عادل محمد عايش الأسطل
13-02-2014, 08:53 PM
عبد الواحد نور عميل إسرائيلي !
د. عادل محمد عايش الأسطل
خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، كانت حالة الهدوء والاستقرار الاقتصادي، سبباً رئيساً في إقدامي على ابتياع جيب أمريكي الصنع (6 سلندر- 4x 4 ) موديل 1977، وبرغم كِبره في السن، واهتراء هيكله وفساد أحشائه، إلاّ أنه كان في أعين العامة (أجانس)، بسبب أن كانت الموديلات الحديثة والسيارات الجديدة بشكلٍ عام، لا تُرى إلاّ نادراً في قنوات التلفزيون الثلاث المتوفرة حينذاك، وهي المصرية والأردنية والإسرائيلية، التي لا ينقطع أحد عن مشاهدتها ما دامت مستمرّة في البث والإرسال.
لم تمضِ بضعة أسابيع، حتى كنت واحداً من المعدودين - الأبرع - في قيادة السيارات وبخاصة ذلك الجيب الأمريكي، وسواء كانت تلك القيادة من ناحية الفن أو الذوق أو الأخلاق، وهي الصفات التي تمثّل الشعار الأهم، الذي كانت ترفعه كل مدرسة لتعليم السياقة على جدرانها على الأقل. فقد كنت سريعاً ساعة السرعة وبطيئاً ساعة تتطلّب طُرقات السير وحركة المرور، ناهيكم عن القيادة البهلوانية، بين الكثبان الرملية صعوداً وهبوطاً وذات اليمين وذات الشمال وكأنني في (رالي) وإن كنت لا أُنافس إلاّ نفسي.
كل ذلك الفن وذلك الذوق وتلك الأخلاق إضافةً إلى المراس والخبرة المكتسبة فيما بعد، لم تشفع لي كلها أبداً وبالمطلق، حين استوقفني شرطي – جديد- لا يملك شرطة واحدة على كتفه، وعلِم بأن ليس لدي رخصة قيادة، وقام من فوره بتسجيل مخالفة، كانت سبباً مهمّاً في تغيير مجرى حياتي الاقتصادية وربما امتدت تداعياتها إلى الآن.
هكذا كان حال المدعو "عبدالواحد نور" الذي يُسمى بزعيم حركة تحرير السودان المتمردة ((U.P.F، التي تم تأسيسها في العام 2002، والتي تعتبر من أقسى العقبات وأشدّها التي تواجه حكومة الخرطوم في توقيع اتفاقيات السلام المتعلقة بإقليم دارفور المضطرب، حين كان محل انتقاد واستهجان شديدين، من قِبل جهات عربية وإسلامية رسميّة وشعبيّة، في أعقاب ظهوره أوائل العام الفائت، وإلى جواره (علم إسرائيل) ذو اللونين الأبيض والأزرق وتتوسطهما نجمة داوود الملك، ثاني ملوك مملكة إسرائيل الموحدة – حسب العهد القديم- وأحد أنبياء بني إسرائيل، حيث كانت نشرت صحيفة (آخر لحظة) السودانية على صدر صفحتها الأولى، صورة لـ "نور"، جالساً فى مكتبه، وقد وضع علم إسرائيل على يساره وراية حركته على يمينه، في إشارة واضحة وصارخة في نفس الوقت، لبيان العلاقة الوطيدة والمتطورة بين الحركة وإسرائيل، ومن ناحيةٍ أخرى، تحدّيه السافر وبكل جرأة، لمجموع الحكومات العربية وحكومة الخرطوم على نحوٍ خاص.
لدى الدول العربيّة وخاصةً دولة السودان، لم تشفع له مهارته في انشاء علاقات قوية مع إسرائيل، ولم يشفع له إقدامه علانية في إبراز مواهبه السياسية المختلفة، لنيّته في جلب الخيرات الإسرائيلية لحركته بخاصة وللسودان بشكلٍ عام.
فقد واجهت "نور" ووبخته وأنكرت عليه فعله، ليس كما يبدو (لديها) لأنه يؤمن بإسرائيل، أو لعلاقته بها ولزياراته المتتالية لها، ولا بسبب تأسيسه مكتباً ثابتاً لحركته في قلب مدينة تل أبيب، كما ليس بسبب الخشية من إتاحة الفرصة للإسرائيليين كي يسهل عليهم تخريب السودان والعبث بمقدراته وتقسيمه وجعله موطئ قدم لهم، لإفساد بقية العالمين العربي والإسلامي، بل جاءت توبيخاتها واستنكاراتها على كل حركاته بأشكالها، وتنقلاته على اختلافها، - فقط- بسبب عدم امتلاكه رخصة رسميّة تخوّله من فعل ما أقدم على فعله من غير اكتراثٍ أو حياء، والتي يتوجب في الأصل أن تكون صادرة عن مؤسسة معترف بها، عن الجامعة العربية – مثلاً- أو عن الحكومة المحليّة على الأقل.
لعل "نور" كان يرى نفسه مقتدياً برأيه وأنه على حق في مسألة اندفاعه إلى المحاولة نحو نسج مثل هذه العلاقات، لا سيما وأنه يرى الكثيرين من حوله (عرباً ومسلمين) وعلى اختلافهم، حُكّام ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين، يتسابقون باتجاه حيازة المقعد الأقرب إلى جانب الدولة العبرية سعياً إلى ترتيب علاقة متميزة معها، بهدف كسب ودّها أو دفعاً لشرورها، وسواء كانت تلك العلاقة سرّاً أو علانية، وفيما إذا كانت تؤدي الغرض أو تتجاوز إلى ما هو أعمق من ذلك أو ما بين بين. ولعلّه أيضاً كان يراهن بدرجة عالية على الرخصة الدولية التي بحوزته، وهي ربما تلك الصادرة عن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي أو عن مؤسسة الولايات المتحدة المخولة بذلك، والتي تكفل له السند والدعم اللازمين لتحقيق أغراضه والوصول إلى مبتغياته، والتي تذهب بعيداً ربما تتجاوز حكم السودان، حيث بادر إسرائيل منذ مدّة طويلة ومن تلقاء نفسه بالبشرى الكبرى، بإنشاء علاقات ثنائية استراتيجية وطيدة معها في اللحظات الأولى عند توليه سدة الحكم، لكنه وإلى الآن – كما يبدو – لم يُفلح، بسبب أن ما قام به بالنسبة إلى إسرائيل لا يتعدى حرف من كتاب تريد قراءته، ولدى العرب هو شيء مستفز، ويتعذّر عليهم تقبله بسهولة، وبالطبع فهو لا يستحق من جانب – أكثرهم- إلاّ بمعاملة تمييزية وعدائية، بسبب أنهم أصبحوا أقوياء ولهم أسس متينة بقدر كافٍ، يمثّلون من خلالها ذلك الكتاب الذي ترغب باقتنائه الدولة العبرية.
خانيونس/فلسطين
13/2/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، كانت حالة الهدوء والاستقرار الاقتصادي، سبباً رئيساً في إقدامي على ابتياع جيب أمريكي الصنع (6 سلندر- 4x 4 ) موديل 1977، وبرغم كِبره في السن، واهتراء هيكله وفساد أحشائه، إلاّ أنه كان في أعين العامة (أجانس)، بسبب أن كانت الموديلات الحديثة والسيارات الجديدة بشكلٍ عام، لا تُرى إلاّ نادراً في قنوات التلفزيون الثلاث المتوفرة حينذاك، وهي المصرية والأردنية والإسرائيلية، التي لا ينقطع أحد عن مشاهدتها ما دامت مستمرّة في البث والإرسال.
لم تمضِ بضعة أسابيع، حتى كنت واحداً من المعدودين - الأبرع - في قيادة السيارات وبخاصة ذلك الجيب الأمريكي، وسواء كانت تلك القيادة من ناحية الفن أو الذوق أو الأخلاق، وهي الصفات التي تمثّل الشعار الأهم، الذي كانت ترفعه كل مدرسة لتعليم السياقة على جدرانها على الأقل. فقد كنت سريعاً ساعة السرعة وبطيئاً ساعة تتطلّب طُرقات السير وحركة المرور، ناهيكم عن القيادة البهلوانية، بين الكثبان الرملية صعوداً وهبوطاً وذات اليمين وذات الشمال وكأنني في (رالي) وإن كنت لا أُنافس إلاّ نفسي.
كل ذلك الفن وذلك الذوق وتلك الأخلاق إضافةً إلى المراس والخبرة المكتسبة فيما بعد، لم تشفع لي كلها أبداً وبالمطلق، حين استوقفني شرطي – جديد- لا يملك شرطة واحدة على كتفه، وعلِم بأن ليس لدي رخصة قيادة، وقام من فوره بتسجيل مخالفة، كانت سبباً مهمّاً في تغيير مجرى حياتي الاقتصادية وربما امتدت تداعياتها إلى الآن.
هكذا كان حال المدعو "عبدالواحد نور" الذي يُسمى بزعيم حركة تحرير السودان المتمردة ((U.P.F، التي تم تأسيسها في العام 2002، والتي تعتبر من أقسى العقبات وأشدّها التي تواجه حكومة الخرطوم في توقيع اتفاقيات السلام المتعلقة بإقليم دارفور المضطرب، حين كان محل انتقاد واستهجان شديدين، من قِبل جهات عربية وإسلامية رسميّة وشعبيّة، في أعقاب ظهوره أوائل العام الفائت، وإلى جواره (علم إسرائيل) ذو اللونين الأبيض والأزرق وتتوسطهما نجمة داوود الملك، ثاني ملوك مملكة إسرائيل الموحدة – حسب العهد القديم- وأحد أنبياء بني إسرائيل، حيث كانت نشرت صحيفة (آخر لحظة) السودانية على صدر صفحتها الأولى، صورة لـ "نور"، جالساً فى مكتبه، وقد وضع علم إسرائيل على يساره وراية حركته على يمينه، في إشارة واضحة وصارخة في نفس الوقت، لبيان العلاقة الوطيدة والمتطورة بين الحركة وإسرائيل، ومن ناحيةٍ أخرى، تحدّيه السافر وبكل جرأة، لمجموع الحكومات العربية وحكومة الخرطوم على نحوٍ خاص.
لدى الدول العربيّة وخاصةً دولة السودان، لم تشفع له مهارته في انشاء علاقات قوية مع إسرائيل، ولم يشفع له إقدامه علانية في إبراز مواهبه السياسية المختلفة، لنيّته في جلب الخيرات الإسرائيلية لحركته بخاصة وللسودان بشكلٍ عام.
فقد واجهت "نور" ووبخته وأنكرت عليه فعله، ليس كما يبدو (لديها) لأنه يؤمن بإسرائيل، أو لعلاقته بها ولزياراته المتتالية لها، ولا بسبب تأسيسه مكتباً ثابتاً لحركته في قلب مدينة تل أبيب، كما ليس بسبب الخشية من إتاحة الفرصة للإسرائيليين كي يسهل عليهم تخريب السودان والعبث بمقدراته وتقسيمه وجعله موطئ قدم لهم، لإفساد بقية العالمين العربي والإسلامي، بل جاءت توبيخاتها واستنكاراتها على كل حركاته بأشكالها، وتنقلاته على اختلافها، - فقط- بسبب عدم امتلاكه رخصة رسميّة تخوّله من فعل ما أقدم على فعله من غير اكتراثٍ أو حياء، والتي يتوجب في الأصل أن تكون صادرة عن مؤسسة معترف بها، عن الجامعة العربية – مثلاً- أو عن الحكومة المحليّة على الأقل.
لعل "نور" كان يرى نفسه مقتدياً برأيه وأنه على حق في مسألة اندفاعه إلى المحاولة نحو نسج مثل هذه العلاقات، لا سيما وأنه يرى الكثيرين من حوله (عرباً ومسلمين) وعلى اختلافهم، حُكّام ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين، يتسابقون باتجاه حيازة المقعد الأقرب إلى جانب الدولة العبرية سعياً إلى ترتيب علاقة متميزة معها، بهدف كسب ودّها أو دفعاً لشرورها، وسواء كانت تلك العلاقة سرّاً أو علانية، وفيما إذا كانت تؤدي الغرض أو تتجاوز إلى ما هو أعمق من ذلك أو ما بين بين. ولعلّه أيضاً كان يراهن بدرجة عالية على الرخصة الدولية التي بحوزته، وهي ربما تلك الصادرة عن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي أو عن مؤسسة الولايات المتحدة المخولة بذلك، والتي تكفل له السند والدعم اللازمين لتحقيق أغراضه والوصول إلى مبتغياته، والتي تذهب بعيداً ربما تتجاوز حكم السودان، حيث بادر إسرائيل منذ مدّة طويلة ومن تلقاء نفسه بالبشرى الكبرى، بإنشاء علاقات ثنائية استراتيجية وطيدة معها في اللحظات الأولى عند توليه سدة الحكم، لكنه وإلى الآن – كما يبدو – لم يُفلح، بسبب أن ما قام به بالنسبة إلى إسرائيل لا يتعدى حرف من كتاب تريد قراءته، ولدى العرب هو شيء مستفز، ويتعذّر عليهم تقبله بسهولة، وبالطبع فهو لا يستحق من جانب – أكثرهم- إلاّ بمعاملة تمييزية وعدائية، بسبب أنهم أصبحوا أقوياء ولهم أسس متينة بقدر كافٍ، يمثّلون من خلالها ذلك الكتاب الذي ترغب باقتنائه الدولة العبرية.
خانيونس/فلسطين
13/2/2014