المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسار الربيع العربي - الجزء الرابع



أسيد
04-11-2013, 08:15 PM
أما فرنسا وبريطانيا فإن أمريكا أسندت لهما مهمات دولية تلبي رغباتهما في لعب دور خارج حدودهما كما تلبي حاجة الإدارة الأمريكية لإشراك غيرها في تحمل المسؤولية في القضايا الدولية وتبعاتها وهو ما يجنب سياستها السخط الداخلي والدولي خاصة بعد سلسلة الإخفاقات التي جلبها الحزب الجمهوري في إدارته للقضايا الدولية خصوصاً ما عرف بالحرب على الإرهاب وما نتج عنه من تداعيات على منطقة الشرق الأوسط وعلى اقتصاد أمريكا والعالم. لذلك قدمت أمريكا دعماً لوجستياً وغطاءاً سياسياً دولياَ لفرنسا لضرب التنظيمات المقاتلة في شمال مالي بالإنابة عنها، وبرغم انه لا يوجد مزاحمة لأمريكا من قبل فرنسا وبريطانيا في الموقف الدولي إلا أن أمريكا لا تدخر جهدا في استغلال أوروبا لخدمتها وتحمل الأعباء عنها ، كما لا تفوت فرصة للكيد والتآمر على الدول الكبرى لإشغالها، ويمكننا أن نرصد تواطؤ روسيا وأمريكا في الأزمة السورية على إطالة أمد الصراع لجعل سوريا القريبة من أوروبا حاضنة للتنظيمات "المتطرفة" التي تمثل خطرا يقلق أوروبا ويورطها في مواجهة "الارهاب" خصوصا بعد عودة الذين قدموا للقتال من أوروبا إلى بلدانهم، فمن الملاحظ أن أمريكا سعت لإلقاء ملف المواجهة العسكرية مع "الارهاب" على عاتق أوروبا لتحمل تبعاته وتخفيف الضغط عن كاهلها خصوصا أنه أصبح لا يتناسب مع سياسة القوة الناعمة التي تنتهجها دوليا وهو ما دعاها لخداع فرنسا بدور دولي للتدخل عسكريا في شمال مالي، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يطول الصراع في سوريا بوجود بشار أو غيابه عن الحكم لأن أمريكا سهلت ومولت عن طريق السعودية وقطر وتركيا والأردن وجود ما يقارب 80 ألف مقاتل أجنبي على الأراضي السورية فضلا عن آلاف المقاتلين الشيعة الأجانب الذين يساندون نظام الطائفة العلوية ما يعني أن الصراع سيستمر ما دام يعزز مكانة تركيا كدولة محورية في المنطقة ويؤهلها للعب دور في المنطقة وفي أوروبا لصالح أمريكا وسوف يطول الصراع ما دام يستنزف حزب الله والتنظيمات "الراديكالية" ويضغط على أوروبا للانخراط أكثر في ملف الإرهاب. وبهذا الصدد أدركت الدول الأوروبية أنه لا غنى لها عن تركيا في مهمة التصدي "للإرهاب" فسارعت لإحياء ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في الوقت الذي بدأت فيه تركيا التضييق على التنظيمات المقاتلة في سوريا لجني مكاسبها من الأزمة.

وأمريكا هي التي توجه الأحداث السياسية الدولية والإقليمية منفردة من خلال نفوذها في المؤسسات الدولية ومن خلال عملائها في المنطقة وبعض الأحزاب السياسية والشخصيات التي تفاهمت معها وأصبحت طرفاً فاعلاً في المشهد السياسي في الشرق الأوسط. والدول التقليدية الكبرى هي منفذة للمشاريع الأمريكية ومتفاهمة إلى حد كبير مع الولايات المتحدة في أغلب القضايا الدولية مع وجود تنافس في الجانب الاقتصادي، ولكن بخصوص النفط فإن هناك تفاهم بين الدول الكبرى على بقائه خارج سيطرة الدول المنتجة وبقاء التحكم بكمياته وأسعاره وإمداداته بيد الدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها أمريكا، لأن النفط فوق كونه مصلحة حيوية للشركات الغربية العابرة إلا أن أهميته تتخطى القيمة المادية إلى المستوى الاستراتيجي والأمن الدولي لأنه يمثل عصب الحياة للدول، وبدونه تتعطل مصالح الأمم والشعوب. لذلك يرتبط النفط ارتباطا حتميا بالأمن القومي للدول الكبرى ورفاه شعوبها، ومن الغفلة التصور بأن الغرب يترك للدول المنتجة سيادة فعلية على مقدراتها النفطية والاستراتيجية، لهذا نجد حاليا مندوبين عن الحكومات الغربية في الوزارات السيادية في ليبيا مثلا، يتولون توجيه الصفقات التجارية ويراقبون أداء الحكومة بما يضمن مصالحهم بذريعة مهمات استشارية. كما يقومون بالتخطيط للقوى العلمانية المتمثلة بكتلة محمود جبريل الذي يدفع باتجاه علمنة الدولة الليبية وتقويض نفوذ التنظيمات الإسلامية المسلحة بالتواطؤ مع "أزلام النظام البائد" من خلال إذكاء العداوة بين القوى الثورية ذات الطابع الإسلامي وتأليب الناس عليها بإلصاق جرائم الاغتيالات والتفجيرات بالمحسوبين على التيارات الإسلامية، ومن جهة أخرى تحاول حكومة زيدان التابعة لكتلة جبريل تقوية وتلميع مليشيات مناطق الزنتان المتنافرة مع الإسلاميين لجعلها نواة لقوة عسكرية شرعية يتم استخدامها عند الضرورة للوقوف في وجه القوى الثورية الإسلامية. ولكن ما يعطل صياغة الوضع في ليبيا هو قوة التنظيمات الإسلامية المسلحة الخارجة عن الفلك الحكومي مثل ثوار مصراته. أما بشأن حادثة اختطاف رئيس الحكومة زيدان فتأتي للتغطية على تواطئ الحكومة على اختطاف أبو أنس الليبي على يد عملاء المخابرات الأمريكية في ليبيا وتسليمه للجيش الأمريكي، باعتبار أن الانفلات الأمني الذي تعاني منه ليبيا هو سبب الاختراق الخارجي للساحة الليبية بحيث أدى إلى اختطاف رئيس الحكومة ذاته من قبل مليشيات خارجة على القانون، وهذا من شانه أن يسلط الضوء على ضرورة بناء الجيش وإعادة بناء القوى الأمنية بمعايير وطنية لا حزبية أو مناطقية خصوصا مع ارتفاع الأصوات الشعبية المطالبة بنزع سلاح المليشيات بعد تكثيف عمليات الاغتيال والتفجيرات في مناطق مختلفة خصوصا في بنغازي التي تُستهدفْ التنظيمات الإسلامية فيها بالتشويه المقصود. وليس من المتصور أن تكون التنظيمات المسلحة وراء عملية الاختطاف لاعتبارات سياسية، لأنها مستفيدة أصلا من ضعف حكومة زيدان الذي تستغله لإعاقة مشروع إقصائها من التأثير في الحياة السياسية .

يتبع إن شاء الله