المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا



عبد الواحد جعفر
17-08-2015, 05:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


متابعة سياسية
آخر المستجدات السياسية في ليبيا

وأخيراً قبل المؤتمر الوطني العودة لجلسة المفاوضات في مدينة جنيف بعد رفضه التوقيع على اتفاق الصخيرات الذي تم برعاية الأمم المتحدة في 12 تموز/يوليو 2015. وقد نص هذا الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية واعتبار مجلس النواب المنعقد في طبرق الهيئة التشريعية، مع تشكيل "مجلس أعلى للدولة" بصفة استشارية. وبينما قبل برلمان طبرق اتفاق الصخيرات ووقع عليه، طالب برلمان طرابلس بإدخال تعديلات على نص الوثيقة بسبب تحفظه على مسائل منها منح مجلس النواب المنحل بقرار من المحكمة الدستورية صفة السلطة التشريعية، والإبقاء على أشخاص مثل اللواء خليفة حفتر في المؤسسة العسكرية.
وبمجرد أن أعلن المؤتمر الوطني على موقفه من وثيقة الصخيرات وعلق حضوره في الحوار حتى تعالت الصيحات والتهديدات من أميركا وأوروبا بالويل والثبورعلى المؤتمر الوطني وقوات فجر ليبيا باعتبارها الجسم العسكري القوي الذي يتولي حماية طرابلس ويقاتل معارضيه من الموالين لحفتر ومحمود جبريل وكل بقايا نظام القذافي.
وبينما أكد المؤتمر أن الاتفاق غير ملزم له سياسياً وقانونياً، صرّح ليون بأنه لا رجعة عنه وبخاصة بعد أن أعطى اتفاق الصخيرات أغلب الصلاحيات لمجلس نواب طبرق ومدد ولايته التي كان مقرراً أن تنتهي في20 تشرين أول/أكتوبر المقبل من أجل قطع الطريق على عملية ربح الوقت التي يقوم بها المؤتمر حتى ذلك الموعد. كما أعطى المبعوث الأممي برناردينو ليون جماعة فجر ليبيا فرصة أخيرة للموافقة على المسودة الرابعة للاتفاق، وذهب من أجل ذلك إلى لقاء ممثلي المؤتمر الوطني العام في الجزائر. وبالفعل نتج عن لقاء الجزائر الذي حضر فيه رئيس المؤتمر الوطني نوري بوسمهمين موافقة وفد المؤتمر بالرجوع إلى المباحثات في جنيف.
وقد حاولت أميركا الترويج لوثيقة الصخيرات وكأنها حصيلة حوار حقيقي واتفاق بين طرفي النزاع، والحال أنها مجرد املاءات غربية فرضها المبعوث الأممي على جميع المتحاورين من أجل تمرير المشروع الأميركي في ليببا. فقد ادعت السفيرة الأميركية لدى ليبيا ديبورا جونز أن هذه الوثيقة "ليست كتاباً أخضر ولا وثيقة دولية، بل ليبية كتبها ليبيون وتناقشوا حولها، وفيها خريطة طريق لحكومة توافق، لبناء الدولة". وكشفت السفيرة الأميركية عما تريده أميركا من وراء الحوار بين الخصوم في ليبيا عندما قالت: أن "الديموقراطية ليست هدفاً نهائياً بل مسار، ونعلم من تاريخنا أنها صعبة وعلى الليبيين أن يبنوا بيتاً لهم جميعاً".
لقد تم التوصل لوثيقة الصخيرات تحت الضغط العسكري والتهديد السياسي والمباشر للمتحاورين وبخاصة لجماعة المؤتمر الوطني. وبعد أن رفض وفد المؤتمر الوطني التوقيع هدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري قوات فجر ليبيا بإجراءات عقابية مشددة إذا لم تنخرط في مفاوضات السلام وبخاصة الموافقة على اتفاق السلام الذي تم املاؤه بمدينة الصخيرات وتوقيعه دون تأخير. فقد قال كيري خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة إنه سيسعى للحصول على دعم أكبر لخطة الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا بعدما رفضتها قوات فجر ليبيا. وأكد كيري أنه "لا يمكن السماح لمجموعة جامحة أو اثنتين أو ثلاث لم تحقق كل أهدافها التي كانت تأمل في تحقيقها عبر القتال بأن تحققها من خلال تدمير العملية برمّتها". وأضاف "نحن متفقون على أن نُراجع عدداً من الاحتمالات والخيارات خلال الأيام المقبلة بشأن كيفية الحصول على دعم أكبر لمبادرة الأمم المتحدة الآن".
وبالفعل بدأت أميركا بالتحرك لزيادة الضغط على حكومة طرابلس وقوات فجر ليبيا. فقد سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لفرض عقوبات في الأمم المتحدة على أشخاص في طرابلس يعارضون الاتفاق لكن روسيا والصين عرقلتا الخطوة. وبعد اتفاق الصخيرات في شهر تموز/يوليو، قال مسؤولون غربيون إن الاتحاد الأوروبي يعد عقوبات على عدد من الليبيين المتهمين بعرقلة الاتفاق. وزادت بريطانيا من وتيرة التهديد على لسان سفيرها الجديد في ليبيا بيتر ميليت الذي رد على سؤال ما إذا سيتم توقيع اتفاقية الصخيرات دون المؤتمر الوطني العام، قائلاً: "نعم، إذا دعـت الضرورة إلى ذلك، لكننا نتمنى ونأمل مشاركة كل الأطراف الليبية في التوقيع على اتفاقية الصخيرات حتى تمثل الحكومة القادمة مختلف شرائح وأطياف الشعب الليبي".
ثم تحرك عملاء أميركا في المنطقة من أجل تمرير اتفاق الصخيرات رغم رفض المؤتمر الوطني له. فبعد أيام من لقائه وزير الخارجية الأميركي، أجرى سامح شكري وزير الخارجية المصري، محادثات مع وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية عبد القادر مساهل بالقاهرة تركزت حول ضرورة تطبيق اتفاق الأمم المتحدة في ليبيا. وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، بتاريخ 7/8/2015، أن الطرفين اتفقا على ضرورة تطبيق الاتفاق المقترح من طرف منظمة الأمم المتحدة وأهمية اسراع المفاوضات حول المحاور التي من شأنها مرافقة هذا الاتفاق تحسباً لتشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة لتسيير المرحلة الانتقالية في ليبيا. كما دعا الطرفان في حالة فشل المفاوضات إلى "تحديد المسؤوليات واتخاذ العقوبات ضد أولئك الذين يعرقلون مسار المفاوضات طبقاً لتوصيات الأمم المتحدة".
وعندما اشتد الضغط على المؤتمر الوطني، قامت أحد المحاكم في طرابلس بتاريخ 28/7/2015 باصدار أحكام بإعدام سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات السابق، والبغدادي المحمودي آخر رئيس حكومة قبل انهيار نظام القذافي عام 2011، كما أصدرت ثمانية أحكام بالسجن المؤبد، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي.
وبعد ساعات قليلة فقط من اصدار محكمة طرابلس حكمها على بقايا نظام القذافي أقر مجلس النواب الليبي في طبرق بالأغلبية قانوناً يقضي بالعفو العام، نص في مادته الأولى على "العفو العام والشامل عن كل الليبيين منذ منتصف شباط/فبراير 2011 وحتى تاريخ أمس".وقال طارق الجروشي، عضو المجلس أن القانون اشترط "تقديم تعهد مكتوب من قبل المعفو عنه، يفيد بعدم عودته للإجرام مرة أخرى، وإرجاع المال محل الجريمة، إضافة إلى التصالح مع المجني عليه وولي الدم بالنسبة للقتل".
كل هذه التحركات السياسية والضغوطات الدبلوماسية والتلويح بالعقوبات الأممية وإمكانية الضربات العسكرية نجحت في شق صفوف المؤتمر الوطني بين رافض للإلتحاق بمحادثات جنيف ومصر على اجراء محادثات سياسية داخلية دون تدخل أجنبي وبين قابل للحوار في جنيف "لمناقشة تعديلاته وكيفية إدراجها ضمن بنود وثيقة الاتفاق السياسي، وليس لذهابه علاقة بأمر التوقيع على الوثيقة"، كما صرح بذلك المستشار السياسي لوفد الحوار الممثل للمؤتمر الوطني أشرف الشح.
وبالفعل التحق وفد من المؤتمر الوطني بمحادثات جنيف بنية ادخال تعديلات على وثيقة الصخيرات لكن الوسيط الأممي كرر تأكيده على أن محادثات جنيف سوف تركز على الملحقات والترتيبات الأمنية لتطبيق بنود الاتفاق وتركيبة المجلس الأعلى للدولة وتعيين الوظائف السيادية وبقية تفاصيل تقاسم السلطة التنفيذية والقضائية؛ بل ودعا جميع الأطراف للاتفاق على حكومة وحدة وطنية بنهاية آب/أغسطس، وإجراء انتخابات في أول أسبوع من أيلول/سبتمبر.
وهكذا اختتمت فى جنيف، يوم 12 آب/أغسطس الجاري، جولة "محادثات" سلم فيها المبعوث الدولي برناردينيو ليون جميع الوفود "الملاحق" الخمسة، التي تشتمل على النقاط التي ستعرضها الوفود على الجهات التي تمثلها في ليبيا، على أن تستأنف المفاوضات الأسبوع المقبل بمدينة الصخيرات لمناقشة رأيها فيها وإنجاز الاتفاق النهائي بحلول نهاية آب/أغسطس الحالي.
وبهذا الشكل تم وضع المؤتمر الوطني أمام خيارين إما الإلتحاق بالحوار والقبول بنتائج وثيقة الصخيرات مع ادخال التعديلات في الملاحق، أو البقاء في طرابلس وتحمل العزلة الدولية والضغط الدبلوماسي وربما حتى الضربات العسكرية من طاغية مصر عبد الفتاح السيسي أو طيران خليفة حفتر بحجة "محاربة الإرهاب".
والحقيقة أنه ما كان للمبعوث الأممي أن يتصرف بكل هذه الغطرسة ويفرض وثيقة الصخيرات على الجميع وبخاصة المؤتمر الوطني لولا أنه يلقى الدعم الكامل من الولايات المتحدة التي تسيره في الإتجاه الذي يخدم مصالحها الآنية والإستراتيجة في ليبيا. ويكفي أن نذكر هنا ما صرح به المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا جوناثان وينر الذي قلل من أهمية غياب المؤتمر الوطني العام، وقال لرويترز "ليس هناك سوى أربعة فقط من المندوبين هم الذين لم يوقعوا". وأضاف أن "هذه فرصة بالنسبة لهؤلاء الذين لم يوقعوا بالأحرف الأولى على الاتفاقية أن يشاركوا".

غرة ذي القعدة/1436هـ
16/8/2015م