سليم
26-09-2009, 11:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السنّة وحي من عند الله...والدليل القرآن
جاء هذا المقال ردًا على فئة كثر نشاطها في الآونة الأخيرة أطلقت على نفسها "أهل القرآن" أو "القرآنيون", وهم ينكرون السنّة جملة وتفصيلًا, ولا يعتبرونها مصدرًا من مصادر التشريع في الإسلام.
وردت الحكمة في القرآن الكريم في تسعة عشرآية من آياته ,ومنها ما كان معرفًا ومنها غير معرف ومنها ما اقترن بالكتاب أو اقترن بغير الكتاب ومنها ما جاء منفردًا بلا اقتران.
ومن هذه الآيات ما كان في حق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ومنها ما كان في حق غيره من الرسل والأنبياء أو من البشر.
وما كان في حق رسولنا الكريم ونبينا الأمين عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم جاء في ثماني آيات,وفي حق سيدنا عيسى عليه السلام في ثلاث آيات ,وفي حق سيدنا داوود عليه السلام في آيتين,وفي حق سيدنا إبراهيم في آية واحدة,وفي حق الأنبياء جميعًا في آية واحدة,وفي حق لقمان الحكيم في آية واحدة,وفي حق البشر عامة في ثلاث آيات,وأما الآيات في حق سيد البشر وإمام الأنبياء عليه الصلاة والسلام هي:
1." رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ "/البقرة129.
2. "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ "/البقرة151.
3." وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "البقرة231
4. "لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ "/آل عمران164
5. "وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً " النساء113
6." . ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً "/الإسراء 39
7." . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً"/الأحزاب34 َ.
8." . هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "/الجمعة2.
وأما الآيات في حق سيدنا عيسى عليه السلام هي:
9." وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ "/آل عمران48
10." .إ ِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ/المائدة 110
11." . وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ"/الزخرف 63
والآيات في حق سيدنا داوود هي:
12." فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ/البقرة 251
13." . وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ"/ص 20.
والآية في حق سيدنا إبراهيم وآله هي:
14." أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً"/النساء 54
وأما في حق الأنبياء جميعًا هي:
15." إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ/آل عمران 81
وفي حق لقمان الحكيم هي:
16 . "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ "لقمان12.
وفي حق البشر أجمعين هي:
17 ." يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"/البقرة269.
18." ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "/النحل125
19." حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ"/القمر5
ولكل معناها ,وهذا المعنى يعتمد على السياق وبحق من نزلت,ولبيان المعنى في كل آية سوف أعرض المعنى اللغوي أولاً:
معنى الحكمة لغة:الحكمة مشتقة من الحُكْم ويعني المنع لأنّها تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط والضلال، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكِمٌ، لأنه يَمْنَعُ الظالم من الظلم, ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس، حَكَمَة.
ولهذا أيضًا قيل هي النبوة لأن النبوة تمنع صاحبها من الزيغ والضلال وهو منع إلهي وليس من صنع البشر كالحكماء الذي قد يحجب عن صاحبه لسبب ما.
والحكمة إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم، فلذلك قيل: نزلت الحكمة على ألسنة العرب، وعقول اليونان، وأيدي الصينيين.
وفسرت الحكمة بأنّها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة، أي بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض ولا يغلط في العلل والأسباب.
وقد كانت الحكمة تطلق عند العرب على الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس ووصاية بالخير، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة، وكليات جامعة لجماع الآداب.
وقد كانت لشعراء العرب عناية بإبداع الحكمة في شعرهم وهي إرسال الأمثال، كما فعل زُهير في الأبيات التي أولها «رأيت المنايا خبط عشواء» والتي افتتحها بمَنْ ومَنْ في معلقته.
وأما معاني الحكمة كما جاءت في آيات الكتاب المبين فهي ترددت بين المعنى اللغوي والإصطلاحي ومعان أخرى سوف أثبتها في مكانها,وسوف أبدأ في الآيات التي نزلت في حق الأنبياء والبشر ثم أعرج على الآيات في حق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالبيان والتفصيل:
مما لا شك فيه وواضح وضوح الشمس أن الآيات في حق البشر ولقمان الحكيم جاءت فيها الحكمة على المعنى الآتي:
فقوله تعالى:" ." يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"/البقرة269,قال إبن عاشور في تفسيرها:" هي مجموع ما أرشد إليه هدي الهداة من أهل الوحي الإلهي الذي هو أصل إصلاح عقول البشر، فكان مبدأ ظهور الحكمة في الأديان، ثم ألحق بها ما أنتجه ذكاء العقول من أنظارهم المتفرّعة على أصول الهدى الأول".
وقال أيضًا:" والخيرُ الكثير منجّر إليه من سداد الرأي والهدي الإلهي، ومن تفاريع قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوغّل في فهمها واستحضار مهمها؛ لأنّنا إذا تتبّعنا ما يحلّ بالناس من المصائب نجد معظمها من جرّاء الجهالة والضلالة وأفن الرأي".اهـ
وأما قوله تعالى:" ." ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "/النحل125,فالحكمة المقصودة هنا هي المعرفة المُحكمة، أي الصائبة المجرّدة عن الخطأ، فلا تطلق الحكمة إلا على المعرفة الخالصة عن شوائب الأخطاء وبقايا الجهل في تعليم الناس وفي تهذيبهم.
وقوله تعالى:" ." حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ"/القمر5,فقصد بالحكمة: إتقان الفهم وإصابة العقل. والمراد هنا الكلام الذي تضمن الحكمة ويفيد سامعه حكمة.
وأما قوله تعالى في سورة لقمان:" "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ", فهي أيضًا الحكمة التي أشرنا إليها آنفًا في حق البشر, حيث أن لقمان لم يكن نبيًا وإنما رجلًا صالحًا ألهمه الله الفهم وإصابة العقل وإتقان العمل,والدليل على أنه لم يكن نبيًا قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:" لم يكن لقمان نبيئاً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسنَ اليقين أحبَّ الله تعالى فأحبه فمنَّ عليه بالحكمة".
وأما قوله تعالى في سورة آل عمران:" إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ",فقد قال المفسرون وعلماء القرآن على أن المقصود بالحكمة هنا هي تفصيل الوحي المقروء وذلك لان الحديث عن الأنبياء ,فهم أوتوا الكتب ومن قبلها النبوة.
فمثلًا قال الرازي فيها:" الكتاب هو المنزل المقروء والحكمة هي الوحي الوارد بالتكاليف المفصلة التي لم يشتمل الكتاب عليها".اهـ
وأما الآية في آل إبراهيم عليه السلام من سورة النساء:" ." أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً",تعريف (الكتاب): تعريف الجنس، فيصدق بالمتعدّد، فيشمل صحف إبراهيم، وصحف موسى، وما أنزل بعد ذلك. والحكمة: النبوءة، والملك: هو ما وعد الله به إبراهيم أن يعطيه ذرّيته وما آتى الله داوود وسليمان وملوكَ إسرائيل".
وأما الآيات في حق سيدنا داوود عليه السلام فهي تبدو أكثر من واضحة فالمقصود بالحكمة النبوة , فالله سبحانه وتعالى لم يعطه الملك وحسب بل وزاده النبوة.
وآيات الحكمة في حق سيدنا عيسى عليه السلام فتعددت معانيها حسب السياق, ففي سورة آل عمران حيث يقول الله تعالى:" ." وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ", هنا لا يمكن أن تكون الحكمة هي النبوة لأن النبوة لا تُعلّم بل تؤتى من فضل الله,وأما آية سورة المائدة في قوله تعالى:" إ ِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ", فهي تحمل نفس المعنى لورود التعليم ,ومما قاله بعض المفسرين:" الحكمة:جميع ما علمه من أمور الدين، وقيل: سنن الأنبياء عليهم السلام، وقيل: الصواب في القول والعمل، وقيل: إتقان العلوم العقلية".
وأما في سورة الزخرف:" . وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ",هنا لم يرد تعلم عيسى عليه السلام بل هو جاء بالحكمة وعلى هذا فهي تعني حقائق من الأخلاق الفاضلة والمواعظ والتي علمهم إياها.
يتبع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السنّة وحي من عند الله...والدليل القرآن
جاء هذا المقال ردًا على فئة كثر نشاطها في الآونة الأخيرة أطلقت على نفسها "أهل القرآن" أو "القرآنيون", وهم ينكرون السنّة جملة وتفصيلًا, ولا يعتبرونها مصدرًا من مصادر التشريع في الإسلام.
وردت الحكمة في القرآن الكريم في تسعة عشرآية من آياته ,ومنها ما كان معرفًا ومنها غير معرف ومنها ما اقترن بالكتاب أو اقترن بغير الكتاب ومنها ما جاء منفردًا بلا اقتران.
ومن هذه الآيات ما كان في حق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ومنها ما كان في حق غيره من الرسل والأنبياء أو من البشر.
وما كان في حق رسولنا الكريم ونبينا الأمين عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم جاء في ثماني آيات,وفي حق سيدنا عيسى عليه السلام في ثلاث آيات ,وفي حق سيدنا داوود عليه السلام في آيتين,وفي حق سيدنا إبراهيم في آية واحدة,وفي حق الأنبياء جميعًا في آية واحدة,وفي حق لقمان الحكيم في آية واحدة,وفي حق البشر عامة في ثلاث آيات,وأما الآيات في حق سيد البشر وإمام الأنبياء عليه الصلاة والسلام هي:
1." رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ "/البقرة129.
2. "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ "/البقرة151.
3." وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "البقرة231
4. "لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ "/آل عمران164
5. "وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً " النساء113
6." . ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً "/الإسراء 39
7." . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً"/الأحزاب34 َ.
8." . هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "/الجمعة2.
وأما الآيات في حق سيدنا عيسى عليه السلام هي:
9." وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ "/آل عمران48
10." .إ ِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ/المائدة 110
11." . وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ"/الزخرف 63
والآيات في حق سيدنا داوود هي:
12." فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ/البقرة 251
13." . وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ"/ص 20.
والآية في حق سيدنا إبراهيم وآله هي:
14." أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً"/النساء 54
وأما في حق الأنبياء جميعًا هي:
15." إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ/آل عمران 81
وفي حق لقمان الحكيم هي:
16 . "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ "لقمان12.
وفي حق البشر أجمعين هي:
17 ." يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"/البقرة269.
18." ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "/النحل125
19." حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ"/القمر5
ولكل معناها ,وهذا المعنى يعتمد على السياق وبحق من نزلت,ولبيان المعنى في كل آية سوف أعرض المعنى اللغوي أولاً:
معنى الحكمة لغة:الحكمة مشتقة من الحُكْم ويعني المنع لأنّها تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط والضلال، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكِمٌ، لأنه يَمْنَعُ الظالم من الظلم, ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس، حَكَمَة.
ولهذا أيضًا قيل هي النبوة لأن النبوة تمنع صاحبها من الزيغ والضلال وهو منع إلهي وليس من صنع البشر كالحكماء الذي قد يحجب عن صاحبه لسبب ما.
والحكمة إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم، فلذلك قيل: نزلت الحكمة على ألسنة العرب، وعقول اليونان، وأيدي الصينيين.
وفسرت الحكمة بأنّها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة، أي بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض ولا يغلط في العلل والأسباب.
وقد كانت الحكمة تطلق عند العرب على الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس ووصاية بالخير، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة، وكليات جامعة لجماع الآداب.
وقد كانت لشعراء العرب عناية بإبداع الحكمة في شعرهم وهي إرسال الأمثال، كما فعل زُهير في الأبيات التي أولها «رأيت المنايا خبط عشواء» والتي افتتحها بمَنْ ومَنْ في معلقته.
وأما معاني الحكمة كما جاءت في آيات الكتاب المبين فهي ترددت بين المعنى اللغوي والإصطلاحي ومعان أخرى سوف أثبتها في مكانها,وسوف أبدأ في الآيات التي نزلت في حق الأنبياء والبشر ثم أعرج على الآيات في حق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالبيان والتفصيل:
مما لا شك فيه وواضح وضوح الشمس أن الآيات في حق البشر ولقمان الحكيم جاءت فيها الحكمة على المعنى الآتي:
فقوله تعالى:" ." يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"/البقرة269,قال إبن عاشور في تفسيرها:" هي مجموع ما أرشد إليه هدي الهداة من أهل الوحي الإلهي الذي هو أصل إصلاح عقول البشر، فكان مبدأ ظهور الحكمة في الأديان، ثم ألحق بها ما أنتجه ذكاء العقول من أنظارهم المتفرّعة على أصول الهدى الأول".
وقال أيضًا:" والخيرُ الكثير منجّر إليه من سداد الرأي والهدي الإلهي، ومن تفاريع قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوغّل في فهمها واستحضار مهمها؛ لأنّنا إذا تتبّعنا ما يحلّ بالناس من المصائب نجد معظمها من جرّاء الجهالة والضلالة وأفن الرأي".اهـ
وأما قوله تعالى:" ." ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ "/النحل125,فالحكمة المقصودة هنا هي المعرفة المُحكمة، أي الصائبة المجرّدة عن الخطأ، فلا تطلق الحكمة إلا على المعرفة الخالصة عن شوائب الأخطاء وبقايا الجهل في تعليم الناس وفي تهذيبهم.
وقوله تعالى:" ." حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ"/القمر5,فقصد بالحكمة: إتقان الفهم وإصابة العقل. والمراد هنا الكلام الذي تضمن الحكمة ويفيد سامعه حكمة.
وأما قوله تعالى في سورة لقمان:" "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ", فهي أيضًا الحكمة التي أشرنا إليها آنفًا في حق البشر, حيث أن لقمان لم يكن نبيًا وإنما رجلًا صالحًا ألهمه الله الفهم وإصابة العقل وإتقان العمل,والدليل على أنه لم يكن نبيًا قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:" لم يكن لقمان نبيئاً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسنَ اليقين أحبَّ الله تعالى فأحبه فمنَّ عليه بالحكمة".
وأما قوله تعالى في سورة آل عمران:" إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ",فقد قال المفسرون وعلماء القرآن على أن المقصود بالحكمة هنا هي تفصيل الوحي المقروء وذلك لان الحديث عن الأنبياء ,فهم أوتوا الكتب ومن قبلها النبوة.
فمثلًا قال الرازي فيها:" الكتاب هو المنزل المقروء والحكمة هي الوحي الوارد بالتكاليف المفصلة التي لم يشتمل الكتاب عليها".اهـ
وأما الآية في آل إبراهيم عليه السلام من سورة النساء:" ." أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً",تعريف (الكتاب): تعريف الجنس، فيصدق بالمتعدّد، فيشمل صحف إبراهيم، وصحف موسى، وما أنزل بعد ذلك. والحكمة: النبوءة، والملك: هو ما وعد الله به إبراهيم أن يعطيه ذرّيته وما آتى الله داوود وسليمان وملوكَ إسرائيل".
وأما الآيات في حق سيدنا داوود عليه السلام فهي تبدو أكثر من واضحة فالمقصود بالحكمة النبوة , فالله سبحانه وتعالى لم يعطه الملك وحسب بل وزاده النبوة.
وآيات الحكمة في حق سيدنا عيسى عليه السلام فتعددت معانيها حسب السياق, ففي سورة آل عمران حيث يقول الله تعالى:" ." وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ", هنا لا يمكن أن تكون الحكمة هي النبوة لأن النبوة لا تُعلّم بل تؤتى من فضل الله,وأما آية سورة المائدة في قوله تعالى:" إ ِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ", فهي تحمل نفس المعنى لورود التعليم ,ومما قاله بعض المفسرين:" الحكمة:جميع ما علمه من أمور الدين، وقيل: سنن الأنبياء عليهم السلام، وقيل: الصواب في القول والعمل، وقيل: إتقان العلوم العقلية".
وأما في سورة الزخرف:" . وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ",هنا لم يرد تعلم عيسى عليه السلام بل هو جاء بالحكمة وعلى هذا فهي تعني حقائق من الأخلاق الفاضلة والمواعظ والتي علمهم إياها.
يتبع