المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلم لا يراد به أصلاً إلا العمل



muslem
09-05-2009, 01:10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[2]كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3]}[سورة الصف].
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لودِدنا أنَّ الله عز وجل دلَّنا على أحبِّ الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله تعالى نبيه، صلى الله عليه وسلم أن أحب الأعمال: إيمانٌ به، لا شك فيه، وجهادُ أهل معصيته، الذين خالفوا الإيمان، ولم يُقِرّوا به.
فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشقَّ عليهم أمره، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله:{يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ...}'[أخرجه الطبري في تفسيره].
وإذا كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو مقرر في علم الأصول، فإن الآية الكريمة، تبقى أبعد مدى من الحادثة الفردية التي نزلت لمواجهتها، وأشمل لحالات كثيرة غير الحالة التي نزلت بسببها، فهي تحيط بكل حالة من الحالات التي يقع فيها الانفصام بين الإيمان، والحركة به، أو بين القول والعمل، أو العلم والعمل.
والعلم لا يراد به أصلاً إلا العمل، وكل علم لا يفيد عملاً، ولا يتوقف عليه حفظ مقاصد الشريعة، فليس في الشرع ما يدل على استحسانه، والعلم المعتبر شرعاً، الذي مدح الله تعالى ورسوله أهله، على الإطلاق، هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يخلِّي صاحبه جارياً مع هداه كيفما كان. بل هو المقيد صاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعاً أو كرهاً. وعندئذ يصير العلم وصفاً من الأوصاف الثابتة لصاحبه، يأبى للعالم أن يخالفه ؛ لأن ما صار كالوصف الثابت لا ينصرف صاحبه إلا على وفقه اعتياداً وإن تخلّف فإنما يكون تخلّفه لعنادٍ أو غفلة[الموافقات1/61 وما بعدها].
وليس عالماً ذاك الذي لم يعمل بعلمه، ولا يستحق وصف التكريم هذا، فعن علي رضي الله عنه قال: 'يا حملة العلم: اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم، لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف علمهم عملهم، يقعدون حِلقاً، يباهي بعضهم بعضاً ؛ حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله عز وجل'.
وقال الحسن البصري رحمه الله: 'العالم الذي وافق علمه عمله، ومن خالف علمه عمله فذلك راوية سمع شيئاً فقاله' .
وقال الثوري:'العلماء إذا علوا عملوا، فإذا عملوا شُغِلوا...'. وقال:'العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل'[الموافقات 1/75 - 76].
فالذين لا يعملون بعلمهم، ولا يتسق سلوكهم مع عملهم، فضلاً عن أن يكونوا من الراسخين في العلم، وإنما هم رواة أخبار، وحفظة أسفار، والفقه فيما رووه أمر آخر وراء هذا، أو هم ممن غلب عليهم الهوى فغطّى على قلوبهم.
وهنا ينبغي أن يوجّه اللوم، والعتاب كلُ العتاب، لمن يفعل ذلك، وحسبك أن الله تعالى سمّى ذلك الانفصام بين القول والعمل مقتاً، بل جعله أكبر المقت، وأشدّ البغض، فقال :{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3]}[سورة الصف].
وما سمَّى الله تعالى شيئاً بهذا الاسم، ولا أطلقه عليه إلا في أمرين:
أولهما: الجدال في الله، وآياته بغير سلطان وعلم، فقال سبحانه:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا... [35]}[سورة غافر].
وثانيهما: نكاح الرجل زوجة أبيه المتوفى عنها أو المطلقة- كما كان يفعله الجاهليون- فقال سبحانه:{ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا[22]}[سورة النساء].
ومن هذا نعلم عظم الآفة الكبيرة والداء الخطير في الانفصام بين القول والعمل، أو بين الإيمان والسلوك.
إن الإيمان ليس مجرد كلمات يديرها الإنسان على لسانه، ويتحلى بها أمام الناس، ويتشدق بها في المناسبات دون أن يكون لها أثرها في سلوكه وواقعه، ودون أن تترجم إلى واقع حي يراه الناس، فيكون هذا الواقع العملي الظاهر والالتزام مؤشراً على الإيمان الصحيح وعمقه في نفس صاحبه.
أثر القدوة الحسنة:
والمؤمن لا يخالف قوله فعله، ويبدأ بنفسه أولاً فيحملها على الخير والبر، قبل أن يتوجه بهما إلى غيره؛ ليكون بذلك الأسوة الحسنة، والقدوة المثلى لمن يدعوهم، وليكون لكلامه ذلك التأثير في نفوس السامعين الذين يدعوهم، بل إنه ليس بحاجة إلى كثير عندئذ، فحسْبُ الناس أن ينظروا إلي واقعه وسلوكه، ليروا فيهما الإسلام والإيمان حياً يمشي أمامهم على الأرض، وليشعّ بنوره على من حوله، فيضيء الطريق للسالكين، وتنفتح عليه العيون ويقع في القلوب، فيحمل الناس بذلك على التأسي والاتباع.. فهو يدعو بسلوكه وواقعه قبل أن يدعو بقوله وكلامه.. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا أمر الناس بأمر كان أشد الناس تمسكاً به، وكان يحمل أهل بيته على ذلك قبل أن يدعو غيرهم.
و قَالَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ: قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ: بَلَى قَالَتْ:' فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ'.رواه مسلم .
فمهما أمره القرآن بشيء امتثله، ومهما نهاه عنه تركه.
وهي إجابة دقيقة، وموجزة جامعة أيضاً، تحمل في طياتها كل ما يخطر على بال المرء من أخلاق الكمال وصفات العظمة، فحسبك أن يكون عليه الصلاة والسلام، ترجمة عملية حية لمبادئ القرآن الكريم، وإذا أردت أن ترى القرآن الكريم واقعاً عملياً في حياة الناس، فانظر إلى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادرس سيرته بكل وعي وبقلب مفتوح على الخير، وبعزيمة صادقة، تحمل على التأسي والمتابعة.. فكل واحد منهما يدل على الآخر.
دعاوى الإيمان:
وإنها لمصيبة كبيرة، وخسارة ما بعدها خسارة، أن يتحول الإيمان والإسلام في سلوك أصحابه إلى كلمات ودعاوى، لا تتجاوز الحناجر، وأن ينطلق المسلم، يدعو غيره إلى البر والهدى والخير، ولكنه يترك نفسه بمعزل عن ذلك، ويعطيها إجازة تتمتع بها، ولا يحملها حملاً على أن تكون سبّاقة إلى هذه الدعوة والعمل بمقتضاها.
ولقد نعى الله سبحانه، على بني إسرائيل- وبخاصة أولئك الأحبار فيهم- ووبَّخهم علي سلوكهم، فهم يأمرون الناس بالبر، الذي هو جماع الخير، ولكنهم ينسون أنفسهم فلا يأتمرون بما يأمرون الناس به، مع علمهم بجزاء من قصّر في أوامره سبحانه، فقال:{...وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[44]}[سورة البقرة].
وفي ظلال هذه الآية الكريمة يتحدث الأستاذ سيد قطب رحمه الله عن آثار الدعوة إلى البر والمخالفة عنه في السلوك، فيقول:'ومع أن هذا النص القرآني كان يواجه ابتداءً حالة واقعة من بني إسرائيل فإنه في إيحائه للنفس البشرية، ولرجال الدين بصفة خاصة، دائم لا يخص قوماً دون قوم، ولا يعني جيلاً دون جيل..إن آفة رجال الدين حين يصبح الدين حرفة وصناعة لا عقيدة حارة دافعة أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ويدعون إلى البر ويهملونه، ويحرفون الكلام عن مواضعه، ويؤلفون النصوص القاطعة خدمة للغرض والهوى، ويجدون فتاوى وتأويلات، قد تتفق في ظاهرها مع ظاهر النصوص، ولكنها تختلف في حقيقتها عن حقيقة الدين، لتبرير أغراض وأهواء لمن يملكون المال أو السلطان! كما كان يفعل أحبار يهود.

muslem
09-05-2009, 01:16 AM
والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه، هي الآفة التي تصيب النفوس بالشك، لا في الدعاة وحدهم، ولكن في الدعوات ذاتها، وهي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم أنهم يسمعون قولاً جميلاً، ويشهدون فعلاً قبيحاً، فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل، وتخبو في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة، وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان، ولا يعودون يثقون في الدين عدما فقدوا ثقتهم في رجال الدين'[ في ظلال القرآن: 1/86].
علماء السوء :
وما أعظم ذنب أولئك الذين يصدون عن دين الله ويقفون حجرة عثرة أمام الدخول فيه
والتمسك بأحكامه ؛ لأنهم بسلوكهم ذاك ينفّرون الناس من الدين، وتنطلق الألسنة المتبجحة لتقول: انظروا إلى فلان.. إنه يدعونا إلى شيء ويخالفنا إلى غيره، ولو كان ما دعونا إليه حقاً لاتبعه وتمسك به؟ فيتركون عندئذ الدين، بسبب سلوكه ذاك!!.
وكم يتحملون من أوزار الذين تابعوهم في سلوكهم ذاك، إذ أنهم حملوهم على المخالفة والإثم بالإيحاء والقدوة العملية، ولولاهم ما وقعوا في ذلك، فهم الذين سنَّوا هذه السنة السيئة، فكان عليهم إثمهم وآثام من اتبعهم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ]رواه مسلم.وقبل أن يدعو الداعية غيره إلى الخير ينبغي أن يتمسك هو به، ولن يستطيع المريض أن يعالج مريضاً مثله .
جزاء علماء السوء:
وإذا كان لعدم الموافقة بين القول والعمل تلك الآثار، فإنه ليس غريباً أن يشدد الإسلام في عقوبة الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، فيجعلونه وراءهم ظهرياً، وينهون عن المنكر ويفعلونه، وأولئك هم علماء السوء، وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره، فلم يعملوا به:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ... وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ...] رواه مسلم .
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ-أي تنصبّ أمعاؤه وتخرج من جوفه بسرعة خارجة من دبره - فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلَانُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ]رواه البخاري ومسلم .
ولا يغيبَّن عن ذهنك صورة ذاك الذي آتاه الله آياته، فلم يعمل بما آتاه الله من العلم، فانسلخ منها كما تنسلخ الحَية من جلدها، وتتركه على الأرض:{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ[175]وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[176]سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ[177]}[سورة الأعراف].
وليس هذا شأن يهود فحسب، بل إن إخوانهم من المنافقين يلتقون معهم في هذه السمة، وينهلون من نفس المنهل:
{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ[47]وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ[48]}[سورة النور].
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ...[81]}[سورة النساء].
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ[204]وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[205]}[سورة البقرة]
هذه صورة المنافقين، وتلك صورة يهود... فليحذر المؤمنون أن يقعوا فيما وقع فيه هؤلاء إذ ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، من قال حسناً وعمل غير صالح؛ ردّه الله على قوله، ومن قال حسناً وعمل صالحاً، رفعه العمل، وذلك بأن الله يقول:{... إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...[10]}[سورة فاطر] .
وما أروع كلمة شعيب، عليه الصلاة والسلام، وما أكثرها إنصافاً عندما قال لقومه:{...وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[88]}[سورة هود].
واقع بعض الدعاة المحزن:
وليت الدعاة، وليت الذين نصبوا أنفسهم للعمل الإسلامي يضعون هذا المبدأ الذي أرشد إليه شعيب عليه الصلاة والسلام نصب أعينهم، فلا يخالفون إلى ما ينهون عنه ليكون لكلامهم ذلك التأثير في نفوس المدعوين!.
وكم نجد أناساً يدعون إلى وحدة الكلمة، وجمع صفوف المسلمين على الحق، وهم أنفسهم في واقعهم دعاة فرقة وضلال ؛ يدعون إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم أبعد الناس عن الكتاب والسنة، يقدمون آراءهم وآراء من يقلدونهم ويتبعونهم علي الكتاب والسنة، صراحة أو تأويلاً .
يدعون إلى الحفاظ على الأخوة الإيمانية وحقوق الأخوة، ولكنهم يزورّون عن إخوانهم، ولا يفون بحقوقهم لمجرد خلاف في الرأي، أو الفهم... يتحدثون عن وجوب التثبت في نقل الأخبار ولكنهم يجرون وراء الشائعات، ويرمون غيرهم بفظائع التهم، ولا يكلّفون أنفسهم الرجوع إلى مصدر صادق ليتثبتوا فيما ينقلونه؛ لئلا يظلموا إخوة لهم، أو يرمونهم بتهم باطلة!
يتحدثون عن تحريم الغيبة وآثارها وضررها، ولكنهم لا يتفكهون إلا بأعراض الآخرين، ولا يتندرون إلا بما يتخيلونه من سيئ الخلال .
ويتحدثون عن مفاصلة المشركين والعلمانيين والمرتدين والملحدين ولا يجدون بأساً أو غضاضة في مجالستهم ومداهنتهم، بل قد يرتمون في أحضانهم ويؤمِّلون عندهم ويرجون، ما لا يؤمِّلون عند الله ويرجون...إلى غير ذلك من المفارقات العجيبة الغريبة.
فليحذر المسلمون ذلك كله وأشباهه، فإنها أمراض جد خطيرة، ولها آثارها السيئة، في حياة الدعوة والدعاة، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب في القول والعمل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

من مقالة:' ' للشيخ/عثمان جمعة ضميرية
من: [ مجلة البيان عدد 1 – ذو الحجة 1406 ه 1986 م

الساعي للخير
14-07-2009, 09:03 AM
قال الشاعر:

هتف العلم بالعمل فإن أجابه حل وإن لم يجبه ارتحل