لحرب خيبر ولدعوة الملوك والأمراء.
ولا تجوز الهدنة عند عدم وجود هذه المصلحة. الهدنة تركُ القتال المفروض، فلا يجوز إلاّ في حال يقع وسيلة إلى القتال، لأنها حينئذ تكون قتالاً معنى، قال تعالى: {ولا تَهِنوا ولا تدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم}. وإذا تحققت المصلحة لعقد الهدنة يجب تقدير مدة معينة معلومة لها، ولا تجوز المهادنة دون تقدير مدة، لأنها عقد مؤقت، وإطلاقه عن ذكر المدة يفسده، لاقتضائه التأبيد الممتنِع في عقد الهدنة، وعدم تقدير مدة معينة فيها يفسد عقد الهدنة، لأن هدنة الحديبية كانت قد قُدرت فيها مدة معينة، ولا يجوز أن يشتمل اتفاق الهدنة على شرط من الشروط الفاسدة، وإذا اشتمل على شرط فاسد لا يجوز الوفاء به، والشرط الفاسد مثل أن يشترط الأعداء رد سلاحهم، أو إعطاءهم شيئاً من سلاحنا، أو من آلات الحرب، أو يشترطون منع فك أسرانا منهم، أو ترك ما استولوا عليه منا لهم، أو يشترطون نقض الهدنة متى شاءوا، فهذه وأمثالها شروط فاسدة لا يجوز الوفاء بها. وإذا عُقدت الهدنة وصحّت وجب علينا الكف عنهم، ومراعاة عقد الهدنة حتى تنقضي مدتها أو ينقضوها هم ويكون نقضها بتصريح منهم أو بقتالنا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا، أو فعل شيء مخالف لشروط الهدنة. وكذلك لو نقض بعضهم الهدنة ولا ينكر الباقون عليه بقول ولا فعل تنقض فيهم جميعاً، وكذلك إذا خافت الدولة خيانتهم بشيء مما ينقض إظهاره الهدنة، بأن ظهرت أمارة بذلك كان هذا نقضاً للهدنة، وإذا حصل شيء من ذلك جازت الإغارة عليهم في كل وقت ليلاً أو نهاراً، لأن نقضهم الهدنة يبيح للمسلمين أن يقاتلوهم، وأن ينقضوا الهدنة معهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لمّا هادن قريشاً فنقضت عهده حل له منهم ما كان محرماً عليه منهم، فقاتلهم وفتح مكة لأن الهدنة عهد مؤقت ينتهي بانقضاء مدته أو بنقضه، قال تعالى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}، وقال: {وإما تَخافنَّ من قوم خيانة فانبِذ إليهم على سواء}، وقال: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتِلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}.
هذا هو حكم الله في الهدنة، وهذا هو ما يُفرض على المسلمين أن يتقيدوا به، وأن يطبقوه على الهدنة القائمة بينهم وبين اليهود في فلسطين، وعلى كل هدنة تكون بينهم وبين الكفار.
والهدنة القائمة في فلسطين كل ما فيها يفرض عليهم القتال، فهي هدنة لم تحدَّد بمدة معينة، فعقدُها فاسد من أساسه واليهود قد نقضوها مئات المرات دون خوف ولا مبالاة، وأخلّوا بشروطها ولم يراعوا اتفاقياتها في عدة تصرفات. فهم قد أحلّونا من عهدنا، وبذلك حلت لنا دماؤهم وأموالهم، ووجب علينا حربهم، فكان علينا أن نقاتلهم منذ أن قاتلونا، وأن تُنقض الهدنة معهم منذ أن نقضوها.
ولهذا أصبح فرضاً على المسلمين أن يستعدوا للقتال في سبيل الله لإزالة اسرائيل ورفع الراية الإسلامية.

ابو عمر الحميري
18-05-2010, 04:31 PM
هذه يظهر انها نشرة من تشرات الحزب في الخمسينيات من القرن الماضي وتدل على ان الحكام كلهم كانوا موافقين على حل القضية الفلسطينية وعقد الصلح مع اليهود سواء الحكام التقدميون كما يقولون وعلى رأسهم بطل القومية العربية معبود الجماهير في ذلك الوقت جمال عبد الناصر او الحكام المسمون بالرجعيين وهذا ما صرح به احد الحكام عام 1994 بأنه كان يعمل للسلام منذ 40 عاما .

نائل سيد أحمد
18-05-2010, 07:22 PM
بيان هام
ووعي تام
على كشف
دجل الحكام