عادل محمد عايش الأسطل
20-07-2014, 02:47 AM
حماس في حومة الوغى، بدون معتصم واحد !
د. عادل محمد عايش الأسطل
كان منتظراً أن يتبرّأ أكثر الحكام والقادة العرب من حادثة اختطاف ومقتل المستوطنين الثلاثة خلال أيام حزيران الماضي، ليس بسبب أنها لا إنسانية ولا أخلاقية ولا دينية، بل بسبب حساباتهم السياسية والشخصية أمام إسرائيل وقادتها بشكل خاص، كما كان متوقعاً أن لا يذكروا ولو جزءاً واحداً ممّا يعانيه أكثر من 5000، أسيرٍ فلسطيني يقبعون بلا قيمة ولا إنسانية ولا قانونية، داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وتماماً كما كان متوقعاً أيضاً، بأن لا يُقدموا على اتخاذ أي إجراء أو أيّ توجّه باللوم ضد إسرائيل كحدٍ أدنى، عندما نكثت بما تعهدت به حتى أمام الولايات المتحدة من إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى (ما قبل أوسلو)، حسب الاتفاق الخاص باستئناف المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي. كما لم نشعر بأيّة وقفة جادّة من شأنها وقف الهجمة العدوانية الصهيونية ضد الضفّة الغربية سكاناً وممتلكات ومقدسات، أو حتى الحد منها، والممتدة بوتيرة تصاعدية إلى هذه الساعة.
وبالانتقال إلى قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن سبع سنوات والقابع الآن تحت النار الإسرائيلية، فإننا نرى حالاً، أكثر سوءاً وأمرّ مرارةً مما هو في الضفة، فهم لا يُطبقون الصمت أو لا يبالون بالعدوان الإسرائيلي ضده وكفى، بل حمّل بعضهم مسؤولية العدوان إلى المقاومة العاملة وحركة حماس تحديداً، كونها – بحسب اعتقادهم- هي التي فسخت عقد الهدنة مع الإسرائيليين بخطف المستوطنين الثلاثة وكانت سبباً في قتلهم.
صحيح أننا لا نستطيع أن نتخيّل ولا أحد من العالمين أيضاً، رؤية حكّامنا العرب يقفون موحدين تجاه أنفسهم ومصائرهم على الأقل، وصحيح كذلك وبدرجةٍ أعلى من أننا لا يُمكننا التوقّع وخاصةً في غمرة العدوان الصهيوني الكبير، بأنهم يقفون إلى جانب المقاومة وهي في طريقها لمواجهة العدوان ولضرب إسرائيل باعتبارها فرصة لتجديد الآمال في العيش بدينٍ وعزّةٍ وكرامة.
بدت متضائلة مواقف العرب كلما مرّ الوقت، ليس بسبب يأسهم من القضية الفلسطينية، ولكن لانجذابهم بجموح نحو إسرائيل، فبعد أن سادت عند أيّة مناسبة أو حادثة أو عدوان، عبارات الإدانة وتحميل الاحتلال المسؤولية، انخفضت تباعاً إلى الشجب والاستنكار، فاللوم والعتاب وما هو أقل، وهكذا.
كنا قد تعوّدنا على تلك المواقف وبتنا على التأقلم معها، لكن ما لم نتعود عليه، ولم نستطع إلى الآن تجرعه، هو أن يصدر من بعضهم مواقف، من شأنها أن تمس العمل المقاوم ضد المحتل الإسرائيلي، والذي تتبناه حركات المقاومة وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، كالسعي في إفشاله أو الحط من قدره. والأصعب أنه لا يمكننا استيعاب أن يكون صحيحاً وقوفهم جهراً وخفية جنباً إلى جانب الإسرائيليين، قولاً وعملاً، سيما وأننا نرى بعضهم ينهضون بجهدهم ضد المقاومة، ويأخذون على عاتقهم الانخراط في عدائهم لها، ويسعون جهدهم في محاربتها من أجل الإطاحة بها ومحوها من الوجود. وكما دلّت المؤشرات السياسية منذ الأزل على أنه لا آمال تُذكر في شأن إمكانية حصول تعديلات على مواقف أولئك الحكّام (منفردين)، فإن تطورات الحرب دلّت وبوضوحٍ أكبر على أنه لا وجود للجامعة العربية أيضاً، باعتبارها تمثّل سياساتهم ومواقفهم (مجتمعين) وكأنها حُلّت بغير علم، ومن دون تسجيل ذلك الحل في الصحائف الرسمية.
فها هي انقضت عشرة أيام بلياليها على العدوان الصهيوني، تخللتها الدماء والأشلاء والغياب والفقدان والهدم والتدمير، ولم نرَ في مقابلها أي شيء نسعف به صدورناً ويبعث لدينا العزاء وجبر الخواطر، بل وفي كل دقيقة تمر تتكشف بوضوح نوايا صادمة ضد المقاومة ومن يمثلها، وبالحتم نخجل من ذكرها، والتي عملت على جلب المزيد من الجرأة لـحكومة "بنيامين نتانياهو" باتجاه التصعيد أكثر ضد القطاع، وضاعفت من التشجيع لدى جيشها كذلك، باتجاه استعمال وحشيةً أكبر وأشرس ضد الفلسطينيين ككل، سيما وأن مسارعة الحكومة الإسرائيلية إلى قبولها للمبادرة المصرية بعد ترحيب العديد من حكامنا العرب بها والثناء عليها، على حساب المقاومة التي رفضتها، باعتبارها مصادقة بمحض إرادتهم، لما ستقوم به من تصعيد، ودفعة مهمّة تمكّن من التهديد بأن لا حد يلوم إسرائيل بما ستفعله من جرائم باعتبارها شرعيّة ضد القطاع، وكانوا قد سمعوا ذلك بآذانهم من لسان "نتانياهو" نفسه، ولم يخرج أحدهم ليوقفه، أو يحِد من غطرسته، ربما احتراماً له، وربما مخافةً منه.
هذا الوضع العربي المتردي، باتجاه المقاومة والفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، لم يكن بسبب حركة حماس لأنها مكروهة أو أنها لا تُطاق، كونها حركة إسلامية جامدة وليس من السهولة التعامل معها، أو قبولها في النسيج العربي، أو لأنها حركة (إرهابية) كما في التصنيف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وتعمل على عرقلة علاقاتها مع الدول المتحضرة، علاوة على أنها ذات أيديولوجيا عدوانية لا تؤمن بالسلام ولا بالذي ارتضته العرب بالنسبة إلى الاعتراف بإسرائيل، والقبول بها كدولة على أرض فلسطين التاريخية، بل كان الوضع ذاته وعلى نفس الوتيرة أيضاً، بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، على الرغم من أنها مختلفة تماماً عن حركة حماس تحديداً، كونها معترف بها، وتتبع الخيار السلمي، وتتمتع بعلاقات جيّدة ومنتظمة مع دولٍ كبرى وفاعلة، عندما أحجموا عن الإقدام عن فعل أي شيء باتجاهها وفي مناسبات عِدّة، وقد رأينا تخاذلاً واضحاً، حينما أقدمت إسرائيل على محاصرة الرئيس الراحل "أبوعمار" في رام الله، وقامت بتهديم مكتبه عليه داخل المقاطعة حجراً تلو الحجر، ولم يشفع له إلاّ المرض ليُطلق سراحه إلى (بارسيه) ليموت هناك كمداً أكثر مما كان سُمّاً.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تصاغرت مواقفهم إلى الدرجات الدنيا بالنسبة إلى مشروعات حل القضية الفلسطينية، وصلت إلى القبول بما تطرحه إسرائيل والدعم باتجاهه، وقد توضح في إقدامهم على تعديل المبادرة العربية تبعاً للرؤية الإسرائيلية، ومتوائماً مع تطلعاتها، وبما يُمهّد الطريق أمام نسج علاقات جيّدة ومتميزة معها، تصل إلى إقامة صناديق اقتصادية مشتركة وتكوين أحلاف عسكرية أيضاً.
خانيونس/فلسطين
16/7/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
كان منتظراً أن يتبرّأ أكثر الحكام والقادة العرب من حادثة اختطاف ومقتل المستوطنين الثلاثة خلال أيام حزيران الماضي، ليس بسبب أنها لا إنسانية ولا أخلاقية ولا دينية، بل بسبب حساباتهم السياسية والشخصية أمام إسرائيل وقادتها بشكل خاص، كما كان متوقعاً أن لا يذكروا ولو جزءاً واحداً ممّا يعانيه أكثر من 5000، أسيرٍ فلسطيني يقبعون بلا قيمة ولا إنسانية ولا قانونية، داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وتماماً كما كان متوقعاً أيضاً، بأن لا يُقدموا على اتخاذ أي إجراء أو أيّ توجّه باللوم ضد إسرائيل كحدٍ أدنى، عندما نكثت بما تعهدت به حتى أمام الولايات المتحدة من إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى (ما قبل أوسلو)، حسب الاتفاق الخاص باستئناف المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي. كما لم نشعر بأيّة وقفة جادّة من شأنها وقف الهجمة العدوانية الصهيونية ضد الضفّة الغربية سكاناً وممتلكات ومقدسات، أو حتى الحد منها، والممتدة بوتيرة تصاعدية إلى هذه الساعة.
وبالانتقال إلى قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن سبع سنوات والقابع الآن تحت النار الإسرائيلية، فإننا نرى حالاً، أكثر سوءاً وأمرّ مرارةً مما هو في الضفة، فهم لا يُطبقون الصمت أو لا يبالون بالعدوان الإسرائيلي ضده وكفى، بل حمّل بعضهم مسؤولية العدوان إلى المقاومة العاملة وحركة حماس تحديداً، كونها – بحسب اعتقادهم- هي التي فسخت عقد الهدنة مع الإسرائيليين بخطف المستوطنين الثلاثة وكانت سبباً في قتلهم.
صحيح أننا لا نستطيع أن نتخيّل ولا أحد من العالمين أيضاً، رؤية حكّامنا العرب يقفون موحدين تجاه أنفسهم ومصائرهم على الأقل، وصحيح كذلك وبدرجةٍ أعلى من أننا لا يُمكننا التوقّع وخاصةً في غمرة العدوان الصهيوني الكبير، بأنهم يقفون إلى جانب المقاومة وهي في طريقها لمواجهة العدوان ولضرب إسرائيل باعتبارها فرصة لتجديد الآمال في العيش بدينٍ وعزّةٍ وكرامة.
بدت متضائلة مواقف العرب كلما مرّ الوقت، ليس بسبب يأسهم من القضية الفلسطينية، ولكن لانجذابهم بجموح نحو إسرائيل، فبعد أن سادت عند أيّة مناسبة أو حادثة أو عدوان، عبارات الإدانة وتحميل الاحتلال المسؤولية، انخفضت تباعاً إلى الشجب والاستنكار، فاللوم والعتاب وما هو أقل، وهكذا.
كنا قد تعوّدنا على تلك المواقف وبتنا على التأقلم معها، لكن ما لم نتعود عليه، ولم نستطع إلى الآن تجرعه، هو أن يصدر من بعضهم مواقف، من شأنها أن تمس العمل المقاوم ضد المحتل الإسرائيلي، والذي تتبناه حركات المقاومة وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، كالسعي في إفشاله أو الحط من قدره. والأصعب أنه لا يمكننا استيعاب أن يكون صحيحاً وقوفهم جهراً وخفية جنباً إلى جانب الإسرائيليين، قولاً وعملاً، سيما وأننا نرى بعضهم ينهضون بجهدهم ضد المقاومة، ويأخذون على عاتقهم الانخراط في عدائهم لها، ويسعون جهدهم في محاربتها من أجل الإطاحة بها ومحوها من الوجود. وكما دلّت المؤشرات السياسية منذ الأزل على أنه لا آمال تُذكر في شأن إمكانية حصول تعديلات على مواقف أولئك الحكّام (منفردين)، فإن تطورات الحرب دلّت وبوضوحٍ أكبر على أنه لا وجود للجامعة العربية أيضاً، باعتبارها تمثّل سياساتهم ومواقفهم (مجتمعين) وكأنها حُلّت بغير علم، ومن دون تسجيل ذلك الحل في الصحائف الرسمية.
فها هي انقضت عشرة أيام بلياليها على العدوان الصهيوني، تخللتها الدماء والأشلاء والغياب والفقدان والهدم والتدمير، ولم نرَ في مقابلها أي شيء نسعف به صدورناً ويبعث لدينا العزاء وجبر الخواطر، بل وفي كل دقيقة تمر تتكشف بوضوح نوايا صادمة ضد المقاومة ومن يمثلها، وبالحتم نخجل من ذكرها، والتي عملت على جلب المزيد من الجرأة لـحكومة "بنيامين نتانياهو" باتجاه التصعيد أكثر ضد القطاع، وضاعفت من التشجيع لدى جيشها كذلك، باتجاه استعمال وحشيةً أكبر وأشرس ضد الفلسطينيين ككل، سيما وأن مسارعة الحكومة الإسرائيلية إلى قبولها للمبادرة المصرية بعد ترحيب العديد من حكامنا العرب بها والثناء عليها، على حساب المقاومة التي رفضتها، باعتبارها مصادقة بمحض إرادتهم، لما ستقوم به من تصعيد، ودفعة مهمّة تمكّن من التهديد بأن لا حد يلوم إسرائيل بما ستفعله من جرائم باعتبارها شرعيّة ضد القطاع، وكانوا قد سمعوا ذلك بآذانهم من لسان "نتانياهو" نفسه، ولم يخرج أحدهم ليوقفه، أو يحِد من غطرسته، ربما احتراماً له، وربما مخافةً منه.
هذا الوضع العربي المتردي، باتجاه المقاومة والفلسطينيين والقضية الفلسطينية بشكلٍ عام، لم يكن بسبب حركة حماس لأنها مكروهة أو أنها لا تُطاق، كونها حركة إسلامية جامدة وليس من السهولة التعامل معها، أو قبولها في النسيج العربي، أو لأنها حركة (إرهابية) كما في التصنيف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وتعمل على عرقلة علاقاتها مع الدول المتحضرة، علاوة على أنها ذات أيديولوجيا عدوانية لا تؤمن بالسلام ولا بالذي ارتضته العرب بالنسبة إلى الاعتراف بإسرائيل، والقبول بها كدولة على أرض فلسطين التاريخية، بل كان الوضع ذاته وعلى نفس الوتيرة أيضاً، بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، على الرغم من أنها مختلفة تماماً عن حركة حماس تحديداً، كونها معترف بها، وتتبع الخيار السلمي، وتتمتع بعلاقات جيّدة ومنتظمة مع دولٍ كبرى وفاعلة، عندما أحجموا عن الإقدام عن فعل أي شيء باتجاهها وفي مناسبات عِدّة، وقد رأينا تخاذلاً واضحاً، حينما أقدمت إسرائيل على محاصرة الرئيس الراحل "أبوعمار" في رام الله، وقامت بتهديم مكتبه عليه داخل المقاطعة حجراً تلو الحجر، ولم يشفع له إلاّ المرض ليُطلق سراحه إلى (بارسيه) ليموت هناك كمداً أكثر مما كان سُمّاً.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تصاغرت مواقفهم إلى الدرجات الدنيا بالنسبة إلى مشروعات حل القضية الفلسطينية، وصلت إلى القبول بما تطرحه إسرائيل والدعم باتجاهه، وقد توضح في إقدامهم على تعديل المبادرة العربية تبعاً للرؤية الإسرائيلية، ومتوائماً مع تطلعاتها، وبما يُمهّد الطريق أمام نسج علاقات جيّدة ومتميزة معها، تصل إلى إقامة صناديق اقتصادية مشتركة وتكوين أحلاف عسكرية أيضاً.
خانيونس/فلسطين
16/7/2014