المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السحر...وعلاقته بالجن!



سليم
25-02-2010, 12:13 AM
السحر أبعاده غائرة في الزمان ,وظهر بين الناس على يد فئة من البشر قبل الديانة اليهودية بقرون مديدة,وكان هدفهم هو إستعباد الناس بإيحائهم أنهم أناس متميزون ولهم صلات مع القوى العظمى الخفية,ويرجع بنا التاريخ الى بابل في كثرة السحر والسحرة وتأثيرهم على عقول العامة وإستغلالهم وخيراتهم ولإضفاء عنصر الرهبة والإندهاش إدّعوا أنهم يسخرون المخلوقات غير المرئية من جن وغيره لتحقيق ما يريدون ,واستشرى في أهل بابل حتى ضرب المثل في إتقان السحر بحكماء و كهنة و سحرة بابل ,كما وأنهم جعلوا من الكواكب آلهة وعبدوها ، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالها ، وعملوا أوثاناً على أسمائها ، وجعلوا لكل واحد منها هيكلاً فيه صنمه ، ويتقربون إليها بضروب من الأفعال على حسب اعتقاداتهم من موافقه ذلك للكوكب الذي يطلبون منه بزعمهم إليه بما يوافق المشتري من الرُّقى والعُقَد والنفث فيها ، ومن طلب شيئاً من الشر والحرب والموت والبوار لغيره تقرب بزعمهم إلى زحل بما يوافقه من ذلك ، ومن أراد البرق والحرق والطاعون تقرب بزعمهم إلى المريخ بما يوافقه من ذبح بعض الحيوانات ,وفي هذه الظروف جاء سيدنا إبراهيم عليه السلام وأنزل الله عليه صحفه...
وأكثر من إشتغل بالسحر هم بنو إسرائيل وعندما أرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا سليمان جمع سليمان كتب السحر والكهانة ودفنها تحت كرسيه ، فلم يستطع أحد من الشياطين أن يدنو من الكرسي فلما مات سليمان ، وذهب العلماء الذين يعرفون الأمر ، جاء الشيطان في صورة إنسان فقال لليهود ، هل أدلكم على كنز لا نظير له ؟ قالوا نعم ، قال : فاحفروا تحت الكرسي فحفروا – وهو متنح عنهم – فوجدوا تلك الكتب ، فقال لهم : إن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذا ، ففشا فيهم أن سليمان كان ساحراً ، و لذلك لما نزل القرآن بذكر سليمان في الأنبياء ، أنكرت اليهود ذلك ، وقالوا إنما كان ساحراً ،وقد برأه الله تعالى في كتابه العزيز حين قال في سورة البقرة:" وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ"...وأقاموا اليهود علمًا بالسحر أسموه الكابالاة أو القبالة ,هي كلمة آرامية من الأصل قبل ومعناه القبول أو تلقي الرواية الشفوية,وأصبح هناك طائفة معينة متميزة تسمى القبالة وأخذت على عاتقها تفسير التوراة ممزوجة بالسحر والشعوذة حتى أنهم أضافوا مزمارًا في سفر الزبور خاصُا بالسحر,ووضعوا كتبًا وشروحات تنغل بالسحر والشعوذة ومن كتبهم هذه كتاب أسمه"الزوهار" وهي ايضًا لفظة آرامية تعني النور والضياء.
واليهود كي ينفردوا بالسحر وعلومه بدأوا بإضافة كثير من الرموز والأشكال لعقيدتهم وجعلها أساس تفسيرهم للتوراة ومحل إحتكار...من هذه الرموز النجمة السداسية والتي أطلقوا عليها نجمة داوود وكما سموها خاتم سليمان وتسمى بالعبرية ماجين دافيد وتعني درع داوود...وهذا الرمز إستعملته أقوام قبل اليهودية للدلالة على آلهتهم منهم الهندوس و الفراعنة وحسب المعتقد المصري القديم فإن النجمة السداسية كانت رمزا للإله أمسو الذي وحسب المعتقد كان أول إنسان تحول إلى إله وأصبح إسمه حورس.
وأما اليهود فقد حاولوا أن يعللوا إستعمال هذا الرمر بقولهم أنه يدل على الأسباط الإثنى عشر,حيث أن كل زاوية تمثل سبطًا.
ومن الملاحظ أن شغفهم بالسحر تزايد بعد موت سيدنا سليمان واعتبروا سيدنا سليمان ساحرًا ولم يعترفوا به كنبّي مرسل,بل اتهموه بالسحر وأنه من كبار السحرة وهكذا سخر الجن والطير يعملون تحت إمرته وسلطانه.
يتبع...

سليم
25-02-2010, 09:54 PM
قبل الخوض في غمار بيان السحر وعلاقته بالجن..أستهل المقال بهذه القدمة:
السحر ومشتقاته ورد في القرآن الكريم في سور متعددة وآيات متنوعة...فقد ورد بلفظة سحر,سحرة,ساحر ,مسحور,مسحورين,سحروا,تسحرنا,...وكل هذه الآيات جاءت بالسحر بمعنى اللطيف من الامور ودقيقها وخفيها...فالسحر كما عرفه العلماء وسبق أن ذكرته في معرض قولي عن الجن وحقيقة المس...وللفائدة سوف أعيد بيانه:
السحر لغة يطلق على كل ما لطف وخفي سببه ,والسحر بالفتح هو الغذاء لخفائه ولطف مجاريه، قال لبيد:
ونسحر بالطعام وبالشراب.
والسحر لغة أيضًا : هو الرئة، وما تعلق بالحلقوم وهذا أيضاً يرجع إلى معنى الخفاء ومنه قول عائشة رضي الله عنها: «توفي رسول الله بين سحري ونحري».
والسحر :الشعوذة وهي تمويه الحيل بإخفائها تحت حركات وأحوال يظن الرائي أنها هي المؤثرة مع أن المؤثر خفي .
ثم أطلق على ما علم ظاهره وخفي سببه وهو التمويه والتلبيس وتخييل غير الواقع واقعاً وترويج المحال، تقول العرب: عنز مسحورة إذا عظم ضرعها وقل لبنها وأرض مسحورة لا تنبت، قال أبو عطاء:فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر
أي شيء لا يعرف سببه. والعرب تزعم أن الغيلان سحرة الجن لما تتشكل به من الأشكال وتعرضها للإنسان.
وقد قسم الامام الرازي السحر الى ثمانية أقسام ,واما إبن عاشور فقد لخصها وقسمها الى ثلاثة أقسام لتشابه اصولها وهي:
1.القسم الاول:زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما يعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفسه ومن الضعف في نفس المسحور ومن سوابقَ شاهدَها المسحور واعتقدها فإذا توجه إليه الساحر سُخر له وإلى هذا الأصل الإشارة بقوله تعالى في ذكر سحرة فرعون{ سَحَرُوا أَعْيُنَ الناسِ واسْتَرْهَبُوهُمْ }[الأعراف: 116].
2.القسم الثاني:استخدام مؤثرات من خصائص الأجسام من الحيوان والمعدن وهذا يرجع إلى خصائص طبيعية كخاصية الزئبق ومن ذلك العقاقير المؤثرة في العقول صلاحاً أو فساداً والمفترة للعزائم والمخدرات والمرقدات على تفاوت تأثيرها، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى في سحرة فرعون:{ إنَّ ما صنعوا كيدُ ساحر }(طه: 69].
3.القسم الثالث:الشعوذة واستخدام خفايا الحركة والسرعة والتموج حتى يخيل الجماد متحركاً وإليه الإشارة بقوله تعالى:{ يُخَيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى }[طه: 66].
وهذه الأصول الثلاثة كلها أعمال مباشرة للمسحور ومتصلة به ولها تأثير عليه بمقدار قابلية نفسه الضعيفة وهو لا يتفطن لها، ومجموعها هو الذي أشارت إليه الآية، وهو الذي لا خلاف في إثباته على الجملة دون تفصيل، وما عداها من الأوهام والمزاعم هو شيء لا أثر له وذلك كل عمل لا مباشرة له بذات من يراد سحره ويكون غائباً عنه فيدعي أنه يؤثر فيه، وهذا مثل رسم أشكال يعبر عنها بالطلاسم، أو عقد خيوط والنفث عليها برقيات معينة تتضمن الاستنجاد بالكواكب أو بأسماء الشياطين والجن وآلهة الأقدمين، وكذا كتابة اسم المسحور في أشكال، أو وضع صورته أو بعض ثيابه وعلائقه وتوجيه كلام إليها بزعم أنه يؤثر ذلك في حقيقة ذات المسحور، أو يستعملون إشارات خاصة نحو جهته أونحو بلده وهوما يسمونه بالأرصاد وذكر أبو بكر ابن العربي في «القبس» أن قريشاً لما أشار النبي بأصبعه في التشهد قالوا: هذا محمد يسحر الناس، أو جمع أجزاء معينة وضم بعضها إلى بعض مع نية أن ذلك الرسم أو الجمع لتأثير شخص معين بضر أو خير أو محبة أو بغضة أو مرض أو سلامة، ولا سيما إذا قرن باسم المسحور وصورته أو بطالع ميلاده، فذلك كله من التوهمات وليس على تأثيرها دليل من العقل ولامن الطبع ولا ما يثبته من الشرع."
هذه هي أصول السحر وكما هو واضح أنه ليس للجن فيها دخل أو تأثير ما هو إلا وهم وخيال...ويبدو أن الناس قد أقحموا الجن لأسباب ولأغراض في نفس يعقوب منها:
1.اللبس الحاصل من كون السحر والجن فيهما خفية وإستتار...فالسحر هو الخيال والوهم وما لطف وخفي...والجن ايضًا ما حجب وخفي وإستتر عن الإنسان ...فربط الإنسان كل ما خفي وبالجن لإتحادهما فيالخفية والحجب والإستتار.
2.إستغلال السحرة في تفعيل عامل الدهشة ووالإنبهار وربطهم السحر بالجن في تخقيق مآربهم وتسخير أقرانهم من بني آدم.
3.إستفراد السحرة والقائمين على الشعوذة ومحاولتهم لإبعاد الناس عن حقيقة السحر وأنه لا تأثير له إى بعنصر الشر والشيطان وما شابه ذلك....أنتهت المقدمة...
وأما بالنسبة الى المسلمين فقد ربطوا السحر بالجن مستشهدين بآية هاروت وماروت من سورة البقرة في قوله تعالى:"وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ "...وقد تمسكوا بهذ الآية أكثر من غيرها في محاولتهم لربط السحر بالجن وعضوا عليها بالنواجذ...فهناك مثلاً سورة الفلق وذكر النفاثات في العقد والتعوذ منهن...ولكن هذا الآية أستحوذت على تفكير كل من ربط السحر بالجن...وقبل البدء في تفسيرها وبيان اللغط في الربط بين السحر والجن إنطلاقًا منها أود أن أذكر نفسي وإياكم بموضوع في غاية الأهمية لفهم هذه الآية والوقوف على معناها...
"التعدي في الأفعال":
الفعل اللازم هو الفعل، الذي يكتفي برفع الفاعل، ولا ينصب مفعولاً به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى التعدية. وأن الفعل المتعدي هو الفعل، الذي ينصب بنفسه مفعولاً به، أو اثنين، أو ثلاثة من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم.
وقد تنبه الى أسرار تعدي الفعل بحرف الجر الإمام الخطابي في قوله:”وأما( من ) و( عن ) فإنهما يفترقان في مواضع؛ كقولك: أخذت منه مالاً، وأخذت عنه علمًا. فإذا قلت: سمعت منه كلامًا، أردت سماعه من فيه. وإذا فلت: سمعت عنه حديثًا، كان ذلك عن بلاغ “.
وهذا يدل على إختلاف المعنى والمقصود إذا ما تعدى الفعل بحرف جر ..وبعبارة آخرى ينقلب المعنى رأساً على عقب وقد يدلل على نقيضه..وقد ألف الأستاذ يوسف الأنصاري كتابًا أسماه"من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم " وذكر فيه أهمية هذه الدراسة قائلًا:" أنها تعود إلى أمرين:
أولهما: ارتباطه بفقه الدلالة..
وثانيهما:دقة مسلكه، وغموضه، وخفائه على بعض العلماء."اهـ
ومن ذلك ما نقله عن الراغب من قوله في الفرق بين تعدية الفعل( راغ ) بـ( إلى ) و( على )؛ كما في قوله تعالى:
﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ (الذاريات: 26)
﴿ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾(الصافات: 91)
﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ﴾ (الصافات: 93)
ولنعد الآن الى آية البقرة وسوف أعتمد تفسير إبن عاشور _رحمه الله_ لأنه بيّن الفعل المتعدي بحرف جر في تفسيره والذي قد يزيل الوهم في تفسيرها...ففي الآية ورد فعل تلا متعديًا بحرف الجر (على) وهذا يجعل من معنى التلاوة غير معنى القراءة الصادقة...قال إبن عاشور:"
قوله: { واتبعوا } عطف على جملة الشرط وجوابه في قوله:
{ ولما جاءهم رسول من عند الله }
[البقرة: 101] الآية بذكر خصلة لهم عجيبة وهي أخذهم بالأباطيل بعد ذكر خصلة أخرى وهي نبذهم للكتاب الحق، فذلك هو مناسبة عطف هذا الخبر على الذي قبله. فإن كان المراد بكتاب الله في قوله:
{ كتاب الله وراء ظهورهم }
[البقرة: 101] القرآن فالمعنى أنهم لما جاءهم رسول الله مصدقاً لما معهم نبذوا كتابه بعلة أنهم متمسكون بالتوراة فلا يتبعون ما خالف أحكامها وقد اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وهو مخالف للتوراة لأنها تنهى عن السحر والشرك فكما قيل لهم فيما مضى
{ أفتؤمنون ببعض الكتاب }
[البقرة: 85] يقال لهم أفتؤمنون بالكتاب تارة وتكفرون به تارة أخرى. وإن كان المراد بكتاب الله التوراة فالمعنى لما جاءهم رسول الله نبذوا ما في التوراة من دلائل صدق هذا الرسول وهم مع ذلك قد نبذوها من قبل حين { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } مع أن ذلك مخالف لأحكام التوراة.
و { الشياطين } يحتمل أن يكونوا شياطين من الجن وهو الإطلاق المشهور، ويحتمل أن يراد به ناس تمردوا وكفروا وأتوا بالفظائع الخفية فأطلق عليهم الشياطين على وجه التشبيه كما في قوله تعالى:
{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن }
[الأنعام: 112] وقرينة ذلك قوله: { يعلمون الناس السحر } فإنه ظاهر في أنهم يدرسونه للناس وكذلك قوله بعده: { ولكن الشياطين كفروا } إذ هذا الاستدراك في الإخبار يدل على أنهم من الإنس لأن كفر الشياطين من الجن أمر مقرر لا يحتاج للإخبار عنه.""والتلاوة قراءة المكتوب والكتاب وعرض المحفوظ عن ظهر قلب وفعلها يتعدى بنفسه :"يتلون عليكم آيات "
[الزمر: 71] فتعديته بحرف الاستعلاء يدل على تضمنه معنى تكذب أي تتلو تلاوة كذب على ملك سليمان كما يقال تقوّل على فلان أي قال عليه ما لم يقله، وإنما فهم ذلك من حرف (على).
والشياطين قيل أريد بها شياطين الإنس أي المضللون وهو الظاهر. وقيل: أريدت شياطين الجن. وأل للجنس على الوجهين. وعندي أن المراد بالشياطين أهل الحيل والسحرة كما يقولون فلان من شياطين العَرب وقد عد من أولئك ناشب الأعور أحد رجال يوم الوقيط.
وقوله: { تتلوا } جاء بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية على ما قاله الجماعة، أو هو مضارع على بابه على ما اخترناه من أن الشياطين هم أحبارهم فإنهم لم يزالوا يتلون ذلك فيكون المعنى أنهم اتبعوا اعتقدوا ما تلته الشياطين ولم تزل تتلوه.
وقوله: { وما كفر سليمان } جملة معترضة أثار اعتراضها ما أشعر به قوله: { ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } من معنى أنهم كذبوا على سليمان ونسبوه إلى الكفر فهي معترضة بين جملة { واتبعوا } وبين قوله: { وما أنزل على الملكين } إن كان { وما أنزل } معطوفاً على { ما تتلوا } وبين { اتبعوا } وبين { ولقد علموا لَمَن اشتراه } إلخ إن كان { وما أنزل } معطوفاً على السحر، ولك أن تجعله معطوفاً على { واتبعوا } إذا كان المراد من الشياطين أحبار اليهود لأن هذا الحكم حينئذ من جملة أحوال اليهود لأن مآله واتبعوا وكفروا وما كفر سليمان ولكنه قدم نفي كفر سليمان لأنه الأهم تعجيلاً بإثبات نزاهته وعصمته ولأن اعتقاد كفره كان سبب ضلال للذين اتبعوا ما كتبته الشياطين فلا شك أن حكم الأتباع وحكم المتبوعين واحد فكان خبراً عن اليهود كذلك.

سليم
25-02-2010, 09:56 PM
السلام عليكم
هذا ما كان من تقوّل اليهود على سليمان والملكين بأنهما علمّا الناس السحر ,وما كان ملك سليمان إلا بالسحر وتسخير الجن...وأما الملكين فإن لهما تأويل...فهناك من قرأ الملكين بفتح اللام وهو المتواتر وقرأه ابن عباس والضحاك والحَسن وابن أَبْزَى بكسر اللام.
فعلى قراءة إبن عباس فاللذان علمّا الناس السحر هما ملَِكان من البشر...وهكذا ننفي علاقة الجن بالسحر...وأما على القراءة المشهورة بكسر اللام ...فمن بيان عطف "وما أنزل } على { مُلك سليمان } يتضح تقوّل وكذب الناس أنهم تعلموا السحر على يدي الملَكين...قال الفخر وهو اختيار أبي مسلم وأنكر أبو مسلم أن يكون السحر نازلاً على المَلَكين إذ لا يجوز أمر الله به وكيف يتولى الملائكة تعليمه مع أنه كفر أو فسق.
وكما هو ملاحظ أن لفظ ملكين جاء معرفًا وهذا يدل إما على الجنس وإما على العهد, بأن يكون الملكان معهودين لدى العارفين بقصة ظهور السحر.
وأما قوله تعالى :" نحن فتنة فلا تكفر "...فكيف يجتمع قصد الفتنة مع التحذير من الوقوع فيها الرابع كيف حصرا حالهما في الاتصاف بأنهما فتنة فما هي الحكمة في تصديهما لذلك لأنهما إن كانا ملَكين فالإشكال ظاهر وإن كانا ملِكين بكسر اللام فهما قد علما مضرة الكفر بدليل نهيهما عنه وعلِما معنى الفتنة بدليل قولهما { إنما نحن فتنة } فلماذا تورطا في هذه الحالة؟
قال إبن عاشور فيها:"ودفع هذا الإشكال برمته أن الإنزال هو الإيصال وهو إذا تعدى بعلى دل على إيصال من علو واشتهر ذلك في إيصال العلم من وحي أو إلهام أونحوهما، فالإنزال هنا بمعنى الإلهام وبمعنى الإيداع في العقل أو في الخلقة بأن يكون الملكان قد برعا في هذا السحر وابتكرا منه أساليب لم يسبق لهما تلقيها من معلم شأن العلامة المتصرف في علمه المبتكر لوجوه المسائل وعللها وتصاريفها وفروعها.
والظاهر عندي أن ليس المراد بالإنزال إنزال السحر إذ السحر أمر موجود من قبل ولكنه إنزال الأمرِ للملَكين أو إنزال الوحي أو الإلهام للملِكين بأن يتصديا لبث خفايا السحر بين المتعلمين ليبطل انفراد شرمذة بعلمه فيندفع الوجهان الأول والثاني."اهـ
وقد يتساءل بعض الناس كيف يكون إذن قول الملكين " نحن فتنة فلا تكفر "...فالفتنة هي كما قال إبن عاشور:"الفتنة لفظ يجمع معنى مرج واضطراب أحوال أحد وتشتت باله بالخوف والخطر على الأنفس والأموال على غير عدل ولا نظام وقد تخصص وتعمم بحسب ما تضاف إليه أو بحسب المقام يقال فتنة المال وفتنة الدين."اهـ
وتابع قوله:" والإخبار عن أنفسهم بأنهم فتنة إخبار بالمصدر للمبالغة وقد أكّدت المبالغة بالحصر الإضافي والمقصد من ذلك أنهما كانا يصرحان أن ليس في علمهما شيء من الخير الإلٰهي وأنه فتنة محضة ابتلاء من الله لعباده في مقدار تمسكهم بدينهم وإنما كانا فتنة لأن كل من تعلم منهما عمل به. فلا تكفر كما كفر السحرة حين نسبوا التأثيرات للآلهة وقد علمت سرها. وفي هذا ما يضعف أن يكون المقصد من تعليمهما الناس السحر إظهار كذب السحرة الذين نسبوا أنفسهم للألوهية أو النبوءة...والذي يظهر في تفسير هذه الجملة أن قولهما: { إنما نحن فتنة } قصر ادعائي للمبالغة فجعلا كثرة افتتان الناس بالسحر الذي تصديا لتعليمه بمنزلة انحصار أوصافهما في الفتنة ووجه ابتدائهما لمن يعلمانه بهذه الجملة أن يبينا له أن هذا العلم في مبادئه يظهر كأنه فتنة وشر فيوشك أن يكفر متعلمه عند مفاجأة تلك التعاليم إياه إذا كانت نفسه قد توطنت على اعتقاد أن ظهور خوارق العادات علامة على ألوهية من يظهرها، وقولهما: { فلا تكفر } أي لا تعجل باعتقاد ذلك فينا فإنك إذا توغلت في معارف السحر علمت أنها معلولة لعلل من خصائص النفوس أو خصائص الأشياء فالفتنة تحصل لمن يتعلم السحر حين يرى ظواهره وعجائبه على أيدي السحرة ولمن كان في مبدأ التعليم فإذا تحقق في علمه اندفعت الفتنة فذلك معنى قولهما { فلا تكفر } فالكفر هو الفتنة وقولهما { فلا تكفر } بمنزلة فلا تفتتن وقد اندفع الإشكال الرابع المتقدم.اهـ
وأما التفريق بين المرء وزوجه فهو من باب إستعمال مفسدات لعقل أحد الزوجين حتى يبغض زوجه وإما بإلقاء الحيل والتمويهات والنميمة حتى يفرق بينهما.وقوله تعالى:"ما يفرقون به بين المرء وزوجه"...إشارة الى جزئي من أهم وأكثر جزيئات السحر شيوعًا وإنتشارًا وأقصى تأثيراته...قال إبن عاشور:"قوله: { ما يفرقون به بين المرء وزوجه } إشارة إلى جزئي من جزئيات السحر وهو أقصى تأثيراته إذ فيه التفرقة بين طرفي آصرة متينة إذ هي آصرة مودة ورحمة قال تعالى:
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة }
[الروم: 21] فإن المودة وحدها آصرة عظيمة وهي آصرة الصداقة والأخوة وتفاريعهما، والرحمة وحدها آصرة منها الأبوة والبنوة، فما ظنكم بآصرة جمعت الأمرين وكانت بجعل الله تعالى وما هو بجعل الله فهو في أقصى درجات الإتقان وقد كان يشير إلى هذا المعنى شيخنا الجليل سالم أبو حاجب في قوله تعالى: { وجعل بينكم مودة ورحمة }. وهذا التفريق يكون إما باستعمال مفسدات لعقل أحد الزوجين حتى يبغض زوجه وإما بإلقاء الحيل والتمويهات والنميمة حتى يفرق بينهما.وقوله: { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } جملة معترضة. وضمير { هم } عائد إلى (أحد) من قوله: { وما يعلمان من أحد } لوقوعه في سياق النفي فيعم كل أحد من المتعلمين أي وما المتعلمون بضارين بالسحر أحداً. وهذا تنبيه على أن السحر لا تأثير له بذاته وإنما يختلف تأثير حيله باختلاف قابلية المسحور، وتلك القابلية متفاوتة ولها أحوال كثيرة أجملتها الآية بالاستثناء منقوله: { إلا بإذن الله } أي يجعل الله أسباب القابلية لأثر السحر في بعض النفوس فهذا إجمال حسن مناسب لحال المسلمين الموجه إليهم الكلام لأنهم تخلقوا بتعظيم الله تعالى وقدرته وليس المقام مقام تفصيل الأسباب والمؤثرات ولكن المقصود إبطال أن تكون للسحر حالة ذاتة وقواعد غير مموهة، فالباء في قوله: { بإذن الله } للملابسة".اهـ
وأما آية الفلق في قوله تعالى:"وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ "...فلا يقوم بها دليل على علاقة الجن بالسحر...بل يمكننا أن نستدل بها على علاقة السحر بالإنس وخاصة النساء منهم...ومن الملاحظ أن التعوذ حاء بالنفاثات أي الساحرات وليس النفث وهو السحر بحد ذاته...فلم يقل الله تعالى ومن شر النفث في العقد!,كما وربط التعوذ بالنفاثات عطفًا على التعوذ بالليل في الآية السابقة وذلك لأن الساحرات يتحيّن الليل في إجراء شعوذتهم لئلا يطلع عليهم أحد.
وأما الأحاديث في سحر الرسول فقد جاء في الآثر عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : "كان رسول الله سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن – قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا – فقال : يا عائشة : أعلمت إن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب 0 قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً 0 قال : وفيم ؟ قال : في مشط ومشاقة – أي ما يغزل من الكتان - 0 قال وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت رعوفة – أي حجر في أسفل البئر - في بئر ذروان ، قال : فأتى النبي البئر حتى استخرجه ، فقال : هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين0 قال : فاستخرج 0 قال : فقلت : أفلا أي تنشرت ، فقال : أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد منه شراً .
فهذا لا يدل على أن السحر له علاقة بالجن بل على العكس فإن صح الحديث فإنه دلالة واضحة على أن الجن ليس له علاقة بالسحر لأسباب:
1.نفي القرآن القطعي الدلالة والثبوت أن يكون للشيطان على عباد الله الصالحين سلطانًا,يقول الله تعالى :" إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ "....وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام خير البشر وسيد الصالحين ولم يك من الغاوين,وقوله تعالى:"إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ",والرسول عليه الصلاة والسلام أحق وأولى من غيره في نفي سلطان الجن عليه وكما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام أن الله عزوجل قد أعانه على قرينه من الجن فأسلم.
2.جاء في الحديث أن الذي سحره هو لبيد بن أعصم اليهودي وهو من الإنس وهذا يدل ايضًا على تمرس اليهود من الإنس في السحر ,ولم يذكر أحد الملكين أن سحره كان بمعونه الجن.
3.جاءت الأحكام الشرعية المتعلقة بالسحر والسحرة وممارستها لما فيها من فحش ورذيلة وإتكال على غير الله,ولم يك الحكم الشرعي لما للجن من علاقة بالسحر,فلو كان لكانت العقوبة على الإتصال بالجن وليس ممارسة السحر من شعوذة وفحش بالقول وسوء عمل.
هذا والله أعــــلم.

ابوعبدالرحمن حمزة
27-02-2010, 09:42 AM
(موضوع الجن)

لقد دل الدليل القطعي على الإيمان بوجود الجن عند المسلمين ، ومعلوم أن معنى الإيمان هو: التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل. و ذلك لأن التصديق عن غير دليل لا يكون إيماناً، إذ لا يكون تصديقاً جازماً إلاّ إذا كان ناجماً عن دليل. فإن لم يكن له دليل لا يتأتى فيه الجزم، فيكون تصديقاً فقط لخبر من الأخبار فلا يعتبر إيماناً. وعليه فلا بد أن يكون التصديق عن دليل حتى يكون جازماً أي حتى يكون إيماناً. ومن هنا كان لا بد من وجود الدليل على كل ما يُطلب الإيمان به، حتى يكون التصديق به إيماناً. فوجود الدليل شرط أساسي في وجود الإيمان بغض النظر عن كونه صحيحاً أو فاسدا.
والدليل إما أن يكون عقلياً وإما أن يكون نقلياً. والذي يعيّن كون الدليل عقلياً أو نقلياً هو واقع الموضوع الذي يُستدل به عليه للإيمان به. فإذا كان الموضوع واقعاً محسوساً تدركه الحواس فإن دليله يكون عقلياً حتماً وليس نقلياً. وإن كان مما لا تدركه الحواس فإن دليله نقلي. ولمّا كان الدليل النقلي نفسه هو مما تدركه الحواس أي أن كونه دليلاً يدخل تحت الحس وتدركه الحواس، كان لا بد من أن يكون اعتبار الدليل النقلي دليلاً يصلح للإيمان متوقفاً على ثبوت كونه دليلاً بالدليل العقلي.
إن الإشكال في هذا الموضوع (الجن ) وغيره من القضايا العقدية التي راجت بين المسلمين إنما كان نتيجة للتساهل في القاعدة الأنفة الذكر أعني أن العقائد يجب أن يكون دليلها قطعي على كل حال فإنني سأتناول هذه القضية ملتزما بان العقائد يجب أن يكون دليلها قطعي .
أولا: من البديهي أن الجن من عالم الغيب وبالتالي فهو واقع غير محسوس فلا مدخل للعقل في إثبات وجوده وعليه فإن الدليل على وجوده هو النقل وليس العقل والإيمان بوجود الجن ، لم يختلف فيه المسلمون أي اختلاف والدليل على وجوده هو الآيات العديدة التي ذكرت في القرآن الكريم
قال تعالى: (( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلاَّ دابةُ الأرض تأكل منسأته فلما خرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين )) وقال :(( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) وقال عز وجل: (( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون )) الى غيرها من الآيات الكثيرة بل إن هناك سورة كاملة اسمها الجن.
ثانيا: العلاقة بين الإنس والجن لم يرد أي دليل(طبعا قطعي)على وجود علاقة تواصل عبر أية حاسة من الحواس بل على العكس الأدلة تدل أنه لا تواصل بينهما قال تعالى: (( قل أُوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن )) فالرسول علم أن نفرا من الجن استمعوا له وهو يقرأ القرآن بوحي الله له، وقال سبحانه :(يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُون).فالأية صريحة في الدلالة على أننا لا نرى الشيطان وقبيله وهم ذريته وجنوده من الجن .وقد ذكر القرآن الكريم بإن الجن يوسوس (( الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس )) وقال: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) ويزين للإنسان قال تعالى: ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ( تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) وهو ينزغ بين الناس والنزغ هو إيقاع الشر وإفساد ذات البين قال سبحانه: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)) (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)
وهو ينسي الإنسان قال (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) ويعد ويستفززأي يستزل (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) أما كيف يقع منه كل ذلك من الوسوسة والتزين والنزغ .....الخ فلا علم لنا بذلك ولكن الذي نعلمه ونتيقن منه أنه ليس عليه سلطان علي الإنسان إلا أن يدعوه قال تعالى: (( وقال الشيطان لما قضي الأمر إنَّ الله وعدَكُم وعْدَ الحق ووعدْتُّكم فأخلفتُكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاَّ أنْ دعوتكم فاستجبتم فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم ولا أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبلُ إنَّ الظالمين لهم عذاب أليم )).
ثالثا: ما ورد في القرآن الكريم من تسخير الجن لسليمان عليه السلام ،إنما هي معجزة له صلى الله عليه وسلم ومن البديهي أن المعجزات خاصة بالأنبياء والرسل قال تعالى: (( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون )) وقال عزوجل: (( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أنْ تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين )) والروايات التي ذكرت فيها حوادث وقعت بين رسولنا صلى الله عليه و آله وسلم بين الجن والشيطان على فرض ثبوتها إنما هي أيضا معجزة للرسول وعليه فكل من يدعي القدرة على تسخير الجن فهو مجرد ادعاء لا دليل عليه.
بقيت مسئلة المس فكثيرا ما نسمع من الناس أن فلان به مس من الجن ويقولون لبسه الجن ويحاولون أن يستدلوا بذلك بالأية الكريمة:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) فنقول قوله تعالى : { لاَ يَقُومُونَ } أكثر المفسرين قالوا : المراد منه القيام يوم القيامة ، وقال بعضهم : المراد منه القيام من القبر، وسيد قطب رحمه الله في ظلاله يرى انها تنطبق في الدنيا على واقع المرابين.
قوله تعالى : { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذى يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس }
التخبط معناه الضرب على غير استواء ، ويقال للرجل الذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه : إنه يخبط خبط عشواء ، وخبط البعير للأرض بأخفافه ، وتخبطه الشيطان إذا مسّه بخبل أو جنون لأنه كالضرب على غير الاستواء في الادهاش ، وتسمى إصابة الشيطان بالجنون والخبل خبطة ، ويقال : به خبطة من جنون ، والمس الجنون ، يقال : مس الرجل فهو ممسوس وبه مس ، وأصله من المس باليد ، كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه ، ثم سمي الجنون مساً ، كما أن الشيطان يتخبطه ويطؤه برجله فيخبله ، فسمي الجنون خبطة ، فالتخبط بالرجل والمس باليد ، أما قول الناس بأن المصروع إنما حدثت به تلك الحالة لأن الشيطان يمسه ويصرعه فهذا باطل ، لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم ويدل عليه وجوه :
أحدها : قوله تعالى حكاية عن الشيطان { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى } [ إبراهيم : 22 ] وهذا صريح في أنه ليس للشيطان قدرة على الصرع والقتل والإيذاء.
والثاني: لو كان الشيطان يقدر على أن يصرع ويقتل لصح أن يفعل مثل معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك يجر إلى الطعن في النبوّة الثالث : أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يصرع جميع المؤمنين ولم لا يخبطهم مع شدة عداوته لأهل الإيمان ، ولم لا يغصب أموالهم ، ويفسد أحوالهم ، ويفشي أسرارهم ، ويزيل عقولهم؟ وكل ذلك ظاهر الفساد ، واحتج القائلون بأن الشيطان يقدر على هذه الأشياء بوجهين الأول : ما روي أن الشياطين في زمان سليمان بن داود عليهما السلام كانوا يعملون الأعمال الشاقة على ما حكى الله عنهم أنهم كانوا يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات . والجواب عنه : أنه تعالى كلفهم في زمن سليمان فعند ذلك قدروا على هذه الأفعال وكان ذلك من المعجزات لسليمان عليه السلام والثاني : أن هذه الآية وهي قوله { يَتَخَبَّطُهُ الشيطان } صريح في أن يتخبطه الشيطان بسبب مسّه .
والجواب عنه : أن الناس يضيفون الصرع إلى الشيطان وإلى الجن ، فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا ، وأيضاً من عادة الناس أنهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيفوه إلى الشيطان ، كما في قوله تعالى : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشياطين } [ الصافات : 65 ] .
وعليه فالآية هي صورة بيانية لمن يأكلون الربا بأنهم يقومون كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي كالمجنون .

(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والله من وراء القصد.