عادل محمد عايش الأسطل
23-10-2014, 11:44 PM
الجامعة العربية بعد سن الأربعين !!
د. عادل محمد عايش الأسطل
سبعون سنةً تقريباً مضت على تأسيس جامعة الدول العربية، والتي شملت – تدريجياً- أراضي الوطن العربي والذي تبلغ مساحته حوالي 14 مليون كم²، وعدد سكانه- كأمّة واحدة- تزيد على سكان مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وينص ميثاقها في الأساس – وحتى الآن- على التنسيق بين الدول العربية الأعضاء في كافة شؤونها المشتركة، الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، وبشكلٍ أهم، القيام بمعالجة أية مشكلات طارئة قد تنشأ فيما بينها، والتصدي لأيّة مشكلات خارجية -مختلفة- التي قد تقوم بها جهات خارجية، صفاً واحداً ويداً بيد.
لكن الحال لا يبدو كذلك، فبدل أن تسير الجامعة وفق ميثاقها التي واثقت عليه، بداية بتحقيق الدور التكاملي فيما بين أعضائها، ومروراً بخلق برامج سياسية واقتصادية واجتماعية لتنمية مصالحها، وانتهاءً بالدفاع العسكري من خلال اتفاقية الدفاع المشترك عن قضاياها، وبخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، نراها وقد شكّلت تعباً كبيراً بالنسبة لشعوبها، وبدت أكثر تضييعاً لحقوقهم المصيرية والأخلاقية، وبالمقابل أكثر راحة وأمناً للدول الغربية وإسرائيل بوجهٍ خاص.
بغض النظر عن تأييد الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل لكل خطواتها السياسية والاقتصادية والأمنية الأخرى باعتبارها مُزكّيةٍ لها، فقد قامت الجامعة بتزكية نفسها أمام الغير من أنها قامت وتقوم بأدوار سياسية واقتصادية مهمّة، أفادت العالم العربي وفي علاقاته بالعالم الخارجي، ولكننا لم نشعر أن أطرافاُ محايدة قامت بتزكيتها أو الإشادة بها، بل كانت تقلل من مساعيها وتعتبرها بلا فائدة، وفي جُل الأحيان تُوصف بأنها لا تمثّل إلاّ عبئاً مادياً ووسيلة يمتطيها الغرب لبلوغ مآربه ضد الشعوب العربية ومقدراتها وثوابتها العروبية، حتى بات غيابها أفضل من حضورها، في شأن قضايا مصيريّة، حيث كانت تقف منها موقف المتفرج وخاصة في الأزمات الخارجية الثقيلة التي طافت بالعالم العربي في غياهب المجهول، واقتصر دورها كما المعتاد بترديد مواقف الغرب وبإطلاق البيانات الجوفاء، واتخاذ مواقف سياسية متذبذبة وفضفاضة بالنسبة إلى إسرائيل، كانت تفوق أضرارها منافعها، ومن جانبٍ آخر تقوم بتعليق آمالها على قوىً أجنبية غربيّة في أن تحتل مكانها وتأخذ دورها في حل مشكلاتها، أو تقوم بمباركة العدوانات الغربية والإسرائيلية وتُسهم فيها باسمها سِرّاً وجهراً بحججٍ وذرائع واهية.
أصبحت الجامعة العربية أول التكتلات الإقليمية التي فشلت في تحقيق الأهداف التي أُنشأت من أجلها، وبرغم أنها كانت وخاصةٍ في الفترة الأخيرة محلاَ للإهانات والتوبيخ من جهات سياسية ودول مختلفة، إلاّ أنها بقيت صامدة بوجهها رغماً عنها، وعلى عيونها، تهدّ وتدمّر وتشجب وتستنكر، وتتصرف كما لا ينبغي بأن تفعل ذلك بعد عقود طويلة منذ ولادتها وإلى الآن، ففي الوقت تُهدم فيه الدول العربية واحدة تلو الأخرى، ويُقتل فيها مئات الآلاف، ما زال شخصها ينحصر في مماهاتها للسياسات الغربية باتجاه المسائل والقضايا العربية.
لسنوات عديدة بدت الجامعة وكأنها قطعت الحيض والبيض، وبأن لا علاقة لها بأي شيء، (سياسة واقتصاد وأمن)، ولا تؤثر على أيّة أوضاع ولا تهدف سوى إلى الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء فيها، بعد أن شاهدنا وتشبّعنا بمواقف ضعيفة ومتراجعة حول القضايا العربية بعامّة، على سبيل المثال، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، وحربي الخليج الأولى والثانية 1980، 1991، وغزو العراق 2003، وأحداث الربيع العربي، وعلى رأسها أزمات سوريا، ليبيا، اليمن، على التوالي وغيرها، ورأينا ما هي قيمة المبادرة العربية التي أسستها الجامعة منذ العام 2002، التي تبيع من خلالها بثمنٍ بخس، كل اللاءات العربية العتيقة، وبالمقابل لم تنجح في إمالة إسرائيل درجة واحدة، التي اعتبرتها بأنها تمثّل لا شيء بالنسبة إلى متطلبات السلام، وما زالت الجامعة تداوم على نشرها أمامها وإلى الآن.
إن استقرار رأي منتقديها والمقللين من شأنها كان سائغاً، لأنها معدومة الأعمال والنتائج أيضاً، بل واعتُبرت منافقة ومُعادية أكثر للقضايا العربية، وخاصةً حين تتخلّى طواعيةً عن دورها المنوط بها، بحجة أو بأخرى وتقوم بالطلب إلى جهات غربيّة معادية للأمة بتسوية قضية ما، والسماح لها باستعمال قوّتها في تنفيذ أهدافها التي تراها مناسبة.
موظفو الجامعة ينفقون زمناً كثيراً جداً على إبراز استنكارات وتنديدات بشأن الاحتلال الإسرائيلي وبشأن ممارساته اليومية ضد الفلسطينيين، وسواء في الأمور المتعلقة بإنشاء المستوطنات أو بتهويد القدس أو بالسياسات السياسية اليومية المُشاهدة، وممارسات أخرى تتعلق بشأن العملية السياسية، أكثر مما ينفقون على مواقف من شأنها أن تكون جادّة وعمليّة، يشعر بها المتأمّل العربي منذ لحظة سماعها.
اليوم، وبعد كل هذه المدة الطويلة، طلع علينا الأمين العام للجامعة "نبيل العربي" ليقول صراحةً، بأن ميثاق الجامعة أصبح قاصراً ويجب إعادة النظر به وتعديله، وظننا أن معجزة قد حصلت –على يديه- بشأن صحوة الجامعة من غفلتها، بعد أن صارت إليه الأمور من الضعف والتفكك وخراب الأمة، لكن الذي فهمناه بأن كان مقصده من التبديل، هو بما يتواءم ومواجهة ظاهرة الإرهاب، على أنه بات مطلوباً منها أن تكيّف نفسها تبعاً لسياسة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في شأن مواجهتها، وخاصة فيما يتعلق بالقضاء على تنظيم الدولة، الذي قام مؤخراً بإعلان الخلافة في بلاد الرافدين والشام، ولهذا فإن اعتقادنا بات في تزايد منذ الآن فصاعداً، في أن تكون مواقف الجامعة في هذا الصدد غير محسوبة وفي غير موضعها - مُراهقة ما بعد سن الأربعين-، وكان ينبغي قبل المجاهرة بهذا التوجّه، أن نأمل بأن تكون قد استيقظت من سُباتها لتقرأ ميثاقها من جديد، بسبب أنه لا يحتاج إلى مثل هذا التعديل، سيما وأن الغرب هو الذي يخلق الإرهاب وهو الذي يُريد إغماسها في مواجهته لأطول مدّة من الزمن.
خانيونس/فلسطين
23/10/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
سبعون سنةً تقريباً مضت على تأسيس جامعة الدول العربية، والتي شملت – تدريجياً- أراضي الوطن العربي والذي تبلغ مساحته حوالي 14 مليون كم²، وعدد سكانه- كأمّة واحدة- تزيد على سكان مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وينص ميثاقها في الأساس – وحتى الآن- على التنسيق بين الدول العربية الأعضاء في كافة شؤونها المشتركة، الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، وبشكلٍ أهم، القيام بمعالجة أية مشكلات طارئة قد تنشأ فيما بينها، والتصدي لأيّة مشكلات خارجية -مختلفة- التي قد تقوم بها جهات خارجية، صفاً واحداً ويداً بيد.
لكن الحال لا يبدو كذلك، فبدل أن تسير الجامعة وفق ميثاقها التي واثقت عليه، بداية بتحقيق الدور التكاملي فيما بين أعضائها، ومروراً بخلق برامج سياسية واقتصادية واجتماعية لتنمية مصالحها، وانتهاءً بالدفاع العسكري من خلال اتفاقية الدفاع المشترك عن قضاياها، وبخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، نراها وقد شكّلت تعباً كبيراً بالنسبة لشعوبها، وبدت أكثر تضييعاً لحقوقهم المصيرية والأخلاقية، وبالمقابل أكثر راحة وأمناً للدول الغربية وإسرائيل بوجهٍ خاص.
بغض النظر عن تأييد الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل لكل خطواتها السياسية والاقتصادية والأمنية الأخرى باعتبارها مُزكّيةٍ لها، فقد قامت الجامعة بتزكية نفسها أمام الغير من أنها قامت وتقوم بأدوار سياسية واقتصادية مهمّة، أفادت العالم العربي وفي علاقاته بالعالم الخارجي، ولكننا لم نشعر أن أطرافاُ محايدة قامت بتزكيتها أو الإشادة بها، بل كانت تقلل من مساعيها وتعتبرها بلا فائدة، وفي جُل الأحيان تُوصف بأنها لا تمثّل إلاّ عبئاً مادياً ووسيلة يمتطيها الغرب لبلوغ مآربه ضد الشعوب العربية ومقدراتها وثوابتها العروبية، حتى بات غيابها أفضل من حضورها، في شأن قضايا مصيريّة، حيث كانت تقف منها موقف المتفرج وخاصة في الأزمات الخارجية الثقيلة التي طافت بالعالم العربي في غياهب المجهول، واقتصر دورها كما المعتاد بترديد مواقف الغرب وبإطلاق البيانات الجوفاء، واتخاذ مواقف سياسية متذبذبة وفضفاضة بالنسبة إلى إسرائيل، كانت تفوق أضرارها منافعها، ومن جانبٍ آخر تقوم بتعليق آمالها على قوىً أجنبية غربيّة في أن تحتل مكانها وتأخذ دورها في حل مشكلاتها، أو تقوم بمباركة العدوانات الغربية والإسرائيلية وتُسهم فيها باسمها سِرّاً وجهراً بحججٍ وذرائع واهية.
أصبحت الجامعة العربية أول التكتلات الإقليمية التي فشلت في تحقيق الأهداف التي أُنشأت من أجلها، وبرغم أنها كانت وخاصةٍ في الفترة الأخيرة محلاَ للإهانات والتوبيخ من جهات سياسية ودول مختلفة، إلاّ أنها بقيت صامدة بوجهها رغماً عنها، وعلى عيونها، تهدّ وتدمّر وتشجب وتستنكر، وتتصرف كما لا ينبغي بأن تفعل ذلك بعد عقود طويلة منذ ولادتها وإلى الآن، ففي الوقت تُهدم فيه الدول العربية واحدة تلو الأخرى، ويُقتل فيها مئات الآلاف، ما زال شخصها ينحصر في مماهاتها للسياسات الغربية باتجاه المسائل والقضايا العربية.
لسنوات عديدة بدت الجامعة وكأنها قطعت الحيض والبيض، وبأن لا علاقة لها بأي شيء، (سياسة واقتصاد وأمن)، ولا تؤثر على أيّة أوضاع ولا تهدف سوى إلى الحفاظ على سيادة الدول الأعضاء فيها، بعد أن شاهدنا وتشبّعنا بمواقف ضعيفة ومتراجعة حول القضايا العربية بعامّة، على سبيل المثال، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، وحربي الخليج الأولى والثانية 1980، 1991، وغزو العراق 2003، وأحداث الربيع العربي، وعلى رأسها أزمات سوريا، ليبيا، اليمن، على التوالي وغيرها، ورأينا ما هي قيمة المبادرة العربية التي أسستها الجامعة منذ العام 2002، التي تبيع من خلالها بثمنٍ بخس، كل اللاءات العربية العتيقة، وبالمقابل لم تنجح في إمالة إسرائيل درجة واحدة، التي اعتبرتها بأنها تمثّل لا شيء بالنسبة إلى متطلبات السلام، وما زالت الجامعة تداوم على نشرها أمامها وإلى الآن.
إن استقرار رأي منتقديها والمقللين من شأنها كان سائغاً، لأنها معدومة الأعمال والنتائج أيضاً، بل واعتُبرت منافقة ومُعادية أكثر للقضايا العربية، وخاصةً حين تتخلّى طواعيةً عن دورها المنوط بها، بحجة أو بأخرى وتقوم بالطلب إلى جهات غربيّة معادية للأمة بتسوية قضية ما، والسماح لها باستعمال قوّتها في تنفيذ أهدافها التي تراها مناسبة.
موظفو الجامعة ينفقون زمناً كثيراً جداً على إبراز استنكارات وتنديدات بشأن الاحتلال الإسرائيلي وبشأن ممارساته اليومية ضد الفلسطينيين، وسواء في الأمور المتعلقة بإنشاء المستوطنات أو بتهويد القدس أو بالسياسات السياسية اليومية المُشاهدة، وممارسات أخرى تتعلق بشأن العملية السياسية، أكثر مما ينفقون على مواقف من شأنها أن تكون جادّة وعمليّة، يشعر بها المتأمّل العربي منذ لحظة سماعها.
اليوم، وبعد كل هذه المدة الطويلة، طلع علينا الأمين العام للجامعة "نبيل العربي" ليقول صراحةً، بأن ميثاق الجامعة أصبح قاصراً ويجب إعادة النظر به وتعديله، وظننا أن معجزة قد حصلت –على يديه- بشأن صحوة الجامعة من غفلتها، بعد أن صارت إليه الأمور من الضعف والتفكك وخراب الأمة، لكن الذي فهمناه بأن كان مقصده من التبديل، هو بما يتواءم ومواجهة ظاهرة الإرهاب، على أنه بات مطلوباً منها أن تكيّف نفسها تبعاً لسياسة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في شأن مواجهتها، وخاصة فيما يتعلق بالقضاء على تنظيم الدولة، الذي قام مؤخراً بإعلان الخلافة في بلاد الرافدين والشام، ولهذا فإن اعتقادنا بات في تزايد منذ الآن فصاعداً، في أن تكون مواقف الجامعة في هذا الصدد غير محسوبة وفي غير موضعها - مُراهقة ما بعد سن الأربعين-، وكان ينبغي قبل المجاهرة بهذا التوجّه، أن نأمل بأن تكون قد استيقظت من سُباتها لتقرأ ميثاقها من جديد، بسبب أنه لا يحتاج إلى مثل هذا التعديل، سيما وأن الغرب هو الذي يخلق الإرهاب وهو الذي يُريد إغماسها في مواجهته لأطول مدّة من الزمن.
خانيونس/فلسطين
23/10/2014