المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حزب التحرير لا يقول بالتواتر المعنوي



مؤمن
07-08-2009, 02:49 PM
حدث نقاش مع بعض الإخوة في منتدى العقاب حول رأي حزب التحرير في التواتر المعنوي وأصر الإخوة أن حزب التحرير يقول في التواتر المعنوي.

نقول أن من المعروف ان حزب التحرير يتبنى أفكار وآراء في كتبه ولكن حبز التحرير كان يعدل بعض الأفكار في نشرات له فإذا جاءت نشرة فهي تعبر تغيير لما كان متبنى وفق طريقة الحزب في انشاء التبني أو تغيير التبني.

و الشخصية ج 1 يقول بالتواتر المعنوي و لكن مؤلف الكتاب تراجع عنه في في أجوبة اسئلة في المجموعة الفكرية.

اذا استقر رأي حزب التحرير على أنه لا يوجد تواتر معنوي أما أن حزب التحرير رجع و قال به في 1990 فإن الحزب لم يبين لنا لماذا تم التراجع و لا أسبابه و لا على ماذا بني هذا التعديل لما كانت متبنى.

محب الخلافة
17-08-2009, 10:46 PM
السلام عليكم

أخي مؤمن نريد النشرة في المجموعة الفكرية

وهل بين فيها سبب تراجعه عن القول بالتواتر المعنوي

أرجو وضع صورة النشرة أو نصها

ولكم جزيل الشكر

مؤمن
18-08-2009, 02:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التواتر المعنوي


سؤال:
ورد في الشخصية الجزء الأول وفي الدوسية الفكرية أن التواتر المعنوي يؤخذ به، وقد عرفه الحزب في هذين المصدرين تعريفا دقيقا، وعند البحث في الموضوع على أساس ما ورد في هذين المصدرين قال بعض الشباب إنه قد ورد من الحزب أجوبة أسئلة ونفى ما جاء في الشخصية والفكرية من تبني. والسؤال هنا:

أ_ هل ما جاء في جواب سؤال يلغي المتبنى ودون حذفه من المتبنى، أي دون إزالة ما ورد في الشخصية الجزء الأول وإخطار الشباب فيه ؟.

ب_ أين ومتى تم إلغاء المتبنى في هذا الموضوع، وأرجو إعلامنا كيف تم البحث، وعلى ماذا استند الحزب في إلغاء ما تم تبنيه ؟.

الجواب :
إن المتبنى في التواتر هو تواتر الحديث، وهو الذي شرحه الحزب في كتبه وبيّن شروطه وبنى عليه ثقافته، وما جاء في القسم الأول من كتاب الشخصية الإسلامية (267) فهو ملغى صراحة في نشراته وكتبه، ومن ذلك أجوبة أسئلة بتاريخ 13من محرم 1395هـ الموافق 27كانون الثاني 1975م أولها : التواتر المعنوي وثانيها : أحاديث المهدي وثالثها : علاقة الذهب بالنقد الدولي وأميركا ورابعها : زمن تسديد القرض، جاء فيها س1 : ما قيمة التواتر المعنوي في الأحاديث المتعلقة بالعقائد ؟ ج : لا يوجد تواتر معنوي وإنما يوجد تواتر حديث، ولذلك فالسؤال على غير واقع. " س2: ما درجة الأحاديث التي تتحدث عن المهدي من حيث السند والمتن ؟ ج : هناك أحاديث صحيحة تتحدث عن المهدي، ولكنها أحاديث آحاد، ولم يرد حديث متواتر عن المهدي "، وبما أنه جواب سؤال عن فكر متبنى كان هو المتبنى، وما سواه مما صدر بعد عام 1977م فقد ألغي لمخالفته المتبنى، فإلغاء ما جاء في الجزء الأول من الشخصية الإسلامية والتعميم به كان بجواب قديم، ولم يكن بالجواب عن عذاب القبر والمؤرخ في 28من ذي القعدة 1420هـ الموافق 26آذار 1998م، ولا بجواب التواتر المعنوي المؤرخ في 6شعبان 1419هـ الموافق 25تشرين الثاني 1998م.

وأما حذف ما جرى تغيير التبني فيه مما ورد في الكتب، فإنه لا يكون إلا بعد إعادة طبع الكتب لا قبل ذلك.
على أنه جاء أيضا في القسم الثالث من كتاب الشخصية الإسلامية في بحث ( كل إجماع غير إجماع الصحابة ليس بدليل شرعي ) : " وقالوا أيضا إن الدليل على أن إجماع الأمة حجة السُّنَّةُ، فقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن إجماع الأمة دليل شرعي... بروايات مختلفة الألفاظ متفقة المعنى في الدلالة على عصمة هذه الأمة عن الخطأ والضلالة، كقوله عليه السلام :" أمتي لا تجتمع على الضلالة "... إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى كثرة، ولم تزل ظاهرة ومشهورة بين الصحابة معمولا بها لم ينكرها منكر ولا دفعها دافع ". قال : والجواب على ذلك من ثلاثة وجوه : أحدها: أن هذه الأحاديث كلها أخبار آحاد لا تبلغ مبلغ التواتر ولا تفيد اليقين... فإن قيل إن هذه الأحاديث وإن لم يتواتر كل واحد منها لكن القدر المشترك بينها وهو عصمة الأمة متواتر لوجوده في هذه الأخبار الكثيرة فالجواب عليه هو أن القدر المشترك بين أحاديث الآحاد لا يجعلها متواترة، فتظل على أي حال أخبار آحاد ولا ترتفع إلى درجة المتواتر، فتظل غير صالحة لأن تكون حجة قطعية على أصل من الأصول ". ثم قال : القسم الرابع : الأحاديث التي تنص على أن الأمة لا تجمع على خطأ، وهذه الأحاديث روايات ضعيفة... فكلمة " على خطأ " رواية ضعيفة ".

مؤمن
18-08-2009, 02:45 PM
وجميع مباحث القسم الثالث المخصص لبحث الموضوعات الأصولية دائر حول هذا المعنى شرحا وتفصيلا، ففي أقسام السنة قال : وإن رواه واحد أو أكثر لا يبلغ عددهم حد التواتر من الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعي التابعين فهو خبر آحاد " وهو ما شرحه أيضا في أجوبة أسئلة مؤرخة في 27 من شهر ربيع الأول سنة 1390هـ الموافق 2/6/1970م ( وهي في الفكرية 141-145 من غير تاريخ ) قال: وهناك أفراد الأحاديث التي وصلتنا عن غير طريق التواتر، كأن تواترت روايتها من تابعي التابعين ومن التابعين ولكن عن صحابي واحد أو تواترت روايتها عن الصحابة وعن التابعين ولكن رواه تابعي واحد، أو رويت عن صحابي واحد رواها تابعي واحد وتابع تابعي واحد، سواء تعددت طرقها أم كان لها طريق واحد، فكل هذه الأفراد من الأحاديث تعتبر خبر واحد، فهي ظنية الثبوت،فالإيمان بالفرد الواحد منها أي بالحديث الواحد المعين ليس بواجب لأن العقائد لا تؤخذ إلا عن يقين ولا بد أن يكون دليلها قطعيا ".

وفي مبحث المتواتر من القسم الثالث من الشخصية قال : " والخبر المتواتر في اصطلاح الأصوليين هو خبر جماعة بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم " ثم قال : " وعليه فإن الخبر المتواتر هو ما رواه في العصور الثلاثة جمع غفير يستحيل معه عادة تواطؤهم على الكذب، والمراد بالعصور الثلاثة عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين، ولا عبرة في غير هذه العصور الثلاثة في رواية الحديث مطلقا ".

وفي مبحث خبر الآحاد قال : خبر الآحاد هو ما رواه عدد لا يبلغ حد التواتر في العصور الثلاثة ولا عبرة بما بعدها، وهو يفيد الظن ولا يفيد اليقين ".

وقد بني على هذا الرأي نفي حصول الكرامات للأولياء بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بدليلين أحدهما عدم وجود دليل نقلي قطعي أو عقلي عليها لأنها من باب العقائد، وذلك في جواب بتاريخ 2من ربيع الأول 1390هـ، 6/5/1970م، والحكم على الأخبار الواردة في عذاب القبر بأنها أخبار آحاد كما جاء في الكراسة الحزبية (ص6) وفي جوابين أحدهما بتاريخ 6من جمادى الأولى سنة 1388هـ،31/7/1968م ( وهو في الفكرية 136 من غير تاريخ )، وكذلك أحاديث المهدي بجواب مؤرخ في 13من محرم 1395هـ الموافق 27كانون الثاني 1975م. ومجموعة الأحاديث المستدل بها على عصمة الأمة عن الخطأ ومنها حديث : " لا تجتمع أمتي على ضلالة "، كما في القسم الثالث من الشخصية (297)، وكذلك الأحاديث الواردة في القياس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأخبار عن الصحابة، فقال في شرح المادة (11) من مقدمة الدستور (ص55) : غير أن السنة وإجماع الصحابة قد رويت عن طريق خبر الآحاد فهي دليل ظني " أهـ.

وكذلك حديث " إنما الأعمال بالنيات " ذكره في الأحاديث المشهورة، كما في مبحث المشهور من القسم الثالث من الشخصية، فعد كل الأحاديث المذكورة في أخبار الآحاد مع أنها جميعها معدودة عند العلماء في التواتر المعنوي. هذا من حيث المتبنى ومواضعه من الثقافة الحزبية، أما بيانه فكما يلي :

التواتر اللفظي أو على الأصح تواتر الحديث هو أن يتفق جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب على رواية حديث واحد معين، وشرطه أن يرويه كثرة من المخبرين تشهد الأحوال بنفي المواطأة والغلط عن مثلهم، أي تحيل العادة تواطؤهم على الكذب سواء من حيث التوافق قصدا فيما بينهم بعد تقرير وتشاور لغرض من الأغراض، أو من حيث وقوعه عن غير قصد وإنما عن سهو وغلط، فلا يكون ثمة غرض يوجب الشبهة في أخبار المخبرين، وأن تستمر الكثرة من ابتدائه إلى انتهائه ولا تنقص عن الحد الموجب للعلم في أي موضع من المواضع، وأن يكون مستند انتهاء الخبر إلى الحس من مشاهدة أو سمع، وليس الاستنتاج العقلي ولا الظن.

وهذا التواتر يحصل في نقل القول والفعل والسكوت، وليس محصورا في القول، مع العلم أن التطابق في ألفاظ الروايات مطابقة تامة من كل وجه غير واقع، ولأنه لما لم يقم دليل على التعبد بلفظ الحديث نقله الرواة بالمعنى ولم ينقلوه حرفا حرفا وكلمة كلمة، فالمقصود بالتواتر اللفظي هو تواتر الحديث المعين.

والحديث المتواتر يفيد العلم الضروري الذي لا يملك الإنسان دفعه عن نفسه أو التشكك فيه، وهو حاصل بإخبار المخبرين لأنهم اختصوا بشروط معلومة تؤدي إلى العلم الضروري بصدقهم، فإذا وجدت هذه الشروط في عدد وجب أن يؤدي خبرها إلى اليقين بنفسه لا بقرائن خارجة عن ذات الخبر، لأن الجماعة الغفيرة التي انتفى عنها إمكان الكذب والوهم والغلط اجتمعت على الإخبار عن واقعة واحدة محسوسة، فاليقين أتى من اتفاق العدد الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب على رواية واقعة محسوسة على شرط أن تستمر هذه الصفات في كل طبقة من طبقاته، لأن خبر أهل كل عصر مستقل بنفسه.

أما ما يسمى بالتواتر المعنوي فهو عبارة عن مجموعة من أخبار آحاد في وقائع مختلفة عُدِمَ التواتر في آحادها وقد لوحظ في مجموعها معنى مشترك، فقيل إنه لما وقع الاتفاق على هذا المعنى التحقق بورود الخبر المتواتر على شيء بعينه، لأن اجتماع الظنون بإخبارات كثيرة يُعِدّ الذهن عادة لقبول العلم واليقين، كما جرت العادة بإحداث العلم بعد التجربة والتكرار، وليس لأن أحدها صدق قطعا، وأن هذا العلم لا يحتاج إلى دليل لأنه علم ضروري يعلم تحققه عند الرجوع إلى الوجدان، وإن كان نقلته انحطوا عن مبلغ التواتر، وبهذا علم على القطع شجاعة عليّ وسخاء حاتم مع أن آحاد وقائعهما لم ينقلها إلينا إلا آحاد الرجال.

وقد وضح مما تقدم أنه جملة أخبار ظنية في وقائع ومعان مختلفة، لا يجمعها إسناد ولا واقعة ولا شروط، أي لا يوجد بين هذه الأخبار علاقة تجعلها مجموعا كليا ينفي عنها جواز الكذب والوهم فبقيت على حالها أفرادا يحتمل على كل واحد منها الصدق والكذب، ولا يتأتى اليقين في أفرادها ولا في مجموعها، ولا يقال إن حالها كحال تواتر الحديث انضم بعض أفراد الحديث إلى بعض فحصل من هذا الاجتماع قوة أوجدت في نفس السامع علما ضروريا، لا يقال ذلك لأن الآحاد المتفقة على معنى ما لم يحدث فيها اجتماع أصلا، ولا يوجد وجه شبه بين تواتر الحديث وما يسمى بتواتر المعنى، فإن اليقين في تواتر الحديث لم يأت من انضمام خبر آحاد إلى مثله، وإنما أتى من اجتماع الجماعة الغفيرة التي اختصت بشروط نفت عنها إمكان الكذب والوهم والغلط على الإخبار عن واقعة واحدة محسوسة، لأن الكثرة وحدها لا تحيل الكذب، ولا يلزم أن يكون خبر كل جماعة عن المحسوسات محصلا للعلم، فإنا نجد الجمع الكثير متفقا على وضع الأحاديث والأخبار لداع من الدواعي، وهذا شائع في الجماعات والدول في كل عصر ومصر، لذلك احتاج جمع المخبرين إلى وجود مانع من الكذب سوى الكثرة، ولا واسطة بين المتواتر والآحاد، فإما أن يكون الخبر متواترا، وإما أن يكون آحادا، وكل خبر لم يفد العلم الضروري بنفسه فليس متواترا، فلا يقال عن خبر الآحاد الذي طابق الواقع متواترا، لأن إفادة العلم الضروري آتية من قرينة خارجة عن الخبر وهي المطابقة ولم تأت من ذات الخبر، كما أنه لا يقال عن الآحاد الذي لم ينكره عليه منكر من جمع من الناس متواتر، فإن عدم الإنكار قد يدل على قبول الخبر، ولا يدل على التواتر ولا على القطع، ولا يقال كذلك إنه يستبعد الكذب على الآحاد المتفقة على معنى واحد، لا يقال ذلك لأن البحث ليس بحثا عقليا مجردا عن الواقع، وإنما هو بحث في واقع الخبر والمخبرين والقرائن الملازمة للخبر، والعلم الضروري ليس نسبيا يحصل لبعض دون بعض، وإنما يحصل لكل سامع للخبر من عالم وجاهل وصغير وكبير ومؤمن وكافر، وإن أقصى ما تفيده أخبار الآحاد المتضافرة على معنى واحد هو قوة الظن في صدقه وليس القطع في صدقه، على أنه يوجد فرق كبير بين استبعاد الكذب وبين استحالة الكذب، فاستبعاد الكذب يفيد الظن، واستحالة الكذب تفيد القطع.

مؤمن
18-08-2009, 02:45 PM
ولا مراء في أن العلم المستفاد من تواتر الحديث أقوى من المستفاد من تواتر المعنى، وأما من حيث الدلالة فلا مراء كذلك في أن العلم الحاصل مما اتحد خبره ومعناه، أقوى مما اختلفت وقائعه وألفاظه، ففي الأول طابق اللفظ معناه أي دل على تمام مسماه، فلا يحتاج إلى إعمال الفكر، وأما الثاني فقد يكون اللفظ دل على جزء المسمى، أي أن المعنى المدلول في ضمن الموضوع له، وقد يكون اللفظ دل على لازمه فينتقل الذهن إلى هذا اللازم عند سماع اللفظ، وهذا يحتاج إلى نوع فكر لاستخراج المعنى الذي تؤديه العبارات المختلفة، فقد يقول قائل إن الأخبار عن حاتم الطائي تدل على السخاء، ويقول آخر بل تدل على مجرد العطاء ولا تدل على السخاء، لأن في السخاء معنى زائدا لا يوجد في كل خبر من هذه الأخبار، ويقول قائل في أخبار عليّ بن أبي طالب إنها دالة على الشجاعة، ويقول آخر لا تدل على ذلك بل على وقوع القتل والقتال منه، لأن معنى الشجاعة غير وارد في كل خبر من هذه الأخبار، وإنما يوجد في بعضها ولا يوجد فيها جميعا، إذ في الباقي أنه قاتل أو قَتَلَ في يوم كذا وغزوة كذا، وفي بعضها دلالة على القوة، وهكذا يمكن أن يقال في كل خبر من الأخبار، وقد يتمحل للأخبار معنى مشتركا ليس موجودا فيها، كما قيل عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم غير المتواترة عنه من نبع الماء من بين أصابعه وحنين الجذع إليه، وإشباع الجمع الغفير من الطعام اليسير، ونحو ذلك من الأخبار المنفصلة التي لا تجمع أي معنى من المعاني، فقالوا إنها مجتمعة على معنى إقامته المعجزات على صدق دعوته، مع أن ما قالوه ليس معنى اشتركت فيه ألفاظ الأخبار، وإنما هو تعليل لوقوع المعجزات منه صلى الله عليه وسلم.

ثم إن عملهم لم يطرد في الأخذ بالتواتر المعنوي، فمن أنكر كرامات الأولياء لم يلتفت إلى الروايات، قال التفتازاني : " ذهب جمهور المسلمين إلى جواز كرامات الأولياء ومنعه أكثر المعتزلة، والأستاذ أبو إسحاق يميل إلى قريب من مذهبهم كذا قال إمام الحرمين " وقال عضد الدين الإيجي : " وإنها جائزة عندنا واقعة خلافا للأستاذ أبي إسحاق والحليمي منا، وغير أبي الحسين من المعتزلة ".

ومن أنكر عذاب القبر أو عارض الإستحسان والمصالح المرسلة لم يسلّم بما زعموه من تواتر معنوي، والذي يبدو أن العلماء لما اختلفوا في مسائل العقيدة أعوزتهم الحجة إلى دليل نقلي يسند رأيهم ويحفظهم من زلل الرأي في العقيدة، فعمدوا إلى الأخبار يجمعونها ويضمون بعضها إلى بعض، فوجدوا في المعنى الذي تضافرت عليه آحادها ضالتهم مما دفعهم إلى القول بالتواتر المعنوي، كما في أخبار رؤية الله تعالى يوم القيامة ونحوها، لأنه لم يكن لهم رأي وحجة عقلية إلا كان لخصومهم مثله، ولم تكن أي من هذه الحجج العقلية كافية للقطع في المسائل التي كانت محلا للنزاع، وقد احتاج إلى هذا الدليل من يحتج لمذهبه كالزيدية، فادعوا تواتر مجموعة من الأحاديث على معنى واحد كحديث " الكساء " و " إني تارك فيكم الثقلين " و " أهل بيتي كسفينة نوح ".

وكذلك لما اشترطوا في القواعد الأصولية القطع وجدوا ما يستدلون به على بعض القواعد الأصولية ظنيا كدليلهم على إجماع الأمة، فقال الشاطبي في الموافقات بأن : " مجموع الأخبار وإن كان آحادا يفيد التواتر من حيث دلالته على معنى واحد، ولأن إفادة الأدلة المتواترة على القطع متوقفة على مقدمات جميعها أو غالبها ظني والموقوف على الظني لا بد أن يكون ظنيا... وإنما الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من جملة أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد حتى أفادت القطع، فإذا حصل من استقراء أدلة المسألة مجموع يفيد العلم فهو الدليل المطلوب، وهو شبيه بالتواتر المعنوي، وأن أدلة كون الإجماع حجة أو خبر الواحد أو القياس راجع إلى هذا المساق ؛ لأن أدلتها مأخوذة من مواضع تكاد تفوق الحصر، وهي مع ذلك مختلفة المساق لا ترجع إلى باب واحد، إلا أنها تنتظم المعنى الواحد الذي هو المقصود بالإستدلال عليه، وإذا تكاثرت على الناظر الأدلة عضّد بعضها بعضا فصارت بمجموعها مفيدة القطع كإفادة مجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وكل واحد بانفراده ظني، فأدلة الأصول مأخوذة من استقراء مقتضيات الأدلة بإطلاق لا من آحادها على الخصوص، إذ كان ذلك الأصل قد صار مجموع أدلته مقطوعا، ومثل هذا الاستدلال على المصالح المرسلة والاستحسان ".

فواضح مما اختصرناه من عبارة الشاطبي الدافع الذي دفع العلماء للأخذ بالتواتر المعنوي سواء من استخلاص المعنى من أخبار الآحاد، أو من حيث استخلاصه من دلالات الأدلة، ألا وهو الحاجة إلى إسناد القواعد الأصولية بأدلة قطعية، وكان ينبغي أولا إقامة الدليل على قطعية أخبار الآحاد المتضافرة على معنى واحد، لا أن تكون الحاجة دافعا إلى قبولها، ثم تلتمس الحجج لها بعد ذلك.

ولقد بلغ التساهل ببعض العلماء حدا جعله يعد بعض الأخبار الواهيات ضمن التواتر المعنوي كحديث الأبدال وأن يزعم تواتر ما لم يصح إسناده.

وبهذه الطريق أيضا أثبتوا كرامات للصحابة من قول عمر " يا سارية الجبل الجبل " وأمره نهر النيل بالجريان ومن شرب خالد بن الوليد للسم، وغيرها من الأخبار الظنية وغير الثابتة، وأثبتوها كذلك للتابعين وكثير من المتصوفة والصالحين، بل ادعى بعضهم تواتر كرامات عبد القادر الجيلاني تواترا لفظيا، ولا يبعد أن يأتي يوم يدعي فيه مدع تواتر أخبار الغول، بحجة أن أخبار العرب عن الغول التي تفتك بالناس قد جاءت في شعر تأبط شرا وأبي البلاد الطهوي وأخبار عمرو بن يربوع وغيرها، وأن تلك الأخبار لم تزل العامة بعد الإسلام تروي أمثالها، ويعضد ذلك بورود اسم الغول في حديث أبي أيوب الأنصاري وأبي بن كعب وبريدة الأسلمي وأبي أسيد الساعدي وعمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ثم يقول إنه وإن لم يذكر في هذه الأخبار فتك الغول بالناس ولا شيء مما هو شائع من أعمالها وصفاتها فإنها متفقة على معنى واحد هو الغول، ثم لا يدعون خرافة ولا أسطورة إلا جعلوها من عقائد المسلمين، وبذلك يجهزون على ما بقي عند الأمة من تفكير بعد كرامات الأولياء والأغاليط التي أدخلت على عقيدتهم.

27/شعبان/1420هـ
5/12/1999م