بوفيصيل
08-11-2013, 06:40 AM
في قضية المستوطنات اختلاف في الرأي بين "اسرائيل" والولايات المتحدة منذ ان انتهت حرب الايام الستة، ويمكن ان نزعم أنها أفضت الى تعكير العلاقات بين الطرفين أكثر من كل قضية اخرى كانت مطروحة بين الجانبين، وقد اعتمدت جميع الادارات حتى ادارة الرئيس ريغان الى تحديد موقف الولايات المتحدة من المستوطنات على أساس معيارين:
أ - المستوطنات غير قانونية.
ب - المستوطنات عائق أمام السلام.
وشذ عن ذلك ادارتان جمهوريتان كانت الاولى هي ادارة ريغان الذي أكد أنه لا يقبل قول ان المستوطنات غير قانونية، ومع ذلك انتقد صورة نشاط المستوطنات ومعدل نموها وعرّفها بأنها متحدية، وكانت الثانية ادارة جورج بوش (الابن)، التي صاغت نظام تفاهمات شاملا مع رئيسي الوزراء "شارون" و"اولمرت" في قضية المستوطنات، وكان معنى التفاهمات اعترافا فعليا محدود الطابع بالمشروع الاستيطاني مع افتراض ان البناء سيتم تحقيقه في مخطط متفق عليه بين "اسرائيل" والولايات المتحدة.
وكانت في داخل "اسرائيل" ايضا اختلافات جوهرية في الرأي في قضية المستوطنات، فقد وجدت حكومات رأتها مصلحة قومية حيوية لـ"اسرائيل" ولا سيما في الجانب الأمني، بينما رأت اخرى ذلك تحقيقا لعقيدة ايديولوجية – دينية، وحقا تاريخيا للشعب اليهودي في ارض الآباء، وكان من رأوا ذلك تحقيقا لضرورات ائتلافية، وقد أنفقت جميع الحكومات على المستوطنات أموالاً ضخمة على أنحاء مختلفة.
يمكن بالنظر الى الوراء ان نقول ان المعارضة الامريكية الطويلة لمشروع الاستيطان لم تحرز هدفها لأن مشروع الاستيطان أخذ يتطور بالفعل ويجب على الادارة الامريكية في هذه الظروف ان تسأل نفسها: أهناك أساس وحكمة في الاستمرار في المعارضة الشاملة لمشروع الاستيطان؟ تثبت التجربة التاريخية ان المعارضة الدولية لمشروع الاستيطان بعامة والامريكية بخاصة التي حظيت بدعم دوائر واسعة في داخل "اسرائيل"، لم تنجح في وقف هذا المشروع ويجب على الادارة الامريكية في هذه الظروف ان تسأل نفسها هل استمرار المعارضة الامريكية لمشروع الاستيطان قد تضر بمنزلة الولايات المتحدة وجلالة شأنها في النظام الدولي وبأي قدر، ويُسأل من تلقاء نفسه سؤال ألم يحن الوقت لتحول في سياسة الادارة الامريكية في قضية المستوطنات.
برغم علم الادارة الامريكية بعدم نجاحها في وقف مشروع الاستيطان، لن تتبنى أبداً اقتراح التسليم لهذه الظاهرة، فالمعارضة الامريكية لمشروع الاستيطان يدعمها ويؤيدها المجتمع الدولي كله الذي هو أكثر تطرفا من الولايات المتحدة، وتقوم المعارضة الامريكية على اعتبارات اخلاقية وقانونية وسياسية، وعلى حسب وجهة نظر الادارات الامريكية على اختلاف حقبها، فان مشروع الاستيطان يضر ضررا شديدا لا بمصلحة الولايات المتحدة فحسب بل بمصالح "اسرائيل" ايضا، ويجوز ان نذكر ان هذا الموقف الامريكي يحظى بتأييد واسع ايضا من الجمهور والجهاز السياسي في "اسرائيل"، وعلى ذلك فليس من المعقول ان تتبنى الادارة الامريكية توجه التسليم لمشروع الاستيطان.
يبدو من جهة اخرى ان الادارة على علم بأن استمرار المعارضة الشاملة لمشروع الاستيطان قد يضر بمنزلة الولايات المتحدة الدولية وفخامة شأنها بسبب حقيقة ان هذه السياسة لا يتم تحقيقها بالفعل أصلا، وتواجه الادارة الامريكية في ظاهر الامر احتمال تصاعد الاختلاف في الرأي في قضية المستوطنات الى حد قطيعة في العلاقات بـ"اسرائيل" وربما استعمال عقوبات عليها، لم تتبنَ أية ادارة امريكية هذا الاحتمال منذ 1967، ويجب على ادارة تزن تحقيق هذه الامكانية ان تأخذ في حسابها ان ترد عليها حكومة "اسرائيل" بالرفض، والى ذلك فليس من الواقع ألبتة هل سيحدث وقف مشروع الاستيطان تسوية مع الفلسطينيين، وقد طُرحت للنقاش قضايا حلها أصعب منها مطلب السلطة الفلسطينية:
أ - تحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين جزئيا على الأقل.
ب - تقسيم القدس والاعتراف بشرقي القدس عاصمة الدولة الفلسطينية التي ستنشأ.
ج - بت أمر حدود الدولة الفلسطينية، وتفكيك المستوطنات.
ان الاحتمال الأكثر معقولية في الظروف القائمة – والأجدى ايضا – هو جهد الادارة الامريكية لتصوغ مع "اسرائيل" وثيقة تفاهمات في قضية المستوطنات، وستُمكّن هذه الوثيقة "اسرائيل" من مواصلة مشروع الاستيطان على أساس مخطط متفق عليه محدود في طابعه، وقد تشتمل أسس هذه الوثيقة على النقاط الرئيسة التالية:
أ - تعاود "اسرائيل" تبيانها أنها تؤيد صيغة الاراضي مقابل السلام، واتفاقات اوسلو ورؤيا "دولتين للشعبين".
ب - تُبين "اسرائيل" ان مشروع الاستيطان لن يمس برسم خط الحدود مستقبلا بين "اسرائيل" والدولة الفلسطينية التي ستنشأ.
ج - تمتنع "اسرائيل" عن انشاء مستوطنات جديدة وعن توسيع مساحة مستوطنات قائمة.
د - تحصر "اسرائيل" نشاط البناء في داخل المستوطنات الموجودة في كتل استيطان كبيرة.
هـ - يكون البناء على كل حال في داخل المستوطنات فقط وعلى أساس مبدأ الزيادة الطبيعية "واستمرار الحياة المعتادة".
و - تمتنع "اسرائيل" عن مصادرة اراض فلسطينية من اجل الاستيطان، وعن اعطاء استيطان المستوطنات حوافز.
ز - تمتنع الادارة الامريكية عن التعبير عن معارضة بناء اسرائيلي في أنحاء القدس.
يمكن ان تكون صيغة من هذا القبيل لاتفاق تفاهم مقبولة مبدئيا عند حكومات يمين في "اسرائيل" ايضا، وقد تم صوغ وثيقة تفاهمات تشبه هذه بين ادارة الرئيس بوش ورئيس الوزراء اريئيل شارون، ولا يوجد سبب يدعو الادارة الحالية في الولايات المتحدة الى عدم تبني وثيقة كهذه.
الولايات المتحدة وقضية المستوطنات - نظرة تاريخية
إن قضية الاستيطان مختلف فيها، بدرجات تكثيف متغيرة بين "اسرائيل" والولايات المتحدة منذ انتهت حرب الايام الستة، وقد عبرت جميع الادارات الامريكية عن مواقف سلبية من ظاهرة الاستيطان معتمدة على شتى الدعاوى، وقد برز على العموم الميل الى حصر المعارضة في جانبين وهما:
أ - ان المستوطنات غير قانونية.
ب - ان المستوطنات عائق أمام السلام. ومنذ 1981 على أثر قول الرئيس ريغان انه لا يقبل دعوى عدم قانونية المستوطنات، حصرت الادارة عنايتها في الأساس في قضية تأثير المستوطنات في مسيرة السلام.
عرض ممثلو الادارة هنا وهناك ظاهرة الاستيطان على أنها من العناصر في اطار توجه الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني للعمل بصورة أحادية – وهو توجه لا تقبله الادارة، فعلى سبيل المثال في رسالة أرسلتها الادارة الامريكية الى القيادة الفلسطينية قُبيل مؤتمر مدريد، 24 تشرين الاول 1994، ربطت معارضتها لظاهرة المستوطنات بمعارضة شاملة لخطوات من طرف واحد للطرفين، لكن الادارة الامريكية حصرت عنايتها في أكثر الحالات في الجانب الاسرائيلي دونما صلة بنشاط من طرف واحد للجانب الفلسطيني.
في عدد من تصريحات عناصر في الادارة الامريكية عن قضية الاستيطان تم التعبير عن موقف وهو ان طلب الادارة الى "اسرائيل" ان توقف الاستيطان لا ينبع فقط من رؤية هذا الموقف أنه تعبير عن مصلحة قومية امريكية بل من تقدير ان هذا حيوي لمصالح "اسرائيل" ايضا.
وقد عبر سفير الولايات المتحدة في "اسرائيل" في عهد الرئيس بوش، دانيال كيرتسر، عن ذلك تعبيرا لا لبس فيه (29 أيار 2002). وهو يرى معتمدا اعتمادا كبيرا على آراء تقبلها دوائر واسعة في "اسرائيل" ان منزلة "اسرائيل" ووضعها الامني سيتحسنان اذا وحينما توقف مشروع الاستيطان.
وعرض الرئيس بوش دعوى اخرى لمعارضة ظاهرة الاستيطان فقد قال (24 أيار 2006) إن المستوطنات تُحدث احتكاكا شديدا بين اليهود والفلسطينيين وتسهم بذلك في تعظيم الكراهية والعنف في المنطقة، وكان كلام الرئيس في هذا السياق يرمي الى تسويغ تأييده لخطة انفصال اريئيل شارون، وموقفه المؤيد جدا لخطة انطواء رئيس الوزراء اهود اولمرت، وبوش برغم انه يؤكد أهمية ان تعمل "اسرائيل" في اطار الاتفاق مع الفلسطينيين يُجل كثيرا الانسحاب وتفكيك المستوطنات باعتبارهما عاملين يستطيعان ان يُسهما في زيادة الهدوء في المنطقة.
أُقر أساس مواقف الولايات المتحدة هذه من قضية الاستيطان بعد نهاية حرب الايام الستة بأشهر معدودة، حينما كانت ظاهرة الاستيطان ما تزال في مهدها وكانت محدودة السعة جدا، وأوضحت ادارة الرئيس جونسون موقفها وهو انه لا يجوز لحكومة "اسرائيل" ان تعمل في المناطق التي احتلتها في حرب الايام الستة بطريقة قد تضر بجهود السلام وتحقيق صيغة: "الاراضي مقابل السلام". وأكدت الادارة الى ذلك ان هذا النشاط يعارض المادة (49) من ميثاق جنيف التي تقضي بأن القوة المحتلة لا يجوز لها ان تنقل سكانا منها الى المنطقة الواقعة تحت الاحتلال.
بعد ذلك صاحبت تصريحات ممثلي الادارة الامريكية في قضية المستوطنات ألوان جديدة نصف جزءا منها فيما يلي، فقد اختارت ادارة جونسون مثلا في بعض تناولها لهذه القضية ان تنشئ ربطا ولو بصورة غير مباشرة بينها وبين وضع المواجهة الاسرائيلية – العربية، وشعور "اسرائيل" بأن العالم العربي يطمح الى القضاء عليها.
إن ربط ظاهرة الاستيطان بوضع الصراع قد تم في شبه يقين وبين يديه قرارات مؤتمر الخرطوم (29 آب – 1 ايلول 1967) التي عبرت عن موقف عربي متشدد من قضية التسوية السياسية مع "اسرائيل"، وعلى أثر توسع حرب الاستنزاف الدامية على طول قناة السويس.
يمكن وقد مهدنا بهذا ان نفهم قول الرئيس جونسون إن على "اسرائيل" ان تقنع العالم العربي بأنها ليست لها سياسة ترمي الى زيادة مساحتها بواسطة سياسة الاستيطان، وطلب في المقابل من العالم العربي ان يقنع ا"سرائيل" بأنه تخلى عن طموحه الى القضاء عليها، وربما يمكننا ان نجد في هذا التصريح تباشير توجه غلب على ادارات اخرى ايضا وهو اظهار تفهم لـ "حق" "اسرائيل" في الاستمرار في سياسة الاستيطان ما استمر الصراع بينها وبين العالم العربي وما ظل عند "اسرائيل" سبب يدعو الى الارتياب بأن العالم العربي ما يزال يُدبر للقضاء عليها.
في بعض التصريحات التي تناولت قضية الاستيطان أُثير سؤال مكانة القدس بعامة وشرقي القدس بخاصة، بعد حرب الايام الستة عندما عدّلت الكنيست أمر ترتيبات الحكم والقضاء الذي أضاف المادة (11 ب) التي تقضي بأن "القضاء والتقاضي والادارة للدولة ستنطبق على كل ارض من ارض اسرائيل حددتها الحكومة بأمر". ومكّن هذا التعديل الحكومة من اجراء القانون الاسرائيلي على شرقي القدس بعد ذلك بزمن قصير، وبدأت في المقابل بناءا سريعا في شرقي القدس وكان هدفها أن تعبر تعبيرا ملموسا عن سيادتها على المدينة الموحدة.
تحفظت الادارة الامريكية من نشاط "اسرائيل" ذاك، وعادت تقرر ان القدس الشرقية جزء من المناطق التي احتلتها "اسرائيل" في حرب الايام الستة وان حكمها في قضية المستوطنات كحكم سائر المناطق، ومن وجهة نظر الادارة الامريكية، كانت جميع الخطوات التي نفذتها "اسرائيل" في شرقي القدس ومنها مواقع تاريخية ودينية، واجراء القانون الاسرائيلي على القدس يعارضان القانون الدولي ويضران بالمصالح المشتركة بين "اسرائيل" والولايات المتحدة.
في خطبة خطبها مندوب الولايات المتحدة في الامم المتحدة في عهد ادارة نيكسون، تشارلز يوست، في الاول من تموز 1969 بيّن ان الادارة الامريكية "تأسف وتندد" بخطوات "اسرائيل" في شرقي القدس. وبيّن السفير ان منطقة شرقي القدس من وجهة نظر الولايات المتحدة هي جزء من جميع المناطق التي تم احتلالها في خلال حرب الايام الستة وتنطبق عليها جميع قواعد القانون الدولي المتعلقة بالسيطرة على منطقة محتلة، وبيّنت الادارة لـ"اسرائيل" ان هذه الخطوات لن تؤثر في تحديد مكانة القدس في التسوية التي سيتم احرازها.
لوحظ في كثير من تناول عمال ادارة امريكيين لقضية الاستيطان توجه التقليل من ذكر أهمية التباحث في شأن تسوية اسرائيلية فلسطينية، ومستوى التكثيف الذي ينبغي ان تُعرض فيه المعارضة الامريكية لهذه الظاهرة، وقد صاحبت اسباب مختلفة هذا التوجه وفي أساسها الاعتراف بأن:
يخدم مصالحها القومية.
أ - المستوطنات غير قانونية.
ب - المستوطنات عائق أمام السلام.
وشذ عن ذلك ادارتان جمهوريتان كانت الاولى هي ادارة ريغان الذي أكد أنه لا يقبل قول ان المستوطنات غير قانونية، ومع ذلك انتقد صورة نشاط المستوطنات ومعدل نموها وعرّفها بأنها متحدية، وكانت الثانية ادارة جورج بوش (الابن)، التي صاغت نظام تفاهمات شاملا مع رئيسي الوزراء "شارون" و"اولمرت" في قضية المستوطنات، وكان معنى التفاهمات اعترافا فعليا محدود الطابع بالمشروع الاستيطاني مع افتراض ان البناء سيتم تحقيقه في مخطط متفق عليه بين "اسرائيل" والولايات المتحدة.
وكانت في داخل "اسرائيل" ايضا اختلافات جوهرية في الرأي في قضية المستوطنات، فقد وجدت حكومات رأتها مصلحة قومية حيوية لـ"اسرائيل" ولا سيما في الجانب الأمني، بينما رأت اخرى ذلك تحقيقا لعقيدة ايديولوجية – دينية، وحقا تاريخيا للشعب اليهودي في ارض الآباء، وكان من رأوا ذلك تحقيقا لضرورات ائتلافية، وقد أنفقت جميع الحكومات على المستوطنات أموالاً ضخمة على أنحاء مختلفة.
يمكن بالنظر الى الوراء ان نقول ان المعارضة الامريكية الطويلة لمشروع الاستيطان لم تحرز هدفها لأن مشروع الاستيطان أخذ يتطور بالفعل ويجب على الادارة الامريكية في هذه الظروف ان تسأل نفسها: أهناك أساس وحكمة في الاستمرار في المعارضة الشاملة لمشروع الاستيطان؟ تثبت التجربة التاريخية ان المعارضة الدولية لمشروع الاستيطان بعامة والامريكية بخاصة التي حظيت بدعم دوائر واسعة في داخل "اسرائيل"، لم تنجح في وقف هذا المشروع ويجب على الادارة الامريكية في هذه الظروف ان تسأل نفسها هل استمرار المعارضة الامريكية لمشروع الاستيطان قد تضر بمنزلة الولايات المتحدة وجلالة شأنها في النظام الدولي وبأي قدر، ويُسأل من تلقاء نفسه سؤال ألم يحن الوقت لتحول في سياسة الادارة الامريكية في قضية المستوطنات.
برغم علم الادارة الامريكية بعدم نجاحها في وقف مشروع الاستيطان، لن تتبنى أبداً اقتراح التسليم لهذه الظاهرة، فالمعارضة الامريكية لمشروع الاستيطان يدعمها ويؤيدها المجتمع الدولي كله الذي هو أكثر تطرفا من الولايات المتحدة، وتقوم المعارضة الامريكية على اعتبارات اخلاقية وقانونية وسياسية، وعلى حسب وجهة نظر الادارات الامريكية على اختلاف حقبها، فان مشروع الاستيطان يضر ضررا شديدا لا بمصلحة الولايات المتحدة فحسب بل بمصالح "اسرائيل" ايضا، ويجوز ان نذكر ان هذا الموقف الامريكي يحظى بتأييد واسع ايضا من الجمهور والجهاز السياسي في "اسرائيل"، وعلى ذلك فليس من المعقول ان تتبنى الادارة الامريكية توجه التسليم لمشروع الاستيطان.
يبدو من جهة اخرى ان الادارة على علم بأن استمرار المعارضة الشاملة لمشروع الاستيطان قد يضر بمنزلة الولايات المتحدة الدولية وفخامة شأنها بسبب حقيقة ان هذه السياسة لا يتم تحقيقها بالفعل أصلا، وتواجه الادارة الامريكية في ظاهر الامر احتمال تصاعد الاختلاف في الرأي في قضية المستوطنات الى حد قطيعة في العلاقات بـ"اسرائيل" وربما استعمال عقوبات عليها، لم تتبنَ أية ادارة امريكية هذا الاحتمال منذ 1967، ويجب على ادارة تزن تحقيق هذه الامكانية ان تأخذ في حسابها ان ترد عليها حكومة "اسرائيل" بالرفض، والى ذلك فليس من الواقع ألبتة هل سيحدث وقف مشروع الاستيطان تسوية مع الفلسطينيين، وقد طُرحت للنقاش قضايا حلها أصعب منها مطلب السلطة الفلسطينية:
أ - تحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين جزئيا على الأقل.
ب - تقسيم القدس والاعتراف بشرقي القدس عاصمة الدولة الفلسطينية التي ستنشأ.
ج - بت أمر حدود الدولة الفلسطينية، وتفكيك المستوطنات.
ان الاحتمال الأكثر معقولية في الظروف القائمة – والأجدى ايضا – هو جهد الادارة الامريكية لتصوغ مع "اسرائيل" وثيقة تفاهمات في قضية المستوطنات، وستُمكّن هذه الوثيقة "اسرائيل" من مواصلة مشروع الاستيطان على أساس مخطط متفق عليه محدود في طابعه، وقد تشتمل أسس هذه الوثيقة على النقاط الرئيسة التالية:
أ - تعاود "اسرائيل" تبيانها أنها تؤيد صيغة الاراضي مقابل السلام، واتفاقات اوسلو ورؤيا "دولتين للشعبين".
ب - تُبين "اسرائيل" ان مشروع الاستيطان لن يمس برسم خط الحدود مستقبلا بين "اسرائيل" والدولة الفلسطينية التي ستنشأ.
ج - تمتنع "اسرائيل" عن انشاء مستوطنات جديدة وعن توسيع مساحة مستوطنات قائمة.
د - تحصر "اسرائيل" نشاط البناء في داخل المستوطنات الموجودة في كتل استيطان كبيرة.
هـ - يكون البناء على كل حال في داخل المستوطنات فقط وعلى أساس مبدأ الزيادة الطبيعية "واستمرار الحياة المعتادة".
و - تمتنع "اسرائيل" عن مصادرة اراض فلسطينية من اجل الاستيطان، وعن اعطاء استيطان المستوطنات حوافز.
ز - تمتنع الادارة الامريكية عن التعبير عن معارضة بناء اسرائيلي في أنحاء القدس.
يمكن ان تكون صيغة من هذا القبيل لاتفاق تفاهم مقبولة مبدئيا عند حكومات يمين في "اسرائيل" ايضا، وقد تم صوغ وثيقة تفاهمات تشبه هذه بين ادارة الرئيس بوش ورئيس الوزراء اريئيل شارون، ولا يوجد سبب يدعو الادارة الحالية في الولايات المتحدة الى عدم تبني وثيقة كهذه.
الولايات المتحدة وقضية المستوطنات - نظرة تاريخية
إن قضية الاستيطان مختلف فيها، بدرجات تكثيف متغيرة بين "اسرائيل" والولايات المتحدة منذ انتهت حرب الايام الستة، وقد عبرت جميع الادارات الامريكية عن مواقف سلبية من ظاهرة الاستيطان معتمدة على شتى الدعاوى، وقد برز على العموم الميل الى حصر المعارضة في جانبين وهما:
أ - ان المستوطنات غير قانونية.
ب - ان المستوطنات عائق أمام السلام. ومنذ 1981 على أثر قول الرئيس ريغان انه لا يقبل دعوى عدم قانونية المستوطنات، حصرت الادارة عنايتها في الأساس في قضية تأثير المستوطنات في مسيرة السلام.
عرض ممثلو الادارة هنا وهناك ظاهرة الاستيطان على أنها من العناصر في اطار توجه الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني للعمل بصورة أحادية – وهو توجه لا تقبله الادارة، فعلى سبيل المثال في رسالة أرسلتها الادارة الامريكية الى القيادة الفلسطينية قُبيل مؤتمر مدريد، 24 تشرين الاول 1994، ربطت معارضتها لظاهرة المستوطنات بمعارضة شاملة لخطوات من طرف واحد للطرفين، لكن الادارة الامريكية حصرت عنايتها في أكثر الحالات في الجانب الاسرائيلي دونما صلة بنشاط من طرف واحد للجانب الفلسطيني.
في عدد من تصريحات عناصر في الادارة الامريكية عن قضية الاستيطان تم التعبير عن موقف وهو ان طلب الادارة الى "اسرائيل" ان توقف الاستيطان لا ينبع فقط من رؤية هذا الموقف أنه تعبير عن مصلحة قومية امريكية بل من تقدير ان هذا حيوي لمصالح "اسرائيل" ايضا.
وقد عبر سفير الولايات المتحدة في "اسرائيل" في عهد الرئيس بوش، دانيال كيرتسر، عن ذلك تعبيرا لا لبس فيه (29 أيار 2002). وهو يرى معتمدا اعتمادا كبيرا على آراء تقبلها دوائر واسعة في "اسرائيل" ان منزلة "اسرائيل" ووضعها الامني سيتحسنان اذا وحينما توقف مشروع الاستيطان.
وعرض الرئيس بوش دعوى اخرى لمعارضة ظاهرة الاستيطان فقد قال (24 أيار 2006) إن المستوطنات تُحدث احتكاكا شديدا بين اليهود والفلسطينيين وتسهم بذلك في تعظيم الكراهية والعنف في المنطقة، وكان كلام الرئيس في هذا السياق يرمي الى تسويغ تأييده لخطة انفصال اريئيل شارون، وموقفه المؤيد جدا لخطة انطواء رئيس الوزراء اهود اولمرت، وبوش برغم انه يؤكد أهمية ان تعمل "اسرائيل" في اطار الاتفاق مع الفلسطينيين يُجل كثيرا الانسحاب وتفكيك المستوطنات باعتبارهما عاملين يستطيعان ان يُسهما في زيادة الهدوء في المنطقة.
أُقر أساس مواقف الولايات المتحدة هذه من قضية الاستيطان بعد نهاية حرب الايام الستة بأشهر معدودة، حينما كانت ظاهرة الاستيطان ما تزال في مهدها وكانت محدودة السعة جدا، وأوضحت ادارة الرئيس جونسون موقفها وهو انه لا يجوز لحكومة "اسرائيل" ان تعمل في المناطق التي احتلتها في حرب الايام الستة بطريقة قد تضر بجهود السلام وتحقيق صيغة: "الاراضي مقابل السلام". وأكدت الادارة الى ذلك ان هذا النشاط يعارض المادة (49) من ميثاق جنيف التي تقضي بأن القوة المحتلة لا يجوز لها ان تنقل سكانا منها الى المنطقة الواقعة تحت الاحتلال.
بعد ذلك صاحبت تصريحات ممثلي الادارة الامريكية في قضية المستوطنات ألوان جديدة نصف جزءا منها فيما يلي، فقد اختارت ادارة جونسون مثلا في بعض تناولها لهذه القضية ان تنشئ ربطا ولو بصورة غير مباشرة بينها وبين وضع المواجهة الاسرائيلية – العربية، وشعور "اسرائيل" بأن العالم العربي يطمح الى القضاء عليها.
إن ربط ظاهرة الاستيطان بوضع الصراع قد تم في شبه يقين وبين يديه قرارات مؤتمر الخرطوم (29 آب – 1 ايلول 1967) التي عبرت عن موقف عربي متشدد من قضية التسوية السياسية مع "اسرائيل"، وعلى أثر توسع حرب الاستنزاف الدامية على طول قناة السويس.
يمكن وقد مهدنا بهذا ان نفهم قول الرئيس جونسون إن على "اسرائيل" ان تقنع العالم العربي بأنها ليست لها سياسة ترمي الى زيادة مساحتها بواسطة سياسة الاستيطان، وطلب في المقابل من العالم العربي ان يقنع ا"سرائيل" بأنه تخلى عن طموحه الى القضاء عليها، وربما يمكننا ان نجد في هذا التصريح تباشير توجه غلب على ادارات اخرى ايضا وهو اظهار تفهم لـ "حق" "اسرائيل" في الاستمرار في سياسة الاستيطان ما استمر الصراع بينها وبين العالم العربي وما ظل عند "اسرائيل" سبب يدعو الى الارتياب بأن العالم العربي ما يزال يُدبر للقضاء عليها.
في بعض التصريحات التي تناولت قضية الاستيطان أُثير سؤال مكانة القدس بعامة وشرقي القدس بخاصة، بعد حرب الايام الستة عندما عدّلت الكنيست أمر ترتيبات الحكم والقضاء الذي أضاف المادة (11 ب) التي تقضي بأن "القضاء والتقاضي والادارة للدولة ستنطبق على كل ارض من ارض اسرائيل حددتها الحكومة بأمر". ومكّن هذا التعديل الحكومة من اجراء القانون الاسرائيلي على شرقي القدس بعد ذلك بزمن قصير، وبدأت في المقابل بناءا سريعا في شرقي القدس وكان هدفها أن تعبر تعبيرا ملموسا عن سيادتها على المدينة الموحدة.
تحفظت الادارة الامريكية من نشاط "اسرائيل" ذاك، وعادت تقرر ان القدس الشرقية جزء من المناطق التي احتلتها "اسرائيل" في حرب الايام الستة وان حكمها في قضية المستوطنات كحكم سائر المناطق، ومن وجهة نظر الادارة الامريكية، كانت جميع الخطوات التي نفذتها "اسرائيل" في شرقي القدس ومنها مواقع تاريخية ودينية، واجراء القانون الاسرائيلي على القدس يعارضان القانون الدولي ويضران بالمصالح المشتركة بين "اسرائيل" والولايات المتحدة.
في خطبة خطبها مندوب الولايات المتحدة في الامم المتحدة في عهد ادارة نيكسون، تشارلز يوست، في الاول من تموز 1969 بيّن ان الادارة الامريكية "تأسف وتندد" بخطوات "اسرائيل" في شرقي القدس. وبيّن السفير ان منطقة شرقي القدس من وجهة نظر الولايات المتحدة هي جزء من جميع المناطق التي تم احتلالها في خلال حرب الايام الستة وتنطبق عليها جميع قواعد القانون الدولي المتعلقة بالسيطرة على منطقة محتلة، وبيّنت الادارة لـ"اسرائيل" ان هذه الخطوات لن تؤثر في تحديد مكانة القدس في التسوية التي سيتم احرازها.
لوحظ في كثير من تناول عمال ادارة امريكيين لقضية الاستيطان توجه التقليل من ذكر أهمية التباحث في شأن تسوية اسرائيلية فلسطينية، ومستوى التكثيف الذي ينبغي ان تُعرض فيه المعارضة الامريكية لهذه الظاهرة، وقد صاحبت اسباب مختلفة هذا التوجه وفي أساسها الاعتراف بأن:
يخدم مصالحها القومية.