المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شروط التفكير في التحليل السياسي



عبد الغفور
06-10-2009, 01:12 AM
مايتعلق بالتحليل السياسي والفهم السياسي والقيادة السياسية




ان أهم أنواع النصوص المطروحة للفهم والتفكير هي النصوص الأدبية و النصوص الفكرية و النصوص التشريعية و النصوص السياسية والتفكير في كل نص منهم يختلف عن الاخر وسنتكلم في هذه العجالة عن التفكير السياسي، ونقصد به التفكير بالوقائع والحوادث الجارية والاخبار وربط الحوادث مع بعضها, هذا هو التفكير الذي يصح ان يكون تفكيرا سياسيا بما تعنيه هذه الكلمة, وهو يخالف جميع انواع التفكير . ولا تنطبق عليه قاعدة من قواعده بل لا تكاد تربطه قاعدة ولذلك هو اعلى انواع التفكير, وأصعب انواع التفكير. اما كونه اعلى انواع التفكير فلأنه هو التفكير بالاشياء والحوادث والتفكير بكل نوع من انواع التفكير ولذلك هو اعلاها جميعا . صحيح ان القاعدة الفكرية التي تبنى عليها الافكار وتنبثق عنها المعالجات هي اعلى انواع التفكير , ولكن هذه القاعدة هي نفسها فكر سياسي , وفكرة سياسية واذا لم تكن فكرة سياسية وتفكيرا سياسيا. لا تكون قاعدة صحيحة ولا تصلح لان تكون قاعدة . ولذلك فإنا حين نقول ان التفكير السياسي هو أعلى أنواع التفكير فإن ذلك يشمل القاعدة الفكرية , أي التي تصلح لان تكون قاعدة فكرية. وأما كونه أصعب أنواع التفكير, فإنه لعدم وجود قاعدة له يبنى عليها ويقاس عليها, ولذلك فإنه يحير المفكر, ويجعله في أول الأمر معرضا للخطأ الكثير, وفريسة للأوهام والأخطاء, وما لم يمر بالتجربة السياسية , وبدوام اليقظة والتتبع لجميع الحوادث اليومية, فإن من الصعب عليه ان يتمكن من التفكير السياسي ولذلك فإن التفكير السياسي بالاخبار والوقائع يتميز عن جميع أنواع التفكير, ويمتاز عليها امتيازا ظاهرا

فالتفكير بالنصوص السياسية , وان كان يشمل التفكير بنصوص العلوم السياسية ونصوص الأبحاث السياسية ولكن التفكير السياسي الحق, هو التفكير بنصوص الاخبار والوقائع ولذلك كانت صياغة الاخبار هي التي تعتبر نصوصا سياسة حقة, واذا كان المرء يريد التفكير السياسي, فإن عليه التفكير بنصوص الاخبار ولا سيما صياغتها وكيفية فهم هذه الصياغة. لان هذا هو الذي يعتبر تفكيرا سياسيا وليس التفكير بالعلوم السياسية والأبحاث السياسية , لان التفكير بالعلوم السياسية والابحاث السياسية يعطي معلومات , تماما كالتفكير بالنصوص الفكرية , ويعطي فكرا عميقا أو مستنيرا , ولكنه لا يجعل المفكر سياسيا, وانما يجعله عالما بالسياسية, أي عالما بالابحاث السياسية والعلوم السياسية, ومثل هذا يصلح لان يكون معلما ولا يصلح ان يكون سياسيا , لان السياسي هو الذي يفهم الاخبار والوقائع, ومدلولاتها, ويصل الى المعرفة التي تمكنه من العمل, سواء اكان له المام بالعلوم والابحاث السياسية , او لم يكن له المام , وان كانت العلوم السياسية والابحاث السياسية تساعد على فهم الاخبار والوقائع ولكن مساعدتها هذه انما تقف عند حد المساعدة في جلب نوع المعلومات عند الربط ولا تساعد في غير ذلك , ولهذا فانه ليس شرطا في التفكير السياسي.

ان التفكير السياسي بالوقائع والحوادث الجارية يحتاج الى عدة امور ا رئيسية :

أولاً: يحتاج إلى تتبع جميع الوقائع والحوادث التي تقع في العالم، أي يحتاج إلى تتبع جميع الأخبار، ونظرا لاختلاف الأخبار من حيث الأهمية وعدم الأهمية، ومن حيث الصدفة والقصد في الواقعة والحادثة أو في سوق الخبر عنها، ومن حيث الاقتضاب والاسهاب، فإنه مع المران ومع الزمن يصبح تتبع الأخبار، لا لجميع الأخبار بل لما هو لا بد من معرفته في حلقات المعرفة.

ثانياً: يحتاج إلى معلومات، ولو أولية ولو مقتضبة، عن ماهية الوقائع والحوادث، أي عن مدلولات الأخبار، سواء أكانت معلومات جغرافية، أو معلومات تاريخية، أو معلومات فكرية، أو معلومات سياسية، أو ما شاكل ذلك مما يستطيع معه الوقوف على واقع الواقعة أو الحادثة، أي على حقيقة مدلولات الأخبار.

ثالثاً: تمييز الحادثة والواقعة، أي تمييز الخبر من طريق تمحيصه تمحيصاً تاماً، فيعرف مصدر الخبر، وموقع وقوع الواقعة والحادثة، وزمانها، والوضع الذي حصلت فيه. والقصد من وجودها، أو من سوق الخبر عنها. ومدى إيجاز الخبر والإسهاب فيه. وصدقه أم كذبه، إلى غير ذلك مما يتناوله التمحيص. لأن هذا التمحيص هو الذي يوجد التمييز. وبقدر ما يكون شاملاً وعميقاً بقدر ما يوجد تمييز له. وبدون التمييز لا يمكن أن يأخذ هذه الحادثة أو الواقعة، لأنه يصبح فريسة للتضليل أو الخطأ. ولذلك فإن التمييز عامل هام في أخذ الخبر، بل مجرد سماعه.

رابعا: ربط الخبر بالمعلومات، ولا سيما ربطه بغيره من الأخبار. وهذا الربط هو الذي يؤدي إلى الحكم الأقرب للصواب على الخبر. فالخبر إذا كان متعلقا بالسياسة الدولية، وربط بالسياسة المحلية، أو كان متعلقاً بالسياسة المحلية، وربط بالسياسة الدولية. أوكان خبراً اقتصادياً وربط بالاقتصاد، مع أنه من الأمور السياسية ولو كان اقتصادياً. أو كان خبراً بتعلق بألمانيا وربط بالسياسة الألمانية مع أنه من الأمور المتعلقة بأمريكا. فالخبر إذا ربط بغير ما يجب أن يربط به فإن الخطأ يقع حتما، إذا لم يقع التضليل والخداع. ولذلك فإن ربط الخبر بما يتعلق به أمر بالغ الأهمية. وأن يكون هذا الربط على وجهه الصحيح، أي بأن يكون ربطاً للفهم والإدراك، لا ربطاً لمجرد المعرفة. أي ربطاً للعمل لا للعلم.

ولا بد للتنبيه لاخطاء يمكن ان يقع فيها من يريد فهم الحوادث والوقائع والأخبار

أولها وأخطرها الهوى:من المعروف ان السياسي له زاوية خاصة، وله ذوق خاص معين، ولديه ميول معينة، طبيعية كانت أو مبدئية، لهذا يخشى عليه إن لم يع على نفسه أن يلون الحقائق باللون الذي يهواه، وأن يؤوّل الأفكار على الوجه الذي يريده، وأن يفهم الأخبار بحسب النتيجة التي يريد أن يصل إليها؛ ولذلك يجب أن يحذر من تسلط ميوله على الآراء والأنباء. فرغبات النفس لشيء ذاتي، أو حزبي، أو مبدئي، ربما تجعله يفسر الرأي أنه صدق وهو كذب، أو يخيل إليه أنه كذب وهو صدق؛ ولذلك لا بد من أن يتبين الواعي الكلام الذي يقال، والعمل الذي يعمل. فبالنسبة للوقائع، أشياء كانت أو حوادث، يجب أن يدركها إدراكاً حسياً، وأن يحس بها حساً منطقياً، ولكن كما هي، لا كما يحب ويرغب أن تكون. وبالنسبة للأفكار، يجب أن تُفهم كما هو واقعها، فينتقل في ذهنه إلى الخارج: خارج الذهن، ويرى ببصيرته الواقع الذي يعبر عن الفكر، ويفهم هذا الفكر، حسب رؤيته للواقع الذي يدل عليه، كما هو، لا كما يتفق مع ما يريد. صحيح أن التعبير قد يكون مجازياً، وقد يكون استعارة، وقد يكون كناية، وقد يكون جملة، معناها بكونها جملة، لا بالألفاظ لتي تتركب منها، ولكن ذلك لا يمنعه من الانتقال إلى الخارج، ورؤية الواقع الذي تدل عليه، حسب دلالة اللغة، وكما قال عن معناها أهل اللغة. فالواعي سياسياً، يجب أن يسير مع الحق، ولكن حسب رؤيته الحسية أو الفكرية، وبذلك يستكمل الوعي.

ثانيا: المنطق : إن استخدام الأسلوب المنطقي في فهم السياسة فيه قابلية الخداع والتضليل وخاصة ان كانت المقدمات غير حسية.

ثالثا: اتخاذ قاعدة أو قواعد للتفكير السياسي والسير على نهج واحد في التفكير وكان الحياة واقفة جامدة ولتوضيح ذلك نضرب مثلا : إن حزب المحافظين هو الحاكم في بريطانيا سواء أكان في الحكم ام في المعارضة، ويتخذ هذا القول قاعدة له يقيس عليها دائما مع أن الظروف والأحوال تتبدل وتتغير

رابعا : تفسير الحوادث حسب نظرية المؤامرة واعني بها أن هناك قوة خفية تحكم العالم من وراء ستار وان دول وحكومات العالم ما هي إلا دمى أو أحجار على رقعة شطرنج يحركونها كيفما أرادوا، مثل الماسونية واليهود.

خامسا: التجريد والتعميم ان من أخطر الأمور على التفكير السياسي، تجريده وتعميمه ودخول القياس الشمولي فيه. فإن النص السياسي لا يفصل عن ظروفه ولا بحال من الأحوال فهي جزء منه، ولا يصح أن يعمم ولا بوجه من الوجوه، ولا يدخله القياس الشمولي، حتى ولا القياس. فإنه علاوة على أن الظروف جزء من النص، فإنه نص في حادثة معينة، فيؤخذ لتلك الحادثة ليس غير، فلا يعمم على غيرها، ولا يقاس عليها. لا قياسا شموليا ولا قياسا حقيقيا، بل يجب أن يؤخذ لتلك الحادثة وحدها. لذلك كان التجريد والتعميم والقياس مطلقا شموليا كان أو حقيقيا، تشكل خطر الخطأ وخطر الضلال على التفكير السياسي فقط يعطي مسؤول تصريحا فيفهم منه شيء، ثم يعطي نفس التصريح أو تصريحا آخر فيهم منه شيء آخر قد يكون مخالفا له بل قد يكون مناقضا له. ويعطي مسؤول تصريحا عن أمر حقيقي، أي تصريحا صادقا، فيفهم منه أنه تصريح كاذب يراد منه التضليل، وقد يعطي تصريحا كاذبا، فيفهم منه أنه تصريح صادق، وأن المقصود منه هو ما عناه، والكذب فيه هو أنه أعطي للإخفاء بالكذب. وقد يقام بعمل حسب التصريح وقد يقام بعمل على خلاف التصريح. وهكذا. فالظروف والملابسات هي التي تلقي الضوء على التصريح فتكشف ما يراد منه، وليس نفس النص السياسي. ولذلك فإن التفكير السياسي لا يتأتى أن يكون قريبا من الصواب إلا على هذا الوجه. أي إلا إذا جعلت الظروف جزءاً لا يتجزأ من النص أو العمل، وإلا إذا أخذت كل حادثة بمفردها. وأبعد عنها التعميم والقياس.
هذا هو التفكير السياسي . فهو تفكير بالعلوم السياسية والأبحاث السياسية , وتفكير بالحوادث السياسية والوقائع السياسية . والتفكير الأول لا قيمة له , ولا يزيد عن مجرد المعرفة للأفكار . أما التفكير السياسي فإنه هو الذي ينفع ويفيد , وهو الذي يكون له اثر باهر و تأثير عظيم , ولذلك فإنه أن جاز التفكير السياسي في العلوم السياسية والأبحاث السياسية , وما كانت منه فوائد للأفراد من العلماء في السياسة , فإن التفكير في الوقائع والحوادث , هو واجب على الكفاية للأمة , يجب أن يعمل لإيجاده بالأمة , لا سيما على الذين لديهم مثل هذا التفكير . سواء أكانوا من المتعلمين او غير المتعلمين


جزء من مقال .


بقلم الاستاذ : أبو أسيد _ألمانيا ( حفظه الله ) .

الوعي - العدد 174 السنة الخامسة عشر تشرين الاول 2001 م

نائل سيد أحمد
07-10-2009, 01:07 AM
أخي عبد الغفور
أشكرك على الحضور ..
ننتظر المزيد .