يا شيخ خليفة ...
أنا مواطن عادي، لست ملتزماً كثيراً بالدين، ولست مسؤولاً كبيراً، ولا موظفاً في مكان حساس، فأنا "على قد حالي" ومع ذلك أعرف من أسرار الدولة ما يعرفه الكثير من أبناء الوطن، وأغار على سمعة الدولة مثلما يغار أكثر أبناء الوطن، وأحافظ على أمن الدولة مثل كثير من أبناء الوطن، ولكنني لا أرضى الظلم مثلما لا يرضاه كثير من أبناء الوطن، ولا أحب الكذب الذي تمارسه أجهزة أمن الدولة وبعض الصحف مثلما لا يحب ذلك كثير من أبناء الوطن، ولا أحب النفاق مثلما لا يحبه كثير من أبناء الوطن. دولتنا صغيرة، ونحن نعرف بعضنا البعض، ونعرف أحوال الناس وطبائعهم وأخلاقهم، فأي كذبة تُلصق بأي إنسان فإننا نعرف حقيقتها لأننا نعرف الناس، والآن أصبحت هناك وسائل كثيرة للإتصال، فالإنسان العادي يستطيع أن يدخل الإنترنت أو الهاتف الذكي ويقرأ كل ما يريد، ويعرف ما شاء من المعلومات عن أي قضية. الكذب حبله قصير، والآن هذا الحبل ينقطع بكل سهولة. الكذب عيب لا يتستحنه الرجال، حتى الكافر لا يستحسن الكذب، ونحن نربأ بحكومتنا وشيوخنا عن مثل هذا، ونريدهم أن يأخذوا على أيدي الكذابين الذين يعملون في الوزارات وأجهزة الدولة، لأن هذا يضر بسمعة الدولة ومكانتها. ما كان زايد يكذب، ولذلك كنا نحبه.
يا شيخ خليفة ...
لقد ترك أبوك لك ولإخوانك رصيداً كبيرا من المحبة في قلوب أبناء هذا الوطن، ولكن للأسف أصبحتم تسحبون من هذا الرصيد دون أن تودعوا فيه شيئاً، فأصبحت المحبة تقل شيئاً فشيئا، ونحن لا نريد أن تكون علاقتنا مع أبناء زايد إلا المحبة، ولذلك نتمنى أن لا تحيدوا عن سياسته الحكيمة في إدراة البلاد والعباد، فقد كان حريصاً على استقرار البلاد، وكان مُكرماً للرجال، مُحباً لأهل الخير، مُبغضاً للمنافقين والإنتهازيين، فكان الرجل منّا يقول له ما شاء فلا يُنكر عليه، بل كان يسمع ويسمع ويسمع ثم يأمر بما يُصلح الناس والحال، ولم يكن يسجن أو يسحب جنسية من ينصح، فهذه ليست سيرته ولا عمله، وهذا العمل دخيل على الدولة، ونحن نعلم أنه أتانا من الخارج، ولا نريد هذا، بل نريد أن يأمن المواطن على نفسه وأهل بيته، وأن يقول الحق في بلاده، وأن تُحفظ حقوقه، وأن لا يخاف في بلاده إلا الله.
يا شيخ خليفة ...
نحن لا نريد أن نخاف حكومتنا، بل نريد أن نحبها، والحب لا يأتي بالتخويف بل يأتي بكسب القلوب، والبعض يعتقد بأن الحب يأتي بملئ الجيوب، وهذا لا يعتقده عاقل، فلا يملأ عين ابن آدم إلا التراب، فمهما أعطيت الإنسان من مال فإنه لا يرضى لأنه يريد المزيد، ولكن الإنسان الحر العاقل يرضى بالمعاملة الحسنة التي تأسر قلبه. أما إهانة الرجال فلا تولّد إلا الأحقاد والضّغائن التي لا تذهب إلا بالإنتقام، فأشد شيء على الحر المهانة، وهي أسهل ما تكون على العبيد، ولذلك نقول: إن معاملتكم لمن هم حولكم من المنافقين والوصوليين لا يجوز أن تكون هي نفس المعاملة مع من هو بعيد عنكم ممن آثر الكرامة على النفاق، فالدولة فيها أحرار، وهؤلاء ابتعدوا عن قصوركم لأنهم لا يرضون أن تنالهم كلمة تجريح أو حتى نصف كلمة، فنفوسهم أبية لا ترضى الذل. المشكلة أن بعض صغار "الشيوخ" لم يخالطوا الناس ولم يروا الأحرار فظنوا أن كل الناس عبيد مثل الذين حولهم، وهذا ما وقع فيه أبناء القذافي، فنحن لا نريد لأبناء شيوخنا أن يكونوا مثل أبناء ذلك المجنون. هناك من أبناء الوطن من هو مستعد لأن يبيد الأخضر واليابس ولا يُمسّ بكلمة تنال من كرامته، وهؤلاء لن تجدوهم في قصوركم أو حولها، ولكنهم موجودون في البلاد ويعرفهم كثير من الناس. هؤلاء هم عدّة الدولة عند الشدائد، أما المنافقون والوصولين فهم مع كل من يدفع أكثر، والذين خانوا صدام في العراق كانوا من أقرب المقربين له، ولذلك قال كلمته التي لم يقل أصدق منها في حياته" :لقد سمّنت الكلاب وجوّعتُ الذئاب". لو هجمت علينا إيران غداً فإن أعدائكم هم الذين حولكم ممن يقولون اليوم فيكم الشعر ويجمدونكم ويسجدون لكم، أما إيران فلن يقاتلها إلا من لم تروهم من الأحرار من أبناء البلاد الغيورين على وطنهم، وهؤلاء أكثرهم من أهل الإلتزام بالدين كما هو الحال في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان، وكما حصل في الكويت حينما هرب الكل وبقي أهل الدين يقاتلون عن بلادهم وحريمهم.
يا شيخ خليفة ...
والله لو كان هؤلاء الملتزمون العقلاء في أمريكا أو أوروبا لوزنوهم بالذهب، ولو كانوا عند اليهود لكانوا هم الوزراء والقادة، ولكنهم في الإمارات لا يلقون حتى المعاملة الحسنة، بل يُضيَّق عليهم ويُمنعون من كثير من حقوقهم. أنا لستُ منهم، ولكنني أعرف الكثير منهم، وهم رجال يستحقون كل التقدير والإحترام، ويستحق من يضايقهم أن يُضرب بالنعال على أم رأسه لأنه يضر البلاد ويخلخل أمنها ويوسع الهوة بين الحكومة والشعب ويزرع بذور الشك والريبة بأجهزة الدولة التي كانت دائما مبعث فخرنا واعتزازنا. إن الطريق التي تسير فيها الدولة هي ذات الطريق التي سارت فيها مصر وسوريا وتونس وليبيا.
البعض يقول بأن هؤلاء من الإخوان المسلمين، ونحن نقول: وما الضير أن يكونوا من الإخوان المسلمين! هذا التفكير عفى عليه الزمن، فرئيس مجلس الوزراء التونسي من الإخوان، والإخوان اكتسحوا الساحة المصرية في الإنتخابات، فغداً سوف يأتيكم وزراء ورؤساء دول من الإخوان، فماذا ستقولون لهم، وكيف ستستقبلونهم! دولتنا ليس لديها مشكلة مع الإخوان، مشكلة الإخوان كانت مع حكومة مصر، ونحن نعلم بأن أجهزة الإستخبارات المصرية هي التي حاولت تشويه صورة الإخوان في كل مكان، وقد فشلت لأنها أجهزة فاشلة، والدليل: ما يحدث الآن في مصر وتونس والمغرب، ولكن الذي لا نجد له تفسيراً هو: كيف استطاعت أجهزة الأمن المصرية أن تؤثر على المسؤولين في بلادنا! أنا لست من الإخوان، ولكننا كنا نتعوّذ من الشيطان كلما زار "حسني مبارك" بلادنا، فكنا نتوقع أن تحدث مصيبة كلما غادر، فهذا الخبيث هو الذي أفسد الأمة العربية كلها، لا مصر فقط، وليس الإخوان هم من أفسد الأمور. الإخوان أرادوا الخير لمصر، وهو أراد لها الدمار، وقد دمّر اقتصادها وحياة المصريين فيها، فهل يريد البعض في بلادنا أن يمشي على خطى هذا الخبيث! الإخوان هم الذين درّسونا في المدارس بعد أن هربوا من مصر ابان حكم الطاغية "جمال عبد الناصر"، فهم أساتذتنا وهم معلّمونا وهم مربّونا وإن كنا لا نتبع جماعتهم إلا أننا لا ينبغي أن ننسى فضلهم علينا، وقديماً قيل: "من علّمني حرفاً صرت له عبدا"، فنحن كنا بين صياد سمك أو راعي غنم، فتعلمنا على أيدي هؤلاء الكتابة والقراءة وسائر العلوم.
يا شيخ خليفة ...
نحن لا نريد أموالاً ولا عقارات ولا عمارات ولا سيارات ولا بيوت فارهة ولا يخوت ولا وظائف كبيرة، ولا حتى زيادة رواتب إذا كان كل هذا على حساب كرامتنا. نحن نريد كرامتنا. لا تمسوا كرامتنا ولا تمسوا ديننا وخذوا ما شئتم من البلاد وخيراتها.
إن العاقل لا يموت من أجل الدراهم والكماليات، ولكن العاقل يقاتل من أجل كرامته، ويقاتل من أجل دينه وشرفه، واسمع هتاف الناس في سوريا "الموت ولا المذلّة". من أراد أن يتلاعب بكرامتنا أو بديننا فلن يسلم منا.
نحن نعلم، يا خليفة، بأنك إنسان تحب الخير وتحب العدل وتحب الكرامة لشعبك وتحب دينك، وقد سمعنا هذا من كثير ممن نثق بهم ونعرفهم ويعرفونكم، ولكننا نلفت انتباهكم إلى من حولكم، وما يحدث بدون علمكم، حتى لا يأتي اليوم الذي تتسائلون فيه: من أين أتى هذا؟ فهذا يوم لانريده ولا تريدونه.
لقد رضيناكم لحكم البلاد بمحض إرادتنا، وبايعناكم بأيدينا وقلوبنا، وعاهدناكم بالولاء ونحن صادقون في عهدنا، ولكن هذا الولاء وهذه البيعة مشروطة بحفظ كرامتنا واحترام ديننا والحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا، وقد أدّينا الذي علينا اتجاهكم فأدوا الذي عليكم، ولتعلموا – حفظكم الله – أننا لسنا عبيداً لكم، بل نحن شركائكم في هذا الوطن، ومن اعتقد غير هذا فإن من واجبكم أن تصححوا له خطأه، وهذا للأسف ما يعتقده بعض "أصحاب السمو"، ونحن لا نلومهم لأنهم لم يخالطوا إلا العبيد، وخير للبلاد أن لا يصطدم الجهّال بالأحرار، فبمثل هذا الإصطدام يحدث الدمار.
إن الإنسان ليعجب من أناس يدفعون الأموال لشراء ولاء العبيد، بينما يستطيعون كسب ولاء الأحرار بغير مال، فالحر تكفيه الكلمة الطيبة والإحترام المُستَحَقّ لتأسر قلبه، والعبد إن أُعطي رضي وإن لم يُعى سخط، ومن أعطاه أكثر اكتسب ولاءه! فكيف يعدل عاقل عن كسب الأحرار إلى تجميع العبيد! لقد كان زايد يحكم أحراراً فكان بحق حاكم دولة، أما من يريد أن يحكم العبيد فهذا إقطاعي وليس رئيس دولة، ولا شرف لمن يجمع العبيد، إنما الشرف لمن يقود الأحرار.
أسأل الله العظيم أن يحفظ هذه البلاد، وأن يبارك لنا في خيراتها، وأن يكفينا شر أعدائها، وأن يرزقنا فيها الأمن والأمان، وأن يجعلها حرة أبيّة على مر الأزمان، وأن يحفظ كل من يحكمها بإخلاص ويسدد خطاه ويوفقه لما يحبه ويرضاه.
مواطن إماراتي
وردت الرسالة من : مجموعة البستان الإسلاميه العالميه
[email protected]
[/SIZE]