مشاهدة النسخة كاملة : هذا الكتيب ملحق بمجلة صوت الأمة الفكرية
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:16 PM
الصراع السياسي في ليبيا
أطرافه... ومن يقف وراءه
هذا الكتيب ملحق بمجلة صوت الأمة الفكرية
2014
بسم الله الرحمن الرحيم
الصراع السياسي في ليبيا
أطرافه... ومن يقف وراءه
المقدمة:
فتحت ليبيا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتمسك أهلها بدينهم، وقاتلوا كل من حاول من الكفار غزوها، فقاتلوا الإسبان قتالاً بطولياً واقضوا مضاجعهم حتى بعد سقوط طرابلس في أيديهم، وقاتلوا فرسان المسيح، وفي القرن الماضي قاتلوا الإيطاليين قتالاً برز فيه حبهم للجهاد في سبيل الله تعالى واستبسالهم في دفع الكفار عن بلاد الإسلام.
لكن ليبيا تتعرض حالياً لغزو جديد بعد الإطاحة بالقذافي الذي عانى منه أهل ليبيا معاناة شديدة نظراً لهوسه بالسلطة وسفاهته وخيانته وقمعه ومحاربته للإسلام من غير هوادة. وغزو ليبيا الجديد هو جزء من حملة أميركية وغربية شعواء أول ما تتقصد دين الأمة، حيث معركة العقول والقلوب التي تحارب من خلالها أميركا ودول الكفر مفاهيم الإسلام عن الحياة، وتعمل بكل طاقتها وبمختلف الوسائل والأساليب من أجل دفع الناس إلى اعتناق مفاهيم الغرب باتخاذ الدولة المدنية مطلباً، والديمقراطية شعاراً، بعد تشويه صورة الحكم بالإسلام قبل الحكم به، واعتبار المطالبة بحكم الإسلام مفرِّقاً للأمة، وإن فصل الدين عن الحياة ضرورة لبقاء وحدة المجتمع الذي لن يجمعه إلا "الدولة المدنية" التي ترفع شعار الديمقراطية؟؟!!
بل إن أميركا رأس الكفر والتي تسعى إلى تنفيذ مخططها للشرق الأوسط الكبير تصنع على عين بصيرة تركيز فرقة الأمة بزيادة تمزيقها على أسس مذهبية وعرقية ومناطقية، وكما ترفع الديمقراطية شعاراً حببته إلى الناس، تروِّج للفدرالية التي تؤسس بها لكيانات مستقلة مستقبلاً، وما يجري قي ليبيا أرض الإسلام أصدق مثال على ما تقترفه الأيدي الآثمة من الكفار المستعمرين الأميركان وأدواتهم وأذنابهم.
تمهيد
فاز السيد أحمد المعيتيق رجل الأعمال المصراتي ونجل المليونير الليبي عمر معيتيق بمنصب رئيس الوزراء في ليبيا يوم الخامس من مايو/أيار، وصادق المجلس الوطني الليبي على فوزه، وتم تكليفه بتشكيل الحكومة خلال خمسة عشر يوماً. وحظي السيد أحمد المعيتيق بـ121صوتاً، متجاوزاً الحد الأدنى بصوت واحد فقط. وكان واضحاً دعم رئيس المجلس الوطني نوري بو سهمين للسيد المعيتيق مما مكن هذا الأخير من تحقيق الفوز ليغدو رئيس الحكومة الليبية الجديد.
وقد أكد معيتيق أنه يريد تشكيل حكومة أزمة تقوم على أربع ركائز هي تحسين سيطرة الدولة وسيادتها وإعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية وبدء مصالحة وطنية وإيجاد حلول عاجلة للعدالة الانتقالية والمظالم. وبالإضافة إلى ذلك ذكر أن حكومته تريد تطبيق اللامركزية بالبلاد ومنح المزيد من السلطات للمجتمعات المحلية لبدء مشاريع التنمية وتوفير فرص العمل.
وكان المؤتمر الوطني الليبي قد صوَّت لإيجاد خلف للسيد عبد الله الثني الذي استقال من منصبه الذي خلف فيه رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان بعد أن صوت المؤتمر الوطني العام في 11/3/2014 على حجب الثقة عنه ومن ثم إقالته بسبب فشل حكومته في تحقيق الأمن في البلاد وتحديداً في الشرق. وقد كانت حادثة ناقلة البترول الكورية الشمالية هي القشة التي قصمت ظهر علي زيدان بعد أن فشل الجيش الليبي في منع ناقلة البترول الكورية الشمالية من تحميل البترول بطريقة غير شرعية من شرق ليبيا بل ونجاح الناقلة في الهروب إلى المياه الدولية لولا تدخل القوات البحرية الأميركية التي استطاعت السيطرة عليها قبالة السواحل القبرصية.
ويندرج فوز رئيس الحكومة الجديد في إطار الصراع السياسي المحموم على السلطة بين تيار الإخوان المسلمين وحلفائهم في المؤتمر الوطني بزعامة رئيسه نوري بوسهمين، وبين تيار تحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل.
لقد نجحت أميركا من خلال الصراع الدائر في تثبيت ضعف الحكومة سواء في إدارة شؤون البلاد أو في توفير الأمن والخدمات للناس أو في بناء المؤسسة العسكرية والشرطية. ويبدو جلياً أن غاية أميركا من وراء إضعاف دور الحكومة المركزية في طرابلس وتغييب وجودها في الشرق والجنوب، وفوق ذلك إذكاء الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، هو تحقيق أمرين لطالما سعت إليهما منذ إعلان حلف الناتو الحرب على معمر القذافي ومساعدتها الثوار الإطاحة به. وهذان الهدفان هما:
أولاً: إيجاد رأي عام يساعد على تحقيق مشروع الفدرالية السياسية عبر تقسيم ليبيا إلى أقاليم.
ثانياً: تشريع التواجد العسكري الغربي على الأراضي الليبية تحت مسمى التعاون الأمني لمحاربة الإرهاب ومكافحة تهريب السلاح.
ولفهم المشهد السياسي الحالي في ليبيا على حقيقته لا بد لنا من التعرف على نبذة من تاريخ ليبيا السياسي الحديث وعلى دور القذافي في خدمة المصالح الأميركية، ثم إدراك طبيعة الصراع الدائر بين الخصوم السياسيين حالياً، وأخيراً معرفة الأهداف الإستراتيجية التي تريد أميركا إنجازها في ليبيا.
أولاً: تاريخ ليبيا السياسي الحديث:
بعد الحرب الإيطالية العثمانية ما بين 29 أيلول/سبتمبر 1911 و18 تشرين أول/أكتوبر 1912 نجحت إيطاليا في تثبيت احتلالها لأقاليم طرابلس وبرقة وفزان التي باتت تعرف لاحقا باسم ليبيا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى وأعلنت إيطاليا "حيادها"، كانت قد وافقت سراً، في معاهدة لندن عام 1915، بالانضمام إلى الحلف الثلاثي (بريطانيا، فرنسا وروسيا) مقابل الاعتراف بسيادة إيطاليا على طرابلس والبرقة وفزان. وفي العام 1920، ونظراً للمقاومة العسكرية المحلية ضد الحكم الإيطالي، منحت إيطاليا إدريس السنوسي، قائد حركة المقاومة في البرقة، لقب أمير برقة، وبعد سنتين من ذلك عرض زعماء طرابلس الأصليون إمارة طرابلس على الأمير إدريس، فقبلها.
ليبيا في عهد موسوليني
لكن بعد تسلّم بنيتو موسوليني السلطة في إيطاليا في تشرين أول/أكتوبر 1922، فرضت حكومته الفاشية سياسة استعمارية أشد صرامة وبدأت حملة "إعادة فتح الساحل الرابع"، كما كانت تسمى أقاليم طرابلس والبرقة وفزان. وهرب الأمير إدريس لاحقاً إلى المنفى في القاهرة التي كانت تحت الحكم البريطاني. وفي العام 1934، أطلقت الحكومة الإيطالية على المستعمرة رسمياً اسم ليبيا وأعلنت في العام 1939 أن ليبيا تُشكِّل جزءاً من الأراضي الإيطالية.
وفي أيلول/سبتمبر 1940، أي بعد مرور سنة واحدة على اجتياح قوات أدولف هتلر لبولونيا (بولندا) واندلاع الحرب العالمية الثانية، شنَّ موسوليني هجوماً على مصر التي كانت تسيطر عليها القوات البريطانية مستخدماً القوات الإيطالية المتمركزة في ليبيا. إلا أن الهجوم البريطاني المضاد هزم الإيطاليين في "عملية كومباس"، وهو ما أجبر هتلر على إرسال الجنرال ايروين رومل و"فيلق أفريقيا" الألماني لتعزيز القوات الإيطالية. وخلال معركة العلمين الثانية (أكتوبر- ديسمبر 1942)، قاد الجنرال البريطاني برنارد مونتغمري القوات الحليفة وهزم رومل وفيلق أفريقيا. وبحلول أوائل العام 1943، طُردت القوات النازية من ليبيا ووُضعت ليبيا تحت الإدارة البريطانية والفرنسية العسكرية.
استقلال ليبيا وإعلان المملكة الليبية
أدّت الفترة التي تلت الحرب مباشرة إلى استقلال ليبيا وتخلي إيطاليا عن مستعمراتها في أفريقيا. وبعد انتهاء الحرب، في حزيران/يونيو 1947، أنشأت الولايات المتحدة قاعدة جوية في مطار هويلس (Wheelus)، القريب من طرابلس. وفي 21 تشرين أول/أكتوبر عام 1949، صوتت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على منح ليبيا استقلالها بحلول الأول من كانون ثاني/يناير 1952. وعينت فيما بعد مساعد الأمين العام، الجنرال أدريان بلت، من هولندا مفوضاً لمنظمة الأمم المتحدة في ليبيا، كما عينت الأمم المتحدة مجلساً من عشرة أعضاء لتقديم المشورة إلى بلت. ومع اقتراب حصول ليبيا على استقلالها، أعلنت الولايات المتحدة في تشرين ثاني/نوفمبر 1950 أن ليبيا سوف تتلقى مساعدة فنية بموجب برنامج النقطة الرابعة الذي أعلنه الرئيس ترومان، وكان ذلك بعد أن أعادت الولايات المتحدة فتح قنصليتها في طرابلس في العام 1948.
وفي الأثناء دعت الجمعية الوطنية الليبية التي انعقدت في شباط/فبراير 1951 إلى التأسيس الفوري للمملكة المتحدة الليبية وأنشأت لجنة لوضع مسودة الدستور وعرضت على الأمير إدريس عرش البلاد.
استُكمل العمل على مسودة الدستور، وفي 24 كانون أول/ديسمبر 1951 أعلنت الجمعية الوطنية استقلال ليبيا وتسمية الأمير إدريس ملكاً وأول رئيس للدولة. اعترفت الولايات المتحدة فوراً بالدولة الليبية الجديدة ورفعت درجة تمثيلها إلى بعثة دبلوماسية وعينت هنري اس فيلارد أول مبعوث أميركي لدى ليبيا. وبعد الحصول على الاستقلال، وقعت الولايات المتحدة اتفاقية مع ليبيا تنص على مواصلة استخدام مطار هويلس.
العلاقات الأميركية الليبية
كانت العلاقات الأميركية-الليبية خلال حكم الملك إدريس الأول تبدو عادية بسبب تحكم بريطانيا بشؤون الحكم وبالشخصيات المهمة في البلد. ففي 28 أيار/مايو عام 1953، زار ليبيا وزير الخارجية الأميركية جون فوستر دالاس، ورفعت الولايات المتحدة درجة بعثتها في طرابلس إلى وضع سفارة في 25 أيلول/سبتمبر 1954، وتمّ تعيين جون تابين أول سفير أميركي لدى ليبيا في نفس اليوم. كما وقعت ليبيا والولايات المتحدة عدة اتفاقيات لبرامج تعاونية في حقول الزراعة والتعليم والموارد الطبيعية والصحة العامة في تموز/يوليو 1955.
على إثر أزمة قناة السويس في العام 1956 وإعلان الرئيس دوايت آيزنهاور عن مبدأ ايزنهاور، كثّفت الولايات المتحدة دعمها لليبيا. وأثناء خطابه أمام الكونغرس في 5 كانون ثاني/يناير 1957، وعد آيزنهاور بأن الولايات المتحدة سوف تدافع عن دول الشرق الأوسط ضد الاعتداءات الشيوعية وأنها سوف تقدم مساعدات إنمائية وأمنية إلى هذه الدول عند الضرورة (مبدأ آيزنهاور). وبناء على ما تقدم زار السفير الأميركي جيمس بي ريتشاردز، المساعد الخاص لرئيس آيزنهاور، ليبيا في آذار/مارس من ذلك العام أثناء جولة قام بها في منطقة الشرق الأوسط. وقد جاءت زيارته كنتيجة مباشرة لإعلان الرئيس آيزنهاور.
وعاود السفير ريتشاردز زيارة ليبيا مرة أخرى في 4 أيار/مايو من العام نفسه، وأعلن في بيان مشترك أميركي- ليبي أن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة في تنفيذ عملية مسح لحاجات التنمية الليبية، بما في ذلك تطوير أنظمة الاتصالات والبث الإذاعي، وتقديم مساعدات في حقول التعليم والطاقة الكهربائية وإمدادات المياه المنزلية. وفي شباط/مارس 1957، زار ليبيا نائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وأبلغ الرئيس آيزنهاور أن ليبيا تملك "موقعاً استراتيجياً أساسياً بالنسبة لشمال أفريقيا وللجناح الجنوبي لحلف شمالي الأطلسي. ولا يمكننا أن نتحمل خسارة ليبيا". وفي وقت لاحق من تلك السنة وقعت الولايات المتحدة وليبيا اتفاقية حول المساعدات العسكرية.
دوافع سعي أميركا للسيطرة على ليبيا
إن سعي أميركا الحثيث للسيطرة على ليبيا كان دافعه:
أولاً: الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به كما أشار إلى ذلك ريتشارد نيكسون.
وثانيا: اكتشاف النفط في ليبيا في العام 1959، وهو ما أدى إلى مسارعة أميركا لأخذ ليبيا من يد بريطانيا كما سنرى ذلك لاحقاً. فبعد أن تمّ اكتشاف النفط في مدينة زليتن التي تبعد حوالي 200 ميلاً إلى الجنوب من بنغازي، وبحلول العام 1961، كانت هناك 10 حقول تنتج نفطاً للتصدير، وأصبحت ليبيا بحلول العام 1965 سادس أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:20 PM
ثانياً: دور القذافي في خدمة المصالح الأميركية
رحبت مصر أعظم ترحيب بالانقلاب وسارعت إلى الاعتراف به ونشر الكثير عنه. وقد سبق لعبد الناصر أن قال في أحد خطاباته (10/06/1970) وهو يستعد لإعطاء الكلمة للقذافي: "هذا خليفتي من بعدي". وعندما وقع الانقلاب في ليبيا كانت أميركا من أول من بادر إلى الاعتراف به. ومع ذلك تولى عبد السلام جلود بأمر من القذافي في الشهر الثاني عشر من العام 1969 إعطاء الأوامر للأميركان والإنكليز بإخلاء القواعد العسكرية التي كانوا يتواجدون فيها، وهي العدم وهويلس وطبرق.
توجهات القذافي
وبالرجوع إلى واقع كل من القذافي وجلود قبل الانقلاب يتضح لنا أن توجهاتهما كانت مع أميركا، وبخاصة فيما يتعلق بدعم عبد الناصر والتنديد بقتل باتريس لوممبا وبانفصال الوحدة السورية المصرية. هذا بالإضافة إلى أنه في سنة 1967 ذهب عبد السلام جلود إلى أميركا في دورة عسكرية للتدريب في الهندسة المدنية، يسبقها تكوين في اللغة الإنكليزية بسان أُنطونيوس بولاية تكساس. والراجح أنه ليس كل الذين شاركوا في الانقلاب هم عملاء لأميركا، ولكن من المؤكد أن القذافي وجلود من عملاء أميركا المخلصين.
يبدو أن أميركا قد ضللت بريطانيا عندما انسحبت من قاعدة هويلس (امعيتيقة حالياً)؛ ولذلك عندما أحست بريطانيا بأنها خُدعت في انقلاب 1/9/1969والذي تولى الإشراف المباشر على تنفيذ خطته قائد قاعدة هويلس العقيد الأميركي دانيل جيمس، قامت بمحاولة للانقلاب في 11/12/1969، ولكنها فشلت بعد أن أيقظ السفير الأميركي جوزيف بالمر (7/7/1969-7/11/1972) العقيد معمر القذافي من نومه في الساعة الثالثة صباحاً وقدم له قائمة بأسماء الانقلابيين (32 اسماً) وكان على رأسهم موسى أحمد (وزير الداخلية) وآدم الحواز (وزير الدفاع).
الصراع على ليبيا
إلا أن بريطانيا لم تستسلم، فقامت بمحاولات أخرى منها محاولة انقلاب في 13/8/1975 التي قادها الرائد عمر المحيشي بمعاونة 21 ضابطاً، حاولت من خلالها طرد القذافي عميل أميركا من الحكم في ليبيا. وقد شارك في هذه المحاولة كل من بشير الهوادي وعبد المنعم الهوني وعمر المحيشي. والذي جعلنا نقول أن هذه المحاولة بالذات كانت تقف وراءها بريطانيا، أن أحد الذين شاركوا في الانقلاب وهو عمر المحيشي، فرَّ إلى تونس بعد الانقلاب في الشهر الثامن من العام 1975، واحتمى بالحبيب بورقيبة. ورغم محاولات القذافي المتكررة عبر زيارات قام بها الخويلدي الحميدي إلى تونس لاسترجاع المحيشي، إلا أن بورقيبة رفض تسليمه. مما أدى إلى محاولات القذافي لزعزعة الاستقرار في تونس، من ذلك محاولة اغتيال رئيس الوزراء التونسي الهادي نويرة.
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تخطط لأخذ الحكم في ليبيا عندما برزت هذه الأخيرة كأحد أهم الدول المنتجة للنفط في الستينات وبسبب موقعها الإستراتيجي، وأيضا بعد أن خسرت المغرب بموت محمد الخامس وتولي ابنه الحسن الثاني الحكم من بعده. وقد كانت الخطة الأولى لأميركا هي إسقاط الملك إدريس، الذي يتمتع بدعم بريطانيا صاحبة النفوذ الكبير في ليبيا، وإحلال ابن أخيه ولي العهد الأمير حسن الرضا محله. ولهذا السبب نفهم لماذا لم يعدم القذافي ولي العهد وأبقاه تحت الإقامة الجبرية، هو وعائلته، إلى أن أُصيب بشلل أقعده عن الحركة سنة 1986. وبعدها أذن له القذافي سنة 1988 بالسفر إلى بريطانيا هو وعائلته للعلاج. ولكن أجل حسن الرضا لم يدم طويلاً، فقد توفي بعدها ودُفن بالبقيع في المدينة المنورة بموافقة الملك فهد بن عبد العزيز.
استدراج ولي العهد
عندما جاءت أحداث يناير/فبراير من العام 1964 في بنغازي حاولت أميركا استدراج ولي العهد لاستغلال حالة البلبلة والاضطراب في البلاد من أجل انتزاع العرش من عمه لكنه لم يفعل. بعد هذه الأحداث غيرت أميركا خطتها، وشرعت "بالبحث عن بديل" للنظام برمته، وهذا ما جعل الملك إدريس متوجسا خيفة من سياسة أميركا الجديدة. فقد فشل الملك في معاقبة ضباط الشرطة الموقوفين عن العمل والذين أطلقوا النار على الطلاب في مظاهرات بنغازي وذلك حتى لا يخسر دعم القبائل لعرشه، وهو ما أوجد حالة من السخط الكبير بين الناس.
فقد ذكر محمد بن غلبون، رئيس الإتحاد الدستوري الليبي، في مقال له بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 4/10/1992 العدد رقم 5059 أنه: "في شتاء سنة 1989 زارني الأمير الحسن الرضا وعائلته وقضوا بضعة أيام مع عائلتي في مانشستر. وخلال هذه الزيارة حدثني الأمير الحسن الرضا عن زيارته الرسمية التي قام بها إلى الولايات المتحدة في الفترة ما بين 16 و24 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1962. وقد أخبرني ولي العهد الراحل أن تلك الزيارة تمت بعد دعوة كانت مفاجئة وحارة وملحة من الرئيس الأميركي جون كيندي، الذي أرسل طائرته الخاصة لحمل الأمير بمجرد قبوله الدعوة. وعند تناول طعام الغذاء في البيت الأبيض عرف الأمير السبب الحقيقي للدعوة. فقد صارحه الرئيس الأميركي (من خلال مترجم) بأن وجود الملك إدريس على عرش ليبيا يتعارض مع المصالح الأميركية، وطلب منه أن يقوم بانقلاب في القصر للجلوس على العرش بدلاً من عمه حتى لا تضطر أميركا لإيجاد بديل في ليبيا. وأكد له على اعتراف أميركا الفوري بجلوسه على العرش تأييدها ودعمها وحمايتها لانقلابه. رفض الأمير العرض وأبدى للرئيس استياءه من طرحه عليه".
الضباط الوحدويون الأحرار
من الواضح أن ذلك العرض الذي تقدمت به أميركا للأمير ولي العهد ما جاء إلا ليقين الأجهزة الأميركية بصعوبة إيجاد أية شخصية سياسية أو عسكرية ذات مكانة في المجتمع الليبي تقبل بالتآمر معهم في ذلك الوقت ضد الملك إدريس. ويبدو أن ذلك كان السبب في تأخر الإطاحة بالعرش حتى سنة 1969، إذ يبدو أن المخابرات الأميركية فشلت في الوقوع على الشخص المناسب للقيام بتلك المهمة لحسابها، حتى اضطرت في النهاية إلى المجازفة باللجوء إلى صغار الضباط. ففي الأول من أيلول/سبتمبر 1969، قامت مجموعة من ضباط الجيش الليبي، أطلقت على نفسها اسم "الضباط الوحدويون الأحرار" بخلع الملك إدريس وسمت نفسها بعد ذلك "مجلس قيادة الثورة". وقد أطلق الأميركان على هذه المجموعة الإنقلابية اسماً حركياً هو "الأحذية السوداء" ( Black Bootsبلاك بوتس). ورغم تعكر العلاقات ظاهرياً بين أميركا والقيادة الانقلابية إلا أن الولايات المتحدة اعترفت بالحكومة الجديدة قبل بريطانيا نفسها.
العقيد عبد العزيز الشلّحي
عندما أحست بريطانيا بتحركات أميركا للقيام بانقلاب على الملك إدريس أقنعت العقيد الركن عبد العزيز الشلّحي، مدير التدريب العسكري بالجيش الليبي، بالقيام بانقلاب بالتوافق مع الملك نفسه. وفي السنوات الثلاث الأخيرة من العهد الملكي عزم الملك إدريس السّنوسي على التنازل عن العرش وتسليم مقاليد الحكم إلى عبد العزيز الشّلحي الذي يتمتع بثقته عبر انقلاب من داخل القصر ينقل السّلطة سلمياً إليه ويحوّل البلاد من نظام ملكي إلى جمهوري دستوري بموافقة الملك الذي اختار اعتزال السياسة والاستقرار في مدينة طبرق اللّـيبيّة حيث كان ينوي قضاء باقي سنوات حياته فيها.
ورغم أن بريطانيا حاولت إخفاء مخططها عندما وثقت الزيارات والعلاقات بين مجموعة عبد العزيز الشلحي وبين جمال عبد الناصر إلا أن أميركا استطاعت معرفة ساعة الصفر للانقلاب الذي أعدت له بريطانيا والذي كان من المفروض أن يتم يوم 5/9/1969. فتحركت أميركا بسرعة وقامت بانقلابها قبل ذلك بأربعة أيام وأفشلت مخطط الشلحي ومن ورائه الإنجليز واستلمت ليبيا بعد أن استفادت من الأجواء المهيأة للانقلاب.
أمين الأمة العربية
ومن الجدير بالذكر أن جمال عبد الناصر هو الذي أطلق على القذافي لقب "أمين الأمة العربية". وفي العام 1973 أعلن القذافي من مدينة زوارة قيام "ثورة ثقافية" في ليبيا، وطرح "نظريته العالمية الثالثة" التي كانت مقدمة لتصفية الخصوم السياسيين والقضاء على الحياة الحزبية والحركات الجماعية المخالفة له داخل المجتمع بشكل أمني ودموي لم تعرف ليبيا مثيلاً له من قبل تحت شعارات "تطهير البلاد" و"تسليح الشعب" و"الثورة الشعبية". وتبع ذلك تحرشاته العديدة بتونس أيام حكم الحبيب بورقيبة وصلت إلى حد محاولة احتلال مدينة قفصة عام 1980ومحاولة نسف مقر الجامعة العربية بتونس العاصمة، وكذلك محاولة اغتيال العديد من الشخصيات السياسية والصحافية التونسية، وذلك من أجل اقتلاع النفوذ الفرنسي والبريطاني منها.
حروب القذافي
وبالإضافة إلى ذلك خاض القذافي نيابةً عن أميركا حروباً طويلة أُهدرت فيها الأرواح والأموال في تشاد. وكانت المغرب وملكها الحسن الثاني هدفاً له لسنوات طويلة من خلال دعمه للمنشقين في الصحراء الغربية التي تبنت أميركا فيها حركة البوليساريو بعد اكتشاف الفوسفات وبقية الثروات المعدنية في البر والبحر.
طائرة البان أم الأميركية
ورغم أن تفجير طائرة "البان آم" الأميركية فوق مدينة لوكربي باسكوتلاندة كان في 21/12/1988، إلا أن الإدارة الأميركية لم توجه التهمة إلى ليبيا إلا يوم 27/11/1991. ولكن بين هذين التاريخين حاولت الإدارة الأميركية توجيه التهمة إلى إيران ثم إلى سوريا ثم إلى الجبهة الشعبية- القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل في لبنان. ويبدو أن أميركا وجدت أن اتهام إيران يضعف دورها في الخليج وهي مقبلة على مرحلة جديدة، خاصة بعد قرار إيقاف حرب الخليج الأولى (الشهر الثامن من عام 1988 ) وبعد وفاة الخميني (01/06/1989). كما أن توجيه الاتهام إلى سوريا أو إلى الجبهة الشعبية المتواجدة على أراضيها من شأنه أن يضعف دور سوريا التفاوضي مع إسرائيل في عملية السلام الأميركية، خاصة وأن سوريا نظام الأسد قد قبلت أن تدعم أميركا علنيا في حربها على العراق عام 1991.
لذلك وتحت ضغط أسر الضحايا الأميركيين، وبإيحاء من الحكومة الأميركية نفسها، تم توجيه تهمة تفجير طائرة البان آم إلى ليبيا التي لا علاقة لها بالموضوع لا من قريب أو بعيد. أما الذين قاموا بتفجير الطائرة فهم أنفسهم الذين قاموا بتفجير مقهي برلين في 5/4/1986، وهم عناصر من المخابرات الأميركية بالتعاون مع تاجر المخدرات والسلاح منذر الكسار المرتبط بالمخابرات السورية وصبري خليل البنا المشهور بـ (أبو نضال) الذي اعترف بعد سنة من التفجير خلال اجتماع مصغر لقيادة مجلسه الثوري أن تنظيمه هو الذي قام بتفجير البان آم، ومع ذلك لم يجرِ التحقيق في اعترافاته. أما الغرض من وراء توجيه الاتهام إلى ليبيا فهو أولاً، التغطية على ضلوع المخابرات المركزية الأميركية في تفجير طائرة البان أم، وثانياً، بسبب قدرة ليبيا على دفع التعويضات المالية.
أما لماذا قام بعض عناصر المخابرات الأميركية وشركاؤهم بتفجير طائرة البان آم، فهناك ثلاثة أسباب:
1- التخلص من فريق التحقيق الذي أرسلته وكالة الأمن القومي للبحث في تورط عناصر مارقة من المخابرات الأميركية في وضع الرهائن المحتجزين في لبنان وتجارة المخدرات. وكان تشارلس ماكي (Charles McKee)، وهو من وكالة المخابرات العسكرية، وماتيو غانون (Mathew Gannon) مسؤول المخابرات المركزية في بيروت، والذين كانا يعملان تحت إشراف الضابط ريشارد فيوز (Richard Fuisz) قد توصلا إلى نتيجة تفيد أن عناصر من المخابرات الأميركية تقوم بتهريب المخدرات من لبنان إلى فرانكفورت ومنها إلى لندن ونيويورك عن طريق رحلات البان آم. وقد كان هذا التهريب يتم منذ منتصف الثمانينات بعلم المخابرات الأميركية (CIA) نفسها وإدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA) والبوليس السري لألمانيا الغربية (BKA). وهذا ما أكدته نتائج تحقيق شركة التأمين إنترفور (Interfor) بتكليف من خطوط البان آم نفسها في صيف عام 1989.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:21 PM
2- الحيلولة دون حصول فضيحة كبرى ثانية تهز إدارة الرئيس ريغان بعد فضيحة إيران غيت أو ما يسمى أيضاً بإيران-كونترا، وهي عملية بيع الأسلحة سراً إلى إيران بموافقة وعلم الرئيس ريغان، وبعد ذلك يتم وضع الأموال الناتجة عن البيع في حسابات سرية في سويسرا، ومن ثم يقع استعمال بعضها في تمويل مقاتلي الكونترا في نيكاراغوا. وبعد أن توصل الضابطان ماكي وغانون إلى هذه الحقائق استقلا طائرة البان آم ومعهم كل الأدلة من وثائق وأموال وعينات من المخدرات لعرضها أمام الجهات الحكومية، مهددين بأنه إذا تم التستر على نتائج التحقيق فإنهما سوف يتوجهان إلى الصحافة والإعلام. وهذا الأمر ما كان للإدارة ريغان أن تتحمله بعد فضيحة بيع الأسلحة لإيران.
3- العمل على تأخير إطلاق سراح الرهائن الأميركيين بعد أن توصل الضابط ريتشارد فيوز إلى مكانهم وطلب من قوات الدلتا التدخل لإطلاق سراحهم لكن نائب الرئيس ريغان في ذلك الوقت جورج بوش الأب رفض تحريرهم حتى يستغل ذلك في حملته الانتخابية. ولم يأذن بعملية التحرير سوى بعد ستة أشهر من ذلك. وقد توصل الضابط فيوز إلى أن بعض عناصر المخابرات الأميركية في بيروت كانوا يخبرون الخاطفين بتغيير مكان الاختطاف كلما تم اكتشافه من أجل تأخير عملية تحرير الرهائن. وللعلم فإن ريتشارد فيوز كان المدير الإقليمي للمخابرات الأميركية في لبنان، وكان على اتصال بنظام حافظ الأسد، وكان أيضاً يعمل تحت غطاء مختص في شؤون تكنولوجيا المعلومات وهو ما مكنه من أن يكون شريكاً تجاريا لزوجة الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف.
الغارة على طرابلس وبنغازي
والحقيقة أن تغطية معمر القذافي على مخططات أميركا لم تقف عند تفجير طائرة البان آم، بل سبق ذلك ترويجه لكذبة مقتل ابنته بالتبني "هناء" في الغارة الأميركية على طرابلس وبنغازي بتاريخ 15/4/1986 بدعوى الانتقام منه على تفجيره مقهى برلين قبل ذلك بأيام. والحقيقة أن هذه الغارة جاءت للتغطية على المتورطين في عملية تفجير مقهى برلين التي قام بها عناصر من المخابرات الأميركية للفت انتباه الرأي العام الأميركي عن الهجمة الإعلامية الكبيرة التي كانت تتعرض لها إدارة الرئيس ريغان جراء فضحية إيران كونترا.
ولعل من أكثر الأدلة على أن الغارة الأميركية على ليبيا في العام 1986 كانت مجرد مسرحية هو أمران:
1- أن ابنة القذافي بالتبني "هناء معمر القذافي" لم تمت في هذه الغارة، وهي لم تكن البنت التي عرضها القذافي أمام كاميرات العالم. فقد كشفت وثائق حصل عليها المقاتلون في ليبيا بعد دخولهم لباب العزيزية أن "هناء" لم تمت وهي على قيد الحياة وكانت تعمل طبيبة. ومن المرجح أنها فرت مع زوجة القذافي وابنتها عائشة وأبنائها محمد وهنيبال والساعدي الذي سلمته النيجر في آذار/مارس 2014 لليبيا بعد صفقة مالية بوساطة فرنسية.
2- كشف عبد الرحمن شلقم عندما كان وزيراً للخارجية في تشرين أول/أكتوبر 2008 أن رئيس الوزراء الإيطالي "بتينو كراكسي" أبلغه وحذره في العام 1986 بالغارة الأميركية على ليبيا قبل يوم أو يومين من وقوعها. وهذا يدل على أن أميركا لم تكن أبداً جادة في قتل القذافي أو في إسقاط النظام، وإنما كانت فقط تريد لفت انتباه الرأي العام الأميركي والدولي عن الفضيحة التي كانت تمر بها إدارة الرئيس رونالد ريغان تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب".
الهجوم على البرجين ودعم "الإرهاب"
وبعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 تحرك القذافي بسرعة أكبر لتحسين العلاقات مع الدول الغربية وعلى رأسها أميركا، فندد بهجمات سبتمبر. وفي أكتوبر اجتمع مسؤولون أميركيون وليبيون في لندن لمناقشة التزام ليبيا بقرارات مجلس الأمن حول دعم "الإرهاب". وخلال هذا الاجتماع قدم المسؤولون الليبيون معلومات للأميركان حول ليبيين مرتبطين بالقاعدة. وفي أيار/مايو 2002، وافقت ليبيا على تعويض عائلات ضحايا طائرة بان أميركان 103. وفي نيسان/أبريل 2003، أعلن القذافي عن خطة رسمية للتعويض عن عائلات ضحايا طائرة بان أميركان. ومن ثم في آب/أغسطس قبلت ليبيا بموجب رسالة موجهة إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة المسؤولية عن دورها في تفجير طائرة بان أميركان، وأعلنت عن إنشاء حساب ائتماني قانوني في مصرف سويسري لمصلحة عائلات الضحايا بمبلغ قدره 2.7 مليار دولا. وبناءً عليه وفي 18 من نفس الشهر أبلغ ممثلون عن الولايات المتحدة وبريطانيا مجلس الأمن أن بلديهما مستعدان لرفع العقوبات المفروضة على ليبيا.
تنازلات القذافي
واستمر القذافي في تقديم التنازلات لإنقاذ حكمه فيما كانت أميركا تسعى لدمجه في المجتمع الدولي كجزء من برنامجها لإعادة صياغة الخريطة السياسية للمنطقة. ومع تخلي ليبيا عن دعم المنظمات المسلحة التي أشرفت أميركا على صناعتها أو استعملتها ثم أطلقت عليها صفة الإرهابية من أجل تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وبعد قبول ليبيا مسؤوليتها عن تفجير طائرة بان أميركان وموافقتها على دفع تعويضات لعائلات ضحايا تفجير الطائرة، انتقلت العلاقات الأميركية الليبية بسرعة باتجاه التطبيع.
فتحت الولايات المتحدة قسماً لمصالحها في السفارة البلجيكية في طرابلس في شباط/فبراير 2004. وفي 26 شباط/فبراير، أنهت الولايات المتحدة القيود المفروضة على السفر إلى ليبيا وسمحت لشركات النفط الأميركية باستئناف عملياتها في ليبيا وسمحت بتنفيذ برامج للتبادل الطبي والتعليمي. كما دعيت ليبيا إلى فتح قسم لمصالحها في واشنطن.
مشروع الشرق الأوسط الكبير
وأخيراً تم تتويج هذا التطبيع في 23-24 آذار/مارس 2004، بزيارة مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز ليبيا للتباحث حول خطوات لاحقة لتطبيع العلاقات بعد قطيعة دامت 24 سنة. ورغم عودة العلاقات الطبيعية بين ليبيا والدول الغربية إلا أن أميركا كانت قد عزمت أمرها في العام 2004 بالسير في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وإدخال إصلاحات كبيرة في المنطقة العربية بما في ذلك على مستوى الأنظمة الحاكمة فيها. وهنا انبرى سيف الإسلام القذافي ليقوم بدور أداة تغيير النظام في ليبيا من الداخل عبر برنامج الإصلاح الذي طرحه وحشد له الرأي العام في الداخل وتحرك لترويجه أيضاً على مستوى الخارج. لكن تباطؤ حركة "الإصلاح والتغيير" تحت شعارات الانفتاح والديمقراطية، بالإضافة إلى الصراع الداخلي بين أبناء القذافي على خلافة هذا الأخير جعل أميركا تسير نحو اقتلاع النظام برمته عبر "ثورة" 17 شباط/فبراير 2011 ، والتي تحولت بسرعة إلى حركة مسلحة بسبب القمع الشديد الذي اتبعه نظام القذافي ضد المتظاهرين.
صراع أبناء القذافي
فقد كشفت وثائق دبلوماسية أميركية سرية نشرها موقع ويكيليكس أن الدبلوماسيين الأميركيين في طرابلس أبدوا قلقهم بشأن من سيخلف معمر القذافي وذلك بسبب أن المتنافسين على خلافته يملكون ميليشيات مسلحة تحت تصرفهم. وأضافت الوثائق أن برقية دبلوماسية أرسلتها السفارة الأميركية في طرابلس إلى واشنطن في شباط/مارس 2009 تقول "أن المستوى الحالي للخلاف بين أبناء القذافي حاد إلى درجة أن سيف الإسلام لا يتحدث إلى شقيقه المعتصم بالله منذ عدة أشهر". ونسبت البرقية إلى مصدر ليبي مطّلع على بواطن الأمور قوله "إن رسالة سيف الإسلام الإصلاحية العلنية تجعله محبوباً من قبل المراقبين الغربيين، في حين أن نداءات المعتصم بالله موجهة للقادة العسكريين وزعماء القبائل في ليبيا".وذكرت أن المعتصم بالله "يتمتع بنفوذ هائل ويعمل كمستشار الأمن القومي لليبيا، ورافق والده في زيارتين إلى روسيا وإيطاليا في السنوات الأخيرة".
لقد جاءت "ثورة" 17 شباط/فبراير 2011 في ليبيا كما أرادتها أميركا من أجل التخلص نهائياً من القذافي، وحسم الصراع داخل العائلة بين الأبناء على خلافته ومن ثم توفير الظروف الميدانية أمنياً وسياسياً لإيجاد قواعد عسكرية والدفع بمشروع الفدرالية. ولذلك لم تغب أميركا عن مسيرة الحراك الشعبي والعمل المسلح الذي انطلق في ليبيا لإسقاط القذافي منذ البداية.
ورغم أن باراك أوباما صرح في خطاب له منذ انطلاق الأحداث بالقول "إننا لن نرسل قوات برية إلى ليبيا" إلا أنه وقع أمراً سرياً في بداية آذار/مارس 2011 يخول وكالة المخابرات الأميركية القيام بأنشطة مستترة واسعة النطاق لدعم المعارضة الليبية المسلحة، ويقع ذلك ضمن سلطاته القانونية. وبالفعل وصل رجال من المخابرات الأميركية إلى ليبيا قبل أن يوقع أوباما ذلك الأمر السري.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:22 PM
إسقاط القذافي بقوة السلاح
وزيادة على أن خطة الثورات العربية التي صنعتها أميركا لإنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير في كل جوانبه الفكرية والسياسية والاقتصادية والإستراتيجية، فقد اضطرت أميركا إلى إسقاط نظام القذافي بقوة السلاح من خلال هجمات الناتو الجوية وحرب العصابات التي قامت بها المنظمات المسلحة في الداخل بالتعاون مع رجال المخابرات الأميركية والبريطانية. ولولا أن أميركا رجحت ميزان القوى لصالح المعارضة من خلال دعمها بالسلاح والمعلومات وبالهجمات الجوية للناتو ما كان لنظام القذافي أن يسقط بسهولة.
اللجان الثورية أهم أجهزة القذافي
لقد نجح القذافي على مدى أكثر من أربعين سنة في الحكم وفي تأكيد استمراريته وسيطرته المطلقة على زمام الأمور في ليبيا من خلال بعض الأجهزة الرسمية والسرية المتداخلة فيما بينها. ولعل أهم هذه الأجهزة هي "حركة اللجان الثورية" وتمثل الضلع السياسي الإعلامي، و"هيئة أمن الجماهيرية" وتمثل الضلع الأمني، و"كتائب الأمن" وهى تمثل الضلع العسكري.
فحركة اللجان الثورية تعتبر بمثابة رأس حربة متقدم ومهيمن على بقية الأجهزة . فقد استطاعت هذه الحركة وبتخطيط من القذافي التسلل إلى أغلب المواقع الحساسة والمؤثرة في النظام، بل وتمكنت من السيطرة الفعلية على أهم الأمانات (الوزارات) كالعدل والخارجية والإعلام والتعليم والاقتصاد. أما بالنسبة للأجهزة الأمنية فجميع المسؤولين ورؤساء الإدارات فيها هم من قيادات اللجان الثورية. أما جهاز الأمن الخارجي والذي يترأسه ويشرف عليه القذافي شخصياً، فتمثله هيئة أمن الجماهيرية التي تسيطر على وزارة الخارجية. أما الكتائب الأمنية التي تولى قيادتها بعض أبنائه وأفراد عائلته فقد حلت محل الجيش في القيام بحراسة النظام نظراً لعدم ثقته في قادة الجيش الذين يمكنهم الانقلاب عليه والإطاحة به.
مصالح أميركا الإستراتيجية
ورغم دفع القذافي قرابة 3 مليارات دولار تعويضات لأسر ضحايا لوكربي وتعاونه مع أميركا في تسليم المعلومات عن المنظمات المسلحة التي كان يمولها ورغم تنازله عن كل برنامجه في أسلحة الدمار الشامل فإن كل ذلك لم يشفع له بالبقاء في الحكم وتجنب مصير صدام حسين، لأن المصالح الإستراتيجية العليا لأميركا اقتضت إزالة الحكام العرب وإيجاد أنظمة سياسية جديدة تتمتع بالحد الأدنى من معايير الديمقراطية الذي يتطلبه مشروع الشرق الأوسط الكبير.
ثالثاً: طبيعة الصراع المحموم بين الخصوم السياسيين
لقد أدى انهيار نظام القذافي إلى دخول المجتمع في ليبيا إلى حالة من الصراعات المتعددة ذات الطابع السياسي والعسكري والقبلي والمناطقي لم يعرفه البلد من قبل. وعجزت الحكومات المتعاقبة بعد رحيل القذافي عن التصدي لهذه الصراعات، وذلك بفعل غياب دور الجيش والشرطة والقضاء وفشل الأحزاب في الوصول إلى حلول سياسية ومعالجات لمشاكل الناس تنبع من عقيدة الأمة ومخزونها الفكري والثقافي والتشريعي. والأدهى من ذلك أن هذه الأحزاب ارتهنت في أفكارها وبرامجها بل حتى في علاقاتها إلى المشروع الأميركي المسمى بالشرق الأوسط الكبير. ولذلك تحولت المعارك بين هذه الأحزاب من صراع حول الأفكار والبرامج إلى صراع حول الوصول إلى السلطة والتمسك بها ولو بالتعاون مع الكافر المستعمر.
الفراغ الأمني
فالفراغ الأمني الذي خلفه زوال القذافي خاصة بعد سقوط طرابلس في يد "المقاتلين الثوار" يوم 20/8/2011 ولَّد صراعات بين الكتائب المسلحة والنخب السياسية لتحقيق المكاسب المادية وللحصول على النفوذ السياسي أو حتى للانتقام من المناطق التي كانت محسوبة على النظام السابق وقاتلت إلى جانبه. فكتائب مصراتة انتقمت من أهل تاورغة المجاورين لها وكتائب الزنتان انتقمت من بلدة مشاشية القريبة من الزنتان. أما أبناء المقارحة والورفلة فقد تم إقصاؤهم من الحياة السياسية بحجة موالاتهم للنظام السابق.
وفي ظل هذه النزاعات الجهوية والقبلية لم تجد السلطة الجديدة في طرابلس برئاسة عبد الرحيم الكيب والمنبثقة من المجلس الوطني الانتقالي في 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2011 بداً من التعاقد مع الكتائب المسلحة التي حاربت القذافي. فبعد أن تجمعت هذه الكتائب في تنظيمات كبرى وقبلت بالسلطة الجديدة تم إلحاقها كقوات موازية للجيش والشرطة لتأكيد سلطة الدولة على المجالس العسكرية والجماعات المسلحة وفرض الأمن في المناطق المضطربة.
أما الذي دفع الحكومة لقبول هذه القوات الموازية فهو حالة الفوضى التي يمر بها الجيش والشرطة. فهما يعانيان من نقص كبير في الأسلحة والتجهيزات وعجز مهول في الضباط والجنود الذين إما انشقوا أو فروا وإما قتلوا أو سجنوا.
الكتائب المسلحة
وهكذا ألحقت وزارة الداخلية الكتائب المنضوية تحت "اللجنة الأمنية العليا" للعمل كوحدات شرطة مسلحة. ودعا الجيش "قوات درع ليبيا" لدعمه في فرض اتفاقيات الهدنة على الجهات المتحاربة والعمل، وبشكل أساسي، كقوات احتياط للرد السريع على النزاعات المسلحة. ومع ذلك فقد كانت هناك كتائب أخرى موجودة في الساحة تعمل بشكل منفصل مثل "تجمع سرايا الثوار" الذي أسسه فوزي بوكتف ويعمل في الشرق وبخاصة بنغازي وأجدابيا و"اتحاد ثوار مصراتة" القريب من العاصمة. أما في طرابلس فكان هناك "المجلس العسكري طرابلس" التابع لعبد الحكيم بلحاج و"مجلس ثوار طرابلس" التابع لعبد الله أحمد ناكر.
حقيقة الصراع في ليبيا
ومع ذلك ولفهم حقيقة ما يجري في ليبيا لا بد لنا من تسليط الضوء أكثر على حقيقة الصراع الدائر بين الأطراف السياسية المتواجدة في الحكومة والمؤتمر الوطني خاصة منذ انتخابات تموز/يوليو 2012.
فمنذ انتخاب علي زيدان رئيسا للحكومة والعلاقة بينه وبين حزب العدالة والبناء الممثل لحركة الإخوان المسلمين في حالة توتر مستمر. لكن هذه العلاقة تحولت إلى أزمة لسببين:
1 - ما روج له من محاولة انقلابية كان يعد لها علي زيدان من خلال كتائب الزنتان التابعة لمحمود جبريل وحلفائها بالهجوم على العاصمة طرابلس للسيطرة عليها وعلى مؤسسات الدولة. وجاء هذا التصور بسبب ملتقى القبائل الذي عُقد بالزنتان أوائل شهر تموز/يوليو 2013، وأصدر خارطة طريق أساسها رفض هيمنة التيار الإسلامي سياسياً وعسكرياً على المشهد الحكومي والأمني في البلاد. كما تضمنت الخارطة رفض سعي مصراتة للهيمنة على طرابلس والاستحواذ على ما تريده من مقدرات وموارد الدولة. وقد منحت هذه الخارطة خصومها مهلة شهرين لتنفيذ هذه المطالب.
وقد رأى الإسلاميون وحلفاؤهم في مطالب هذا الملتقى وفي الأطراف التي شاركت فيه وأيدته تمهيداً لانقلاب على السلطة الشرعية، بعد أن وصفت من حضره بأنهم بقايا النظام السابق الذين يخططون لانقلاب مماثل لما جرى بمصر سواء من حيث التوقيت أو السيناريو. وكخطوة استباقية للحيلولة دون تحقيق قيام الزنتان وحلفائها بالهجوم على العاصمة سارع الإسلاميون بإحكام السيطرة على طرابلس وضواحيها مستعينين بكتائب مصراتة.
وحتى يأخذ التحرك المشار إليه آنفاً شكلاً قانونياً أصدر رئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين في آخر تموز/يوليو 2013 قرارًا بإسناد عملية تأمين العاصمة طرابلس إلى قوات درع ليبيا (الوسطى-الغربية) في مهمة "مؤقتة" لحماية المعسكرات التي يتواجد بها كتائب مسلحة، كما أصدر قراراً بتكليف "غرفة عمليات ثوار ليبيا" بحماية مؤسسات الدولة.
وهكذا أفشل رئيس المؤتمر نوري بسهمين وحلفائه من التيار الإسلامي ما اعتبر محاولة للانقلاب على الشرعية بسبب الاستعدادات السياسية والعسكرية التي قام بها محمود جبريل والكتائب العسكرية الموالية له خاصة في العاصمة طرابلس. أما التحركات الخارجية التي قام بها رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان وبخاصة إلى مصر فقد فهمت على أنها محاولة للتنسيق معها في كيفية إنجاح الانقلاب. وهذا هو السبب الثاني للأزمة بين زيدان وخصومه، والذي سوف نفصل فيه تالياً.
2 - بعد زيارة علي زيدان إلى مصر في الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر 2013 ولقائه بحكومة الانقلاب هناك، اعتبر حزب العدالة والبناء في تصريح صحفي وقتها أن زيارة رئيس الحكومة علي زيدان إلى مصر تأتي في إطار ما وصفها "مناورة سياسية لخلط الأوراق وإشغال الرأي العام عن القضايا الداخلية". وأعلن حزب العدالة والبناء أن تلك الزيارة "تحمل في طياتها مباركة واعترافاً صريحاً بهذا الانقلاب وقادته الذين ارتكبوا من المجازر والانتهاكات لحقوق الإنسان ما يندى له جبين البشرية والذي أدانه العالم أجمع". واعتبر الحزب أن الزيارة "لا تنسجم مع مبادئ ثورة السابع عشر من شباط/فبراير، والتي قدم خلالها الشعب الليبي عشرات الآلاف من الشهداء في سبيل الحرية واحترام حقوق الإنسان ومن أجل نجاح المسار الديمقراطي، ناهيك أن تأتي هذه الخطوة من رئيس الحكومة ومن دولة من أهم دول الربيع العربي وهي ليبيا". وقد رد رئيس الحكومة علي زيدان حينها على هذه الاتهامات بأن الزيارة تأتي في إطار بحث ملف أمن الحدود وملف رموز النظام السابق الموجودين في مصر.
أما فيما يخص الحكومة، فقد وصف التصريح الصحفي لحزب العدالة والبناء حكومة زيدان بأنها تمر"بظروف صعبة جداً وسط مطالبات باستقالته من داخل المؤتمر الوطني وخارجه". وذلك بسبب ما وصلت "إليه الحكومة من فشل ذريعٍ على كل المستويات، نتيجة الأداء السيئ لرئيس الحكومة وفشله في حلحلة أهم الملفات وعلى رأسها ملفا بناء الجيش والشرطة". وقال التصريح إن "القصور الأمني للحكومة سبب الكثير من الخروقات الأمنية التي أدت إلى توقف شبه كامل لتصدير النفط بعد سيطرة مجموعات مسلحة على الحقول والموانئ بالإضافة إلي تدمير محطات الكهرباء وسرقة الكوابل وسلسلة من الاغتيالات والاختطاف وفقدان الأمن وسط عجز كامل للحكومة، ناهيك عن تردي مستوي الخدمات للمواطن بسبب الفشل في تفعيل الحكم المحلي".
وكان حزب العدالة والبناء في ليبيا قد كشف النقاب في وقت سابق عن قيامه بدراسة عدة خيارات يحدد من خلالها موقفه من الحكومة الانتقالية المؤقتة من بينها خيار الانسحاب، خاصة بعد أن استقال نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، عوض البرعصي، من منصبه في مطلع شهر أيلول/سبتمبر 2013. وتبع ذلك تصريح رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان أن اعتراض الحزب على تولي علي زيدان لمنصب رئيس الحكومة، سببه "إيمان الحزب بعدم قدرته على قيادة وإدارة المرحلة التي تمر بها ليبيا". وقال صوان إن "المزاج العام الليبي كان يتطلع إلى إنشاء حكومة توافقية، وهذا هو السبب الذي شارك لأجله الحزب في الحكومة. إلا أنه منذ بداية تشكيلها لوحظ أنها لا تسير بطريقة توافقية. وهنا فضَّل الحزب تقديم النصح سرًا، رافضًا الخروج أمام الإعلام لخطورة وحساسية المرحلة التي يمر بها الوطن.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:22 PM
صراع زيدان وبو سهمين
والحقيقة أن علي زيدان لم يكن يصارع من أجل بقائه في الحكم حركة الإخوان فقط بل أيضاً رئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين الذي ينظر إليه باعتباره من المحسوبين على تيار الإخوان في المعركة ضد الليبراليين من جماعة علي زيدان وتحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل. فنوري بوسهمين، وهو من كتلة "الوفاء لدماء الشهداء" ذات التوجه الإسلامي، تولى رئاسة المؤتمر الوطني في 24/6/2013 بعد أن استفاد من دعم حزب العدالة والبناء بحصوله على 96 صوتاً مقابل 80 صوتاً لمنافسه الشريف الوافي. وقد جاء نوري بوسهمين خلفاً لمحمد المقريف بعد إقرار قانون العزل السياسي الذي أزاحه كما أزاح محمود جبريل.
ولذلك ليس غريباً أن سعى علي زيدان من خلال عملية "اختطافه" إلى محاولة إلصاق التهمة برئيس المؤتمر نوري بوسهمين الذي ينسب إليه أنه وراء إنشاء مكتب مكافحة الجريمة التابع لغرفة عمليات ثوار ليبيا التي تتبع بالنظر إلى رئاسة المؤتمر الوطني. ومن ثم فإن نوري بوسهمين يمثل الرئيس الفعلي للبلاد في ظل غياب منصب رئاسة الدولة وهو يمثل القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية بحكم منصبه، وهو أيضاً المشرف على اللجنة الخاصة بإعداد مشروع دستور للبلاد.
بوسهمين ينفي علاقته بحادث اختطاف زيدان
لقد اضطر بوسهمين أن يعقد مؤتمراً صحافياً ينفي فيه أي علاقة له بعملية "الاختطاف" خاصة وأنه هو الذي قام بتعيين شعبان مسعود آمراً لـ"غرفة عمليات ثوار ليبيا" قبل ثلاثة أشهر من عملية "الاختطاف" بهدف حماية العاصمة الليبية طرابلس. فبمجرد إعلان "اختطاف" علي زيدان، سارع نوري بوسهمين للتصريح بأنه لا علم له باحتجاز رئيس الوزراء. وذلك رداً على الاتهامات التي وجهت له بالمسؤولية عن الاختطاف بسبب دعم المؤتمر لغرفة عمليات ثوار ليبيا. وحذر بو سهمين في مؤتمر صحفي بعد تحرير زيدان، من أن أي جهة تتجاوز التكليف الممنوح لها ستتحمل عواقب ذلك، في إشارة إلى مكتب مكافحة الجريمة التابع لغرفة عمليات ثوار ليبيا التي أعلنت مسؤوليتها عن احتجاز زيدان في البداية. وقال بو سهمين إن الثوار الحقيقيين لا يمكن أن يقبلوا بالاعتداء على شرعية الدولة، وإنه "لا سبيل لإسقاط الحكومة إلا بالطريق المنصوص عليه في الإعلان الدستوري". ودافع بشكل غير مباشر عن غرفة عمليات ثوار ليبيا بالقول إن إدارة مكافحة الجريمة لديها بلاغ من ناشط حقوقي بحق زيدان.
دعم محمود جبريل لعلي زيدان
ومع ذلك فإن علي زيدان لم يكن يواجه الإخوان المسلمين ورئيس المؤتمر بمفرده، ولكنه يحظى بدعم كبير من جانب "تحالف القوى الوطنية" لمحمود جبريل وكتائبه العسكرية التابعة له مثل "كتيبة الزنتان" و"كتيبة القعقاع" المتعهدة بحراسته. وبالإضافة إلى ذلك فإن زيدان والعلمانيين يحاولون الاستقواء والاستفادة من بقايا نظام القذافي الذين يطلق عليهم اسم "الطحالب" بسبب ميولهم "الخضراء" ولما لهم من مال وإعلام وشبكة علاقات واسعة داخلياً وإقليمياً وحتى دولياً. وهذا الذي يفسر رفض العلمانيين والليبراليين عموماً لقانون العزل السياسي الذي نجح حزب العدالة والبناء وحلفائه في تمريره ولو بقوة الضغط المسلح "للثوار" المتجمعين أمام قاعات المؤتمر. ومع ذلك فإن تطبيقه لم ينجح كثيراً في الواقع إلا على بعض الشخصيات البارزة، وذلك بسبب تحكم أتباع القذافي في الإدارة الليبية خاصة على مستوى المدراء المتوسطين.
كما يحظى علي زيدان في حينه بالدعم الكلي من أميركا وحلفائها في أوروبا بدعوى تنظيم حركة السلاح عند الميليشيات وإعادة بناء الجيش وتوفير الأمن للناس. فأثناء زيارة علي زيدان إلى أميركا في 13/3/2013 تكلم وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلا: "إنها أول زيارة يقوم بها رئيس الوزراء لواشنطن بصفته رئيسًا للوزراء، إلا أنها زيارة تاريخية، والسبب بسيط جدًا: فهو يمثل أول حكومة منتخبة ديمقراطيًا لبلاده منذ ما يزيد عن 40 سنة. وننضم جميعًا للاحتفاء بما تم إنجازه في ليبيا: تحرير بلاد رزحت تحت نير طاغية على مدى عقود طويلة من الزمن". وأضاف كيري قائلاً: "وفيما يتعلق بالقضايا الأخرى، اسمح لي مجرد القول بسرعة إن الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز الاستقرار في ليبيا، وفي شمال أفريقيا، وفي منطقة الساحل الأفريقي. ولذا فإننا سنناقش التعاون بشأن القضايا الأمنية لاحقًا. وفقط في الشهر الماضي، خلال الاجتماع الوزاري في باريس، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم المزيد من الدعم لإصلاح نظام الأمن في ليبيا مع التشديد بشكل خاص على أمن الحدود، وسيادة القانون، وبناء قوات أمن ومؤسسات أمنية محترفة، وضبط الأسلحة الكيميائية الباقية من مخلفات النظام القديم وتدميرها. وسوف نبحث عن طرق أخرى للعمل سوية ونحن نمضي قدماً من أجل جعل ليبيا أكثر أماناً ومساعدتها في أن ترقى إلى إمكاناتها الكاملة".
أما رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان فقد صرح في المؤتمر الصحفي مع كيري، بما يجعل من ليبيا مستعمرة أميركية، قائلاً: "أود أن أؤكد على أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة وعلى الناحية الاستراتيجية لهذه العلاقة مع ليبيا الجديدة. ستكون هذه العلاقة عند أفضل مستوى لها من مختلف النواحي، السياسية، والاقتصادية، والتعليمية، والنفطية، وفي مجال التعاون الأمني من أجل تحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، والبحر الأبيض المتوسط، وشمال أفريقيا، ومنطقة الساحل الأفريقي، والصحراء الكبرى". وأضاف زيدان مركزاً على الناحية الأمنية بالقول: "وفي مجال التدريب وغيره من الحقول الأخرى المختلفة، فقد كان الشيء الأكثر أهمية هو التعاون الأمني، بغية بسط الأمن والاستقرار في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."
أهداف مسرحية الاختطاف
ومن الواضح أن علي زيدان قد وقع تحت ضغط هائل من الداخل رغم الدعم الكبير الذي يتلقاه من أميركا وأوروبا، ولذلك لجأ في 10/10/2013 إلى فبركة مسرحية اختطافه التي حققت له ولحلفائه في الداخل وللقوى الغربية وعلى رأسها أميركا أهدافا سياسية وإستراتيجية يقتضي التعرف عليها حتى يتضح لنا المشهد السياسي في ليبيا على حقيقته..
أما أهم الأهداف التي سعى علي زيدان لتحقيقها من وراء مسرحية الاختطاف فهي:
1/- بعد سنة من رئاسته للوزارة لم ينجح علي زيدان في تحقيق أي إنجاز على الأرض في الملفات الساخنة مثل الوضع الأمني المنفلت وتكوين الجيش والشرطة وظاهرة انتشار السلاح وتقديم الخدمات للناس. لقد خيبت حكومته آمال كثير من الناس الذين خرجوا للمطالبة باستقالته بعد أن تهاوت شعبيته في الشارع. وهذا ما دفع بأعضاء كثر في المؤتمر الوطني للمطالبة بتنحيه بدل إقالته خاصة بعد أن توالت تهديداته في الاستقواء بالأجنبي وفضائحه في إهدار المال العام. فجاءت عملية "احتجاز" علي زيدان لتحوِلَه من رئيس حكومة فاشل ومكروه من عموم الناس، وبخاصة بعد تسليمه أبو أنس للمخابرات الأميركية، إلى "ضحية" في بضع ساعات معدودة.
كما نجح علي زيدان من خلال هذه العملية في توجيه الاتهام إلى غرفة عمليات ثوار ليبيا عبر إظهارهم مع من وراءهم من الإخوان ورئاسة المؤتمر الوطني بأنهم مجرد مليشيات همجية لا تحترم القانون وهم بمثابة "عصابات إرهابية" تخل بالأمن العام. لقد سكت كثير من الناس بعد عملية الاختطاف عن موضوع سحب الثقة من زيدان وعن مساءلته حول الصكوك المالية والرشاوي. كما نجح زيدان في صرف الناس من الحديث عن خطف أبو أنس على يد المخابرات الأميركية.
2/- أما أحد أهم أهداف مسرحية الاختطاف فهو قطع الطريق على من يحاول إسقاط علي زيدان من رئاسة الحكومة حينها خاصة بعد أن وصل النصاب القانوني لإقالته في جلسة يوم الأربعاء 9 تشرين أول/أكتوبر 2013 لوﻻ تدخل أعضاء تحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل الذين أنقذوه عبر إحداث بلبلة وصخب شديدين في قاعة المؤتمر أدت إلى تأجيل الجلسة ليوم الأحد 13 تشرين أول/أكتوبر 2013.
ولإظهار استقوائه بالأجنبي، كان من أول ما صرح به علي زيدان بعد إطلاق سراحه قوله: "أطمئن الجهات الأجنبية بأن ما حدث يدخل في إطار المماحكات السياسية لا أكثر". وأضاف علي زيدان توضيحاً لهذا التصريح عندما قال في مساء ذلك اليوم الخميس في اتصال مع قناة "فرانس 24" أن وراء خطفه "مجموعة سياسية كل همها الإطاحة بالحكومة"، مضيفاً أن "هذا الأمر وراءه مجموعة سياسية معينة تسعى للإطاحة بالحكومة وتستعمل كافة الأساليب".
فمن خلال هذه التصريحات يظهر لنا أن علي زيدان وحلفاءه الليبراليين كانوا يخوضون صراع وجود من أجل بقائه على رئاسة الحكومة في ظل الضغط عليه من الإخوان المسلمين وحلفائهم منذ ما يزيد على خمسة أشهر. وازدادت حدة الصراع بين الطرفين بعد زيارة زيدان إلى مصر إثر الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي على محمد مرسي.
3/- كما جاءت مسرحية "الاحتجاز" للتغطية على عمليات الفساد المالي والإداري التي يتهرب منها علي زيدان وبخاصة في وزارة الخارجية وقطاع النفط واستنزاف المال العام في القطاع العمومي. هذا أولاً، أما ثانياً فإن عملية "احتجاز" علي زيدان جاءت لتوقف عمل اللجنة البرلمانية الخاصة ببحث الفساد المالي والإداري المتهم بهما رئيس الوزراء. وقد ذكر عضو المؤتمر الوطني المستقل عبد الرحمن الديباني أن لجنة تحقيق برلمانية توصلت إلى تورط زيدان في فضيحة الصكوك المالية التي منحت من قبل رئيس لجنة الطاقة ناجي مختار إلى "رئيس المكتب التنفيذي لإقليم برقة" إبراهيم الجضران مقابل فك الحصار عن النفط، مؤكداً أن المؤتمر الوطني العام استمع إلى التقرير الذي أكد أن زيدان تورط في الصكوك والإجراءات المالية "الخاطئة". وقال إنهم بعد الجلسة طرحوا سحب الثقة منه أو إيقافه عن العمل الإداري، مشيراً إلى أن هناك توجه عام داخل المؤتمر الوطني العام لتشكيل لجنة لبحث ملف رئيس الوزراء، مؤكداً أنهم على توافق تام لسحب الثقة منه.
4/- إن عملية "اعتقال" علي زيدان جاءت للتغطية على اختطاف أميركا لنزيه الرقيعي وامتصاص صدمة الرأي العام من فشل الحكومة في حماية المواطنين، وبخاصة بعد أن سربت الإدارة الأميركية على لسان أحد مسؤوليها من أن عملية اختطاف أبو أنس قد تمت بعلم الحكومة الليبية. وفي الوقت الذي أصدر فيه المؤتمر الوطني العام بياناً في 8 تشرين أول/أكتوبر يدين فيه عملية اختطاف أبو أنس ويعتبرها انتهاكا لسيادة الدولة ويطالب الوﻻيات المتحدة الأميركية بتسليم أبو أنس إلى الدولة الليبية فوراً، أدلى علي زيدان خلال زيارته للمغرب بتصريح ذكر فيه أن اعتقال أبو أنس "لن يؤثر على العلاقات مع أميركا" مضيفاً أن "علاقتنا مع الولايات المتحدة علاقة صداقة وتعاون، فقد ساعدونا أثناء الثورة". ومما يؤكد تورط علي زيدان في عملية اختطاف أبو أنس وافتعاله (بغض النظر عن الكيفية) لمسرحية خطفه من أجل تبرير التعاون الأمني الوثيق مع أميركا هو ما نادى به من دعوة للقوى الدولية لمساعدته في "وقف انتشار الأسلحة في ليبيا"، وكان ذلك في مقابلة مع برنامج "نيوز نايت" في "بي بي سي" أثناء زيارته الأخيرة لبريطانيا.
فقد ذكر علي زيدان في ذلك الحوار بأن ليبيا تستخدم قاعدة لتصدير الأسلحة إلى أنحاء المنطقة. وأضاف أن "حركة هذه الأسلحة تهدد دول الجوار أيضاً لذا يجب أن يكون هناك تعاون دولي لوقفها". وفي حديثه لبرنامج نيوزنايت، الذي اُجري قبل اعتقال أبو أنس، قال علي زيدان إن الانتشار الواسع للأسلحة في ليبيا يشكل تهديدًا أمنيًا خطيرًا. وأضاف "يجري تهريب الأسلحة من وإلى ليبيا عن طريق جماعات تحاول قتل واغتيال الناس ونشر الرعب في البلاد". وقال "ترى يوميًا مسلحين يقاتلون بعضهم بعضاً، والمشكلة هي أن الأسلحة متاحة للمواطنين الليبيين، ومتاحة للشباب، وهي في المنازل ومخزنة في كل مكان".
وقد تجاوبت وزارة الخارجية الأميركية، مع هذه الدعوة أثناء تعليقها على عملية "اختطاف" علي زيدان في بيان من وزير الخارجية جون كيري بتاريخ 10/10/2013 أدان فيه الاختطاف وأعمال العنف ووعد بمساعدة حكومة زيدان على توفير الأمن.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:23 PM
الإستقواء بالأجنبي
وفي إطار الاستقواء بالأجنبي لكسب معركة الصراع على السلطة ضد خصومه المحليين سافر علي زيدان إلى بريطانيا طالباً منها العون والمدد في تغيير ميزان القوى على الأرض ضد الكتائب المسلحة التابعة للإخوان المسلمين ورئيس المؤتمر الوطني والتيارات الإسلامية.
فقد ذكرت (التايمز) أن الحكومة البريطانية تسعى إلى دعم الحكومة الليبية، من خلال استضافتها مؤتمراً دولياً لمحاولة استقطاب عدد من رجال الأعمال والاستثمارات الدولية إلى الأراضي الليبية. وتعهدت الحكومة البريطانية بتدريب نحو 10 آلاف جندي وعسكري ليبي خارج الأراضي الليبية، في محاولة منها لدعم الحكومة وجعلها أكثر قدرة على كبح جماح الميليشيات المسلحة. وهو الأمر الذي انتقده وبشدة حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا. وختمت الصحيفة بتصريحات لمحمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء انتقد فيها موقف علي زيدان رئيس الوزراء قائلاً "زيدان يسعى إلى بناء جيش عن طريق إرسال المتدربين إلى إيطاليا وفرنسا لكنه لا يستطيع أن يكون جيشاً ليبياً بهذا الشكل العشوائي".
ومع ذلك فإن عميل أميركا محمد زيدان استمر في الاستعانة بالدول الغربية لترجيح كفة قوة الحركات الليبرالية على الأرض. فقد أعلن حينها أن ليبيا وقعت عدة اتفاقيات مع عدد من الدول لمساعدتها في إعادة تأسيس جيشها وشرطتها. وقال زيدان في مؤتمر صحفي عقده بطرابلس عقب افتتاحه معرضاً للتمور الليبية، السبت 26/10/2013، إن "حكومته وقعت مع نظيرتها الفرنسية خلال اليومين الماضيين اتفاقية لتدريب 3 آلاف شرطي، فيما بدأت فعلياً إرسال بعثات للتدريب العسكري في إيطاليا وتركيا وبريطانيا". وأضاف أن "العمل جارٍ وبالتعاون مع خبراء ومدربين عرب وأجانب لإعادة تأهيل معسكرات التدريب في بعض المدن الليبية لاحتواء ما بين 4 إلى 6 آلاف مجند جديد لتدريبهم عسكرياً وبشكل مركز".
تمرير قرارات بضغط خارجي
ويبدو أن دعم الدول الغربية وضغطها الخارجي لمصلحة حكومة علي زيدان أعطى قوة لأعضاء المؤتمر من الموالين للتيار العلماني في تمرير بعض القرارات المهمة التي تقلص من نفوذ تيار الإخوان والموالين لهم من كتلة الوفاء.
القرار الأول تمثل في إلغاء المؤتمر الوطني العام التفويض الممنوح لرئيس المؤتمر بوسهمين بموجب القرار (73) لسنة 2013 ، وذلك بأغلبية اثنين وسبعين صوتاً.
كما وافق المؤتمر خلال جلسته المسائية بتاريخ 3/11/2013 على تشكيل لجنة لدراسة الأحداث التي يمكن أن يتم فيها تفويض رئيس المؤتمر. وبعد أيام من هذا القرار أعلنت الحكومة المؤقتة إيقاف دفع أي مكافأة أو منح لأي مجموعة مسلحة، وقالت إنها لن تعترف إلا بالأفراد الذين في سلكها العسكري والنظامي. وأشارت الحكومة المؤقتة إلى القرارات الصادرة بمختلف السلطات المدنية والعسكرية في الدولة بشأن استيعاب الثوار وتفكيك المجموعات المسلحة على مختلف مسمياتها ودمجها في الجيش والشرطة أو المؤسسات المدنية وإنهاء حالة التسلح خارج إطار الجيش والشرطة، والذي حدد له يوم 31 كانون أول/ديسمبر 2013 كآخر موعد لذلك. ودعت الجميع إلى أن يتجاوب مع هذه الدعوة حيث سيوقف دفع أي مكافأة أو منح لأي كان بعد هذا التاريخ ما لم يكن موظفاً أو عاملاً لدى الدولة في سلكها العسكري وسلكها النظامي وجهازها المدني.
وبعد هذه القرارات بدأت حكومة علي زيدان والموالون لها من المنظمات المدنية والأحزاب السياسية في تجييش الناس للخروج إلى الشارع من أجل إنهاء وجود الكتائب المسلحة من حواضر المدن وخاصة في طرابلس وبنغازي. واستغل موالوها في المؤتمر الوطني العام هذا الجو العام وأصدروا قراراً يقضي بإخلاء طرابلس من المجموعات المسلحة ما عدا الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.
وبالفعل خرج متظاهرون يوم 15/11/2013 قرب مقر كتيبة مصراتة شرق طرابلس للمطالبة بإخلاء العاصمة من كافة التشكيلات المسلحة. وعندما اقترب المتظاهرون من مقر الكتيبة في حي غرغور بدأ مسلحون من الكتيبة بإطلاق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين قبل أن يوجهوا النار للمتظاهرين عندما واصلوا سيرهم نحو مقر الكتيبة. وتلا ذلك وقوع اشتباكات بين الكتيبة ومتظاهرين مسلحين استخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة. وقد طالبت الحكومة في مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء علي زيدان وعدد من وزراء حكومته الفصائل المسلحة بالوقف الفوري لإطلاق النار والتزام التهدئة، وعدم إطلاق التصريحات التي قد تثير الفتنة. وشدد زيدان على أن حكومته ظلت تؤكد دائما أن أخطر شيء هو وجود السلاح خارج أيدي الجيش والشرطة، وأن هذا السلاح لا بد أن يوجه إلى حامليه.
الهجوم على حكومة على زيدان
ومع اقتراب موعد انتهاء أعمال المؤتمر الوطني في 7 شباط/فبراير 2013 بدأت دعوات وأصوات تتعالى بضرورة تمديد مدة صلاحياته إلى حدود كانون أول/ديسمبر 2014 من أجل إنهاء الدستور.. وفي المقابل رفض البعض ذلك وطالب بإنهاء أعمال المؤتمر الوطني في موعده.. والغريب أن تتزامن تلك الدعوات المتضاربة حول مدة بقاء المؤتمر مع دعوات أخرى طالبت حينها بضرورة إسقاط حكومة علي زيدان وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من شخصيات مستقلة.
لقد جاء الهجوم على حكومة علي زيدان هذه المرة من أقرب حلفائه العلمانيين، رئيس تحالف القوى الوطنية. ففي لقاء له مع عدد من القنوات الفضائية الليبية بتاريخ 25/12/2013 اعتذر محمود جبرﯾل للﯾبﯾﯾن عن دعم حزبھ لرئﯾس الحكومة المؤقتة علي زﯾدان، مؤكداً أنھ أخطأ في ذلك، واصفاَ إياه بالمستأثر بالقرار. وقال جبرﯾل إن زﯾدان ﻻ ﯾتشاور مع الكﯾانات السﯾاسﯾة، وكذلك تشاوره مع أطراف خارجﯾة ﻻ ﯾعلم شﯾئاً عنھا، وأن التحالف ﻻ ﯾقر ممارساتھ وﻻ ﯾدعمھا، ونختلف كثﯾراً معھ.
ولكن يبدو أن ما صرح به محمد جبريل من امتعاض حول حكومة علي زيدان وما صرح به قبل ذلك بأيام رئﯾس الھﯾئة التسﯾﯾرﯾة العلﯾا لتحالف القوى الوطنﯾة عبد المجﯾد ملﯾقطة الذي قال إن زﯾدان لم ﯾعد قادراً على إدارة المرحلة وعلﯾھ الرحﯾل، جاء من باب المناورة السياسية لكسب الرأي العام من أجل الاستعداد للانتخابات القادمة وكذلك من أجل الضغط على جماعتي الإخوان ونوري بوسهمين في المؤتمر الوطني لإنهاء أعماله وعدم التمديد له في صلاحياته الدستورية إلى نهاية العام 2014.
الهجوم على الإخوان ونوري بوسهمين
لقد نجح تحالف القوى الوطنية وحلفاؤه في إيقاف مسألة تمديد صلاحيات المؤتمر الوطني ومن ثم تم الاتفاق يوم 15/2/2014 على إجراء انتخابات مبكرة بعد أن يتم صياغة قانون للانتخابات ويسلم إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. وبالفعل أعلن رئيس المفوضية عماد السائح أن باب الترشح لعضوية مجلس النواب القادم قد فتح يوم 27/4/2014. ورغم أن موعد الانتخابات لم يحدد بعد لكن المتوقع أن يتم إجراؤها في الصيف القادم أو مطلع الخريف المقبل. كما نجح حلفاء محمود جبريل في تعيين الليبرالي علي الترهوني رئيساً للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أو ما يسمى بلجنة الستين.
والحقيقة أنه ما كان لتحالف القوى الوطنية أن يصل إلى تحقيق هذه "المكاسب" على حساب تياري الإخوان ونوري بوسهمين لولا تلك التحركات الشعبية التي دفع بها إلى الشارع وكانت مصحوبة مع التهديد بإدخال البلاد في دوامة من القتل والحرب الأهلية. ولعل أهم الأعمال التي أقدم عليها حلفاء محمود جبريل وتزامنت مع الموافقة على إجراء الانتخابات البرلمانية هو ما أقدم عليه الضابط المتقاعد خليفة بالقاسم عمر حفتر الفرجاني يوم 14 شباط/فبراير من "انقلاب إعلامي" عندما أعلن من شاشات التلفزيون أن "قيادة الجيش الوطني الليبي" تطرح مبادرة هي "خارطة طريق مؤلفة من خمسة بنود". وقال إن هذه المبادرة تنص على تعليق عمل المؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية وتشكيل لجنة رئاسية وتجميد العمل بالإعلان الدستوري، من أجل إعداد الظروف المناسبة للانتخابات.
وزيادة في الضغط على الإخوان وبوسهمين ، قامت كتيبة القعقاع وهي اللواء الأول لحرس الحدود وكتيبة الصواعق التابعة لوزارة الدفاع بإعلان بيان يوم 18 شباط/فبراير يطالبان فيه المؤتمر الوطني "بتسليم السلطة إلى الشعب" في خمس ساعات. ومن المعلوم أن كتيبة القعقاع هي التي تتولى الحماية الشخصية لمحمود جبريل ويرأسها عماد الطرابلسي، أما كتيبة الصواعق فيتولى رئاستها عثمان مليقطة وهو أخ رئﯾس الھﯾئة التسﯾﯾرﯾة العلﯾا لتحالف القوى الوطنﯾة عبد المجﯾد ملﯾقطة. وهاتان الكتيبتان تتبعان كتيبة الزنتان التي تدين بالولاء لتحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل.
لقد نجحت أميركا من خلال الضغط الشعبي على المؤتمر الوطني وما صاحبه من "محاولة انقلاب إعلامية" قام بها خليفة حفتر وما تبع ذلك من تهديدات كتيبتي القعقاع والصواعق، في إقحام الأمم المتحدة للقيام بدور الوسيط بين الفرقاء السياسيين من أجل إرساء "حوار وطني" يكون الغرض منه مراقبة العملية السياسية في ليبيا عن قرب حتى تتم صياغة الحياة السياسية والفكرية والدستورية للدولة والمجتمع بكيفية لا تخرج عن الإطار العام الذي وضعته لثورات الربيع العربي كجزء من إعادة صياغة المنطقة سياسياً وفكرياً ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير. وللوصول إلى هذه الأهداف تلوح أميركا للرأي العام وللقوى السياسية التي تتمنع عن السير في ركابها بشبح الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي كما هو الحال في سوريا وبفزاعة الانقلاب العسكري كما هو الحال في مصر، وفي نفس الوقت ترغبهم في الإقتداء بالنموذج التونسي الذي شهدت له أميركا بالرضا والقبول، وبخاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تونس يوم 18 شباط/فبراير وزيارة رئيس الوزراء التونسي المهدي جمعة إلى أميركا يوم 1/4/2014.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:25 PM
مؤتمر الحوار الوطني
ولذلك فلا غرابة أن تسند أميركا إلى تونس دور القيام بمحاولة إطلاق حوار وطني في ليبيا كما جاء ذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية التونسية مختار الشواشي في 21/4/2014 الذي قال أن الحوار سيضم كل الأطراف لإيجاد حل توافقي وتجنب انزلاق البلاد إلى وضع أسوأ. وأضاف الشواشي أن المبادرة حظيت بتأييد الحكومة الليبية وعدد من سفراء الدول في تونس بينهم السفير المصري والسعودي والأميركي والجزائري. ومع ذلك أكد الشواشي أن الخارجية التونسية تقترح أن يكون الحوار تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
إلا أن رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، أعلن عن رفضه المشاركة في "الحوار الوطني بين مختلف التيارات السياسية" الليبية الذي دعا إليه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي. وكشف جبريل في مقابلة أجرتها معه قناتا "العاصمة والدولية" وبثت يوم 22/4/2014، عن تلقيه دعوة من المرزوقي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، للمشاركة في الحوار الوطني. وقال جبريل مخاطباً القادة التونسيين: "كيف تدعوننا إلى الحوار؟ وهل تريدوننا أن نضع بصمتنا على ما فرض بالقوة؟". وخاطب خصومه السياسيين بالقول: "لكم الحكومة والبرلمان وافعلوا ما تشاؤون"، وأكد أنه لن يكون هناك حوار حقيقي من دون قبول الآخر، وأن الذي يجري حالياً "لا يمكن وصفه بغير حوار طرشان".
والحقيقة أن رفض محمود جبريل للمشاركة في مؤتمر الحوار الذي دعت إليه تونس سببه، أولاً أنه يسعى إلى جعل الأمم المتحدة هي التي تقوم بإدارة هذا الحوار مباشرة كما أفصح عن ذلك هو نفسه يوم 18 شباط/فبراير وكما اقترحت الخارجية التونسية نفسها ذلك. وثانياً، أن رفضه يدخل في اطار رفع سقف مطالبه السياسية، وهي بخاصة إلغاء كل من قانون العزل السياسي والهيئة العليا لتطبيق معايير النزاهة والوطنية، وإدخال تعديلات جوهرية على القانون المنظم لعمل دار الإفتاء، والتأكيد على العلمانية واللامركزية الجغرافية في الدستور القادم، وجمع السلاح من أيدي الكتائب المسلحة وقياداتهم الميدانية، وضرورة إعادة القيادات الأمنية والعسكرية التي كانت عاملة ضمن نظام القذافي بدعوى الاستفادة من خبراتهم السابقة.
رابعاً: الأهداف الإستراتجية لأميركا في ليبيا
لقد كان الصراع الداخلي بين رئيس الحكومة علي زيدان الأسبق وخصومه أمراً مكشوفاً داخل الحكومة والمؤتمر الوطني إلى درجة أنه أصاب مؤسسات الدولة بالشلل التام في وظائفها الوزارية. فحكومة علي زيدان المكونة من 24 حقيبة وزارية كانت تعيش حالة انقسام رهيب بين الوزارات التابعة لحزب العدالة والبناء وهي الغاز والنفط، الإسكان والمرافق، الشباب والرياضة، الاقتصاد، والكهرباء، وبين الوزارات الأخرى. وإذا كان علي زيدان عمل على عرقلة أي انجاز ميداني تقوم به تلك الوزارات مثل توالي الإضرابات في قطاع النفط فإن الإخوان المسلمين عرقلوا عمل الحكومة من خلال تحكم المؤتمر الوطني في الميزانية وصرف الأموال اللازمة لعمل بعض الوزارات عن طريق البنك المركزي.
ولذلك تعتبر مسرحية اختطاف علي زيدان مجرد حلقة ضمن سلسلة من الأعمال السياسية والأمنية التي تعيشها ليبيا للوصول بأهلها إلى قناعة مفادها أن تبني الفدرالية والتواجد العسكري الأجنبي هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في البلاد وتوفير الخدمات للناس. وإذا ما نجحت أميركا في الترويج لمشروع الفدرالية وتركيز تواجدها العسكري في ليبيا فإنه من السهولة بمكان بعد ذلك أن تحكم قبضتها بالكامل على النفط في ليبيا تنقيباً وإنتاجاً وتوزيعاً.
الترويج للفدرالية والتواجد العسكري
ولتوضيح هذين الهدفين يجدر بنا أن نفصل فيهما كما يلي:
1 - تقنين التواجد العسكري والتعاون الأمني:
يكاد لا يمر أسبوع أو حتى يوم في ليبيا إلا وتطالعنا وكالات الأنباء بأخبار التفجيرات والاغتيالات والاختطافات. بل تجاوز الأمر من التعدي على الأفراد إلى التعدي على الملكيات العامة وبخاصة في قطاع النفط. لقد أوجدت هذه الأوضاع الأمنية المتردية حالة كبيرة من الاحتقان الشعبي تنذر بأن البلد متجه نحو الصوملة في ظل تغطية إعلامية محلية وغربية تزرع اليأس والإحباط في نفوس الناس. ومما زاد الطين بلة هو عجز الحكومات بل تراخيها في بناء جيش وشرطة قادرين على توفير الأمن والحماية لعموم الناس، وهو ما فسح المجال أمام انتشار الميليشيات والكتائب المسلحة التابعة للأحزاب السياسية التي باتت تستعين بها وزارات الدفاع والداخلية لإسنادها في مهامها الأصلية. وهذا بحد ذاته أوجد مشاكل جديدة من حيث ولاء هذه القوات إلى أحزابها بدل الولاء للدولة. فغرفة عمليات ثوار ليبيا التي تشرف على العشرات من كتائب الثوار وتنسق بينهم الاتصالات ومنها مكتب مكافحة الجريمة هي محسوبة على رئيس المؤتمر نوري بوسهمين. أما "دروع ليبيا" التي تسند عمل وزارة الدفاع خاصة فهي من القوات المحسوبة على الإخوان المسلمين وبعض الحركات الإسلامية الأخرى.
وبما أن الإخوان المسلمين ورئيس المؤتمر العام نوري بوسهمين يعتبران في خندق واحد ضد علي زيدان وتحالف القوى الوطنية لمحمود جبريل، لذلك من الطبيعي أن يتم التنسيق الأمني والعسكري بين قادة دروع ليبيا وغرفة عمليات ثوار ليبيا. وإن استهداف دروع ليبيا يدخل ضمن الحملات المضادة التي قام بها رئيس الوزراء وحلفاؤه في معركة السيطرة على الأرض من أجل التحكم بالوضع الأمني والمشهد السياسي. وهو لم يكتفِ بذلك بل سعى إلى الاستقواء بالدول الغربية وعمل على إيجاد المبررات لتواجد قواتها بدعوى التدريب والتكوين من أجل التواجد العسكري الدائم.
وكما رأينا سابقاً فقبل مسرحية "اختطافه" ناشد رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان "المجتمع الدولي" أن يساعد ليبيا على استعادة الأمن وإنهاء الفوضى السياسية واستئناف تصدير النفط الذي تناقص بسبب الإضرابات والاحتجاجات. فقد ذكر زيدان أثناء زيارته لبريطانيا بشأن الاستثمار في ليبيا: "إذا لم يساعد المجتمع الدولي ليبيا في جمع الأسلحة والذخائر، وإذا لم نحصل على مساعدة لتكوين الجيش والشرطة فسيستغرق الأمر زمناً طويلاً جداً." وتابع: "لن يتحسن الوضع إذا لم نحصل على مساعدة حقيقية وعملية"، مؤكداً أنه "ما زال يريد حل الأزمة عن طريق الحوار وليس القوة".
ففي مجال التعاون الأمني مع أميركا نشرت بعض وسائل الإعلام أن مواقع تابعة لجماعة أنصار الشريعة الليبية في مدينة سرت تعرضت للقصف من طائرة أميركية بدون طيار يوم 14 تشرين أول/أكتوبر 2013. ورغم أن ذلك جاء على لسان رئيس الشرطة العسكرية في سرت رمضان محمد لوكالة الأناضول، إلا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع، عادل الشهابى، نفى صحة تلك الأنباء، وأكد أن عضوين في جماعة "أنصار الشريعة" قتلا إثر انفجار وقع في مدينة سرت خلال نقل الجماعة ذخيرة في إحدى سياراتها.
أما جماعة أنصار الشريعة فقد علقت على تلك الأخبار بأنها "محض كذب وافتراء". وقالت الجماعة في بيانها: "إن الهدف من وراء هذه الشائعات والأخبار، جعل الشارع الليبي يعتاد على ما يقوم به الغرب تحت لافتة (الحرب على الإرهاب)، وهي في الحقيقة حرب على الإسلام والمسلمين". وأشار البيان إلى أن البعض "يسعى لأن يحصل في ليبيا كما يحصل في اليمن وأفغانستان من خطف وقتل وقصف للآمنين تحت مرأى ومسمع الجميع". ودعت الجماعة في بيانها، أبناء الشعب الليبي للتيقظ لهذه "المكائد الخبيثة" التي يقودها بعض العلمانيين من إعلاميين وسياسيين ومفكرين بالتعاون مع الغرب، وتهدف إلى جعل المسلمين يعتادون على أخبار القصف والخطـف، كمــا حصل مع أبو أنس الليبي.
وسواء قامت أميركا بهذه الضربة الجوية على أحد مواقع أنصار الشريعة في ليبيا أم لم تقم بذلك، إلا أن الأكيد أن أميركا تعمل على تهيئة الرأي العام في ليبيا على مثل هذه الضربات الجوية لطائرات الدرون (drone) بفضل الاتفاق الأمني الذي صار بينها وبين عملائها في الحكومة والمؤتمر الوطني. إنه ليس غريباً أن تتحرك طائرات الدرون الأميركية من داخل ليبيا إذا علمنا أن قوات الأفريكوم (قيادة الولايات المتحدة في إفريقيا) هي التي تتولى مراقبة الحدود والمدن بمقتضى اتفاق سبق توقيعه مع الحكومة الليبية. فقد وافقت حكومة علي زيدان على تمديد عمل قوات الأفريكوم فيما يتعلق بمراقبة الحدود والمدن حتى شهر حزيران/يونيو من العام 2014. وصرح الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الليبية عبد الرزاق الشهابي حينها أن الحكومة جددت الاتفاق الليبي الأميركي والذي انتهى في حزيران/يونيو من العام الماضي ويقضي بتكليف قوات الأفريكوم بمراقبة الحدود لضمان استمرار الأمن وعدم تهريب الأسلحة للداخل والخارج. ويتعلق الاتفاق بتسيير رحلات استطلاع للحدود والمدن، بالنظر لحاجة ليبيا للاهتمام بالمراقبة مع انتشار عمليات تهريب الأسلحة، بحسب الشهابي. ونفى المتحدث باسم وزارة الدفاع في تصريح للأناضول أن تكون قوات الأفريكوم تتبع الأمم المتحدة، قائلاً إنها "قوات أميركية قد كلفت بهذا الأمر بعد اتفاق ليبي أميركي ومباركة من دول أصدقاء ليبيا"، دون أن يحدد متى تم تجديد هذا الاتفاق.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:25 PM
وتتوضح إمكانية استعمال أميركا لطائرات الدرون في ليبيا عندما نعلم ما كشفه مسؤول ليبي رفيع المستوى لـصحيفة "الشرق الأوسط" من أن السلطات الليبية تتعرض لضغوط أميركية مكثفة من أجل السماح لطائرات عسكرية أميركية دون طيار (الدرون) بتوجيه ضربة لمواقع تعتقد أجهزة الاستخبارات الأميركية أنها تابعة لتنظيمات محسوبة على تنظيم القاعدة أو موالية له في شرق ليبيا. وقال المسؤول: "طلبت السلطات الأميركية منا الموافقة على عمليات نوعية لاستهداف متطرفين على الأراضي الليبية، لكن إلى الآن لم يتم اتخاذ أي قرار". وأضاف: "ثمة اتصالات عسكرية وسياسية تتم حالياً بين طرابلس وواشنطن لهذا الغرض، لكننا لم نعط موافقتنا حتى الآن. إنه قرار صعب للغاية، خصوصاً أن الأميركان لا يشاركوننا معلوماتهم الاستخباراتية ولا مصادرهم". وأكد المسؤول الليبي أن "الموافقة على السماح للولايات المتحدة بضرب أهداف محتملة للمتطرفين في المنطقة الشرقية ليس أمراً سهلاً"، لافتاً إلى أن "الشعب الليبي لن يتسامح مع أي حكومة توافق على تمرير هذه الضربــات تحت أي غطاء".
وإضافة إلى تواجد قوات الأفريكوم في ليبيا والضغوط الأميركية لاستعمال الدرون، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الليبية، عبد الرزاق الشهابي، إن ليبيا بصدد التعاقد مع عدد من الشركات الأمنية الأجنبية لحماية الحدود الليبية والمساعدة في تجهيز وتطوير الجيش الليبي. وأوضح الشهابي، في مؤتمر صحفي، أن وزير الدفاع عبد الله الثاني، التقى مع فريق من ممثلين للعديد من الشركات الأجنبية المصنعة والمتخصصة في حماية الحدود، مشيرًا إلى أن الفريق قدم عروضًا مفصلة حول البرامج التي سيتم التعاقد معها والمتعلقة بتأمين الحدود من خلال أحدث الطرق والأساليب التقنية المتبعة في دول العالم. وأكد الشهابي أن ليبيا اتفقت مع دول الجوار، وبخاصة مصر والسودان وتشاد والنيجر على تشكيل فرق مشتركة لتأمين وحماية الحدود.
ومؤخراً ذكرت مصادر دبلوماسية أن حلف الناتو رشح الأردن لتدريب الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الليبية قريباً. وبالفعل قام وفد أردني حكومي وعسكري وأمني بزيارة إلى طرابلس للتفاهم على تنفيذ الاتفاقية التي وقعت في عمان منتصف شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2013 بين رئيسي الحكومة عبد الله النسور ورئيس الحكومة الليبية المؤقتة علي زيدان. وقد جاء ترشيح الناتو بعد استبعاد بريطانيا وبلجيكا من منافسة الأردن بسبب تقارب العادات والتقاليد الأردنية الليبية، وعدم إمكانية قبول العسكري الليبي لتدريبه على يد قوات أجنبية داخل البلاد. ولتنفيذ هذه المهمة قام بتاريخ 19/12/2013 وزير الداخلية الأردني حسين المجالي ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن والوفد المرافق لهما بزيارة إلى ليبيا. وقد استقبل علي زيدان رئيس الحكومة المؤقتة بمقر ديوان رئاسة الوزراء الوفد الأردني بحضور كبار المسؤولين الليبيين وعلى رأسهم وزير الدفاع الليبي عبد الله الثني الذي من المتوقع أن يزور الأردن خلال الفترة المقبلة.
وهكذا تستغل أميركا فوضى السلاح وانتشار الكتائب المسلحة التي نتجت عن سقوط القذافي لتركز وجودها العسكري الدائم في الأراضي الليبية. وتتخذ أميركا من فزاعة "الإرهاب" الذي أوجدته في منطقة الساحل والصحراء لتوجد لها ولحلفائها من أوروبا قواعد عسكرية دائمة، بدعوى مساعدة ليبيا في مجالات التدريب وتأهيل الكوادر وبناء الجيش وتقديم الاستشارات الفنية والدعم الأمني والتجهيزات والمعدات العسكرية. وفي هذا السياق أعلنت الأمم المتحدة أنها سوف تقوم بإرسال وحدة خاصة مكونة من 235 رجلاً إلى ليبيا، لحماية موظفيها ومنشآتها، وذلك بسبب تزايد التدهور الأمني في هذا البلد. وذكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون في رسالة طلب لهذه القوات وجهها إلى مجلس الأمن الدولي قائلاً: إن العاملين مع الأمم المتحدة في ليبيا "أصبحوا تحت تهديد متزايد بهجمات" بسبب التوتر في طرابلس و"نقص وجود قوات أمن وطنية موثوق بها".
2 - السعي في مشروع الفدرالية وتقسيم ليبيا إلى أقاليم:
يتخذ الذين يطالبون بالفدرالية من فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة شؤون البلاد وبخاصة توفير الخدمات والأمن في المدن والجهات ذريعة للسير في مشروع الأقاليم. ولكن الحقيقة أن مشروع الفدرالية تسير فيه الولايات المتحدة وبدعم من أوروبا _فضلا عن تفتيت بلاد المسلمين لإضعافهم_ من أجل المزيد من السيطرة المباشرة على الثروات النفطية الليبية وترسيخ التواجد الأمني والعسكري تحت مسمى اللامركزية والفدرالية الإدارية.
وقد ظهرت ملامح هذا المشروع حتى قبل سقوط نظام القذافي، وإن كان اليوم قد تعزز أكثر بفعل ضعف وفشل الحكومات المتوالية وبخاصة منذ وصول علي زيدان إلى رئاسة الوزراء.
فأثناء فترة حكم المجلس الوطني الانتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل، أعلن زعماء قبائل وسياسيون ليبيون منطقة برقة "إقليماً فدرالياً اتحاديا"، واختاروا أحد أقارب الملك إدريس السنوسي رئيساً لمجلسه الأعلى. وقد قرّر المجتمعون في مؤتمر عقد في مدينة بنغازي بمشاركة قرابة ثلاثة آلاف شخص من أهل برقة، "تأسيس مجلس إقليم برقة الانتقالي برئاسة الشيخ أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي لإدارة شؤون الإقليم والدفاع عن حقوق سكانه في ظل مؤسسات السلطة الانتقالية المؤقتة القائمة حالياً واعتبارها رمزاً لوحدة البلاد وممثلها الشرعي في المحافل الدولية". وأكد المؤتمرون، في بيان لهم، أن "النظام الاتحادي الوطني (الفيدرالي) هو خيار الإقليم كشكل للدولة الليبية الموحدة في ظل دولة مدنية دستورية شريعتها من القرآن والسنة الصحيحة". وأشار البيان إلى "اعتماد دستور الاستقلال الصادر في العام 1951 كمنطلق مع إضافة بعض التعديلات وفق ما تقتضيه ظروف ليبيا الراهنة، والتأكيد على عدم شرعية إلغائه القهرية من سلطة انقلابية، وعدم شرعية تعديله في العام 1963 للمخالفات الدستورية الواضحة". وأكد المؤتمرون في بيانهم "رفض الإعلان الدستوري وتوزيع مقاعد المؤتمر الوطني (الجمعية التأسيسية)، وقانون الانتخاب وكافة القوانين والقرارات، التي تتعارض مع صفة السلطة القائمة كسلطة انتقالية".
وبعد سنة من هذا الإعلان أعاد أحمد الزبير السنوسي، رئيس ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي لإقليم برقة"، يوم السبت 1/6/2013 الإعلان من جانب واحد برقة "إقليماً فيدرالياً اتحادياً ضمن إطار الدولة الليبية". وقال السنوسي إن "المجلس الانتقالي للإقليم سوف يقوم بتشكيل مجلسي شيوخ ونواب ببرقة إلى أن يتم إجراء انتخابات في الإقليم. كما سيتم تشكيل حكومة برقة في الإقليم بالتعاون مع كافة الأطراف السياسية". وقال السنوسي في تصريحات عبر الهاتف لوكالة الأنباء الألمانية: "كل أهل برقة معنا بما فيها من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني باستثناء الإخوان المسلمين، ولكن هؤلاء شعبيتهم قليلة ببرقة". وأردف السنوسي الذي كان عضواً في المجلس الانتقالي الليبي السابق: "هم معترضون على خطوتنا لأنهم يريدون ويسعون للسيطرة على ليبيا بأكملها.. هم لم ينجحوا في سعيهم للسيطرة التامة على البلاد حتى الآن.. قاموا بانقلاب في طرابلس أسموه محاصرة الوزارات والمؤتمر الوطني، والعالم كله شهد على ذلك ويعرفه جيداً". وأكد أن إعلان برقة إقليماً فدرالياً لا يعني انسلاخ برقة من جسد الدولة الليبية وإنما يعني أن الإقليم سيتمتع بإدارة ذاتية وبخاصة لإدارة شؤونه مع وجود قوة شبه عسكرية لحماية وضبط الأمن به.
عندما أعلن أحمد السنوسي عن إقليم برقة في المرة الأولى جاء رد الفعل عليه من رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل الذي اتهم دولاً عربية لم يسمّها بـ"إذكاء الفتنة" في شرقي البلاد "حتى لا ينتقل إليها طوفان الثورة". وأضاف إن "ما يحصل اليوم هو بداية مؤامرة ضد البلاد. هذه مسألة خطيرة تهدد الوحدة الوطنية"، محذراً من "عواقب خطيرة" قد تؤدي إلى تقسيم ليبيا، ومشدداً على أن "ليبيا لها عاصمة واحدة هي طرابلس".
أما في المرة الثانية من إعلان "إقليم برقة" على لسان أحمد السنوسي فلم تتخذ حكومة علي زيدان أي موقف رسمي لمواجهة تصريحات السنوسي هذه التي تمت في تجمع لأنصار المطالبين بالفدرالية بمدينة المرج. وهذا الصمت الذي تزامن مع تحويل أربع شركات وطنية إلى بنغازي يشير إلى تواطؤ هذه الحكومة المؤقتة في تسهيل مشروع سلخ الإقليم الشرقي (إقليم برقة) عن بقية أجزاء البلاد.
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:26 PM
التواطؤ الحكومي لدعم الفدرلة
فبدعوى اللامركزية الإدارية قررت الحكومة الليبية المؤقتة قبل ستة أشهر "نقل مقار أربع شركات من مدينة طرابلس إلى مدينة بنغازي، في خطوة نحو توزيع المؤسسات الحكومية على مختلف المدن الليبية لتحقيق اللامركزية". وبحسب المرسوم فإن "المكاتب الرئيسية الجديدة للخطوط الجوية الليبية، والشركة الليبية للتأمين، وشركة الاستثمار الوطني، وكذلك المؤسسة الوطنية للنفط التي يوجد مقرها في طرابلس، سوف تقام في بنغازي"، وطلبت الحكومة من الوزارات التي تشرف على تلك الشركات باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد.
صحيح أن نقل مقار شركات وطنية كبرى من طرابلس إلى بنغازي أو توزيع بعض المؤسسات الحكومية على بعض الولايات لا يعني بالضرورة أن هناك سيرا نحو الفدرالية، لكن القيام بنقل هذه المؤسسات في هذا التوقيت الذي تستعر فيه المطالبة من الشرق الليبي بتبني الفدرالية وفي ظل رفض أهل طرابلس لذلك.. فإن مثل هذه العملية يراد منها سلب أهل طرابلس أدوات المقاومة لمشروع الفدرالية وتقوية أهل الشرق بهكذا مؤسسات وبخاصة من خلال وجود حوالي 60% من النفط الليبي في مناطقهم .
ولتأكيد هذا التواطؤ الحكومي مع الساعين في مشروع الفدرالية وتسريع إنجازه على الأرض رغم المعارضة الكبيرة التي يلقاها من عموم الناس، بدأ أصحاب الفدرالية يعملون على تشكيل قوات عسكرية تجابه القوات العسكرية الرافضة للمشروع. فقد أعلن أحمد السنوسي عن تأسيس قوة خاصة بالإقليم أطلق عليها اسم "قوة درع برقة"، وأوضح أنها "قوة شبه عسكرية مهامها حفظ الأمن بالإقليم ومساعدة الجيش والشرطة دون أن تلغي وجودهما .. وهذه ليست بدعة، بل هي موجودة بعدد من الأنظمة العربية وغيرها ويطلق عليها قوة ردع أو الحرس الوطني أو الأمن الداخلي". ورفض السنوسي الإفصاح عن عدد تلك القوة، مكتفيا بالتأكيد على أنها تتألف "من ضباط وشباب خاضوا غمار ثورة 17 شباط/فبراير، وهي جاهزة للدفاع عن الإقليم وإن كانت لن تلجأ لحمل السلاح واستخدامه إلا إذا "ما تم الاعتداء عليها". وألقى السنوسي باللوم والمسؤولية على الحكومة الليبية والمؤتمر الوطني حول ما يتردد بشأن تحول مناطق الحدود الليبية وخاصة بالجنوب لمناطق تهريب للسلاح وإيواء "العناصر المتطرفة"، وقال: "هذا نتيجة عجز الحكومة والمؤتمر الوطني وعدم توجيه أي اهتمام من قبلهما للحدود حتى أصبحت الأخيرة مرتعاً للعصابات والمتطرفين".
وفي خطوة تزيد من خطورة مشروع التقسيم وجدية السير فيه أعلنت مؤخراً مجموعة انفصالية أخرى بتاريخ 18/8/2013 تطلق على نفسها "حركة شباب برقة" بأنها قامت بتشكيل قوة عسكرية مستقلة تسمى "قوة حماية برقة" من أجل إدارة الأمن فيه. كما أعلنت تلك المجموعة إقليم برقة إقليماً فدرالياً تحت إدارة ذاتية خلال اجتماع عقدته في مدينة رأس لانوف وسمت إبراهيم سعيد الجضران رئيساً للمكتب السياسي للإقليم وأكدت أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في الإقليم. واستبقت "حركة شباب برقة" إعلانها الانفصالي بسيطرة مجموعات مسلحة مؤيدة للانفصال تحت ستار الفدرالية على موانئ تصدير النفط في المنطقة التي تنتج نحو 75 بالمائة من النفط ومنعت التصدير منها حينها . واللافت للانتباه أن إبراهيم سعيد الجضران الذي أعلن رئيساً للمكتب السياسي "لإقليم برقة" كان رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية والمتهم من قبل الحكومة في طرابلس بسرقة النفط، مما اضطرها إلى إعفائه بعد فضيحة تورط علي زيدان في قضية ما عرف بالصكوك المالية. وهذا يظهر مدى تآمر فصيل رئيس الوزراء الأسبق في التستر على دعاة الفدرالية، كما يكشف أن الهدف الحقيقي وراء تشكيل تلك القوات هو العمل على فرض نفسها عسكرياً أمام قوات المناهضين لمشروع الفدرالية. فالكتائب المسلحة مثل "قوة درع برقة" و"قوة حماية برقة" وجدت للتصدي لـقوات "دروع ليبيا" التي تشكلت في 8 آذار/مارس 2012 لإسناد عمل وزارة الدفاع أيام وزير الدفاع أسامة الجويلي، وإن كانت تتبع رسمياً هيئة رئاسة الأركان التي تستخدمها كقوة احتياط، وهي محسوبة على "الثوار" الذين قاتلوا القذافي من الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية.
فبعد أسبوع من إعلان أحمد السنوسي تأسيس "قوة درع برقة" تعرض مقر "كتيبة درع ليبيا 1" يوم 8/6/2013 بمدينة بنغازي إلى حصار من بعض أهالي المدينة الموالين لحكومة زيدان مطالبينها بتسليم أسلحتها للجيش وإخلاء المقر الذي تتواجد فيه والابتعاد عن المظاهر المسلحة بالمدينة. وقد نتج عن هذا الحصار والصدام استخدام مختلف أنواع الأسلحة عندما حاول عشرات المتظاهرين وبينهم مسلحون طرد عناصر درع ليبيا من بنغازي. وبعد أن طوقوا المقر دعوا قوات الأمن النظامية إلى اقتحامه. وقد علق المتحدث الرسمي باسم قيادة أركان الجيش الليبي علي الشيخي على هذه المصادمات، التي نتج عنها 50 قتيل و100 جريح، بالقول: إن "درع ليبيا هي قوة احتياط للجيش الليبي ومهاجمتها تعني الاعتداء على قوة شرعية".
إعلان تشكيل حكومة برقة
ويبدو أن دعاة الفدرالية في شرق البلاد اكتسبوا قوة وجرأة جعلتهم يعلنون في مؤتمر صحفي بتاريخ 24/10/2013 عن تشكيل حكومة من 24 حقيبة وزارية لتسيير شؤون "إقليم برقة". كما أعلنوا عن تقسيم الإقليم إلى أربع محافظات إدارية هي: أجدابيا وبنغازي والجبل الأخضر وطبرق. وتم تعيين عبد ربه عبد الحميد البرعصي رئيساً للمكتب التنفيذي لحكومة الإقليم، وتكليف نجيب سليمان الحاسي بمهام قيادة قوة الدفاع للإقليم التي اتخذت من البريقة مقراً لها. وقد صرح البرعصي بالقول: "سنولي اهتمامنا بقطاع الأمن الشائك والذي ساهمت في انفلاته التشكيلات العسكرية الخارجة عن الشرعية". أما رئيس المكتب السياسي للإقليم إبراهيم الجضران فقال إن شعار هذه الحكومة الإقليمية هو "برقة الانطلاقة وليبيا الهدف".
ورغم هذا التحرك الخطير من جانب دعاة الفدرالية في الشرق، رفض رئيس الحكومة في حينه علي زيدان التعليق على تلك الدعوات الانفصالية وكأن المؤامرة تحدث في بلد آخر. وقال: إن "الحكومة لم تعلق على إعلان برقة لأن ليبيا دولة ذات سيادة ولا يستدعي الأمر إثارة أية ضجة إعلامية حوله". وأضاف أن "الحكومة تعرف متى تعلق ومتى تهتم"، مشيراً فقط إلى أن "جميع أهالي المنطقة الشرقية ضد تحويل برقة إقليماً فدرالياً".
دعوات الانفصال في الجنوب
أما في المنطقة الجنوبية فدعوات انفصال "إقليم فزان" تحركت في نفس الفترة التي بدأت فيها الدعوات بإنشاء "إقليم برقة". فعلى إثر اختطاف موظف في شركة الكهرباء الليبية وقتله على أيدي رجال من قبيلة التبو، تطورت الاشتباكات بين مسلحين تابعين لقبيلة التبو و"ثوار" ليبيين يمثلون المجلس الوطني الانتقالي في مدينة سبها الجنوبية. ونتج عن هذا الصدام تصريحات ودعوات بالانفصال جاءت على لسان زعيم قبيلة التبو، عيسى عبد المجيد منصور، الذي قال: "نعلن إعادة تنشيط جبهة التبو لإنقاذ ليبيا (التي كانت تعارض نظام القذافي) لحماية التبو من عملية تطهير عرقي. وإذا دعت الحاجة فسنطالب بتدخل دولي، وسنسعى إلى إنشاء دولة على غرار جنوب السودان". وأضاف منصور: "تبيّن أن المجلس الوطني الانتقالي ونظام القذافي لا يختلفان. للمجلس الوطني الانتقالي خطة للقضاء علينا". وتابع: "قلنا إن وحدة ليبيا فوق كل اعتبار، لكن الآن علينا أن نحمي أنفسنا والأقليات الأخرى". وأوضح زعيم التبو، أنه "اليوم تحوّلت المشكلة من نزاع قبلي إلى نزاع عرقي"، مؤكداً أن "الهجمات تستهدف أي شخص بشرته سوداء".
وبعد سنة من هذه الدعوات نقل عن مجموعة من أعيان ومشايخ المنطقة الجنوبية إعلانهم "إقليم فزان" إقليماً فدرالياً، كما أعلنوا تشكيل المجلس الاجتماعي الأعلى لقبائل فزان، في ملتقى عقدوه في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2013 بمدينة أوباري. وبرَّرت المجموعة قرارها بسبب ما وصفته بـ"ضعف أداء المؤتمر الوطني وعدم تلبية الحكومة لمتطلبات الشارع الليبي وخاصة في منطقة فزان". ونقلت صحيفة أجواء البلاد المحلية عن أحمد إبراهيم رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى القبائل والعشائر والمكونات الاجتماعية بفزان قوله: "نحن نرى أن الحكومة غائبة عن فزّان ولا وجود لها على أرض الواقع، ولو كانت حاضرة لما طرحنا خيار الفدرالية". وفي ظل غياب رد رسمي من الحكومة على ذلك التحرك الانفصالي استنكر بشدة مجلس الحكماء والشورى واتحاد مؤسسات المجتمع المدني في مدينة سبها بجنوب ليبيا ما تردد حول الإعلان عن الفدرالية لمنطقة الجنوب الغربي أو فزَّان. وأوضح المجلس في بيان له أن أولئك الانفصاليين لا يمثلون إلا أنفسهم، وأنه متمسك بالثوابت الوطنية وشرعية الدولة المتمثلة في المؤتمر الوطني العام، والحكومة ووحدة التراب الوطني، مؤكداً وفاءه لدماء الشهداء وأن مقدرات ليبيا النفطية والمائية لجميع الليبيين.
إن أميركا ودول أوروبا تدعم مشروع إقليم فزَّان خصوصاً أن هذا الإقليم الجنوبي يتميز باحتوائه على أهم منابع النفط والماء وعلى عدد قليل من السكان ينتمون إلى عدد من القبائل العربية إلى جانب قبائل الطوارق والتبو. إن إقليم فزان هو الأقل سكاناً في ليبيا حيث يبلغ تعداده حسب احصائيات 2006 حوالي 430 ألف نسمة. وهو يزخر بالثروات الطبيعية ومنها النفط والغاز واليورانيوم والذهب والفوسفات والزنك والحديد إضافة إلى المياه الجوفية التي ينطلق منها النهر الصناعي العظيم نحو مناطق الساحل والوسط. ولذلك فإنه يتوقع أن يكون إقليم الجنوب هو الأقرب إلى إعلان الاستقلال التام عن الدولة الليبية بسبب ثرواته الهائلة وبسبب العمل الحثيث على تغيير التركيبة السكانية بفعل الهجرة الكثيفة التي يشهدها الإقليم من الدول الإفريقية المجاورة.
إن السعي في مشروع الفدرالية أو الرغبة في تقسيم ليبيا سوف يجعل من طرابلس الإقليم الأكثر كثافة من حيث السكان (4.5 مليون نسمة) هو الأفقر من حيث الموارد، في حين أنه سوف يسيطر إقليم برقة على 60% من الثروة النفطية وإقليم فزَّان على 40% منها. ولذلك يلقى هذا المشروع رفضاً شديداً من عامة الناس والعلماء والتيارات الإسلامية. أما التيارات العلمانية والليبرالية فإنها في أغلب الحالات تلازم الصمت أمام دعوات الانفصال باسم الفدرالية، وفي بعض الأحيان لا تجد غضاضة في تفهم مطالب دعاة الفدرالية بل إن بعضها يحاول إقناع الناس وتضليلهم بأن الفدرالية ليست نظاماً سياسياً وإنما هي تطبيق للامركزية إدارية أو جغرافية من أجل تقريب خدمات الدولة نحو المواطن.
ففي حوار صحفي برر محمود جبريل وجود دعوات للفدرالية بسبب وجود الكتائب المسلحة والسلطة المركزية وقال: "من مصراتة حتى الحدود التونسية. بالتالي فإن المواطن هناك يلمس أن تلك الكتائب المسلحة أصبحت تملي إرادتها على الأجسام التي ولدت بسبب انتخابات 7 تموز/يوليو (2012)، التي هي المؤتمر الوطني والحكومة. فهذه الأجسام المنتخبة أصبحت لا تملك من أمرها وقرارها السيادي شيئاً. بل أصبح يملي عليها الآخرون ما يجب عليها أن تقوم به تبعاً لما يريدون بقوة السلاح". وأضاف قائلاً: "والأمر الثاني، أن عدم الاستقرار أصبح مسلسلاً طويلاً بلا نهاية. بالتالي فالمواطن بالمنطقة الشرقية وحتى الجنوبية، الذي عانى من التهميش لفترة طويلة، بدأ يجد المبررات للعودة إلى النظام الفدرالي القديم وتقسيم البلاد إلى 3 ولايات، بحيث كل يبدأ حياته. وحين تستقر الأمور في المنطقة الغربية لكل حادث حديث. فما تفعله بعض الأطراف في المنطقة الغربية تلك، أعطى المبرر لكثير من الدعاوى في المنطقة الشرقية للحديث مرة أخرى عن الفدرالية والولايات الثلاث". وختم محمود جبريل بالقول: "ونحن ندعو إلى اللامركزية، ندعو إلى تنمية مكانية، ندعو إلى أن القرار يصبح بيد البلديات المنتخبة، لا بيد الحكومة المركزية تنموياً. فهذا الأمر لو تم سيعفي الكثيرين من الحديث عن الفدرالية وعن الولايات الثلاث وعن التقسيم. لكن الحقيقة أن السلطة المركزية والاستحواذ على ميزانية الدولة والبطء في اتخاذ القرار، ثم الرضوخ لهيمنة كتائب مسلحة أعطى مبرراً للكثيرين أن المخرج ربما هو العودة إلى الفدرالية مرة أخرى".
كاتب صحفي
21-05-2014, 12:27 PM
أمازيغ ليبيا
لقد مثلت هذه التطورات تهديداً حقيقياً للبلاد لأنها كشفت إلى أي مدى وصلت فيه دعاوى المنادين بالفدرالية شرقاً وجنوباً، وفتحت الباب أمام حركات انفصالية في الغرب بين الأمازيغ في جبل نفوسة. وكأن مشروع تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم كما كان الحال قبل العام 1951 لا يكفي حتى يتم الدفع والتحريض نحو فصل الأجزاء الغربية من إقليم طرابلس التي يراد لها أن تتحد بالأجزاء الجنوبية للبلاد التونسية. ويبدو أن مطالب بعض الأمازيغ في ليبيا تجاوزت الإطار الثقافي وأخذت اتجاهاً سياسياً عندما بدأوا بالنزول إلى الشارع منذ تشرين ثاني/نوفمبر 2011 أمام وداخل مقر مجلس الوزراء في العاصمة ضد الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الرحيم الكيب حينها. وطالبوا بإشراكهم في الحياة السياسية رافعين لافتات ومرددين شعارات تندد بإقصائهم وتهميشهم. ومطالبين الكيب بالاعتذار عن تشكيلة الحكومة كونها تمت "بناءً على عملية إقصاء وتهميش للبعض ممن ضحوا بدمائهم في سبيل ليبيا"، بل وطالبوا ممثليهم في المجلس بتجميد عضويتهم كأسلوب لممارسة الضغط السياسي والإعلامي على الحكومة.
ثم ترجم الأمازيغ تحركاتهم بالإعلان عن تأسيس "المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا" خلال مؤتمر عقد بطرابلس في شباط/فبراير 2013، تحت عنوان: "ملتقى الاستحقاق الدستوري لأمازيغ ليبيا". وقد خرج هذا المؤتمر ببيان ذكر فيه بأن ينص الدستور الليبي الجديد على أن "الهوية الليبية هي هوية دولة ليبيا بعمقها الأمازيغي العريق" وبإدراج اللغة الأمازيغية لغة رسمية لليبيا "متساوية مع غيرها من اللغات الرسمية في قيمتها لدى جميع الليبيين". وشدد الأمازيغ في بيانهم على أن "الدستور الذي سيكون محل اعتراف وتقدير منا هو الدستور الذي يعترف بنا وكل الليبيين على قدم المساواة".
وبالفعل أصدر المؤتمر الوطني العام في 31 تموز/يوليو 2013 قانوناً اعتبر بموجبه لغات الأمازيغ والطوارق والتبو من المكونات اللغوية والثقافية للمجتمع الليبي، ومنح أحقية الناطقين بها تعلمها ضمن المناهج الدراسية للبلاد بصورة اختيارية. غير أن ذلك يبقى غير كاف لدى الأمازيغ الذين يطالبون بتمثيل أكبر في البرلمان بعد أن خصص لهم المؤتمر الوطني العام 6 مقاعد. كما يطالبون بدسترة لغتهم ومنحهم حقوقهم الثقافية والعرقية في دستور ليبيا المرتقب مع بقية أمازيغ الصحراء أو ما يعرفون بـ"أمازيغ تينيناي" وهم قبائل التبو والطوارق المنتشرة وبخاصة في تشاد ومالي والنيجر وجنوب كل من الجزائر وليبيا.
ولإثبات وجودهم على الأرض وإبراز مطالبهم السياسية والثقافية قام أمازيغ من سكان نالوت بجبل نفوسة الغربي (250 كلم جنوب غرب طرابلس) يوم 8/8/2013 بإغلاق خط الغاز الذي يمر عبر المدينة ويغذي مجمع مليتة النفطي (80 كلم غرب طرابلس) احتجاجاً على اعتماد البرلمان قانون انتخاب الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور الدائم والمؤرخ في 26 تموز/يوليو 2013. فخط الغاز الذي يمر عبر المدينة والقادم من حقل الوفاء بحوض مدينة غدامس الحدودية (600 كلم حنوب غرب طرابلس) ويغذي مجمع مليتة النفطي هو أهم خط متجه إلى إيطاليا بالغاز عبر أنبوب بحري. إن مثل هذا التهديد لاحتياجات أوروبا من النفط سوف يؤثر على مواقف بعض الشركات النفطية المترددة في دعم المطالبين بالفدرالية داخل الإقليم الشرقي بسبب تخوفها من إعادة التوقيع على العقود النفطية مع الحكومة الإقليمية بدل الحكومة المركزية. إن خطورة هذه التحركات الميدانية والسياسية في الجبل الغربي أنها قد تتجه لتصير حركة فعلية للإعلان عن "إقليم أمازيغي" يضم مناطق جبل نفوسة ومدينتي زوارة وغدامس التابعة لإقليم طرابلس. وتتزامن هذه التحركات مع ارتفاع أصوات في تونس تدعو إلى فصل مناطق تطاوين ومدنين وبنقردان وجرجيس وجزيرة جربة عن البلاد التونسية وضمها إلى "إقليم أمازيغ ليبيا" من أجل إحياء "كونفدرالية ورغمة" كما سماها المستعمر الفرنسي عندما احتل تونس عام 1881.
الخاتمة:
إن أميركا تعمل على تأبيد حالة الفوضى والفلتان الأمني الذي تعيشه ليبيا ضمن نظرية الفوضى الخلاقة. وهي تستغل حالة انعدام الثقة في الحكومة المركزية بطرابلس وظروف التهميش الذي عانته مناطق "برقة وفزَّان وجبل نفوسة" إبان حكم معمر القذافي وحتى إلى يومنا هذا. كما تستغل أميركا الوضع التاريخي الذي كانت عليه ليبيا حتى تعطي فرصة للقوى المنادية بالفدرالية سواء كانت في الحكم أو خارجه لتكسب حضوراً أوسع بين الناس وتؤسس لرأي عام محلي ودولي داعم لدعواتها الانفصالية. فقد كانت ليبيا بعد "استقلالها" عام 1951 مملكة اتحادية تتألف من ثلاث ولايات هي طرابلس وبرقة وفزَّان، وكانت برقة أكبر تلك الولايات من حيث المساحة. وفي العام 1963 جرت تعديلات دستورية الغي بموجبها النظام الاتحادي، وحلت الولايات الثلاث، وأقيم بدلاً منها نظام مركزي يتألف من عشر محافظات.
إنَّ ما يتم الترويج له سياسياً وإعلامياً على المستويات المحلية والإقليمية والدولية أن انتشار السلاح والكتائب المسلحة وظهور ما يسمى "الإرهاب" في منطقة الساحل والصحراء هو السبب في إعاقة بناء الدولة في ليبيا وبخاصة مؤسستي الجيش والشرطة. لكن الحقيقة أن ذلك يراد منه إخفاء السبب الحقيقي وراء ما يعانيه هذا البلد الإسلامي وكذلك يراد إخفاء الغايات البعيدة التي تعمل أميركا على انجازها من وراء هذه الفوضى الأمنية.
والحقيقة أن ما تشهده ليبيا اليوم هو نتيجة السياسة التي اتبعتها الغرب الكافر في ربط الشخصيات والأحزاب السياسية وبعض الكتائب المسلحة قبل وبعد زوال نظام القذافي سواء به أو بعملائه في المنطقة. ثم عمل على تغذية كل أنواع الصراع بينها من أجل التحكم المطلق بالثروة والسلطة في ظل الفراغ الأمني والسياسي الذي عانت منه البلاد وقتها.
وقد نتج عن ذلك الصراع الداخلي تبادل الاتهامات بشأن الارتباطات الخارجية والارتهان لأجندات أجنبية عمقت حالة الإنقسام بين مناطق ليبيا وقبائلها إثر التدخل الخارجي سياسياً وعسكرياً ضد القذافي. والنتيجة من وراء ذلك أن أميركا استغلت هذه البيئة الأمنية والسياسية المعقدة التي صنعتها لتكون بمثابة الحاضنة للأجندات الدولية سواء عبر التواجد العسكري والاتفاقات الأمنية أو عبر الترويج لمشاريع الانفصال والفدرالية. وحتى تنجح أميركا في ذلك لا بد لها أن تصل بكل المنظمات السياسية والعسكرية إلى حالة من توازن القوى يضطر فيه الجميع إلى القبول بفكرة أن "ليبيا تحتاج إلى مساعدة المجتمع الدولي". وما هذا سوى مقدمة للتدخل الأجنبي سواء على مستوى تدريب الضباط والجنود وإعداد الشرطة والجهاز القضائي، أو على مستوى كتابة الدستور ووضع البرامج الاقتصادية للتنمية، أو على مستوى إعادة صياغة أفكار الناس ومفاهيمهم عبر مناهج التعليم ووسائل الاتصال والإعلام.
أما طريقة الوصول إلى ذلك فهي عبر تغذية الصراعات والنزاعات الداخلية بين القبائل والجهات والكتائب المسلحة والتيارات السياسية. والنتيجة هي الوصول بليبيا إلى وضع "الدولة الفاشلة" التي تفقد السيطرة الفعلية على أراضيها وتفقد إرادتها في اتخاذ القرارات والقدرة على تنفيذها وأخيراً تصبح عاجزة كليا عن توفير الحد الأدنى من الأمن والخدمات لسكانها. وهنا تصبح الدولة لقمة سائغة لكل التدخلات والإملاءات والمشاريع الأجنبية وعلى رأسها تقسيم البلد وتفتيته من أجل التحكم المطلق بمصادر الطاقة وتركيز القواعد العسكرية دون تدخل الحكومة المركزية.
ومن أهم أدوات التدخل هي الزيارات التي يقوم بعض المسؤولين الأميركيين من حين لآخر بقصد إعطاء التعليمات والنصائح في كيفية التعامل مع الأحداث الجارية. وما الزيارة التي قام بها السيناتور الأميركي جون ماكين إلى طرابلس يوم 3/12/2013 والتي لم يعلن عنها مسبقاً، سوى أحد الأدوات لإعطاء التعليمات و"النصائح" وحصاد حالة الفوضى التي تمر بها البلاد بسبب تبعية حكامها لأميركا والغرب وبسبب سطحية تفكير ساستها في علاج المشاكل التي يعاني منها الناس. وقد تقابل ماكين خلال هذه الزيارة مع نوري بوسمهين رئيس البرلمان وعلى زيدان رئيس الحكومة حينها . ومن الواضح أن تلك الزيارة تهدف إلى نقل رسالة من أميركا للمسؤولين في ليبيا بضرورة تسهيل التواجد الأميركي والغربي في البلاد بحجة تصاعد أحداث العنف والاغتيالات والظهور البارز للحركات "الجهادية" المسلحة خاصة في شرق البلاد.
ولعل آخر زيارة قام بها مسؤول أميركي كانت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز إلى طرابلس في 24/4/2014. ورغم أن الزيارة لم تستغرق أكثر من 24 ساعة إلا أن بيرنز أكد خلال مؤتمر صحافي في ختام زيارته أن "تصاعد التطرف العنيف هو تحد هائل، أولاً بالنسبة إلى ليبيا وكذلك بالنسبة إلى شركائها الدوليين". وأضاف أن واشنطن على استعداد لمساعدة ليبيا في بناء قواتها الأمنية وتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي أنه بحث مع المسؤولين الليبيين في الوسائل الرامية إلى تحسن الوضع الأمني والعملية الانتقالية الديموقراطية والنمو الاقتصادي في بلد نفطي تهزه أعمال العنف والفوضى. وأضاف بيرنز "بحثنا في الدعم الدولي لمساندة جهود ليبيا في مجال إصلاح الجهاز الأمني وتحسين الأمن على الحدود ومراقبة انتشار الأسلحة وتعزيز دولة القانون". وقال بيرنز أنه تحدث "مطولاً عن تدريب قوات أمنية متعددة المؤهلات في ليبيا والإجراءات التي يتعين اتخاذها لتسريع العملية".
وأخيراً فإن في المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بتاريخ 28/9/2013، ما يكشف عن حجم المؤامرة التي تتعرض لها ليبيا وعدد من الدول العربية بقصد تفتيتها في صورة أكثر مأساوية من معاهدة "سايكس بيكو" في عام 1916. فقد تحدثت الصحيفة عن خريطة جديدة تظهر تقسيم 5 دول في الشرق الأوسط إلى 14 دولة. وهذه الدول هي السعودية وسوريا وليبيا واليمن والعراق. وفيما يخص ليبيا فقد قسمتها الصحيفة إلى دويلتين هما طرابلس وبرقة، وقالت إنه من الممكن أن تصبح ثلاثة بانضمام دولة فزَّان في الجنوب الغربي، وذلك نتيجة النزاعات القبلية والإقليمية القوية.
إن أميركا زعيمة الكفر التي تنفرد في قيادة العالم حالياً، تنفذ مشروعها (الشرق الأوسط الكبير) دون أن يقابلها ما يردعها من المسلمين الذين تنفذ مشروعها عليهم ومن أجل الحيلولة دون نهضتهم وانعتاقهم من استعمارها، بل هي تستعمل أبناء المسلمين أدوات طيعة لتنفيذ مشروعها الخبيث. ولا تبالي بمئات الآلاف من أبناء المسلمين الذين سقطوا إلى الآن ضحايا من أجل تثبيت مشروعها والاستمرار في تنفيذه، ولعل من أهم انجازاتها جعل العلمانية المتمثلة بما يطلق عليه (الدولة المدنية) مطلباً عند الكثير من المسلمين باعتبارها الخيار البديل عن (دكتاتورية) الطغمة الحاكمة في بلاد المسلمين. ومن انجازاتها تشويه الغاية التي يتطلع إليها المسلمون وهي تحكيم الشرع الإسلامي في حياتهم بإقامة سلطان الإسلام في الأرض (دولة الخلافة الإسلامية) وذلك بإظهار صورة ممسوخة عن تطبيق الإسلام وترويج تلك الصورة بواسطة إعلامهم الخبيث. ومن انجازاتها تركيز الفصل المذهبي والعرقي بين المسلمين، ووضع دساتير جديدة تضمن بعضها إقرار الفدرالية لتكون الحاضنة لتقسيم بلاد المسلمين مستقبلاً.
وعليه فإن مكافحة المشروع الأميركي والعمل الجاد على التخلص منه هو ما ينبغي أن يكون هدفاً لكافة المسلمين، بإدراك واقع المشروع وخطورته البالغة على الأمة ومستقبلها، ومقاومة الغزو الفكري والسياسي الأميركيين المتمثلين بما أطلقت هي عليه (معركة العقول والقلوب)، وتسخير قوى الأمة الفاعلة لإحباط المشروع الذي يعتمد في أدواته بشكل أساسي على أبناء الأمة وقواها الفاعلة ومنها جيوش بلاد المسلمين.
(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
14/رجب/1435هـ
13/5/2014م
هذا الإصدار ملحق بمجلة صوت الأمة في عددها الرابع عشر.
vBulletin® v4.0.2, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.