المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "الشعب الجزائري بين نظام الخلافة والنظام الجمهوري"



Abu Taqi
16-02-2010, 06:33 AM
هذه مقالة للأستاذ أحمد بن عمر، نقلها لنا الأخ مهند من موقع الناطق الإعلامي لحزب المهندس عطا، وقد كانت تحت تحليل الواقع السياسي للجزائر فرأيت نقلها لهذا القسم.

محاضـرة كان من المفروض تقديمـها
ضمـن فعاليات الذكـرى الـ 83 لهـدم «الخلافـة الإسلاميـة»
03 مارس 1924م – 03 مارس 2007م

بقلم الأستاذ/ أحمـــد بن عمــر


السـلام عليكـم ورحمـة الله تعالـى وبركاتـه...

أمـا بعـد أيـها الحضـور الكـرام:
إنّ الله سبحانه لم يُنزل القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم ليكون الإسلام ديناً كهنوتياً مقتصراً على العبادات، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، وإنما أنزله نظاماً عالمياً للبشرية كافة، ينظم كل شأن من شؤون الحياة، من عبادات وأخلاق، وحكم وإقتصاد وإجتماع وتعليم وسياسة خارجية وداخلية، ومعاملات وعقوبات، وغير ذلك من شؤون الحياة. وفرض على المسلمين تطبيقه في دولة وحمله بالدعوة والجهاد رسالة إلى العالم. وقد طبقه المسلمون تطبيقاً فعلياً وكلياً، من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أيام الخلفاء الراشدين من بعده، وحملوه رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد. واستمر تطبيقه وحمله بعد عصر الخلفاء الراشدين من الأمويين والعباسيين والعثمانيين، إلى أن تمكنت –بعد الحرب العالمية الأولى- رأس الكفر والإستعمار إنجلترا، ومعها حليفاتها بالقضاء على دولة الخلافـة على يد عميلها مصطفى كمال أتاتورك ومكافأته بإقامة جُمهوريّـة تركية له وتنصيبه على رأسها. ومنذ ذلك التاريخ أُزيلت الدولة الإسلامية من الدنيا، بعد أن استمرت أكثر من 13 قرناً، وغاض الحكم بالإسلام من الوجود، وأصبحت أنظمة الكفر من الإشتراكية، الجُمهوريّـة الديمقراطية،...إلخ. هي التي تُطبَّق على المسلمين في جميع الأرض.
ثم مُزّق شمل المسلمين إلى كيانات هزيلة، وانتهى المسلمون كدولة إسلامية، وكدولة عظمى، وكقوة دولية تؤثر في الموقف الدولي، وفي مصائر الأمم والشعوب، وأصبحوا خاضعين لسيطرة الكفار المستعمرين ونفوذهم مباشرة في أول الأمر، ثم خضعوا لنفوذ الكفار المستعمرين عن طريق عملائهم من حكام المسلمين، ولا زالوا لهذه الساعة خاضعين لنفوذهم عن طريق هؤلاء الحكام العملاء، الذين اقتدوا بالخائن مصطفى كمال أتاتورك، وأقاموا جُمهوريّات على طول البلاد الإسلامية وعرضها.
إن بلدنا الجزائر، البلد الإسلامي الطيب، والذي غالبية أهله العظمى من المسلمين، والذي هو جزء من البلاد الإسلامية، قد أصابه من البلاء ما أصاب غيره من بقية البلاد الإسلامية، فقد احتلته فرنسا الكافرة المستعمرة في سنة 1830م، وأقصت الإسلام فيه عن الحياة، وطبّقت عليه مباشرة النظام الرأسمالي-الديمقراطي، فتحوّل إلى دار كفر-بالرغم من بقاء أهله مسلمين- وبعد أن تحرّر من الإستعمار العسكري الفرنسي الكافر سنة 1962م، أقيمت فيه ما سُمِّيت بـ"الجُمهوريّـة الجزائرية الديمقراطية الشعبية" مباشرة بعد الإستقلال، إلا أن هذه الجُمهوريّـة تَرَكَتْ، ثُمَّ أَبْعَدَتْ الإسلام عن موضع التطبيق والتنفيذ، رُغم أنه -أي الإسلام- هو السبب وهو الدافع لتحرّر البلاد من الإستعمار العسكري الفرنسي الكافر، ورغم أن في الإسلام جميع أنظمة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية...إلخ. فقد ترك حكام هذا البلد، ثم أبعدوا الإسلام عن الحكم، وأخذوا بالنظام الجُمهوريّ اقتداءاً بمصطفى كمال أتاتورك، وطبقوا التشريعات والقوانين الغربية حرفياًّ وبخاصة الفرنسية منها، التي هي تشريعات وقوانين كفر.
لقد تقلص ظلّ دولة الخلافـة (العثمانية) عن الجزائر منذ سنة 1830م وحتى هدم الخلافـة سنة 1924م، من جراء احتلال الجُمهوريّـة الفرنسية الكافرة المستعمرة لها، والذي استمر حتى سنة 1962م؛ أي أنه طيلة 132 سنة والجزائر تعيش وفق نمط حياة الجُمهوريّـة الفرنسية الكافرة المستعمرة. وها هي الجزائر اليوم في بداية القرن 21م وبعد 45 سنة من استقلالها المزعوم (1962م-2007م) ما زالت ترزح تحت وطأة الإستعمار الأوروبي (وبخاصة الفرنسي والإنجليزي) الكافر، وإن كان هذه المرة ليس بالقوات العسكرية الفرنسية، وإنما باللغة الفرنسية (والإنجليزية) والثقافة الغربية (وبخاصة الفرنسية) والتشريعات القوانين الغربية (وبخاصة الفرنسية)، تحت شعار "الجُمهوريّـة الجزائرية الديمقراطية الشعبية".
وعليه فهذا البلد الطيب حُكِمَ منذ 177 سنة (1830م-2007م)، بغير ما أنزل الله، بإسم الجُمهوريّـة الفرنسية تارة وبإسم الجُمهوريّـة الجزائرية تارة أخرى، حتى أن هذه الأخيرة قد أَلْزَمَتْ بـ"مشروع الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية" الشعب الجزائري بالعِرْفَانِ، إلى الأبد، لصُنَّاعِ نجدتها من الإسلام (السِيَاسِيِّ)، ونَصَّتْ في أمر "تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" من خلال الفصل السادس على إجراءات تجسيد عِرْفَان الشعب الجزائري لهم.

أيـها الحضـور الكـرام:
منذ أن احتلت فرنسا الكافرة المستعمرة بلادنا في 1830م وحتى السنة الجارية 2007م وأحكام الكفر تطبق على البلاد، فقد قضت على سلطان الإسلام وأحكام الشرع وأقامت مكانها أحكام الكفر، فقد جعلت الحكم يقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، وجعلت التشريع قوانين مستمدة من التشريع الفرنسي، ولم تترك أي أثر للإسلام لا في التشريع ولا في السلطة، ولمّا نِلْناَ الاستقلال (الوهمي) وخرجت فرنسا سنة 1962م من عندنا، وتسلّم السلطة أبناؤنا، كان يجب أن تُزال أحكام الكفر، ولكن الذي حصل أن الحكام ساروا على نفس الحكم الذي كان تسير عليه فرنسا، فأقاموا جُمهوريّـة وجعلوا عقيدة فصل الدين عن الدولة أساسها، واستمروا على تطبيق القوانين التي خلفتها فرنسا، أي استمرت أحكام الكفر التي كان تطبقها فرنسا فصار يطبقها أبناؤنا بالنيابة عن الكفر. وكان أول ما يجب عليهم فعله إزالة عقيدة فصل الدين عن الدولة من البلاد وإقامة الحكم على العقيدة الإسلامية وإلغاء القوانين التي شرعتها فرنسا وجعْل الأحكام الشرعية، وبوصفها أحكاماً شرعية، قوانين للبلاد، ولكن لم يحصل شيء من ذلك، بل استمرت أحكام الكفر تتحكم في المسلمين.
واليوم بعد أن عانت الجزائر ما عانت من أزمة الحكم، ونير أحكام الكفر، وضلالة أفكاره، وبخاصة ونحن نعيش اليوم الذكرى الـ 83 لهدم الخلافـة الإسلامية، فقد آن الأوان لنا أن نتخلّص من هذا النظام الجُمهوريّ وفكرته وأحكامه من جهة، والعمل جدِّياًّ لإعادة نظام الخلافـة من جهة أخرى، إذ أنّ الغرب الكافر المستعمر قد غَشَّى على بَصَرِ الأمَّةِ الإسلاميةِ بفِكْرِهِ عن الحياة بِعامةٍ وعن الحكم بِخاصةٍ، فكانت فكرة الجُمهوريّـة غِشَاوَة على بصر الأمَّة، فَعَمِيَتْ هذه الأخيرة عن طريق الخلافـة ثم عَمَهَتْها.
ولذلك فإننّا لا نكلّف شيئاً مَنْ نُطالبه –من أبناء هذا البلد- بإمعان النظر في فكرة الخلافـة ليجد أنّها في فترتها (683م- 1830م) ابتداءاً بـالخلافـة الأموية، فالعباسية، وأخيراً العثمانية، قد:
- حَمَلَتِ الخلافـة (الأموية) إلى الشعب الجزائري خير دين على الإطلاق، دين الله الإسلام، الذي قال الله تعالى عنه:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} (سورة آل عمران الآية 19)، ورَضِيَهُ له ديناً:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (سورة المائدة الآية 3)، ليُنْجِيهِ في الآخرة:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (سورة آل عمران الآية 85). فقد غَرَسَتِ الخلافـة في قلب وعقل الشعب الجزائري عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ووَهَبَتْهُ، خَيْرَ هُوِيَّة، الهُوِيَّة الإسلامية، أساسها العقيدة الإسلامية التي وافقت فطرته وأقنعت عقله، فأخْرَجَتْهُ من ظلمات الشرك والكفر إلى نور الإيمان:{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (سورة إبراهيم الآية 1).
- وضَمَّتِ الخلافـة الشعب الجزائري إلى خير الأمم على الإطلاق، الأمة الإسلامية التي قال الله تعالى فيها:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (سورة آل عمران الآية 110)، أمة الوَسَط التي كلفها الله بمسؤولية هداية ورعاية البشر إلى يوم الدين:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (سورة البقرة الآية 143)، فجَعَلَتْهُ جزءاً لا يتجزأ منها، لا فرق بينه وبين أيٍّ من شعوبها، فأَنْقَذَتْهُ الخلافـة (الأموية) من عُبُودِيَتِهِ لبيزنطة، وفَتَحَتْ به الأندلس حتى وصلتْ إلى سهول بْوَاتِيه الفرنسية. وحَرَّرَتْهُ الخلافـة (العثمانية) من الإسبان، ودفعت عنه شرور الدول الأوروبية؛ فقد كانت دِرْعه لما يقارب الثلاثة قرون ضد أوروبا. وأعَانَتْهُ الأمة الإسلامية معنوياً ومادياً للتحرّر من الإستعمار العسكري الفرنسي الكافر.
كما أننّا لا نكلّف شيئاً مَنْ نُطالبه –من أبناء هذا البلد- بإمعانِ النظرِ في فكرةِ الجُمهوريّـة (الجزائرية) ليجد أن فترتها (1962م-2007م) قد رَسَّخَت نفس الأوضاع السياسية والإقتصادية والثقافية التي تركتها الجُمهوريّـة الفرنسية الكافرة المستعمِرة، حيث:
- اغْتَصَبتْ سلطان الإسلام في بلده هذا؛ بِفَصْلِهِ عن حياة الشعب الجزائري، وحَشْرِهِ في الزوايا والمساجد لا يَتَخَطَّاها، وحَكَمَت وفق التشريعات والقوانين الغربية وبخاصة الفرنسية منها. فتَهاَفَتَ بعض أبنائه في نيران الإلحاد والتنصير.
- رَسَّخَتْ حدود الإستعمار الفرنسي وحافظت عليها (خط شال وخط موريس) باعتبارها ملجأً لها، حتى كان من أهم شعاراتها:«الجزائر أولاً وقبل كل شيء»، و«الجزائر أولاً، الجزائر ثانياً، الجزائر أبداً»، أي أصبحت هذه الجُمهوريّـة تعلو كل شيء بما فيها دين الله الإسلام.
- أَلْحَقَتِ الشعب الجزائري بأبغض الدول إليه، الدولة الفرنسية. فصار تابعاً لها في اللغة والثقافة إدارياً وتعليمياً، وفي الإقتصاد زراعةً وتجارةً وصناعةً وسياحةً.
- افْتَعَلَتْ في تاريخها مرحلتي «الإرهاب» و«المصالحة» لاستخدامهما كسلاح استراتيجي لاستئصالِ شَأْفَةِ الإسلامِ (السِيَاسِيِّ) عسكرياً وسياسياً.

يتبع

Abu Taqi
16-02-2010, 06:33 AM
نعـم أيـها الإخـوة الحضـور:
هكذا كان نظامكم نظام الخلافـة، الذي عشتم فيه مع بقية المسلمين إخوةً، وعلى الكفر والكفار أسياداً.
وهكذا هو نظامـ(كم) الآن نظام الجُمهوريّـة الذي تعيشون فيه غرباء حتى مع وعن أنفسكم، وعبيداً لأوروبا وأمريكا، ليس لكم من الأمر شيء!!
ولكن حتى نعلم علم اليقين، ببطلان فكرة الجُمهوريّـة، ومناقضتها للإسلام ولنظام حكمه الخلافـة، لا بدّ من معرفة واقعها الفكري، ثم تبيان الحكم الشرعي فيها.
إن أصل لفظ الجُمهوريّـة يقابل الكلمة الأجنبية (republic)، والتي تحيل إلى ما هو من الشأن العام. فكلمة (public) تعني العام أو العمومي والشعبي والحكومي والمشاع والعلني وتعني الشعب والجُمهور.
وفي اللغة العربية يقال:جُمهورُ كل شيء: معظمُه، وقد جَمْهَرَهُ. وجُمهورُ الناس: جُلُّهُم. وجَمْهَرْتُ القومَ إِذا جمعتهم، وجَمْهَرْتُ الشيء إِذا جمعته. جَماهير أَي جماعات، واحدُها جُمْهُورٌ. والجَمْهَرَةُ: المجتمع.
والجُمهوريّـة مفهوم يتعلق بالحكم يدل على أن للشعب أن ينتج الدولة وسلطتها تعبيراً عن نفسه، أي إن الشعب ينتج ذاته سياسياً في صيغة الدولة الجُمهوريّـة. ولكن ما الذي يجعل الدولة ويمنحها صفة الجُمهوريّـة؟ الذي يمنحها ذلك هو القانون بصفته تعبيراً عما هو عام ومشترك بين جميع مواطني الدولة.
فأفراد الشعب حين يقومون بإيجاد الإتحاد بينهم لإيجاد الإرادة العامة، سوف يتعاقدون مع أنفسهم بأن يكونوا للشعب الذي يعيشون فيه، وهذا هو ما يسمونه بالعقد الاجتماعي. وبموجب هذا العقد يتنازل كل فرد تنازلاً كاملاً عن جميع حقوقه للشعب كله، ويسهم كل فرد من الشعب بشخصه وبكل قدرته تحت الإرادة العامة، وينتج عن هذا العقد دولة هي التي تُسمى بالجُمهوريّـة. فهي تعني أن يكون جميع الناس هم الدولة، وأن لكل واحد منهم من الحق ما للآخرين في إيجاد الدولة ونصب الحكام، وسنّ القوانين.
ولذلك يستخدم مصطلح جُمهوريّـة بشكل عام للإشارة للدولة التي تعتمد فيها على سيادة جمهور الشعب (القانون الذي يسنّه) وسلطته (انتخابه للحكام الذين يطبقون قانونه الذي سنّه). فالجُمهوريّـة شكل من أشكال الحكومات، وتعني الحكم الذي يتدخّل الجُمهور (الشعب) في صنع قانونه واختيار مسؤوليه. ويمكن أن تتنوع تفاصيل تنظيم الحكم الجُمهوريّ بين النظام الجُمهوريّ الرئاسي أو النظام الجُمهوريّ البرلماني.
والنظام الجُمهوريّ أول ما نشأ كان ردة فعل على طغيان النظام الملكي في أوروبا، حيث كانت للمَلِكِ، بحكم الحق الإلهي الذي له، السيادة والسلطان يحكم ويتصرف بالبلاد والعباد كما يريد ويهوى، فالمُلك مُوَرَّث، والقانون قانون الْمَلِك. فجاءت الأنظمة الجُمهوريّـة، ونقلت السيادة والسلطان للشعب فيما سُمِّيَ بالديمقراطية. فصار الشعب هو الذي يضع قوانينه. وصار الحكم بيد رئيس الجُمهوريّـة المنتخب ووزرائه في النظام الجُمهوريّ الرئاسي، وبيد مجلس الوزراء في النظام الجُمهوريّ البرلماني (ويكون مثل هذا –أي الحكم بيد مجلس الوزراء- في الأنظمة الملكية التي نُزعت صلاحية الحكم فيها من الملك حيث بقي رمزاً يملك ولا يحكم).
أي أنه لما كان الْمَلِك في أوروبا يملك وحده التشريع، ويملك وحده السلطة، كان الشعب عبداً للْمَلِك يظلمه ويستبد به، بما له من حق التشريع وحق السلطة، لذلك لا بدّ من إلغاء الحق الإلهي إلغاءاً تاماً وجعل التشريع للشعب وحده، والسلطة للشعب وحده. فالبحث في أن الشعب سيد وليس عبداً وأنّه هو الذي يسنّ القانون الذي يريد ويختار الحاكم الذي يريد هو الذي أنشأ في أوروبا نظريتا السيادة للشعب، والشعب مصدر السلطات اللتان أوجدتا النظام الديمقراطي، ووُجد النظام الجُمهوريّ تحقيقاً لنظرية الشعب مصدر السلطات.
أمّا نظرية السيادة فقد قالوا إن الفرد يملك الإرادة ويملك التنفيذ، فإذا سُلبت إرادته وصار تسييرها بيد غيره كان عبداً، وإذا سير إرادته بنفسه كان سيداً. والشعب يجب أن يسيّر إرادته بنفسه لأنه ليس عبداً للمَلِكِ بل هو حرٌّ، فالشعب هو السيد، وما دام الشعب هو السيد وهو سيد نفسه ولا سيادة لأحد عليه فهو الذي يملك التشريع، وهو الذي يملك التنفيذ، فالعبودية تعني أن يُسَيَّرَ بإرادة غيره، أي أن غيره هو الذي يُسَيِّرُ إرادته، فإذا لم يُسَيِّر إرادته بنفسه يظلّ عبداً، فلتحرير الشعب من العبودية لا بدّ أن يكون له وحده حقّ تسيير إرادته فيكون له حق أن يُشَرِّع التشريع الذي يريد وأن يُلغي ويُبطل التشريع الذي يريد إبطاله. وقد شَبَّتْ نيران الثورات في أوروبا، لإبطال الحق الإلهي وتحرير الشعوب من عبودية الملوك، وهذه الثورات نجحت وأزيل الملوك ووضعت نظرية السيادة موضع التطبيق، وصار الشعب هو الذي يُشرِّع ثم وجدت المجالس النيابية لتنوب عن الشعب بمباشرة السيادة، ولذلك تسمعهم يقولون مجلس النواب سيد نفسه، أي ليس عبداً لأنه يمثل الشعب والسيادة للشعب. فنظرية السيادة للشعب معناها أن الشعب يملك تسيير إرادته ويملك تنفيذ هذه الإرادة. تماماً كما يملك الحرّ نفسه أو بتعبير آخر كما يملك السيد نفسه، فالسيادة تعني تسيير الإرادة.
ولما كانت السيادة للشعب ويملك تسيير الإرادة، ويملك التنفيذ، وكان التشريع بيد الشعب كان لا بدّ أن يكون التنفيذ كذلك بيد الشعب، لأن جعل التشريع بيد الشعب وحده لا يكفي، لأنه وإن جعله سيداً بتسيير إرادته ولكن بحكم أن له تنفيذ ما يريد كان لا بدّ أن تكون السلطة بيده، لأنها هي التي تنفذ، إلاّ أن الشعب إذا استطاع أن يباشر السيادة بإيجاد وكلاء عنه لمباشرة التشريع فإنه لا يستطيع أن يباشر السلطة بنفسه لتعذر انتخاب وكلاء عنه لمباشرة السلطة، لأن ذلك يؤدي إلى حكم الغوغاء، لذلك كان لا بدّ أن ينيب عنه من يباشر السلطة بنفسه، فوكّل أمر التنفيذ لغير الشعب، على أن يقوم الشعب بإنابته عنه، فيكون بمثابة عبد للشعب، يملك التنفيذ بإرادة الشعب، كما يملك العبد التنفيذ بإرادة سيده، فوجدت من ذلك نظرية الشعب مصدر السلطات، أي الشعب هو الذي يُنيب الحاكم عنه ليحكم باسمه. ومعنى كونه مصدر السلطات، أي أنه هو الذي يُنيب عنه من يتولى السلطة فيه أي من يتولى التنفيذ.
وهذا الواقع للشعب في الغرب من حيث كونه سيد نفسه وهو ما يسمى بالديمقراطية وبالتالي الجُمهوريّـة يخالف واقع الأمّة الإسلامية، فالأمة الإسلامية مأمورة بتسيير جميع أعمالها بأحكام الشرع الإسلامي، فالمسلم عبد الله، فهو لا يسيّر إرادته، ولا ينفذ ما يريد، وإنما تسيّر إرادته بأوامر الله ونواهيه، ولكنه هو المنفذ، ولذلك فالسيادة ليست للشعب وإنما هي للشرع الإسلامي، أمّا التنفيذ فهو الذي للأمة، ولذلك كان السلطان للأمة، ولما كانت الأمّة لا تستطيع مباشرة السلطان بنفسها، لذلك فإنه لا بد لها أن تنيب عنها من يباشره، وجاء الشرع الإسلامي وعيّن كيفية مباشرتها له بالبيعة ونظام الخلافـة. فكان السلطان للأمة تختار برضاها من يباشرها عنها، ولكن حسب أحكام الشرع الإسلامي، أي ليس بحسب إرادتها بل حسب شرع الله، ومن هناك كانت السيادة للشرع وكان السلطان للأمة.
يتبع

Abu Taqi
16-02-2010, 06:34 AM
أيـها الإخـوة الحضـور:
إنّ التشريع في الإسلام ليس للشعب، بل لله وحده، ولا يحق لأحد أن يحلّل ويحرّم من دون الله، وجَعْل التشريع للبشر عموماً وللشعب خصوصاً هو جريمة كبرى في الإسلام. ولما نزلت الآية الكريمة:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} (سورة التوبة الآية 31)، فسّرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأن الأحبار والرهبان كانوا يُشَرِّعون فيحلّلون ويحرّمون للناس فيطيعونهم، وهذا هو اتخاذهم أرباباً من دون الله، كما بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تفسيره للآية الكريمة؛ للدلالة على عظم جريمة مَنْ يحلّل ويحرّم من دون الله سبحانه. أخرج الترمذي من طريق عَدِيّ ابن حاتم قال:«أتيت النبي صلى الله عليه وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: ياعدي اطرح عنك هذا الوثن. وسمعته يقرأ في سورة براءة {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} قال: أَمَا إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه».
كما أن الحكم في الإسلام ليس عن طريق مجلس وزراء ووزراء لهم اختصاصات وصلاحيات وميزانيات منفصلة عن بعضها. ففي النظام الديمقراطي وبالتالي النظام الجُمهوريّ يُجَزَّأ الحكم بين الوزارات، ويجمعها مجلس وزراء يملك الحكم بشكل جماعي. وفي الإسلام لا يوجد مجلس وزراء بيده الحكم بمجموعه، بل إن الخليفة هو الذي تُبايِعه الأمة ليحكمها بكتاب الله وسنة رسوله، والخليفة يعيّن له مُعاونين (وزراء تفويض) يُعاوِنُونَه في تحمّل أعباء الخلافـة.
أما موضوع اختيار الأمة للحاكم، أي اختيار الخليفة، فهو أمر منصوص عليه. فالسيادة في الإسلام للشرع، ولكن البيعة من الأمة للخليفة شرط أساس ليصبح خليفةً. وقد كان انتخاب الخليفة يُمارَس في الإسلام في الوقت الذي كان فيه العالم يعيش في ظلام استبداد وطغيان الملوك.
وهنا قد ترد شبهة أن نظرية الشعب مصدر السلطات التي وُجد على أساسها النظام الجُمهوريّ تتفق مع الفكرة الإسلامية السلطان للأمة. لكن المدقق يجد القانون باعتباره تشريعاً من الشعب هو الذي منح الدولة صفة الجُمهوريّـة، لأنه لا معنى عندهم لاختيار الشعب لحكام يطبقون عليه قانوناً لم يشرعه الشعب بنفسه؛ فالشعب عندهم ينيب عنه الحكام لأجل تنفيذ قانون الشعب وفقط. فحق إنابة الشعب لحكامه جاء من كون أن الشعب هو المسؤول الوحيد عن قانونه أي عن إرادته، ولمّا كان لا يستطيع تنفيذه، كان عليه أن يستأجر الحكام لينفذوا له القانون الذي أراده.
أما في الإسلام فإن اختيار الأمة للخليفة، إنما هو من أجل تطبيق الشرع عليها ليس غير، أي بالبيعة؛ فهو يُبايعها على تنفيذ وتطبيق الشرع عليها وهي تبايعه على السمع والطاعة مادام منفذاً ومطبقاً للشرع عليها، فالخليفة ليس أجيراً عند الأمة، لأنهما منفذان للشرع. فالأمة وإن كانت هي التي تنصب الحاكم ولكن هذا التنصيب (نفسه) منها للحاكم إنما جاءت به النصوص الشرعية، ولذلك فالحاكم ليس أجيراً عندها، بل نائباً عنها في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع. لذلك فإنه لا يكون خليفةً إلا إذا بايعته الأمة، فبيعتها له بـالخلافـة جعلته نائباً عنها، وانعقاد الخلافـة له بهذه البيعة أعطاه السلطان، وأوجب على الأمة طاعته.

أيـها الإخـوة الحضـور:
وعليه فالديمقراطية وبالتالي الجُمهوريّـة فكرة غربية منبثقة عن وجهة نظر فصل الدين في الحياة، فهي فكرة تناقض الإسلام الذي يكون وجهة نظر أخرى في الحياة، ولذلك فالديمقراطية وبالتالي الجُمهوريّـة نظام كفر، يَحْرُمُ أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها. وهنا قد يرد ما أُضيف من كلمة "إسلامية" لـ"الجُمهوريّـة" فيقال "الجُمهوريّـة الإسلامية" كما هو الحال مع إيران وموريتانيا، فإنّ هذه الإضافة لا تجعل منها نظاماً إسلامياً. لأن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافـة، وهو ليس نظاماً جُمهورياًّ ومتميز عنه، لأنه رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهذه الرئاسة تكون لِمَنْ نُصِّبَ بالبيعة على كتاب الله وسنة رسوله للحكم بما أنزل الله.
أمّا إذا رأينا للجُمهوريّـة من حيث الدافع لها من حيث التطبيق فهو الغرب الكافر كمستعمِر، فإن الغرب حين أراد أن يهدّم نظام الخلافـة هدّمها بنظام الجُمهوريّـة، وحين أراد أن يحوّل شكل الاستعمار أقام دولاً، وأقامها على أساس الجُمهوريّـة، لذلك فإن من يأخذها إنما يروِّجُ للاستعمار ويُؤَيِّدُه، ويُؤَيِّدُ نظامه، ويُؤَيِّدُ الحكام الذين نَصَّبَهُم مكانه، فمكافحة الاستعمار وتصفيته نهائياً تُوجِبُ مكافحة هذه الأنظمة التي تركِّز بقاءه. فالدعوة للجُمهوريّـة وتطبيقها تعني أن نظلّ نعيش على شرعة الاستعمار الكافر في الوقت الذي نزعم فيه أننا ألدّ أعدائه، وأننا أعظم محاربيه، وأننا متحررون من رِبْقَتِه ونفوذه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (سورة النساء الآية 60).

أيـها الإخـوة الحضـور:
لمّا كان النظام الجُمهوريّ نظام استعماري، كان لا بدّ من التحرر من الاستعمار، ولمّا كان النظام الجُمهوريّ نظام كفر، كان لا بدّ من تغييره، وإقامة نظام الخلافـة مكانه، ولمّا كان النظام الجُمهوريّ هو من فصل الجزائر عن البلاد الإسلامية الأخرى، كان لا بدّ من الوحدة الإسلامية. والحكم الشرعي في شأن هذا الواقع الديمقراطي وبالتالي الجُمهوريّ هو: وجوب تحرير الجزائر من الكافر المستعمِر، ووجوب إقامة حكم الإسلام فيها، ووجوب توحيدها مع البلاد الإسلامية الأخرى في دولة واحدة هي دولة الخلافـة.
أما الحكم الشرعي في كيفية السير للقيام بهذه الواجبات الثلاث فهو أن التحرير لا ينفصل عن الحكم بالإسلام ولا عن الوحدة: وذلك أن الجزائر بلد يُحكم من قِبل حكام من أبناء الشعب المسلم ويسيطر عليه نفوذ الكافر المستعمر (أوروبا وبخاصة إنجلترا وفرنسا) ويُحكم بحكم الكفر. فلا بدّ من أن يحكم بالإسلام بالتخلُّص من الجُمهوريَّـة الجزائرية وإقامة دولة الخلافـة فيه، ولا بدّ من تحريره من نفوذ الدول الكافرة المستعمرة. وهذا لا يتم إلا بعد هدم الجُمهوريَّـة الجزائرية والحكم بالإسلام أولاً، فيحرّر من نفوذ الكفار المستعمِرين بالحكم بالإسلام وأثناءه، لأنه لا يمكن الاستمرار في الحكم بالإسلام بدون التحرّر من نفوذهم. ثمّ ينطلق لتوحيد كافة البلاد الإسلامية تحت راية الخلافـة التي انطلقت منه.
أما إذا أقيمت دولة الخلافـة في بلد إسلامي آخر، فلا بدّ من العمل على هدم الجُمهوريَّـة الجزائرية بإعانة دولة الخلافـة حتى يتحقق ضمّ الجزائر إليها بمبايعة الخليفة، ومن ثمّ تُحرِّرُها من نفوذ أوروبا، وبخاصة إنجلترا وفرنسا، بهذا الضمّ وحكمها بالإسلام وأثناءه.
أما كيف يتم البدء في ذلك فهو أن نحمل الدعوة الإسلامية بالطريق السياسي وليس بالطريق المسلّح (كما فعلت الجماعات الإسلامية المسلحة) ولا بطريق المشاركة في الحكم الجُمهوريّ (كما فعلت وتفعل الحركات الإسلامية المعتمدة)؛ اقتداءً بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلّم في المرحلة المكية؛ أي بالعمل السياسي لإقامة الخلافـة الإسلامية عن طريق "حـزب سياسـي يعتنق العقيدة الإسلامية" ويجعلها الأساس للحكم الذي يسعى لأخذه أو لاستلامه بإفهام الأمة أو الفئة الأقوى فيها العقيدة الإسلامية المراد تحرير الأمة بها وتوحيدها عليها، وجعلها تبني حياتها عليها، وتتجه في معترك الحياة على أساسها، لإيجاد الحافز الحاد للأمة يدفعها للتحرر من الكفر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، رضوانه وغفرانه.

:

الجزائر العاصمة يوم 03/03/2007م
بقلم الأستاذ/ أحمـــد بن عمــر

http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabi...at/single/1887

المثنى
26-02-2010, 05:32 AM
السلام عليكم

هذا الرابط لا يعمل، هل من الممكن أن ترشدوني لكيفية استرجاع المقالة من موقعها الرسمي ولكم الشكر.

حياكم الله