المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أجوبة أسئلة سياسية حول حل الدولتين والوضع الإيراني والدول الوظيفية



Abu Taqi
17-10-2024, 02:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أجوبة أسئلة سياسية
أولًا: حل الدولتين
إن المتتبع لقضية فلسطين يجد أن الحلول المطروحة بشأنها تتمحور حول عنوانين رئيسيين، وهما (الدولة اليهودية الخالصة) و(حل الدولتين). وفي الحقيقة أن حل الدولتين إنما جاء لمعالجة المشكلة التي نجمت عن غرس الكيان الاستعماري في فلسطين وضمان تثبيته، وجاء أيضًا من أجل تفادي تداعيات حل (الدولة اليهودية الخالصة) على الداخل الإسرائيلي من جهة، وعلى استقرار المنطقة التي تمثل ركيزة أساسية في الأمن القومي الأميركي والغربي من ناحية جيواستراتيجية وحيوية وقيمية. فأما تداعيات حل (الدولة اليهودية الخالصة) على الداخل الإسرائيلي فتكمن في الجانب الديموغرافي، إذ يواجه هذا الحل تحديين رئيسيين: الأول هو أن وجود المكون الفلسطيني في الدولة اليهودية "الديمقراطية" سيفضي إلى تراجع المكون اليهودي لصالح المكون الفلسطيني المتنامي والذي يعطي الفلسطينيين حق الحكم بمقتضى النظام الديمقراطي، وهو ما يتعارض مع الفكرة الصهيونية الداعية إلى (كيان يهودي خالص) ويتعارض مع الغرض الاستعماري الذي غُرس الكيان الصهيوني من أجله، حيث وُجدت "إسرائيل" كخط دفاع أول عن المصالح الغربية وبخاصة (قناة السويس) في وجه العالم الإسلامي. وأما التحدي الثاني، فإن عدم مراعاة التحدي الديموغرافي (بحسب وصفهم) فسوف يقود إلى تصنيف "إسرائيل" باعتبارها دولة "فصل عنصري"، فتفقد التجانس القيمي مع الغرب بوصفها "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، والذي تستمد منه دعم "العالم الحر"، ليس على المستوى الرسمي فقط بل وعلى مستوى الرأي العام العالمي. وهذا ليس تحليلًا مجردًا، بل جاء بصريح الكلام في خطابات هيلاري كلنتون أمام منظمة الإيباك الصهيونية الداعمة لـ"إسرائيل" منذ سنة 2010. وخطاباتها لم تكن موجهة للعالم العربي والإسلامي حتى يجري تفسيرها على صعيد الخداع والاستهلاك، وإنما كان سعيًّا حقيقيًّا من طرف الإدارة الأميركية وصناع القرار لإقناع الصهاينة من أجل الضغط على "إسرائيل" لقبول "حل الدولتين" باعتبار أنه يحقق مصلحة وبقاء الكيان الصهيوني على المدى البعيد. وقد صرحت بوضوح إننا أمام أحد خيارين: "السعي نحو طاولة السلام أو خسارة فكرة حل الدولتين للأبد. وما زلت اعتقد أن السلام مع الأمن لا يزال ممكنًا وهذا هو الحل الوحيد لتأمين دوام بقاء إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية". وهو نفس الأمر الذي شدد عليه جون كيري وزير خارجية أوباما وأدخل الإدارة الأميركية في سجال مع الحكومة الإسرائيلية، واضطر أميركا أن تقف في مجلس الأمن في وجه بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
فمن حيث العنوان "حل الدولتين" فما تزال أميركا (الدولة العميقة على اختلاف تياراتها) ترى فيه الخيار الأفضل. وأما المضمون فلا شك أن حل الدولتين يمثل غطاءً للدولة اليهودية الخالصة حتى ولو جرى هندستها وفق الكونفدرالية؛ لأن حل الدولتين يجعل من المكون الفلسطيني جالية تحت سلطان الدولة اليهودية، ويجعل "الدولة الفلسطينية" كيانًا وهميًّا لا يتعدى الاسم والكرسي والعلم ورفع رتبة البعثات الدبلوماسية إلى سفارات.
وأما "الخيار الأردني" أو "الوطن البديل" فهو ليس بديلًا عن حل الدولتين، وإنما هو معالجة لملف اللاجئين وتصفية حق العودة، وما تزال أعمال التهيئة له وللصيغة الكونفدرالية قيد التنفيذ ومنها إعادة هيكلة النظام الأردني وفق مخرجات لجنة إصلاح المنظومة السياسية التي من أبرزها استحداث ما يسمى بـ"الهوية الجامعة" وتعديل التركيبة البرلمانية. وبالتالي فإن أميركا ما تزال متمسكة بـ"عنوان" حل الدولتين، لكنها تجد رفضًا صارمًا من أغلب القوى السياسية في الكيان الغاصب حتى لمجرد العنوان، ولا تتخذ أي إجراء لفرض رؤيتها لاعتبارات داخلية واستراتيجية. فبايدن ومنذ أن كان سيناتورًا وهو يرفض (الدولة اليهودية الخالصة) بالصيغة التي يطرحها الكيان، وبخاصة نتنياهو وتيار المتشددين، فقد صرح قبل نحو 3 شهور بأن حل الدولتين له أنماط مختلفة فهناك دول في الأمم المتحدة من دون جيوش ومنزوعة السلاح وهي فكرة مثيرة للاهتمام، وفي أيار/مايو صرَّح أنه "لا تغيير في التزامي بأمن إسرائيل. نقطة على السطر. لا تغيير على الإطلاق"، مشدّدًا بالمقابل على أنّ "التغيير هو أنّنا ما زلنا بحاجة إلى حلّ الدولتين. هذا هو الحلّ الوحيد، الحلّ الوحيد". كما أوقف عجلة التطبيع الصهيوني مع السعودية التي أكدت مؤخرًا على تقييد التطبيع مع "إسرائيل" بمسار يفضي إلى قيام دولة فلسطينية تحت عنوان (حل الدولتين) لثني نتنياهو وفريقه المتعصب عن توجهاته التوسعية.
بينما رد نتنياهو على بايدن بشكل واضح بقوله: يجب أن تكون "الدولة اليهودية الخالصة"، "على الأراضي الفلسطينية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط"، وأن "على الأقلية الفلسطينية المتبقية في هذه الأرض أن تقبل العيش تحت السيادة الإسرائيلية أو الرحيل إلى مكان آخر". وكان قد صرَّح قبل ذلك "لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن. وبوصفي رئيسًا لوزراء إسرائيل، فقد وقفت بثبات إلى جانب هذا الموقف في مواجهة الضغوط الدولية والداخلية الكبيرة. إصراري هو الذي حال دون قيام دولة فلسطينية لسنوات طويلة، والتي كانت ستشكل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل. وطالما أنني رئيسٌ للوزراء، سأواصل التمسك به بحزم". ولم يكتف بذلك بل اتخذت حكومته جملة من الإجراءات التي تترجم هذه الرؤية.
ولذلك فإن الكونفدرالية مع الأردن وإن كانت تشكل حلًا يستوعب المشكلة "الديموغرافية" وإصرار نتنياهو على السيادة الإسرائيلية على الأرض لكنها تصطدم أيضًا بمعضلة لزوم الاعتراف بدولة "فلسطينية اسمًا" لتسويغ الكونفدرالية سياسيًّا وقانونيًّا، من أجل تضليل المسلمين وخداعهم، ومن أجل انتزاع تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم ومن أجل تهدئة مخاوف من يوصفون بالتيار الوطني الأردني القلق من مخطط الوطن البديل، والذي يشكل لملك الأردن تحديًا يهدد توريث الحكم لولده. وهذا علاوة على معضلة المقدسات والسيادة عليها، إذ إن مشروع تدويل المقدسات وإن كان يمكن تمريره على الجانب الفلسطيني لكنه يلقى اعتراضًا شديدًا من قبل الجانب الإسرائيلي. ولهذا نجد أن ما يجري من فرض وقائع على الأرض نحو تكثيف المستوطنات والتضييق على الفلسطينيين وتقزيم السلطة الفلسطينية فوق تقزمها، واستهداف الأونروا واقتحام المسجد الأقصى ومحاولة تغيير وضعه القائم وابتلاع مزيد من الأراضي في الضفة وغزة، إنما يسير وفق الرؤية الصهيونية الداعية إلى (الدولة اليهودية الواحدة) بمقتضى المزاعم التوراتية والمبررات الأمنية.

Abu Taqi
17-10-2024, 02:14 PM
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن فكرة حل الدولتين لم تسقط من قبل مؤسسات صناعة القرار في أميركا كخيار مفضل حتى لدى الرئيس ترمب والتيار الداعم له، فقد صرح الأخير سنة 2018 بأنه يرى أن "حل الدولتين هو الأفضل"، وطرح فريقه مسألة الكونفدرالية مع الأردن، وبحثوا مسائل تفصيلية كتبادل الأراضي في الضفة الغربية وصحراء النقب. لكنه فسر تجول فكرة حل الدولتين في أروقة السياسيين في واشنطن وتل أبيب في مقابلة له مع صحيفة "التايم" في نيسان/إبريل من هذا العام بأنه خاضع للظروف وضغط الواقع ورجال الحكم (صناع القرار) في كلا البلدين، وأنه متروك لما يتفق عليه الطرفان (الإسرائيلي والفلسطيني). وأضاف بأنه الآن "صعب للغاية". وهذا ما يفسر سير الرئيس كلنتون وأوباما وإيهود باراك ورابين وإيهود أولمرت في حل الدولتين، ويفسر كذلك صفقة القرن التي سار بها ترمب وهمشت المسار الفلسطيني لصالح الحل الإقليمي، وقد أوضح أسبابها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في كتابه "Never Give an Inch" " لا تعط بوصة"، حيث قال بأنها لم تكن لتحصل لولا وجود الخطر الإيراني الذي قسم المنطقة إلى معسكرين: معسكر سلام وهي الدول العربية ومعسكر الشر وهما إيران والقاعدة. وترتب على ذلك تجاوز الرؤية التقليدية لمشكلة الشرق الأوسط باعتبار أنها قضية صراع عربي إسرائيلي لتصبح صراعًا بين معسكرين، وهو ما مكّن من دفع قطار التطبيع قبل حل قضية فلسطين. باعتبار أننا لو سرنا على قاعدة "إذا أردت أن تنتظر الخيار الأفضل فإنه لن يأتي." بحسب قوله. وهذا في الحقيقة ترجمة عملية لما نفذه ترمب ولما صرح به في مقابلته مع صحيفة التايم مؤخرًا، وفي إجابته على سؤال حول حل الدولتين أثناء مناظرته مع كمالا هاريس ما إذا كان سيدرج هذا الخيار في خطته قال: "سأرى". وهو ما يعني أن هذا الخيار قائمٌ، وبخاصة وأن جميع أطراف القضية يعلمون أنه فارغ من مضمونه. وأما التصدي لهذا المشروع الاستعماري التضليلي فلا طريق له سوى كشفه وفضح المتواطئين فيه للأمة بلا توقف، ولا هوادة. ومواصلة الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية كخيار أوحد لتحرير فلسطين والمنطقة من النفوذ الاستعماري الغربي بكل أشكاله، ذلك أن أعمال المقاومة غير المتكافئة مع العدو وإن كانت تستمد شرعيتها من وجوب دفع الصيال لكنها تُستغل لتمكين الفكرة الاستعمارية من تجديد نفسها، وتبرير بطشها بقوة غاشمة تبعث اليأس من التحرر في وعي الأمة وتبرر المسار الاستسلامي الذي يقوده العملاء.

Abu Taqi
17-10-2024, 02:16 PM
ثانيًا: الوضع الإيراني والدول الوظيفية
لا بد أن نعرف أولًا وقبل كل شيء أن الدول ثلاثة أصناف من حيث موقفها السياسي الداخلي والخارجي، فإما أن تكون دولة مستقلة وهي الدولة التي تملك زمام أمورها في السياسة الداخلية والخارجية، وتسيرهما وفقًا لمصالحها كالولايات المتحدة وروسيا والصين، ودولة تسير في فلك دولة أجنبية وهي التي تكون مستقلة في سياستها الداخلية ومقيدة بإرادة الدولة الأجنبية في سياستها الخارجية كمعظم الدول الأوروبية، ودولة تابعة وتكون مسلوبة الإرادة في سياستها الخارجية وبعض سياساتها الداخلية كالدول العربية والدول الأفريقية وبعض دول أوروبا الشرقية. وهذا بالإضافة إلى صنف آخر من الدول غير الدول المستقلة والدول التي تسير في فلك دولة أخرى والدول التابعة، وهي تلك التي ترتبط بالدولة الأجنبية بعلاقة تخادم محدود. وهذه الأخيرة رغم استقلالها في الأصل لكنها تقوم بدور وظيفي لصالح الدولة الأجنبية في بعض الملفات لقاء منفعة أو لتقاطع مصالح يجري التفاهم حولها مثل ألمانيا ومثل الهند في الوقت الراهن.
كما لا بد أن نعرف الكيفية التي يسيطر فيها نفوذ الدولة الكبرى على أي بلد آخر، ومن تتبع الوقائع والتدقيق، يتبين أن نفوذ الدولة الكبرى قد يسيطر على البلد نفسه، وقد يسيطر على الحاكم فقط، وقد يسيطر على الاثنين معًا. فهو يسيطر على البلد في حالتين إحداهما أن يجعل الوسائل التي تساعد على إسناد السلطة وهي الجيش والأمن العام والقضاء والبرلمان والإعلام بيده، وذلك كأن يكون المسيطرون على هذه الدوائر أو المتحكمون فيها عملاء له. والثانية أن يجعل اقتصاديات البلاد أو ماليتها بيده ليس بإعطاء القروض فقط بل بجعل التصرف بهذه الأموال خاضعًا للدولة الكافرة إما بشكل مباشر عبر مشرفين من تلك الدولة الكبرى أو بشكل غير مباشر عبر المؤسسات الدولية والمعاهدات السياسية والاقتصادية والعسكرية. ففي هاتين الحالتين تكون البلاد خاضعة لنفوذ الدولة الكبرى وتكون تابعة لها. وأمّا سيطرة نفوذ الدولة الكبرى على الحاكم نفسه فهي أن يكون الحاكم عميلًا لها، ومن خلال تحكم الدولة الكبرى بالحاكم يصبح لها نفوذًا على الدولة كلها، إذ بواسطة هذا الحاكم العميل تستطيع أن تتحكم في سياسة البلاد الداخلية والخارجية وتستطيع أن تنفذ ما تشاء، ما لم تهدد سياساتها ومشاريعها مصير العميل نفسه. وهذا ما يُفسر رفض الحكام العرب العملاء تنفيذ الإصلاحات التي أملتها أميركا على القمة العربية سنة 2004 في تونس، والتي مهدت الطريق لـ"الربيع العربي". وهو الأمر الذي هدد وجود الحكام وحاشيتهم، فتمردوا وحاولوا ثني الولايات المتحدة عن موقفها.
والعميل يمتثل للسياسة العامة المفروضة من الخارج بشأن النظام والمجتمع، وهو ما جرى عليه عرف العمالة والتبعية للدول الكبرى، وبرز واضحًا من خلال الاتفاق بين آل سعود وبريطانيا العظمى، حيث جرى الاتفاق على امتثال آل سعود لبريطانيا في الشؤون الخارجية وترك الشأن الداخلي لهم ضمن خطوط عريضة تحقق مصالح بريطانيا ومصالحهم (قبل أن يتحولوا لتبعية الولايات المتحدة). ومن ثم فإن العمالة والتبعية وعلاقة التخادم ليست عقدًا أبديًّا لا يُخرج العميل عن عمالته والخادم عن خدماته، أو يمنع من تحوله أو استقلاله أو إسقاطه من قِبل الدولة التابع لها، وإنما هو عقد نفعي إذا استوجب ما يفضه فإنه ينفض.
والتحليل السياسي يجري وفق واقع موضوعي يدور حولنا، وليس ما يدور في ذهن الشخص من خواطر تحكمها الميول والإيديولوجيات. ومفتاح الفهم السياسي هو أن يُتوسل التحليل السياسي من التتبع والربط والتدقيق وبحث الوقائع في سياقها وعلى صعيدها الأصلي وعدم تجريدها من ظروفها، بالإضافة إلى الدراية بالأحكام الشرعية لإنزالها على الوقائع ومعالجتها؛ لأن التحليل السياسي وحده لا يجعل المحلل سياسيًّا مفكرًا وراعيًا لشؤون الناس، بل يجعله مُفكرًا سياسيًا ومنظرًا أكاديميًا. وكون التحليل السياسي بحث في وقائع متغيرة فلا بد من استبعاد الأحكام والآراء المسبقة كشرط منهجي، لئلا تتسلط الآراء السابقة على الذهن وتفسد الرأي. فقد تكون الدول تابعة والحكام عملاء والخطط ماضية ثم تتبدل الأحوال بين عشية وضحاها.
وإيران في هذا الوقت دولة مستقلة تقوم علاقتها مع الولايات المتحدة على التخادم، وهي فاقدة للقدرة على الفعل المستقل في كثير من الملفات السياسية في الداخل والخارج لأسباب موضوعية؛ أي لارتهان فعلها (بالقدرة) واختلال موازين القوة لصالح الدول الكبرى والنظام الدولي بالإضافة إلى الاعتبارات الداخلية، حالها في ذلك كحال تركيا في هذا الوقت. فعندما تنفذ إيران إرادة الولايات المتحدة إنما تنفذها بمقتضى المصلحة أو القهر أو لدرء الأخطار، وتنفذها بمنطق التخادم لا بمنطق التبعية، ويتضح ذلك من خلال المصالح المشتركة ومن خلال الضغوط والعقوبات الأميركية الحقيقية، والصراعات الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين والذي يعبر عن صراع إرادة وتوجهات. ويتضح أيضًا من تمسك إيران بمكتسباتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتضارب ذلك مع التوجه الأميركي بعد أن استُهلك مبرر حضورها في المنطقة، ولا سيما مع انطلاق مسار التطبيع والتحالف العربي الإسرائيلي الذي جاء لصالح منافسيها (تركيا وإسرائيل). ويتضح أيضًا من خلال توسيع علاقاتها بروسيا والصين.
وأما عدم ظهور استقلالها في بعض الملفات مع توفر القدرة على الفعل كالتحول إلى نظام الإسلام غير المؤطر بالمذهبية والقومية والوطنية التي تفقده مضمونه ورسالته فيرجع إلى معتقدات النظام ومفاهيم الحكام، أو لاعتبارات براغماتية نفعية، أو عوائق داخلية أو لحساسية وخطورة تلك الملفات، وهذا لا علاقة له في الحكم على الدولة لجهة استقلالها من عدمه.

Abu Taqi
17-10-2024, 02:16 PM
وأما بشأن الفرق بين الدولة التابعة وبين الدولة الوظيفية، فإن كل دولة تابعة هي دولة وظيفية وليس كل دولة وظيفية دولة تابعة بالضرورة. لأن علاقة التخادم هي علاقة وظيفية جزئية ظرفية محددة، ولكن لدى الدولة المستقلة المرتبطة بعلاقة تخادم إرادي مع دولة كبرى مساحة فعل مستقل واسع (أو شامل عند المقدرة) في مجالها الحيوي، وذلك بخلاف الدولة التابعة التي تضطرد سياستها الداخلية الحتمية وسياستها الخارجية مع الدولة الأجنبية، وتقوم علاقتها مع الدولة الأجنبية على الامتثال لا على التخادم الإرادي. ومفهوم الدولة الوظيفية هو مفهوم شائع في الفلسفة السياسية والفضاء الأكاديمي والأبحاث الاجتماعية، وهو امتداد لمفهوم "الجماعات الوظيفية" كالمرتزقة ومؤسسات المجتمع المدني وبعض الأحزاب، كالأحزاب الوطنية في الدول العربية والتنظيمات المسلحة وبعض الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية الرأسمالية، وبعض الحركات السياسية والقومية كالحركة الصهيونية وغيرهم. وبالتالي ثمة فرق بين الدولة التابعة وبين الدولة التي تقوم بدور وظيفي جزئي وظرفي محدود لناحية الاستقلال وهامش الإرادة السياسية. ومن هنا يمكن وصف الدول التابعة بالدول الوظيفية، وأما الدول المستقلة والدول التي تسير في فلك دولة أخرى فليست دولًا وظيفية، وإنما يوصف ما تقوم به في جزئية ما أو في مشروع أو ملف معين بالدور الوظيفي، تمامًا كما توصف علاقة الدولة التي تسير في فلك دولة أخرى بعلاقة ارتباط قهري أو نفعي، وأما الدور الوظيفي الذي تمارسه الدولة المستقلة لحساب دولة أخرى فيندرج في علاقة التخادم الإرادي.
إن المسلمين أمة رسالة، وحمل الدعوة إلى العالم يستوجب الوقوف على أحوال الدول ومعتقداتها ومخططاتها وعلاقاتها لكي يتسنى دفع الأذى عن المسلمين وخوض الصراع لتبليغ الرسالة، وهو ما يجعل الفهم السياسي المنضبط واجبًا على المسلمين، إذ "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
{وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}
14/ربيع الآخر/1446هـ
17/10/2024م