عبد الواحد جعفر
05-02-2014, 11:40 PM
مؤتمر جنيف 2: بانتظ
ار الجولة الثانية، ماذا تحقّق في الأولى؟
وحدة تحليل السياسات في المركز | 04 فبراير ،2014
بعد مفاوضات استمرت تسعة أيام، انتهت الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 من دون تحقيق نتائج مهمة في مسار التسوية السياسيّة للأزمة السوريّة. وحتى الجولة الثانية من المفاوضات التي أعلن الوسيط الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي عن انعقادها في 10 شباط/ فبراير 2014، تبدو غير مؤكدة بعد أن "ربط" وفد النظام مشاركته بقرار الرئيس السوري بشار الأسد. ومع اختتام الجولة الأولى، بدأت التقييمات والتساؤلات بشأن حقيقة النتائج التي تحققت، وهل أصابت المعارضة أم أخطأت في المشاركة؟ وهل استغل النظام المؤتمر للتصعيد ميدانيًا؟ وهل ثمّة تغيير في الموقف الروسي بعد الإعلان عن زيارة يقوم بها وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة إلى موسكو في 4 شباط/ فبراير 2014؟
انخفاض سقف التوقعات
في ظل الاستقطاب والفجوة العميقة التي تفصل بين النظام السوري والمعارضة وانعدام أي نقطة لقاء بينهما، لم يكن لدى أي من الأطراف التي حضرت مؤتمر جنيف 2 أي أوهام بشأن ما يمكن أن يتحقق خلال الجولة الأولى. ففيما اكتفت الأمم المتحدة والدول الراعية للمؤتمر بمحاولة كسر الجليد وجمع الطرفين في قاعة واحدة وجعل بيان جنيف 1 الأساس لعملية التفاوض، حاول طرفا الصراع من جهتهما تحقيق مكاسب إعلامية ودبلوماسية في ظل العجز عن تحقيق اختراق على صعيد القضايا السياسية، وحتى الإنسانية.
موقف النظام
استبق النظام السوري المؤتمر بإعلان تحفّظه عن نص الدعوة الرسميّة بذريعة أنها لا تلبي "تطلعات" الشعب السوريّ، داعيًا إلى التركيز على "محاربة الإرهاب". فالنظام لم يكن متحمسًا لانعقاد مؤتمر جنيف 2 وبخاصة أنّ غرضه "تشكيل هيئة حكم انتقاليّة كاملة الصلاحيات". ويبدو أنّ ترحيبه في وقت سابق ببيان جنيف 1 وموافقته على حضور جنيف 2 من دون شروط، كان لتجنب إحراج حلفائه الروس، وإظهار المعارضة وداعميها بوصفهم "عائقًا" أمام التسوية السياسيّة. ولمّا تأكّد انعقاد المؤتمر، سعى النظام لحرفه عن مساره مستفيدًا من الدعم الروسي، ومن تحسّن وضعه الميداني خلال النصف الثاني من عام 2013، وكذلك من رفض إيران الاعتراف ببيان جنيف 1. كما وظّف النظام قبول الدول الداعمة للمعارضة بفصل المسار السياسيّ عن العسكريّ الميدانيّ خلال المفاوضات لمصلحته، فاستمر في قصف حلب، وحاول التقدّم في المدينة وفي محيط مطارها، مستفيدًا من انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" من بعض الجبهات، وتفرغه لقتال كتائب المعارضة. كما حاول الانتقام من مدينة داريا لرفضها شروط الهدنة التي اقترحها (على غرار ما جرى في المعضمية وبرزة) وبسبب صمود مقاتليها، ولا سيما بعد إسقاطهم مروحيّة حربيّة، وإفشالهم الحملة العسكريّة التي بدأها النظام ضدها مؤخرًا. أما حمص القديمة، فقد جدّد النظام قصف أحيائها للتنصل من موافقته في جنيف على إدخال 12 شاحنة من المساعدات الإنسانية، وتأمين خروج آمن للنساء والأطفال. وقد بلغ عدد القتلى خلال أيام الجولة الأولى 602 شخصًا، وذلك بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. ويعني هذا أنّ معدّل القتل بقي على حاله كما كان قبل المؤتمر، ما يؤكد على نقطة الفصل بين ما يجري على الأرض وبين مجريات العملية التفاوضية، وكأنّ المفاوضات تقع خارج الزمن الذي يعيشه السوريون تحت القصف.
وانطلاقًا من حرية العمل ميدانيًا التي تَحَصَّلَ عليها كأمر واقع في ظل اللامبالاة الدولية الفعلية، سعى النظام لقلب أولويات المؤتمر؛ فرفض الاعتراف بمرجعيته، وقدّم ورقة أخرى كي تشكّل مرجعيّة بديلة[1]. لكنه عاد - تحت ضغط روسي - فقَبِلَ بيان جنيف 1، على الرغم من أنه اشترط مناقشته بالترتيب، قبل الانتقال إلى البند التاسع المتعلق بهيئة الحكم الانتقالي. كان هدف النظام واضحًا وهو إطالة أمد التفاوض، وحرف مساره نحو ما يسمى "مكافحة الإرهاب" وإغراقه بالتفاصيل، وهو نهج نجح فيه خلال تعامله مع المبادرات السابقة، وذلك في تقليدٍ لأسلوب التفاوض الإسرائيلي في تجزئة الملفات والفصل بينها، مع فارق جوهري يتمثل في التجاهل الدولي الكامل لوحشيته وتدميره المدن بالبراميل المتفجِّرة[2]. ومن المعروف أنّ إسرائيل تعتبر "الإرهاب" قضية قائمة بذاتها وترفض ربطها بمسبباتها، وتشترط أولًا وقفه ومكافحته قبل الحديث في أي شأن سياسي. هكذا تسمي إسرائيل مقاومة الاحتلال "إرهابًا" لا علاقة له بالاحتلال، وهكذا يسمي النظام السوري العمل المسلّح المشتّت ضده "إرهابًا"، علمًا بأنّ السلاح لم يُرفع في وجهه إلا بعد ثورة سلمية دامت أكثر من عام، وتعرّضت لكل أشكال القمع وأعلى درجات العنف.
وفي جانب آخر، اعتبر النظام المؤتمر احتفاليّة إعلاميّة توفِّر له فرصة التواصل مع وسائل الإعلام والرأي العام الغربي. واهتم وفده بعقد المؤتمرات الصحفية (3 إلى 4 مؤتمرات يوميًا) أكثر من اهتمامه بحضور جلسات التفاوض. كما اصطحب وفدًا ضخمًا ضم نحو 50 إعلاميًا، ملؤوا قاعات المؤتمر الصحفية حتى يبدو الأمر بأنهم طرف ثالث يسألون أسئلة ودودة، وهم في الواقع لم يكونوا غير صحافيي النظام الذين لا يختلفون كثيرًا في التعاطي مع الأزمة عن موظفي مخابراته.
موقف المعارضة
نتيجة ضغوط دوليّة ووعود أميركيّة بإعادة النظر في تسليح المعارضة "المعتدلة"، شارك الائتلاف في جنيف 2 من دون توقّع نتائج سريعة أو كبيرة. وفي ضوء ذلك، سعى الائتلاف الوطني لتحقيق أهداف مرحليّة تتمثل في إعادة تكريس نفسه كممثل "مدني" للثورة السوريّة، و"تعرية" النظام أمام الرأي العام بصفته طرفًا غير جاد في طلب التسوية، فضلًا عن وحشيته ولاإنسانية في التعامل مع المدنيين من أبناء شعبه.
وبخلاف التوقعات، وعلى الرغم من قلة التحضير والخبرة، كان أداء وفد المعارضة السياسي والتقني مقبولًا قياسًا بالتجارب السابقة، ما أكسبه تأييدًا شعبيًا وزخمًا دوليًا، لكنه يحتاج إلى أن يُترجم ذلك إلى نتائج ملموسة على الصعيدين الإنساني والسياسي. وفي العموم، يمكن القول إنّ المعارضة نجحت في أمور وأخفقت في أخرى؛ فقد نجح وفد المعارضة في منع تشتيت المفاوضات، والتأكيد على مرجعية التفاوض وإجبار النظام على الاعتراف بجنيف 1. لكنه، من جهة أخرى، وبخلاف وفد النظام، لم يعر اهتمامًا كبيرًا للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية، بل ركّز على وسائل الإعلام العربية، في حين كان يتعين عليه أن يستثمر وجوده في جنيف لمخاطبة الرأي العام الغربي بشكل مدروس. وعلى الرغم من التحسّن في الأداء وعدم تسجيل إشكالات حقيقية، فإنّ أداء المتحدثين باسمه اتسم بالارتجالية والافتقار إلى الخبرة في مخاطبة الرأي العام؛ إذ أصرّ السياسيون أن يؤدوا أيضًا دور الناطقين الإعلاميين، في حين غاب الناطقون المهنيون عن الوفد.
الأطراف الراعية
كان عقد المؤتمر في موعده المحدد بحضور دولي واسع يمثل الهدف الرئيس للدول الراعية (أميركا وروسيا) وكذلك الأمم المتحدة. فقد كان اقتناع هذه الأطراف يتمثل في أنّ الأزمة السوريّة بتعقيداتها وتشعباتها لا يمكن "حلها" أو تحقيق اختراق كبير في تسويتها من الجولة الأولى أو حتى في المدى المنظور. لذلك، غادر الوفدان الروسي والأميركي مكان انعقاد المؤتمر، ولم يتدخلا في مسار التفاوض وجلساته إلا عندما تعقّدت الأمور برفض النظام بيان جنيف 1، وتزايد احتمال انسحاب أحد الطرفين أو كليهما من المؤتمر، فاضطر الوفد الروسي إلى العودة من موسكو، والتدخل لإقناع وفد النظام بقبول جنيف 1 والموافقة على مناقشة الهيئة الانتقاليّة، لكن سرعان ما تبدّى من سلوك وفد النظام وتصريحاته أنّ هذه الموافقات لم تتعدَ الجانب الشكلي، وجاءت لتلافي إحراج النظام لحلفائه.
ار الجولة الثانية، ماذا تحقّق في الأولى؟
وحدة تحليل السياسات في المركز | 04 فبراير ،2014
بعد مفاوضات استمرت تسعة أيام، انتهت الجولة الأولى من مؤتمر جنيف 2 من دون تحقيق نتائج مهمة في مسار التسوية السياسيّة للأزمة السوريّة. وحتى الجولة الثانية من المفاوضات التي أعلن الوسيط الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي عن انعقادها في 10 شباط/ فبراير 2014، تبدو غير مؤكدة بعد أن "ربط" وفد النظام مشاركته بقرار الرئيس السوري بشار الأسد. ومع اختتام الجولة الأولى، بدأت التقييمات والتساؤلات بشأن حقيقة النتائج التي تحققت، وهل أصابت المعارضة أم أخطأت في المشاركة؟ وهل استغل النظام المؤتمر للتصعيد ميدانيًا؟ وهل ثمّة تغيير في الموقف الروسي بعد الإعلان عن زيارة يقوم بها وفد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة إلى موسكو في 4 شباط/ فبراير 2014؟
انخفاض سقف التوقعات
في ظل الاستقطاب والفجوة العميقة التي تفصل بين النظام السوري والمعارضة وانعدام أي نقطة لقاء بينهما، لم يكن لدى أي من الأطراف التي حضرت مؤتمر جنيف 2 أي أوهام بشأن ما يمكن أن يتحقق خلال الجولة الأولى. ففيما اكتفت الأمم المتحدة والدول الراعية للمؤتمر بمحاولة كسر الجليد وجمع الطرفين في قاعة واحدة وجعل بيان جنيف 1 الأساس لعملية التفاوض، حاول طرفا الصراع من جهتهما تحقيق مكاسب إعلامية ودبلوماسية في ظل العجز عن تحقيق اختراق على صعيد القضايا السياسية، وحتى الإنسانية.
موقف النظام
استبق النظام السوري المؤتمر بإعلان تحفّظه عن نص الدعوة الرسميّة بذريعة أنها لا تلبي "تطلعات" الشعب السوريّ، داعيًا إلى التركيز على "محاربة الإرهاب". فالنظام لم يكن متحمسًا لانعقاد مؤتمر جنيف 2 وبخاصة أنّ غرضه "تشكيل هيئة حكم انتقاليّة كاملة الصلاحيات". ويبدو أنّ ترحيبه في وقت سابق ببيان جنيف 1 وموافقته على حضور جنيف 2 من دون شروط، كان لتجنب إحراج حلفائه الروس، وإظهار المعارضة وداعميها بوصفهم "عائقًا" أمام التسوية السياسيّة. ولمّا تأكّد انعقاد المؤتمر، سعى النظام لحرفه عن مساره مستفيدًا من الدعم الروسي، ومن تحسّن وضعه الميداني خلال النصف الثاني من عام 2013، وكذلك من رفض إيران الاعتراف ببيان جنيف 1. كما وظّف النظام قبول الدول الداعمة للمعارضة بفصل المسار السياسيّ عن العسكريّ الميدانيّ خلال المفاوضات لمصلحته، فاستمر في قصف حلب، وحاول التقدّم في المدينة وفي محيط مطارها، مستفيدًا من انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" من بعض الجبهات، وتفرغه لقتال كتائب المعارضة. كما حاول الانتقام من مدينة داريا لرفضها شروط الهدنة التي اقترحها (على غرار ما جرى في المعضمية وبرزة) وبسبب صمود مقاتليها، ولا سيما بعد إسقاطهم مروحيّة حربيّة، وإفشالهم الحملة العسكريّة التي بدأها النظام ضدها مؤخرًا. أما حمص القديمة، فقد جدّد النظام قصف أحيائها للتنصل من موافقته في جنيف على إدخال 12 شاحنة من المساعدات الإنسانية، وتأمين خروج آمن للنساء والأطفال. وقد بلغ عدد القتلى خلال أيام الجولة الأولى 602 شخصًا، وذلك بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. ويعني هذا أنّ معدّل القتل بقي على حاله كما كان قبل المؤتمر، ما يؤكد على نقطة الفصل بين ما يجري على الأرض وبين مجريات العملية التفاوضية، وكأنّ المفاوضات تقع خارج الزمن الذي يعيشه السوريون تحت القصف.
وانطلاقًا من حرية العمل ميدانيًا التي تَحَصَّلَ عليها كأمر واقع في ظل اللامبالاة الدولية الفعلية، سعى النظام لقلب أولويات المؤتمر؛ فرفض الاعتراف بمرجعيته، وقدّم ورقة أخرى كي تشكّل مرجعيّة بديلة[1]. لكنه عاد - تحت ضغط روسي - فقَبِلَ بيان جنيف 1، على الرغم من أنه اشترط مناقشته بالترتيب، قبل الانتقال إلى البند التاسع المتعلق بهيئة الحكم الانتقالي. كان هدف النظام واضحًا وهو إطالة أمد التفاوض، وحرف مساره نحو ما يسمى "مكافحة الإرهاب" وإغراقه بالتفاصيل، وهو نهج نجح فيه خلال تعامله مع المبادرات السابقة، وذلك في تقليدٍ لأسلوب التفاوض الإسرائيلي في تجزئة الملفات والفصل بينها، مع فارق جوهري يتمثل في التجاهل الدولي الكامل لوحشيته وتدميره المدن بالبراميل المتفجِّرة[2]. ومن المعروف أنّ إسرائيل تعتبر "الإرهاب" قضية قائمة بذاتها وترفض ربطها بمسبباتها، وتشترط أولًا وقفه ومكافحته قبل الحديث في أي شأن سياسي. هكذا تسمي إسرائيل مقاومة الاحتلال "إرهابًا" لا علاقة له بالاحتلال، وهكذا يسمي النظام السوري العمل المسلّح المشتّت ضده "إرهابًا"، علمًا بأنّ السلاح لم يُرفع في وجهه إلا بعد ثورة سلمية دامت أكثر من عام، وتعرّضت لكل أشكال القمع وأعلى درجات العنف.
وفي جانب آخر، اعتبر النظام المؤتمر احتفاليّة إعلاميّة توفِّر له فرصة التواصل مع وسائل الإعلام والرأي العام الغربي. واهتم وفده بعقد المؤتمرات الصحفية (3 إلى 4 مؤتمرات يوميًا) أكثر من اهتمامه بحضور جلسات التفاوض. كما اصطحب وفدًا ضخمًا ضم نحو 50 إعلاميًا، ملؤوا قاعات المؤتمر الصحفية حتى يبدو الأمر بأنهم طرف ثالث يسألون أسئلة ودودة، وهم في الواقع لم يكونوا غير صحافيي النظام الذين لا يختلفون كثيرًا في التعاطي مع الأزمة عن موظفي مخابراته.
موقف المعارضة
نتيجة ضغوط دوليّة ووعود أميركيّة بإعادة النظر في تسليح المعارضة "المعتدلة"، شارك الائتلاف في جنيف 2 من دون توقّع نتائج سريعة أو كبيرة. وفي ضوء ذلك، سعى الائتلاف الوطني لتحقيق أهداف مرحليّة تتمثل في إعادة تكريس نفسه كممثل "مدني" للثورة السوريّة، و"تعرية" النظام أمام الرأي العام بصفته طرفًا غير جاد في طلب التسوية، فضلًا عن وحشيته ولاإنسانية في التعامل مع المدنيين من أبناء شعبه.
وبخلاف التوقعات، وعلى الرغم من قلة التحضير والخبرة، كان أداء وفد المعارضة السياسي والتقني مقبولًا قياسًا بالتجارب السابقة، ما أكسبه تأييدًا شعبيًا وزخمًا دوليًا، لكنه يحتاج إلى أن يُترجم ذلك إلى نتائج ملموسة على الصعيدين الإنساني والسياسي. وفي العموم، يمكن القول إنّ المعارضة نجحت في أمور وأخفقت في أخرى؛ فقد نجح وفد المعارضة في منع تشتيت المفاوضات، والتأكيد على مرجعية التفاوض وإجبار النظام على الاعتراف بجنيف 1. لكنه، من جهة أخرى، وبخلاف وفد النظام، لم يعر اهتمامًا كبيرًا للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية، بل ركّز على وسائل الإعلام العربية، في حين كان يتعين عليه أن يستثمر وجوده في جنيف لمخاطبة الرأي العام الغربي بشكل مدروس. وعلى الرغم من التحسّن في الأداء وعدم تسجيل إشكالات حقيقية، فإنّ أداء المتحدثين باسمه اتسم بالارتجالية والافتقار إلى الخبرة في مخاطبة الرأي العام؛ إذ أصرّ السياسيون أن يؤدوا أيضًا دور الناطقين الإعلاميين، في حين غاب الناطقون المهنيون عن الوفد.
الأطراف الراعية
كان عقد المؤتمر في موعده المحدد بحضور دولي واسع يمثل الهدف الرئيس للدول الراعية (أميركا وروسيا) وكذلك الأمم المتحدة. فقد كان اقتناع هذه الأطراف يتمثل في أنّ الأزمة السوريّة بتعقيداتها وتشعباتها لا يمكن "حلها" أو تحقيق اختراق كبير في تسويتها من الجولة الأولى أو حتى في المدى المنظور. لذلك، غادر الوفدان الروسي والأميركي مكان انعقاد المؤتمر، ولم يتدخلا في مسار التفاوض وجلساته إلا عندما تعقّدت الأمور برفض النظام بيان جنيف 1، وتزايد احتمال انسحاب أحد الطرفين أو كليهما من المؤتمر، فاضطر الوفد الروسي إلى العودة من موسكو، والتدخل لإقناع وفد النظام بقبول جنيف 1 والموافقة على مناقشة الهيئة الانتقاليّة، لكن سرعان ما تبدّى من سلوك وفد النظام وتصريحاته أنّ هذه الموافقات لم تتعدَ الجانب الشكلي، وجاءت لتلافي إحراج النظام لحلفائه.