ابو طلال
24-02-2010, 06:10 AM
ترجمة وتحرير - محمود عبده علي
هل تقبل أمريكا بـ"إيران نووية"؟
مع إخطار إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعزمها على رفع معدل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى، يجب أن نعترف أن النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة لمحاصرة الجمهورية الإسلامية لا يؤدي إلى تحقيق أي شيء، وما تحتاج إليه الولايات المتحدة -أكثر من مجرد تغيير الخطط بشأن إيران- هو تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى التهديد الذي يمكن أن تمثله "إيران النووية".
وصدقوا أو لا تصدقوا، فهناك بعض المكاسب التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة من امتلاك إيران لسلاح نووي، وأنا أتحدث هنا بصفة شخصية وليس تعبيرا عن القوات الجوية الأمريكية.
وفي هذا الإطار، هناك خمسة احتمالات تتبادر إلى الذهن:
أولا: من شأن امتلاك إيران لأسلحة نووية أن يمنح الولايات المتحدة فرصة لهزيمة الجماعات الإرهابية العربية السنية مثل القاعدة، والسبب أن امتلاك إيران لقنبلة نووية سيشكل تهديدا للدول المجاورة لها وليس للولايات المتحدة، وهكذا يمكن لواشنطن أن توفر الأمن الإقليمي -عبر تكوين مظلة نووية في الشرق الأوسط- في مقابل قيام الأنظمة الاستبدادية العربية، المسئولة عن توليد السخط الذي أدى لهجمات سبتمبر 2001، بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وحتى الآن رفضت الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط تغيير أساليبها؛ لأنها كانت محمية من قبل ثروة هائلة من احتياطياتها النفطية، لكن امتلاك إيران لسلاح نووي من شأنه أن يقلب التوازنات الإقليمية، ويوفر بعض الحجج للولايات المتحدة فيما يخص المطالبة بالإصلاح.
ثانيا: إن قيام الولايات المتحدة بدور الضامن الرئيسي للأمن الإقليمي في "شرق أوسط نووي" سوف يمكنها من كسر منظمة أوبك، ووضع حد لأنواع الممارسات الاحتكارية غير القانونية وذلك كثمن للدرع النووية التي ستوفرها لدول المنطقة، علاوة على خفض أسعار النفط وتوفير مليارات الدولارات التي تنفق سنويا في محطات البنزين، أو على الأقل يمكن للرئيس أوباما أن يقايض الأمن الذي يمكن لتلك الدول أن تحصل عليه مقابل زيادة الإنتاج من النفط وتخفيض أسعاره العالمية.
ثالثا: عبرت إسرائيل عن شعورها بالتهديد إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا، وعلى الفلسطينيين أيضا أن يقلقوا؛ لأن ضربة نووية إيرانية ضد إسرائيل سوف تقضي عليهم.. هذا الخطر المشترك (الذي يواجه الإسرائيليين والفلسطينيين) قد يكون حافزا لتحقيق المصلحة بين الطرفين، ويؤدي إلى توقيع اتفاق سلام بين الطرفين، استعصى على الرؤساء الأمريكيين الخمسة الماضين.
ومن المفارقات أن توقيع أي اتفاق سلام نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين من شأنه أن يضعف عداء طهران تجاه إسرائيل لحد كبير، ومن ثم يخفف من حدة التوترات التي سادت المنطقة منذ أمد بعيد.
رابعا: إن النمو في صادرات منظومات الأسلحة وأنشطة التدريب والمشورة التي تقدمها واشنطن لحلفائها في الشرق الأوسط لن يؤدي فقط إلى تعزيز جهود الولايات المتحدة الحالية لتكوين شراكة مع هذه الدول، بل من شأنه أيضا أن يعطي صناعات الدفاع الأمريكية دفعة كبيرة جدا.
ونظرا لحالة التقشف التي ستمر بها ميزانيات البنتاجون في السنوات المقبلة- (أثارت شركة بوينج ضجيجا كبيرا حول انسحابها من الصناعات الدفاعية)؛ وهو ما يعني فقدان الكثير من فرص العمل، ووضع أمريكا في موقف صعب يجعلها مهددة من قبل قوى عسكرية صاعدة مثل الصين- فإن امتلاك إيران لسلاح نووي قد يحول دون تحقق هذه الكارثة.
خامسا: إن الولايات المتحدة ستكون قادرة على وقف تدفق الدولارات إلى نظم الحكم الاستبدادية في المنطقة، ولن تحقق ذلك فقط من خلال خفض أسعار النفط وزيادة صادرات الأسلحة، ولكن أيضا عن طريق تحميل المستفيدين الإقليميين من الأمن الأمريكي جزءا من تكلفة توفير ذلك الأمن، وعلى المدى الطويل من شأن الانتصار في الحرب ضد الإرهاب أن يوفر عشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها الولايات المتحدة من أموال دافعي الضرائب سنويا على عمليات مكافحة التمرد في الخارج.ولكن ماذا عن الجانب السلبي (وجود نظام غير مستقر معاد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قادر على شن حرب نووية)؟ في الواقع هذا خطر يبالغ الكثير من الناس في توصيفه؛ فعلى الرغم من أن الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي ومجلس صيانة الدستور يتبنون خطابا لم تتبناه أي قوة نووية أخرى في أي وقت مضى، فإن إيران ستصبح أكثر مسئولية بمجرد امتلاكها السلاح النووي، ودليل ذلك أن التأثير الرادع للأسلحة النووية قد منع من اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي طوال 50 عاما من الحرب الباردة.
وهناك سبب كاف للاعتقاد بأن الصدمة الأولى من امتلاك إيران لسلاح نووي سيعقبها تبلور توازنات إقليمية جديدة تشبه تلك التي تشكلت في أوروبا بعد الحرب الباردة، وسيدفع الخوف من إيران كلا من السعودية والعراق إلى الاتحاد مع جيرانهما الأصغر حجما لمواجهة الخطر الإيراني، كما أن الولايات المتحدة ستأخذ زمام المبادرة في خلق بيئة أمنية مستقرة في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك سيحتاج حلفاؤنا الأوروبيون المترددون، وربما الصين وروسيا، إلى الكثير من الوقت لتبرير مبيعات السلع والتكنولوجيا إلى طهران؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد من عزلة الجمهورية الإسلامية.
قد تفكر إيران أن المضي قدما في تخصيب اليورانيوم سوف يضع الخوف في قلوب الأمريكيين.. في الواقع ينبغي أن يعطينا ذلك أملا في إحياء النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
--------------------------------------------------------------------------------
محلل أمريكي متخصص في شئون الدفاع، باحث بمعهد أبحاث سلاح الجو الأمريكي- قاعدة "ماكسويل" الجوية، ولاية "ألاباما".
*مقال نشر بجريدة "النيويورك تايمز" الأمريكية، تحت عنوان "قنبلة إيران ذات الحدين"، 8 فبراير 2010
ادم لوثر
هل تقبل أمريكا بـ"إيران نووية"؟
مع إخطار إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعزمها على رفع معدل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى، يجب أن نعترف أن النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة لمحاصرة الجمهورية الإسلامية لا يؤدي إلى تحقيق أي شيء، وما تحتاج إليه الولايات المتحدة -أكثر من مجرد تغيير الخطط بشأن إيران- هو تغيير الطريقة التي تنظر بها إلى التهديد الذي يمكن أن تمثله "إيران النووية".
وصدقوا أو لا تصدقوا، فهناك بعض المكاسب التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة من امتلاك إيران لسلاح نووي، وأنا أتحدث هنا بصفة شخصية وليس تعبيرا عن القوات الجوية الأمريكية.
وفي هذا الإطار، هناك خمسة احتمالات تتبادر إلى الذهن:
أولا: من شأن امتلاك إيران لأسلحة نووية أن يمنح الولايات المتحدة فرصة لهزيمة الجماعات الإرهابية العربية السنية مثل القاعدة، والسبب أن امتلاك إيران لقنبلة نووية سيشكل تهديدا للدول المجاورة لها وليس للولايات المتحدة، وهكذا يمكن لواشنطن أن توفر الأمن الإقليمي -عبر تكوين مظلة نووية في الشرق الأوسط- في مقابل قيام الأنظمة الاستبدادية العربية، المسئولة عن توليد السخط الذي أدى لهجمات سبتمبر 2001، بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وحتى الآن رفضت الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط تغيير أساليبها؛ لأنها كانت محمية من قبل ثروة هائلة من احتياطياتها النفطية، لكن امتلاك إيران لسلاح نووي من شأنه أن يقلب التوازنات الإقليمية، ويوفر بعض الحجج للولايات المتحدة فيما يخص المطالبة بالإصلاح.
ثانيا: إن قيام الولايات المتحدة بدور الضامن الرئيسي للأمن الإقليمي في "شرق أوسط نووي" سوف يمكنها من كسر منظمة أوبك، ووضع حد لأنواع الممارسات الاحتكارية غير القانونية وذلك كثمن للدرع النووية التي ستوفرها لدول المنطقة، علاوة على خفض أسعار النفط وتوفير مليارات الدولارات التي تنفق سنويا في محطات البنزين، أو على الأقل يمكن للرئيس أوباما أن يقايض الأمن الذي يمكن لتلك الدول أن تحصل عليه مقابل زيادة الإنتاج من النفط وتخفيض أسعاره العالمية.
ثالثا: عبرت إسرائيل عن شعورها بالتهديد إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا، وعلى الفلسطينيين أيضا أن يقلقوا؛ لأن ضربة نووية إيرانية ضد إسرائيل سوف تقضي عليهم.. هذا الخطر المشترك (الذي يواجه الإسرائيليين والفلسطينيين) قد يكون حافزا لتحقيق المصلحة بين الطرفين، ويؤدي إلى توقيع اتفاق سلام بين الطرفين، استعصى على الرؤساء الأمريكيين الخمسة الماضين.
ومن المفارقات أن توقيع أي اتفاق سلام نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين من شأنه أن يضعف عداء طهران تجاه إسرائيل لحد كبير، ومن ثم يخفف من حدة التوترات التي سادت المنطقة منذ أمد بعيد.
رابعا: إن النمو في صادرات منظومات الأسلحة وأنشطة التدريب والمشورة التي تقدمها واشنطن لحلفائها في الشرق الأوسط لن يؤدي فقط إلى تعزيز جهود الولايات المتحدة الحالية لتكوين شراكة مع هذه الدول، بل من شأنه أيضا أن يعطي صناعات الدفاع الأمريكية دفعة كبيرة جدا.
ونظرا لحالة التقشف التي ستمر بها ميزانيات البنتاجون في السنوات المقبلة- (أثارت شركة بوينج ضجيجا كبيرا حول انسحابها من الصناعات الدفاعية)؛ وهو ما يعني فقدان الكثير من فرص العمل، ووضع أمريكا في موقف صعب يجعلها مهددة من قبل قوى عسكرية صاعدة مثل الصين- فإن امتلاك إيران لسلاح نووي قد يحول دون تحقق هذه الكارثة.
خامسا: إن الولايات المتحدة ستكون قادرة على وقف تدفق الدولارات إلى نظم الحكم الاستبدادية في المنطقة، ولن تحقق ذلك فقط من خلال خفض أسعار النفط وزيادة صادرات الأسلحة، ولكن أيضا عن طريق تحميل المستفيدين الإقليميين من الأمن الأمريكي جزءا من تكلفة توفير ذلك الأمن، وعلى المدى الطويل من شأن الانتصار في الحرب ضد الإرهاب أن يوفر عشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها الولايات المتحدة من أموال دافعي الضرائب سنويا على عمليات مكافحة التمرد في الخارج.ولكن ماذا عن الجانب السلبي (وجود نظام غير مستقر معاد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قادر على شن حرب نووية)؟ في الواقع هذا خطر يبالغ الكثير من الناس في توصيفه؛ فعلى الرغم من أن الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي ومجلس صيانة الدستور يتبنون خطابا لم تتبناه أي قوة نووية أخرى في أي وقت مضى، فإن إيران ستصبح أكثر مسئولية بمجرد امتلاكها السلاح النووي، ودليل ذلك أن التأثير الرادع للأسلحة النووية قد منع من اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي طوال 50 عاما من الحرب الباردة.
وهناك سبب كاف للاعتقاد بأن الصدمة الأولى من امتلاك إيران لسلاح نووي سيعقبها تبلور توازنات إقليمية جديدة تشبه تلك التي تشكلت في أوروبا بعد الحرب الباردة، وسيدفع الخوف من إيران كلا من السعودية والعراق إلى الاتحاد مع جيرانهما الأصغر حجما لمواجهة الخطر الإيراني، كما أن الولايات المتحدة ستأخذ زمام المبادرة في خلق بيئة أمنية مستقرة في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك سيحتاج حلفاؤنا الأوروبيون المترددون، وربما الصين وروسيا، إلى الكثير من الوقت لتبرير مبيعات السلع والتكنولوجيا إلى طهران؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد من عزلة الجمهورية الإسلامية.
قد تفكر إيران أن المضي قدما في تخصيب اليورانيوم سوف يضع الخوف في قلوب الأمريكيين.. في الواقع ينبغي أن يعطينا ذلك أملا في إحياء النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
--------------------------------------------------------------------------------
محلل أمريكي متخصص في شئون الدفاع، باحث بمعهد أبحاث سلاح الجو الأمريكي- قاعدة "ماكسويل" الجوية، ولاية "ألاباما".
*مقال نشر بجريدة "النيويورك تايمز" الأمريكية، تحت عنوان "قنبلة إيران ذات الحدين"، 8 فبراير 2010
ادم لوثر