عادل محمد عايش الأسطل
04-02-2014, 01:10 AM
صدمة كيري !
د. عادل محمد عايش الأسطل
سيقوم وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" خلال الأسبوعين المقبلين بإلقاء ما تسمى بخطة اتفاق الإطار أو وثيقة الإطار أمام أعين الإسرائيليين والإسرائيليين، بعد أن ضمّنها آخر ما توصل إليه من رؤى ومقترحات يرى من الضروري موافقة الجانبين عليها، ويبدو أنه سيكون أكثر هدوءاً من ذي قبل، من حيث طريقة التقديم ومن حيث السلوك في عملية الشرح والتوضيح، وذلك بعد فشل جولة أظهر خلالها بعضاً من التحذيرات والتهديدات الإضافية لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، اعتقاداً منه أنها تساهم في تسريع عملية الموافقة والتوقيع على الخطة المقترحة، بسبب أنه لم يعد هناك الوقت الكافي للمناورة التي لا طائل منها.
هذه الخطة التي يسعي "كيري" إليها، لا تتطلّب سوى كلمة (نعم) فقط، لأنها تعني لديه وللإدارة الأمريكية إنجاز، فهي وكما تسرب منها- وفي ضوء الوقائع على الأرض وعملية الشدّ والجذب بين الإسرائيليين والأمريكيين بشكلٍ خاص- ليست إلزامية بالكامل، كما هي قابلة لإسقاط ما تعسّر من الملاحظات عليها من قِبل الطرفين، والتي تعني قبول كل طرف لما هو مقبول لديه ورفض ما لا يطيق قبوله.
وصلت الأمور إلى هذا الحد، بعد أن تلقي "كيري" المزيد من الانتقادات والاتهامات، لا سيما من الجانب الإسرائيلي، باعتباره منحازاً إلى الجانب الفلسطيني، دونما التفكير بالشكل المطلوب وعلى نحوٍ جاد في المصير الإسرائيلي، وكان وزير الجيش الإسرائيلي "موشيه يعالون" قد قدّم إليه المزيد من تلك الانتقادات والاتهامات الموجعة، حينما أعلن بقوله في منتصف الشهر الفائت بأن ما يُنجّي إسرائيل من ورطة "كيري" هو أن يحظى بجائزة نوبل ويتركنا وشأننا، بسبب أن ما يقترحه علينا لا يضمن لا السلام ولا الأمن، معتبراً أن الخطة تنطوي فقط على مخاطر جمّة على أمن إسرائيل ومصيرها.
لم تجيء تلك الاتهامات بسبب إعرابه هو وحده عن رفضٍ لخطة التسوية التي يدفعها "كيري" إلى إسرائيل، بل هو يعبّر عن الحكومة الإسرائيلية أو معظم وزرائها على الأقل، حيث أنها ليست بصدد التوصل إلى اتفاق لا ينطوي على المتطلبات الإسرائيلية المعروفة، لا سيما وأنها ترى بأنها قادرة على صناعة الحلول بنفسها، وإن اعتبرها البعض بأنها حلول انفرادية.
مسارعة "يعالون" من تقديم الاعتذار له، وبأنه لا يقصد الإساءة إليه ولا الاستهانة بجهوده، خفّفت إلى قدرٍ ما، درجة الغضب التي استولت على "كيري" ومن ناحيةٍ أخرى جعلته يعتقد بأن الاعتذار هو رسالة بأن خطواته مقبولة، جعلته ينتقل من المحاولة في تقريب وجهات النظر فيما بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إلى اتباعه سلوك التحذير والترهيب، وذلك بالحديث عن أن الوضع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن أن يستمر طويلاً، وعن أن الأمن والرخاء الاقتصادي الإسرائيليين سيكونان عبارة عن وهم فقط، وعن أن المقاطعة هي التي تهدد إسرائيل منذ الآن، إذا لم يكن هناك اتفاق سلام.
"كيري" حينما لوّح بتلك التهديدات كان معتمداً على شيئين رئيسين، الأول: هو استبعاد أن يقوم الإسرائيليون بتكرار خطأهم بشأن سياسته، والثاني: هو أن تصريحاته وأقواله لم تكن من بنات أفكاره لوحده، بل هي سياسة وصلت إليها الولايات المتحدة وأيضاً مجموعة دول الاتحاد الأوروبي. ولكن كما يبدو فقد خاب ظنّه وعلى أكثر من ذي قبل، فقد اثارت هذه التصريحات غضب اليمين الإسرائيلي، حينما تصدى له (علانيةً) ليس وزيراً واحداً ولا العديد من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية فقط، بل تصدّرهم رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" نفسه، حين سارع إلى انتقاد وبشدة تصريحات "كيري" وندد بالمحاولات لفرض مقاطعات على إسرائيل، ووصفها بأنها ليست أخلاقية أو مبررة، كما أنها لن يُكتب لها النجاح ولن تحقق أهدافها. وسارع من جانبه وزير الاقتصاد "نفتالي بينت" الذي أعلن متحدياً، بأنه لم يولد بعد الشعب الذي يتنازل عن وطنه بسبب التهديدات والضغوطات الاقتصادية.
وقام من فوره وزير الجبهة الداخلية "غلعاد أردان" وهو من المقربين من "نتانياهو" باتهام "كيري" بمحاولته استغلال تهديدات مقاطعة إسرائيل في العالم للحصول على تنازلات إسرائيلية في المفاوضات مع الفلسطينيين، وأعرب عن أسفه بأن الإدارة الأميركية لا تفهم الحقيقة في الشرق الأوسط، وتمارس ضغوطات على الجانب الخطأ في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وأكّد على أن حق الإسرائيليين في أن يكونوا في مستوطنتي (شيلو وبيت إيل) لا يقل عن حقهم بالتواجد في تل أبيب والرملة، وأنه من غير الممكن اللجوء إلى تقسيم (أرض إسرائيل) أو تقسيم القدس، بل أنهم سيحتفظون بحقهم في التواجد في كل شبر من (أرض إسرائيل). وأشار بأن الدرس الذي تعلموه من اتفاقيات أوسلو ومن اقتلاع مستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة، فرض عليهم تحدّي من يريد توجيههم باتجاه تسوية رغماً عنهم.
ومن جهته، اتهم وزير الإسكان "أوري أريئيل" من حزب البيت اليهودي والمؤيد للاستيطان "كيري" بأنه ليس وسيطاً نزيهاً حينما تلفّظ بالتهديد بالمقاطعة. فيما اعتبر وزير الشؤون الاستراتيجية "يوفال شتاينتز" وهو مقرب من "نتانياهو" أيضاً، بأن تصريحات "كيري" مهينة وغير متوازنة ولا يمكن تقبلها.
حتى وزير الخارجية الاسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" الذي اختفى صوته طوال الفترة الماضية انطلق لسانه هو الآخر للرد على تهديدات المقاطعة الصادرة عن الإدارة الأمريكية ورأى أن على الجميع الخلود إلى الهدوء، وأعلن بأن هناك تنسيق تام بين الخارجية ومكتب رئيس الحكومة لمواجهة المقاطعة في حال حصولها.
"كيري" حين لامست التحديات الإسرائيلية آذانه، بدى مصدوماً، وفهِم بوضوح بأنها جادّة، وبأنه هو الذي يتوجّب عليه هذه المرة، مراجعة تهديداته ومن ثم تقديم الاعتذار، حيث سارعت المتحدثة بلسان الخارجية الأمريكية "جين بساكي" لتفادي أيّة إشكالات مع الإسرائيليين إلى توضيح تصريحاته، وأعلنت أن "كيري" أشار فقط إلى المقاطعة على أنها أحد الأفعال التي يمكن أن يقوم باتخاذها آخرون، ولكنه يعترض عليها.
كان يفترض بخطوات "كيري" أن تدفع إسرائيل إلى تغيير سلوكها، في شأن تعنّتها في المفاوضات واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإلى التحقق بأنّ الاحتلال لم يعد مقبولاً من قِبل المجتمع الدولي وخاصةً لدى الحكومات الأوروبية. لكن إلى الآن، لا يبدو من طرفها ما يمكن أن يؤدّي إلى تخفيف حدة مواقفها، أو ما يُشير إلى نجاح "كيري" وخطّته الإطارية.
خانيونس/ فلسطين
3/2/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
سيقوم وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" خلال الأسبوعين المقبلين بإلقاء ما تسمى بخطة اتفاق الإطار أو وثيقة الإطار أمام أعين الإسرائيليين والإسرائيليين، بعد أن ضمّنها آخر ما توصل إليه من رؤى ومقترحات يرى من الضروري موافقة الجانبين عليها، ويبدو أنه سيكون أكثر هدوءاً من ذي قبل، من حيث طريقة التقديم ومن حيث السلوك في عملية الشرح والتوضيح، وذلك بعد فشل جولة أظهر خلالها بعضاً من التحذيرات والتهديدات الإضافية لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، اعتقاداً منه أنها تساهم في تسريع عملية الموافقة والتوقيع على الخطة المقترحة، بسبب أنه لم يعد هناك الوقت الكافي للمناورة التي لا طائل منها.
هذه الخطة التي يسعي "كيري" إليها، لا تتطلّب سوى كلمة (نعم) فقط، لأنها تعني لديه وللإدارة الأمريكية إنجاز، فهي وكما تسرب منها- وفي ضوء الوقائع على الأرض وعملية الشدّ والجذب بين الإسرائيليين والأمريكيين بشكلٍ خاص- ليست إلزامية بالكامل، كما هي قابلة لإسقاط ما تعسّر من الملاحظات عليها من قِبل الطرفين، والتي تعني قبول كل طرف لما هو مقبول لديه ورفض ما لا يطيق قبوله.
وصلت الأمور إلى هذا الحد، بعد أن تلقي "كيري" المزيد من الانتقادات والاتهامات، لا سيما من الجانب الإسرائيلي، باعتباره منحازاً إلى الجانب الفلسطيني، دونما التفكير بالشكل المطلوب وعلى نحوٍ جاد في المصير الإسرائيلي، وكان وزير الجيش الإسرائيلي "موشيه يعالون" قد قدّم إليه المزيد من تلك الانتقادات والاتهامات الموجعة، حينما أعلن بقوله في منتصف الشهر الفائت بأن ما يُنجّي إسرائيل من ورطة "كيري" هو أن يحظى بجائزة نوبل ويتركنا وشأننا، بسبب أن ما يقترحه علينا لا يضمن لا السلام ولا الأمن، معتبراً أن الخطة تنطوي فقط على مخاطر جمّة على أمن إسرائيل ومصيرها.
لم تجيء تلك الاتهامات بسبب إعرابه هو وحده عن رفضٍ لخطة التسوية التي يدفعها "كيري" إلى إسرائيل، بل هو يعبّر عن الحكومة الإسرائيلية أو معظم وزرائها على الأقل، حيث أنها ليست بصدد التوصل إلى اتفاق لا ينطوي على المتطلبات الإسرائيلية المعروفة، لا سيما وأنها ترى بأنها قادرة على صناعة الحلول بنفسها، وإن اعتبرها البعض بأنها حلول انفرادية.
مسارعة "يعالون" من تقديم الاعتذار له، وبأنه لا يقصد الإساءة إليه ولا الاستهانة بجهوده، خفّفت إلى قدرٍ ما، درجة الغضب التي استولت على "كيري" ومن ناحيةٍ أخرى جعلته يعتقد بأن الاعتذار هو رسالة بأن خطواته مقبولة، جعلته ينتقل من المحاولة في تقريب وجهات النظر فيما بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إلى اتباعه سلوك التحذير والترهيب، وذلك بالحديث عن أن الوضع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن أن يستمر طويلاً، وعن أن الأمن والرخاء الاقتصادي الإسرائيليين سيكونان عبارة عن وهم فقط، وعن أن المقاطعة هي التي تهدد إسرائيل منذ الآن، إذا لم يكن هناك اتفاق سلام.
"كيري" حينما لوّح بتلك التهديدات كان معتمداً على شيئين رئيسين، الأول: هو استبعاد أن يقوم الإسرائيليون بتكرار خطأهم بشأن سياسته، والثاني: هو أن تصريحاته وأقواله لم تكن من بنات أفكاره لوحده، بل هي سياسة وصلت إليها الولايات المتحدة وأيضاً مجموعة دول الاتحاد الأوروبي. ولكن كما يبدو فقد خاب ظنّه وعلى أكثر من ذي قبل، فقد اثارت هذه التصريحات غضب اليمين الإسرائيلي، حينما تصدى له (علانيةً) ليس وزيراً واحداً ولا العديد من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية فقط، بل تصدّرهم رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" نفسه، حين سارع إلى انتقاد وبشدة تصريحات "كيري" وندد بالمحاولات لفرض مقاطعات على إسرائيل، ووصفها بأنها ليست أخلاقية أو مبررة، كما أنها لن يُكتب لها النجاح ولن تحقق أهدافها. وسارع من جانبه وزير الاقتصاد "نفتالي بينت" الذي أعلن متحدياً، بأنه لم يولد بعد الشعب الذي يتنازل عن وطنه بسبب التهديدات والضغوطات الاقتصادية.
وقام من فوره وزير الجبهة الداخلية "غلعاد أردان" وهو من المقربين من "نتانياهو" باتهام "كيري" بمحاولته استغلال تهديدات مقاطعة إسرائيل في العالم للحصول على تنازلات إسرائيلية في المفاوضات مع الفلسطينيين، وأعرب عن أسفه بأن الإدارة الأميركية لا تفهم الحقيقة في الشرق الأوسط، وتمارس ضغوطات على الجانب الخطأ في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وأكّد على أن حق الإسرائيليين في أن يكونوا في مستوطنتي (شيلو وبيت إيل) لا يقل عن حقهم بالتواجد في تل أبيب والرملة، وأنه من غير الممكن اللجوء إلى تقسيم (أرض إسرائيل) أو تقسيم القدس، بل أنهم سيحتفظون بحقهم في التواجد في كل شبر من (أرض إسرائيل). وأشار بأن الدرس الذي تعلموه من اتفاقيات أوسلو ومن اقتلاع مستوطنات غوش قطيف في قطاع غزة، فرض عليهم تحدّي من يريد توجيههم باتجاه تسوية رغماً عنهم.
ومن جهته، اتهم وزير الإسكان "أوري أريئيل" من حزب البيت اليهودي والمؤيد للاستيطان "كيري" بأنه ليس وسيطاً نزيهاً حينما تلفّظ بالتهديد بالمقاطعة. فيما اعتبر وزير الشؤون الاستراتيجية "يوفال شتاينتز" وهو مقرب من "نتانياهو" أيضاً، بأن تصريحات "كيري" مهينة وغير متوازنة ولا يمكن تقبلها.
حتى وزير الخارجية الاسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" الذي اختفى صوته طوال الفترة الماضية انطلق لسانه هو الآخر للرد على تهديدات المقاطعة الصادرة عن الإدارة الأمريكية ورأى أن على الجميع الخلود إلى الهدوء، وأعلن بأن هناك تنسيق تام بين الخارجية ومكتب رئيس الحكومة لمواجهة المقاطعة في حال حصولها.
"كيري" حين لامست التحديات الإسرائيلية آذانه، بدى مصدوماً، وفهِم بوضوح بأنها جادّة، وبأنه هو الذي يتوجّب عليه هذه المرة، مراجعة تهديداته ومن ثم تقديم الاعتذار، حيث سارعت المتحدثة بلسان الخارجية الأمريكية "جين بساكي" لتفادي أيّة إشكالات مع الإسرائيليين إلى توضيح تصريحاته، وأعلنت أن "كيري" أشار فقط إلى المقاطعة على أنها أحد الأفعال التي يمكن أن يقوم باتخاذها آخرون، ولكنه يعترض عليها.
كان يفترض بخطوات "كيري" أن تدفع إسرائيل إلى تغيير سلوكها، في شأن تعنّتها في المفاوضات واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإلى التحقق بأنّ الاحتلال لم يعد مقبولاً من قِبل المجتمع الدولي وخاصةً لدى الحكومات الأوروبية. لكن إلى الآن، لا يبدو من طرفها ما يمكن أن يؤدّي إلى تخفيف حدة مواقفها، أو ما يُشير إلى نجاح "كيري" وخطّته الإطارية.
خانيونس/ فلسطين
3/2/2014