ابو العبد
07-01-2010, 10:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الكلمة التي القاها احد شباب حزب التحرير في الضفة الغربية في امسية حوار...
حزب التحرير و الخلافة
لقد خلع الكافر المستعمر ردحا من عمر الزمن يجهد في محاولة القضاء على الاسلام ، و لما كان القرن التاسع عشر، و على ضوء الثورة الصناعية في الغرب ، قام الكفار الغربيون بشن حملة فكرية كاسحة على العالم الاسلامي ، تمكنوا من جرّائها من زعزعة ثقة المسلمين بنظام الاسلام ، أي بمجوعة المفاهيم و المقاييس و القناعات التي يقوم عليها كيان الامة و كيان الدولة، وتمكنوا من إزالة أي وصف سياسي عن الاسلام، كما نفروا المسلمين من الخلافة، مشبهينها بالحكم الثيوقراطي حينا، و بالدكتاتوري أحيانا أخرى . و بذلك تمكنوا من القضاء على الخلافة موضوعا قبل ان يقضوا عليها ذاتا بمعونة طغمة من خونة العرب و الترك . و قاموا على إثر ذلك بتركيز استعمارهم المباشر في العالم الاسلامي، على قدم و ساق مع غزو المسلمين – لا سيما مفكريهم و سياسييهم – بالقيادة الفكرية الراسمالية، أي باساس فكرة الغرب عن الحياة . فأحكموا قبضتهم على المسلمين كما يقبض فقير على درهم !
و خيّل للغرب آنذاك في أكثر أحلامه جموحا أنه قد استأصل شأفة الاسلام مرة واحدة و إلى الابد. فلا الاوضاع الفكرية البالية، ولا طبقة السياسيين والمفكرين بما فيها التكتلات الحزبية كانت تنبىء عن تغيير جذري، يحرر بلاد المسلمين، و يقلع نفوذ الغرب الفكري و السياسي ، و يستأنف العمل بالاسلام في الحياة و الدولة و المجتمع. بيد أن الله قيض لمبدأ الاسلام حزبا سياسيا واعيا، يحمل الدعوة للاسلام قيادة فكرية في الطريق السياسي، مستهدفا إنهاض الامة، و إقامة الخلافة ، و بناء المجتمع ، و حمل رسالة الاسلام للعالم . ذاك هو حزب التحرير.
و بالرغم من ضعف وسائل الاسلام ، و قوة وسائل الكفر، إلا أن قوة الفكرة الاسلامية ، ووعي حزب التحرير عليها ، مكنه من خوض المعارك الفكرية و السياسية بشكل رائع ، أفضى في وقت قياسي إلى احياء الناحية السياسية في الاسلام، و نقله من الناحية الروحية المحضة إلى الناحية السياسية و الفكرية، حتى التصق بالحزب وصفه السياسي وصبغته الفكرية في أذهان الحكام و السياسيين و المفكرين ناهيك عن عوام الناس. وأصبح مشهورا عن الحزب أنه يريد تسلم السلطة لاقامة دولة اسلامية. ولما دخل الحزب مرحلة التفاعل أخذ يركز مفهوم الدولة الاسلامية محاولا تقريب صورة الخلافة إلى أذهان مسلوبة للحضارة الغربية، مذهولة بديموقراطيتها. فالحزب أعلن منذ اليوم الاول أنه يسعى لاستئناف الحياة الاسلامية و حمل الدعوة الاسلامية ، وأنه يتقصد الوصول إلى السلطة لاقامة الدولة الاسلامية لتحقيق غاياته. بيد أن نجاح الحزب في نقطة الانطلاق، واستيقاظ الحكام والأوساط السياسية عليه كحزب سياسي معين له مبدأ معين ، يريد مزاحمتهم على الحكم، و تطلع الشباب أنفسهم إلى الحكم، حتم على الحزب لما دخل دور التفاعل أن يرمز صراحة إلى الحكام و الامة على أخذ الحكم . فصار لا بد من افهام الامة الاساس الذي يزاحم الحزب الحكام لاخذ الحكم منهم بواسطتها عليه، أي افهامها أنه الاسلام، وإفهامها علاوة على ذلك أنه الخلافة، وقد كان الحزب قبل ذلك يستعمل تعبير الدولة الإسلامية، وتعبير الحكم بالإسلام ، حتى في دستوره الذي اخرجه باديء الامر كان يقول الدولة الاسلامية ، و رئيس الدولة ، و لا يقول الخلافة و الخليفة. وكان القصد من ذلك التقريب للأفكار وإيجاد الجو الذي يدرِك فيه الناس من مسلمين وغير مسلمين معنى دعوة الحزب لإقامة الخلافة، من أنه ليس خليفة كخلفاء العثمانيين في أواخر أيامهم، بل إقامة نظام حكم إسلامي يُحكم فيه بما أنزل الله في الدولة كلها. ولما نجح الحزب في نقطة الانطلاق أخرج كتاب الخلافة، ليوجِد مناقشات في الخلافة وليبلور معنى إقامة الدولة الإسلامية وإيجاد الحكم بالإسلام بأنه إيجاد نظام الخلافة وإقامة خليفة. و لم يعد الحزب يفوت فرصة لا يتحدث فيها عن الخلافة، بوصفها نظام الحكم في الاسلام ، مبينا أجهزتها ، شارحا وظيفتها ، مجليا الفرق بينها و بين أنظمة الحكم الاخرى، و عن جريمة هدمها، و فرضية العمل لاقامتها، وكونها قضية مصيرية تستأهل أن يتخذ تجاها إجراء الحياة او الموت، وعن كيفية اقامتها، طالبا من المسلمين العمل معه في سبيل ذلك. و كان من جراء ذلك أن التصقت الخلافة بحزب التحرير، حتى لكأنها اصبحت رديفا لاسمه ، لا يذكر الحزب إلا ومعه الخلافة ، و لاتذكر الخلافة إلا و الحزب معها. و عزز ذلك تجمد المجتمع في وجه الحزب، مما صعب التفاعل مع الناس و ايصال الافكار، وأخذ الكثير من الشباب يتخيرون من الافكار ما لا يجر عليهم مغرما إن هم نافشوا الناس بها. فأخذ الحزب يركز الافكار مزيدا بعد،حتى اصبح مطلق التركيز على العقيدة و الخلافة و الجهاد. وبعد المحاولة الاولى للوصول إلى الحكم عام1969 أصبح تفكير الشباب محصورا في تسلم الحكم، و أهملوا الامة و سقيها بالافكار فترة من الزمن. ولم يبق من فكر الحزب في المجتمع و في نقاشات الناس سوى القليل، كانت الخلافة ابرزها .وزاد الطين بلة حالة الجمود التي دخل فيها الحزب قرابة عقدين من الزمن، فكانت ضغثا على ابالة. كل هذا كاد أن يختزل الحزب بفكرته و طريقته و هدفه في الخلافة. فصار لا بد من التفكير في ذلك، و أثره على سير الحزب، وعلاج ما قد يترتب عليه.
لاشك أن الحزب قد أحرز نصرا مؤزرا على الغرب الكافر باحياء فكرة الخلافة، و ايجاد النقاش حولها، و ربطها بحزب سياسي جديّ كحزب التحرير، و تحويلها من مجرد تاريخ يقرأ إلى مشروع سياسي طموح. ولكن السؤال الذي يطرح :ما هو دور الخلافة في فكر الحزب كحزب سياسي ؟ و كيف يمكن للحزب أن يبلور فكرة الخلافة كمفهوم سياسي في اذهان المسلمين؟
إن الحزب أدرك أن أزمة الامة هي أزمة فكرية في المقام الاول ، وأن هدم الخلافة لم يكن سوى أثر لحالة التردي الفكري ، و أن انقاذ الامة الاسلامية من الفناء يكون باعادة ثقتها بصحة أفكر الاسلام و أحكامه و صدقها وصلاحيتها ، عن طريق جعل الوقائع و الحوادث تنطق بهذه الصحة و هذا الصدق، لتحصل القناعة التامة بذلك ، أي عن طريق حمل الدعوة الاسلامية في الطريق السياسي ، اي بالعمل لايجاد الخلافة الاسلامية عن طريق بث الافكار الاسلامية و الكفاح في سبيلها . فالعمل على ايجاد الخلافة يترتب عليه تصوير الاسلام عقيدة سياسية يحتوي على نظام للحكم كما يحتوي الاخلاق، و يفصل في المعالجات الاقتصادية كما يفصل في احكام العبادات، و يتناول العلاقات الدولية كما يتناول علاقات الافراد في المجتمع . كما أنه يترتب عليه تصوير الحياة الاسلامية، وأنظمة المجتمع فيها ، و تصوير الدولة الاسلامية، و دورها في تطبيق الاسلام و حمله إلى الامم و الشعوب . و بعبارة اخرى تغيير نظرة الناس إلى الحياة المتمثلة في مجموعة من المفاهيم و المقاييس و القناعات . فالدولة من حيث هي كيان تنفيذي لمجموعة من المفاهيم و المقاييس و القناعات تقبلتها مجموعة من الناس، أي هي مجموعة من المفاهيم و المقاييس و القناعات و مجموعة من الناس يربط بينهما السلطان. فاقامة الدولة إنما تعني ايجاد المفاهيم و المقاييس و القناعات التي يقوم عليها كيانها ، وحمل الناس عليها ، و على التوجه في الحياة على اساسها . وقد وضح الحزب أن غايته ليست استلام الحكم ، و لا حتى استلام الحكم لاجل تنصيب خليفة ، بل هي بناء دولة. فالخلافة ليست غاية للحزب ، بل هي طريقة لاستئناف الحياة الاسلامية و حمل الدعوة الاسلامية . لذا نجد أن الحزب قد تناول الخلافة في ثقافته بالحد الذي يبلور صورتها في الاذهان ، تمكنه من السير في طريق ايجادها لاستئناف الحياة الاسلامية . فهو قد تناول شروط الخليفة كما تناول اثبات وجود الله، و تناول اجهزة الحكم كما تناول القضاء و القدر ، و تناول صلاحيات الحاكم كما تناول الروح و الروحانية و الناحية الروحية . و بالاجمال تناولها في ثقافته كما تناول باقي أفكار الاسلام و أحكامه بالحد الذي يمكنه من انهاض الامة و بناء المجتمع و اقامة الدولة و حمل الدعوة. فكان من الخطر تصوير الحزب على أنه حزب الخلافة ، لا يعني نفسه الا بها و الدعوة اليها و الحديث عنها. على أن الحزب لما كان حزبا سياسيا انقلابيا ، يستهدف تغيير الانظمة في المجتمع ابتداءا بنظام الحكم ، فهو يعني نفسه بالحكم ، و بنظام الحكم ، و بالوصول إلى الحكم ، فكان لا بد من ايجاد صورة عنه أنه حزب سياسي ، يعني نفسه بالحكم الحاضر في العالم الاسلامي ، فالسلطة القائمة و الحكم المسيطر و السلطان الذي يخضع له الناس ، هذا الحاضر هو الذي يستهدف الحزب تسلمه بواسطة الامة ، فيغير شكله و نظامه ، و يسير من اجل تطبيق الاسلام و حمل رسالته . و يترتب على ذلك ألا يقال للامة أن مصالحها تتحق عند قيام الخلافة ، لان هذا القول يبعد الناس عن ادراك تحقق مصالحهم ، و يساعد على ابعاد الحزب عن الحكم و عن التاثير في الحكم . بل يتعرض للطريقة التي يحكم بها الناس حسب احكام الاسلام ، ببيان الحكم الشرعي ، على نحو يوجد القناعة بصحة الاسلام و صدقه وصلاحيته ، و يمكن الحزب من التاثير في السلطة ، و اسقاطها في نهاية الامر . فمثلا : يتناول الحزب مشاكل الناس و همومهم ، و يتبنى مصالحهم ، لا سيما القريبة منها ، و لا يقول لهم أنها تتحقق عند قيام الخلافة هكذا دون أن يبين الحكم الشرعي و يعالج الوقائع السياسية و يتبنى مصالح الامة لاجل تحقيقها فعلا ، و لا يقحم عليهم الخلافة اقحاما في النقاشات ، يفقد الحديث معناه ، و يبعد الاذهان عن ادراك الاحكام الشرعية منزلة على الواقع ، بل يحصر البحث و يركزه في موضوعه أي في واقعه . على أنه لا يغفل الناحية العملية في تطبيق الاحكام ، و ربط المعالجات بطريقة تنفيذها ، و بيان أن الدولة هي الطريقة العملية لتطبيق الاحكام ، كل ذلك بالحد الذي يلزم لتوضيح الحكم الشرعي ، و الناحية العملية فيه ، دون ابتذال لافكار الحزب ، يجعل مجرد ذكرها ممجوجا عند الناس .
هذا من حيث دور الخلافة في فكر الحزب ، وصورة الحزب عند الامة على أنه حزب سياسي . أما عن تركيز الناحيةالسياسية في فكرة الخلافة عند الامة، فإن الحزب يعمل على ايجاد راي عام للخلافة ، و تحويله إلى قوة شعبية تمكنه من اقامتها ، و للحزب طريقة في قياس الراي العام ، و هي قياس الافكار و المشاعر السائدة في المجتمع عن مصالح الناس وعلاقاتهم . و المتابع للراي العام ، المدقق في توجهات الامة يجد أن الخلافة قد وجد لها رأي عام ، و أنها آخذة في التحول إلى فكرة سياسية . بيد أن الناحية السياسية لا زالت تفتقر إلى بلورة تجلي واقع الخلافة تمام الجلاء ، تجعل الامة تبذل الغالي و الثمين في سبيل اقامتها . و علاج ذلك يكون بتغيير مفهوم الناس عن العمل السياسي من حيث هو على النحو الذي وضحناه، و يكون بادراك واقع الدولة التي يريد حزب التحرير اقامتها من حيث هي دولة معينة لها شكل مخصوص. فالخلافة هي نظام الحكم في الدولة الاسلامية، فالدولة لا تكون اسلامية إلا إذا كانت الخلافة هي شكل الحكم فيها. فلا بد من بيان شكل دولة الخلافة و اجهزتها و تشكيلاتها، و تمييزها عن غيرها من اشكال الحكم ، في قالب سياسي بعيدا عن التفصيل الفقهي إلا عند لزومه، فالبحث في الخلافة بحث سياسي في الاساس، فهو بحث في أعلى مناصب الحكم، و بالطبع هو بحث في افكار الحكم، وليس بحثا فقهيا عاديا .
هذه الكلمة التي القاها احد شباب حزب التحرير في الضفة الغربية في امسية حوار...
حزب التحرير و الخلافة
لقد خلع الكافر المستعمر ردحا من عمر الزمن يجهد في محاولة القضاء على الاسلام ، و لما كان القرن التاسع عشر، و على ضوء الثورة الصناعية في الغرب ، قام الكفار الغربيون بشن حملة فكرية كاسحة على العالم الاسلامي ، تمكنوا من جرّائها من زعزعة ثقة المسلمين بنظام الاسلام ، أي بمجوعة المفاهيم و المقاييس و القناعات التي يقوم عليها كيان الامة و كيان الدولة، وتمكنوا من إزالة أي وصف سياسي عن الاسلام، كما نفروا المسلمين من الخلافة، مشبهينها بالحكم الثيوقراطي حينا، و بالدكتاتوري أحيانا أخرى . و بذلك تمكنوا من القضاء على الخلافة موضوعا قبل ان يقضوا عليها ذاتا بمعونة طغمة من خونة العرب و الترك . و قاموا على إثر ذلك بتركيز استعمارهم المباشر في العالم الاسلامي، على قدم و ساق مع غزو المسلمين – لا سيما مفكريهم و سياسييهم – بالقيادة الفكرية الراسمالية، أي باساس فكرة الغرب عن الحياة . فأحكموا قبضتهم على المسلمين كما يقبض فقير على درهم !
و خيّل للغرب آنذاك في أكثر أحلامه جموحا أنه قد استأصل شأفة الاسلام مرة واحدة و إلى الابد. فلا الاوضاع الفكرية البالية، ولا طبقة السياسيين والمفكرين بما فيها التكتلات الحزبية كانت تنبىء عن تغيير جذري، يحرر بلاد المسلمين، و يقلع نفوذ الغرب الفكري و السياسي ، و يستأنف العمل بالاسلام في الحياة و الدولة و المجتمع. بيد أن الله قيض لمبدأ الاسلام حزبا سياسيا واعيا، يحمل الدعوة للاسلام قيادة فكرية في الطريق السياسي، مستهدفا إنهاض الامة، و إقامة الخلافة ، و بناء المجتمع ، و حمل رسالة الاسلام للعالم . ذاك هو حزب التحرير.
و بالرغم من ضعف وسائل الاسلام ، و قوة وسائل الكفر، إلا أن قوة الفكرة الاسلامية ، ووعي حزب التحرير عليها ، مكنه من خوض المعارك الفكرية و السياسية بشكل رائع ، أفضى في وقت قياسي إلى احياء الناحية السياسية في الاسلام، و نقله من الناحية الروحية المحضة إلى الناحية السياسية و الفكرية، حتى التصق بالحزب وصفه السياسي وصبغته الفكرية في أذهان الحكام و السياسيين و المفكرين ناهيك عن عوام الناس. وأصبح مشهورا عن الحزب أنه يريد تسلم السلطة لاقامة دولة اسلامية. ولما دخل الحزب مرحلة التفاعل أخذ يركز مفهوم الدولة الاسلامية محاولا تقريب صورة الخلافة إلى أذهان مسلوبة للحضارة الغربية، مذهولة بديموقراطيتها. فالحزب أعلن منذ اليوم الاول أنه يسعى لاستئناف الحياة الاسلامية و حمل الدعوة الاسلامية ، وأنه يتقصد الوصول إلى السلطة لاقامة الدولة الاسلامية لتحقيق غاياته. بيد أن نجاح الحزب في نقطة الانطلاق، واستيقاظ الحكام والأوساط السياسية عليه كحزب سياسي معين له مبدأ معين ، يريد مزاحمتهم على الحكم، و تطلع الشباب أنفسهم إلى الحكم، حتم على الحزب لما دخل دور التفاعل أن يرمز صراحة إلى الحكام و الامة على أخذ الحكم . فصار لا بد من افهام الامة الاساس الذي يزاحم الحزب الحكام لاخذ الحكم منهم بواسطتها عليه، أي افهامها أنه الاسلام، وإفهامها علاوة على ذلك أنه الخلافة، وقد كان الحزب قبل ذلك يستعمل تعبير الدولة الإسلامية، وتعبير الحكم بالإسلام ، حتى في دستوره الذي اخرجه باديء الامر كان يقول الدولة الاسلامية ، و رئيس الدولة ، و لا يقول الخلافة و الخليفة. وكان القصد من ذلك التقريب للأفكار وإيجاد الجو الذي يدرِك فيه الناس من مسلمين وغير مسلمين معنى دعوة الحزب لإقامة الخلافة، من أنه ليس خليفة كخلفاء العثمانيين في أواخر أيامهم، بل إقامة نظام حكم إسلامي يُحكم فيه بما أنزل الله في الدولة كلها. ولما نجح الحزب في نقطة الانطلاق أخرج كتاب الخلافة، ليوجِد مناقشات في الخلافة وليبلور معنى إقامة الدولة الإسلامية وإيجاد الحكم بالإسلام بأنه إيجاد نظام الخلافة وإقامة خليفة. و لم يعد الحزب يفوت فرصة لا يتحدث فيها عن الخلافة، بوصفها نظام الحكم في الاسلام ، مبينا أجهزتها ، شارحا وظيفتها ، مجليا الفرق بينها و بين أنظمة الحكم الاخرى، و عن جريمة هدمها، و فرضية العمل لاقامتها، وكونها قضية مصيرية تستأهل أن يتخذ تجاها إجراء الحياة او الموت، وعن كيفية اقامتها، طالبا من المسلمين العمل معه في سبيل ذلك. و كان من جراء ذلك أن التصقت الخلافة بحزب التحرير، حتى لكأنها اصبحت رديفا لاسمه ، لا يذكر الحزب إلا ومعه الخلافة ، و لاتذكر الخلافة إلا و الحزب معها. و عزز ذلك تجمد المجتمع في وجه الحزب، مما صعب التفاعل مع الناس و ايصال الافكار، وأخذ الكثير من الشباب يتخيرون من الافكار ما لا يجر عليهم مغرما إن هم نافشوا الناس بها. فأخذ الحزب يركز الافكار مزيدا بعد،حتى اصبح مطلق التركيز على العقيدة و الخلافة و الجهاد. وبعد المحاولة الاولى للوصول إلى الحكم عام1969 أصبح تفكير الشباب محصورا في تسلم الحكم، و أهملوا الامة و سقيها بالافكار فترة من الزمن. ولم يبق من فكر الحزب في المجتمع و في نقاشات الناس سوى القليل، كانت الخلافة ابرزها .وزاد الطين بلة حالة الجمود التي دخل فيها الحزب قرابة عقدين من الزمن، فكانت ضغثا على ابالة. كل هذا كاد أن يختزل الحزب بفكرته و طريقته و هدفه في الخلافة. فصار لا بد من التفكير في ذلك، و أثره على سير الحزب، وعلاج ما قد يترتب عليه.
لاشك أن الحزب قد أحرز نصرا مؤزرا على الغرب الكافر باحياء فكرة الخلافة، و ايجاد النقاش حولها، و ربطها بحزب سياسي جديّ كحزب التحرير، و تحويلها من مجرد تاريخ يقرأ إلى مشروع سياسي طموح. ولكن السؤال الذي يطرح :ما هو دور الخلافة في فكر الحزب كحزب سياسي ؟ و كيف يمكن للحزب أن يبلور فكرة الخلافة كمفهوم سياسي في اذهان المسلمين؟
إن الحزب أدرك أن أزمة الامة هي أزمة فكرية في المقام الاول ، وأن هدم الخلافة لم يكن سوى أثر لحالة التردي الفكري ، و أن انقاذ الامة الاسلامية من الفناء يكون باعادة ثقتها بصحة أفكر الاسلام و أحكامه و صدقها وصلاحيتها ، عن طريق جعل الوقائع و الحوادث تنطق بهذه الصحة و هذا الصدق، لتحصل القناعة التامة بذلك ، أي عن طريق حمل الدعوة الاسلامية في الطريق السياسي ، اي بالعمل لايجاد الخلافة الاسلامية عن طريق بث الافكار الاسلامية و الكفاح في سبيلها . فالعمل على ايجاد الخلافة يترتب عليه تصوير الاسلام عقيدة سياسية يحتوي على نظام للحكم كما يحتوي الاخلاق، و يفصل في المعالجات الاقتصادية كما يفصل في احكام العبادات، و يتناول العلاقات الدولية كما يتناول علاقات الافراد في المجتمع . كما أنه يترتب عليه تصوير الحياة الاسلامية، وأنظمة المجتمع فيها ، و تصوير الدولة الاسلامية، و دورها في تطبيق الاسلام و حمله إلى الامم و الشعوب . و بعبارة اخرى تغيير نظرة الناس إلى الحياة المتمثلة في مجموعة من المفاهيم و المقاييس و القناعات . فالدولة من حيث هي كيان تنفيذي لمجموعة من المفاهيم و المقاييس و القناعات تقبلتها مجموعة من الناس، أي هي مجموعة من المفاهيم و المقاييس و القناعات و مجموعة من الناس يربط بينهما السلطان. فاقامة الدولة إنما تعني ايجاد المفاهيم و المقاييس و القناعات التي يقوم عليها كيانها ، وحمل الناس عليها ، و على التوجه في الحياة على اساسها . وقد وضح الحزب أن غايته ليست استلام الحكم ، و لا حتى استلام الحكم لاجل تنصيب خليفة ، بل هي بناء دولة. فالخلافة ليست غاية للحزب ، بل هي طريقة لاستئناف الحياة الاسلامية و حمل الدعوة الاسلامية . لذا نجد أن الحزب قد تناول الخلافة في ثقافته بالحد الذي يبلور صورتها في الاذهان ، تمكنه من السير في طريق ايجادها لاستئناف الحياة الاسلامية . فهو قد تناول شروط الخليفة كما تناول اثبات وجود الله، و تناول اجهزة الحكم كما تناول القضاء و القدر ، و تناول صلاحيات الحاكم كما تناول الروح و الروحانية و الناحية الروحية . و بالاجمال تناولها في ثقافته كما تناول باقي أفكار الاسلام و أحكامه بالحد الذي يمكنه من انهاض الامة و بناء المجتمع و اقامة الدولة و حمل الدعوة. فكان من الخطر تصوير الحزب على أنه حزب الخلافة ، لا يعني نفسه الا بها و الدعوة اليها و الحديث عنها. على أن الحزب لما كان حزبا سياسيا انقلابيا ، يستهدف تغيير الانظمة في المجتمع ابتداءا بنظام الحكم ، فهو يعني نفسه بالحكم ، و بنظام الحكم ، و بالوصول إلى الحكم ، فكان لا بد من ايجاد صورة عنه أنه حزب سياسي ، يعني نفسه بالحكم الحاضر في العالم الاسلامي ، فالسلطة القائمة و الحكم المسيطر و السلطان الذي يخضع له الناس ، هذا الحاضر هو الذي يستهدف الحزب تسلمه بواسطة الامة ، فيغير شكله و نظامه ، و يسير من اجل تطبيق الاسلام و حمل رسالته . و يترتب على ذلك ألا يقال للامة أن مصالحها تتحق عند قيام الخلافة ، لان هذا القول يبعد الناس عن ادراك تحقق مصالحهم ، و يساعد على ابعاد الحزب عن الحكم و عن التاثير في الحكم . بل يتعرض للطريقة التي يحكم بها الناس حسب احكام الاسلام ، ببيان الحكم الشرعي ، على نحو يوجد القناعة بصحة الاسلام و صدقه وصلاحيته ، و يمكن الحزب من التاثير في السلطة ، و اسقاطها في نهاية الامر . فمثلا : يتناول الحزب مشاكل الناس و همومهم ، و يتبنى مصالحهم ، لا سيما القريبة منها ، و لا يقول لهم أنها تتحقق عند قيام الخلافة هكذا دون أن يبين الحكم الشرعي و يعالج الوقائع السياسية و يتبنى مصالح الامة لاجل تحقيقها فعلا ، و لا يقحم عليهم الخلافة اقحاما في النقاشات ، يفقد الحديث معناه ، و يبعد الاذهان عن ادراك الاحكام الشرعية منزلة على الواقع ، بل يحصر البحث و يركزه في موضوعه أي في واقعه . على أنه لا يغفل الناحية العملية في تطبيق الاحكام ، و ربط المعالجات بطريقة تنفيذها ، و بيان أن الدولة هي الطريقة العملية لتطبيق الاحكام ، كل ذلك بالحد الذي يلزم لتوضيح الحكم الشرعي ، و الناحية العملية فيه ، دون ابتذال لافكار الحزب ، يجعل مجرد ذكرها ممجوجا عند الناس .
هذا من حيث دور الخلافة في فكر الحزب ، وصورة الحزب عند الامة على أنه حزب سياسي . أما عن تركيز الناحيةالسياسية في فكرة الخلافة عند الامة، فإن الحزب يعمل على ايجاد راي عام للخلافة ، و تحويله إلى قوة شعبية تمكنه من اقامتها ، و للحزب طريقة في قياس الراي العام ، و هي قياس الافكار و المشاعر السائدة في المجتمع عن مصالح الناس وعلاقاتهم . و المتابع للراي العام ، المدقق في توجهات الامة يجد أن الخلافة قد وجد لها رأي عام ، و أنها آخذة في التحول إلى فكرة سياسية . بيد أن الناحية السياسية لا زالت تفتقر إلى بلورة تجلي واقع الخلافة تمام الجلاء ، تجعل الامة تبذل الغالي و الثمين في سبيل اقامتها . و علاج ذلك يكون بتغيير مفهوم الناس عن العمل السياسي من حيث هو على النحو الذي وضحناه، و يكون بادراك واقع الدولة التي يريد حزب التحرير اقامتها من حيث هي دولة معينة لها شكل مخصوص. فالخلافة هي نظام الحكم في الدولة الاسلامية، فالدولة لا تكون اسلامية إلا إذا كانت الخلافة هي شكل الحكم فيها. فلا بد من بيان شكل دولة الخلافة و اجهزتها و تشكيلاتها، و تمييزها عن غيرها من اشكال الحكم ، في قالب سياسي بعيدا عن التفصيل الفقهي إلا عند لزومه، فالبحث في الخلافة بحث سياسي في الاساس، فهو بحث في أعلى مناصب الحكم، و بالطبع هو بحث في افكار الحكم، وليس بحثا فقهيا عاديا .